الدبلوماسية الإسرائيلية الناعمة في أفريقيا وآسيا: استراتيجية توسع غير تقليدية
اعداد : أ.م.د.وداد حماد مخلف الفهداوي – العراق- جامعة الانبار – الجغرافية السياسية
- المركز الديمقراطي العربي
تعتبر الدبلوماسية الناعمة إحدى الأدوات التي تستخدمها الدول في سياستها الخارجية، والتي تهدف إلى تحسين صورتها العامة وتعزيز مكانتها في العالم من خلال وسائل غير مباشرة، مثل الثقافة، والتكنولوجيا، والتعليم، والرياضة، والشراكات الاقتصادية. وقد طورت إسرائيل هذه الاستراتيجية بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة، مع التركيز على تعزيز علاقاتها مع دول في قارات أفريقيا وآسيا. وعلى الرغم من كون إسرائيل دولة صغيرة نسبيًا من حيث عدد السكان والمساحة، إلا أن قدرتها على استخدام “الدبلوماسية الناعمة” أكسبها دورًا متزايدًا على الساحة الدولية، لا سيما في المناطق التي كانت في السابق ترفض أو تتجنب التعاون معها بسبب مواقفها السياسية.
أولًا: مفهوم الدبلوماسية الناعمة وأدواتها
الدبلوماسية الناعمة هي مفهوم طوره جوزيف ناي، أستاذ السياسة في جامعة هارفارد، والذي يعرفها بأنها “قدرة الدول على التأثير في الآخرين من خلال الإقناع بدلاً من الإجبار” ويشمل هذا المفهوم مجموعة من الأدوات التي تعتمد على الجذب بدلاً من الإكراه، مثل القوة الاقتصادية، القوة الثقافية، القوة السياسية، والدعم التنموي. وهذا يختلف عن القوة العسكرية، التي تعتبر الأداة التقليدية في السياسة الدولية. تُستخدم الدبلوماسية الناعمة كأداة لتشكيل الصورة العامة للدولة وتعزيز علاقاتها مع دول أخرى من خلال تبادل المعرفة والمساعدة في حل المشكلات المشتركة.
ثانيًا: تطور الدبلوماسية الإسرائيلية الناعمة
بدأت إسرائيل في استثمار الدبلوماسية الناعمة بشكل جاد منذ عقد التسعينيات، حيث تزايدت أولوياتها في بناء علاقات إيجابية مع دول العالم الثالث، وخاصة في أفريقيا وآسيا، التي كانت تاريخيًا بعيدة عن دائرة التأثير الإسرائيلي. الدبلوماسية الإسرائيلية الناعمة تختلف عن نظيرتها التقليدية، لأنها لا تقتصر فقط على العلاقات الرسمية بين الحكومات، بل تشمل أيضًا العلاقات غير الحكومية مثل التعاون الثقافي، تبادل الخبرات التعليمية، والمساعدات الإنسانية.
وإحدى الاستراتيجيات البارزة التي اتبعتها إسرائيل هي تحسين التعاون التنموي مع دول أفريقيا وآسيا من خلال نقل التكنولوجيا، خاصة في مجالات مثل الزراعة، وإدارة الموارد المائية، والطاقة الشمسية، والتكنولوجيا العسكرية. قدمت إسرائيل خبراتها الواسعة في هذه المجالات كجزء من استراتيجية لتعزيز تواجدها في هذه المناطق. من خلال هذه الأدوات، سعت إسرائيل إلى تجاوز العزلة السياسية التي كانت تواجهها بسبب مواقفها المتشددة تجاه بعض القضايا الإقليمية والدولية، مثل النزاع الفلسطيني.
ثالثا :أدوات الدبلوماسية الناعمة الإسرائيلية:
- الوكالة الإسرائيلية للتعاون الإنمائي MASHAV- –: تقدم دورات تدريبية وبرامج تنموية للدول النامية.
- المساعدات الزراعية والمائية: تقدمها إسرائيل لبلدان تعاني من شح المياه أو سوء الزراعة.
- التبادل التعليمي والثقافي: من خلال منح دراسية، مؤتمرات، وبرامج تدريب مشتركة.
- التقنيات الإسرائيلية: مثل تقنيات الزراعة الذكية، تحلية المياه، وإدارة الموارد الطبيعية.
ومن بين الأهداف السياسية والاستراتيجية نوجز منها مايلي:
- كسر العزلة الدبلوماسية التي تعاني منها إسرائيل في بعض المحافل الدولية.
- كسب أصوات داعمة في الأمم المتحدة من الدول النامية.
- خلق علاقات ثنائية قوية تقلل من اعتماد إسرائيل على التحالفات التقليدية.
- منافسة النفوذ الإيراني أو التركي في بعض مناطق أفريقيا.
- تقليل العداء الدولي من خلال تحسين الصورة العامة لإسرائيل عبر برامج تنموية.
رابعا: الدبلوماسية الإسرائيلية الناعمة في أفريقيا
أفريقيا، وبالتحديد دول أفريقيا جنوب الصحراء، شكلت محط أنظار إسرائيل في سياستها الخارجية، نظرًا للمصالح المشتركة التي يمكن أن تربط إسرائيل بتلك الدول. حيث تمثل أفريقيا سوقًا واعدة للسلع والخدمات الإسرائيلية، بالإضافة إلى كونها مصدرًا هامًا للموارد الطبيعية. بدأت إسرائيل في عقد شراكات مع دول مثل إثيوبيا وكينيا وغانا، حيث قدمت إسرائيل مساعدات في مجالات الزراعة، والصحة، والتكنولوجيا.
من الأمثلة البارزة على هذه التعاونات هي المبادرات الإسرائيلية في مجال الزراعة الذكية والمستدامة، التي ساعدت العديد من الدول الأفريقية على تحسين إنتاجها الزراعي في مواجهة التحديات المتمثلة في تغير المناخ. في هذا السياق، قالت الأكاديمية الإسرائيلية كارين زاكن إن إسرائيل قد ساعدت أكثر من 100 دولة أفريقية في تحسين تقنيات الزراعة، خاصة في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.
على الجانب السياسي، كانت إسرائيل قد بدأت بتطبيع علاقاتها مع بعض الدول الأفريقية التي كانت ترفض التعاون معها في العقود السابقة. في عام 2016، أطلقت إسرائيل “برنامج أفريقيا” الذي يهدف إلى تعزيز علاقاتها مع القارة من خلال التنسيق الدبلوماسي، وزيادة الاستثمارات، وتطوير المبادرات المشتركة في شتى المجالات. أثبت هذا البرنامج فعاليته من خلال توقيع اتفاقيات تعاون مع دول مثل كينيا وتنزانيا، التي تعد من أكثر دول القارة استقبالًا للتعاون الإسرائيلي.
خامسا : الدبلوماسية الإسرائيلية الناعمة في آسيا
أسيا هي الأخرى كانت محط اهتمام رئيسي لإسرائيل في استراتيجيتها الدبلوماسية الناعمة. بعد توقيع اتفاقيات السلام مع مصر والأردن في الثمانينيات والتسعينيات، بدأت إسرائيل في تعزيز علاقاتها مع دول آسيوية أخرى مثل الهند والصين واليابان. الهند تمثل أحد أبرز شركاء إسرائيل في آسيا. منذ عام 1992، تم افتتاح السفارات الإسرائيلية في الهند، وبدأ التعاون بين البلدين في مجالات الدفاع، والعلوم، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة. وتعتبر العلاقات بين إسرائيل والهند نموذجًا مميزًا للدبلوماسية الناعمة، حيث تهدف إسرائيل إلى تعزيز مكانتها في الهند كداعم رئيسي للتكنولوجيا والابتكار، لا سيما في قطاع الفضاء والأنظمة الدفاعية المتقدمة.
من جهة أخرى، تعتبر الصين أحد أكبر الشركاء التجاريين لإسرائيل في آسيا. العلاقات بين البلدين ليست اقتصادية فقط، بل تشمل أيضًا التعاون في مجالات الثقافة والتعليم. في السنوات الأخيرة، شهدت الصين زيارات متعددة من قبل مسؤولين إسرائيليين، وزيارة مماثلة من قبل الرئيس الصيني إلى إسرائيل في 2017. تركز الدبلوماسية الإسرائيلية مع الصين على التكنولوجيا، حيث تستفيد إسرائيل من السوق الصينية الواسعة لتسويق تقنياتها المتطورة في مجالات الأمن السيبراني، والطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي.
أما في جنوب شرق آسيا، فقد أثبتت إسرائيل كفاءتها في بناء علاقات مع دول مثل سنغافورة وماليزيا، على الرغم من التحديات السياسية التي تواجهها إسرائيل في بعض الأوساط الآسيوية بسبب النزاع الفلسطيني. ومع ذلك، استطاعت إسرائيل أن تحافظ على علاقات دافئة مع دول جنوب شرق آسيا من خلال مساعدة هذه الدول في مجالات الأمن والابتكار التكنولوجي.
سادسا: التحديات والصعوبات التي تواجه الدبلوماسية الناعمة الإسرائيلية
على الرغم من النجاح الذي حققته إسرائيل في استخدام الدبلوماسية الناعمة، إلا أن هناك بعض التحديات التي تواجهها.
أولاً، لا تزال بعض الدول الأفريقية والآسيوية ترفض التعاون مع إسرائيل بسبب الوضع الفلسطيني، حيث تظل القضية الفلسطينية حجر الزاوية في العلاقات الدولية لإسرائيل. هذا يضع تحديات أمام إسرائيل في بناء علاقات دائمة مع بعض دول العالم العربي والإسلامي.
ثانيًا، هناك قوى إقليمية مثل إيران، التي تسعى إلى عرقلة أي تقارب بين إسرائيل ودول المنطقة.
ورغم هذه التحديات، فإن إسرائيل تبقى واحدة من الدول التي تسعى باستمرار إلى تحسين استراتيجياتها الخارجية، بما في ذلك من خلال تحسين صورة الدولة باستخدام الأدوات غير التقليدية مثل الدبلوماسية الناعمة.
ختاما ,لقد أثبتت إسرائيل أن الدبلوماسية الناعمة يمكن أن تكون أداة فعالة في توسيع دائرة تأثيرها على الساحة الدولية، خصوصًا في قارات أفريقيا وآسيا. من خلال تحسين التعاون في مجالات التكنولوجيا، التعليم، والزراعة، استطاعت إسرائيل أن تبني علاقات مع دول كانت تبتعد عنها في السابق. ورغم التحديات التي تواجهها، فإن إسرائيل تواصل استراتيجيتها في توسيع نطاق تأثيرها على مستوى عالمي، مما يجعلها نموذجًا للدول الصغيرة التي تتطلع إلى تعزيز مكانتها الدولية باستخدام الأدوات الدبلوماسية الناعمة.
المراجع:
Manor, D. (2020). Israel’s African Diplomacy: Opportunities and Challenges. Middle East Review of International Affairs, 24(3), 85-92.
Nye, J. S. (2004). Soft Power: The Means to Success in World Politics. Public Affairs.
Shani, G. (2019). Soft Power and Cultural Diplomacy: Israel’s Engagement with the Global South. Israel Studies, 24(1), 28-39.
Yiftachel, O. (2018). Israel’s Foreign Policy in Asia: Strategic and Economic Dimensions. Asian Affairs, 49(2), 68-75.
Zaken, K. (2017). Israel’s Agricultural Diplomacy in Africa. Journal of African Studies, 56(2), 45-50.



