تأثير الأزمة الأوكرانية 2022 على بنية النسق الدولي
The Impact of The 2022 Ukrainian Crisis on the Structure of the International System

اعداد : بسمة جمال خلف خميس , خلود خالد مصطفي شلبي , عبد الله محمد منير صبري , محمود شريف محمد ثابت , نوران أحمد المتولي المتولي – إشراف : أ.د. أحمد وهبان – كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية – جامعة الإسكندرية – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
مُستخلص :
بدأت الأزمة الأوكرانية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 حين حصلت أوكرانيا على استقلالها، ثم تنازلت عن ترسانتها النووية بموجب مذكرة بودابست عام 1994 مقابل ضمانات أمنية. شكّلت الثورة البرتقالية عام 2004 تحوّلًا مهمًا، إذ عبّرت عن توجه أوكراني نحو الغرب ورفض للهيمنة الروسية، مما زاد من حدة التوترات. وتفاقمت الأزمة بضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، ثم اندلاع العمليات العسكرية الروسية في فبراير 2022.
تعكس الأزمة صراعًا بين روسيا والدول الغربية حول النفوذ، حيث دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها أوكرانيا وفرضوا عقوبات على موسكو، في حين اتجهت روسيا لتقوية علاقاتها مع قوى غير غربية. وأبرزت الأزمة تحولات جوهرية في النسق الدولي، كما أعادت الأزمة مشهد الاستقطاب الدولي في ظل تصاعد التوترات العالمية، بما يوحي بعودة شكل جديد ومعقد من الحرب الباردة، مما يعكس تصدعًا في هيمنة القوى الأحادية وصعود قوى تسعى لإعادة تشكيل النسق الدولي.
Abstract
The Ukrainian crisis began after the collapse of the Soviet Union in 1991, when Ukraine gained independence and later gave up its nuclear arsenal under the 1994 Budapest Memorandum in exchange for security guarantees. The Orange Revolution in 2004 marked a significant shift, reflecting Ukraine’s westward orientation and rejection of Russian dominance, which intensified tensions. The crisis escalated with Russia’s annexation of Crimea in 2014 and the launch of Russian military operations in February 2022.
The crisis reflects a struggle between Russia and Western countries over influence. The United States and its allies supported Ukraine and imposed sanctions on Moscow, while Russia strengthened its ties with non-Western powers. The crisis highlighted fundamental shifts in the international system. It also revived a scene of global polarization amid rising tensions, suggesting the emergence of a new and complex form of the Cold War, reflecting a fracture in unipolar dominance and the rise of powers seeking to reshape the global order.
مقدمة
شكلت بعض الأحداث في التاريخ الحديث والمعاصر نقاط تحوّل كبرى أعادت رسم ملامح النسق الدولي، وأحدثت تغييرات جذرية في مسار العلاقات بين القوى الكبرى. وكما مثّلت الحربان العالميتان الأولى والثانية، وتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، لحظات فارقة في هذا السياق، تبرز الأزمة الأوكرانية بوصفها إحدى هذه المحطات المفصلية التي لن تقل أهمية أو خطورة عن سابقاتها.
فرغم أن نطاق الأزمة في أوكرانيا قد لا يضاهي من حيث الاتساع والدمار ميادين القتال في الحربين العالميتين، إلا أن تداعياتها السياسية والعسكرية والاقتصادية تنذر بتأثيرات بعيدة المدى على النسق الدولي، لا سيما مع ما أفرزته من تحولات في التحالفات الدولية، وإعادة تموضع لقوى كبرى، وصعود أدوار جديدة في الساحة الجيوسياسية. وقد يكون التشابه الأقرب لها من حيث الطابع والنتائج هو ما أعقب تفجيرات سبتمبر، من حيث إعادة هيكلة مفردات النسق العالمي، وخلق أطر جديدة للتعاون والصراع على السواء.
إن الأزمة الأوكرانية التي اندلعت بشكلها الأوسع في فبراير 2022، عقب سنوات من التوتر المتراكم منذ ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، لم تكن وليدة لحظة مفاجئة، بل نتيجة تفاعلات تاريخية وجيوسياسية ممتدة، تضرب بجذورها في بنية العلاقة المعقدة بين روسيا والغرب بعد الحرب الباردة. لقد عبّرت هذه الأزمة عن صراع الإرادات بين مشروع غربي بقيادة الولايات المتحدة يسعى إلى تثبيت قواعد “النسق الليبرالي”، ومشروع روسي مناهض يسعى إلى إعادة الاعتبار لمفهوم توازن القوى والسيادة الوطنية، والتصدي لما تعتبره موسكو تمددًا غربيًا يهدد مجالها الحيوي.
وتكمن أهمية دراسة هذه الأزمة في توقيتها وسياقها، فهي تندرج ضمن سلسلة من التحولات التي شهدها النسق الدولي خلال العقدين الأخيرين، بدءًا من تراجع القطبية الأحادية الأمريكية، وصعود قوى مثل روسيا والصين، وتزايد التحديات العابرة للحدود، وصولًا إلى إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية العالمية في أعقاب جائحة كوفيد-19. كما أنها جاءت لتؤكد هشاشة بنية الأمن الجماعي، وتُعيد إلى الواجهة مفاهيم مثل الردع، والتحالفات العسكرية، والصراعات بالوكالة.
تتناول الدراسة أربعة فصول رئيسية، تشمل استعراض الإطار المفاهيمي المتعلق بالأزمات الدولية وبنية النسق الدولي، وتحليلاً لمراحل تطور الأزمة الأوكرانية منذ جذورها التاريخية وحتى المرحلة الراهنة، بالإضافة إلى دراسة انعكاساتها على العلاقات الدولية، لا سيما بين روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك أثرها على أنماط الاستقطاب الدولي، وصولًا إلى بحث تأثيرها العميق على بنية النسق الدولي الراهن، من حيث صعود الفواعل الجديدة، وتغير موازين القوى، واحتمالات الانتقال إلى نسق دولي متعدد الأقطاب.
شهد النسق الدولي منذ مطلع القرن الحادي والعشرين تحولات جوهرية أعادت تشكيل بنيته، بدءًا من أحداث 11 سبتمبر 2001 التي عززت التدخلات العسكرية الأمريكية، مرورًا بالأزمة المالية العالمية 2008 التي أثرت على موازين القوى الاقتصادية، ثم الأزمة السورية 2011 التي عمّقت الانقسامات الدولية، وصولًا إلى جائحة كوفيد-19 في 2020 التي فرضت واقعًا جديدًا على العلاقات الدولية، كما مثل غزو روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، ثم الاجتياح الأوكراني 2022، محطات مفصلية في إعادة تعريف العلاقات بين القوى الكبرى؛ وقد أدت هذه التطورات إلى إضعاف القطبية الأحادية التي ميزت بنية النسق الدولي بعد الحرب الباردة، وساهمت في تعزيز صعود الصين وروسيا كقوتين تسعيان إلى تقويض الهيمنة الأمريكية؛ مما أدى إلى إعادة تشكيل التحالفات الدولية، وبعث قضايا مثل أزمة تايوان، وارتباطًا بما تقدم، تتمحور المشكلة البحثية حول التساؤل الرئيسي التالي: ما تأثير الأزمة الأوكرانية على بنية النسق الدولي؟
وتندرج تحت هذا التساؤل مجموعة من التساؤلات الفرعية:
1.ما المقصود بمفهوم الأزمة وما أبرز خصائصها؟
2.ما المقصود بمفهوم بنية النسق الدولي وما أبرز خصائصه؟
3..ما جذور الأزمة الأوكرانية؟
4..ما تأثير الأزمة الأوكرانية على توازن القوى داخل النسق الدولي؟
5..ما دور الأزمة في إعادة تشكيل التحالفات الدولية؟
6..ما تأثير الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأمريكية؟
7..ما انعكاسات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأوروبية؟
8..ما تأثير الأزمة الأوكرانية على زيادة الاستقطاب بين القوى الكبرى؟
- ما تأثير الأزمة الأوكرانية على إعادة إحياء القضية التايوانية؟
يهدف البحث إلى تحليل تأثير الأزمة الأوكرانية على بنية النسق الدولي، من خلال استكشاف دورها في إعادة تشكيل النسق الدولي، ومدى تسريعها للتحول نحو التعددية القطبية، كما تسعى إلى فهم انعكاساتها على توازن القوى الدولية، مع التركيز على مواقف الفاعلين الرئيسيين، مثل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، وتأثيرها على التحالفات الدولية، والاستقطاب بين القوى الكبرى.
كما يتناول البحث دور الأزمة الأوكرانية في تحول بنية النسق الدولي؛ حيث تساهم تداعياتها في تسريع الانتقال من نظام القطبية الأحادية، المتمثل في الهيمنة الأمريكية، إلى نسق دولي متعدد الأقطاب، وذلك من خلال إعادة تشكيل توازنات القوى، وتعزيز دور القوى الدولية الصاعدة، وإعادة ترتيب التحالفات الاستراتيجية على الساحة العالمية، ومع ذلك، يبقى مدى تحقق هذا التحول مرهونًا بتطورات الأزمة، واستجابات الفاعلين الدوليين لها.
ثالثًا: أهمية البحث:
1.الأهمية العلمية:
يسعى البحث إلى تقديم إسهام ضمن الأدبيات العربية المعنية بحقل العلاقات الدولية من خلال دراسة تأثير الأزمة الأوكرانية على بنية النسق الدولي، ومن خلال تقديم تحليل معمّق لكيفية تأثير الأزمات الدولية الكبرى على بنية النسق الدولي، كما تتيح هذه الدراسة فهمًا أوسع لديناميكيات القوة، ودور الأزمات في إعادة تشكيل العلاقات الدولية.
2.الأهمية العملية:
تكمن الأهمية العملية للبحث في تقديم إطار تحليلي يُسهم في دعم صانع القرار المصري والعربي في فهم تداعيات الأزمة الأوكرانية على السياسة الدولية، ووضع استراتيجيات فاعلة للتعامل مع التحولات الجيوسياسية الناتجة عنها. كما يُسهم البحث في توضيح مستقبل موازين القوى العالمية.
يستند البحث إلى المناهج والمداخل التالية:
أ: المنهج الاستقرائي: يقوم هذا المنهج على دراسة الواقع القائم وتحليل التغيرات الناشئة عن الأزمة، بهدف فهم كيفية إعادة تشكيل توازنات القوى الدولية، ومدى انعكاس ذلك على هيكل النسق الدولي، ويتحقق ذلك من خلال تحليل مواقف الفاعلين الدوليين، ورصد التحولات في أنماط التحالفات العالمية، وإلى جانب المنهج الاستقرائي، تستعين الدراسة بالمنهج التاريخي والمدخل النسقي.
ب: المدخل التاريخي: نظرًا لأن الأزمة الأوكرانية ليست حدثًا منفصلًا، بل امتداد لصراعات ذات جذور تاريخية مرتبطة بتطور العلاقات بين روسيا والغرب منذ ما بعد الحرب الباردة، فإن هذا المدخل يُستخدم لتحليل المسارات التاريخية التي أدت إلى الأزمة.
ج: المدخل النسقي: يُنظر إلى النسق الدولي باعتباره منظومة ديناميكية تتألف من وحدات فاعلة تتفاعل وفق أنماط محددة، وتتأثر بالبيئة الداخلية والخارجية عبر عمليات تبادل للمدخلات والمخرجات، ومن هذا المنطلق، تسعى الدراسة إلى تحليل الأزمة الأوكرانية من خلال تحديد الفاعلين الأساسيين داخل النسق الدولي، ورصد أنماط التفاعل فيما بينهم قبل الأزمة وأثناءها، مع التركيز على التحولات التي طرأت على موازين القوى الدولية، كما يتناول التحليل أثر الأزمة على بنية النسق، سواء من حيث إعادة تشكيل التحالفات، أو تصاعد الانقسامات الجيوسياسية، أو بروز أنماط جديدة من الصراعات والتعاون الدولي.
تركز الدراسة على الفترة منذ عام 2014 مع تسليط الضوء على الابعاد التارخية للموضوع حيث اندلعت الأزمة الأوكرانية عقب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، مرورًا بتصاعد الصراع المسلح في شرق أوكرانيا، وصولا إلى الحرب الشاملة التي اندلعت في فبراير 2022 بين روسيا وأوكرانيا، وما تبعها من تحولات في بنية النسق الدولي، كما تأخذ الدراسة بعين الاعتبار التطورات المستمرة للأزمة حتى الوقت الراهن.
سادسًا: دراسات سابقة:
أ: دراسات ذات صلة بالإطار المفاهيمي
- باسمة فاروق السيد مندور، 2017،”الأزمة الدولية: دراسة نظرية.” المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية“، المجلد 8، العدد 2[1].
تناولت الدراسة مفهوم “الأزمة” في حقل العلاقات الدولية، حيث أوضحت كيف تطور هذا المفهوم وانتقل من مجالات الاقتصاد والإدارة إلى السياسة والعلاقات الدولية، ليصبح جزءًا أساسيًا من أدوات تحليل التفاعلات الدولية. استعرضت الدراسة تطور مفهوم الأزمة عبر العصور، بدءًا من القرن السادس عشر، مع التركيز على كيفية إعادة إنتاج هذا المفهوم في سياقات تاريخية مختلفة، حتى الوصول إلى صيغته المعاصرة في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية. كما تناولت الدراسة تصنيف الأزمات وأنواعها وأسبابها، بالإضافة إلى مراحل تطورها، مع توضيح خصائص الأزمات المختلفة وارتباطها بمفاهيم أخرى مثل الصراع والانفراج والتصعيد.
كما تناولت الدراسة نماذج إدارة الأزمات التي استخدمتها القوى الكبرى، سواء على المستوى السياسي أو العسكري، باعتبارها أدوات لإعادة ضبط التفاعلات الدولية أو احتواء تداعيات الأزمات الكبرى. وقد ساهمت هذه الدراسة في تطوير الإطار المفاهيمي لدراستنا، حيث وفرت قاعدة معرفية قوية لفهم الأزمات الدولية بوصفها ظواهر معقدة ومتعددة الأبعاد. كما أسهمت في توظيف هذا المفهوم في تحليل الأزمة الأوكرانية، بالنظر إلى تأثيراتها على تحولات النسق الدولي وتغيير موازين القوى العالمية.
- ماجد المساعدة، 2012، “إدارة الأزمات: المداخل المفاهيمية – العمليات“، عمان: دار الثقافة[2].
يتناول كتاب “إدارة الأزمات: المداخل المفاهيمية – العمليات” موضوع إدارة الأزمات من خلال ثلاثة محاور رئيسية: المدخل النظري، المدخل المفاهيمي، والمدخل العملي. يبدأ الكتاب بتوضيح تعريف مفهوم الأزمة وخصائصها الأساسية، مثل طبيعة الأزمات وأسبابها وآثارها المحتملة. بعد ذلك، يستعرض الكتاب المداخل المختلفة لإدارة الأزمات، مشيرًا إلى أهمية المدخل الوقائي الذي يسعى إلى منع وقوع الأزمات، والمدخل العلاجي الذي يركز على التعامل مع الأزمات بعد حدوثها. كما يناقش الكتاب عمليات إدارة الأزمات بالتفصيل، مثل التخطيط المسبق للأزمات، أساليب التنفيذ الفعّالة، وأدوات التقييم التي تضمن نجاح استراتيجيات التعامل مع الأزمات.
يقدم الكتاب رؤية شاملة وعملية لكيفية إدارة الأزمات بفعالية، ويعتبر مرجعًا مهمًا في هذا المجال لما يوفره من مفاهيم واستراتيجيات يمكن تطبيقها في مجالات مختلفة سواء في المؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص.
ب : دراسات ذات صلة بالأزمة الأوكرانية
- . دعاء حسين المكصوصي،2024،“استراتيجيات إدارة الصراع: أوكرانيا وإدارة جيوبولتيك المخاطر” عمّان: دار أمجد للنشر والتوزيع[3].
يتناول هذا الكتاب الأزمة الأوكرانية من زاوية تركّز على استراتيجيات إدارة الصراع التي تبنتها القوى الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، حيث يبدأ بإطار نظري يشرح مفاهيم الصراع وأنواعه، ثم ينتقل إلى تحليل أدوات التعامل مع الأزمة مثل العقوبات، وسياسات الردع، والصراع على موارد الطاقة، مع استعراض خلفياتها التاريخية ومخاطر التصعيد.
وقد استفادت دراستنا من هذا المرجع في تتبع مسارات التصعيد وتفسير الديناميات السياسية والاستراتيجية للأزمة، مما أغنى الفصل الثاني من البحث. إلا أن تركيز الكتاب على الدور الأمريكي لم يتوسع في تحليل أدوار فواعل دولية أخرى، وهو ما تسعى دراستنا إلى استكماله عبر تقديم رؤية أوسع للتحولات التي طرأت على بنية النسق الدولي بفعل الأزمة.
- محمد بوبوش،2023،”الأزمة الروسية الأوكرانية: القومية البوتينية وحلف شمال الأطلسي” القاهرة: العربي للنشر والتوزيع[4].
يتناول هذا الكتاب الأزمة الأوكرانية من منظور تحليلي متعدد الأبعاد، حيث يُبرز الخلفيات التاريخية والسياسية والاقتصادية للأزمة، ويركز على البعد القومي الروسي، وتاريخ العلاقات الروسية الأوكرانية، ودور حلف شمال الأطلسي في تصعيد التوتر وقد استفادت دراستنا من هذا المرجع في تحليل الجذور التاريخية والسياسية للأزمة، خصوصًا ما يتعلق بإرث الاتحاد السوفيتي والنزعة القومية الروسية وتأثيرها على سلوك موسكو تجاه كييف.
ورغم القيمة التحليلية للدراسة، فإن تركيزها اقتصر على تفسير سلوك الفاعلين الأساسيين دون التوسع في انعكاسات الأزمة على النسق الدولي، وهو ما تسعى دراستنا الحالية إلى معالجته من خلال تناول التحولات الهيكلية التي أحدثتها الأزمة في موازين القوى.
ج: دراسات ذات صلة بالعلاقات الدولية
- 1. محمود محمد الحراري، ،2022،“الأزمة الأوكرانية – الروسية وتأثيرها على العلاقات الدولية”، رسالة ماجستير، الأكاديمية الليبية[5].
تتناول الدراسة الأزمة الروسية – الأوكرانية بوصفها محطة مفصلية في العلاقات الدولية، من خلال الوقوف على خلفياتها التاريخية والسياسية، وتتبع مساراتها وأطرافها الفاعلة، وتحليل مضامين المواقف وردود الأفعال الدولية تجاهها. وتركز على ما أفرزته الأزمة من تداعيات على مسار الدبلوماسية الدولية، وما فرضته من تحديات على صعيد التوازنات السياسية والأمنية العالمية.
تنقسم الدراسة إلى ثلاثة مطالب، يوضح الأول طبيعة الأزمة وأسبابها، بينما يحلل الثاني تأثيرها على العلاقات الروسية – الأمريكية، ويتناول الثالث انعكاساتها على العلاقات الروسية – الأوروبية. وقد تم الاستفادة من هذا المرجع في تحليل التحولات التي طرأت على علاقات روسيا مع القوى الغربية، وفي فهم أعمق لطبيعة الانقسامات والتكتلات التي أعادت تشكيل البيئة الدولية في أعقاب اندلاع الأزمة.
- محمد عبد الرحمن يونس العبيدي، ،2022،”الاتحاد الأوروبي والحرب الروسية الأوكرانية: دراسة في المجالين السياسي والاقتصادي” قضايا سياسية، العدد 80[6].
تتناول الدراسة سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، مركّزة على العقوبات المفروضة على روسيا والدعم المقدم لأوكرانيا. كما تحلل تطور العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا، وكيف أثرت تلك العلاقات في تشكيل السياسة الأوروبية الموحدة تجاه الأزمة.
استفادت دراستنا من هذا المرجع في تحليل العلاقات الروسية – الأوروبية وتوظيف الاتحاد الأوروبي لأدوات الضغط والعقوبات، ودوره في دعم أوكرانيا. كما قدمت الدراسة فهماً للتفاعل بين البعدين السياسي والاقتصادي في السياسات الأوروبية.
تختلف دراستنا في تركيزها على التحولات البنيوية للأزمة في النسق الدولي، بينما تركز هذه الدراسة على الجوانب المؤسسية والسياسات الأوروبية الراهنة.
د- دراسات ذات صلة ببنية النسق الدولي
- حسان عقّاد، ،2025،”الصراع في أوكرانيا وتداعياته على السياسة الدولية: إعادة تشكيل خرائط القوى” رسالة دكتوراه، جامعة بيروت العربية[7].
تتناول هذه الدراسة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، مع التركيز على تأثيرها في إعادة تشكيل التحالفات الدولية وتوازنات القوى. وقد ناقشت الدراسة صعود محور روسيا–الصين مقابل تعزيز تماسك حلف الناتو، وعودة اهتمام الولايات المتحدة بالقارة الأوروبية، في ظل تحولات متسارعة في النسق الدولي.
وقد استفادت دراستنا من هذا المرجع في تحليل تطور الأزمة وتحولاتها، خاصة فيما يتعلق بتغير خريطة التحالفات الدولية وتفاعل القوى الكبرى. ورغم أهمية المعالجة التي يقدمها الباحث، إلا أن تركيزه انصب على توصيف تطورات الأزمة ومساراتها، في حين تسعى دراستنا إلى تحليل أعمق لبنية النسق الدولي وتأثير الأزمة على طبيعة العلاقات الدولية والاستقطاب الدولي.
- نوران عوضين،2023، “روسيا والصين والشراكة لعصر جديد: المحفزات والقيود” المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية[8].
يركز هذا الكتاب على تأثير الأزمة الأوكرانية في سياق التغيرات الجارية في النسق الدولي، مع تسليط الضوء على الشراكة المتنامية بين روسيا والصين في مواجهة الضغوط الغربية. ويستعرض الكاتبة كيف أسهمت الأزمة في تعزيز هذا المسار المشترك، باعتباره أداة لموازنة النفوذ الغربي وإعادة تشكيل ملامح القوة العالمية.
وقد استفادت دراستنا من هذا المرجع في تحليل أثر الأزمة على بنية النظام الدولي، من خلال إبراز صعود روسيا والصين كقوتين مؤثرتين في إعادة ترتيب العلاقات الدولية. غير أن تركيز الكتاب على الثنائية الروسية الصينية جاء على حساب تناول أدوار قوى إقليمية ودولية أخرى، وهو ما تسعى دراستنا إلى استكماله عبر طرح رؤية أكثر شمولًا لتغير موازين القوى واتجاهات النسق الدولي بعد الأزمة.
سابعًا: تقسيم البحث:
انطلاقًا من مشكلة البحث، ووفقًا لأهدافه وتساؤلاته المطروحة، ارتأينا تقسيم هذا البحث إلى أربعة فصول وخاتمة، بحيث يتناول كل فصل جانبًا محددًا من جوانب البحث، وذلك على النحو التالي:
- الفصل الأول: الإطار المفاهيمي للدراسة
- المبحث الأول: التعريف بمفهوم الأزمة والمفاهيم ذات الصلة.
- المبحث الثاني: التعريف بمفهوم النسق والصور المختلفة للنسق الدولي.
- الفصل الثاني: مراحل تطور الأزمة الأوكرانية
- المبحث الأول: الجذور والمسببات التاريخية والسياسية للأزمة الأوكرانية.
- المبحث الثاني: المراحل الرئيسية لتطور الأزمة الأوكرانية.
- الفصل الثالث: تأثير الأزمة الأوكرانية على العلاقات الدولية
- المبحث الأول: تأثير الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأمريكية.
- المبحث الثاني: تأثير الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأوروبية.
- الفصل الرابع: الأزمة الأوكرانية وأثرها على النسق الدولي
- المبحث الأول: تأثير الأزمة الأوكرانية على الاستقطاب الدولي.
- المبحث الثاني: تأثير الأزمة الأوكرانية على النسق الدولي.
الفصل الأول
الإطار المفاهيمي للدراسة
يهدف الفصل الأول إلى التعرض للمفاهيم الأساسية المستخدمة في هذه الدراسة، وقُسم الفصل إلى مبحثين؛ يتناول المبحث الأول التعريف بمفهوم الأزمة والمفاهيم ذات الصلة، بينما تطرق المبحث الثاني إلى التعريف بمفهوم النسق الدولي، والمفاهيم ذات الصلة، والصور المختلفة للنسق الدولي، بدايًة بالنسق متعدد الأقطاب، ثم النسق ثنائي القطبية، يليه النسق أحادي القطبية، ختامًا بطبيعة النسق الدولي الراهن.
التعريف بمفهوم الأزمة والمفاهيم ذات الصلة
يتناول في هذا المبحث أبرز التعريفات التي قُدمت في مفهوم الأزمة، وأهم خصائصها العامة التي تميزها، ثم انتقلنا إلى تعريف مفهوم الأزمة الدولية من خلال تعريفاتها المختلفة وتحليلها عبر ثلاث مدارس نظرية رئيسية تتمثل في مدرسة النسق، ومدرسة صنع القرار، والمدرسة التوفيقية، ويمكن القول إن دراسة مفهومي الأزمة والأزمة الدولية تُعد من المفاهيم الجوهرية في علم العلاقات الدولية، وذلك لتأثيرهما المباشر على استقرار النسق الدولي، وتناول هذا المطلب في الختام بأبرز المفاهيم ذات الصلة بمفهوم الأزمة.
تعددت التعريفات التي قُدّمت لمفهومي الأزمة والأزمة الدولية بتعدد وجهات النظر، وقد حظيا باهتمام واسع من جانب الباحثين، ويُعدّ هذان المفهومان كغيرهما من مفاهيم العلوم الاجتماعية، التي لا يوجد اتفاق موحّد حول طبيعتهما وماهيتهما. وسوف نعرض أبرز تلك التعريفات كما على النحو التالي:
أولًا: مفهوم الأزمة:
يعتبر أصل كلمة الأزمة إلى الطب الإغريقي القديم، وكانت تعبر عن التحول في تطور المرض، وتعد دلائل الأزمة هي الأعراض التي تظهر على المريض، ثم استُخدم هذا المصطلح في القرن السادس عشر في المعاجم الطبية، وفي الأدب السياسي في القرن السابع عشر كان يعبر عن زيادة درجة التوتر في العلاقات بين الدولة والكنيسة، ثم استُعمل للدلالة على ظهور مشكلات خطيرة أو لحظات تحول فاصلة في تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في القرن التاسع عشر[9].
يُعرف القاموس الأمريكي وبيستر “Webster” الأزمة بأنها حالة خطيرة وحاسمة، يجب مواجتها في أسرع وقت إلا وقد تتسبب في آثار سلبية للغاية، ومن تعريفات لمصطلح الأزمة عرف ميلر “Muller” في ١٩٨٥ الأزمة بأنها حدث غير مرغوب فيه، ويمثل تهديد على الوجود المستمر للمنظمة، كما عرفها كل من بشنت وماتروف “Pauchant and Mitroff” بأنها حالة من عدم الاستقرار تهدد الموارد والأهداف، والمصالح، وكل معتقدات النظام، ووجوده وجوهره، وقام فريج “Frig” بتعريف الأزمة بأنها الحدث التي يؤثر على المجتمع مسببًا كارثة، وفي ذات الوقت يسبب خلل في الوظائف الحيوية للمجتمع[10].
وجملة القول تُعرف الأزمة أنها نقطة تحوّل تنتج عن حدثٍ ما بشكل مرغوب أو غير مرغوب فيه، بين الحياة والموت، العنف أو اللاعنف، الحل أو الصراع الممتد، السلب أو الإيجاب، كما تُعرّف الأزمة أيضًا بأنها تحوّل مفاجئ في السلوك المعتاد للفرد أو الجماعة، يتسم بتشابك مجموعة من التفاعلات تؤدي إلى موقف مفاجئ يهدد القيم الأساسية أو المصالح الحيوية لأحد الأطراف من الجماعات، أو الدول أو حتى أفراد؛ مما يتطلب اتخاذ قرارات حاسمة في وقت محدود، وفي ظل ظروف تتسم بعدم التأكد، بل وقد تتسم بالغموض والتناقض أحيانًا[11] .
ثانيًا: خصائص الأزمة:
تتعدد الآراء حول الخصائص العامة للأزمة، حيث أنها تتسم بمجموعة من الخصائص التي توضح طبيعتها المعقدة والمفاجأة، لعل أبرز هذه الخصائص كما يلي:
١. المباغتة: في بداية الأزمة، يحدث صدمة وتوتر؛ مما يضعف القدرة على الاستجابة السريعة والفعالة لمواجهتها، فتستحوذ هذه اللحظة على اهتمام جميع أفراد المؤسسة، حيث تمثل حدثًا غير متوقع ينبه الرأي العام إلى أنه خطر، وتعتبر نقطة تحول رئيسية في سلسلة من الأحداث المتسارعة.
- 2. التهديد: تمثل الأزمة تهديدًا للاستقرار، ومقومات البيئة الطبيعية، قد تتضمن خسائر مادية أو معنوية للأفراد والمؤسسات، كما يمكن أن تهدد الكيان الإداري للمؤسسة، كما حدث في حادث مفاعل تشرنوبل[12].
3.عدم التحكم: يؤدي تصاعد الأحداث خلال الأزمة إلى صعوبة في التعامل مع المواقف المتلاحقة، حيث يتم ذلك تحت ضغط نفسي وفي ظل نقص أو ندرة المعلومات؛ مما قد يؤدي إلى فقدان السيطرة لفترة زمنية معينة[13].
- 4. فقدان السيطرة والتوازن: تُعتبر الأزمة نقطة تحول حاسمة في سلسلة من الأحداث المتسارعة، وبما أنها تؤدي في بدايتها إلى حالة من الهلع والصدمة والتوتر؛ مما يضعف القدرة على الاستجابة السريعة لمواجهتها[14].
- 5. ضيق الوقت وغياب الحلول الفورية: تتطلب الأزمة استجابة عاجلة، نظرًا لتداعياتها الخطيرة على الموارد والممتلكات؛ مما يعني أن الأشخاص المعنيين وصناع القرار ليس لديهم الوقت الكافي للتفكير في الحلول، والبدائل المناسبة للخروج من هذه الأزمة[15].
6.التعقيد والتشابك: حيث تتداخل أسبابها وقوى المصالح المؤيدة والمعارضة لها، وتظل الأطراف والمسببات غامضة، ولا تتضح إلا مع مرور الوقت، ومع ذلك، عند حدوث الأزمة، تصبح الأمور في غاية التعقيد؛ مما يجعل من الصعب تمييزها[16].
7.ظهور أعراض سلوكية مرضية خطيرة لدى صناع القرار: مثل القلق، والتوتر، وفقدان الدافع للعمل، كما تؤدي إلى تدهور العلاقات الاجتماعية، وزيادة اللامبالاة، وعدم الانتماء، بالإضافة إلى انتشار السلوكيات التخريبية والتدميرية، والغضب والانفعالات المفرطة[17].
- 8. الصدمة: هي شعور عنيف ينتج عن حدث غير متوقع، ويجمع بين مشاعر الغضب والذهول والخوف، تُعتبر الصدمة من الخصائص والأعراض الأساسية التي تظهر نتيجة حدوث أزمة، حيث تحدث عندما تتفجر الأزمة بشكل مفاجئ وسريع دون أي إنذار مسبق[18].
9.الصراع: يعبر الصراع عن تصادم الإرادات، والقوى المختلفة؛ بهدف تدمير بعضها البعض كليًا أو جزئيًا؛ مما يؤدي إلى السيطرة والتحكم في الطرف الآخر، وينشأ الصراع عندما تتباين وجهات النظر ويحدث خلل في التواصل، واختلاف في المصالح والأهداف بين أطراف الأزمة؛ مما يؤدي إلى أزمات ويؤثر سلبًا على وضوح الأولويات، وأساليب إدارة الأزمة. يُعتبر مفهوم الصراع قريبًا من مفهوم الأزمة، حيث تنبع العديد من الأزمات من صراع داخلي بين طرفين[19].
- 1 الخلاف: يشير إلى وجود تضاد وتعارض في القرارات، بالإضافة إلى حالة من عدم اليقين وعدم التوافق في وجهات النظر أثناء إدارة الأزمة، وغالبًا ما يكون هذا الخلاف أحد الخصائص الرئيسية للأزمة[20].
ويمكن القول أن مفهوم الأزمة يتحدد على حسب المجال التي توجد فيه، فهي إما داخلية أو خارجية، هذا النوع الآخر يسمي الأزمة الدولية، التي في الغالب تكون أخطر من الأزمات الداخلية؛ بسبب اتساع نطاقه وامتداده. وبعد أن طرحنا مفهوم الأزمة نسلط الضوء في السطور التالية على مفهوم الأزمة الدولية.
ثالثًا: مفهوم الأزمة الدولية:
تُعد الأزمة الدولية موقفًا يتسم باحتدام وتصاعد صراع طويل الأمد، وشامل بين دولتين أو أكثر، ويشمل هذا الصراع في كثير من الأحيان احتمالية اللجوء من قبل الأطراف المتنازعة إلى استخدام القوة العسكرية كوسيلة لتحقيق أهدافها، ويؤدي هذا الموقف في النهاية إلى نتائج وتداعيات جوهرية تترك أثرًا بالغًا على طبيعة وبنية النسق الدولي القائم؛ مما يسهم في إعادة تشكيل توازنات القوى الإقليمية والدولية[21].
تعدد تعريفات الأزمة الدولية بتعدد آراء الباحثين والمدارس الفكرية والنفسية والاجتماعية والسياسية، ولعل من أبرز هذه التعريفات تعريف “والتر ريموند” التي يعرفها بأنها حدث ينتج عنها خلل في العلاقات بين الدول ذات السيادة؛ لعجزهم عن حل النزاع القائم بينهما. في حين يرى “كورال بيل” أن الازمة الدولية تعني وصول عناصر الصراع في العلاقات الدولية إلى درجة التهديد في طبيعة هذه العلاقات؛ بسبب حدث جذري، مثال على ذلك التحول من السلم إلى الحرب في العلاقات الطبيعية بين الدول[22].
يُعرف “إدوارد مورس Edward L. Morse” الأزمة الدولية بأنها حالة مفاجئة غير متوقعة تتطلب إتخاذ قرار سياسي من دولة أو أكثر خلال فترة زمنية قصيرة نسبيًا، فعند مقارنة تعريف “والتر ريموند” نجد أنه وضع تعريف عام لا يحدد فيه صفات الأزمة، بينما قام الباحث “مورس” بتعريفها أنها تحدث نتيجة لحدث مفاجئًا، وفي الغالب يكون هناك مقدمات تُمهّد لها، ومن الضروري أن يتم اتخاذ القرار السياسي خلال فترة زمنية قصيرة، كما يمكن الإشارة أن هذا لا يتطابق مع نماذج كثيرة من الأزمات الدولية في وقتنا الراهن، كأزمة البرنامج النووي الإيراني، والأزمة الروسية الأوكرانية[23].
ويمكن القول أنه يصعب الوصول إلى تعريف جامع دقيق لمفهوم الأزمة الدولية؛ لاختلاف وتنوع المعايير التي تستخدم في دراستها وتحليلها، فيمكن القول أن الكتاب انقسموا في تعريف الأزمة، وتحليلها إلى ثلاثة مدارس، تتمثل أولى هذه المدراس في المدرسة النسقية الذي تركز على التفاعلات الدولية بين أطراف الأزمة، ومدى تأثيرها على توازن بنية النسق الدولي، واستقراره، أو اضطراب العلاقات بين أطراف هذه الأزمة، يُعد “كورال بيل” من أبرز روادها، التي أشار في تعريفها أنها تتصاعد لتصل إلى مرحلة تهدد طبيعة العلاقات الدولية القائمة، ويرى “أوران” في هذه المدرسة أن الأزمة الدولية في السياسة الدولية هي عملية تفاعل تتسم بدرجة عالية من مستويات التوتر، وقصر فترتها الزمنية، وزيادة مستوى التوقعات على اندلاع الحرب بين أطراف الأزمة (طرفين أو أكثر)، ومن السمات التي تميزها أن الأحداث هي التي تفرض على أطرافها اتخاذ القرارات، حيث أنهم لا يستطيعون رفض سيطرتهم على الأحداث، وذلك لصعوبة التنبؤ بها[24].
تُعد مدرسة صنع القرار ثانية هذه المدراس التي تركز على صناع القرار ودور القادة في المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية، وأن صانع القرار هو المسئول الأول في الدولة التي يجب عليه أن يختار أفضل بديل من البدائل المتاحة أمامه؛ تحقيقًا للمصلحة العليا لبلاده، ومن رواد هذه المدرسة “هولستي” الذي يرى أنها تمثل تهديد مفاجئ غير متوقع يتطلب اتخاذ قرار في وقت قصير، والمدرسة الثالثة هي المدرسة التوفيقية الذي تمثل مزيجًا للمدرستين السابقتين[25].
قام “تشارلز هيرمان” بتحديد ثلاثة عناصر رئيسية تتسم بها الأزمة الدولية، هما:
- تهديد للمصالح الحيوية والأهداف الخارجية الرئيسية للدولة أو لصناع القرار.
- تتسم بعنصر المفاجأة لصناع القرار.
3.محدودية الوقت أمام صناع القرار لاتخاذ القرارات قبل أن يحدث تغييرات سلبية في الموقف.
ويمكن تلخيص الأزمة الدولية أنها عبارة عن موقف خارجي يتسم بتهديد كبير، ووقت قصير، وعنصر المفاجأة[26].
رابعًا: المفاهيم ذات الصلة:
١. الصراع:
تعدد التعريفات بمفهوم الصراع في الأدبيات السياسية والاجتماعية، حيث يُعرف بأنه حالة من التوتر أو التنافس تنشأ نتيجة تعارض المصالح أو الرغبات أو الأهداف بين أطراف مختلفة، وتشير التعريفات اللغوية، كتعريف دائرة المعارف الأمريكية إلى أن الصراع يعتبر أنه حالة من الضغط النفسي؛ لتعارض الحاجات أو الرغبات لدى الفرد، بينما تركز دائرة معارف العلوم الاجتماعية على أبعاده النفسية والاجتماعية والسياسية، موضحة أنه قد يكون دافعًا للتورط أو الدخول في نشاطين أو أكثر متضادين تمامًا[27].
تُبرز الأدبيات أن الصراع قد يكون نضالًا حول قيم أو موارد محدودة، وقد يهدف إلى تحييد أو إلحاق الضرر أو إزالة المنافسين، ويُعرّف الصراع من منظور سياسي باعتباره موقفًا تنافسيًا يتطلب من الأطراف اتخاذ مواقف غير متوافقة مع مصالح الطرف الآخر، نتيجة لرغبات وأهداف غير متوافقة تستمر عبر الزمن، وتذهب المعاجم كـ “لونجمان” و”الكتاب العالمي” إلى وصف الصراع بأنه اختلاف أو قتال أو نضال ممتد. وبوجه عام يشير الصراع انه عملية ديناميكية تتمثل في منافسة بين أطراف تتصارع حول موارد محدودة أو أهداف متناقضة[28].
٢. الحرب:
لا تتخذ الحرب شكلًا واحدًا أو أسلوبًا موحدًا، فهي التصادم الفعلي، عن طريق استخدام العنف المسلح نتيجة لتناقضات جذرية، وتبدأ الحرب بعد عدم جدوى الأساليب الأقل عنفًا أو تطرفًا كالتفاوض مثلًا، ومن هنا، تمثل الحرب المسلحة نهاية مرحلة معينة في تطور بعض الصراعات الدولية[29].
يمكن القول عند المقارنة بين الحرب والصراع بأن الصراع أشمل في نطاقه وأكثر تعقيدًا في مفهومه عن مفهوم ونطاق الحرب ، لأن الحرب متى وقعت فإنها لا تترك أمام أطرافها إلا الخيار بين الاستمرار أو الاستسلام، بين النصر أو الهزيمة ، وذلك بعكس ما يحدث في ظروف الصراع، ذلك أنه في خلال كافة المراحل التي تسبق وقوع الحرب يكون ثمة مجال أوسع لإدارة الصراع والتكيف مع ضغوطه في اتجاه أو آخر مع الاحتفاظ بالقدرة النسبية على الاختيار من بين البدائل المتاحة العديدة المتاحة أمام كل طرف من أطراف الصراع[30].
٣. الغزو:
يعرف الغزو في المعجم الوسيط أنه محاولة سيطرة دولة على أخرى بالقوة المسلحة[31]. ويتم تعريفه أيضًا في قاموس كامبردج، انه دخول بلد ما بأعداد كبيرة بالقوة بهدف الاستيلاء عليها، ويستكمل القاموس تعريفه بأنه يبدو تمركز القوات بالقرب من الحدود يهيئ الغزو خلال الأيام القليلة المقبلة، وهذا ينطبق على الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية عام 2022، التي سيتم تناوله بالتفصيل فيما بعد[32].
- النزاع:
يُعرَّف النزاع في المصادر اللغوية بأنه تقديم أسباب لدعم أو معارضة موضوع معين، ويتضمن المناقشة أو المجادلة حول قضية ما. يمكن أن يكون النزاع مرتبطًا بشيء ما ويتسم بالغضب ويمتد لفترات طويلة. كما يُعرف بأنه جدال رسمي بين مجموعات أو منظمات، ويُعتبر تعارضًا في الحقوق القانونية يمكن حله عبر حلول قانونية وسياسية[33].
تستند العلاقات الدولية إلى تعزيز مصالح الدول، التي تمتلك اختصاصات قانونية محددة للتعامل مع بعضها، تحدد قواعد القانون الدولي والمعاهدات نطاق هذه الاختصاصات، وعند تعارض المصالح، قد يحدث تجاوز للاختصاصات الوطنية، مما يؤدي إلى نزاع قانوني يسعى فيه كل طرف لتحديد حدود اختصاصه وإلزام الآخر باحترامها، يدور النزاع القانوني حول حق شخصي يختلف بشأنه طرفان أو أكثر، مما يتطلب تحديد هذا الحق وتبعيته. يقوم القاضي بتفسير القانون وتطبيقه لحل النزاع، وعليه أن يحدد ما إذا كان هناك حق متنازع عليه في حال كان الموضوع متعدد الجوانب[34].
يصعب تصنيف النزاع كقانوني أو سياسي، حيث يعتبر التفريق بينهما تحديًا في القانون الدولي. يعتقد البعض بعدم وجود حدود واضحة بين النوعين، لكن التعامل الدولي يعتمد على هذا التفريق لتحديد اختصاص المحاكم الدولية. فالمحاكم تتعامل مع النزاعات القانونية، وعندما تفتقر القضية إلى قاعدة قانونية واضحة، لا يتمكن للقاضي قبول الاختصاص، والنظر في القضية[35].
وجملة القول، يعتبر مفهومي الأزمة والأزمة الدولية ليس لديهما تعريف واحد جامع، نظرًا لتعدد أبعادها وترابط عناصرها، فقد تبين أن الأزمة تتسم بعدة خصائص رئيسية كالمفاجأة، والتهديد، والتعقيد، وتُعد الأزمة الدولية حالة حرجة في العلاقات الدولية تتطلب إلى اتخاذ قرارات سريعة في ظل التهديدات المفاجأة التي قد تؤدي إلى تغييرات في العلاقات الدولية، ثم ختامًا تم تعريف التعريفات ذات الصلة بالأزمة، كالصراع، والحرب، والغزو، والنزاع ذات الصفة القانونية، فتُعتبر دراسة هذه المفاهيم مدخل مهم لفهم العديد من الأحداث، لاسيما الأزمات منها، التي تحدث في العالم، ومنها الأزمة الروسية الأوكرانية.
التعريف بمفهوم بنية النسق الدولي والصور المختلفة للنسق الدولي
يتناول هذا المبحث مفهوم بنية النسق الدولي من حيث تعريفه وأبعاده، ثم المفاهيم الذي ترتبط وتتشابك مع بنية النسق الدولي كالنظام الدولي والقطبية، وبعد ذلك يتم التطرق إلى الصور المختلفة لبنية النسق الدولي عبر التاريخ، بدايًة من النسق متعدد الأقطاب بعد معاهدة ويستفاليا، يليه النسق ثنائي القطبية خلال فترة الحرب الباردة، ثم النسق أحادي القطبية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي التي كان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وأخيرًا طبيعة النسق الدولي الراهن في ظل صعود قوى دولية جديدة.
أولًا: بنية النسق الدولي:
يشير مفهوم البنية إلى ترتيب العناصر أو المكونات داخل نظام أو كيان معين، حيث تتفاعل هذه العناصر مع بعضها البعض لتشكيل هيكل أو تنظيم محدد. وفي سياق بنية النسق الدولي، تعني البنية ترتيب القوى والعناصر المكونة للنسق الدولي، وتوزيع القوة والتأثير فيما بينهم[36].
يرجع مفهوم النسق إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو، من خلال مفهومه عن الكون، ويعتبر أنه لم يستخدم صراحة مفهوم النسق، وبعد ذلك انتشر هذا المفهوم في الكثير من المجالات العلمية الطبيعية والاجتماعية، وتم تطبيق هذا المفهوم في علوم السياسة، والاقتصاد، والاجتماع في مجال العلوم الاجتماعية، وفي مجال العلوم السياسية ساهمت كتابات كل “Gabriel Almond”، و “David Easton”، و”Karl Deutsch” في التحليل النسقي، واستُخدم مفهوم النسق أيضًا في تحليل العلاقات السياسية الدولية، وفي محاولات لبناء نظريات علمية لتفسير العلاقات السياسية الدولية[37].
بدأ يظهر مفهوم بنية النسق الدولي في كتابات المُنظرين الواقعيين الذين وضعوا اللبنة الأولى للمدخل البنيوي في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، الذي احتكرت دراسة مفهوم بنية النسق الدولي لبضع سنين، وانطلقت منها تفسير الظواهر السياسية الأخرى، ويُعد “والتز” من أوائل المنظرين في مجال الدراسات الدولية الذين وضعوا مفهومًا لبنية النسق الدولي، حيث يرى أنها تشتمل على ثلاثة أبعاد، يعتبر أولهما بخصوص المبادئ التنظيمية، يفترض فيها أن طبيعة البيئة أو السياسة الدولية تتسم بالفوضوية، ولا مركزية، حيث لا يوجد سلطة عُليا فوق الدول، بخلاف طبيعة البيئة أو السياسة الوطنية التي تتسم بالسلطة المركزية، ويعتبر البُعد الثاني في الفاعلين في النسق، ويعبر البُعد الثالث في صورة توزيع القوة بين أعضاء هذا النسق[38].
تعددت تعريفات النسق الدولي، حيث عرفه بعض العلماء على أنه مجموعة من الكيانات السياسية المستقلة التي تتفاعل مع بعضها البعض بصورة متكررة وفقًا لعمليات منتظمة، بينما عرفه آخرون أنه جمع من الدول تتفاعل مع بعضها، ومع بقية الوحدات أو اللاعبين الأعضاء في النسق، ويُعرف النسق الدولي أيضًا أنه مجموعة من الوحدات السياسية (الدول) متدرجة القوة، وتتفاعل فيما بينها؛ للوصول لحالة الاتزان والانتظام العلاقات بعيدًا عن الفوضى الدولية، ويحول دون هيمنة أي من هذه الدول على ما عداها مكونة إمبراطورية عالمية، ويتضح من هذه التعريفات أن عناصر النسق الدولي هي الوحدات السياسية (الدول)، التي تعتبر الأطراف الرئيسية في العلاقات الدولية، أي أنها تمثل أعضاء (فاعلون) النسق الدولي[39].
يتسم بنية النسق الدولي بثلاثة أبعاد رئيسية هما:
١. الفاعلون أو اللاعبون Actors: وهم الفاعلون يكون لهم أدوارًا محددة داخل النسق، وبما أن التعريف يتضمن فاعلين أو أكثر في حاله تفاعل، ويحتوي على أنساق فرعية تتفاعل مع بعضها البعض، ومع النسق الكلي، وهناك نسق دولي يتضمن العديد من الأنساق الفرعية، ويتسم كل منها بتفاعل أكثر بين وحداته.
٢. البنية Structure: تُعنى بكيفية ترتيب الوحدات المكونة للنسق بالنسبة لبعضها البعض، ويتحدد هذا الترتيب بناءً على توزيع القدرات بين الوحدات ودرجة الترابط بينها.
٣. المؤسسات Institutions: تعد مجموعة من القواعد والإجراءات الرسمية والعرفية التي تنظم سلوك الفاعلين الدوليين تجاه القضايا العالمية، ومن هذه المؤسسات المنظمات الدولية وقواعد القانون الدولي والعرفية المستقرة في النسق الدولي[40].
يمكن القول إن مفهوم بنية النسق الدولي لا يُعتبر من المفاهيم المتفق عليها بين المنظرين، إذ لا يوجد تعريف موحد يحظى بقبول جميع الباحثين في مجال العلوم الاجتماعية، ومع ذلك، يتفق معظم الباحثين على نقطة أساسية، وهي أن العنصر الرئيسي وليس الوحيد في البنية الدولية هو القوى الدولية الكبرى في النسق أو ما يُعرف بالأقطاب الدولية [41].
ثانيًا: النظام الدولي:
شهد مفهوم النظام الدولي تطورًا مع تطور حقل العلاقات الدولية ومتغيراته وتفاعلاته. وقد اهتم عدد من علماء السياسة بدراسة هذه المفهوم، حيث قاموا بتطوير نظريات حول الأنظمة واستخدامها في تحليل السياسة، معتبرين أن الحياة السياسية في أي مجتمع ليست سوى مجموعة من التفاعلات المحاطة بنظم اجتماعية تؤثر فيها بشكل مستمر، وأصبحت فكرة النظام من المفاهيم الأساسية التي يعتمد عليها علم العلاقات الدولية، حيث تهدف إلى تحليل أنماط التفاعلات في السياسة الدولية.
تُشتق كلمة “نظام” من الكلمة الإنجليزية “Order”، وتعود إلى الكلمة اللاتينية “Order” الذي تعني خطًا مستقيمًا أو نظامًا؛ مما يدل على الترتيب والتنظيم. في اللغة، تشير “النظم” إلى الترتيب المنظم والمتسلسل، وهي حالة من التوافق والانضباط تتميز بخلوها من الفوضى، مع الالتزام بالقانون واحترام السلطة، كما تعني “النظم” مجموعة من الأجزاء المتكاملة التي تؤدي غرضًا معينًا، باختصار، يمكن تعريف النظام بأنه مجموعة القواعد التي تنظم ظاهرة أو مجموعة من الظواهر السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية او الثقافية [42].
يُفهم النظام على أنه تنظيم، وهو كيان عام تتداخل مكوناته وعناصره بطريقة تتيح له التفاعل والتبلور بشكل يميزه عن غيره، لذا نجد أن هناك التباساً بين مصطلحي “النظام” و”النسق”، حيث يشيران إلى مجموعة من العناصر والوحدات المرتبطة بعلاقات اعتمادية متبادلة، سواء كان هذا النظام نظاماً سياسياً لدولة معينة أو نظاماً دوليًا، كما تشير كلمة “نظام” إلى مفهوم النسق، الذي يعني التنظيم والتناسق، فالنسق يعبر عن الانتظام في وحدة عضوية بشكل متدرج، ويشير إلى الأنماط المتناسقة للتفاعلات والعلاقات بين الفاعلين في فترة زمنية معينة، حيث ترتبط هذه العلاقات ببعضها البعض بشكل متبادل، وبالتالي، إذا حدث تغيير على أي من هذه العلاقات، ستتأثر بقية هذه العلاقات [43].
ثالثًا: مفهوم القطبية:
يشير مفهوم القطبية إلى عدد القوى العظمى في البيئة الدولية، حيث أنها تمتلك القوة من قوة اقتصادية وسياسية، وعسكرية، وتتمتع بالنفوذ العالمي، ويرى خبراء الاستراتيجية أن توزيع القوة يتغير بمرور الوقت؛ مما يفسر التنافس أو التعاون بين الدول وبعضها البعض، وتتخذ القطبية ثلاث أشكالًا وهما الأحادية القطبية، حيث يوجد دولة واحدة هي الأقوى إلى حد بعيد، وثاني هذه الأشكال الثنائية القطبية، ويعبر عن وجود دولتين متساويتين تقريبًا في القوة، وثالث هذه الأشكال التعددية القطبية، حيث تكون القوة موزعة بين عدة دول[44].
ويعتبر النسق الدولي أنه مر بعدة صور تاريخية رئيسية منذ القرن السابع عشر بعد مؤتمر ويستفاليا سنة 1638، ويتم التمييز بينهم على أساس عدد القوى القطبية المهينة في كل من هذه الصور، وهما النسق متعدد الأقطاب (1648- 1939)، ثم تحول إلى النسق ثنائي القطبية بعد الحرب العالمية الثانية (1945ـ 1991)، ومن الثنائية للأحادية عند سقوط جدار برلين، ومنذ بضع سنوات تراجع وتوقع السياسيون في شأنه أنه صور النسق المتعدد سيعود إلى متعدد الأقطاب مرة أخرى عند تصاعد قوى كالصين وروسيا، تتسم كل مرحلة من مراحل النسق الدولي بعدة خصائص تسهم في فهم وتفسير التفاعلات الدولية[45].
رابعًا: الصور المختلفة للنسق الدولي:
يتسم النسق الدولي عبر التاريخ بصور مختلفة تختلف كل منها عن الأخرى، يتم توضيحها كما يلي:
١ـ النسق متعدد الأقطاب:
بدأت هذه المرحلة من معاهدة ويستفاليا 1648 التي أنهت الحروب الدينية في أوروبا، وأقامت النسق المبني على الدولة القومية، يتسم النسق متعدد الأقطاب بوجود مجموعة من الدول أو الأقطاب التي تملك موارد وإمكانيات متكافئة تقريباً، ويرى المؤيدون لهذا النسق أنه يُعتبر أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار الدولي، وذلك لعدة أسباب منها لأنه يفتح المجال أكثر للتفاعل بين الوحدات الدولية، ومن ثم هناك فرصة أكبر للوحدات الدولية لتحقيق أهدافها السياسية الخارجية بحرية أكبر[46].
ويُعد من الأسباب الأخرى لجعله أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار الدولية لأنه يتميز بتعدد التحالفات بين الدول طبقاً لكل قضية على حدة، فالدولة قد تتحالف مع دولة أخرى عسكرياً، ولكنها اقتصادياً قد تتحالف مع دولة ثالثة غير الدولة التي تحالفت معها عسكرياً، ويؤدي تقاطع هذه التحالفات وتشابكها إلى ربط الدول بعضها ببعض، وأيضًا لأنه يؤدي إلى تضاؤل احتمال تصاعد الصراع، التي تؤدي إلى الحد من حجم الاهتمام الذي توجهه الدولة في سياستها الخارجية تجاه دولة أخرى داخلة في صراع معها [47].
يتميز النسق متعدد الأقطاب بوجود الدولة الوسيطة، مما يساعد على تسوية النزاعات الدولية، ويكون سباق التسلح فيه اقل من النسق ثنائي القطبية، فوجود قطبين في النسق الدولي يكون بالضرورة زيادة التسلح لمواجهة القطب الآخر، أما يُعد سباق التسلح في حالة النسق متعدد الأقطاب غير ضروري، إن هذه المبررات يقدمها أنصار النسق متعدد الأقطاب، لتأييدهم لهذه الصورة من النسق، ويرأون أنه يحقق الاستقرار السياسي، إلا أن هناك من يرى أن النسق متعدد الأقطاب يزيد من استخدام الدول القوة في سياساتها الخارجية[48].
٢ـ النسق ثنائي القطبية:
ظهر النسق ثنائي القطبية بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 إلى عام 1991، والتي كان يتسم بالتناقض الإيديولوجي بين قطبين كبيرين التي يتزعمهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وهذا أدى إلى انقسام دول العالم إلى كتلتين، وهما الكتلة الغربية الرأسمالية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، وتضم دول غرب أوروبا وكندا واليابان، والكتلة الشرقية الاشتراكية الشيوعية، والتي يترأسها الاتحاد السوفيتي، المعادية للرأسمالية، وتضم دول شرق أوروبا[49].
كان يلجأ كل من القطبين في صراع؛ للسيطرة على أراضي العالم الثالث إلى استخدام وسائل غير مباشرة، وذلك لتجنب الاحتكاك المسلح المباشر، ومن بين هذه الوسائل نجد الدبلوماسية، والدعاية الاقتصادية، وتشكيل الأحلاف، ودعم الأنظمة الحاكمة الموالية، بالإضافة إلى العمل على إسقاط الأنظمة المعادية من خلال إثارة الفوضى والثورات، وتدبير الانقلابات والاغتيالات، كما تشمل الحروب بالوكالة، وأحيانًا اللجوء إلى الأسلوب المباشر باستخدام الأسلحة التقليدية.، يتم ذلك مع الحرص على تجنب تصعيد الصراع المباشر بين القطبين[50].
أعادت الولايات المتحدة الأمريكية صياغة سياستها الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية من خلال تبني نظرية “الاحتواء”، التي وضع إطارها العام الدبلوماسي الأمريكي “جورج كينان”، ودعمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق “ترومان” هذه النظرية، واعتبرتها كاستراتيجية رسمية لمواجهة أي تهديد من الاتحاد السوفيتي، انطلقت هذه السياسة من تحليل الاستراتيجية السوفيتية، وتفسير نظرتهم إلى الغرب الرأسمالي كعدو حتمي، بلغت هذه المواجهة ذروتها عندما أعلن ترومان التزامه الكامل بسياسة الاحتواء، لاسيما بعد خطاب ستالين في فبراير 1946، الذي أكد فيه ستالين على حتمية الصراع مع الرأسمالية[51].
استندت سياسة الاحتواء إلى دعم الدول غير الشيوعية سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا عند الحاجة، في مواجهة أي تهديد سواء من تمرد داخلي أو ثورة أو غزو أو ضغط دبلوماسي، وطبّقت الولايات المتحدة هذه السياسة بالفعل لأول مرة عام 1947، بمواجهة الاضطرابات في تركيا والحرب الأهلية في اليونان، واعتبارها مؤامرة شيوعية، مما دفع ترومان لطلب موافقة الكونغرس على تقديم 400 مليون دولار كمساعدات لهاتين الدولتين[52].
كرّست سياسة الاحتواء، المعروفة بمبدأ ترومان، موقفاً أمريكيًا صارمًا تجاه الثورات المحتملة المدعومة من السوفييت، حتى وإن تطلب ذلك دعم أنظمة ديكتاتورية تتعارض مع الشيوعية؛ مما أدى هذا التوجه إلى توسيع الفجوة مع الاتحاد السوفيتي، مما أسفر عن فشل مؤتمر موسكو الذي عُقد بعد إعلان مبدأ ترومان، عقب ذلك، أطلقت الولايات المتحدة مشروع مارشال، الذي كان يهدف إلى إنقاذ الاقتصاد الأوروبي من الانهيار، وشجعت دول أوروبا الغربية على وضع برنامج اقتصادي موحد لإعادة الإعمار[53].
شملت الدعوة دول أوروبا الشرقية أيضًا، مما أثار استياء الاتحاد السوفيتي الذي اعتبر المشروع أداة استعمارية جديدة تعتمد على الدولار الأمريكي، بموجب هذا المشروع، أنفقت الولايات المتحدة حوالي مليار دولار لدعم اقتصادات أوروبا الغربية؛ مما يعكس التزامها العميق باحتواء النفوذ السوفيتي عبر وسائل اقتصادية وسياسية وعسكرية [54].
عملت الولايات المتحدة الأمريكية على نشر نموذجها خلال تلك المرحلة حول العالم كأداة أساسية لإدارة الصراع ضد الاتحاد السوفيتي واعتمد النموذج على الحرية والعدالة والديمقراطية ومصادر متعددة للقوة الثقافية وتوفير فرص العمل والكسب وتحقيق الذات والارتقاء بمستوى التعليم وتحقيق إنجازات كبيرة في البحث العلمي والابتكار كأداة أساسية لإدارة الصراع ضد الاتحاد السوفيتي فقد اتاحت قوة النموذج للولايات المتحدة الأمريكية الوصول لقيادة النسق الدولي بمفردها بعد انتهاء الحرب الباردة[55].
٣ـ النسق أحادي القطبية:
نشأت القطبية الأحادية نتيجة انهيار القطبية الثنائية، والمتمثلة في تفكك الاتحاد السوفيتي؛ مما أتاح للولايات المتحدة الأمريكية الانفراد بالقوة المهيمنة على الساحة الدولية، حيث انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة شؤون العالم، وتولّت إدارة العديد من القضايا الدولية، مستخدمةً قوتها العسكرية والاقتصادية في فرض رؤيتها، كما عملت على تعزيز علاقاتها الدولية، وإقامة تحالفات متعددة مع عدد من القوى الدولية الأخرى لتعزيز مكانتها الدولية.[56].
شهد العالم خلال هذه المرحلة بما يعرف ب”النظام العالمي الجديد”، والتي بدأت تتبلور بعد حرب الخليج الثانية عام 1990، وأعلن الرئيس الأمريكي “جورج بوش الاب” في 17 يناير عام 1991 من داخل مجلس النواب الامريكي عن بدء هذا النظام مستخدمًا مصطلح “order” الذي يشير إلى التوجيه والقسر، تتسم هذه المرحلة إلى هيمنة الولايات المتحدة سياسيًا وعسكريًا، حيث تتولى قيادة العالم بشكل منفرد تمامًا دون الاعتماد على الحلفاء؛ مما أدى ذلك إلى الانتقال من نظام ثنائي إلى أحادي القطبية، حيث أصبحت واشنطن تلعب دور المنظم في العالم؛ مما يعزز الأمن في إنهاء النزاعات، والسعي نحو السلام[57].
وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر عام 2001 برز نوع جديد من الاستقطاب يتمثل في الصراع بين الولايات المتحدة والدول التي تعتبرها ملاذًا للإرهاب، وكانت تتخذ هذه أحداث 11 سبتمبر كمبرر في حربها على افغانستان واحتلال العراق، وأخذت تعتمد على تفوقها العسكري والنووي والاستخباراتي والتكنولوجي في تعزيز هيمنتها العالمية، كما يتميز النظام العالمي الجديد بإلغاء الأحلاف العسكرية الاستراتيجية كحلف وارسو، وعملت على نشر قواعدها العسكرية حول العالم كما حدث في إيران وكوريا الشمالية، وتعد من الناحية الثقافية أن العولمة الغربية تهيمن لاسيما الأمريكية من خلال وسائل الاعلام والفن واللغة؛ مما يهدد الهويات الثقافية الأخرى[58].
وجملة القول، استعرض الفصل الأول الإطار المفاهيمي للدراسة، من خلال مبحثين رئيسيين: تناول الأول مفهوم الأزمة وخصائصها والمفاهيم المرتبطة بها، بينما تناول الثاني بنية النسق الدولي ومكوناته وصوره التاريخية.
تبيّن أن الأزمة تُعبّر عن حالة حرجة تهدد المجتمع وتُحدث خللاً في وظائفه الحيوية، ما يتطلب قرارات حاسمة خلال وقت محدود. وتمثلت أبرز خصائصها في المفاجأة، وحدة التهديد، التشابك، تعقيد المواقف، وضيق الوقت، إلى جانب تأثيراتها النفسية على صانع القرار كالتوتر والقلق. أما الأزمة الدولية، فهي موقف تصاعدي مفاجئ بين دولتين أو أكثر، يترك أثرًا عميقًا على النسق الدولي، وتتمثل عناصرها في: تهديد المصالح الحيوية، عنصر المفاجأة، ومحدودية الوقت. كما طُرحت ثلاث مدارس لتحليل الأزمة: النسقية، وصنع القرار، والتوفيقية.
وتم في نهاية هذا المبحث توضيح المفاهيم ذات الصلة كالصراع، الحرب، الغزو، النزاع.
أما المبحث الثاني فقد تناول مفهوم بنية النسق الدولي، باعتبارها شبكة من الدول والفاعلين الدوليين تتفاعل وفق أنماط منتظمة. وتتكون البنية من ثلاثة أبعاد: الفاعلون، والمؤسسات، والبنية الهيكلية. وتم التطرق لمفاهيم مرتبطة مثل النظام الدولي (باعتباره إطارًا ينظم العلاقات الدولية)، والقطبية (الدالة على عدد القوى الكبرى المؤثرة في النظام).
واختُتم المبحث بعرض صور النسق الدولي عبر التاريخ: بدايةً من النسق متعدد الأقطاب بعد معاهدة وستفاليا، ثم ثنائي القطبية بين واشنطن وموسكو بعد الحرب العالمية الثانية، فالأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
وقد خلص الفصل إلى ما يلي:
- الأزمة مفهوم معقد ذو طابع تهديدي يتطلب إدارة دقيقة وفعالة.
- الأزمات الدولية تُحدث تغييرات جوهرية في بنية النسق الدولي.
- النسق الدولي ليس ثابتًا، بل يتغير وفقا لموازين القوى العالمية وتفاعلات الفاعلين أو اللاعبين الدوليين.
الفصل الثاني
الفصل الثاني
تُعد الأزمة الأوكرانية من أبرز الأزمات المعاصرة التي أفرزها النسق الدولي بعد الحرب الباردة، نظرًا لتداخل أبعادها التاريخية والسياسية والجيوستراتيجية. ولتحليل هذه الأزمة بشكل شامل، يتناول هذا الفصل محورين مترابطين؛ يركّز المبحث الأول على تتبع الجذور التاريخية والمسببات السياسية التي مهدت لاندلاع الأزمة، موضحًا الخلفيات القومية والجغرافية والتجاذبات الإقليمية والدولية بين روسيا والغرب. أما المبحث الثاني، فيتناول المراحل الرئيسية لتطور الأزمة خلال الفترة من عام 2022 إلى عام 2025، مسلطًا الضوء على التحولات العسكرية والميدانية الكبرى، والتغيرات التي طرأت على المشهد الأوكراني في ظل استمرار الحرب.
الجذور والمسببات التاريخية والسياسية للأزمة الأوكرانية
يعود أصل الروس والأوكرانيين، إلى جانب البلاروسيين، إلى أصل عرق واحد يُعرف بقومية “السلاف الشرقيين”، وهي إحدى فروع الشعوب السلافية التي تسكن معظم مناطق وسط وشرق أوروبا والبلطيق، حيث تتشابه خلفياتهم الثقافية واللغوية، وكانت أوكرانيا تُعتبر من أهم المناطق التي تسيطر عليها الإمبراطورية الروسية، وبعد اندلاع ثورة البلاشفة عام 1917 تم الإعلان عن تأسيس جمهورية أوكرانيا بدعم من الإمبراطورية النمساوية المجرية، لكن سرعان ما قضى البلاشفة على محاولات الاستقلال وأسسوا جمهورية بلشفية في المنطقة. لاحقًا، أصبحت أوكرانيا واحدة من الدول الأربع المؤسسة للاتحاد السوفيتي، حيث كانت تُعتبر منطقة حيوية اقتصاديًا واستراتيجيًا نظرًا لثرواتها من الفحم والحديد[59].
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي، حصلت أوكرانيا التي كانت إحدى دول الاتحاد على استقلالها في عام 1991. جاء ذلك بعد إجراء استفتاء لمواطنيها، حيث كان عليهم الاختيار بين البقاء ضمن الاتحاد الروسي (الذي يضم روسيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا) أو الاستقلال كدولة أوكرانية وقد صوت 90% من السكان لصالح الاستقلال[60].
شهدت العلاقات بين موسكو وكييف أول أزمة دبلوماسية كبرى خلال فترة حكم فلاديمير بوتين. ففي خريف عام 2003، بدأت روسيا بشكل مفاجئ في إنشاء سد في مضيق “كيرتش” باتجاه جزيرة “كوسا توسلا” التابعة لأوكرانيا. اعتبرت كييف هذا التحرك محاولة لإعادة ترسيم الحدود بين البلدين، مما أدى إلى تصاعد التوترات بينهما. ولم يُحل النزاع إلا بعد اجتماع ثنائي جمع الرئيسين الروسي والأوكراني، حيث تم الاتفاق على وقف بناء السد، ومع ذلك بدأت العلاقات التي كانت تُعتبر ودية بين البلدين تظهر عليها علامات التصدع[61].
واندلعت في أوكرانيا في أواخر عام 2004 موجة واسعة من الاضطرابات والاحتجاجات على خلفية الخلافات الحادة بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية، التي اتُهم فيها المرشح الموالي لروسيا، فيكتور يانكوفيتش، بالتزوير، وقد تصاعدت تلك الأحداث لتتحول إلى ما عُرف بـ”الثورة البرتقالية”، التي استمرت حتى يناير 2005، وانتهت بإقصاء يانكوفيتش من المشهد السياسي، وصعود فيكتور يوشتشينكو، المدعوم من الغرب، إلى سدة الحكم وأتت هذه التطورات مصحوبة بتغييرات دستورية وسياسية عميقة، دشّنت مرحلة جديدة من الانفتاح على الغرب، تمثلت في تعزيز علاقات أوكرانيا مع الاتحاد الأوروبي، وفتح قنوات تعاون أوسع مع حلف شمال الأطلسي وقد أثار هذا التحول انزعاجاً شديداً لدى روسيا، التي اعتبرت ما جرى تدخلاً غربياً سافراً في نطاق نفوذها الإقليمي، الأمر الذي ألقى بظلاله السلبية على العلاقات الروسية الأوكرانية في السنوات التالية[62].
خلال فترة رئاسته أوقفت روسيا إمدادات الغاز إلى أوكرانيا مرتين، في عامي 2006 و2009، مما تسبب أيضا في تعطيل الإمدادات إلى أوروبا التي تمر عبر الأراضي الأوكرانية.
تفاقمت الأزمات بين الطرفين في السنوات التالية، خاصة خلال العقد الأخير، فبعد انهيار الاتحاد السوفيتي توسع حلف الناتو شرقًا ليشمل العديد من الدول التي كانت ضمن المجال الشيوعي، مثل جمهوريات البلطيق ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا) إلى جانب دول أخرى كبولندا ورومانيا. واقترب بذلك الناتو بشكل كبير من حدود روسيا. وفي عام 2008، ظهرت دعوات داخل الناتو تدعو إلى انضمام أوكرانيا، رغم أن ذلك يقي في إطار التوقعات بعيدة المدى[63].
اعتبر الكرملين أن فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو تمثل خطا أحمر” لا يمكن تجاوزه، وأكد ويليام ج. بيرتز، الذي كان يشغل منصب وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية آنذاك ويشغل حاليا منصب مدير وكالة المخابرات المركزية)، أنه لا يمكن لأي زعيم روسي أن يظل مكتوف الأيدي أمام أي خطوات نحو العضوية أوكرانيا في “الناتو” جاء هذا التصريح قبيل قمة الناتو التي انعقدت في بوخارست عام 2008، حيث طرح الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش اقتراحا بدعم انضمام أوكرانيا للحلف[64].
شهد المشهد السياسي في أوكرانيا تحولًا ملحوظًا في عام 2010 عندما أعادت الإرادة الشعبية فيكتور يانكوفيتش إلى سدة الحكم بفوزه في الانتخابات الرئاسية فور توليه المنصب، اتجه يانكوفيتش نحو سياسة إعادة الانفتاح على روسيا مع التركيز على تجميد أي خطوات قد تعزز التعاون مع الغرب، خاصة تلك التي قد تُعتبر تهديداً لمصالح موسكو. ورغم ذلك، لم يتراجع الغرب عن دعمه للمعارضة الأوكرانية، مما أدى إلى تفاقم الانقسام الداخلي في البلاد وبدأت تتشكل رؤيتان متعارضتان لمستقبل أوكرانيا: الأولى تتبناها النخب والأوساط الشعبية في الأقاليم الغربية، حيث يميلون نحو التكامل الاقتصادي والسياسي مع الغرب والسعي للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي؛ بينما الثانية تتركز في الأقاليم الشرقية ذات الغالبية الناطقة بالروسية، التي تدعو إلى تعزيز الشراكة مع روسيا، بل والانضمام رسميًا إلى مجالها الجيوسياسي[65].
ظلت روسيا اللاعب الأكثر تأثيرًا في الشؤون الأوكرانية على الرغم من تولي يانكوفيتش رئاسة أوكرانيا، فقد استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية فعالة على كييف، مدعومًا بوعود بتقديم مساعدات مالية سخية وتعويضات تهدف إلى إقناع أوكرانيا بالتراجع عن توجهها نحو الغرب. في هذا الإطار، عرضت موسكو على أوكرانيا الانضمام إلى اتحاد جمركي كبديل عن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، كان التحدي الأكبر داخليًا وليس خارجيًا، حيث عبّر قطاع واسع من الشعب الأوكراني، خصوصًا في الأقاليم الغربية، عن رغبته القوية في الاندماج مع أوروبا الغربية والانفصال عن النفوذ الروسي. وازدادت حدة التوتر عندما أعلنت حكومة يانكوفيتش، تحت ضغط من موسكو، تراجعها عن توقيع اتفاقية الشراكة ومنطقة التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، ولم يمضِ سوى يومين على هذا الإعلان حتى اندلعت احتجاجات جماهيرية حاشدة رافضة لهذا القرار، مما مهّد لبدء موجة جديدة من الاضطرابات السياسية في البلاد[66].
اندلعت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية الحاشدة في ساحة الاستقلال في خريف عام 2013 وسط العاصمة الأوكرانية كييف، وذلك اعتراضًا على قرار الرئيس فيكتور يانكوفيتش التراجع عن توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ضمن إطار “برنامج الشراكة الشرقية”. وقد مثّل هذا القرار خيبة أمل كبيرة للتيارات المؤيدة للتقارب مع أوروبا، فتصاعدت الاحتجاجات تدريجياً وتحولت إلى مواجهات عنيفة نتيجة ردود الفعل القمعية من الحكومة، ما أدى في نهاية المطاف إلى الإطاحة بيانكوفيتش في فبراير 2014[67].
إثر ذلك، سيطر ائتلاف سياسي موالٍ للغرب على مفاصل السلطة في العاصمة، وشكل حكومة انتقالية، في حين لجأ عدد من رموز النظام السابق إلى روسيا وقد شكل هذا التطور خسارة استراتيجية مفاجئة لروسيا في واحدة من أهم دول جوارها الحيوي[68].
تصاعدت التوترات الداخلية وأعلنت الأقاليم الشرقية في أوكرانيا، التي يشكل الروس أغلبية سكانها، عدم اعترافها بالحكومة المركزية الجديدة في كييف، وشملت هذه الأقاليم كلاً من شبه جزيرة القرم ومنطقة دونباس وغيرها، حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية الجديدة المدعومة من الولايات المتحدة والغرب، والقوات التابعة للنظام القديم.
أعلنت سلطات إقليم القرم الانفصال عن أوكرانيا وتأسيس “جمهورية القرم المستقلة”، تبعها إرسال حاكم الإقليم طلبًا رسميًا إلى موسكو للانضمام إلى الاتحاد الروسي، ولم تمضِ أيام حتى دخلت القوات الروسية إلى القرم وأعلنت ضم الإقليم رسميًا في عام 2014 وقد أثار هذا التحرك ردود فعل غربية قوية، حيث سارعت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي إلى فرض حزمة من العقوبات الاقتصادية والسياسية على موسكو، لكنها لم تثنِ روسيا عن مواصلة دعمها للانفصاليين في الأقاليم الشرقية الأخرى، خصوصًا في دونيتسك ولوغانسك[69].
وتم التوصل إلى “اتفاقيات مينسك” التي شكلت إطارًا تفاوضيًا لوقف إطلاق النار وتطبيع الأوضاع في شرق أوكرانيا. وقد تم التوقيع على اتفاقية “مينسك الأولى” التي تضمنت اثني عشر بندًا من أبرزها: تبادل الأسرى بين القوات الأوكرانية والانفصاليين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق النزاع، وسحب الأسلحة الثقيلة من خطوط التماس. كما نصّت الاتفاقية على استمرار الحوار للوصول إلى تسوية سياسية شاملة.
لكن الاتفاقية لم تصمد طويلاً، إذ تم خرق معظم بنودها من قبل الطرفين خلال فترة وجيزة لم تتجاوز خمسة أشهروفقًا لتقارير دولية من بينها تقرير لوكالة “رويترز”. وتجددت الاشتباكات المسلحة، مما أدى إلى سقوط أكثر من 2600 قتيل حينها. وقد تصاعدت حصيلة الضحايا بشكل كبير لاحقًا، لتتجاوز وفقاً للإحصاءات الأوكرانية الرسمية حاجز 14 ألف قتيل، مما يعكس عمق الأزمة وتعقيداتها المستمرة حتى الآن[70].
تعود معاداة الغرب الأوروبي والأمريكي لروسيا إلى رفضها الانصياع للهيمنة الغربية، حيث تسعى روسيا للحفاظ على تميزها واستقلالها وخصوصيتها، وتؤكد روسيا على ضرورة وجود روايتها الخاصة وقوميتها الفريدة وكنيستها الأرثوذكسية المستقلة، وثورتها البلشفية المتميزة، بالإضافة إلى مشروعها القومي المستقبلي. تمتلك روسيا جغرافيا واسعة وتاريخا عريقا وتنوعا في الروايات، مما يمنحها القدرة على الاستمرار وتطوير حضارة تتحدى الرواية الغربية التي تعتمد على فكرة تفوق الغرب عرقيا وحضاريا، كما تسعى روسيا إلى دحض نظرية “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” التي طرحها الأمريكي فرانسيس فوكوياما والتي تفترض توقف مسار التاريخ الإنساني عند حضارة الرجل الأبيض الغربي، بنموذجها الأمريكي المادي وفكرها الرأسمالي الليبرالي. تهدف هذه النظرية إلى استيعاب جميع الحضارات البشرية الأخرى بما في ذلك الحضارات القريبة منها مثل الحضارة الروسية الأرثوذكسية، أو الحضارات المتعارضة مثل الحضارة العربية الإسلامية، من خلال العولمة أو الأمركة[71].
تجددت ملامح الأزمة الأوكرانية مع انتخاب فولوديمير زيلينسكي رئيسًا لأوكرانيا عام 2019، وهو ممثل كوميدي لعب دور الرئيس في مسلسل تلفزيوني، قبل أن يتحول إلى رئيس فعلي للبلاد. خلال حملته الانتخابية وعد زيلينسكي بإعادة إطلاق محادثات السلام وإنهاء النزاع في شرق أوكرانيا، بما في ذلك الدخول في حوار مباشر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
نظرت موسكو في البداية إلى زيلينسكي على أنه سياسي مبتدئ قد يُظهر مرونة أكبر تجاه الطروحات الروسية، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ اتفاقيتي مينسك (2014 و2015) مقابل تسوية تُعيد دمج المناطق الانفصالية في إقليم دونباس داخل الدولة الأوكرانية، لكنها تبقى موالية لروسيا بما يسمح لها بالحفاظ على نفوذها داخل أوكرانيا. غير أن موقف زيلينسكي جاء معاكسًا للتوقعات، إذ رفض الشروط الروسية، وعبّر صراحة عن تطلعه لانضمام بلاده إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مما عزز توجهه نحو الغرب سياسيًا وعسكريًا[72].
تزايد التأييد الشعبي داخل أوكرانيا للاندماج مع المؤسسات الغربية، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والناتو، وبدأت روسيا تشعر بأن أدواتها السياسية والدبلوماسية لاستعادة النفوذ في كييف قد استُنفدت، وتصاعدت مخاوف موسكو من أن استمرار تقارب أوكرانيا مع الحلف الأطلسي قد يؤدي إلى تواجد عسكري غربي دائم على حدودها، وهو ما اعتبرته تهديدًا استراتيجيًا لا يمكن التهاون معه. وفي هذا السياق، تصاعد التوتر بين روسيا والغرب، لتعود أجواء الحرب الباردة من جديد خصوصًا بعد انضمام عدد من دول أوروبا الشرقية ودول البلطيق إلى حلف الناتو، وبدء الاتحاد الأوروبي في تطبيق برامج تكاملية قرب الحدود الروسية، وقد اعتبرت موسكو هذا التوسع الأطلسي اختراقًا غير مقبول لنطاقها الجيوسياسي[73].
تزايد النقاش حول إمكانية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وخصوصًا المساعي الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لروسيا لضمها إلى حلف الناتو، وبدأت روسيا تشعر بتهديد متزايد، حيث ستصبح قوات الناتو وصواريخه على حدودها الغربية مباشرة. نتيجة لذلك، اعتمدت روسيا استراتيجية جديدة تهدف إلى السيطرة على أوكرانيا ونزع سلاحها وإعادتها إلى دائرة النفوذ الروسي من خلال حكومة موالية وكانت قضية دونباس بمثابة ذريعة لتحقيق هذا الهدف.
بدأت روسيا في حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا في أكتوبر 2021 مما أثار مخاوف الغرب الذي حذر من اجتياح روسي وشيك، لكنه لم يظهر استعدادًا واضحًا أو حاسمًا للتعامل مع المخاوف الأمنية الروسية، وفي منتصف ديسمبر 2021 قدمت روسيا للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مجموعة من المطالب، تضمنت وقف أي نشاط عسكري في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والالتزام بعدم توسيع الناتو نحو روسيا ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى الحلف في المستقبل، وقد قوبلت هذه المطالب بالرفض من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو، الذين حذروا روسيا من أنها ستواجه عقوبات اقتصادية صارمة في حال غزت أوكرانيا[74] .
شهدت العلاقات بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) من جهة أخرى تصعيدًا حادًا في التوتر، نتيجة لرفض الطرفين القاطع الاستجابة لمقترحات موسكو بشأن تقديم ضمانات أمنية رسمية وملزمة.
تتمثل المطالب الأساسية لموسكو في الحصول على ضمانات موثقة تمنع المزيد من توسع الناتو نحو الشرق، والامتناع عن نشر أسلحة هجومية بالقرب من الحدود الروسية، بالإضافة إلى إعادة القدرات العسكرية والبنية التحتية للحلف في أوروبا إلى الوضع الذي كانت عليه في عام 1997، عندما تم توقيع القانون التأسيسي للعلاقات المشتركة والتعاون والأمن بين روسيا والناتو. إن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يعني تقريب البنية التحتية العسكرية للحلف من الحدود الروسية، مما سيقلل من زمن وصول الصواريخ الأمريكية إلى موسكو إلى بضع دقائق، ويجب الأخذ في الاعتبار أن كييف تحدد في وثائقها العقائدية هدف بسط السيطرة الأوكرانية على شبه جزيرة القرم، التي تُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الاتحاد الروسي، كما أن تزايد نفوذ النازيين خلال الحرب العالمية الثانية في أوكرانيا يثير القلق، مما يجعل انضمام أوكرانيا إلى الحلف يشكل تهديدًا وجوديًا لروسيا ويدفعها نحو المواجهة[75].
تم تجاهل مطالب موسكو في ردود الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على المسودات التي قدمتها، حيث تم التأكيد على مبدأ حرية انضمام أعضاء جدد إلى الناتو.
وأشار فلاديمير بوتين إلى زملائه الغربيين بأن مبدأ الأمن المتساوي وغير القابل للتجزئة يتضمن الالتزام الوارد في العديد من الوثائق الدولية بعدم تعزيز أمن دولة على حساب أمن الدول الأخرى. كما أكد الرئيس الروسي أنه وفقًا للمادة 10 من معاهدة 1949، يمكن لحلف شمال الأطلسي دعوة دول جديدة للانضمام، لكنه ليس ملزمًا بقبولها ومع ذلك كانت تحذيرات الرئيس الروسي بلا جدوى، رغم تحذيره المتكرر من خطر تجاوز الغرب للخطوط الحمراء. وفي الوقت نفسه زاد الغرب من الضغط على موسكو، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية جديدة[76].
تصاعدت التوترات وتدهورت العلاقات بين موسكو وكييف، وشهدت الفترة التي سبقت عام 2022 زيادة ملحوظة في المؤشرات التي تعكس رغبة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القوية في دفع بلاده نحو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما اعتبرته روسيا تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وفي ظل هذه التطورات، عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مخاوف بلاده بشكل واضح، مشددًا على أن الغرب أصبح يشكل خطرًا وجوديًا على الأمة الروسية، وفي هذا السياق المشحون، استيقظ العالم في الساعات الأولى من صباح الخميس 24 فبراير 2022 على اجتياح عسكري روسي واسع النطاق استهدف الأراضي الأوكرانية برًا وجوًا، مما أدى إلى اندلاع أزمة تحولت إلى حرب مفتوحة بكل تداعياتها، وعادت أجواء الحرب الباردة لتظهر مجددًا في النظام الدولي، وسط انقسام حاد بين الغرب وروسيا حول مستقبل أوكرانيا وأمن أوروبا[77].
أعلن بوتين قبل أيام من الغزو اعترافه باستقلال الجمهوريات الانفصالية في شرق أوكرانيا، وألغى اتفاقيات “مينسك” وصفقات السلام التي تم التوسط فيها من قبل ألمانيا وفرنسا، وأوضح أن الهدف من الغزو هو “نزع السلاح” من أوكرانيا، مما سيحول دون قدرتها على الانضمام إلى حلف الناتو[78].
وجملة القول، إن جذور الأزمة الأوكرانية تعود إلى تراكمات تاريخية ممتدة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث ظلّ الفضاء السوفيتي السابق ساحةً للصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب. وقد شكّلت أوكرانيا محور هذا التنافس نظرًا لموقعها الحيوي بين الشرق والغرب، فضلًا عن ارتباطها العميق بالهوية الروسية، وهو ما جعلها في قلب اهتمامات موسكو الأمنية والاستراتيجية.
وتُظهر الأزمة أن روسيا لم تكن يومًا راضية عن الترتيبات التي أسّس لها الغرب في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وخصوصًا تلك التي عززت من تمدد حلف الناتو شرقًا على حساب المجال الحيوي الروسي. هذا التمدد، الذي بلغ ذروته بمحاولات ضم أوكرانيا إلى الناتو، مثّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الروسي، وأعاد إلى السطح تصورات الكرملين القديمة عن ضرورة تأمين “الحدود العازلة” في محيطه القريب.
كما أن العقيدة الأمنية الروسية تطورت لتُبرّر التدخلات العسكرية في الدول المجاورة، خاصة تلك التي تضم أقليات ناطقة بالروسية، وذلك انطلاقًا من رؤية استراتيجية تهدف إلى استعادة النفوذ الروسي داخل حدود الفضاء السوفيتي السابق.
وقد توصل المبحث إلى ما يلي:
1.أن الأزمة الأوكرانية نتاج تفاعل مركّب بين الموروث التاريخي والتنافس الجيوسياسي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
- أن السياسات الغربية، ولا سيما توسّع الناتو، لعبت دورًا جوهريًا في تأجيج المخاوف الأمنية الروسية.
- أن العقيدة الروسية الجديدة تعكس توجّهًا نحو تعزيز النفوذ في المحيط الإقليمي، حتى لو تطلّب الأمر اللجوء إلى القوة أو ضم أراضٍ جديدة.
المبحث الثاني
المراحل الرئيسية لتطور الأزمة الأوكرانية
بدأت الأزمة الأوكرانية مطلع عام 2022 حين أطلقت روسيا عملية عسكرية واسعة النطاق ضد أوكرانيا، مما مثّل نقطة تحوّل خطيرة في العلاقات الدولية. تصاعدت الأحداث بسرعة لتتحول إلى حرب شاملة أثّرت في مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والأمنية عالميًا. مرّت الأزمة بعدة مراحل، من التقدّم العسكري السريع إلى حالات الجمود والتراجع، وترافقت مع جهود دبلوماسية متعثّرة. كما شهدت تدخلات خارجية مباشرة وغير مباشرة، أبرزها الدعم الغربي الواسع لأوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. يتناول هذا المبحث أبرز هذه المراحل وتحولاتها وانعكاساتها على النسق الدولي.
المرحلة الأولى: من 24 فبراير إلى أواخر مارس 2022:
وفقًا لموسكو، كان هناك هدفان رئيسيان وراء العملية العسكرية في أوكرانيا، الأول هو نزع سلاح ما تصفه روسيا بـ “النازية الجديدة” التي تستخدم الإرهاب كوسيلة لتحقيق أهدافها، والتي تقوم بقصف دونباس ولوجانيسك منذ سنوات. أما الهدف الثاني، فهو تغيير النظام السياسي في أوكرانيا ومنعها من الانضمام إلى حلف الناتو.
في 24 فبراير 2022 أعلنت موسكو عما أسمته “عملية عسكرية خاصة” في أوكرانيا، تهدف إلى نزع سلاح أوكرانيا وحماية سكان شرق البلاد، وفقًا للرواية الروسية. وكان من المتوقع أن تكون هذه العملية سريعة ومختصرة[79].
لكن سرعان ما اتضح أن روسيا متورطة بشكل عميق في الحرب الأوكرانية، مع تزايد حجم الإمدادات والمساعدات المقدمة لأوكرانيا، بالإضافة إلى الدعم السياسي والعسكري. وأصبح من الواضح أن الصراع هو ضد الغرب وليس ضد أوكرانيا فقط [80].
أقر الرئيس الأوكراني في هذه المرحلة فلوديمير زيلينسكي بأن بلاده فقدت 20% من أراضيها نتيجة الحرب، لكنه أكد أن أوكرانيا ستواصل القتال لاستعادة تلك الأراضي، بالإضافة إلى السعي لاستعادة المناطق التي فقدتها قبل اندلاع الحرب، في إشارة إلى شبه جزيرة القرم.
شهدت خريطة التحركات العسكرية الروسية في المقابل تغييرات كبيرة خلال هذه المرحلة الأولى من الأزمة. فقد بدأت الحرب على ثلاثة محاور رئيسية: المحور الشرقي الذي يهدف إلى السيطرة على إقليم دونباس باتجاه الشمال نحو خاركيف، والمحور الشمالي الذي يتجه نحو العاصمة كييف، والمحور الجنوبي الذي ينطلق من القرم والبحر للسيطرة على الساحل الجنوبي لبحر أزوف وصولاً إلى حدود مقاطعتي خيرسون وأوديسا[81].
يمكن القول إن العمليات العسكرية الرئيسية كانت تتركز خارج منطقة دونباس، حيث سعت روسيا إلى تطويق العاصمة الأوكرانية للضغط على الحكومة ودفعها للاستسلام، وهو رهان أثبتت الأحداث أنه خاسر. كما كانت هناك جهود في الجنوب الساحلي للسيطرة على المسرح البحري في البحر الأسود، بدءًا من بحر أزوف شرقًا وصولًا إلى أوديسا غربًا.
نفذت القوات الروسية انسحابًا جزئيًا من كييف في الأسبوع الأول من الشهر الثاني للحرب، مما يعكس فشل الرهان على استسلام نظام زيلينسكي أو فك الحصار عنه. بدلاً من ذلك، اتجهت القوات الروسية لتعزيز وجودها في دونباس بهدف السيطرة على لوغانسك ودونيستك، وذلك بعد وصول تعزيزات عسكرية غربية لدعم المقاومة الأوكرانية، مما أدى إلى تكبد القوات الروسية خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات[82].
المرحلة الثانية: من أواخر مارس حتى أواخر أغسطس 2022:
ظهرت أبرز ملامح الاستراتيجية العسكرية الروسية المعدلة. حيث ركزت القيادة الروسية، بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، على استكمال السيطرة على إقليم الدونباس في شرق أوكرانيا، والذي يتضمن مقاطعتي لوهانسك ودونيتسك، بالإضافة إلى تأمين ممر أرضي في جنوب أوكرانيا يربط الإقليم بشبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا في عام 2014.
وقد حققت روسيا تقدمًا ملحوظًا خلال هذه المرحلة، حيث تمكنت من السيطرة الكاملة على مقاطعة لوهانسك في أواخر يوليو 2022، وحققت تقدمًا عملياتيًا في مقاطعة دونيتسك، حيث سيطرت على حوالي 80% من مساحتها. كما احتلت أجزاء واسعة من الجنوب الأوكراني، بما في ذلك مدينة ماريوبول الساحلية ذات الأهمية الاستراتيجية، وفرضت حصارًا بحريًا على السواحل الأوكرانية في البحر الأسود وبحر آزوف[83].
بدأت موسكو بعد ذلك في اتخاذ خطوات عملية لإجراء استفتاء شعبي في إقليم الدونباس وأجزاء من جنوب أوكرانيا بهدف ضمها إلى روسيا. وفي هذه المرحلة، اتسم سلوك القوات الأوكرانية في هذه المرحلة برد الفعل، ومحاولة تعطيل التقدم الروسي في مقاطعتَي خيرسون وزابوروجيا الجنوبيتين، مع اتخاذ الاستعدادات اللازمة لشن هجومٍ مضاد[84].
المرحلة الثالثة: من أوائل سبتمبر 2022 حتى أواخر مايو 2023:
بدأت هذه المرحلة بإطلاق هجوم مضاد من قبل أوكرانيا ضد القوات الروسية، التي لم تتمكن من تحقيق نتائج حاسمة في منطقة الدونباس. وقد حقق الهجوم الأوكراني نجاحًا ملحوظًا، حيث استعاد أجزاء واسعة من الأراضي المحتلة في شمال وجنوب البلاد، بما في ذلك مدينة خاركيف خلال فترة زمنية قصيرة، وبلغت المساحة التي استعادت القوات الأوكرانية حوالي 10 آلاف كيلومتر مربع. في المقابل، اضطرت القوات الروسية إلى الانسحاب إلى مواقع أكثر أمانًا، حيث انسحبت بسرعة عبر نهر دنيبرو، مما جعل سلوكها بشكل عام دفاعيًا. هذا التحول أدى إلى تباطؤ الأعمال القتالية وتحولها إلى حرب استنزاف استمرت لعدة أشهر على معظم الجبهات[85].
تزايد الدعم الغربي على الصعيدين السياسي والعسكري، وحققت القوات الأوكرانية خلال أشهر الصيف إنجازات ملحوظة في مواجهة القوات الروسية، حيث استعادت مساحات واسعة من أراضيها في إقليم خاركيف شمال شرق البلاد وإقليم خيرسون في الجنوب.
ردت روسيا على إخفاقاتها العسكرية بعدة خطوات تصعيدية، شملت زيادة تهديداتها باستخدام أسلحة نووية تكتيكية، وإعلانها ضم أربعة أقاليم أوكرانية (دونيتسك، لوغانسك، خيرسون، وزابوريجيا) التي تسيطر عليها جزئيًا أو كليًا[86]، وقد قوبل هذا الإجراء برفض من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بالإضافة إلى إدانة واضحة من الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت بأغلبية كبيرة على ضرورة عكس موسكو لخطتها بشأن “الضم غير القانوني”. كما استخدمت روسيا حق النقض ضد مشروع قرار مشابه في مجلس الأمن. في المقابل، سارعت العديد من الدول والمؤسسات الغربية إلى فرض عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو وزيادة مساعداتها العسكرية لأوكرانيا[87].
كما أعلنت روسيا عن تعبئة جزئية لزيادة عدد الجنود المشاركين في عملياتها العسكرية في أوكرانيا، بالإضافة إلى تصعيد القصف على عمق الأراضي الأوكرانية واستهداف المنشآت المدنية بهدف كسر الروح المعنوية المتزايدة لدى الأوكرانيين[88].
المرحلة الرابعة: من أوائل يونيو 2023 حتى بداية عام 2024:
بعد عدة أشهر من الجمود في خطوط المواجهة وتحول القتال إلى نمط الاستنزاف، أطلقت أوكرانيا في يونيو 2023 هجوماً مضاداً لاستعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، مع تركيز العمليات على الجبهتين الجنوبية والشرقية. ورغم الآمال بتحقيق اختراق حاسم، واجهت القوات الأوكرانية دفاعات روسية محكمة، خاصة في مناطق مثل روبوتاين، حيث تباطأ التقدم وسط حقول الألغام. ومع حلول الشتاء، توقفت العمليات وسط تحذيرات غربية من تحول الحرب إلى صراع مجمد. وفي الوقت ذاته، قاد يفغيني بريغوجين، زعيم مجموعة فاغنر، تمرداً مسلحاً ضد القيادة الروسية في 23 يونيو، متقدماً نحو موسكو قبل أن يتراجع إثر وساطة بيلاروسية. ورغم إسقاط التهم عنه، قُتل لاحقاً في تحطم طائرة شمال غرب موسكو، في حادثة أثارت تساؤلات حول تداعيات التمرد[89].
بالإضافة إلى ذلك، شنت أوكرانيا هجمات بالطائرات المسيرة داخل الأراضي الروسية، بما في ذلك العاصمة موسكو، ونفذت عمليات مؤثرة ضد الأصول اللوجستية البحرية والجوية الروسية في منطقة بحر آزوف.
أسفرت الهجمات الأوكرانية عن فشل البحرية الروسية في الحفاظ على وجودها في شمال غرب البحر الأسود، مما أجبرها على سحب الجزء الأكبر من أسطولها من شبه جزيرة القرم إلى موانئ روسية أكثر أمانًا في الجزء الشرقي من البحر. هذا الأمر أعاق قدرة روسيا على قصف الأراضي الأوكرانية باستخدام السفن الحربية التابعة لأسطول البحر الأسود، كما أثر سلبًا على الخدمات اللوجستية للقوات الروسية في شبه جزيرة القرم وجنوب أوكرانيا[90].
علاوة على ذلك، مكنت الهجمات البحرية الأوكرانية كييف من كسر الحصار المفروض على موانئها على البحر الأسود واستئناف صادراتها، وخاصة صادرات الحبوب، إلى الخارج عبر طريق جديد يمتد على طول الساحل الجنوبي لأوكرانيا.
يمثل إعادة فتح ممرات الشحن التجارية للصناعة الزراعية الواسعة في أوكرانيا شريان حياة مالي حيوي للبلاد، التي تسعى جاهدة للحفاظ على اقتصادها المتعثر وتمويل جهودها الحربية. كما أسفرت الهجمات التي شنتها القوات الأوكرانية على الأصول اللوجستية البحرية والجوية الروسية في منطقة بحر آزوف عن تقليص وتيرة العمليات الجوية التكتيكية الروسية في تلك المنطقة[91].
رغم الإنجازات التي حققتها القوات الأوكرانية، إلا أن الهجوم لم يحقق أهدافه المرجوة، حيث استعادت القوات الأوكرانية فقط عددًا قليلاً من القرى في المقاطعتين (14 قرية)، دون أن تتمكن من تأمين أي مكاسب إقليمية كبيرة. ويعود ذلك إلى المقاومة الشديدة التي واجهتها من الدفاعات الروسية القوية، بالإضافة إلى الخسائر الفادحة التي تكبدتها نتيجة التفوق الجوي وحقول الألغام. وقد كانت إقالة القيادات العسكرية الأوكرانية، بما في ذلك وزير الدفاع ورئيس الأركان، دليلاً على فشل الهجوم الأوكراني، مما أدى إلى عودة حالة الاستنزاف والجمود لتسيطر على الوضع العسكري[92]
المرحلة الخامسة: من بداية عام 2024 حتى أوائل أغسطس 2024:
شهدت هذه المرحلة استحواذ القوات الروسية على زمام المبادرة، حيث كثفت هجماتها على طول محور لوهانسك – خاركيف، بالإضافة إلى مقاطعة دونيتسك[93].
هذا التحول في الصراع جاء لصالح موسكو في معظم جبهات القتال، باستثناء الجبهة الجنوبية، وخاصة في مقاطعة خيرسون. اتسمت القدرات العسكرية الروسية خلال هذه الفترة بالاستدامة النسبية، حيث واصلت تنفيذ هجماتها الصاروخية واستخدام الطائرات المسيرة لإرباك الدفاعات الجوية الأوكرانية. وقد حققت القوات الروسية مكاسب تكتيكية ملحوظة على محور خاركيف – لوهانسك ومقاطعة دونيتسك، وكان أبرزها من الناحية الرمزية السيطرة على مدينة أفدييفكا القريبة من مدينة دونيتسك، معقل أنصار روسيا، وذلك قبل أيام من الذكرى السنوية الثانية لاندلاع الحرب[94].
على الرغم من استمرار العمليات الهجومية للقوات الروسية وتقدمها، إلا أنها لم تحقق أي مكاسب استراتيجية تؤثر على أجزاء كبيرة من خط المواجهة، كما لم تتمكن من تنفيذ مناورات ميكانيكية سريعة عبر مساحات واسعة من الأراضي. ومع ذلك، أجبرت هذه العمليات أوكرانيا على تخصيص قوات وعتاد لأغراض الدفاع [95].
من جهة أخرى، أدت الهجمات الأوكرانية على الأصول اللوجستية البحرية والجوية الروسية في منطقة بحر آزوف إلى تقليص وتيرة الطلعات الجوية التكتيكية الروسية هناك. كما اضطرت موسكو إلى إجلاء المئات من سكان بيلغورود نتيجة تزايد الهجمات الأوكرانية على المناطق الحدودية الروسية. وقبيل الانتخابات الرئاسية الروسية المقررة في مارس 2024 قامت روسيا بنشر المزيد من قوات الحرس الوطني في المناطق الأوكرانية المحتلة، واستمرت في جهودها لدمج هذه المناطق من خلال تخصيص مراكز اقتراع انتخابي، مما يتيح للسكان المحليين فرصة التصويت. في المقابل، كانت القوات الأوكرانية تعاني من الإرهاق ونقص في المجندين المدربين بشكل جيد، بالإضافة إلى نقص في الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، مما أدى إلى تراجع احتياطياتها[96].
تواجه القوات الأوكرانية تحديات كبيرة في تجديد صفوفها واستبدال الوحدات المنهكة بمجندين جدد، خاصة في ظل تراجع المساعدات الأمنية الغربية والهجوم الروسي المستمر. نتيجة لهذه الظروف، لم تتمكن القوات الأوكرانية من استئناف عمليات هجومية واسعة النطاق، بل اتخذت أوضاعًا دفاعية على طول جزء كبير من خط المواجهة. ومع ذلك، لم يمنعها ذلك من تنفيذ هجمات جوية باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ على الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم، بالإضافة إلى مواصلة عملياتها البرية في الضفة الشرقية لمقاطعة خيرسون[97].
تكبدت القوات الأوكرانية خسائر كبيرة خلال هذه المرحلة، نتيجة تفوق القوات الروسية في عدد الجنود والمعدات، حيث حصلت روسيا على كميات إضافية من الصواريخ الباليستية والمدفعية والذخائر من إيران وكوريا الشمالية.
واجهت أوكرانيا في المقابل نقصًا حادًا في القوى البشرية والمعدات العسكرية، وخاصة في صواريخ الدفاع الجوي، التي تأثرت بشكل كبير بسبب تراجع وتأخر الدعم العسكري الغربي. هذا الوضع دفع الرئيس الأوكراني إلى القيام بجولة موسعة في الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية لطلب الدعم والمساعدة [98].
المرحلة السادسة: من أوائل أغسطس 2024 حتى أواخر ديسمبر 2024:
شنت القوات الأوكرانية في السادس من أغسطس 2024 هجومًا بريًا مفاجئًا في مقاطعة كورسك الروسية، بهدف تخفيف الضغط الروسي على الجبهة الشرقية. وكان هذا الهجوم هو الأول من نوعه الذي تشهده الأراضي الروسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد تطور الهجوم الأوكراني ليصبح تحت سيطرتها ألف كيلومتر مربع داخل روسيا، تضم 100 تجمع سكاني4.
سعت أوكرانيا إلى الصمود على الجبهتين من خلال تعزيز صناعاتها الدفاعية وزيادة مصادر التمويل العسكري. كما استغلت توغلها في كورسك للحصول على الدعم من شركائها لاستعادة أراضيها التي تسيطر عليها موسكو، والتي تمثل حوالي 27% من إجمالي أراضيها. وحرصت على ضمان أكبر دعم ممكن من إدارة بايدن قبل الانتخابات الأمريكية، حيث قام الرئيس الأوكراني بزيارة الولايات المتحدة في سبتمبر 2024، والتقى بكل من بايدن وهاريس وترامب لمناقشة ما يُعرف بـ “خطة النصر”. وكان من المقرر أن يعقد اجتماعًا مع الرئيس بايدن في ألمانيا، لكنه أُجل بسبب إعصار “ميلتون” الذي ضرب فلوريدا[99].
كما قام بجولة خارجية شملت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكرواتيا، حيث استعرض تفاصيل خطة “النصر”، التي تتضمن مجموعة من البنود الهادفة لإنهاء الحرب بحلول عام 2025. تشمل هذه البنود دعوة أوكرانيا للانضمام الفوري إلى حلف الناتو، وتعزيز أمن أوكرانيا من خلال ضمانات تسمح باستخدام الأسلحة بعيدة المدى للقيام بضربات عسكرية داخل روسيا، بالإضافة إلى تنفيذ عمليات دفاع جوي مشتركة مع الدول المجاورة. كما تتضمن الخطة نشر أصول ردع غير نووية في أوكرانيا وإبرام اتفاقية ما بعد الحرب لإدارة الموارد الحيوية لأوكرانيا، واستبدال بعض الوحدات العسكرية الأمريكية في أوروبا بقوات أوكرانية بعد انتهاء النزاع [100].
على الرغم من فشل الهجوم الذي وقع في السادس من أغسطس في تحقيق أهدافه، إلا أنه ساهم في إعادة تشكيل معادلة الحرب، التي أصبحت تعتمد على مبدأ “الأرض مقابل الأرض”. كما يستمر الطرفان في القتال لخلق مزيد من الفرص السياسية، مستندين إلى حجم المكاسب الميدانية، في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتراجع الاهتمام الدولي بدعم أوكرانيا، بسبب تصاعد التحديات التي تواجهها القوى الأوروبية، واستمرار النزاع في غزة. في الجهة المقابلة، كانت القوات الروسية تواصل تقدمها على جبهة دونيتسك في شرق أوكرانيا وكورسك، بهدف طرد القوات الأوكرانية من أراضيها. وقد هددت بإمكانية إدخال تعديلات على العقيدة النووية الروسية، بالإضافة إلى زيادة عدد القوات الروسية بنحو 180 ألف جندي، ليصل إجمالي عدد أفراد الجيش إلى حوالي 1.0 مليون جندي، وذلك لتعويض الخسائر البشرية. يأتي ذلك دون الإعلان عن تعبئة عامة، مع الاعتماد على الدول الصديقة، وعلى رأسها كوريا الشمالية[101].
أقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فبراير 2024 القائد الأعلى للقوات المسلحة، الجنرال فاليري زالوجني، في خطوة مثّلت أكبر تعديل في القيادة العسكرية منذ بدء الغزو الروسي الواسع قبل نحو عامين. جسدت هذه الإقالة مقامرة سياسية من جانب زيلينسكي، خاصة في ظل الخلافات المعروفة بينه وبين زالوجني، الذي لا يزال يحظى بشعبية واسعة رغم فشل الهجوم الأوكراني المضاد.
انتقلت أوكرانيا إلى وضع دفاعي مع تكثيف روسيا هجماتها على معظم خطوط الجبهة، حيث أعلنت موسكو في 17 فبراير سيطرتها الكاملة على مدينة أفدييفكا شرقي البلاد، في أكبر مكسب ميداني لها منذ السيطرة على باخموت[102].
شهدت أواخر نوفمبر 2024 تصعيدًا عسكريًا جديدًا، بعد سماح الولايات المتحدة لأوكرانيا باستخدام صواريخ “أتاكمز” بعيدة المدى، ما مكّن زيلينسكي من ضرب مستودع ذخيرة روسي قرب بريانسك في 19 نوفمبر[103].
بينما ردت موسكو بتحديث عقيدتها النووية في اليوم التالي لتشمل احتمال الرد على هجمات تقليدية مدعومة من قوى نووية، في إشارة مباشرة إلى أمريكا[104].
نفذت روسيا ضربات نوعية على منشآت أوكرانية حيوية، مستخدمة صاروخ “أوريشنيك” الفرط صوتي والطائرات المسيّرة، وأظهرت تحركات رمزية كتحريك القاذفات الاستراتيجية ونشر ملاجئ نووية، ما كشف عن مرحلة جديدة من التصعيد تنذر بخطر انزلاق إلى صدام نووي محتمل[105].
واصلت روسيا في ديسمبر 2024 تقدمها العسكري على عدة جبهات، معلنة سيطرتها على بلدات في دونيتسك وخاركيف، وتكبيد القوات الأوكرانية خسائر كبيرة، خاصة في محور كورسك. أعلنت موسكو تدمير عدد كبير من الطائرات المسيّرة واعتراض هجمات صاروخية، بينما استهدفت منشآت استراتيجية، منها مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا. كما نفذ جهاز الأمن الأوكراني عمليات نوعية، أبرزها تدمير قطارات وقود روسية واغتيال مسؤول عسكري كبير في موسكو
تحركت الأطراف سياسيًا، إذ زار المستشار الألماني أولاف شولتس كييف، وأعلنت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية جديدة تتجاوز 1.4 مليار دولار، في حين نفت موسكو وجود أي أساس للتفاوض رغم تأكيدها السعي لإنهاء النزاع. أكدت روسيا استعدادها لاستخدام جميع الوسائل لتفادي الهزيمة، فيما دخلت اتفاقية الدفاع مع كوريا الشمالية حيّز التنفيذ، ما عزز الشراكة رغم دعوات دولية لوقف التعاون[106].
وجملة القول، يتّضح أن الأزمة الأوكرانية مرت بمراحل متعاقبة اتسمت بتغيرات جوهرية في طبيعتها وأهدافها وأدواتها، انعكست بوضوح على توازن القوى ومواقف الأطراف المحلية والدولية. فمن عملية عسكرية روسية خاطفة كانت تستهدف تحقيق أهداف سريعة، إلى حرب استنزاف طويلة الأمد خاضتها أوكرانيا بدعم غربي واسع، ثم إلى تحولات ميدانية متباينة شملت هجمات مضادة، وضم أراضٍ، وتبدلات في الاستراتيجيات العسكرية والسياسية للطرفين.
وقد توصلت نتائج المبحث إلى ما يلي:
- كشفت المرحلة الأولى عن إخفاق الرهان الروسي على حسم سريع للأزمة، وتحول الأزمة إلى مواجهة شاملة مع الغرب، وليس مجرد نزاع محدود مع أوكرانيا.
- أظهرت المرحلة الثانية نجاح روسيا في تحقيق مكاسب ميدانية مهمة، لا سيما في دونباس وجنوب أوكرانيا، مقابل أداء دفاعي أوكراني محدود في هذه الفترة.
3.مثّلت المرحلة الثالثة نقطة تحول استراتيجية مع استعادة أوكرانيا لبعض المناطق، وتحول الصراع إلى حرب استنزاف ترافقها تعبئة روسية وتدخلات دولية أعمق.
- بيّنت المرحلة الرابعة محدودية الهجوم الأوكراني المضاد رغم الدعم الغربي الكبير، وأبرزت استمرار مأزق الاستنزاف مع تصعيد روسي داخلي تمثّل في تمرد فاغنر وتداعياته.
- أما المرحلة الخامسة، فقد اتسمت بعودة المبادرة الروسية في الميدان، وتراجع زخم الدعم الأوكراني، مما يشير إلى إعادة توازن نسبية قد تُمهّد لمرحلة تفاوضية أو تصعيد أشد.
- مثّلت المرحلة السادسة انتقال الأزمة إلى نمط حرب استنزاف طويلة الأمد، حيث فقد الطرفان القدرة على تحقيق حسم عسكري واضح، في ظل تراجع نسبي للدعم الغربي لأوكرانيا واستمرار التفوق العسكري الروسي. كما برزت مؤشرات على الإنهاك السياسي والعسكري، وظهرت دعوات دولية للتسوية، إلا أن تمسك الطرفين بشروط متعارضة أدى إلى تعثر مسارات الحل السلمي واستمرار الجمود التفاوضي.
وفي ختام هذا الفصل يمكن القول إن، إن الأزمة الأوكرانية مرت منذ اندلاعها في فبراير 2022 بمراحل متلاحقة ومتغيرة عكست توازنات القوة والصراع الجيوسياسي بين روسيا والغرب. فقد بدأت العملية العسكرية الروسية بضربات خاطفة طمحت إلى حسم الصراع سريعًا، إلا أن صمود المقاومة الأوكرانية والدعم الغربي المكثف، خاصة من الولايات المتحدة ودول الناتو، أديا إلى تحول الحرب من مواجهة تقليدية إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.
ومع تصاعد العمليات العسكرية على الأرض، بدا واضحًا أن الأزمة تجاوزت حدودها الإقليمية لتأخذ طابعًا دوليًا يمس بتوازنات النسق للدولي. وقد كانت لكل مرحلة من مراحل الأزمة – سواء في التقدم الروسي أو في الهجوم الأوكراني المضاد – دلالات سياسية وعسكرية مهمة تعكس ليس فقط تطورات الميدان، بل أيضًا مدى تأثير العوامل الخارجية في مسار الحرب.
الفصل الثالث
تأثير الأزمة الأوكرانية على العلاقات الدولية
شكّلت الأزمة الأوكرانية لحظة فارقة في مسار العلاقات الدولية، إذ أعادت ترتيب أولويات الفواعل الدولية، ودفعت نحو إعادة تقييم التحالفات والتوازنات القائمة. فقد كشفت عن عمق التوتر بين القوى الكبرى، وأبرزت حدود الدبلوماسية التقليدية، كما فتحت المجال أمام تحولات جوهرية في طبيعة التفاعلات بين الدول، خاصة على مستوى العلاقات بين روسيا من جهة، وكلٍّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى
تأثير الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأمريكية
منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام1991، مرت العلاقات الروسية الأمريكية بمراحل متباينة بين التقارب والعداء، حيث حاول الطرفان بناء جسور تعاون لكنها اصطدمت بصراعات النفوذ والمصالح، خاصة مع توسع الناتو شرقًا. ورغم التحسن النسبي في العلاقات خلال الفترة الثانية من حكم ترامب، إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 أعاد التوتر إلى ذروته، مع فرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات غير مسبوقة على موسكو ودعم مكثف لكييف، مما أعاد رسم معالم الصراع بين القوتين على الساحة الدولية
أولًا: أبرز المراحل التاريخية:
1: المرحلة الأولى (1991 – 1995):
دخلت بيانات منذ تفكك الاتحاد السوفيتي جديدة إلى العلاقات الروسية الأمريكية. نلاحظ أن العلاقة بين الطرفين أصبحت غير تنافسية، فروسيا تبنت موجة سياسة جديدة قوامها الاتجاه نحو الغرب بصفة الشراكة وليس بصفتها القوة المضادة، وذلك لاعتقادها بأن شراكتها مع الغرب ستُخرج روسيا من ضائقتها الاقتصادية التي كانت السبب في تبعثر الاتحاد السوفيتي، حيث حدث تحول في العلاقات الروسية الأمريكية، فبعد أن كان الصراع هو محور العلاقات بينهما، أصبح التعاون هو الطابع المفسر لعلاقتهما. فمنذ بداية التسعينيات حتى بداية القرن الحالي، كانت العلاقة بين البلدين أقرب إلى التعاون[107].
فنجد أن روسيا في تلك الفترة قد أعادت بعث هويتها في سياستها الخارجية. ونلاحظ أن السياسة الخارجية الروسية تبنت توجهين أساسيين:
أولهما: هو الانفتاح على الغرب والسعي نحو الانضمام إلى المؤسسات الغربية الاقتصادية والسياسية.
ثانيهما: نجد أن أولويات السياسة الخارجية الروسية كانت تتوجه إلى التأثر الكبير بسياسات الانفتاح والعولمة، ونتيجة لهذه التغيرات في توجهات السياسة الخارجية الروسية، تم التوقيع على وثيقة التعاون الأمريكي الروسي عام 1995، والتي أسهمت في دفع العلاقات الأمريكية الروسية إلى مربعات أوسع في مساعدة روسيا على تجاوز أزمتها الاقتصادية[108].
2: المرحلة الثانية (1995 – 2000):
نجد خلال هذه الفترة صعود للتيار “الشيوعي” و “القومي” في روسيا، فتحولت السياسة الروسية تجاه أمريكا من الانفتاح الذي اتبعته في المرحلة الأولى إلى مواجهة ورفض للهيمنة الأمريكية، مع السعي لبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يعيد لروسيا مكانتها الكبرى[109].
ثانيًا: الأزمة الأوكرانية كنقطة تحول بين القوتين:
نجد أن أوكرانيا لعقود طويلة كانت إحدى أهم الجمهوريات السوفيتية، حتى أعلنت استقلالها قبل تفكك الاتحاد السوفيتي بعدة أشهر، كما أن هناك ترابطاً عرقياً وثقافياً بين الدولتين، فكلتاهما، وتنتمي للأصل السلافي، وكانت الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية تابعة لنظيرتها الروسية فترات طويلة، لذلك كانت أوكرانيا هي الجمهورية الأقرب للاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى كونها دولة واقعة في المجال الحيوي لروسيا، وتمثل أحد أضلاع المثلث السلافي، وكان ذلك يرجع لعدة أمور، أولها: هو التقارب والتداخل الحدودي الواسع بين الدولتين، وثانيهما: هو الانتماء العرقي والثقافي، حيث نجد أن حوالي 17% من سكان أوكرانيا من أصول روسية. ولذلك كانت روسيا ترى أوكرانيا قضية أمن قومي لا يمكن تركها للتحالف مع الغرب[110].
اندلعت أحتجاجات في عام 2004 داخل أوكرانيا اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية، أدت إلى اندلاع “الثورة البرتقالية”، والتي تبعها تقارب أوكرانيا مع الغرب، وتجدّدت الثورة البرتقالية خلال 2013-2014، وذلك نتيجة للضغط الروسي لعرقلة اتفاق شراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. ومن ثم بدأت روسيا تبدي شكوكها بشأن مساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو.
فوجئ العالم في عام 2014 بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ودعمها للحركات الانفصالية الموالية لها في منطقتي (دونباس – لوغانسك) شرق أوكرانيا. ومن هنا بدأت العلاقات الروسية الأوكرانية في التدهور، كما بدأت مرحلة تبادل الاتهامات بين موسكو وواشنطن، حيث اتهمت روسيا الولايات المتحدة بأنها تهدد أمنها القومي، وأدانت أمريكا التدخل الروسي في أوكرانيا واعتبرته انتهاكاً للقانون الدولي.
ونتج عن هذا الغزو وقيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم في 2014، لتصاعد التوتر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وكان أول ما ترتب على هذا الضم هو طرد روسيا من مجموعة الثماني، التي كانت تضم الدول الصناعية الكبرى، وفرض عقوبات اقتصادية عُرفت بعقوبات “المستوى الثالث”،[111].
وشملت هذه العقوبات ما يلي:
- استهدفت قطاعات كاملة من الاقتصاد الروسي، مثل الطاقة، والبنوك، والصناعات العسكرية.
- فرضت عقوبات مباشرة على شخصيات روسية نافذة ومقربين من الرئيس الروسي بوتين، مثل ملاك شركات “نوفاتيك” و”فولف غروب”، وتم حظر دخولهم إلى الغرب وتجميد أصولهم المالية.
- تم منع دخول الشركات الروسية إلى الأسواق المالية الأمريكية.
رغم أن هذه العقوبات، لم تشمل الرئيس “فلاديمير بوتين” بشكل مباشر، وذلك لمحاولة الولايات المتحدة الحفاظ على قنوات دبلوماسية مفتوحة مع روسيا فيما يتعلق بملفات مثل سوريا وإيران.
وخلفت هذه العقوبات تأثير بالغ على روسيا، حيث سببت تباطؤًا في نمو الروبل الروسي، وانخفض الناتج المحلي بنسبة 4.2%، كما تأثرت مكانة روسيا الدولية بدرجة كبيرة، وأصبحت تُعامل في بعض الأحيان على أنها دولة فاشلة اقتصاديًا[112].
وجاء الرد الفعل الروسي بعقوبات مضادة شملت مسؤولين أمريكيين، وهددت بتوسيع هذه العقوبات لتشمل مصالح غربية داخلها، وسعت لتعزيز علاقاتها مع دول كبرى خارج الكتلة الغربية مثل الصين والهند والبرازيل، كما سعت لتوطيد علاقتها مع الدول العربية.
تمسكت روسيا بموقفها من جزيرة القرم واعتبرته قرارًا نهائيًا لا رجعة فيه، رغم ما أحدثته هذه الحركات على روسيا، وهذا ظهر خلال كافة المفاوضات التي كانت تمس الملف الأوكراني. وقد كشفت الأزمة مرة أخرى عن رغبة روسيا في استعادة مكانتها كقوة كبرى، واتخاذها موقفًا متقدمًا في المواجهة التفاوضية مع الولايات المتحدة[113].
واظهر الطرفين قناعة ضمنية بأهمية الحل الدبلوماسي للأزمة، ونجد أن المصالح الاقتصادية المشتركة بين الدولتين ساعدت على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة، وذلك لأن العلاقة بين موسكو وواشنطن تسم بطابع “التنافس الحذر”[114].
ثالثًا: الأزمة الأوكرانية ورد الفعل الأمريكي:
خلال الفترة من 2015 إلى 2021، ساد نوع من الجمود العسكري والسياسي في شرق أوكرانيا، واستمرت روسيا في دعم الانفصاليين سياسياً وعسكرياً. وفي المقابل، عززت أوكرانيا علاقتها مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأعربت عن رغبتها في الانضمام إليه، وهو ما اعتبرته روسيا تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وفي بداية ديسمبر 2021، بدأت روسيا في حشد آلاف الجنود على الحدود الأوكرانية، وطالبت من الولايات المتحدة وحلف الناتو ضمانات أمنية، أهمها عدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الحلف، ومنع تزويدها بأسلحة متقدمة، أعلن الرئيس الروسي بوتن خلال خطاب في فبراير 2022 اعتراف روسيا باستقلال جمهوريتين دونيتسك ولوغانسك، ووقّع اتفاقيات تعاون معهما، تمهيداً لتدخل عسكري مباشر في شرق أوكرانيا[115].
وأعلن بوتن في 24 فبراير 2022، بدء عملية عسكرية خاصة ضد أوكرانيا، قال إن هدفها هو حماية سكان دونباس من الإبادة، ونزع سلاح أوكرانيا، ومنعها من الانضمام للناتو، وضمان حيادها، وبدأت بذلك أزمة بين البلدين، وصفتها موسكو بأنها “معركة من أجل مستقبل النظام العالمي”، بينما اعتبرها المجتمع الدولي “عدوانًا عسكريًا غير مبرر”[116].
ترتب علي هذا الفعل أن العلاقات الأمريكية الروسية قد تدهورت فقد جاء الرد الفعلي مؤيد لأوكرانيا ومدين هذا التدخل العسكري ومن هنا بدأ صراع اعلامي بين القوتين حيث بدا الاعلام الأمريكي يعرض بأن روسيا سوف تتعرض لخسائر متعددة جراء تدخلها العسكري ف أوكرانيا وأن روسيا سوف تتعرض لعزلة علي المستوي الأقتصادي والسياسي ومع استمار الحرب برزت القنوات الروسية كرد علي الاعلام الأمريكي بان الخسائر تضخمت داخل أوكراينا وان معظم الأنشطة الأقتصادية توقفت فقد طهر الأعلام الروسي بأن الحرب لم تستهدف سوي تدمير المواقع العسكرية الأوكرانية وبعد الايام الأولي من حصار كييف راح الاعلام الغربي خصوصا الأعلام الأمريكي ينشر بيانات كاذبة يصور فيها هزيمة بوتين الأولي ولكن رد الأعلام الروسي بأن كافة هذة البيانات كاذبة لحفظ ماء الوجة[117].
ونري أن هذه الدعاية الغربية على الأزمة الروسية الأوكرانية كانت لعدة اهداف، أبرزها:
١. ابراز روسيا وزعيمها بأنها العدوا الأكبر للمصلحة القومية ونقل الأزمة داخل روسيا لاستشارة مشاعر معارضة الأزمة.
٢. إبراز روح المقاومة داخل الجيش الأوكراني.
٣. إظهار حركة النزوح الي الحدود بين أوكرانيا والدول المجاورة مع تجاهلها في الوقت ذاتة للنازحين الروس.[118]
نتج عن ذلك، بدأت الولايات المتحدة في الرد على الغزو الروسي بمجموعة من العقوبات الاقتصادية، والعسكرية والأمنية، والدبلوماسية، والدعم غير المباشر لأوكرانيا، وتمثلت أبرز هذه العقوبات فيما يلي:
1.العقوبات الاقتصادية:
أـ تجميد الأصول الروسية في الخارج.
ب. فرض عقوبات مباشرة على عدد كبير من رجال الأعمال والساسة المقربين من بوتين.
ج. استبعاد عدد من البنوك الروسية من نظام “سويفت” العالمي.
د. حظر صادرات التكنولوجيا المتقدمة إلى روسيا، خاصة في مجالات الطيران والدفاع.
ه. تعليق التعاون الاقتصادي والدبلوماسي مع روسيا
و. حظر واردات النفط والغاز الروسي إلى الولايات المتحدة، والضغط على الشركاء الأوروبيين لتقليل اعتمادهم على الطاقة الروسية[119].
2.العقوبات العسكرية والأمنية:
أ. تقديم دعم عسكري مباشر لأوكرانيا، شمل أنظمة صواريخ باتريوت، وصواريخ مضادة للدروع والطائرات، وطائرات بدون طيار.
ب. مشاركة استخباراتية فعالة، ساعدت أوكرانيا في تحديد أهداف روسية حساسة.
ج. إنشاء قوات استجابة سريعة مع حلف الناتو، وإجراء تدريبات عسكرية لرفع جاهزية الحلف في حال تصعيد روسي[120].
3.العقوبات الدبلوماسية:
أ. حشد الحلفاء الأوروبيين والضغط على روسيا دبلوماسيًا.
ب. طرد عدد كبير من الدبلوماسيين الروس.
ج. تجميد عضوية روسيا في عدد من المؤسسات الدولية.
رغم أن هذه العقوبات أضعفت الاقتصاد الروسي نسبيًا، إلا أنها لم تُحدث انهيارًا اقتصاديًا كاملاً، بفضل الإجراءات الروسية المضادة، وتعاونها مع دول مثل الصين والهند.
أسهمت الحرب في إعادة توحيد الموقف الغربي ضد موسكو، وزادت من اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة أمنياً. وبذلك، بقيت العلاقات الروسية الأمريكية في حالة تدهور شديد، وسط تحذيرات روسية صريحة بقطع العلاقات الدبلوماسية، في حال استمرار واشنطن في دعم أوكرانيا وفرض المزيد من العقوبات[121].
نجد في النهاية، كان الغزو الروسي لأوكرانيا بمثابة لحظة مفصلية في العلاقات الدولية، عكس تحولًا واضحًا في سلوك الولايات المتحدة تجاه روسيا من سياسة “الاحتواء” إلى “الردع الصارم” في سياق تنافس جيوسياسي مفتوح حول تشكيل النظام الدولي.
إستمرت العلاقات على هذا الوضع إلى أن انتهت ولاية جو بايدن، وعاد ترامب إلى سدة الحكم، الأمر الذي أدى إلى تغيير في السياسات خلال الولاية القادمة. فقد اتبع ترامب سياسة مختلفة تجاه الأزمة الأوكرانية الروسية.
فنجد أنه كسر عزلة بوتين وبدأ في التقارب معه، وكان ذلك خلال مكالمة أجراها ترامب مع بوتين، استمرت لأكثر من 90 دقيقة، ومن هنا بدأ تقارب استراتيجي بين الطرفين، كان على حساب أوكرانيا[122].
وأُبرمت مفاوضات غير مسبوقة بين الروس والأمريكان، كانت في المملكة العربية السعودية، وكان من المتوقع أن يلتقي الرئيسان في قمة مرتقبة داخل المملكة. وكان كل هذا التقارب على حساب أوكرانيا، حيث نجد أن الولايات المتحدة شددت لهجتها تجاه الرئيس الأوكراني، وشن ترامب ونائبه “جاي دي فانس” هجومًا لاذعًا عليه خلال مقابلة مُذاعة من داخل البيت الأبيض[123].
رغم أن ترامب كان يعتبر روسيا عدو الأمس، فقد أصبحت صديق اليوم، أما العدو الدائر حاليًا فهو الصين.
وجملة القول، شهدت العلاقات الروسية الأمريكية تباينات حادة منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، بين لحظات تقارب وشراكة، وأخرى من العداء والتوتر. وقد شكّلت الأزمة الأوكرانية نقطة مفصلية في مسار هذه العلاقة، حيث أعادت إشعال التوتر وبلغت ذروتها مع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والتي قابلتها الولايات المتحدة بعقوبات شاملة وغير مسبوقة على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي.
مرت العلاقات بين البلدين بعدة مراحل:
أولاً (1991 – منتصف التسعينيات): اتسمت المرحلة بانفتاح روسي غير تنافسي تجاه واشنطن، وسعت موسكو للاندماج في المؤسسات الغربية، متأثرة بسياسات العولمة، ومنتهجة إصلاحات داخلية تتماشى مع النظام الليبرالي العالمي.
ثانياً (نهاية التسعينيات – 2013): ظهرت تحولات في الموقف الروسي نتيجة صعود التيارات القومية ورفض الهيمنة الأمريكية، ما أعاد أجواء الحرب الباردة بأسلوب جديد يقوم على المواجهة والمناورة.
ثالثاً (2014 – 2021): شكّل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم منعطفاً حاداً، إذ طُردت روسيا من مجموعة الثماني، وفُرضت عليها عقوبات غربية صارمة، وردّت بعقوبات مضادة، ما زاد من التوتر مع واشنطن.
رابعاً (2022): بلغت الأزمة ذروتها مع الحشد العسكري الروسي قرب أوكرانيا، واعتراف موسكو باستقلال دونيتسك ولوغانسك، ثم إطلاق العملية العسكرية في فبراير 2022، لتتدهور العلاقات بشكل غير مسبوق، وسط تصاعد الحملات الإعلامية وفرض المزيد من العقوبات.
خامساً: استمر التوتر حتى عودة ترامب، الذي غيّر من نهج بلاده حيال الأزمة الأوكرانية، مبدياً ميولاً لتخفيف التوتر مع روسيا، ما فتح الباب أمام تقارب استراتيجي محتمل بين الطرفين، في وقت باتت فيه الصين تمثل الخصم الرئيسي للولايات المتحدة.
تأثير الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأوروبية
شهدت المرحلة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة نوعًا من التقارب بين روسيا وأوروبا، انطلاقًا من التصور الأوروبي بأن روسيا لم تعد تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن الأوروبي. وقد دفع هذا الاعتقاد بعدد من الدول الأوروبية إلى المطالبة بإعادة النظر في وجود حلف شمال الأطلسي، مشيرة إلى أن الدوافع التي أُنشئ من أجلها قد زالت، أو على الأقل بات من الضروري تعديل مهامه ليكون أداة لضبط الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، مع تعزيز الطابع الأوروبي للحلف على حساب السيطرة الأمريكية عليه[124].
فقد شهدت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، تحولات عميقة اتسمت في بداياتها بالتقارب القائم على المصالح الاقتصادية والاستراتيجية. فقد سعت روسيا، كوريث شرعي للاتحاد السوفيتي، إلى إعادة بناء اقتصادها وتعزيز مكانتها الدولية، بينما حاول الاتحاد الأوروبي تقديم نموذج سياسي واقتصادي يمكن أن يُستأنس به في المرحلة الانتقالية الروسية. وتُوّج هذا التقارب بتوقيع اتفاقية الشراكة والتعاون (Partnership and Cooperation Agreement – PCA) عام 1994، التي دخلت حيز التنفيذ في 1997، وشكلت الإطار القانوني للتعاون بين الطرفين في مجالات متعددة[125].
استمر هذا المسار التعاوني وبرز بشكل واضح في الحضور الروسي لقمة مجلس الاتحاد الأوروبي عام 2001، وما تلاها من اتفاقيات ومشاورات في القضايا الأمنية والسياسية، ومن بينها مساهمة روسيا في بعثة الشرطة الأوروبية في البوسنة والهرسك، والتعاون في مجالات الدفاع المدني والطوارئ، إلى جانب مشاريع مشتركة لإزالة الألغام مثل المشروع الروسي السويدي لإزالة الألغام إبان الحرب العالمية الثانية من بحر البطليق حول منطقة كالينينغراد[126].
كما شهدت قمة سانت بطرسبرغ عام 2003 توسيعًا للشراكة لتشمل قضايا الاقتصاد، والأمن، والتعليم، والعدالة، ضمن ما عُرف لاحقًا بسياسة “البعد الشمالي” عام 2007. وفي عام 2010، أُطلقت “الشراكة من أجل التحديث”، تلاها توقيع اتفاقية لتسهيل الحصول على التأشيرات عام [127]201، مما عكس تنامي الثقة النسبية بين الجانبين1.
تبنّى كلٌّ من الاتحاد الأوروبي وروسيا عدة شراكات استراتيجية شملت مجالات متعددة، من بينها التجارة، والاقتصاد، والطاقة، وتغير المناخ، والبحث العلمي، والتعليم، والثقافة، والأمن، ومكافحة الإرهاب، ومنع الانتشار النووي، بالإضافة إلى السعي لحل النزاعات في منطقة الشرق الأوسط. وكان الاتحاد الأوروبي داعمًا بارزًا لانضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، وهو ما تحقق في عام 2012. غير أن ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس 2014، ودعمها للمقاتلين الانفصاليين في شرق أوكرانيا، ومحاولاتها عرقلة الوصول إلى بحر آزوف، دفعت الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في سياساته وعلاقاته مع موسكو[128].
لم تُخفِ هذه الدينامية الإيجابية واقع العلاقات المعقدة بين الطرفين، حيث بقيت العديد من الملفات الشائكة، كقضايا الشيشان، وداغستان، وتوسّع حلف الناتو، والتحول الديمقراطي الروسي، حاضرة بقوة في خلفية المشهد. وبدأ التوتر يتصاعد بشكل جلي منذ اندلاع الاحتجاجات في أوكرانيا عام 2013، وما تبعها من الإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لموسكو، ثم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وانفجار الحرب في شرق أوكرانيا بدعم روسي مباشر. وقد مثّلت هذه التطورات نقطة تحول في العلاقات، إذ اعتبرها الاتحاد الأوروبي تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي [129].
فرض الاتحاد الأوروبي، إلى جانب كل من الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، منذ مارس 2014 مجموعة من العقوبات على روسيا. شملت هذه العقوبات تجميد أصول ومنع إصدار تأشيرات للنخب الروسية والانفصاليين الأوكرانيين والمنظمات المرتبطة بهم، إضافة إلى عقوبات دبلوماسية تضمنت تعليق القمم الرسمية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، ووقف المفاوضات المتعلقة باتفاقيات التعاون بين الجانبين، وكذلك تعليق عضوية روسيا في مجموعة الثماني. كما تبعتها عقوبات اقتصادية تمثلت في فرض قيود على التجارة مع شبه جزيرة القرم، وفرض حظر على تجارة الأسلحة، ومنع التعاون في مجالي الطاقة والتمويل مع روسيا[130].
قامت روسيا بفرض عقوبات في أغسطس 2014 كرد على العقوبات الغربية شملت حظرًا على المنتجات الزراعية والغذائية القادمة من الاتحاد الأوروبي، والتي كانت تشكل نحو 43% من صادرات الاتحاد الزراعية إلى روسيا. ورغم تبادل العقوبات، ظل الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لروسيا، بينما احتلت روسيا المرتبة الخامسة ضمن الشركاء التجاريين الرئيسيين للاتحاد حتى عام 2021، لا سيما في قطاع الطاقة[131].
لأن أساس العلاقات الروسية الأوروبية وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية كانت قائمة على المصالح الاقتصادية المتبادلة، خاصة في مجال الطاقة.
وتصاعدت التوترات واعتبرت روسيا تهديدًا رئيسيًا للسلام والاستقرار في أوروبا من وجهة نظر الاتحاد الأوروبي، أدى إلى تغليب البعد الأمني على الطابع الاقتصادي في العلاقات بين الجانبين. وأسهمت العقوبات المتبادلة، إلى جانب تعزيز روسيا لسياسة إحلال الواردات، في تقليص حجم التبادل التجاري، خاصة بعد ضم شبه جزيرة القرم واندلاع النزاع في دونباس. هذا الوضع دفع دول الاتحاد إلى إعادة النظر في سياستها تجاه الجوار الشرقي، وتحديدًا في مراجعة سياسة الجوار الأوروبية عام 2015.
وشدد الاتحاد الأوروبي في استراتيجيته العالمية لعام 2016على ضرورة احترام روسيا للقانون الدولي وللأسس التي يقوم عليها النظام الأمني الأوروبي، مثل ميثاق باريس لعام 1990 ومذكرة بودابست 1994، مشيرًا إلى إمكانية استئناف التعاون معها في حال التزمت بهذه المبادئ[132].
كما اعتمد مجلس الشؤون الخارجية في مارس 2016 خمسة مبادئ لتوجيه العلاقات مع روسيا، تضمنت أبرزها تنفيذ اتفاقيات مينسك بشأن النزاع في دونباس، ومواصلة دعم دول الشراكة الشرقية (أوكرانيا، بيلاروسيا، مولدوفا، أذربيجان، أرمينيا، جورجيا)[133]. إلى جانب تعزيز التعاون في قضايا أمن الطاقة ومواجهة التهديدات المشتركة، ودعم المجتمع المدني الروسي، مع التأكيد على مبدأ “الانخراط الانتقائي” مع موسكو في الملفات ذات الاهتمام المشترك.
لكن تباين مواقف دول الاتحاد الأوروبي، خاصة ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والنمسا والمجر، إزاء روسيا، حدّ من فعالية السياسة الأوروبية الموحدة. فبينما أبدت بعض هذه الدول رغبة في تحسين العلاقات، ظلت ألمانيا، على سبيل المثال، تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي، حيث بلغت وارداتها منه في 2020 نحو 65%، بالإضافة إلى دعمها لمشروع “نورد ستريم 2”[134].
اعتمد البرلمان الأوروبي عدة قرارات في 2015 و2019 دعمت العقوبات ضد روسيا، وأكدت دعم المجتمع المدني الروسي رغم توتر العلاقات، مع الإشارة إلى القلق الأوروبي من سياسة روسيا تجاه جيرانيها. وفي 2021، أوصى البرلمان بعدم الشراكة مع الكرملين ما لم تُنهِ روسيا قمع المعارضة وتعدل القوانين المخالفة للمعايير الدولية. كما ساهمت الهجمات السيبرانية الروسية وحملات التضليل في تعميق عزلة روسيا، خاصة بعد حادثة نافالني. وحذّر جوزيب بوريل من تدهور العلاقات، داعيًا لخفض التعاون مع روسيا باستثناء مجالات محددة[135].
رغم توقيع عدة اتفاقيات تعاون بين الجانبين، أظهرت روسيا اهتمامًا محدودًا بتنفيذها، لا سيما في مايتعلق بالشؤون الخارجية. كما لم يحظَ منح روسيا وضعًا خاصًا بإجماع داخل الاتحاد الأوروبي، في ظل التحديات التي تواجه دوله في التعاون معها. ومع ذلك، ظل الاتحاد الأوروبي حريصًا على تعزيز التعاون مع روسيا، خصوصًا في مجال السياسة الخارجية[136].
أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن قلقه البالغ تجاه مساعي أوكرانيا للانضمام إلى حلف الناتو، معتبرًا أن اقتراب الحلف من حدود روسيا يمثّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي. ففي مقابلة له مع التلفزيون الرسمي الروسي بتاريخ 9 يونيو 2021، أشار إلى أن “الشركاء الغربيين، حتى خلال فترات العلاقات الجيدة مع روسيا، لم يأخذوا مصالح موسكو بعين الاعتبار عند توسيع الحلف شرقًا”، مضيفًا أن انضمام أوكرانيا للناتو سيؤدي إلى تقليص زمن وصول الصواريخ إلى موسكو إلى ما بين 7 و10 دقائق، وتساءل قائلاً: “ألا يُعدّ ذلك تجاوزًا لخط أحمر بالنسبة لنا؟”[137].
وقد ساهم هذا التصعيد في تحول الأزمة الأوكرانية إلى صراع عسكري مفتوح، مما أدى إلى تدهور حاد في العلاقات الروسية الأوروبية.
اتخذت الدول الأوروبية موقفاً مؤيدًا للمطالب الشعبية الأوكرانية بعزل الرئيس فيكتور يانكوفيتش في عام 2014 بعد فشله في تفعيل اتفاق الشراكة السياسية الموقع مع الاتحاد الأوروبي، والذي تلاه توقيع اتفاق الاندماج في 21 مارس 2014، مركّزاً على التعاون السياسي والاقتصادي. وفي عام 2017، صادق الاتحاد الأوروبي على اتفاقية الشراكة بهدف تمهيد الطريق لانضمام أوكرانيا إليه، مع التزام الأخيرة بتنفيذ بنود الاتفاق[138].
شهدت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا توترًا متصاعدًا منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وسيفاستوبول عام 2014، وتدخلها في شرق أوكرانيا، وصولًا إلى غزوها في 24 فبراير 2022، ما أدى إلى تعليق التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي والعلمي بين الطرفين.
ردًا على الغزو، اعتمد الاتحاد الأوروبي في مارس 2022 استراتيجية أمنية ودفاعية جديدة تجاه روسيا، التي أصبحت تمثل تهديدًا مباشرًا وطويل الأمد للأمن الأوروبي، وهو ما شكّل تحولًا كبيرًا في العلاقات الثنائية.
وقد أكد حلف الناتو في استراتيجيته الجديدة (يونيو 2022) أن روسيا هي التهديد الأكبر لأمن واستقرار المنطقة اليورو-أطلسية. وبناءً عليه، تبنى الاتحاد الأوروبي نهجًا جديدًا تجاه روسيا يقوم على:
- عزلها دوليًا وفرض العقوبات لردعها عن الحرب.
- تحميلها المسؤولية القانونية عن انتهاكات القانون الدولي وجرائم الحرب.
- دعم جيران الاتحاد الأوروبي وشركائه لمواجهة تداعيات الحرب.
- تعزيز التعاون مع الناتو والدول الداعمة للنسق الدولي القائم على القواعد.
- رفع جاهزية الاتحاد الأوروبي في أمن الطاقة والتصدي للتهديدات السيبرانية والهجينة.
- دعم المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة، مع مواجهة التهديدات الداخلية لأمن الاتحاد[139].
وعلى خلفية اتهام روسيا بارتكاب جرائم حرب في مناطق قريبة من العاصمة الأوكرانية كييف، اتخذت عدة دول أوروبية خطوات تصعيدية تمثلت في طرد عدد كبير من الدبلوماسيين الروس، لتنضم كل من اليونان، النرويج، سلوفينيا، وألمانيا إلى قائمة الدول التي اتخذت هذا الإجراء.
وفي المقابل، هددت موسكو بإمكانية قطع العلاقات الدبلوماسية مع غالبية العواصم الأوروبية في حال استمر التصعيد، مؤكدة عبر المتحدث الرسمي باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أن روسيا سترد على ما وصفته بـ “الخطوات العدائية” للدول الأوروبية، مشددًا على أن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ستستمر حتى تحقيق أهدافها، وأن الدعم العسكري الغربي لكييف لن يغيّر من مسار تلك العمليات[140].
وقد كانت ألمانيا من أبرز الدول التي شهدت تحولًا جذريًا في موقفها من موسكو عقب الغزو وفي 27 فبراير 2022 أي بعد ثلاثة أيام فقط من اندلاع الحرب، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز أمام البرلمان الألماني (البوندستاغ) ما وصفه بـ “نقطة تحول تاريخية”، متعهدًا بتخصيص صندوق دفاعي بقيمة 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني، وتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، متجاوزًا سياسة الحذر التي اتبعتها ألمانيا طويلًا بشأن تصدير الأسلحة الفتاكة. كما أعلنت برلين عن إنهاء الاعتماد على الطاقة الروسية عبر التوسع في استيراد الغاز الطبيعي المسال والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، فضلًا عن طرد عدد كبير من الدبلوماسيين الروس، انسجامًا مع النهج الأوروبي العام في التعامل مع موسكو[141].
شملت العقوبات الأوروبية على روسيا حتى نهاية أبريل 2024 أكثر من 2100 فرد وكيان من مجالات سياسية واقتصادية وعسكرية وإعلامية وثقافية. ومن بين أبرز الشخصيات التي استهدفتها العقوبات الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرجي لافروف، إلى جانب 351 نائبًا في مجلس الدوما أيدوا الاعتراف بالمناطق التي احتلتها روسيا في دونيتسك ولوغانسك، بالإضافة إلى كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين المتورطين في الهجمات على المدنيين والبنية التحتية الحيوية، وعمليات اختطاف الأطفال الأوكرانيين وتبنيهم غير القانوني. كما تم إدراج عدد من عناصر مجموعة فاغنر.
فرض المجلس الأوروبي عقوبات على تسعة أفراد في يونيو 2023بسبب الحكم بالسجن على المعارض فلاديمير كارا مورزا لمدة 25 عامًا بتهم سياسية، وأُضيف لاحقًا مسؤولون آخرون على صلة بوفاة المعارض أليكسي نافالني.
كما كثّف الاتحاد الأوروبي جهوده لمنع تحايل روسيا على نظام العقوبات، فحظر تصدير السلع والتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج والمكونات الحيوية، واعتبر في 9 يونيو 2023 انتهاك العقوبات جريمة جنائية تُلاحَق قانونيًا داخل الاتحاد الأوروبي[142].
وفي 23 نوفمبر 2022، صادق البرلمان الأوروبي على تصنيف روسيا دولة راعية للإرهاب بسبب استخدامها لأساليب إرهابية، ودعا إلى محاسبة الساسة الروس على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الرئيس بوتين وقادة بيلاروسيا. وفي 19 يناير 2023، أيد البرلمان إنشاء محكمة دولية خاصة لمقاضاة مرتكبي جريمة العدوان على أوكرانيا. كما أكد في 16 فبراير 2023 أن الحرب الروسية غيّرت جذريًا الوضع الجيوسياسي في أوروبا، داعيًا إلى اتخاذ قرارات أوروبية تعزز الضغط على روسيا وتعزز عزلتها الدولية[143].
شهدت الأزمة الأوكرانية تحولًا جوهريًا في المشهد السياسي داخل الاتحاد الأوروبي، إذ أثرت بعمق في توازناته الداخلية. فمن ناحية، أظهرت دول الاتحاد وحدة غير مسبوقة في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وتقديم الدعم العسكري والإنساني لأوكرانيا، في تعبير واضح عن التزامها بالدفاع عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. إلا أن الأزمة، من ناحية أخرى، كشفت عن تباينات ملحوظة في المواقف والسياسات بين الدول الأعضاء حيال كيفية التعامل مع تداعياتها طويلة الأمد[144].
برزت دول مثل بولندا ودول البلطيق في طليعة المؤيدين لنهج التصعيد تجاه روسيا، حيث كثّفت من إجراءاتها الدفاعية وعززت تعاونها الأمني مع حلف الناتو تحسبًا لأي تهديدات محتملة من موسكو. في المقابل، أبدت دول كألمانيا وفرنسا ميلًا أكبر للحفاظ على قنوات التواصل الدبلوماسي مع روسيا، مفضّلة نهجاً أكثر توازنًا يركز على احتواء الأزمة عبر الحوار[145].
فقد شهد الموقف الأوروبي حالة من الانقسام بين اتجاهين رئيسيين: أحدهما يدعو إلى اعتماد الحلول الدبلوماسية، والآخر يساند موقف واشنطن الداعي إلى تصعيد الضغوط وتشديد العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية على روسيا. وقد انعكس هذا الانقسام بشكل واضح على واقع ومستقبل العلاقات الروسية الأوروبية، إذ سرعان ما اتجهت أوروبا نحو توحيد موقفها خلف الولايات المتحدة في دعمها الواسع لأوكرانيا، ما عزز من المخاوف الأوروبية بشأن احتمال توسع النفوذ الروسي ليطال مناطق ودولًا أخرى، من بينها دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي[146].
تجدر الإشارة في إطار تأثير الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأوروبية إلى توضيح موقف اليمين الأوروبي من الأزمة: حيث أن بوتين حرص منذ عقدين على تقوية علاقاته مع أحزاب اليمين الأوروبي بمختلف انتماءاتها الفكرية والسياسية. فقد كان هناك تقارب فكري بين الطرفين، حيث تتبنى هذه الأحزاب قيمًا قومية ومجتمعية محافظة، مع توجيه انتقادات قوية للاتحاد الأوروبي والسياسات الأمريكية، فضلًا عن التشكيك في القيم الليبرالية التي أدت إلى أزمات اقتصادية واجتماعية. سعى بوتين إلى اجتذاب التأييد لسياساته، لا سيما بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014 وتدخله العسكري في سوريا عام 2015، في خطوة تهدف لكسر العزلة التي فرضتها أوروبا عليه، حيث قام معظم رؤساء أحزاب اليمين الأوروبي بزيارات لموسكو ولقاء الرئيس الروسي، وكذلك الإشادة بسياساته. كما سعى بوتين لإضعاف الوحدة الأوروبية عبر دعم هذه الأحزاب[147].
إلا أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أدت إلى انقسام في مواقف قادة أحزاب اليمين الأوروبي، وظهرت نزعات قومية داخل دولهم، لا سيما في ظل الاستعداد للانتخابات في بعض الدول الأوروبية، ومن أبرز انعكاسات هذه الأزمة:
١. انقسام اليمين الأوروبي: انتقدت زعيمة التجمع الوطني في فرنسا، مارين لوبن التدخل العسكري الروسي ووصفته بأنه “انتهاك للقانون الدولي”. وفي إيطاليا، أعلن زعيم حزب “الرابطة”، ماتيو سالفيني، دعمه لأوكرانيا بينما انتقدت أحزاب أخرى الإدارة الأوروبية للأزمة. في ألمانيا، نددت زعيمة الكتلة النيابية لحزب البديل من أجل ألمانيا، أليس فايدل، بما اعتبرته “الفشل التاريخي للغرب”، وأشارت إلى أن الدعوة لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو كانت خطاًء فادحًا[148].
٢. تأييد سياسات الهجرة: في تطور غير مسبوق، أيدت بعض أحزاب اليمين الأوروبي، مثل التجمع الوطني في فرنسا وحزب البديل من أجل ألمانيا، استقبال لاجئين أوكرانيين فارين من المعارك العسكرية. ورغم هذا الموقف الإنساني، تظل هذه الأحزاب مواقفها المتشددة تجاه اللاجئين من خلفيات أخرى مثل الأفارقة والمسلمين[149].
٣. دعم انتقال مقاتلين لأوكرانيا: مع بداية مارس 2022، تم رصد تحركات لقادة بعض أحزاب اليمين الأوروبي المتطرف، الذين دعموا تجنيد مقاتلين للقتال إلى جانب القوات الأوكرانية. وتعد ألمانيا واحدة من أبرز الدول التي تنشط فيها تيارات النازية الجديدة المؤيدة لكييف والمعادية لروسيا، حيث تم رصد تحركات لعدد محدود من المتطرفين اليمينيين الذين عبروا الحدود إلى أوكرانيا[150].
ولقد أدت الأزمة الأوكرانية إلى زيادة مخاوف الأمن الأوروبي، خاصة في دول أوروبا الشرقية التي تشعر بتهديد مباشر من السياسات الروسية العدوانية استجابًة لهذه المخاوف، تم تعزيز قدرات حلف الناتو العسكرية في المنطقة؛ حيث زادت القوات والنشاطات العسكرية لضمان الردع ضد أي تصعيد محتمل. بالإضافة إلى ذلك، ازدادت الدعوات داخل الاتحاد الأوروبي لتطوير قدرات دفاعية أوروبية مستقلة؛ مما يعكس الرغبة في تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية في مجال الأمن ومن هذا المنطلق، سننتقل الآن إلى تناول معضلة الأمن الأوروبي والأمن الطاقوي[151].
أ: تصاعد التهديد الروسي للأمن الأوروبي:
سعت روسيا على مدى سنوات لفرض سياسات تحقق أهدافها كقوة عظمى وفاعل رئيسي في عالم متعدد الأقطاب، ما يفرض عليها أولًا حفظ أمنها القومي وضمان استمرارية النظام الحالي في ظل تحول الدول الصغيرة على حدودها إلى نقاط ارتكاز لأعدائها. وكانت أولى الخطوات المتخذة لتحقيق ذلك الهدف الحرب على جورجيا عام 2008، وتلاها بعد ذلك ضم شبه جزيرة القرم في 2014، ثم الحرب الدائرة حاليًا في أوكرانيا، التي تمثل رسائل مباشرة للاتحاد الأوروبي والناتو بأن دول الاتحاد السوفيتي السابقة تدخل ضمن دائرة نفوذ موسكو وليس أي دولة أو تكتل آخر[152].
من ناحية أخرى، كشفت الحرب الأوكرانية عن عمق الخلل في هيكل الأمن الأوروبي، ومدى تأثره بالتفاعلات مع روسيا. فقد أكد الصراع الروسي – الأطلسي صعوبة تبلور نظام أمني أوروبي مستقل، نتيجة الانقسامات بين الدول الأوروبية بشأن مستقبل الأمن الجماعي، وتباين المواقف حيال العلاقة مع روسيا. فبينما تسعى دول كفرنسا إلى تعزيز ما يسمى بالاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، تتمسك دول أخرى بالبقاء تحت المظلة الأمنية الأمريكية، نتيجة شعورها بعدم قدرة الاتحاد الأوروبي على التصدي منفردًا للتحديات الروسية[153].
كما كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن قصور واضح في ترتيبات الأمن الأوروبي، وأبرزت عجز الاتحاد الأوروبي عن توفير مظلة دفاعية فعالة ضد التهديدات الخارجية، وخاصة من الداخل الأوروبي ذاته. وقد مثّلت الحرب أول صدام عسكري تقليدي واسع النطاق تشهده أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، مما أعاد طرح قضايا الأمن العسكري، والردع النووي، وصراعات الهوية والحدود[154].
وفي استجابة لهذا الخلل، أصدر الاتحاد الأوروبي وثيقتين مهمتين عام 2022: إعلان “قمة فرساي” في مارس، والذي حدد ثلاث أولويات بحلول 2030 وهي: تعزيز القدرات الدفاعية، تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، وتقوية النموذج الاقتصادي الأوروبي؛ و”وثيقة التوجه الاستراتيجي” التي دعت إلى بناء قدرة أوروبية مستقلة للتحرك الأمني والعسكري لمواجهة الأزمات.
أظهرت هذه الوثائق أن أوروبا بدأت بإعادة النظر في مقاربتها الأمنية والدفاعية، بعيدًا عن الاعتماد شبه الكلي على الولايات المتحدة، وتفكر في بلورة هوية استراتيجية أكثر استقلالًا في التعامل مع التهديدات الدولية[155].
وترى روسيا أن تمدد الناتو وتوسعه في دول الجوار، وزيادة قواعده العسكرية هناك، يعد استفزازًا يقلل من مستوى الثقة المتبادلة. وتنظر إلى الحلف على أنه تهديد للخطط الروسية لإعادة إحياء الاتحاد السوفيتي، أو إنشاء اتحاد أوراسي جديد يناظر الاتحاد السوفيتي، ويقوم على أسس أيديولوجية واقتصادية مختلفة. ووفقًا لوجهة النظر الروسية، فإن الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك شرق أوكرانيا، ثم التدخل العسكري وإعلان السيطرة على عدد من المدن الرئيسية في إقليم “دونباس”، يعد بمنزلة خطوات دفاعية اتخذتها روسيا لمنع جلب قوات معادية إلى حدودها. على الجانب الآخر، استشعر الاتحاد الأوروبي الخطر الذي تمثله هذه الخطوة، ورأى أن لجوء موسكو للقوة العسكرية في أوكرانيا يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن أوروبا[156].
ورغم فرض العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو، فإن روسيا واصلت عمليتها العسكرية في أوكرانيا، ما يعكس حدود التأثير الأوروبي، ويؤكد هشاشة الرؤية الأمنية الأوروبية المستقلة. وتدرك موسكو هذا الضعف، وتعتبر أن الأوروبيين غير مؤهلين لأن يكونوا طرفًا جديًا في أي تسوية مستقبلية تخص الأمن الأوروبي، الذي يجب التفاوض بشأنه مع واشنطن فقط [157].
وقد أدى ذلك إلى تقويض دور أوروبا في رسم مستقبل القارة، وتراجع مكانتها في المعادلة الاستراتيجية، خاصة مع استبعادها من أي مفاوضات أمنية مباشرة مع روسيا[158].
وتتوقع روسيا أن يؤدي فشل الهجوم الأوكراني المضاد إلى تغيرات في بنية النظام الأمني الأوروبي، بما قد يسمح لها بفرض تصوراتها حول ترتيبات أمنية جديدة في القارة، تقلل من نفوذ الناتو وتعيد التوازن لصالحها. وهو ما يعكس بوضوح مدى التأثير الاستراتيجي العميق للأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأوروبية، التي أصبحت مرهونة بالاعتبارات الأمنية والاصطفافات الجيوسياسية الجديدة[159].
ب: معضلة الأمن الطاقوي الأوروبي:
شكّلت أزمة الطاقة إحدى أبرز الانعكاسات الهيكلية للحرب الروسية الأوكرانية على العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي، إذ كشفت الحرب عن هشاشة أمن الطاقة الأوروبي بسبب اعتماده الكبير على روسيا كمصدر رئيسي للغاز والنفط. فقد كانت التوترات المتكررة بين موسكو وكييف، وما نجم عنها من اضطرابات مؤقتة في إمدادات الطاقة، سببًا مباشرًا في جعل “أمن الطاقة أحد الشواغل الرئيسية للاتحاد الأوروبي”، مما دفعه إلى تبني “استراتيجية أمن الطاقة لعام 2014 وإطار عمل اتحاد الطاقة لعام 2015″، وهما إطاران هدفت من خلالهما بروكسل إلى “تنويع موردي الطاقة وتعزيز المرونة في مواجهة أزمات الطاقة الناجمة عن صدمة العرض”[160].
منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في ٢٤ فبراير ۲۰۲۲، سعت الدول الأوروبية إلى تقليص وارداتها من الغاز الروسي بهدف حرمان موسكو من مصدر مالي رئيسي يعينها على تمويل حربها. ومع ذلك، وجدت الدول الأوروبية نفسها في مواجهة معضلة حقيقية: فإذا استمرت في شراء الغاز الروسي، فإنها تساهم في تمويل الحرب بشكل غير مباشر، وإذا توقفت عن استيراده، فإنها ستتورط في صراع عسكري اقتصادي مع روسيا في وقت يظل فيه الاتحاد الأوروبي متأثرًا بالتبعية للطاقة الروسية. هذه التحديات قد كشفت عن تناقضات ومعضلات أمنية ودبلوماسية خطيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وطرحت تساؤلات حول مستقبل الاتحاد في ظل هذا الصراع الجيوسياسي[161].
أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية هشاشة أمن الطاقة الأوروبي، إذ كانت أوروبا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الغاز الروسي، خصوصًا من خلال خطوط نورد ستريم وخطوط نقل الطاقة الأخرى. وقد شكّلت هذه الأزمة تهديدًا مباشرًا للوحدة الاقتصادية والسياسية الأوروبية، وكذلك لتحالفها مع الولايات المتحدة، مما منح المحور الروسي–الصيني ميزة استراتيجية في مواجهة الغرب. وأشارت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس إلى أن واشنطن حذّرت منذ سنوات من الاعتماد الأوروبي المفرط على الطاقة الروسية، داعية إلى تحويل وجهة الاستيراد نحو أمريكا الشمالية حيث توجد احتياطيات هائلة من النفط والغاز. ومع ذلك، لم تلقَ تلك الدعوات الأوروبية تجاوبًا جادًا[162].
فقد أدى تصاعد الحرب إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل غير مسبوق، وأثر بشكل كبير على الاقتصادات الأوروبية. كما أن فرض الحظر على الطاقة الروسية أدى إلى نقص في الإمدادات، مما أثّر على السوق الأوروبية ورفع تكاليف الطاقة، لا سيما في فصل الشتاء[163].
هذا الوضع جعل الأمن الطاقوي الأوروبي على المحك، حيث يتعين على الاتحاد الأوروبي التوازن بين تقليص الاعتماد على الغاز الروسي وفي نفس الوقت تجنب العواقب الاقتصادية الوخيمة الناتجة عن هذه القرارات.
رغم هذه التحديات، يظهر الاتحاد الأوروبي قدرة على الصمود في وجه الأزمات. ولكن لا يزال الطريق طويلًا نحو تحقيق الاستقلالية الطاقوية الكاملة، وهي مسألة لا يمكن حلها إلا عبر خطوات استراتيجية شاملة تتضمن التنويع في مصادر الطاقة وتقوية التعاون الإقليمي والدولي.
وجملة القول، إن الأزمة الأوكرانية قد مثّلت نقطة تحول مفصلية في مسار العلاقات بين روسيا وأوروبا، ليس فقط من حيث تصعيد التوترات السياسية والعسكرية، بل أيضًا من حيث تعرية مواطن الضعف البنيوي في المنظومة الأمنية والطاقوية الأوروبية، وفضح حجم التبعية الاستراتيجية التي راكمتها الدول الأوروبية تجاه موسكو عبر عقود من الاعتماد المتبادل. فقد بات واضحًا أن هذه الأزمة لم تعد مجرد خلاف جيوسياسي عابر، بل شكلت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الاتحاد على الصمود، وإعادة التموضع في بيئة دولية متغيرة، تتطلب منه الخروج من عباءة الاتكال الأمني والطاقوي، وبناء رؤية استراتيجية أكثر استقلالية وتماسكًا. ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن الأزمة الأوكرانية لم تعصف بالعلاقات الروسية الأوروبية فحسب، بل أرغمت أوروبا على مراجعة أولوياتها، وإعادة تعريف دورها في النسق الدولي، في ظل صراع تتجاوز تداعياته حدود الجغرافيا ليطال عمق توازنات النسق العالمي الراهن.
الأزمة الأوكرانية وأثرها على النسق الدولي
شكَّلت الأزمة الأوكرانية منذ اندلاعها محطة فارقة في العلاقات الدولية، حيث أعادت إلى الواجهة مظاهر الانقسام الحاد بين القوى الكبرى، وأبرزت ملامح استقطاب دولي متجدد أشبه بما شهده العالم خلال حقبة الحرب الباردة، فقد تسببت هذه الأزمة في إعادة رسم التحالفات الإقليمية والدولية، وزادت من حدة المواجهة بين المعسكرات الغربية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها، والمعسكرات الرافضة للهيمنة الغربية، وعلى رأسها روسيا والصين، في هذا الإطار، يتناول هذا المطلب تحليل الكيفية التي أثرت بها الأزمة الأوكرانية على موازين القوى الدولية، ومظاهر الاستقطاب السياسي والاقتصادي والعسكري التي أفرزتها، وانعكاس ذلك على النسق الدولي المعاصر.
أولًا: الاستقطاب الدولي بين الشرق والغرب:
أدت الأزمة إلى إعادة إحياء الانقسام الأيديولوجي والجيوبوليتيكي بين الشرق والغرب، والذي كان قد تراجع نسبيًا عقب نهاية الحرب الباردة، حيث تجلى هذا الانقسام عبر عدة مظاهر أولها: اصطفاف الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ضد روسيا من خلال فرض سلسلة من العقوبات الاقتصادية الشديدة، بما في ذلك تجميد أصول البنك المركزي الروسي، وحظر تصدير التقنيات المتقدمة، وعزل روسيا عن نظام الدفع الدولي “سويفت”[164].
ردت روسيا تبريرًا لغزوها لأوكرانيا بناًء على دوافع أمنية، حيث رأت أن توسع الناتو في الشرق كان يمثل تهديدًا لأمنها القومي، كما أكدت في خطاباتها الرسمية أن أوكرانيا كانت جزءًا من ” الحديقة الخلفية ” لروسيا وأن انضمامها يمثل خرقاً للاتفاقيات التي كانت قد تم التوصل إليها بعد نهاية الحرب الباردة[165].
وثاني تلك المظاهر: هو تباين مواقف دول الجنوب العالمي، والذي ظهر واضحًا ففي انحاز العديد من دول جنوب شرق آسيا مثل الصين والهند إلى روسيا لأسباب اقتصادية وجيوبوليتيكة، حافظت إفريقيا وأمريكا اللاتينية على مواقف محايدة أو امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة، تعد هذه السياسات أظهرت كيف أصبح الاستقطاب الدولي ليس فقط بين الشرق والغرب لكن بين القوى الكبرى والدول النامية أيضًا.[166].
ثانيًا: إعادة تشكيل التحالفات الدولية:
قبل الأزمة:
سعت روسيا قبل الغزو الأوكراني إلى تشكيل تحالفاتها الدولية؛ لتكون أكثر قوة واستقلالًا عن الغرب، سعت لتعزيز علاقاتها مع الصين فوقعت “إعلان الشراكة الاستراتيجية بلا حدود” في فبراير 2022، في هذا الإعلان اتفق الطرفان على تعزيز التنسيق الاقتصادي والعسكري على جميع المستويات؛ مما جعل العلاقة بين الصين وروسيا تصبح أكثر عمقًا في فترة ما قبل الغزو، وكانت تلك الشراكة تهدف إلى خلق نوع من التوازن ضد القوى الغربية، بالإضافة إلى أن روسيا اتجهت لاستقطاب دول أفريقيا من خلال توقيع اتفاقيات مثل مالي والسودان[167].
كما وكثفت روسيا علاقاتها مع دول البريكس (البرازيل، الهند، الصين، جنوب أفريقيا)، وعملت على فتح قنوات اقتصادية مباشرة مع دول هذه المجموعة، التي تمثل نحو 40% من سكان العالم، و حوالى 30% من الناتج المحلى الإجمالي العالمي[168] .
ردت روسيا من خلال إنشاء تحالفات داخل أوروبا نفسها، حيث كانت تتطلع إلى جذب بعض القوى الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا إلى موقف أكثر انفتاحًا تجاه أمن أوروبا بمعزل عن الهيمنة الأمريكية، كما قدمت روسيا مقترحات للحد من النفوذ العسكري الأمريكي في أوروبا عبر تعزيز الحوار المباشر مع الاتحاد الأوروبي، ولكن مع الغزو، سرعان ما انهارت تلك المحاولات، بل وأصبحت القوى الأوروبية أكثر تماسكًا بمواقفها المناهضة لروسيا؛ مما عزز من تماسك حلف الناتو[169] .
بعد الأزمة:
أصبحت التحالفات الدولية تمثل محورًا أساسيًا في الاستراتيجية الروسية بعد غزوها لأوكرانيا فعام 2022, حيث قامت بتوسيع دائرة تحالفاتها بشكل مكثف، وعملت على إعادة تشكيل مواقف الدول التي كانت تردد على مواقفها الاستراتيجية حتى قبل الحرب.
أحد أبرز التحالفات بعد الغزو التحالف الصيني الروسي، حيث كانت الصين واحدة من الدول الكبرى التي تجنبت التنديد بالغزو الروسي بل أبدت دعمًا ضمنيًا للمواقف الروسية في عدة محافل دولية بما في ذلك مجلس الامن الدولي، وفي إطار تعزيز التعاون بينهم وقعت روسيا مع الصين اتفاقيات ضخمة مثل اتفاقية ” قوة سيبيريا ” التي تضمن تدفق الغاز الطبيعي الروسي إلى الصين. بالإضافة إلى ذلك تبادلت الدولتان التكنولوجيا والمعدات العسكرية، وهو ما يعد من التحالفات الاستراتيجية المهمة بعد الحرب، كما تعاونت روسيا مع الصين في مجالات أخرى متعددة كالتجارة والطاقة والتكنولوجيا مما زاد من التواجد الروسي في المجال الآسيوي بعيدًا عن تأثير الغرب[170].
واتجهت روسيا للشرق الأوسط حيث عملت على تعزيز علاقاتها مع إيران و سوريا فكان التعاون في مكافحة الإرهاب و دعم النظام السوري من خلال تعاون عسكري كان يمثل الركيزة الأساسية للعلاقة بين البلدين، كما استفادت روسيا من العلاقة مع إيران لتعزيز قوتها في الشرق الأوسط، وتحقيق أهدافها في مواجهة النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة، كما سعت لتعزيز الاتفاقيات الاقتصادية مع طهران للالتفاف على العقوبات الغربية، كما عملت روسيا على تقوية علاقتها مع الأنظمة القومية في الشرق الأوسط مثل مصر والإمارات، حيث سعت إلى تعزيز شراكتها الاقتصادية مع هذه الدول لتوسيع نفوذها الاستراتيجي[171].
أظهرت روسيا من هنا رغبتها في استقطاب دول الجنوب العالمي فعملت على توطيد علاقاتها مع الدول النامية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث وجدت في هذه الدول حلفاء طبيعيين ضد هيمنة الولايات المتحدة والغرب[172].
أظهرت روسيا رغبتها في تقوية التعاون مع البلدان الكبرى مثل الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا كما قدمت شراكات اقتصادية مع دول إفريقية في مجالات الطاقة والزراعة، ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك منظمة البريكس، حيث حاولت روسيا تعزيز وجودها داخل تلك المنظمة الاقتصادية و التي تضم البرازيل و روسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، على الرغم من أن هذه الدول لم تكن تدعم روسيا بشكل علني في حربها ضد أوكرانيا إلا أنها تميل إلى تجنب العقوبات الغربية، بالإضافة إلى ذلك حاولت روسيا استقطاب دول أوروبا الشرقية مثل هنغاريا وصربيا، حيث سعت إلى تقوية علاقاتها مع هذه الدول على حساب الاتحاد الأوروبي . حيث كان لروسيا رغبة قوية في توسيع نفوذها في تلك المنطقة وذلك من خلال تقديم الطاقة بأسعار منخفضة والمساعدات الاقتصادية، مما جعل هذه الدول تتردد في اتخاذ موقف ضد موسكو[173].
يظهر على الجانب الآخر تحالفات دولية هدفها الأساسي محاصرة روسيا سياسيًا و اقتصاديًا وعسكريًا كتعزيز حلف الناتو و توسيع نفوذه ليشمل دولًا مثل فنلندا و السويد، اللتين تخلتا عن مواقف الحياد التقليدية بسبب التهديد الروسي المباش، بالإضافة إلى دعم أوكرانيا حيث قدمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دعما عسكريًا وماديًا غير مسبوق لأوكرانيا، توحيد المواقف الأوروبية رغم التباين التقليدي بين دول أوروبا الغربية والشرقية، إلا أن الغزو أدى إلى توحيد الجهود لمواجهة روسيا، بما في ذلك فرض ست حزم متتالية من العقوبات الاقتصادية[174].
ثالثًا: تزايد ظاهرة الانحياز واختيار المنظمات:
تعمقت ظاهرة الانحياز الواضح في مواقف الدول داخل المنظمات الدولية في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ لم تعد الدول داخل المنظمات الدولية تتعامل باعتبارها آليات حيادية لتحقيق التعاون الدولي ، بل باتت تنظر من منظور مصلحي صرف, فاختارت التحالف مع منظمات تخدم رؤاها الجيوسياسية و تجاهلت أو قاطعت تلك التي تمثل المعسكر المعادي، و أصبحت تلك الظاهرة أكثر حدة و اتساع بعد الأزمة .
- انحياز الدول الكبرى: حيث عملت الولايات المتحدة و حلفاؤها على تحويل العديد من المنظمات الدولية إلى أدوات لدعم أجندتها المناهضة لروسيا، كاستخدام الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار قرار تدين موسكو، و على الجانب الأخر سعت روسيا والصين إلى تحقيق التعاون داخل أطر بديلة مثل منظمة شنغهاي للتعاون و مجموعة البريكس، لمواجهة الهيمنة الغربية، و امتناع الصين والهند والبرازيل عن التصويت لصالح القرارات التي تدين روسيا، في إشارة منهم إلى سعيهم للحفاظ على مواقف محايدة أو داعمة لروسيا بشكل غير مباشر[175].
- إعادة تقييم الانضمام للمنظمات الدولية: فنجد عدد من الدول بدأ بإعادة تقييم عضويته أو درجة انخراطه في منظمات معينة بناًء على توجهاتها السياسية، فبعض الدول الأفريقية والآسيوية إمتنعت عن دعم القرارات الأممية ضد روسيا، رغم الضغوط الغربية إدراكًا منها لحجم مصالحها مع روسيا أو خوفًا من التدخل الغربي في شؤونها الداخلية، روسيا نفسها أعلنت انسحابها من بعض المؤسسات مثل مجلس أوروبا معتبرة أنها لم تعد منصة عادلة، في المقابل عملت أوكرانيا على تسريع انضمامها إلى منظمات أوروبية كخطوة لتعزيز دعمها في مواجهة روسيا[176].
- نشوء منظمات موازية: تصاعدت جهود تأسيس أو تنشيط منظمات بديلة عن النظام الغربي التقليدي كتعزيز دور مجموعة البريكس كمنصة اقتصادية وسياسية مضادة للغرب، بالإضافة لتفعيل استخدام منظمة شنغهاي كإطار أمني واقتصادي بديل لدول آسيا الوسطى وشرق آسيا، والدعوة لإنشاء مؤسسات مالية جديدة تقلل الاعتماد على الدولار مثل بنك التنمية الجديد التابع للبريكس، هذه الخطوات تعكس ميلًا متزايدًا للانحياز الاستراتيجي لتكتلات تواجهه المؤسسات متعددة الأطراف التقليدية[177].
- الأثر على العمل متعدد الأطراف: ظاهرة الإنحياز المتزايد أدت إلى إضعاف فاعلية المنظمات الدولية في إدارة الأزمات حيث أصبحت قرارتها تُفسر باعتبارها انتصارًا لجبهة على أخرى بدلًا من كونها تعبيرًا عن توافق جماعي، وبالتالي أدى الاستقطاب إلى تقويض مصداقية الأمم المتحدة و بعض وكالاتها الفرعية كما تراجع مفهوم القانون الدولي الموحد ليحل محله مبدأ ” القانون الانتقائي ” الذى يطبق بناًء على مواقف القوى الكبرى، على المدى الطويل يهدد هذا الانقسام بتفريغ النظام الدولي القائم من مضمونه، وقد يفتح المجال لظهور نظام دولي متعدد الأقطاب لكنه أقل تنظيمًا و قدرة على احتواء النزاعات [178].
- 5. مبادرة الحزام والطريق كأداة للاستقطاب البديل: أطلقت الصين هذه المبادرة في عام “2013” وفي ظل تزايد الاستقطاب الدولي عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، برزت مبادرة الحزام والطريق التي تقودها الصين (والمعروفة أيضًا بطريق الحرير الجديد) كأداة استراتيجية لجذب عدد متزايد من الدول، خصوصًا في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، بعيدًا عن النفوذ الغربي التقليدي. هذه المبادرة لم تكن فقط مشروعًا اقتصاديًا، بل تحولت إلى إطار سياسي واستراتيجي تستغله الصين لتوسيع نفوذها وخلق نظام دولي متعدد الأقطاب[179].
تسعى الصين من خلال المبادرة إلى:
1.تعزيز النفوذ في الدول النامية، من خلال مشاريع بنية تحتية واستثمارات ضخمة.
2.تحقيق نوع من الانحياز الاقتصادي والسياسي لصالحها، مما يدفع بعض الدول إلى التماهي مع المواقف الصينية في المحافل الدولية.
3.خلق بدائل اقتصادية للمؤسسات الغربية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، وذلك عبر مؤسسات تمويل صينية أو تابعة للبريكس[180].
وقد وجدت روسيا في هذا التوجه الصيني فرصة للتكامل والتنسيق في مواجهة العقوبات الغربية، حيث أصبحت كل من موسكو وبكين تنسقان مواقفهما في المحافل الدولية، مستفيدتين من شبكة طريق الحرير لفتح أسواق ومجالات تعاون خارج النطاق الغربي التقليدي،
كما أن بعض الدول التي امتنعت عن إدانة روسيا في الأمم المتحدة، مثل صربيا والهند، لها ارتباطات قوية بمشاريع طريق الحرير، وهو ما يعكس التأثير الجيوبوليتيكة للمبادرة على قرارات الانحياز الدولي[181].
وجملة القول إن الأزمة الروسية الأوكرانية مثًلت نقطة تحول كبرى في مسار الاستقطاب الدولي، فقد أدت إلى تعميق الانقسام التقليدي بين الشرق والغرب وسرعت من إعادة تشكيل التحالفات الدولية، كما كشفت عن هشاشة المؤسسات الدولية أمام الضغوط الجيوبوليتيكية، وشجعت على انحيازات جديدة في مواقف الدول تجاه المنظمات الدولية المختلفة. ومن خلال متابعة أنماط التصويت داخل الأمم المتحدة والتحركات العسكرية والسياسية داخل الناتو والاتحاد الأوروبي وسياسات روسيا تجاه منظمة شنغهاي والبريكس، يتضح أن العالم يتجه نحو نمط من التعددية القطبية، لكنها تعددية تقوم على الانقسام والصراع بدلاً من التعاون والمشاركة، فأصبحت المؤسسات الدولية تعانى من أزمة شرعية وفاعلية غير مسبوقة .
تأثير الأزمة الأوكرانية على بنية النسق الدولي
أدّت الأزمة الروسية–الأوكرانية إلى إثارة جدل عالمي واسع حول مستقبل النسق الدولي، لما أفرزته من أحداث متسارعة شكلت بداية لمرحلة انتقالية نحو نسق دولي متعدد الأقطاب، بدلاً من النسق أحادي القطبية الذي ساد عقب نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي. وقد بات واضحًا أن دوافع هذا التغيير قد بدأت ولن تتوقف، إذ انقسمت إلى دوافع عامة تتعلق بالنسق الدولي ككل، ودوافع خاصة تتصل بالمصالح الروسية تحديدًا، وتُعد الأزمة فرصة لتحول محتمل في بنية النسق الدولي.
أولًا: الدوافع العامة للانتقال إلى نسق دولي متعدد الأقطاب:
تتفق القوى الصاعدة على الساحة الدولية، مثل روسيا والصين وغيرها، على ضرورة إنهاء هيمنة النسق أحادي القطبية الذي تقوده الولايات المتحدة، والانتقال إلى نسق دولي متعدد الأقطاب يراعي التحولات الواقعية في موازين القوى.
وتتجلى هذه التحولات في تراجع دور الولايات المتحدة عن قيادة الأزمات الدولية، وصعود توجهات انعزالية لدى النخبة السياسية الأمريكية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية.
علاوة على ذلك، برزت قوى منافسة تمتلك مقومات الصعود والهيمنة، أبرزها الصين، بما تملكه من قوة اقتصادية شاملة، وقوة عسكرية ونووية وتكنولوجية متقدمة، إضافة إلى وفورات ضخمة من الطاقة.
أكدت قمة بكين المنعقدة في 5 فبراير 2022 وجود توافق بين روسيا والصين على ضرورة الانتقال إلى نسق عالمي متعدد الأقطاب، والسعي إلى بناء تحالفات استراتيجية تخدم مصالحهما المشتركة[182].
ثالثًا: فرص التحول أو الانتقال في النسق الدولي:
تؤكد الدراسات التاريخية أن التغيرات الكبرى في النسق الدولي غالبًا ما تأتي عقب أزمات حادة أو حروب كبرى. فهزيمة فرنسا في الحروب النابليونية أدت إلى معاهدة فيينا 1815، التي أرست مبادئ توازن القوى واحترام سيادة الدول. كما أن الحرب العالمية الأولى أفضت إلى تأسيس عصبة الأمم من خلال صلح فرساي، في حين أعادت الحرب العالمية الثانية رسم بنية النسق الدولي لصالح الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
هناك شبه إجماع بين المحللين على أن الأزمة الروسية–الأوكرانية سوف تؤدي إلى تحول كبير في بنية النسق الدولي، بل يرى بعضهم أن هذا التحول قد بدأ بالفعل، في ظل التطورات الجارية.
كشفت الأزمة الأوكرانية عن بداية حقيقية لعملية انتقال نسقي، إذ سعت الولايات المتحدة إلى فرض حصار كامل على روسيا وكسر إرادتها السياسية، بينما عملت موسكو على إعادة النظر في الترتيبات الأمنية الأوروبية عبر التفاوض مع حلف الناتو. ومع تعنت الحلف في الاستجابة للمطالب الروسية، لجأت موسكو إلى التدخل العسكري المباشر لتحقيق أهدافها، في خطوة هدفت إلى رفض الهيمنة الأمريكية وإثبات امتلاكها لقوة عسكرية قادرة على فرض مطالبها[183].
ويقول الدكتور “أحمد وهبان”أن بنية النسق الدولي تحولت بصورة ملحوظة عقب الأزمة الروسية–الأوكرانية، بعدما كشفت الأحداث المتسارعة أن الولايات المتحدة لم تعد الفاعل الوحيد القادر على إدارة الأزمات الدولية. فقد رأت موسكو في هذه الأزمة فرصة للتمرد على الهيمنة الأمريكية، وإثبات قدرتها على صياغة موازين قوى جديدة، ولم تكن روسيا وحدها في هذا المسعى، إذ دعمت الصين هذا التوجه مدفوعة بقوتها الاقتصادية والعسكرية المتنامية، مما شجع قوى صاعدة أخرى على مناهضة التفرد الأمريكي. وقد انعكس ذلك في تراجع واضح لمكانة الولايات المتحدة، التي أظهرت مواقفها تجاه الأزمة ضعفًا نسبيًا مقارنة بفترات سابقة، مما أدى إلى تسارع انتقال بنية النسق الدولي من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية، مع بروز قوى قادرة على منافسة واشنطن في إدارة النظام العالمي[184].
يشهد النسق الدولي المعاصر رياح تغيير متسارعة، نتيجة التحولات المتتالية في موازين القوة الشاملة بين القوى الكبرى، فقد بدأت القوى المهيمنة التقليدية ممثلةً في الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، تواجه تحديات صاعدة من قوى أخرى مثل الصين وروسيا، اللتين استطاعتا بعد فترة من التراجع النسبي، لا سيما روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أن تستعيدا جزءًا من قدراتهما الشاملة، وتسعيان الآن إلى لعب أدوار قيادية مؤثرة في حركة التفاعلات الدولية، مع مطالبتهما باعتراف دولي بمكانتهما الجديدة[185].
مثلت الصين نموذجًا واضحًا لصعود القوى الجديدة، مدعومة بإصلاحات التحديث الأربعة التي أقرها الحزب الشيوعي الحاكم عام 1978، واستراتيجية “الصعود السلمي” التي أعلنتها في 2003. فقد ارتفع الناتج القومي الإجمالي الصيني من 1.066 تريليون دولار عام 2003 إلى 14.72 تريليون دولار في عام 2020، وتزايد الإنفاق العسكري من 33 مليار دولار إلى 252 مليار دولار في الفترة ذاتها. كما تفوقت الصين على الولايات المتحدة في عدد براءات الاختراع المسجلة بحلول عام 2019. وإلى جانب الصين، تسعى دول أخرى مثل الهند والبرازيل والمكسيك واليابان إلى تعزيز مكانتها الدولية، مستندة إلى قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية المتقدمة[186].
وفي الإطار النظري، توفر “نظرية تحول القوة”، التي تعود جذورها إلى المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية عبر أعمال كينيث أورجانسكي وجاكيك كوجلر، تفسيرًا لفهم أثر الحروب في إحداث تحولات جوهرية ببنية النسق الدولي. وتفترض هذه النظرية أن:
١. التوزيع غير المتكافئ للقوة السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الدول يزيد من احتمالات نشوب الحرب.
٢. فترات عدم توازن القوة تكون أكثر استقرارًا وسلامًا من لحظات اقتراب القوى الصاعدة من القوة المهيمنة.
٣. الدول الصاعدة قد تبادر إلى الحرب وليس فقط الدول المسيطرة.
ورغم الانتقادات التي وجهت إلى هذه النظرية، فإنها تظل إطارًا مفيدًا لفهم الأزمات الكبرى التي تُحدث إعادة تشكيل للنسق الدولي، كما تغرس بذور تحولات هيكلية واسعة النطاق[187].
على ضوء ذلك، تمثل الأزمة الأوكرانية نموذجًا معاصرًا لصراع يهدف إلى إعادة تشكيل بنية النسق الدولي. فالتبريرات التي قدمها الرئيس فلاديمير بوتين والقيادة الروسية لقرار الحرب في أوكرانيا تشير إلى أهداف متعددة، تتجاوز الاعتبارات الأمنية المباشرة، لتشمل إنهاء الهيمنة الأمريكية، وإعادة رسم التوازنات الجيوسياسية، ومنع توسع حلف الناتو باتجاه الحدود الروسية، وتثبيت ضم مناطق استراتيجية مثل شبه جزيرة القرم وجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك. كما ترتبط الحرب بسعي موسكو إلى استعادة دورها العالمي التاريخي، ورفض الترتيبات التي أعقبت نهاية الحرب الباردة والتي اعتُبرت مجحفة بحق روسيا. من ثم، تظهر الأزمة الأوكرانية كأحد أبرز تجليات صراع القوى الكبرى على بنية النسق الدولي وإعادة تعريف أوزان الفاعلين الرئيسيين داخله[188].
الجدير بالذكر إن باندلاع الأزمة الأوكرانية راحت القضية التايوانية تطفو بقوة على سطح الأحداث الدولية، وعبرت الأوساط السياسية الغربية عن مخاوفها من أن تحذو الصين حذو روسيا في أوكرانيا، وتقوم بغزو تايوان، وإعادة ضمها بالقوة المسلحة إلى حظيرة بكين، ويُشار إلى التوتر الكبير الذي خيم على أجواء العلاقات الأمريكية الصينية مؤخرًا بمواكبة زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي المباغتة لتايوان في 2 أغسطس 2022، والتي أثارت غضبًا واسع النطاق في الأوساط السياسية الصينية، وأعلنت بكين على إثرها القيام بتدريبات عسكرية بحرية وجوية بصورة دورية منتظمة بالقرب من حدود تايوان[189].
بدأت الصين بالفعل بسلسلة أعمال عرفت بأنها أضخم مناورات نفذها الجيش الصيني في محيط تايوان، الأمر الذي حدا بالأخيرة إلى تدشين تدريبات عسكرية تحاكي التصدي بالطائرات والمسيرات والسفن الحربية لهجوم صيني محتمل، واعتبرت الولايات المتحدة أن المناورات الصينية تمثل تهديدًا بليغًا للأمن في المنطقة، وأوضح متحدث باسم البيت الأبيض أن هذه المناورات تمثل تصعيدًا كبيرًا في مساعي الصين لتغيير الوضع الراهن، معتبرًا أن أنشطة الصين استفزازية وغير مسؤولة وتزيد من مخاطر سوء التقدير، كما أنها تعد مخالفة للهدف المستقر في يقين العالم بضرورة الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان[190].
استطاعت الصين من منطلق الأزمة الروسية الأوكرانية أن توجه رسالة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها وللنخبة الحاكمة في تايوان، بأنه عندما يتعلق الأمر بقضايا الأمن القومي فإن حسابات الدول لا تتسم بالمرونة، ولا تخضع للمقايضات أو المساومات. ومن ثم، فإن ما يصدق على الحسابات الروسية في قضية توسع «الناتو» في اتجاه الحدود الحدود الروسية، والحسابات غير الدقيقة للنخبة الحاكمة في أوكرانيا، يصدق أيضًا على قضية تايوان باعتبارها قضية أمن قومي بالنسبة للصين، وأن الحسابات الصينية في هذه القضية لا يمكن أن تخضع هي الأخرى لأية مساومات. ولا يمكن استبعاد استخدام الصين القوة العسكرية في حالة إقدام النخبة الحاكمة في تايوان على إعلان الاستقلال من جانب واحد أو يدعم من الولايات المتحدة[191].
كما، إذا كان بمقدور الاقتصاد الروسي الأقل بكثير من حجم الاقتصاد الصيني تحمل التكاليف الاقتصادية المتوقعة لقرار استخدام القوة العسكرية ضد أوكرانيا، في حالة اضطرارها إلى استخدام القوة العسكرية ضد تايوان لإجبارها على الالتزام بالسيادة الصينية والأمن القومي الصيني،
ولكن لم تدخل الصين عسكريًا في تايوان حتى الأن بالرغم من أن قوتها العسكرية قوة ماهولة أمام قوة تايوان[192].
لكن هناك عوامل غير موضوعية عدة قد تضطر الصين إلى استخدام القوة، منها حالة عدم اليقين في مضيق تايوان، وإمكانية قراءة الصين للسياسة الأمريكية تجاه الجزيرة بشكل خطأ، أو الاعتقاد بأن تهديد الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل حال استخدام الصين القوة العسكرية هو تهديد ضعيف “غير موثوق به”، أو غلبة طموح الرئيس شي في إنهاء هذا الملف التاريخي المعلق، وتذهب بعض التحليلات الأمريكية إلى قراءة نتائج المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي أكتوبر 2022، ونجاح شي في إزاحة بعض قيادات الحزب كمؤشر على الدور الذي بات يتمتع به شي داخل عملية صنع القرار، وتخلصه من التيار المؤيد لمهادنة الولايات المتحدة الأمريكية.
وتجدر الإشارة هنا أن الرئيس شي بات يمتلك سلطة واسعة فيما يتعلق بالقرار العسكري بحكم طبيعة منصبه كرئيس للجنة العسكرية المركزية التابعة للحزب الشيوعي المعاد هيكلتها، وتذهب بعض التحليلات الأمريكية في هذا السياق إلى أن الدائرة الضيقة حول الرئيس شي قد تحول دون وصول تقديرات موضوعية حول حقيقة الموقف وقت حدوث أزمة ما، كما قد تذهب هذه الدائرة الضيقة إلى تجاهل التكاليف الاقتصادية للخيارات السياسية والعسكرية فيما يخص تايوان[193].
كشفت الأزمة الأوكرانية عن تحولات عميقة في بنية النسق الدولي، حيث ساهمت في تسريع اتجاهات كانت قد بدأت تتبلور قبل اندلاعها، وأكدت أن النسق الدولي يشهد مرحلة انتقالية تتسم بتراجع الأحادية القطبية، وصعود قوى دولية وإقليمية جديدة، وتزايد أهمية التكتلات والتحالفات الدولية. وفي هذا الإطار، يتناول هذا القسم أبرز ملامح تأثير الأزمة الأوكرانية على بنية النسق الدولي، من خلال رصد مجموعة من الاتجاهات والتحولات التي عززتها الأزمة وأعادت إبرازها في الساحة الدولية.
1.تراجع جاذبية النظام الليبرالي:
شهد النظام الليبرالي الغربي خلال السنوات السابقة للأزمة الأوكرانية تراجعًا ملحوظًا، وهو التراجع الذي جاءت الأزمة لتؤكده وتعززه بصورة أوضح. فعلى الرغم مما روجت له الولايات المتحدة وحلفاؤها بشأن الحرب بوصفها دفاعًا عن القيم الليبرالية، إلا أن العديد من المؤشرات أكدت أن جاذبية النموذج الليبرالي قد بدأت بالتراجع، لا سيما مع تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في العديد من الدول الغربية.
فمنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، بدأت ملامح الانكماش الاقتصادي تظهر بوضوح في الاقتصادات المتقدمة كالولايات المتحدة وأوروبا واليابان، حيث تراجعت معدلات الاستثمار والتجارة العالمية، وتفاقمت أزمة الديون السيادية في عدة دول أوروبية بدءًا بأيسلندا ثم اليونان وأيرلندا والبرتغال وإسبانيا، متسببة في اهتزاز النموذج الاقتصادي الليبرالي القائم على اقتصاد السوق الحر، وعلى الرغم من محاولات التعافي في العقد التالي، فإن العالم شهد موجات من الركود والتباطؤ الاقتصادي، ما أدى إلى تزايد الشكوك حول فعالية هذا النموذج[194].
كما ساهمت الأزمات المتعاقبة في فقدان الثقة بالديمقراطية الليبرالية، حيث صعدت الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة في العديد من الدول الأوروبية، وبرزت النزعات القومية والإقصائية، خاصة مع تفاقم مشكلات الهجرة والإرهاب. وقد ظهر ذلك جليًا في الانتخابات الإيطالية والسويدية والنمساوية والمجرية، التي عكست تحولًا شعبيًا نحو القوى اليمينية، بل وصعد أيضًا حزب يميني متطرف ليتزعم المعارضة في البرلمان الألماني لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية [195].
كما شهد المشروع الأوروبي تراجعًا ملحوظًا في مبدأ التكامل الاقتصادي نتيجة الأزمات المالية التي ضربت بعض دوله، مما أدى إلى تفاقم الفجوة بين دول القلب القوية ودول الهامش الضعيفة. وزاد من هذا التراجع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وسط مخاوف من انسحاب دول أخرى، إلى جانب تصاعد التهديدات الأمنية العابرة للحدود، وعجز الاتحاد عن بلورة سياسة دفاعية موحدة. كما ساهم الخروج البريطاني في صعود التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا، المرتبطة بأفكار القومية الإقصائية ومعاداة التعددية، في ظل ارتفاع موجات الهجرة غير الشرعية وتزايد الهجمات الإرهابية، مما أثار تساؤلات حول قدرة المجتمعات الحرة أو المفتوحة على حماية أمنها الداخلي[196].
كما مثّل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية عام 2016 نموذجًا لصعود القومية الشعبوية المناهضة للعولمة والتعددية الثقافية. فقد دافع ترامب عن شعار “أمريكا أولاً”، مؤكدًا خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن المستقبل لأنصار التيار القومي وليس لانصار العولمة. وقد انعكس هذا التوجه على مواقف إدارته، التي اتسمت بالانسحاب من الاتفاقيات الدولية، واعتماد سياسات اقتصادية حمائية، والتقارب مع قادة مناهضين للقيم الليبرالية التعددية. أدت هذه السياسات إلى التشكيك في التزام الولايات المتحدة بتحالفاتها التقليدية، وعززت النزعة الانعزالية والتركيز على المصالح الوطنية الضيقة، مما ساهم في تآكل النظام الليبرالي العالمي وعودة السياسات الانعزالية وسياسات القوة، وتخلي الولايات المتحدة عن قيادة العالم[197].
وعلى صعيد آخر، كشفت استطلاعات الرأي العام عن تزايد الشكوك تجاه المؤسسات الليبرالية التقليدية، وأشارت إلى نمو التأييد لبدائل سياسية واقتصادية أخرى، بما في ذلك الاشتراكية وبعض أشكال الرأسمالية التسلطية، كما هو الحال في الصين. وقد ساهمت جائحة كوفيد-19، ومن بعدها الأزمة الأوكرانية، في تعميق هذه التحولات عبر زيادة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، مما أضعف قدرة الدول الغربية على الحفاظ على صورتها كنماذج ديمقراطية ناجحة[198].
في هذا السياق، بدا واضحًا أن الأزمة الأوكرانية لم تكن مجرد اختبار للنظام الليبرالي الغربي، بل كانت لحظة كاشفة عن حدود هذا النموذج وتراجع قدرته على تقديم نفسه كنموذج عالمي مهيمن.
2.الانتقال من النموذج الأمريكي إلى خصوصية النماذج:
شهد الواقع الدولي تحولات بارزة مع تعدد الفاعلين على الساحة العالمية وتراجع القطبية الأحادية، حيث لم تعد القيم والمعايير الأمريكية قادرة على الانفراد بالمائدة الدولية، بل أصبحت كل قوة صاعدة تسعى لنشر نموذجها الخاص وفقًا لما تملك من إمكانات. وتؤكد تحليلات العلاقات الدولية أن القوى الصاعدة عادة ما تسعى لتأكيد خصوصية نماذجها مع تصاعد مكانتها. وفي هذا السياق، تثار تساؤلات مهمة حول مدى استعداد القوى الكبرى غير الغربية، مثل الصين وروسيا والهند والبرازيل، لتقبل المفاهيم الغربية مقارنة بما كانت عليه قبل عقد من الزمان. وتدل المؤشرات على أن هذا الاستعداد قد تراجع بوضوح، بل إن دول الجنوب باتت اليوم أكثر اهتمامًا بالأفكار والمفاهيم الصينية مما كانت عليه في السابق[199].
ويعد أحد أبرز ملامح الواقع الدولي الجديد هو التعايش بين منظومات قيمية متعددة ومتباينة، حيث يبدو أن الزعماء السياسيين باتوا أكثر ميلًا لقبول عالم يُدار وفق معايير وقيم متمايزة: فالأمريكيون، والصينيون، والأوروبيون كلٌّ يدير شؤونه الداخلية وفق معاييره الخاصة، ويسعى في الوقت ذاته إلى توسيع نفوذه القيمي في محيطه الإقليمي المباشر.
في مثل هذا العالم، لن يتجاوز التوافق الدولي سوى الحد الأدنى من القواعد الضرورية لتنظيم التفاعلات، مثل قواعد التجارة والطيران، مع التمسك الشديد بمبادئ السيادة وعدم التدخل. وسيتطلب هذا الواقع تحديدًا دقيقًا للقضايا ذات الأولوية التي تستدعي التوافق الدولي[200].
يرتبط ذلك بمسألة حرية القرار الدولي، إذ إن تأكيد القوى الفاعلة على خصوصية نماذجها انعكس في رفض العديد من الدول التقيد بالسياسات والرؤى الغربية، كما ظهر جليًا في ردود الأفعال المتباينة تجاه الأزمة الأوكرانية. فعلى الرغم من اتفاق غالبية الدول على إدانة روسيا في الأمم المتحدة، فإن عددًا كبيرًا منها رفض سياسة العقوبات الغربية أو اتخذ مواقف حيادية، فقد صوتت 141 دولة لصالح قرار إدانة روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، لكن قرار تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان حصل فقط على تأييد 93 دولة، مقابل معارضة 24 وامتناع 58 دولة عن التصويت، مما يعكس تراجع مستوى الإجماع الدولي حول فرض العزلة على روسيا[201].
على صعيد العلاقات الثنائية، واصلت عدة دول، رغم الضغوط الأمريكية والغربية، علاقاتها مع روسيا وفق نهج برجماتي يركز على المصالح الوطنية. ففي عام 2022، قام الرئيسان التركي والإماراتي بزيارات رسمية إلى موسكو، واستمرت العلاقات الروسية قوية مع الصين والهند. كذلك رفضت صربيا، رغم كونها مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، تطبيق العقوبات الأوروبية على روسيا، فيما امتنعت المجر عن المشاركة في حزمة العقوبات الأوروبية المرتبطة بالطاقة. وحتى داخل الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، واصلت فرنسا التأكيد على ضرورة الحوار مع الرئيس بوتين لإيجاد تسوية سلمية للأزمة[202].
3.صعود التكتلات الدولية وتحديات النظام المؤسسي التقليدي:
شهد النسق الدولي بعد الحرب الباردة تنامي دور التكتلات الدولية بشكل واضح، حيث أصبحت من أبرز سماته الرئيسية، خاصة مع ارتباطها بالنمو الملحوظ للاقتصادات الصاعدة. ويعد هذا الاتجاه تحوّلًا عن نمط المؤسسية الدولية التقليدية التي تأسست عقب الحرب العالمية الثانية مع إنشاء مؤسسات مثل الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.
برزت مجموعة العشرين (G20) كأحد أهم هذه التكتلات، إذ بدأت نشاطها في ديسمبر 1999، قبل أن تتحول إلى قمة لقادة الدول في نوفمبر 2008[203].
وإلى جانبها، برزت مجموعة “البريكس”، التي تأسست بين البرازيل وروسيا والهند والصين، وانطلق التعاون بينها منذ اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع في سبتمبر 2006، لتعلن رسميًا عن نفسها في قمة يكاترينبرغ الروسية عام 2009. وقد انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة في فبراير 2011، لتصبح “بريكس” تكتلًا يجمع خمس دول كبرى من قارات مختلفة.
ورغم غياب التماثل الاقتصادي أو الجغرافي بين دول البريكس، فإن القاسم المشترك الذي جمعها كان السعي لتحدي الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالميين، هذه الهيمنة التي تسببت في إغراق الاقتصاد العالمي في أزمات يعاني معاناة كبيرة في سبيل الخروج منها[204].
وقد اكتسبت هذه التكتلات أهمية متزايدة مع بروزها كبدائل مؤسسية أكثر مرونة وأقل بيروقراطية، واعتمادها على آلية التوافق – بدلًا من الالتزامات القانونية الصارمة –والتي تصاغ على هيئة أهداف عامة تلتزم الدولة الأعضاء بتحقيقها خلال مدى زمني معين بما يتوافق مع ظروفها[205].
في هذا السياق، تراجع دور المؤسسات الدولية التقليدية مثل صندوق النقد الدولي، في مقابل توسع النفوذ المالي للصين التي باتت تمنح قروضًا ومساعدات تفوق في بعض الأحيان ما يقدمه البنك الدولي، خاصة للدول الأفريقية والآسيوية[206].
ومع تصاعد الصراعات الدولية مثل الأزمة الأوكرانية، زاد الاهتمام العالمي بمتابعة دور التكتلات الدولية الكبرى مثل “أوبك بلس”، ومجموعتي “البريكس” و”العشرين”. فقد لعبت منظمة “أوبك بلس”، التي تضم دول أوبك إلى جانب عشرة مصدرين آخرين للنفط (من بينهم روسيا)، دورًا محوريًا في ضبط أسواق النفط، خاصة خلال جائحة كوفيد-19 وعقب اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، ففي أبريل 2020 أبرم اتفاق أوبك بلس ونص الاتفاق على إجراء المشاركين بالاتفاق تخفيضات على إنتاجهم الإجمالي من خام النفط بمقدار 10 ملايين برميل يوميًا، ابتداًء من 1 مايو 2020 ولمدة تبلغ شهرين تنتهي في 30 يونيو 2020، وخلال مدة الأشهر الستة التالية، بداية من 1 يوليو إلى 31 ديسمبر 2020، ويكون مقدار التخفيض الإجمالي المتفق عليه هو 8 ملايين برميل يوميًا، ويتبع ذلك تخفيض قدره 6 ملايين برميل يوميًا لمدة 16 شهرًا، تبدأ من 1 يناير 2021 وحتى 30 أبريل 2022[207].
تمكنت أوبك بلس عبر اتفاقيات خفض الإنتاج من تحقيق استقرار نسبي في أسعار النفط، رغم الضغوط الأمريكية المستمرة لزيادة الإنتاج بهدف خفض الأسعار ومواجهة النقص الناتج عن العقوبات على روسيا. ومع ذلك، واجهت المنظمة اتهامات غربية بالانحياز لروسيا، خصوصًا بعد قرار خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا في أكتوبر 2022، الذي من شأنه رفع سعر البرميل، والذي سيساعد بدوره الخزينة الروسية في تمويل مجهود الحرب الروسية على أوكرانيا، وسيقلل من جدوى العقوبات المفروضة، كما سيبطئ هذا الارتفاع معدل النمو الاقتصادي عبر العالم، وسيؤثر في حجم الدعم المالي والعسكري الغربي لأوكرانيا [208].
وعلى الصعيد المقابل، كان لقمتي البريكس ومجموعة العشرين نصيب كبير من الاهتمام العالمي، حيث كيفية التوفيق بين المصالح والمواقف المتعارضة للأعضاء، وخروج القمة بنص مشترك معبر عن موقف التكتل من الأزمة الأوكرانية، وكذا مدى استمرارية التكتل في الالتزام بأعماله.
اكتسبت القمة الرابعة عشرة لمجموعة البريكس، التي انعقدت افتراضيًا في يونيو 2022، أهمية استثنائية نظرًا لتوقيت انعقادها في ظل الأزمة الأوكرانية وما رافقها من تصاعد حدة التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا، إلى جانب اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، واستمرار الجهود الأمريكية الرامية إلى احتواء الصين. وقد أكد البيان الختامي للقمة التزام الدول المشاركة بمبدأ تعددية الأطراف، ودعمها لإجراء محادثات بين روسيا وأوكرانيا بهدف تسوية الأزمة القائمة. كما شددت القمة على استمرار التعاون بين دول التجمع لتعزيز وإصلاح منظومة الحوكمة العالمية، ومواصلة جهود مكافحة جائحة كوفيد-19 وحفظ السلم والأمن الدوليين، وتعزيز الانتعاش الاقتصادي، وتسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030، فضلًا من اوئل يونيو عن تعزيز التبادلات الشعبية بين شعوب دول البريكس، والمضي قدمًا نحو توسيع عضوية التكتل بضم دول جديدة[209].
وستستضيف البرازيل القمة السابعة عشرة لمجموعة البريكس في مدينة ريو دي جانيرو يومي 6 و7 يوليو 2025، وذلك في إطار توليها الرئاسة الدورية للمجموعة خلال هذا العام. تأتي هذه القمة في ظل توسع غير مسبوق للتكتل، بعد انضمام خمس دول جديدة في عام 2024، وهي مصر، إثيوبيا، إيران، الإمارات العربية المتحدة، والسعودية. كما انضمت إندونيسيا إلى المجموعة رسميًا في يناير 2025. هذا التوسع يعزز من حجم المجموعة ويجعلها أقرب إلى مجموعة العشرين من حيث التأثير الدولي، مما يعكس دورًا متزايدًا للبريكس على الساحة العالمية[210].
أما قمة مجموعة العشرين التي انعقدت في بالي بإندونيسيا في نوفمبر 2022، فقد أبرزت الانقسامات بين أعضائها حيال الأزمة في أوكرانيا. وعلى الرغم من أن غالبية الدول أدانت الحرب، إلا أن البيان الختامي للقمة عكس وجود مواقف متباينة، وأكد على أهمية الحفاظ على التعاون الاقتصادي الدولي رغم الخلافات السياسية[211].
أظهرت هذه التطورات بوضوح قدرة بعض الدول الصاعدة مثل تركيا والهند والمملكة العربية السعودية على المناورة بين القوى الدولية الكبرى بما يخدم مصالحها الوطنية، في ظل استمرار إعادة تشكيل النسق الدولي بعيدًا عن مركزية الغرب[212].
4.محاولات روسية–صينية لإعادة تشكيل النسق الدولي:
سعت روسيا والصين منذ إعلانهما عن “الشراكة الاستراتيجية” عام 1996 إلى إنهاء النسق الأحادي الذي قادته الولايات المتحدة، والدفع نحو نسق دولي متعدد الأقطاب. وقد بدا ذلك واضحًا في خطاباتهما المشتركة التي اعتبرت هذا الهدف بمثابة الخيط الناظم لشراكتهما الاستراتيجية.
ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية، طرأ تطور ملحوظ على الخطاب الروسي–الصيني بخصوص هذا الشأن. ففي مارس 2022، أوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال زيارته إلى بكين أن على روسيا والصين دفع العملية نحو نسق دولي أكثر تعددية ومعارضة للهيمنة الخارجية. من جانبه، أكد وزير الخارجية الصيني أن الوضع الدولي دخل مرحلة اضطراب وتحول كبيرين، حيث يشهد العالم تغيرات عميقة غير مسبوقة، وشدد على أن الصين كانت دائمًا تدعو إلى عالم متعدد الأقطاب وعلاقات دولية أكثر ديمقراطية، مع حماية مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة[213].
وبناًء على هذا التوافق الظاهر في الرؤى بين موسكو وبكين، ذهبت بعض التحليلات إلى اعتبار أن الأزمة الأوكرانية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل جزء من مسعى أوسع لإعادة رسم خارطة النفوذ الدولي وميزان القوى العالمي، وتقليص الهيمنة الأمريكية والغربية[214].
وفي هذا السياق، وقبيل إعلان روسيا بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا بساعات، اتهمت الولايات المتحدة، عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، كلًا من الصين وروسيا بالعمل على إنشاء نسق عالمي جديد “غير ليبرالي للغاية”، معتبرًا أن تصرفات موسكو تجاه أوكرانيا تمثل جزءًا من هذا المشروع. وبيّن برايس أن النسق الجديد الذي تسعى إليه موسكو وبكين يتناقض مع النسق القائم الذي بنته الدول على مدى العقود السبعة الماضية، مشيرًا إلى أنه نسق “مدمر من نواحٍ عدة وليس بنّاًء” وأوضح أيضًا أن اتجاه تنمية العلاقات الصينية الروسية هو “مصدر قلق كبير[215].
وفي أكتوبر 2022، أصدر البيت الأبيض “استراتيجية الأمن القومي” الجديدة، التي أكدت أن روسيا والصين تطرحان تحديات مختلفة للولايات المتحدة، حيث أوضحت الوثيقة أن روسيا تُعد تهديدًا كبيرًا للنسق الدولي الحر والمفتوح، من خلال حربها العدوانية على أوكرانيا وانتهاكها المتكرر للقوانين الدولية. أما الصين، فاعتُبرت المنافس الوحيد القادر على إعادة تشكيل النسق الدولي بشكل كبير بفضل قوتها الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية المتنامية، ومثلما استفادت الولايات المتحدة ودول العالم بشكل كبير من النسق الدولي بعد الحرب الباردة، استفادت أيضًا جمهورية الصين الشعبية وروسيا، نما اقتصاد جمهورية الصين الشعبية وتأثيرها الجيوسياسي في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ومع ذلك، خلصتا إلى أن نجاح نسق دولي حر ومفتوح قائم على القواعد يشكل تهديدًا لأنظمتها ويخنق طموحاتها.
كما أشارت الوثيقة إلى أن الصين وروسيا تسعيان كلٌ بطريقته إلى إعادة تشكيل النسق الدولي، وأن علاقاتهما تزداد تقاربًا بشكل لافت. وأكدت الاستراتيجية أن الإدارة الأمريكية ستعطي أولوية قصوى للحفاظ على تفوقها التنافسي على الصين، مع السعي في الوقت ذاته إلى “تقييد روسيا” التي لا تزال تشكل تهديدًا خطيرًا للنسق الدولي[216].
وفي ظل الموقف الأمريكي الرافض لدعوات روسيا والصين لإقامة نسق دولي متعدد الأقطاب، ومع إعلان واشنطن عزمها احتواء كلتا القوتين، من المرجح أن تواصل موسكو وبكين تمسكهما بشراكتهما الاستراتيجية. وقد ظهر ذلك بوضوح خلال المحادثات الهاتفية بين وزيري خارجية البلدين في أكتوبر 2022، حيث أكد وزير الخارجية الصيني دعم بلاده لروسيا بقيادة الرئيس “فلاديمير بوتين” في سبيل تحقيق أهدافها التنموية الاستراتيجية، رغم الصعوبات والاضطرابات. كما أشار الوزير الصيني إلى أن كلًا من روسيا والصين لهما الحق الكامل في تنميتهما الوطنية، وأن أي محاولة لكبح تقدمهما ستُمنى بالفشل[217].
في الدقيقة الأخيرة من زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج لروسيا في مارس 2023، وأثناء وداع شخصي اتسم بالدفء من جانب نظيره الروسي “فلاديمير بوتين”، قال الرئيس “شي”: «في الوقت الحالي هناك تغييرات لم تكن موجودة منذ مئة عام. ونحن معًا نقود هذه التغييرات»، فأجابه بوتين «أنا موافق»[218]. لم تكن هذه مجرد مقولة عابرة، وإنما تعبير عن رؤية لدور البلدين فيما يشهده حاضر النسق الدولي، وما يجب أن يكون عليه في المستقبل 1.
في ضوء ما سبق، شهدت العلاقات بين روسيا والصين، على مدى العقود الثلاثة الماضية، قفزات نوعية واضحة، على عكس ما تذهب إليه بعض الكتابات الغربية والأمريكية التي تشكك في العلاقة بينهما، مستندة إلى خلافات تعتبرها البلدان جزءًا من الماضي، وتاريخًا لا يمكن قياس الحاضر عليه. يعكس تطور العلاقات الروسية – الصينية تفاهمات استراتيجية عميقة المدى، يدعمها تعاون استراتيجي في مختلف المجالات. وقد تجسّد ذلك بوضوح في زيارة الرئيس “شي” إلى موسكو خلال الفترة من 20 إلى 22 مارس 2023. فقد كانت روسيا أول دولة يزورها “شي” بعد إعادة انتخابه رئيسًا للصين، وقد سبق أن كانت أول وجهة له بعد انتخابه عام 2013، ورأى “شي” أن ذلك يتوافق مع المنطق التاريخي، حيث اعتبر أن “نحن أكبر القوى والشركاء الاستراتيجيين” كما عبر. يأتي هذا رغم اختلاف الظروف الدولية والضغوط الأمريكية والأوروبية الشديدة، التي وصلت إلى حد التهديد لبكين، لإدانة روسيا صراحة ووقف كل أوجه التعاون معها على خلفية الأزمة الأوكرانية[219].
بالإضافة إلى ذلك، طرحت الصين في 24 فبراير 2023 مبادرة من 12 بندًا لتسوية الأزمة الأوكرانية والأمن العالمي[220].
وفي تحدٍّ واضح للغرب، أدت الأزمة في أوكرانيا إلى دفع التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين البلدين إلى مستوى لم يكن يتوقعه كثير من المحللين قبلها، وكشفت الأزمة عن عمق التفاهمات بين الجانبين، مما جعل ما يجمعهما يتجاوز الشراكة ليصل إلى حد التحالف.
على الصعيد الاستراتيجي، أكدت كل من الصين وروسيا رفضهما لأي توسيع مستقبلي لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، ودعمت الصين مطالب روسيا بعدم انضمام أوكرانيا إلى الحلف.
من جهتها، أبدت روسيا تأييدها لمبدأ «صين واحدة»، وأكدت موقف بكين بأن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين، معارضة أي محاولة لاستقلال الجزيرة. كما انتقد البلدان التحالفين العسكريين الغربيين اللذين تقودهما الولايات المتحدة، وهما «الناتو» و«أوكوس»، الذي تأسس بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا في عام 2021، باعتبارهما عوامل تقوض «الاستقرار والسلام العادل في العالم». وكانت موسكو هي الوجهة الأولى لزيارة وزير الدفاع الصيني السابق في أبريل 2018، وكذلك للوزير الحالي لي شانغ فو في أبريل 2023، مما يبرز توجه بكين نحو روسيا كحليف استراتيجي. وأكد لي شانغ فو ذلك بقوله: «إنني اخترت روسيا تحديدًا في زيارتي الأولى لتأكيد الطبيعة الخاصة والأهمية الاستراتيجية للعلاقات الثنائية بين البلدين»[221].
ويرى الباحث أن الطموحات الروسية–الصينية لإعادة تشكيل النظام الدولي تظل محل جدل واسع، خاصة بالنظر إلى التحديات التي تواجه علاقتهما، سواء بسبب تداعيات الأزمة الروسية–الأوكرانية أو نتيجة السياسات الأمريكية الرامية إلى احتواء هذه الشراكة. وبناءً عليه، فإن الإجابة عن سؤال مدى قدرة موسكو وبكين على تحقيق إعادة هيكلة حقيقية للنسق الدولي
تستدعي التعمق أكثر في طبيعة العلاقات الروسية–الصينية، سواء من خلال تحليل شراكتهما الثنائية أو عبر تتبع تحركاتهما المشتركة على الساحة الدولية.
وجملة القول، إن الأزمة الأوكرانية مثلت نقطة تحول فارقة في بنية النسق الدولي، إذ كشفت عن بداية انتقال فعلي من نسق أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى نسق دولي متعدد الأقطاب تتقاسم فيه قوى كبرى مثل روسيا والصين أدوارًا أكثر تأثيرًا. وقد أكدت تطورات الأزمة أن الهيمنة الأمريكية لم تعد مطلقة، وأن النظام الليبرالي العالمي يشهد تراجعًا لصالح صعود نماذج بديلة وتحالفات إقليمية ودولية جديدة. ومع تسارع التفاعلات الدولية، بات واضحًا أن بنية النسق الدولي تدخل مرحلة انتقالية عميقة، يتزايد فيها التنافس الاستراتيجي وتتغير فيها معايير القوة والنفوذ على نحو غير مسبوق.
خاتمة
سعت الدراسة إلى تقديم تحليل متكامل لتأثير الأزمة الأوكرانية على بنية النسق الدولي، انطلاقًا من كونها واحدة من أبرز الأزمات الجيوسياسية التي كشفت عن عمق التحولات التي يشهدها النسق الدولي في القرن الحادي والعشرين. وللإجابة عن مشكلة البحث الرئيسة: ما تأثير الأزمة الأوكرانية على بنية النسق الدولي؟ ، وما صاحبها من تساؤلات فرعية متعلقة بانعكاسات الأزمة على توازنات القوى والتحالفات الدولية وأدوار الفاعلين الرئيسيين، سعت الدراسة إلى تقديم تحليل متكامل للأزمة الأوكرانية باعتبارها واحدة من أبرز الأزمات الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين، لما كشفت عنه من تحولات عميقة في بنية النسق الدولي.
ولتحقيق هذا الهدف، اعتمدت الدراسة على مزيج من المناهج العلمية، أبرزها المنهج الاستقرائي لتحليل المعطيات الراهنة، والمنهج التاريخي لفهم جذور الأزمة، إلى جانب المدخل النسقي لدراسة التفاعلات والتحولات التي طرأت على النسق الدولي. وقد تم توظيف هذه المناهج عبر فصول الدراسة؛ حيث تناول الفصل الأول الإطار المفاهيمي للأزمة والنسق الدولي، وخصص الفصل الثاني للجذور التاريخية ومراحل تطور الأزمة، بينما تناول الفصل الثالث تأثيراتها على العلاقات الدولية، لا سيما العلاقات الروسية مع الولايات المتحدة وأوروبا، أما الفصل الرابع فسلط الضوء على انعكاسات الأزمة على بنية النسق الدولي.
وفي ضوء ما سبق تناوله في هذه الدراسة، يتبين أن الأزمة الأوكرانية ليست مجرد صراع إقليمي محدود النطاق، بل تمثل لحظة مفصلية في مسار تطور النسق الدولي. لقد شكّلت هذه الأزمة اختبارًا حقيقيًا لبنية النسق الدولي السائدة منذ نهاية الحرب الباردة، كما كشفت عن حجم التحولات العميقة التي طرأت على موازين القوى والعلاقات بين الفواعل الدولية الأساسية، وفي مقدمتها روسيا، الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي.
أظهرت الدراسة أن الأزمة الأوكرانية جاءت تتويجًا لمسار تصاعدي من التوترات المتراكمة بين روسيا والغرب، نتيجة تراكمات تاريخية وسياسات توسعية تبنتها الأطراف الغربية – وخاصة حلف الناتو – اعتبرتها موسكو تهديدًا لأمنها القومي. ومن هنا، لم يكن التحرك الروسي تجاه أوكرانيا مجرد نزعة توسعية، بل جاء في إطار استراتيجية أشمل تهدف إلى إعادة ترسيم مناطق النفوذ والتأثير، وإثبات الذات كفاعل مركزي في النسق الدولي، قادر على تحدي الهيمنة الغربية الأحادية.
لقد أبرزت الأزمة مدى هشاشة بعض أطر التعاون الدولي التقليدية، مثل مجلس الأمن، وعجز النظام الأممي عن احتواء الصراعات الكبرى بين القوى العظمى. كما أظهرت تباينًا واضحًا في المواقف الإقليمية والدولية، وتعدد أنماط التفاعل مع الأزمة، بما يعكس بروز فواعل جديدة تسعى إلى لعب أدوار متقدمة في إعادة تشكيل النسق الدولي، وفي مقدمتها الصين، والهند، والبرازيل.
ومن خلال تتبع التحولات الناتجة عن الأزمة، يتضح أنها ساهمت في تعميق مسار الانتقال من نظام القطبية الأحادية إلى نسق دولي أكثر تعددية، تُنافس فيه القوى الصاعدة، وفي مقدمتها روسيا والصين، الهيمنة الغربية التقليدية. ولم يعد مفهوم “الهيمنة المنفردة” قادرًا على تفسير التفاعلات الدولية المعاصرة، في ظل صعود تحالفات بديلة، وتغير أولويات ومصالح الدول الكبرى، إضافة إلى بروز قضايا عابرة للحدود – مثل الأمن الطاقوي، والغذائي، والتكنولوجي – تلعب دورًا محوريًا في إعادة صياغة الأجندة الدولية.
كما أبرزت الأزمة طبيعة الانقسامات الجيوسياسية بين الشرق والغرب، وأعادت إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة، لكن في ثوب جديد يحمل سمات القرن الحادي والعشرين. فقد شهد العالم تجددًا في سياسات الردع والتكتلات العسكرية، مقابل تراجع منسوب الثقة بين القوى الكبرى، وازدياد حدة الاستقطاب السياسي والإعلامي، وعودة الصراع بالوكالة كأداة مركزية في إدارة التنافس الدولي، وهو ما بدا جليًا في حالات مشابهة كأزمة تايوان، وتنامي الصراع الاقتصادي والتكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين.
وتبين من خلال تحليل تأثير الأزمة على العلاقات الدولية، أن العلاقات الروسية الأمريكية اتخذت منحى تصادميًا غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة، وتلاشت المساحات الرمادية التي كانت تسمح بمستويات معينة من التعاون. أما العلاقات الروسية الأوروبية، فقد دخلت في طور من القطيعة الهيكلية، تُرجمت إلى عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، وإعادة اصطفاف دفاعي داخل الناتو، واستراتيجيات أوروبية للانفكاك التدريجي عن الاعتماد على روسيا في مجال الطاقة.
وفي إطار التحليل العام لتأثير الأزمة الأوكرانية على بنية النسق الدولي، يتضح أن هذه الأزمة لم تُحدث تحولًا جذريًا مفاجئًا، بقدر ما شكّلت لحظة كاشفة وفاعلة في تسريع مسارات تحوّل كانت قد بدأت بالفعل منذ سنوات. فقد أزاحت الستار عن مظاهر تراجع الهيمنة الأمريكية الأحادية، وأعادت طرح تساؤلات جوهرية بشأن مستقبل القيادة الدولية وطبيعة العلاقات بين القوى الكبرى. كما أبرزت تحولات متزايدة في نمط التحالفات التقليدية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، حيث بات من الواضح أن النسق الدولي يشهد انتقالًا تدريجيًا نحو التعددية القطبية، مع تصاعد أدوار قوى دولية وإقليمية كانت توصف سابقًا بالهامشية أو الصاعدة.
لقد أثبتت الأزمة الأوكرانية أن النسق الدولي لم يعد محكومًا بصيغة أحادية ثابتة، بل أصبح ميدانًا لتفاعلات أكثر تعقيدًا وتداخلًا، تجمع بين المواجهة والمساومة، وبين الصراع والتعاون المرحلي. وفي هذا السياق، برزت فواعل دولية جديدة، سواء على مستوى الدول (مثل الصين والهند والبرازيل)، أو على مستوى التكتلات والتحالفات (كالبريكس ومنظمة شنغهاي)، وهي قوى وإن كانت موجودة قبل اندلاع الأزمة، إلا أن التفاعلات الناتجة عنها منحتها زخمًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا أكبر، وجعلت لها وزنًا أوضح في معادلة توازنات القوى داخل النسق الدولي.
وهكذا، يمكن القول إن الأزمة الأوكرانية لم تُعد تشكيل النسق الدولي من الصفر، بل عملت كأداة كشف وتسريع، أزاحت الغطاء عن مسار تحوّلي كان قيد التشكل، ودفعت به خطوات أبعد نحو إعادة ترتيب موازين القوى العالمية، بما يعزز من ملامح التعددية القطبية ويقوّض من مركزية الهيمنة الغربية.
وقد انتهت الدراسة إلى النتائج التالية:
1.عودة ظاهرة التدخل العسكري المباشر في دولة أخرى
أعادت الأزمة الأوكرانية إلى الواجهة ظاهرة التدخل العسكري المباشر في دولة ذات سيادة، بعدما كانت هذه الأداة قد تراجعت لصالح أنماط غير مباشرة من التنافس والصراع. وقد مثّل التدخل الروسي في أوكرانيا تحولًا نوعيًا في إدارة النزاعات الدولية، وعكس تراجعًا في فعالية المؤسسات الدولية في ردع هذا النمط من السلوك، ما يثير مخاوف من تطبيع استخدام القوة في تسوية الخلافات الجيوسياسية بين القوى الكبرى.
- عودة أجواء الحرب الباردة إلى أفق السياسة الدولية
أظهرت الأزمة الأوكرانية عودة مظاهر الاستقطاب الدولي، بين معسكرين أحدهما غربي بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والآخر يضم روسيا وصينًا متحفزة، ما يعكس أن البنية الأحادية القطبية التي سادت بعد نهاية الحرب الباردة بدأت بالتراجع، لتحل محلها صيغة أكثر تعقيدًا من التعددية القطبية أو الاستقطاب المتعدد.
- عودة أجواء التهديد بين القوى الكبرى
كشفت الأزمة الأوكرانية عن عودة واضحة لأجواء التهديد والتصعيد بين القوى الدولية الكبرى، لا سيما بين روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة أخرى. فقد شهد العالم تصاعدًا في الخطابات السياسية والعسكرية المتبادلة، وعودة الحديث عن “العدو الاستراتيجي” و”التهديد الوجودي”، في مشهد يذكّر بفترات الحرب الباردة. وتجلّى ذلك في تعزيز الانتشار العسكري لحلف الناتو قرب حدود روسيا، وتكثيف موسكو لتهديداتها النووية، ورفع درجة الاستعداد القتالي بين الأطراف المعنية.
هذه العودة إلى مناخ التهديد المتبادل لا تقتصر على التصريحات، بل تمتد إلى السياسات الواقعية وإعادة تشكيل التحالفات العسكرية، وزيادة الإنفاق الدفاعي، وسباقات التسلح الجديدة، وهو ما ينذر بتصعيد طويل الأمد. ويعكس هذا التحول خللاً بنيويًا في النسق الدولي، حيث أصبحت لغة الردع والتوازنات الصلبة تحكم العلاقات بين الفواعل الكبرى، على حساب أدوات الدبلوماسية والتعاون الدولي.
- إعادة تشكيل التحالفات الدولية
كشفت الأزمة عن مرونة التحالفات الدولية وقابليتها لإعادة التشكّل. فقد استعادت “الناتو” حيويته كتحالف عسكري-سياسي فعال، وبدأ الاتحاد الأوروبي بالتحول إلى فاعل استراتيجي أكثر توحدًا، في حين تعززت العلاقات الروسية–الصينية كنوع من التوازن المضاد.
- التأثيرات البنيوية على النسق الدولي
ساهمت الأزمة في زعزعة العديد من المفاهيم المستقرة في العلاقات الدولية، وعلى رأسها مفهوم السيادة وعدم التدخل، وذلك من خلال توسيع مفهوم “التدخل الإنساني” و”الحروب بالوكالة”، كما أعادت الأزمة الاعتبار لمفهوم “أمن الدولة” على حساب “الأمن الإنساني”، وهو ما ينعكس في توجه العديد من الدول نحو تعزيز قدراتها العسكرية.
- التداعيات الاقتصادية المعمّقة
كان للأزمة أثر بالغ في إعادة رسم خريطة الطاقة في العالم، حيث تحولت أوروبا من التبعية للغاز الروسي إلى البحث عن بدائل، وبرزت دول مثل الجزائر وقطر كلاعبين مهمين، كما شهد العالم ارتفاعًا في أسعار الغذاء والطاقة، ما زاد من أعباء الدول النامية، ووسّع الفجوة التنموية بينها وبين الدول الصناعية.
- روسيا وتحدي النسق الدولي القائم
رغم العقوبات الغربية الشديدة، استطاعت روسيا التكيف بدرجة كبيرة، بل وتحولت إلى قوة تعيق استمرارية البنية الليبرالية الغربية للنسق الدولي، عبر استخدامها أدوات القوة الصلبة والناعمة معًا، وسعيها لخلق بدائل مؤسساتية ومالية تتجاوز الهيمنة الغربية، مثل التحول نحو نظام “الروبل مقابل الغاز”، وتعميق التعاون مع دول البريكس.
- الصين كلاعب مستفيد واستراتيجي
انتهزت الصين الفرصة لتوسيع نطاق نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي في ظل انشغال الغرب بالأزمة، وسعت إلى لعب دور الوسيط، ما يعكس استراتيجيتها في تعزيز موقعها كقوة عظمى في نظام عالمي متعدد الأقطاب، دون التورط في مواجهات مباشرة.
- تحول المنظمات الدولية إلى أدوات توازن أكثر من كونها كيانات محايدة
أثارت الأزمة تساؤلات حادة حول مصداقية وحياد المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، حيث بدا واضحًا أن موازين القوى تهيمن على قراراتها، وهو ما يعزز الاتجاه نحو إصلاح بنية هذه المؤسسات بما يعكس الواقع الجديد.
- إضعاف مبدأ الاعتماد المتبادل
أدت العقوبات المتبادلة وحرب الطاقة والغذاء إلى تراجع فكرة الاعتماد الاقتصادي المتبادل كآلية لمنع الحروب، ما يمثل تحديًا جوهريًا لنظرية الليبرالية في العلاقات الدولية، ويشير إلى تصاعد دور الواقعية الصراعية كمرجعية لتحليل النسق الدولي.
- بروز الجنوب العالمي كمجال تنافس جديد
في ظل الأزمة، عاد التركيز الدولي على دول الجنوب، لا سيما في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، كساحة للتنافس الجيوسياسي والاقتصادي، ما يدفع هذه الدول إلى اعتماد استراتيجيات أكثر توازنًا بين القوى الكبرى.
وخلاصة القول، تُظهر الأزمة الأوكرانية بوضوح أننا نعيش مرحلة انتقالية في بنية النسق الدولي، تتسم بإعادة تشكيل موازين القوى، وتآكل قواعد ما بعد الحرب الباردة، وصعود أنماط جديدة من التفاعل الدولي. لقد مثّلت هذه الأزمة اختبارًا حاسمًا لقدرة المؤسسات الدولية على احتواء صراعات بين قوى كبرى، كما كشفت حدود الردع الغربي أمام إصرار روسيا على فرض رؤيتها ومصالحها الاستراتيجية بالقوة. وبينما عبّرت بعض القوى الدولية الصاعدة عن ميلها إلى استثمار هذا التحول لإعادة ترتيب موقعها في النسق الدولي، اختارت قوى أخرى التوازن الحذر بين المحاور المتنافسة، ما يدل على دخول العالم في مرحلة من السيولة الاستراتيجية، وانعدام اليقين.
إن ما جرى في أوكرانيا لم يكن مجرد مواجهة عسكرية، بل لحظة كاشفة لانهيار التوافقات الكبرى التي حكمت العلاقات الدولية لعقود. لقد أظهرت الأزمة أن التنافس الجيوسياسي عاد بصور أكثر حدة، وأن مفاهيم مثل السيادة، وعدم التدخل، واحترام القانون الدولي، لم تعد تمتلك ذات القوة الملزمة حين تتعارض مع مصالح القوى الكبرى. وفي ظل تنامي النزعات الصراعية، وتراجع آليات الحوار والتسوية، يبدو أن النسق الدولي مقبل على مرحلة عنوانها الرئيسي هو “الصراع لإعادة التشكل”، ما يجعل من الضروري مراقبة تداعيات هذه الأزمة، ليس فقط على أوروبا أو روسيا، بل على مستقبل التفاعلات الدولية برمّتها.
أولُا: قائمة المراجع باللغة العربية
أ: الكتب:
1.أحمد وهبان، “الآثار البنيوية والفكرية للأزمة الأوكرانية على النسق الدولي”، محاضرات في مقرر إدارة الصراع الدولي، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الإسكندرية، 2024.
2.أحمد قنديل، “استراتيجية الحرب الاقتصادية: حالة تعامل الغرب مع التدخل الروسي في أوكرانيا 2022″، في: استراتيجيات الحروب في القرن الحادي والعشرين، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2023، ص 50–52.
3.أحمد وهبان، إدارة الصراع الدولي، الإسكندرية: جامعة الإسكندرية.
4.إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية والدولية: دراسة في الأصول والنظريات، القاهرة: المكتبة الأكاديمية، 1991.
5.إيناس عبد الله، الحرب الباردة: دراسة تاريخية للعلاقات السوفيتية الأمريكية، بغداد: آشور بانيبال للكتاب، 2015.
- آية بورزار، إدارة الأزمات، دمشق: الجامعة الافتراضية السورية.
7.بطرس حلاق، العلاقات العامة والأزمات، دمشق: الجامعة الافتراضية السورية، 2020.
8.توفيق، سعدي حقي، أحمد نور النعيمي وآخرون، جغرافية الجيوبوليتيك: ترسيمها الحروب، كلية القانون والعلوم السياسية، الجامعة العراقية، بغداد، 2023.
9.طارق محمد الطائي، العلاقات الروسية الأمريكية بعد الحرب الباردة، العراق – بغداد: مركز حمورابي للبحوث والدراسات الاستراتيجية.
10.علي العقابي، العلاقات الدولية: دراسة تحليلية في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات، بغداد، 2010.
11.عبادة التآمر، سياسة الولايات المتحدة وإدارة الأزمات الدولية: إيران – العراق – سوريا – لبنان نموذجًا، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015.
12.فردوس محمد عبد الباقي، العلاقات بين الكوريتين ومصالح القوى الكبرى، القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2019.
13.قسم العلوم السياسية، مدخل إلى العلاقات الدولية، الإسكندرية: دار فاروس العلمية للنشر والتوزيع.
14.ماجد المساعدة، إدارة الأزمات: المدخل – المفاهيم – العمليات، عمّان: دار الثقافة، 2012.
15.محمد سليم، تحليل السياسة الخارجية، الجيزة: مكتبة النهضة المصرية، 1998.
16.محمد طه بدوي وآخرون، مقدمة إلى علم العلاقات الدولية، القاهرة: الكتب الجامعي الحديث، 2015.
- مايكل كوفمان وآخرون، “عبر من عمليات روسيا في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا“، مؤسسة راند كاليفورنيا 2017.
- مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، بيروت: دار الفكر ببيروت، ١٩٧٢.
19.نسرين محمد أمر عواد، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أوروبا الغربية: دراسة في استمرارية حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة، فلسطين: جامعة بيرزيت، 2006.
20.وسيم خليل العجية، روسيا الأوراسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين، ط2، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2017.
21.نوران عوضين، “روسيا والصين والشراكة لعصر جديد: المحفزات والقيود”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
ب: الدوريات العلمية:
1.-الحمايدة منار، “العلاقات الأمريكية الروسية في ظل الأزمة الأوكرانية” ، المجلة الأكاديمية للبحوث الاجتماعية، مجلد 4، عدد .2
2.أحمد عبده، “السياسة الأمريكية تجاه التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وانعكاساتها على حلف الناتو” ، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد16, 2022
3.ايمن الدسوقي، وعائشة إبراهيم الوحسني افاق الحرب الروسية -الأوكرانية في عامها الثالث، مركز تريندز للاستشارات الاستراتيجية، المرصد،العدد 7897,2024
4.أسامة مخيمر، “تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الأوروبي: دراسة للتغيرات في مفهوم الأمن بعد الحرب الباردة” ، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد 2023،17
5.أبو بكر الدسوقي، “الأزمة الروسية الأوكرانية ومستقبل النظام الدولي”, مجلة السياسة الدولية، العدد228 ,2022
6.باسمة مندور، “الأزمة الدولية: دراسة نظرية” ، المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية، المجلد 8، العدد .4
7.توفيق أكلينوس، “الأزمة الأوكرانية وأثرها على مستقبل حلف الناتو” ، مجلة السياسة الدولية، مجلد 57، عدد 28، 2022.
8.جمال محمد سليم، “العجز الديمقراطي: أزمة النظم السياسية الليبرالية في العالم الجديد”, مجلة السياسة الدولية، المجلد48, العدد187,2012
9.حسن أبو طالب، “الحرب الأوكرانية والنظام الدولي: حدود التغير والانتصار والتحالفات”, مجلة السياسة الدولية، العدد229، المجلد57. 2022
10.زهير الحسني، “مفهوم النزاع القانوني في ضوء فتوى محكمة العدل الدولية في 17 أبريل 1988”، المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد 47، 1991
11.سعاد محمود أبو ليلة، “القوى المتوسطة: دور الدول المتوسطة التقليدية والصاعدة في النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة”، مجلة السياسة الدولية، عدد189، 2012
12.سماح عبد الصبور، “السياسة الخارجية الأمريكية ومأزق النظام العالمي”، مجلة السياسة الدولية، عدد 299، 2017
13.صفاء صابر خليفة، “تداعيات أمن الطاقة على بنية المحاور والتحالفات في ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية” ، المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية، العدد 3، المجلد 14
14.عبد الله راشد سلامة العرفان وآخرون، “العلاقات الروسية الغربية في ظل تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية 2014–2022” ، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد ٥١، العدد 3، 2024
15.عماد خليل فنر، “تحولات النظام الدولي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022: دراسة مستقبلية” ، مجلة قضايا سياسية، العدد 75، 2023
16.عماد منسي محطات مهمة في الحروب الروسية -الأوكرانية، مجلة السياسة الدولية، العدد223, 2023
17.عادل عنتر علي زعلوك، “مدخل لدراسة وتحليل بنية النسق الدولي: دراسة تحليلية تقييمية” ، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، المجلد٩، العدد٦، ٢٠١٨،
18.عزت سعد، “القطبية الثنائية والمتعددة وتداعياتها الدولية والإقليمية” ، مجلة الشؤون عربية، العدد 196، 2023.13
19.عبد الله قاسم، “مستقبل القضية في النظام الدولي” ، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 87، 2024
20.علي الغري، صفاء حسين، “السياسة الخارجية الروسية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة” ، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، مجلد٢،عدد 6
21.عمرو عدلي، “الكساد الثاني : الاقتصاد العالمي من الأزمة الي الركود”, مجلة السياسة الدولية،العدد157 ,2012
22.فنر عماد خلال، “تحولات النظام الدولي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية” ، مجلة قضايا سياسية، جامعة الموصل، العدد 75، 2023
23.فتحي بولعراس ، “إشكاليات الأمن والطاقة ومستقبل الاتحاد الأوروبي في ضوء الحرب الأوكرانية” ، مجلة السياسة الدولية، العدد 235، المجلد 59، 2024
24.كارن أبو الخير “عالم بلا قطب: الحقائق الاستراتيجية الجديدة في النظام الدولي، مجلة السياسة الدولية، العدد 185 , 2011
25.محمد بسيوني عبد الحليم “أزمات النموذج الليبرالي والبحث عن بدائل، مجلة السياسة الدولية، العدد218 ,2019
26.محمد فايز فراحات،”الحسابات الصينية في الأزمة الروسية-الأوكرانية،الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ,2022
27.مصطفي علوي،عوامل صعود اليمين المتطرف في أوربا، مجلة السياسة الدولية، العدد208,المجلد58, 2017
28.نورهان الشيخ، “التحالف الصيني الروسي وقيادة تغير النظام الدولي، مجلة السياسة الدولية،الاهرام ،العدد233,المجلد 58, 2023
29.محمد عبد الرحمن يونس العبيدي، “الاتحاد الأوروبي والحرب الروسية الأوكرانية: دراسة في المجالين السياسي والاقتصادي” ، مجلة قضايا سياسية، العدد80.
ج: الرسائل العلمية:
- . إسيل شماسنة، النظام الدولي منذ الحرب الباردة إلى اليوم: دراسة في النظام الدولي الجديد في القرن الحادي والعشرين، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت، 2018.
- برهان محمد قانج، الحرب الإعلامية بين روسيا وأمريكا خلال الحرب الأوكرانية، رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأدنى، معهد الدراسات العليا، قسم العلاقات الدولية، نيقوسيا، 2024.
- نصير الزبيدي، الولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها للأزمات الدولية، رسالة دكتوراه، جامعة سانت كليمنتس العالمية، العراق، بغداد، 2018.
د: الندوات والمؤتمرات:
1.دفع الله محمد كانون، “مفهوم الكارثة وتحديد أبعادها وآثارها”، في أعمال مؤتمرات إدارة الأزمات والكوارث، القاهرة، المنظمة العربية للتنمية والإدارة، ٢٠١٠.
2.عبد السلام الطيب، “الأسس النظرية حول مفهوم الأزمة وإدارتها”، بحوث مؤتمرات كلية الآداب والعلوم، قَرَهُوَتَة، جامعة الريتونة، ٢٠١٥.
3.عبد السلام سيد سلطان عثمان، “مفهوم الكارثة وأبعادها وآثارها والتخطيط الاستراتيجي والتعاون الدولي في مواجهة أخطار الكوارث الإنسانية”، في أعمال مؤتمرات إدارة الأزمات والكوارث، القاهرة، المنظمة العربية للتنمية والإدارة، ٢٠١٠.
ه: مصادر إلكترونية:
1.أبو الخير كارن. “البديل الزائف: فرص تراجع الشعبوية اليمينية في العالم الغربى”، اتجاهات التحديث، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، العدد 29، 4 أبريل 2019. https://n9.cl/chk7n
2.أبو الخير كارن. “عالم بلا أقطاب: الحقائق الاستراتيجية الجديدة في النظام الدولي.” السياسة الدولية، 12 سبتمبر 2011.2. https://n9.cl/u7af
3.أبرز مراحل الحرب الروسية، الأوكرانية، المشهد..” ” 30 أبريل https://n9.cl/93dpc
4.اتفاق من 6 نقاط بإجتماع اوبك وسط ‘حرب أسعار النفط’… إليكم ما هي “، سي إن إن بالعربية، 10 أبريل 2020.7 https://n9.cl/9l4cnk .
5.أسباب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. جذور الصراع وتطوراته، بوابة الأهرام، 24 فبراير 2022، على الرابط التالي https://n9.cl/agb7e .
6.أحمد عليبة ، كيف تطورت خرائط الحرب الروسية – الأوكرانية”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 23 فبراير 2023، متاح على الرابط التالي:https://n9.cl/oa91u
6.الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني، مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث، 23 فبراير 2023 متاح على الرابط التالي https://n9.cl/itjo1 .
7.الجبهة الثالثة: لماذا صعد الغرب العقوبات الرياضية والثقافية منذ موسكو.” مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، مارس 2022.https://n9.cl/c4haam
8.الطواني أحمد. “تأثير أحداث أوكرانيا وسوريا على العلاقات الروسية الأمريكية.” جريدة الراية، أكتوبر 2022. http://www.khelafah.wordpress.com.
9.اليمين المتطرف الأوروبي في موقف حرج بين بوتين وأوكرانيا.” الشرق الأوسط 5 مارس 2022.
10.اوبك بلس: لماذا أثار قرار خفض إنتاج النفط غضب واشنطن”، بى بى سى عربية، 16 أكتوبر 2022. https://n9.cl/4l097
- تحذير روسي بعد قرار أمريكي يسمح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى CNN“. بالعربية، 19 نوفمبر 2024، https://n9.cl/5mk88 تاريخ الاطلاع: 02/05/2025.
- تريندز للبحوث والاستشارات الحرب الروسية – الأوكرانية إلى أبن، 19 أكتوبر 2022 متاح عال الرابط التالي: https://n9.cl/zo5da6 .
13.”تمدد البوتينية: لماذا تدعم روسيا اليمين المتطرف في أوروبا؟” مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، مايو 2017 https://n9.cl/2l0q3 .
14.تعزيز التحالفات الدولية لروسيا بعد الأزمة الأوكرانية.” مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2022 https://acpss.ahram.org.eg/News/17723.aspx .
15.تحديات أمن الطاقة في العلاقات الأوروبية الروسية: الحرب الروسية الأوكرانية نموذجًا.” المركز الديمقراطي العربي، 12 سبتمبر 2022.
16.”تداعيات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأمريكية 2013-2015.” المركز الديمقراطي العربي، يوليو 2016https://democraticac.de/?p=3481 .
- جبر رائد. “موسكو تلوّح بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الغرب على خلفية حرب السفارات.” الشرق الأوسط،7 أبريل 2022، https://n9.cl/m52 .
- حسين موسى. “النظام العالمي الجديد: خصائصه وسماته.” المركز الديمقراطي العربي، يوليو 2015. https://democraticac.de/?p=1634 .
19.خالد تيسير. “حرب هجينة في أوكرانيا تقودها الولايات المتحدة لضمان هيمنتها على العالم”، موقع رأى اليوم،6 يونيو2022https://n9.cl/5wr05.
20.”ردود الفعل العالمية على غزو روسيا لأوكرانيا.” Lawfare، 24 فبراير 2022
https://www.lawfaremedia.org/article/world-reacts-russias-invasio2
21.روسيا تتقدم شرقًا وتقصف منشأت كييف الحيوية”، إندبندنت عربية 13 أكتوبر 2022 ، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/d0q1y
22.ريهام باهي، “أمريكا اولًا: دونالد ترامب والنظام العالمي”، رؤى مصرية، العدد 38، نوفمبر 2019.
23.”سياسة التحالفات الروسية مع دول الجنوب العالمي.” جامعة النجاح الوطنية، 2022.24
24.شذى زكي حسن، دوافع وأهداف الحرب الروسية على أوكرانيا”، المركز العربي للبحوث والدراسات، 8 مايو 2023، على الرابط التالي: https://n9.cl/0lfvr .
25.عربي بوست. “لماذا تتحفظ البرازيل على رغبة الصين في توسيع مجموعة بريكس؟ إرضاء الأمريكا أم أن لها أهدافًا خاصة” نشر في 8 أغسطس https://n9.cl/74vjbc 2023،
26.عملية السلام بدأت فعاليات ملامح خطة انتهاء الحرب في أوكرانيا بعد مباحثات ترامب وبوتين.” المصري اليوم، 19مارس 2025. https://n9.cl/pr637 .
- علي عبادي، “أول حرب إعلامية روسية – أميركية في زمن السوشيال ميديا”، 180 بوست، 19 مارس 2022، على الرابط التالي: https://n9.cl/3xnvx9 .
29.مؤلفًا من 12 بندًا لتسوية الأزمة الأوكرانية. Arabic RT26.فبراير 2023 https://n9.cl/yvz7q .
30.”قراءة في التداعيات الجيوسياسية للأزمة الروسية الأوكرانية.” مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2022 https://acpss.ahram.org.eg/News/17723.aspx.
31.”لافروف في الصين يتحدث عن النظام العالمي الجديد.” سكاي نيوز عربية، 30 مارس 2022. https://n9.cl/i3tnak .
32.”١٢ محطة رئيسية للحرب في أوكرانيا مع دخولها عامها الثالث “، CNN بالعربية، 24 فبراير 2024، متاح على الرابط التالي https://n9.cl/ztuj7 .
33.محمد أبو عزلة، التداعيات الجيواستراتيجية للأزمة الأوكرانية على أوروبا، تريندز للبحوث والاستشارات 4 مايو 2022، متاح على الرابط: https://n9.cl/py56k .
- نور طارق محمد. جمال الدين، “الحرب الروسية الأوكرانية في ضوء العلاقات بين الصين وروسيا.” المركز الديمقراطي العربي، 16 فبراير 2023، https://democraticac.de/?p=87801
35.نوران عوضين، “روسيا والصين والشراكة لعصر جديد: المحفزات والقيود”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
- أحمد دهشان، ، “مجموعة البريكس… الطموح والتحديات.” سكاي نيوز عربية، يوليو 2023 https://n9.cl/w1ue5
37.“100 يوم من حكم ترامب… قلب النظام الجيوسياسي الدولي وإطلاق مواقف صادمة.” فرانس 24، أبريل 2025.https://cl9.hydhv/n
ثانيًا: مراجع باللغة الأنجليزية
A: Books:
- Jeffrey Mankoff, Russian Foreign Policy: The Return of Great Power Politics, Lanham, MD: Rowman and Littlefield, 2012.
- Meister, Stefan, A Paradigm Shift: EU-Russia Relations After the War in Ukraine, November 29, 2022.
B: Scientific Periodicals:
- Fraser Cameron and Horst Teltschik, EU-Russia Relations, Konrad Adenauer Stiftung available at: https://n9.cl/m9v4
- This is an open access article under the Creative Commons Attribution 4.0 International “CC BY 4.0” license: https://n9.cl/y6uun
- Helene Sjursen and Guri Rosén, “Arguing Sanctions: On the EU’s Response to the Crisis in Ukraine“, in European-Russian Power Relations in Turbulent Times, 2021.
- Fix, Liana, European Security and the Ukraine War, Council on Foreign Relations, https://rb.gy/7x63qI .
- Herman, Cuevas, Vanessa, EU-Russia Relations, European Parliament, Fact Sheets on the European Union, April 2024, available at: https://n9.cl/twi4e ,
- This is an open access article under the Creative Commons Attribution 4.0 International” CC BY0, license: https://n9.cl/y6uun
- Zachary Paikin and Arta Moeini, In Search of a European Security Order After the Ukraine War, The Institute for Peace and Diplomacy, April 2023, https://rb.gy/gmc2dx
C: Electronic Sources:
- Andrew E. Kramer, Michael Schwirtz, and Norimitsu Onishie, “Ukrainian Troops Hunt Demoralized Russian Stragglers in Seized City”, New York Times, October 2, 2022, https://nyti.ms/3rt0nGB
- Andrew Monaghan, The Background of EU-Russia Relations, January 1, 2007, pp. 11-12, available at: https://n9.cl/eoda9
- Cambridge University Press, “Invade”, Cambridge Dictionary, Accessed on May. 1, 2025, available at: https://n9.cl/3v063
- Catherine Early and Anu Saush, What Does the War in Ukraine Mean for Energy Security in Europe? The Conference Board, October 2022, available at: https://n9.cl/bbn1p
- Congressional Research Service, “Ukraine: Background, Conflict with Russia, and U.S. Policy,” October 2021, on the following link: https://n9.cl/8sefm0q
- David Brunnstrom and Michael Martina, “U.S. Says China and Russia Seek ‘Profoundly Illiberal World Order“, Reuters, 24 February 2022, available at: https://n9.cl/mt8pt
- G20 Bali Leaders Declaration, The White House, 16 November 2022, available at:https://n9.cl/1i2h8b
- ISW, Russian Offensive Campaign Assessment, February 18, 2024, available at: https://n9.cl/18zgc4
- ISW, “Russian Offensive Campaign Assessment, 16 January 2024”, Institute for the Study of War, available at: https://n9.cl/3v3fej .
10-ISW, Russian Offensive, February 6, 2024, available at: https://n9.cl/5akav.
11-Jen Kirby and Jonathan Guyer, “The Increasingly complicated Russia-Ukraine crisis, explained,” VOX Media, https://n9.cl/umkyg
12-Jonathan Masters, “Why NATO Has Become a Flash Point with Russia in Ukraine, Council on Foreign Relations, January 20, 2022, avallable at: https://n9.cl/xcch8
13-Josh Smith, “Putin says Russia and North Korea will expand bilateral relations, KCNA reports”, Reuters, August 15, 2022, available at: https://n9.cl/1c1mm
14-Kristi Raik, Dream of a European Security Order with Russia Is Dead, Foreign Policy, October 2023, 31 available at: https://n9.cl/2d6j3b
16-National Security Strategy, The White House, October 2022, available at: https://n9.cl/qvbsl
18-Robin Niblett Dphil, “The G20 Bali Summit Showcases a More Diverse World”, Chatham House, 22 November 2022, available at: https://n9.cl/j8jesn
19-Russia Has Used Its Hypersonic Oreshnik Missile for the First Time: What Are Its Capabilities?” Associated Press, December 9, 2024. https://n9.cl/22rxjo
20-Russia PCA ,1994, EC Agreement on Partnership and Cooperation Establishing a Partnership between the European Communities and their Member States, of one part, and the Russian Federation, of the other part, Electronic Database of Investment Treaties, EDIT, available at: https://n9.cl/p8qi98
21-Thomas Gibbons-Neff, “City’s Fall Leaves Ukraine with an Even Tougher Fight Ahead”, The New York Times, February 18, 2024, available at: https://n9.cl/ppj1ed
22-Wang Yi Speaks with Russian Foreign Minister Sergey Lavrov on the Phone”, Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, 27 October 2022, available at: https://n9.cl/ye24cv
23-XIV BRICS Summit Beijing Declaration,” Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, 23 June 2022, available at: https://n9.cl/yviuß
ثالثًا: مراجع باللغة الروسية
1-Министр обороны КНР заявилонамерении Китая усиливать стратегическое взаимодействиес РФ, тасс, 18 апреля, 2023, https://n9.cl/dpfst
2-Путин и Си Цзиньпин согласились, что двигают огромные перемены в мире, тасс,21
Марта, 2023, https://n9.cl/d40wss
[1] باسمة فاروق السيد مندور، “الأزمة الدولية: دراسة نظرية.” المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية”، المجلد 8، العدد 2، 2017.
[2] ماجد المساعدة، “إدارة الأزمات: المداخل المفاهيمية – العمليات“، عمان: دار الثقافة، 2012.
[3] دعاء حسين المكصوصي، “استراتيجيات إدارة الصراع: أوكرانيا وإدارة جيوبولتيك المخاطر”، عمّان: دار أمجد للنشر والتوزيع، 2024.
[4] محمد بوبوش، “الأزمة الروسية الأوكرانية: القومية البوتينية وحلف شمال الأطلسي“، القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، 2023.
[5] محمود محمد الحراري، الأزمة الأوكرانية – الروسية وتأثيرها على العلاقات الدولية، رسالة ماجستير، الأكاديمية الليبية، 2022.
[6] محمد عبد الرحمن يونس العبيدي، الاتحاد الأوروبي والحرب الروسية الأوكرانية: دراسة في المجالين السياسي والاقتصادي، قضايا سياسية، العدد 80، 2024.
[7] حسان عقّاد، الصراع في أوكرانيا وتداعياته على السياسة الدولية: إعادة تشكيل خرائط القوى، رسالة دكتوراة، جامعة بيروت العربية، 2025.
[8] نوران عوضين، روسيا والصين والشراكة لعصر جديد: المحفزات والقيود، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 2023.
[9] هشام خلوق، مفهوم الأزمات الدولية وآثارها، مجلة الرائد في الدراسات السياسية، المجلد 2 العدد 3، نوفمبر، 2020، ص 89- 90.
[10] باسمة مندور، “الأزمة الدولية – دراسة نظرية”، المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئية، المجلد 8 العدد 2، 2017، ص 173- 174.
[11] أحمد وهبان، إدارة الصراع الدولي، الاسكندرية: جامعة الاسكندرية، 2022، ص 34.
[12] بطرس حلاق، العلاقات العامة والأزمات، دمشق: الجامعة الافتراضية السورية، 202٠، ص 9.
[13] المرجع السابق، ص 10.
[14] آية بورزان، إدارة الأزمات، دمشق، الجامعة الافتراضية السورية، 2020، ص 9.
[15] المرجع السابق، ص 10.
[16] ماجد المساعدة، إدارة الأزمات: المداخل- المفاهيم-العمليات، عمان: دار الثقافة، 2012، ص 24.
[17] باسمة مندور، مرجع سبق ذكره، ص 176.
[18] عبد السلام الطبيب، “الأسس النظرية حول مفهوم الأزمة وإدارتها“، بحوث مؤتمرات، كلية الآداب والعلوم ترهونة، جامعة الزيتونة، 2015، ص93.
[19] المرجع السابق، ص 93- 94.
[20] المرجع السابق، ص 94.
[21]ماجد المساعدة، مرجع سبق ذكره، ص 23.
[22] هشام خلوق، مرجع سبق ذكره، ص 90.
[23] عبادة التامر، “سياسة الولايات المتحدة وإدارة الأزمات الدولية:إيران- العراق- سوريا- لبنان نموذجًا“،بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص 38- 39.
[24] نصير الزبيدي، “الولايات المتحدة الأمريكية وإداراتها للأزمات الدولية”، رسالة دكتوراة، جامعة سانت كليمنتس العالمية، العراق- بغداد، 2010، ص 45.
[25] المرجع السابق، ص 46- 47.
[26] أحمد وهبان، مرجع سبق ذكره، ص 45.
[27] منير محمود بدوي، مفهوم الصراع: دراسة في الأصول النظرية للأسباب والأنواع، مركز دراسات المستقبل جامعة أسيوط: مجلة دراسات مستقبلية، العدد ٣، يوليو ١٩٩٧، ص ٣٦.
[28] المرجع السابق، ص ٣٧.
[29] إسماعيل صبري مقلد، “العلاقات السياسية والدولية: دراسة في الأصول والنظريات“، القاهرة: المكتبة الأكاديمية، ١٩٩١، ص ٢٢٣.
[30] إسماعيل صبري مقلد، مرجع سبق ذكره، ص ٢٢٤.
[31] مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، بيروت: دار الفكر ببيروت، ١٩٧٢، ص ٦٥٢.
[32] Cambridge University Press, “Invade”, Cambridge Dictionary, Accessed on May. 1, 2025, available at: https://n9.cl/3v063.
[33] المرجع السابق، ص ٤٣.
[34] زهير الحسني، “مفهوم النزاع القانوني في ضوء فتوى محكمة العدل الدولية في ١٦ إبريل ١٩٨٨”، المجلة المصرية للقانون الدولي، العدد ٤٧، ١٩٩١، ص ٣٥ـ ٣٦.
[35] المرجع السابق .
[36] محمد طه بدوي وآخرون، مقدمة إلى علم العلاقات الدولية ، الاسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، 2015، ص 166.
[37] قسم العلوم السياسية، “مدخل إلى العلاقات الدولية“، الاسكندرية: دار فاروس العلمية للنشر والتوزيع، ص 145، 147.
[38]عادل عنتر زعلوك، “مداخل دراسة وتحليل بنية النسق الدولي: دراسة تحليلية تقويمية“، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، المجلد 9 العدد 6، 2018، ص 190- 192.
[39] قسم العلوم السياسية، مرجع سبق ذكره، ص 154- 155.
[40] محمد سليم، “تحليل السياسة الخارجية“، الجيزة: مكتبة النهضة المصرية، 1998، ص 257- 258.
[41] عادل زعلوك، مرجع سبق ذكره، ص 193.
[42] مروان العلي، “النظام الدولي: دراسة نظرية في المفهوم والخصائص وآليات التغيير”، مجلة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية، المجلد٧، العدد ٢٠، ٢٠١٤، ص 220ـ 221.
[43] المرجع السابق، ص 221.
[44] عزت سعد، “القطبية الثنائية أم المتعددة وتداعياتها الدولية والإقليمية”، شؤون عربية، العدد 196، ٢٠٢٣، ص 100.
[45] محمد طه بدوي وآخرون، مرجع سبق ذكره، ص 193.
[46] عبد الله قاسم، “مستقبل القطبية في النظام الدولي”، مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية، العدد 87، (2024)، ص 188، 191.
[47] المرجع السابق، ص ١٩٢.
[48] مثنى المهداوي، يسرى صالح، ” التحولات في نظام القطبية الأحادية: دراسة مستقبل اللاقطبية”، جامعة بغداد: مجلة العلوم السياسية، العدد 63، 1/6/2022، ص 4.
[49] إيناس عبد الله، “الحرب الباردة: دراسة تاريخية للعلاقات الأمريكية السوفيتية“، بغداد: اشوربانيبال للكتاب، 2015، ص 13- 14.
[50] المرجع السابق.
[51]علي العقابي، “العلاقات الدولية: دراسة تحليلية في الأصول والنشأة والتاريخ والنظريات“، بغداد، 2010، ص 74- 75.
[52] المرجع السابق.
[53] المرجع السابق، ص ٧5.
[54] المرجع السابق، ص 76.
[55] وحيد عبد المجيد، “كيف سيحدث الانتقال في النظام العالمي الجديد؟ “، الأهرام: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، يوليو ٢٠٢٢ ص ٨٥.
[56] أسيل شماسنة، “النظام الدولي منذ الحرب الباردة إلى اليوم: دراسة في النظام الدولي الجديد في القرن الحادي والعشرين”، جامعة بيرزيت، رسالة ماجستير، 2018، ص 13.
[57] حسين موسى، “النظام العالمي الجديد: خصائصه وسماته”، المركز الديمقراطي العربي، 6/7/2015، شوهد في 25/4/2025، https://democraticac.de/?p=16348 .
- محمد بوبوش، “الأزمة الروسية الأوكرانية: القومية البوتينية وحلف شمال الأطلسي القاهرة”: العربي للنشر والتوزيع، 2024,صـ 34–35.
2.دعاء المكصوصي، “استراتيجيات إدارة الصراع: أوكرانيا وإدارة جيوبولتيك المخاطر”. عمّان: دار أمجد للنشر والتوزيع، 2024. ص 99 – 100.
[61] “أسباب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. جذور الصراع وتطوراته”، بوابة الأهرام، 24 فبراير 2022، على الرابط التالي: https://n9.cl/agb7، تم التصفح: 14/04/2025.
[62]. أحمد وهبان، “الآثار البنيوية والفكرية للأزمة الأوكرانية على النسق الدولي“، ورقة بحثية غير منشورة، كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية – جامعة الإسكندرية، 2024، صـ 2.
[63] ، أسباب الحرب بين روسيا وأوكرانيا.. جذور الصراع وتطوراته ،مرجع سبق ذكره.
[64] Jonathan Masters, “Why NATO Has Become a Flash Point With Russia in Ukraine,” Council on Foreign Relations, January 20, 2022, avaIlable at: https://n9.cl/xcch8 , accessed: April 14, 2025
[65] محمد بوبوش، مرجع سابق، صـ 35–36.
[66] أحمد أبوزيد، “الأزمة الأوكرانية والحرب الباردة الجديدة في فهم الواقع الدولي“، معهد العربية للدراسات، مارس 2014، صـ.3
[67] Congressional Research Service, “Ukraine: Background, Conflict with Russia, and U.S. Policy,” October 2021, on the following link: https://n9.cl/8sefm0q Accessed: April 14, 2025
[68] 2مايكل كوفمان وآخرون، “عبر من عمليات روسيا في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا”، كاليفورنيا : مؤسسة راند،2017، ص 19- 20.
[69] شذى زكي حسن، “دوافع وأهداف الحرب الروسية على أوكرانيا”، المركز العربي للبحوث والدراسات، 8 مايو 2023، على الرابط التالي: https://n9.cl/0lfvr ، تم التصفح: 14/04/2025.
[70] محمد أبو غزلة، “التداعيات الجيواستراتيجية للأزمة الأوكرانية على أوروبا”، تريندز للبحوث والاستشارات، 4 مايو 2022، على الرابط التالي: https://n9.cl/6red6 تم التصفح 14/04/2025.
[71] المرجع السابق
[72] Jen Kirby and Jonathan Guyer, “The Increasingly complicated Russia-Ukraine crisis, explained,” VOX Media, https://bityl.co/BbaR , accessed: April 14, 2025
[73] Ibid.
[74] محمد أبو غزلة، مرجع سبق ذكره.
[75] فيتالي نعومكين، “ماذا تريد روسيا من أوكرانيا”، صحيفة الشرق الأوسط، الثلاثاء – 27 رجب 1443 هـ، 28 فبراير 2022م، على الرابط التالي: https://n9.cl/1lezr ، تم التصفح: 14/04/2025.
[76] المرجع السابق
[77] أحمد وهبان، “الآثار البنيوية والفكرية للأزمة الأوكرانية على النسق الدولي”، مرجع سابق، صـ 3.
[78] إيمان علاء الدين. “الحرب الروسية الأوكرانية: أسباب، وتداعيات.” مركز الحضارة للدراسات، 17 يوليو 2022. تم التصفح: https://n9.cl/8dqwqx ، تم التصفح: 15 أبريل 2025.
[79]. عماد منسى، “محطات مهمة في الحرب الروسية – الأوكرانية”، السياسة الدولية، العدد 223، يوليو 2023، ص 156.
[80] المرجع السابق .
[81] أحمد عُليبه، “كيف تطورت خرائط الحرب الروسية – الأوكرانية؟”، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 23 فبراير 2023، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/oa91u، تم التصفح : 22/4/2025.
[82] أحمد عُليبه، المرجع السابق.
[83] “الحرب الروسية – الأوكرانية إلى أين؟ “، تريندز للبحوث والاستشارات، 19 أكتوبر 2022.متاح عال الرابط التالي: https://n9.cl/zo5da6، تم التصفح: 22/4/2025.
[84] المرجع السابق.
[85] Russian Offensive, op. cit.
[86] عبد الخاطر “الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني”، مركز اتجاهات للدراسات والأبحاث، 23 فبراير 2023 ، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/Itjo1 ، تم التصفح: 22/4/2025.
[87] “روسيا تتقدم شرقاً وتقصف منشآت كييف الحيوية”، إندبندنت عربية، 13 أكتوبر 2022 ، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/d0q1y تم التصفح ٢١ إبريل ٢٠٢٥.
[88] “الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثاني”، ،مرجع سبق ذكره.
[89] “12 محطة رئيسية للحرب في أوكرانيا مع دخولها عامها الثالث”، CNN بالعربية، 24 فبراير 2024، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/ztuj7 ، تم التصفح 22/4/2025.
[90] أيمن الدسوقي وعائشة إبراهيم الحوسني، “آفاق الحرب الروسية – الأوكرانية في عامها الثالث”، مركز تريندز للاستشارات الاستراتيجية، العدد 7897، السنة 29، ص 64، الإثنين 26 فبراير 2024.
[91] المرجع السابق .
[92] المرجع السابق .
[93]Thomas Gibbons-Neff, “City’s Fall Leaves Ukraine with an Even Tougher Fight Ahead”, The New York Times, February 18, 2024, available at: https://n9.cl/ppj1ed ، accessed April 22, 2025.
[94] “انسحاب أوكرانيا من أفدييفكا ليس تكتيكيًّا بل هزيمة واعتراف كييف بالقوة الروسية ‘البشرية والمدفعية والطيران'”, مونت كارلو الدولية، 16 فبراير 2024، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/ar5wy ، تم التصفح: 22 أبريل 2025.
[95] ISW, Russian Offensive Campaign Assessment, February 18, 2024, available at: https://n9.cl/18zgc4, accessed April 22, 2025.
[96] ISW, Russian Offensive, February 6, 2024, available at: https://n9.cl/5akav, accessed April 22, 2025.
[97] Ibid.
[98] Josh Smith, “Putin says Russia and North Korea will expand bilateral relations, KCNA reports“, Reuters, August 15, 2022, available at: https://n9.cl/1c1mm, accessed April 21, 2025;
4ISW, “Russian Offensive Campaign Assessment, 16 January 2024”, Institute for the Study of War, available at: https://n9.cl/3v3fej, accessed April 21, 2025.
[99] يوسف كامل خطاب تطور الحرب الروسية – الأوكرانية في ظل تحديث العقيدة النووية الروسية، مركز الخليج للأبحاث، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/ltdg9 تم التصفح26/4/2025
[100] المرجع السابق .
[101] المرجع السابق .
1..تحذير روسي بعد قرار أمريكي يسمح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدي،”سي ان ان بالعربية[102]“،نوفمبر2024، https://n9.cl/5mk88 تم التصفح ٢١ ابريل2025
2.بي بي سي نيوز بالعربية،الكرملين:أوكرانيا اطلقت صواريخ أمريكية بعيدة المدي علي روسيا لأول مرة،نوفمبر 2024 ،https://n9.cl/b8x64 i2 تم التصفح ٢١ إبرل ٢٠٢٥.
- 3. المشهد” ابرز مراحل الحرب الروسية الأوكرانية،ابريل https://n9.cl/93dpc تم التصفح ١مايو 2025
[105] Russia Has Used Its Hypersonic Oreshnik Missile for the First Time:
What Are Its Capabilities?” Associated Press, December 9, 2024 Https://n9.cl/22rxjo accessed May 2, 2025.
. 5.المرجع السابق
[107] طارق محمد دنون الطائي، “العلاقات الروسية الأمريكية بعد الحرب الباردة”، مركز حمورايي للبحوث والدراسات الأستراتيجة،ص32-34-36
[108] المرجع السابق
[109] علي الغزي،صفاء حسين.”السياسة الخارجية الروسية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ” مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية،مجلد2 ,عدد6 ,ص316-317
[110] أحمد وهبان، “الأثار البنيوية والفكرية للأزمة الأوكرانية على النسق الدولي“, محاضرات في مقرر إدارة الصراع، الدولي كلية الدرسات الأقتصادية والعلوم السياسية، جامعة الاسكندرية،2024,ص2-6
[111] جورجينا ثروت حلمي عزيز، “تداعيات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الأمريكية_ الروسية ٢٠١٣- ٢٠١٥”، المركز الديمقراطي العربي، ٣٠/٧/٢٠١٦، تم التصفح في ٢٥/٤/٢٠٢٥، على الرابط التالي: https://democraticac.de/?p=34817 .
[112] . ،مرجع سبق ذكره
[113] الحمايد منار “العلاقات الأمريكية الروسية في ظل الأزمة الأوكرانية “،مجلة الأكاديمية للبحوث الاجتماعية، مجلد4، عدد2، ص82-84 .
[114] المرجع السابق.
[115] .أحمد الطواني، “تأثير أحداث أوكرانيا وسوريا علي العلاقات الأمريكية الروسية”، جريدة الراية، أكتوبر2015 , , http://www.khelafah.wordpress.com/ تم التصفح 25ابريل2025
[116] .محمد حسن عامر،”اسباب الصراع بين روسيا وأوكرانيا “,2022,اتفاق “مينسك”تاي الحرب الباردة،جريدة الوطن،فبراير2022, https://m.elwatannews.com/news/details/5964997 تم التصفح 25ابريل2025
[117] . برهان محمد قانج، “الحرب الإعلامية بين روسيا وأمريكا خلال الحرب الأوكرانية”، جامعة الشرق الأدنى، ، معهد الدراسات العليا، قسم العلاقات الدولية، نيقوسيا رسالة ماجستير ، 2023.ص42-46
1علي عبادي، “أول حرب إعلامية روسية – أميركية في زمن السوشيال ميديا”، 180 بوست، 19 مارس 2022، على الرابط التالي:[118] https://n9.cl/3xnvx9 تم التصفح في : 25/04/2025.
2أحمد قنديل، “استراتيجية الحرب الاقتصادية: حالة تعامل الغرب مع التدخل الروسي في أوكرانيا 2022“، في: استراتيجيات الحروب في القرن الحادي والعشرين، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2023، ص 50–52 .
[120].محمود محمد الحراري، “الأزمة الأوكرانية الروسية وتأثيرها على العلاقات الدولية”،مجلةالجامعي، خريف 2022،العدد 36، ص116.
[121] . عبد الله راشد سلامة العرقان، ومنصور صالح محمود العمري، وصدام عبد الله العرقان، “العلاقات الروسية الغربية في ضوء تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية 2014–2022″، مجلة دراسات: العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 51، العدد 3، ملحق 1، 2024، ص 346-347.
[122] . “100 يوم من حكم ترامب… قلب النظام الجيوسياسي الدولي وإطلاق مواقف صادمة”،موقع فرانس 24 , تاريخ النشر ابريل 2025 , https://n9.cl/hydhv تم التصفح 26 ابريل 2025.
[123] . عملية السلام بدأت فعليا».. ملامح خطة انتهاء الحرب في أوكرانيا بعد مباحثات ترامب وبوتين، موقع المصري اليوم،تاريخ النشر 19/3/2025 https://www.almasryalyoum.com/news/details/3404517 تم التصفح 26ابريل 2025.
[124] نسرين محمد نمر عواد، السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أوروبا الغربية: دراسة في استمرارية حلف الناتو بعد انتهاء الحرب الباردة فلسطين: جامعة بيرزيت، 2006، ص 5.
[125] اتفاقية تعاون تم التوقيع عليها بين الاتحاد الأوربي وروسيا عام 1994 شملت التعاون في السياسية والاقتصادية والطاقة وتعزيز الشراكة. للمزيد من التفاصيل حول بنود الاتفاقية وأبرز ما تضمنته ورد في:
Russia PCA (1994), EC Agreement on Partnership and Cooperation Establishing a Partnership between the European Communities and their Member States, of one part, and the Russian Federation, of the other part, Electronic Database of Investment Treaties (EDIT), available at: https://n9.cl/p8gi98 , accessed AprIl 26, 2025. This is an open access document under the Creative Commons Attribution 4.0 International (CC BY 4.0) license: https://n9.cl/y6uun
[126] Andrew Monaghan, The Background of EU-Russia Relations, January 1, 2007, pp. 11–12, available at: https://n9.cl/eoda9 , accessed April 26, 2025.
[127] Vanessa Cuevas Herman, EU-Russia Relations, European Parliament, Fact Sheets on the European Union, April 2024, available at: https://n9.cl/twi4e, accessed April 29, 2025. This is an open access article under the Creative Commons Attribution 4.0 International (CC BY 4.0) license: https://n9.cl/y6uun .
[128] محمد عبد الرحمن يونس العبيدي، “الاتحاد الأوروبي والحرب الروسية الأوكرانية: دراسة في المجالين السياسي والاقتصادي”، قضايا سياسية، العدد 80، ص 32.
[129] المرجع السابق .
[130] Helene Sjursen and Guri Rosén, “Arguing Sanctions: On the EU’s Response to the Crisis in Ukraine“, in European-Russian Power Relations in Turbulent Times, 2021, pp. 59–60.
[131] محمد عبد الرحمن يونس العبيدي، مرجع سبق ذكره .
[132] Stefan Meister, A Paradigm Shift: EU-Russia Relations After the War in Ukraine, November 29, 2022, available at: https://n9.cl/3eh0c , accessed April 26, 2025.
[133] الشراكة الشرقية هي مبادرة دبلوماسية واقتصادية أطلقها الاتحاد الأوروبي عام 2009 لتعزيز العلاقات مع ست دول شرقية أوروبية وهي: أوكرانيا وبيلاروسيا ومولدوفا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان. وتضمنت المبادرة التعاون في مجالات الأمن والسياسة والتجارة وتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية في الدول الست. وتعتبر الشراكة الشرقية بمثابة منصة للحوار والتعاون المشترك بين الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الشرقية.
[134] محمد عبد الرحمن يونس العبيدي، مرجع سبق ذكره .
[135] المرجع السابق
[136] Fraser Cameron and Horst Teltschik, EU-Russia Relations, Konrad Adenauer Stiftung, April 1, 2008, pp. 1-2, available at: https://n9.cl/rn9v4 , accessed April 26, 2025. This is an open access article under the Creative Commons
[137] عبدالله راشد سلامة العرقان وآخرون، “العلاقات الروسية الغربية في ظل تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية 2014–2022″، مجلة دراسات: العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 51، العدد 3 ، 2024، ص 38
[138] المرجع السابق
[139] Fraser Cameron and Horst Teltschik, EU-Russia Relations, Konrad Adenauer Stiftung, April 1, 2008, pp. 1–2, available at: https://n9.cl/rn9v4, accessed April 26, 2025. This is an open access article under the Creative Commons Attribution 4.0 International (CC BY 4.0) license: https://n9.cl/y6uun
[140] رائد جبر، “موسكو تلوح بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الغرب على خلفية حرب السفارات”، صحيفة الشرق الأوسط، 7 أبريل 2022، متاح على الرابط: https://n9.cl/m5t26، تم التصفح: 25 أبريل 2025.
[141] فراس بورزان، “كيف تغيّرت سياسة ألمانيا تجاه روسيا”، مركز الدراسات العربية الأوراسية، 5 مارس 2025، متاح على الرابط: https://n9.cl/ic1ga7، تم التصفح: 25 أبريل 2025.
[142] Herman, Op. Cit. This is an open access article under the Creative Commons Attribution 4.0 International (CC BY 4.0) license: https://n9.cl/y6uun
[143] Herman, Op. Cit. This is an open access article under the Creative Commons Attribution 4.0 International (CC BY 4.0) license: https://n9.cl/y6uun
[144] أسامة مخيمر، “تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الأوروبي: دراسة للتغيرات في مفهوم وقضايا الأمن بعد الحرب الباردة”، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد 17، 2023، متاح على الرابط: https://n9.cl/22m1i1
[145] المرجع السابق
[146] محمود محمد الحراري، “الأزمة الأوكرانية الروسية وتأثيرها على العلاقات الدولية”، مجلة الجامعي، العدد 36، سنة 2022، ص. 117.
[147] “تمدد البوتينية: لماذا تدعم روسيا اليمين المتطرف في أوروبا؟”، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 14 مايو 2017، على الرابط التالي: https://n9.cl/2loq3، تم التصفح 29/04/2025.
[148] محمد قواص، “اليمين المتطرف في العالم والنازيون أوكرانيا”، سكاي نيوز عربية، 6 مارس 2022، على الرابط التالي: https://n9.cl/an33nk، تم التصفح: 29/04/2025.
[149] “اليمين المتطرف الأوروبي في موقف حرج بين بوتين وأوكراني” الشرق الأوسط، 5 مارس 2022، على الرابط التالي: https://n9.cl/keg7h، تم التصفح 29/04/2025.
[150] منى سليمان، “انعكاس عودة صراع القوميات على الأزمة الروسية الأوكرانية“، مجلة السياسة الدولية، العدد 229، المجلد 57، يوليو 2022، ص. 78.
[151] أحمد عبده، “السياسة الأمريكية تجاه التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وانعكاساتها على حلف الناتو”، مجلة كلية السياسة والاقتصاد، العدد 16، 2022، ص 415–441، متاح على الرابط: https://n9.cl/v96zk
[152] Jeffrey Mankoff, Russian Foreign Policy: The Return of Great Power Politics, lanham, MD: Rowman and Littlefield, 2012, p. 3.
[153] Liana Fix, European Security and the Ukraine War, Council on Foreign Relations, accessed April 29, 2025, https://rb.gy/7x63qI.
فنر عماد خليل ،مرجع سبق ذكره.[154
[156] محمود سلامة، “مستقبل الأمن الأوروبي في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية”، مجلة السياسة الدولية، المجلد 57، العدد 229، يوليو 2022، ص 100.
[157] Zachary Paikin and Arta Moeini, In Search of a European Security Order After the Ukraine War Toronto: Institute for Peace and Diplomacy, April 2023, https://rb.gy/gmc2dx.
[158] سبق لروسيا أن اقترحت تصورين يعكسان تفكيرها الاستراتيجي للأمن الأوروبي على المدى الطويل، الأول عام ٢٠٠٩، حيث اقترح الرئيس ميدفيديف معاهدة أمنية أوروبية جديدة والآخر عام ٢٠٢١، حيث أصدرت روسيا وثيقتين موجهتين إلى الناتو، والولايات المتحدة. تتضمنان أفكارا ضمنية بشأن رغبة موسكو لاستعادة مجال نفوذها أيام الحرب الباردة، والتصدى لحلف الناتو في شرق القارة.
Kristi Raik, Dream of a European Security Order with Russia Is Dead, Foreign Policy, October 2023, 31.
[159] فتحي بولعراس، “إشكاليتا الأمن والطاقة ومستقبل الاتحاد الأوروبي في ضوء الحرب الأوكرانية”، مجلة السياسة الدولية، العدد 235، يناير 2024، المجلد 59، ص 128.
[160] نهلة الخطيب، “تحديات أمن الطاقة في العلاقات الأوروبية الروسية: الحرب الروسية الأوكرانية نموذجًا”، المركز الديمقراطي العربي، 12 سبتمبر 2022، على الرابط التالي: https://n9.cl/5unhh، تم التصفح 29/04/2025.
[161] Catherine Early and Anu Saush, What Does the War in Ukraine Mean for Energy Security in Europe? The Conference Board, October 2022, available at: https://n9.cl/bbn1p, accessed April 29, 2025.
[162] سعد حقي توفيق، وأحمد نوري النعيمي وآخرون، لوحة الجيوبولتيك ترسمها الحروب: دراسة في أسباب ونتائج الحرب الروسية على أوكرانيا، تحرير: سرمد أمين، سلسلة الكتاب العلمي، كلية القانون والعلوم السياسية، الجامعة العراقية، بغداد، 2023، ص ص. 19–20.
[163] صفاء صابر خليفة، “تداعيات أمن الطاقة على بنية المحاور والتحالفات في ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية”، المجلة العلمية للدراسات التجارية والبيئة، العدد 3، المجلد 14 يوليو 2023، ص. 27–28.
[164] محمود محمد الحريري، ، مرجع سبق ذكره،ص 115-116-117
[165] المرجع السابق.
[166]الأزمة الروسية الأوكرانية : قراءة في التداعيات الجيوسياسية، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية, 2022,. https://n9.cl/irete تم التصفح26/4/2025
[167] فنر عماد خليل،”تحولات النظام الدولي في ظل الحرب الروسية الأوكرانية”,2022,دراسة مستقبلية،مجلة قضايا سياسة، العدد57, كلية العلوم السياسية، جامعة الموصل، ص ٢٠٠ـ ٢٠١.
[168] المرجع السابق، ص٢٠٢.
[169]الحرب الأوكرانية وتداعياتها على قواعد النسق الدولي مركز الخليل الجديد.26سبتمبر,2022 , ، https://n9.cl/bba3u
[170]عازم زاهد معالي، “الحرب الروسية الأوكرانية في ظل صعود قوة جديدة وتأثيرها على النظام الدولي“،جامعة النجاح الوطنية نابلس فلسطين:كلية الدراسات العليا،رسالة ماجستير،2024.
[171] عمار جلو،”الحرب الأوكرانية وتأثيراتها علي قواعد النسق الدولي”،مركز الخليج، سبتمبر2022،تم التصفح، ابريل https://alkhalej.net/p/102487942025،
[172] عازم زاهد معالي، الحرب الروسية الأوكرانية في ظل صعود قوة جديدة وتأثيرها على النظام الدولي، مرجع سبق ذكرة
[173] مروة محمد عبد العزيز”موقف الدول الحليفة لروسيا من الأزمة الأوكرانية”, مجلة السياسة الدولية، العدد228,مجلد57 ص121_122
[174] الأزمة الروسية الأوكرانية : قراءة في التداعيات الجبوساسية، ، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية مرجع سبق ذكره.
[175]لأزمة الروسية الأوكرانية واعدة تشكيل العالم مركز الأهرام للدارسات السياسية والاستراتيجية ديسمبر 2022,ا ، https://acpss.ahram.org.eg/News/17723.aspx
[176] عازم زاهد معالي، مرجع سبق ذكره.
[177] جمال الدين، نور طارق محمد. الحرب الروسية الأوكرانية في ضوء العلاقات بين الصين وروسيا. المركز الديمقراطي العربي، 16 فبراير2023، https://democraticac.de/?p=87801
4مركز الأهرام للدارسات الاستراتيجية لأزمة الروسية الأوكرانية واعدة تشكيل العالم [178] مرجع سبق ذكره، ،
[179] محمود فنح الله تأثير“طريق الحرير ف الصعود الاقتصادي للصين“،السياسة الدولية, 233,مجلد 58, يوليو 2023, ص96
[180] المرجع السابق ص,100
[181] ملامح تبلور نظام دولي جديد قراءة في دلالات الحرب الروسية لأوكرانية 2022 ،مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
[182]. أبو بكر الدسوقي، “الأزمة الروسية الأوكرانية ومستقبل النظام الدولي “، مجلة السياسة الدولية، الأهرام، العدد 228 أبريل 2022، ص 66.
[183] المرجع السابق
[184] أحمد وهبان، “محاضرة في مقرر إدارة الصراع الدولي“، مرجع سبق ذكره. .
[185] حسن أبو طالب، “الحرب الأوكرانية والنظام الدولي: حدود التغيير والانتصار والتحالفات”، مجلة السياسة الدولية، العدد 299، المجلد 57، يوليو 2022، ص 57.
[186] تيسير خالد، حرب هجينة في أوكرانيا تقودها الولايات المتحدة لضمان هيمنتها على العالم، موقع رأى اليوم، 6 يونيو 2022، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/5wr05 ، تم التصفح: 26/4/2025
[187] Abramo F. K. Orgnski & Jeck Kugler, The Ledger “Chicago, University of Chicago Press, 1980”
نقلا عن. محمد فايز فرحات الحزام والطريق المباراة الكبرى في القرن الحادي والعشرين الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ٢٠٢١ ، ص ٣٠٤.
[188] الشيماء عرفات، السرديات التاريخية والجغرافية للحرب الروسية في أوكرانيا، المركز المصري للدراسات الاستراتيجية، تقديرات مصرية، العدد ٣٨ ، ص ١٤ – ١٥
[189] . المرجع السابق
[190] . أحمد وهبان “الأثار البنيوية والفكرية للأزمة الأوكرانية على النسق الدولي”, لمرجع السابق،ص7
[191]. محمد فايز فراحات “الحسابات الصينية في الأزمة الروسية- الأوكرانية. الأهرام للدارسات السياسية والأستراتيجية،يوليو2022
[192] . المرجع السابق
[193]. .المرجع السابق
[194] عمرو عدلي، الكساد الثاني: الاقتصاد العالمي من الأزمة إلى الركود، مجلة السياسة الدولية، العدد 157 يناير 2012، ص76-77.
[195] كارن أبو الخير، “البديل الزائف: فرص تراجع الشعبوية اليمينية في العالم الغربي”، اتجاهات الأحداث، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، العدد 29، 4 أبريل 2019، ص 95. متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/chk7n، تم التصفح: 26/4/2025.
[196] مصطفى علوي، “عوامل صعود اليمين المتطرف في أوروبا”، مجلة السياسة الدولية، المجلد 58، العدد 208، أبريل 2017، ص 87.
[197] ريهام باهي، “أمريكا أولاً: دونالد ترامب والنظام العالمي“، رؤى مصرية، العدد 38، نوفمبر 2019، ص 5–6.
[198] جمال محمد سليم، “العجز الديمقراطي: أزمة النظم السياسية الليبرالية في العالم الجديد”، مجلة السياسة الدولية، المجلد 48، العدد 187، يناير 2012، ص 69–74؛
2.محمد بسيوني عبد الحليم، “أزمات النموذج الليبرالي والبحث عن بدائل”، مجلة السياسة الدولية، العدد 218، أكتوبر 2019، ص 168.
[200] كارن أبو الخير، “عالم بلا أقطاب: الحقائق الاستراتيجية الجديدة في النظام الدولي”، مجلة السياسة الدولية، العدد 185، يوليو 2011، ص 159–166. متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/hfpgs، تم التصفح 26/4/2025.
[201] نوران عوضين، “روسيا والصين والشراكة لعصر جديد: المحفزات والقيود”، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ص 63.
[202] المرجع السابق
[203] فردوس محمد عبد الباقي، “العلاقات بين الكوريتين ومصالح القوى الكبرى“، ط1، القاهرة: العربي للنشر والتوزيع، ديسمبر 2019، ص 65.
[204] وسيم خليل قلعجية، روسيا الأوراسية زمن الرئيس فلاديمير بوتين، ط2، بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، يناير 2017، ص 241–247.
[205] فردوس محمد عبد الباقي، العلاقات بين الكوريتين ومصالح القوى الكبرى، مرجع سابق، ص 65.
[206] نوران عوضين، “روسيا والصين والشراكة لعصر جديد: المحفزات والقيود”، مرجع سابق، ص 65.
[207] “اتفاق من 6 نقاط باجتماع أوبك وسط ‘حرب أسعار النفط’.. إليكم ما هي”، سي إن إن بالعربية، 10 أبريل 2020، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/9l4cnk، تم التصفح 21 أبريل 2025.
[208] “أوبك بلس: لماذا أثار قرار خفض إنتاج النفط غضب واشنطن”، بي بي سي عربية، 6 أكتوبر 2022، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/4l097، تم التصفح 26 أبريل 2025.
[209] “XIV BRICS Summit Beijing Declaration,” MInistry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, 23 June 2022, available at: https://n9.cl/yyju8, accessed April 26, 2025.
2عربي بوست. “لماذا تتحفظ البرازيل على رغبة الصين في توسيع مجموعة بريكس؟ إرضاء الأمريكا أم أن لها أهدافًا خاصة” نشر في 8 أغسطس https://n9.cl/74vjbc 2023، تم التصفح في أبريل 2025
[211] G20 Bali Leaders Declaration, The White House, 16 November 2022, available at: https://n9.cl/1i2h8b, accessed April 26, 2025.
[212] Robin Niblett Dphil, “The G20 Bali Summit Showcases a More Diverse World“, Chatham House, 22 November 2022, available at: https://n9.cl/j8jesn, accessed April 26, 2025.
[213] نوران عوضين، “روسيا والصين والشراكة لعصر جديد: المحفزات والقيود”، مرجع سابق ، ص 69.
[214] “لافروف في الصين يتحدث عن النظام العالمي الجديد”، سكاي نيوز عربية، 30 مارس 2022، متاح على الرابط التالي: https://n9.cl/i3tnak، تم التصفح: 26 أبريل 2025.
[215] David Brunnstrom and Michael Martina, “U.S. Says China and Russia Seek ‘Profoundly Illiberal World Order’“, Reuters, 24 February 2022, available at: https://n9.cl/mt8pt, accessed April 26, 2025.
[216] National Security Strategy, The White House, October 2022, available at: https://n9.cl/gvbsl, accessed April 26, 2025.
[217] “Wang Yi Speaks with Russian Foreign Minister Sergey Lavrov on the Phone”, Ministry of Foreign Affairs of the People’s Republic of China, 27 October 2022, available at: https://n9.cl/ye24cv, accessed April 26, 2025.
[218] Путин и Си Цзиньпин согласились, что двигают огромные перемены в мире, тасс, 21 марта, 2023, https://n9.cl/d40wss
[219] نورهان الشيخ، “التحالف الصيني – الروسي وقيادة تغيير النظام الدولي”، مجلة السياسة الدولية، الأهرام، العدد 233، يوليو 2023، المجلد 58، ص 138-139.
[220] الصين تنشر اقتراحا مؤلفا من ۱۲ بندًا لتسوية الأزمة الأوكرانية ، Arabic Rt ، ٢٤ فبراير ۲۰۲۳ ، متاح على الرابط: https://n9.cl/yvz7q تم التصفح: 27/4/2025.
[221] -Министр обороны КНР заявилонамерении Китая усиливать стратегическое взаимодействиес РФ, тасс, 18 апреля, 2023, https://n9.cl/dpfst