الشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

الحرب الروسية الأوكرانية في ضوء العلاقات بين الصين وروسيا

اعداد : نور طارق محمد جمال الدين – باحثة ماجستير بكلية الدراسات الإفريقية جامعة القاهرة – مصر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة :

بالنظر إلى الإشكالية الصينية تجاه الأزمة الأوكرانية وكذلك على العلاقات الصينية الروسية في ظل الهجوم الروسي على أوكرانيا، فعلى الرغم من التقارب بين موسكو وبكين، فإن الأخيرة كانت لا تعلم توقيت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وانتقدت تحذيرات الإدارة الأمريكية بشأن استعداد روسيا للهجوم، واصفة الولايات المتحدة بأنها تتبنّى “خطابًا للحرب”، وتمارس تضليلًا إعلاميًا. [1]

وفي أعقاب بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في 24 فبراير الجاري، بدا العديد من المسؤولين الصينيين مندهشين من الخطوات الروسية العسكرية السريعة، مؤكدين أنهم يأملون أن تتمكّن جميع الأطراف من العودة للحوار والمفاوضات، وعلى الرغم من هذه المفاجأة، فقد تجنبت بكين وصف العملية العسكرية الروسية بـ “الغزو”، كما لم توجه انتقادات بشكل مباشر إلى الحكومة الروسية، وأكّد وزير الخارجية الصيني خلال مؤتمر ميونخ للأمن أهمية المفاوضات الدبلوماسية.

ويُمكن لفت الانتباه إلى أن الصين سبق وأن أعلنت أن المخاوف الأمنية الروسية مشروعة، وأن توسع حلف شمال الأطلسي “الناتو” يجب أن يتوقف، كما دعت إلى ضرورة العودة إلى اتفاقيات مينسك، وهي سلسلة من الاتفاقيات التي تهدف إلى إنهاء الحرب في منطقة دونباس، ولا تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية، في إشارة واضحة إلى تطلع الصين لمنع الولايات المتحدة من التدخل في الأزمة الأوكرانية، وعلى الرغم من وصف الرئيس الصيني للرئيس “فلاديمير بوتين” بأنه “صديقه المفضل”، فإنها صداقة محاطة بالحذر، ومن الواضح أنها تنطلق فقط من اعتقاد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” بأن كل منهما يعد منافسًا للولايات المتحدة الأمريكية.[2]

وعلى الرغم من ادعاء بكين الحياد تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، فإنه من المتوقع أن اتجاه واشنطن لاعتبار بكين حليف مُشترك مع موسكو، ومن ثمَّ قد تتعرض الشركات الصينية، لا سيَّما في مجال التكنولوجيا، لأضرار اقتصادية عدة، وفي هذا الصدد، فإن تعهد الرئيس “بايدن” بحرمان موسكو من نصف وارداتها من المنتجات التكنولوجية المتطورة، سيقوض طموحات روسيا الاستراتيجية، مما سيدفع الرئيس “بوتين” إلى التوجه نحو الصين للتخفيف من حدة هذه العقوبات، الأمر الذي قد يمثل مصدر قلق وحرج لبكين.

ومن جهة أخرى، يمكن لفت الانتباه إلى أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تثير مخاوف أخرى لدى بكين، تتمثَّل في أنها قد تعمل على تعزيز بناء شراكات جديدة بين الغرب ودول منطقة المحيطين الهندي والأطلسي، الأمر الذي يُشكل تهديدًا بالنسبة للصين، التي ترغب في بناء عالم متعدد الأقطاب. هذا فضلًا عن المقارنات المُتصورة بين وضع أوكرانيا وتايوان، والتخوف من أن تحذو بكين حذو موسكو في تايوان.

وفي سياق مختلف، فإن الصين تواجه حاليًا مأزقًا حقيقيًا فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، خاصة أنها تُعد الداعم الرئيس المُحتمل لموسكو لمساعدتها للتخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية الغربية عليها، ومن ثمَّ من المرجَّح اتجاه بكين للتفكير بشكل جدي بشأن جدوى صداقتها مع روسيا.

وفيما يتعلق بالموقف الإيراني من، فأظهرت التصريحات التأييد الإيراني للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ حيث اوضحت أن الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” كان من أوائل الرؤساء الذين أثنوا على هذه العملية خلال اتصال هاتفي بينه وبين الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”؛ حيث أكّد “رئيسي” أن توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) شرقًا يمثِّل تهديدًا خطيرَا لأمن واستقرار دول المنطقة، بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية ووزارة الخارجية، وكذلك السلطات الإيرانية، تجنبت وصف الهجوم الروسي على أوكرانيا بأنه “حرب” أو “غزو”، معتبرة أنه “عملية عسكرية”، مضيفًا أن استراتيجية الإعلام الرسمي الإيراني ترتكز على إلقاء اللوم على ما يصفونه بـ “استفزازات حلف الناتو” وكذلك “الإمبريالة الغربية”، مع غض الطرف عما نتج عن العملية العسكرية الروسية من خسائر بشرية فادحة، ونزوح جماعي غير مسبوق في أوروبا الشرقية، وما تمثِّله من انتهاك لمبادئ القانون الدولي.[3]

وفي هذا السياق، تسعى طهران إلى استغلال الصراع الروسي الأوكراني لإظهار إخفاقات واشنطن والقوى الغربية في إدارة هذه الأزمة، بهدف التأكيد على أن السياسات الأمريكية تُشكِّل تهديدًا للأمن والسلم الدوليين، وهي المسؤولة عن أزمات المنطقة والعالم بأسره، كما أن تأييد إيران للعملية العسكرية الروسية جاء مدفوعًا برغبتها في كسب الجانب الروسي كحليف استراتيجي مهم، فضلًا عن مساعي طهران لتعزيز التعاون الاقتصادي مع موسكو، وضمان الحصول على الـ “فيتو” الروسي للحيلولة دون صدور أي قرارات مستقبلية ضد إيران بمجلس الأمن الدولي.[4]

وعلى صعيد آخر، فإن رفض طهران لإدانة العملية العسكرية الروسية، بل والترويج لها عبر وسائل الإعلام الإيرانية، يُعد بمثابة خروج ضمني عن مبادئ الأيديولوجية الإيرانية التي طالما رفعت شعار “معاداة الإمبريالية”، كما أنه ومن الواضح أن الإمبريالية التي تعنيها إيران هي إمبريالية الولايات المتحدة الأمريكية، أو بمعنى أدق “الإمبريالية الغربية” فقط؛ وبالتالي فعندما تتعارض المصلحة الاستراتيجية مع الأيديولوجية، تغلب طهران المصلحة المتمثلة في كسب قوة عظمى يمكن أن تضمن لها الأمن والاستقرار السياسي، فضلًا عن كون روسيا شريكًا اقتصاديًا لا غنى عنه بالنسبة لها.

وخلافًا لتوجُّه السلطة الإيرانية الخاص بتأييد العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا؛ فقد جاء رد الفعل الشعبي في الداخل الإيراني معارضًا لذلك التوجُّه، وهو ما تجلَّى في تنظيم المواطنين تجمعًا أمام السفارة الأوكرانية بطهران، فضلًا عن تضامنهم مع الشعب الأوكراني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كما انتقد بعض السياسيين والرموز البارزة -والذين وصفتهم الحكومة الإيرانية بـ “المواليين للغرب- سياسة طهران في تأييد موسكو. كذلك وصل التحفظ الإيراني على العملية العسكرية الروسية إلى أوساط المتشددين الدينيين الذين أكدوا ضرورة إعلاء المبادئ الأخلاقية، وعدم التخلِّي عنها لتحقيق المصالح السياسية.[5]

العقوبات الغربية المفروضة على موسكو

فرضت مجموعة من العقوبات على روسيا من قِبَل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، مشيرًا إلى أن الخطوة الأكثر تصعيدًا تمثّلت في فرض عقوبات على البنك المركزي الروسي، كما أن الهدف الرئيس للقوى الغربية من تجميد أصول البنك، هو حرمان موسكو من أحد أهم مؤسساتها المالية، بالنظر إلى أن البنك المركزي الروسي، والذي تبلغ احتياطاته نحو 630 مليار دولار، يعُد ضلعًا رئيسًا في استراتيجية الرئيس “فلاديمير بوتين” المعروفة باسم “حصن روسيا” (Fortress Russia)، والتي من شأنها مساعدة روسيا على تجاوز أي عقوبات صارمة ضدها، ورغم استبعاد بعض البنوك الروسية من نظام “سويفت” المالي العالمي (SWIFT)، بما يُنذر بمعاناة الاقتصاد الروسي من تقلُّص عائدات التصدير، في ظل خشية كبريات شركات الطاقة العالمية من التأثر بالعقوبات المفروضة على روسيا، فإن موسكو لا تزال تحافظ على تدفق يومي لعائدات التصدير يُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات. وهو ما يثبت إمكانية تغلب موسكو على استبعادها من نظام “سويفت”، من خلال إيجاد قنوات مغايرة لمعاملاتها المالية مع الأطراف الخارجية.[6]

وفسَّر أن سبب إخضاع عدد كبير من البنوك والمؤسسات الروسية للعقوبات الأمريكية، والتي كان آخرها فرض عقوبات على أربعة بنوك روسية كبرى إلى جانب المؤسسات التابعة لها، في 24 فبراير الماضي، في رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تقويض قدرة الكرملين على تمويل عمليته العسكرية في أوكرانيا. وطرح المقال تساؤلًا بشأن مدى قدة الاقتصاد الروسي على الصمود أمام العقوبات الغربية، وفي هذا الإطار أوضح أن العملات المشفرة والروبل الرقمي لا يمكنهما مساعدة الاقتصاد الروسي على الالتفاف على العقوبات الغربية؛ إذ أن العملات الرقمية تحتوي على نظام تتبُّع يجعل من السهل رصد استخداماتها غير المشروعة، كما أن جميع منصات تبادل العملات المشفرة المتواجدة في الولايات المتحدة الأمريكية ستمتثل للعقوبات. [7]

وفي هذا السياق، فإن اتجاه روسيا لتخفيف وطأة اعتمادها على الدولار الأمريكي، والذي شرعت فيه منذ عام 2014، وهو ما اتضح في قيام شركة النفط الروسية “روسنفت” (Rosneft) باستخدام اليورو بدلًا من الدولار في معاملاتها التجارية لعام 2019، لن يُجنبها الآثار الاقتصادية السلبية للعقوبات المفروضة عليها حاليًا في المدييْن القصير والمتوسط، بالنظر إلى أن اعتمادها المتزايد على اليورو جعلها أكثر عرضة للتأثر بعقوبات الاتحاد الأوروبي، ويمكن التشديد على أهمية مراقبة ما إذا كانت حزم العقوبات المفروضة على روسيا ستؤثر على قرارها بشأن مواصلة عمليتها العسكرية في أوكرانيا من عدمه، لا سيَّما وأن قرار فرض العقوبات عليها جاء من أكثر من 30 دولة، تمثِّل أكثر من نصف حجم الاقتصاد العالمي، بما يعني محاصرة روسيا اقتصاديًا.[8]

الأزمة الأوكرانية قد تشهد منعطفًا خطيرًا وسط  التهديدات النووية[9]

وفيما يتعلق بأزمة التهديدات النووية، تجدر الإشارة إلى احتمالية التصعيد العسكري الروسي في الأزمة الأوكرانية واستخدام الأسلحة النووية، والتي يعدها الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” لـمهمة قتالية؛ إذ يرى “بوتين” أن الأسلحة النووية يمكن استخدامها في حرب تقليدية، وربما تشهد الحرب الأوكرانية مزيدًا من التطورات، ومن المُرجح أن يمثل هذا التصعيد جرس إنذار للولايات المتحدة وأوروبا، وربما سيمثل صدمة لتفكير جديد للحد من التسلح.

وفيما يتعلق بالموقف الأمريكي تجاه تهديدات موسكو النووية، تم تقييد الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، وذلك لتخفيف حدة التوترات وعدم التصعيد، لكن السيناتور الجمهوري ونائب رئيس لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأميركي “ماركو روبيو” (Marco Rubio) شكك علانية في حالة الصحة العقلية للرئيس الروسي، مضيفًا أن هذه الفترة هي الأخطر منذ 60 عامًا، في إشارة إلى أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.

وفي هذا السياق، فأن السيناتور “روبيو” تطرق إلى المخاوف التي أعرب عنها العديد من الخبراء النوويين منذ فترة طويلة قبل غزو كييف، لا سيما وأن الحكم الاستبدادي للرئيس “بوتين” أعاد التهديد النووي الروسي في معادلة الحرب التقليدية، لا سيما بعد التحذيرات الروسية خلال الأسبوع الماضي أن أي محاولات لإحباط عدوانها على أوكرانيا سيكون لها تداعيات وخيمة، وربما تدفع حالة العزلة الدولية المفروضة على موسكو  رد فعل لا يمكن تصورها.

وفي وقت سابق، حذر كبير مفاوضي الولايات المتحدة للأسلحة النووية “روبرت جالوتشي” (RobertGallucci) تطوير روسيا لأسلحتها النووية، من خلال برنامج تطوير صارم لصواريخ كروز التي تعمل بالطاقة النووية ، ومركبات الانزلاق التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، فضلًا عن بعض الأسلحة النووية منخفضة القوة، كما انتقد محاولات الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” وسعيه لمواجهة التهديد الروسي بالأسلحة النووية الجديدة منخفضة القوة، وتوجيه تهديدات النووية ضد كوريا الشمالية وإيران.

كما أن مساعي واشنطن إلى تخفيف التصعيد، وإعادة تفويض معاهدة ستارت الجديدة مع روسيا (the New START agreement) لتدابير زيادة تخفيض الأسلحة النووية الاستراتيجية والحد منها، كما أصدر الرئيس الأمريكي ونظيره الروسي بيانًا مشتركًا خلال القمة بجنيف، في يونيو الماضي، حذرا من استخدام الأسلحة النووية في الحروب، لكن ومع عزو روسيا لكييف، تم تعليق جميع المحادثات الجديدة بين موسكو وواشنطن، إذ لا يزال الموقف الروسي غير واضح حتى الآن، في الوقت الذي تستعد فيه الترسانة النووية الروسية لمهمة قتالية، وربما تمثل جزءً من القوة الاستراتيجية الدائمة لروسيا.

كما أن وزارة الدفاع الروسية أعلنت في وقت سابق أن “بوتين” أشرف بنفسه على التدريبات التي تضمنت إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات وصواريخ كروز، وتساءل المقال حول ما إذا كان “بوتين”” ينظر إلى الجهود التي تبذلها واشنطن والدول الغربية لتسليح الجيش الأوكراني وعزل روسيا ماليًا على أنها سبب للحرب، في ظل انهيار الروبل الروسي، واستمرار اغلاق سوق الأسهم الروسية في مواجهة التحركات الأمريكية والغربية لمنع البنك المركزي الروسي وبعض البنوك الروسية الأخرى من المشاركة في نظام المدفوعات الدولية.

وفي هذا السياق، أشار وزير المالية الفرنسي “برونو لومير” (Bruno Le Maire) إلى شن حربًا اقتصادية ومالية شاملة ضد روسيا لمواجهة غزوها لأوكرانيا، فيما ندد الرئيس الروسي السابق “دميتري ميدفيديف” على هذه التصريحات، ورُغم إعلان واشنطن ودول حلف الناتو بعدم إرسال قوات للقتال من أجل أوكرانيا، فإنه لا تزال هناك بعض طرق الأخرى التي يمكن للتحالف الدخول فيها بشكل مباشر في الصراع، مثل احتمالية إغلاق المضيق التركي أمام السفن الحربية الروسية.

ويرى المقال أن الحصار الأوروبي لروسيا قد يمثل مصدر القلق الأكبر في الوقت الحالي؛ حيث يجد “بوتين” نفسه محاصر في كييف بالإضافة إلى العقوبات المفروضة، ولا يوجد سوى خيار  التصعيد بأسلحة نووية تكتيكية منخفضة لكسر الحصار الغربي، كما لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى نوايا الرئيس “بوتين” للقيام بذلك؛ إذ مستمر في حشد القوات التقليدية داخل أوكرانيا وتشديد الخناق حول العاصمة الأوكرانية، وربما تؤدي لمزيد من لا يزال يحشد المزيد من القوات التقليدية داخل أوكرانيا ويشدد الخناق حول العاصمة الأوكرانية.

تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية على الاقتصاد الروسي[10]

وفيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجموعة من الدول الغربية على الاقتصاد الروسي ومؤسساته المالية الرئيسية، وذلك ردًا على الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، وكذلك التفكير في حظر روسيا من نظام “سويفت” العالمي للمدفوعات، في الوقت الذي تم فرض مجموعة واسعة من الإجراءات التقييدية ضد العلاقات التجارية الروسية مع العالم.

وفي هذا السياق، يٌشار إلى عدم جدوى القيود على روسيا فيما يتعلق بنظام “سويفت” العالمي، ومن غير المعقول تصورها بأنها سلاح نووي مالي، لا سيما عدم جدوى تطبيقها بحد كبير ضد إيران سابقًا؛ حيث تم حظر إيران من نظام “سويفت” العالمي للمدفوعات، مضيفًا أن هذا الإجراء لم يكن انعزاليًا؛ حيث كان تتويجًا لحملة استمرت طويلًا ضد العلاقة المصرفية الإيرانية مع العالم، لا سيما وأن نظام “سويفت” هي خدمة تحويل لا تقدم خدمات المقاصة، كما يتطلب استبعاد البنوك الروسية حملة شاملة ضد البنك المركزي الروسي والحسابات المقابلة للبنوك الروسية الأجنبية؛ حيث أن الاقتصاد الروسي يزيد عن نظيره الإيراني، كما يُعد أكثر اندماجًا في الاقتصاد الأوروبي.

كما أن حملة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد الاتحاد السوفيتي، خلال فترة أواخر السبعينيات والثمانينيات، وذلك في سياق الحرب الباردة بينهم، والتي خلقت حواجز اقتصادية بين التجارة بين الشرق والغرب، ومن ذلك الوقت أصبحت العقوبات أداة للدول الكبرى ضد الدول النامية، لكن مؤخرًا أصبح الغرب واثقًا بشكل كبير في العقوبات التي يفرضها، كما يميل إلى فرض عقوبات واسعة تستهدف اقتصادات وشعوب كاملة، بالإضافة إلى أنه في السنوات الأخيرة أعرب العلماء والمسؤولون عن قلقهم بشأن الاستخدام المفرط للعقوبات، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل قيمتها أو إلى تفكك الأنظمة المالية الغربية باعتبارها النواة الافتراضية للعالم المالي، وفي ضوء ذلك يمكن تناول هذه المخاوف فيما يلي:

أولًا، القلق من أن الحلفاء الأوروبيين قد يسعوا إلى تحقيق التوازن بشكل فعال ضد قدرات العقوبات الأمريكية عندما تفرض واشنطن عقوبات تتجاوز الحدود الإقليمية، والتي قد تتعارض أهدافها السياسية مع تفضيلاتهم الخاصة؛ إذ يدرس الاتحاد الأوروبي حاليًا إطارًا غير مسبوق لعرقلة جهود الإكراه الاقتصادي ضد أعضائه، كما أن هذه الإجراءات ليست موجهة رسميًا إلى دولة معينة، ويمكن الاحتجاج بها ضد أي محاولة قسرية من خارج أوروبا، كما أن البنود الواردة في الاقتراح مشابهة لتلك التي وضعها الأوروبيون في سياق الجدل حول السيادة الاقتصادية بعد رفض واشنطن عام 2018 للاتفاق الإيراني وإعادة فرض عقوبات خارج الحدود الإقليمية.

ثانيًا، القلق من أن يؤدي الاستخدام المفرط للعقوبات إلى سعي الاقتصادات حول العالم لإيجاد نظام بديل للمعاملات الاقتصادية، كما أن العقوبات الاقتصادية في العولمة المالية خلقت سلاسل قيمة عالمية تتطلب معاملات عبر الحدود والاقتراض في كل خطوة من عملية الإنتاج، وهو ما يخلق تجمعات من كفاءات رأس المال والإنتاج حول العالم، كما أن القدرة على الوصول إلى الميسرين الرئيسيين للتجارة والاقتراض تصبح حيوية للعمليات التجارية وميزة هامة للتنمية الوطنية، وهو ما تقوم عليه العقوبات المالية الأمريكية

وفي هذا السياق، ويرى أن الغرب غير القادر على خلق مثل هذه الوسائل للتجارة، كما أن نظام “سويفت” يستمد قوته من تأثيرات الشبكة القوية، لا سيما وأن رجال الأعمال داخل الدول الآسيوية الصاعدة يستخدموا الأنظمة الغربية لأنها أكثر ملاءمة وكفاءة للقيام بذلك، كما أن الإفراط في استخدام العقوبات يعد أمرًا خطيرًا لأنه سيخلق حجة لهذه الدول من أجل البحث عن بدائل، وربما تتلاقى مع المصالح المالية الروسية والصينية واهتمامهم المتزايد بالعملات الرقمية، لا سيما وأن حظر إيران من نظام “سويفت” قاده للبحث عن بدائل، ونظرًا للحجم النسبي للاقتصاد الإيراني تم احتواء الاضطرابات بين الاقتصادات الكبرى في الشرق وشركائها التجاريين في أوروبا.

ولفت المقال إلى أن العقوبات الاقتصادية تعد شكلًا من أشكال النبذ من النظام الاقتصادي العالمي؛ إذ تعتبر  الدول الغربية نفسها الحراس الشرعيين، كما أن المؤسسات المالية الكبرى مجرد كيانات غير سياسية تسعى لتحقيق الربح، هذا ويرجح المقال أن يكون الدولار الأمريكي المعادلة الأصعب من هذا النظام المتمركز حول الغرب للتغلب عليه، لا سيما وخلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، توقع الكثير من تضاءل الدور المركزي لواشنطن في التجارة العالمية، لكن ما حدث غير ذلك، إذ أن واشنطن القوة المهيمنة على النظام العالمي.

تداعيات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الألمانية الروسية[11]

الضوء على تداعيات الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا على السياسة الألمانية، والتي تتميز بالحذر والتوازن وبطئها في التكيف مع المتغيرات الدولية، هذا وقام المستشار الألماني “أولاف شولتز” بوضع استراتيجية للسياسة الخارجية الألمانية، ومسارًا للمواجهة الألمانية ضد روسيا، مع تحديث القوات المسلحة في برلين.

وفي وقت سابق، عقدت الجلسة الاستثنائية التي عقدها البرلمان الألماني، في 27 فبراير الجاري؛ إذ وصف المستشار الألماني الهجوم الروسي على أوكرانيا بأنه نقطة تحول، وهو ما يتطلب جهدًا قوميًا ألمانيًا للحفاظ على النظام السياسي والأمني في أوروبا، هذا واعلن “شولتز” عن إنشاء صندوق بقيمة 113 مليار دولار لدعم الجيش الألماني، فضلًا عن عزمه بإنفاق 2% من الناتج المحلي على قوات الدفاع.

وفي هذا السياق، أشارت تقارير إلى إسهامات برلين في حلف الناتو، ووجودها الرادع في ليتوانيا وإتاحة أنظمة الدفاع الجوي الألمانية للدول الأعضاء في أوروبا الشرقية، ورُغم السياسة الألمانية طويلة الأمد ضد تزويد مناطق الأزمات بالأسلحة، فإن وزارة الدفاع الألمانية قد أعلنت عن تزويد كييف بنحو  1000 نظام مضاد للدبابات و 500 سلاح ستينجر مضاد للطائرات، بالإضافة إلى تغيير الموقف الألماني ضد استبعاد البنوك الروسية من نظام التحويلات المالية “سويفت” (SWIFT)، وجاءت هذه القرارات الألمانية عقب العقوبات الاقتصادية الصارمة التي فرضها الاتحاد الأوروبي على موسكو عقب الغزو العسكري كييف.

هذا، وأن برلين ألغت أكبر مشروع روسي للطاقة، كما فرضت عقوبات ربما تسبب خسائر ألمانية، بالإضافة إلى زيادة حجم الانفاق الدفاعي الألماني، وجاءت هذه التطورات في أعقاب التصعيد الروسي ضد أوكرانيا، بعد فشل كافة الجهود الدبلوماسية التي قادتها الحكومة الألمانية لتجنب الحرب، لا سيما زيارة المستشار الألماني “شولتز” إلى موسكو، في 15 فبراير الجاري، حاول خلالها إنقاذ عملية مينسك، لكن الحكومة الألمانية كانت على علم بإغلاق موسكو للطرق الدبلوماسية لحل الأزمة.

كما أن التحالفات السياسية الجديدة في برلين ساعدت في هذه الثورة الداخلية؛ إذ يحكم حزب المستشار الألماني “شولتز” الديمقراطي الاجتماعي (SPD) مع حزب الخضر الذي تحكمه القيم، والديمقراطيون الأحرار الليبراليون، في ظل المواقف المختلفة والصارمة لهذه الأحزاب تجاه روسيا، استغل وزير الاقتصاد والمناخ الألماني “روبرت هابيك” (Robert Habeck) الأزمة الروسية كمبرر إضافي لتسريع الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة وبناء شبكة الطاقة، مع تحديد “شولتز” بحاجة ألمانيا لبناء محطتين للغاز الطبيعي المسال، للتغلب على اعتمادها على الموردين

بالإضافة إلى أن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أقام شراكة مع برلين بشأن السياسة الروسية؛ إذ أصدر بيانًا مشتركًا مع المستشارة الألمانية السابقة “أنجيلا ميركل” في يوليو 2021 بشأن أمن الطاقة، وكلك خلال زيارة “شولتز لواشنطن؛ حيث واجه “بايدن” رد فعل عنيف من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين، إلا أنه أدرك أن التغيير في سياسة ألمانيا تجاه روسيا يجب أن يأتي من برلين وليس ما تفرضه واشنطن.

وختامًا، تجدر الإشارة إلى وجود حقبة جديدة من منافسة القوى العظمى، لا سيما في ظل رفض بعض الدول احتكار الغرب  للقوة الاقتصادية، مشيرًا إلى طرق التي يمكن استخدامها لتقويض العقوبات الاقتصادية والضغط المالي ضد خصوم واشنطن، أو حتى حلفائها الطامحين إلى ضرورة إلغاء العقوبات الاقتصادية واستخدامها كأداة ضغط أو تهديد للأمنها القومي.

كما أن الطريق أمام “شولتز” لن يكون سهلًا، في ظل التشابك الاقتصادي بين موسكو وبرلين، كما أن تقليل التبعية أمرًا مكلفًا، ومن المُرجح أن يصبح خطر التضخم وتأثير نقص الطاقة على الصناعة الألمانية عبئًا سياسيًا على ألمانيا، تسعى المعارضة استغلاله، كما أن استئصال النفوذ الروسي في السياسة الألمانية سيكون محلًا للنزاع، فضلًا عن تعزيز “شولتز” النفوذ الألماني في أوروبا ضد الممارسات الروسية لسنوات قادمة.

فضلًا عن أن حل النزاع الروسي – الأوكراني من خلال المفاوضات، قد يوفر الجهود المبذولة للحد من استخدام الأسلحة النووية، مثلما حدث في حتى أزمة الصواريخ الكوبية بعد انخراط موسكو وواشنطن في تهديدات نووية متبادلة، كما أن سياسة حافة الهاوية الموجودة اليوم في ظل الأزمة الأوكرانية يجب أن توقظ المسؤولين في واشنطن وموسكو على مخاطر  التهديد النووي؛ إذ أصبحت تمثل خطرًا أكبر مما كان عليه خلال الحرب الباردة.

[1] Melinda Liu, China and Russia’s Friendship in Ukraine Is Without Benefits, https://foreignpolicy.com/2022/02/26/china-and-russias-friendship-in-ukraine-is-without-benefits/

[2]  China and Russia’s Friendship in Ukraine Is Without Benefits, ibid

[3] Kourosh Ziabari, In Backing Russia on Ukraine, Iran Is on the Wrong Side of History, https://foreignpolicy.com/2022/03/09/iran-support-russia-war-ukraine/

[4] In Backing Russia on Ukraine, Iran Is on the Wrong Side of History, ibid

[5] Ibid

[6] Fighters in Zhytomy, The Ukraine Dilemma, Can the West Save Kyiv Without Starting a War With Russia? https://www.foreignaffairs.com/articles/russia-fsu/2022-03-09/ukraine-dilemma

[7] Ibid

[8] Ibid

[9]  Is Putin Resurrecting the Balance of Terror?, https://foreignpolicy.com/2022/03/01/russia-war-ukraine-putin-nuclear-weapons/

[10] How Russia Sanctions Could Affect U.S. Economic Power, https://nationalinterest.org/feature/how-russia-sanctions-could-affect-us-economic-power-200906?page=0,1

[11] Putin Accidentally Started a Revolution in Germany, https://foreignpolicy.com/2022/02/27/putin-war-ukraine-germany-scholz-revolution/

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى