الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

الصومال في مجلس الأمن: فرصة تاريخية لقيادة الأجندة البحرية العالمية

اعداد : عمرو رشاد اسماعيل – خبير في الشؤون الإفريقية – مصر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تعتبر الصومال واحدة من أكثر الدول تأثرًا بالتحديات البحرية في منطقة القرن الأفريقي، بسبب موقعها الاستراتيجي المطل على خليج عدن والمحيط الهندي، حيث تشكل الممرات البحرية القريبة منها شريانًا حيويًّا للتجارة العالمية. ومع ذلك، تعاني البلاد منذ عقود من تهديدات متعددة، أبرزها القرصنة البحرية التي انتشرت بشكل لافت بعد انهيار الدولة عام 1991، والتي استغلت الفراغ الأمني لتعطيل حركة الملاحة واختطاف السفن. اليوم، ورغم تراجع هجمات القرصنة نسبيًّا بفضل الجهود الدولية، لا تزال الصومال تواجه تحديات جديدة مثل الصيد غير القانوني، وإلقاء النفايات السامة، والاتجار بالبشر، ما يُفاقم من أزماتها البيئية والاقتصادية. يأتي انتخاب الصومال عضوًا غير دائم بمجلس الأمن الدولي عام 2025 ليمنحها منصةً دوليةً لتعزيز التعاون في مواجهة هذه التهديدات.

لا تقتصر التهديدات البحرية على القرصنة فحسب، بل تمتد إلى استنزاف الثروات السمكية عبر الصيد الجائر من قبل سفن أجنبية، مما يُهدد الأمن الغذائي لملايين الصوماليين الذين يعتمدون على الصيد كمصدر رزق رئيسي. كما تُعاني السواحل الصومالية من ظاهرة إلقاء النفايات الكيماوية والنووية، والتي تؤدي إلى تلوث بيئي كارثي ينعكس على صحة السكان والنظم الإيكولوجية. وتتفاقم هذه الأزمات بسبب ضعف المؤسسات المحلية، وعدم وجود رقابة فعّالة على المياه الإقليمية. هنا، يُمكن للعضوية في مجلس الأمن أن تتيح للصومال تسليط الضوء على هذه القضايا المهمشة، ودعوة المجتمع الدولي لتبني آليات أكثر صرامة لحماية المياه الإقليمية، ودعم جهود بناء القدرات البحرية للدولة.

يمثل اختيار الصومال في مجلس الأمن فرصةً تاريخيةً لموازنة الأولويات الأمنية الدولية مع الاحتياجات المحلية، خاصةً في ظل التداخل بين التهديدات البحرية وانعدام الاستقرار الداخلي. فالعضوية تسمح لها بالمطالبة بتبني مقاربات شاملة تجمع بين مكافحة الجريمة المنظمة، وحماية الموارد الطبيعية، وتعزيز الحوكمة البحرية. لكن هذا يتطلب تعزيز التعاون الإقليمي مع دول الجوار، وتنفيذ اتفاقيات دولية مثل “اتفاقية مكافحة الصيد غير القانوني”. بهذا، قد تصبح الصومال صوتًا للدول النامية في الدفاع عن مصالحها البحرية، وتحويل تحدياتها إلى فرص لبناء شراكات دولية تدعم استقرارها وتحقيق التنمية المستدامة.

اختيار الصومال لعضوية مجلس الأمن

نجحت الصومال في استعادة عضويتها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد أكثر من نصف قرن من الغياب، إذ بدأت فترة العضوية غير الدائمة في يناير 2025 ولمدة عامين، وهو إنجاز تاريخي يعكس عودة الصومال إلى الساحة الدولية. في الانتخابات التي جرت في يونيو 2024، حصلت على 179 صوتًا، لتكون ممثلة لشرق إفريقيا، ضمن مجموعة من الدول مثل الدنمارك واليونان وباكستان وبنما. بدلاً من الإكوادور واليابان والمالطا، تحظى الصومال الآن بصوت في المجلس المكون من 15 دولة، حيث يمكنها التأثير في القرارات المتعلقة بالسلام والأمن الدولي، بما في ذلك العقوبات وعمليات حفظ السلام. هذا التقدم يعكس إرادة الصومال القوية في المساهمة الفعّالة في استقرار الأمن العالمي.[1]

في الوقت الذي تحتفل فيه الصومال بهذا الإنجاز، لا تزال تواجه تحديات داخلية وخارجية معقدة. داخليًا، تكافح الحكومة الفيدرالية للسيطرة على أراضٍ واسعة تواجه فيها مقاومة من حركة الشباب ومشاكل مع الولايات الفيدرالية مثل جوبالاند وبونتلاند. على الصعيد الخارجي، أثارت مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وصوماليلاند قلقًا كبيرًا، حيث تمنح إثيوبيا حق الوصول إلى ميناء بربرة مقابل الاعتراف باستقلال صوماليلاند، ما يمثل تهديدًا لسيادة الصومال. ومع ذلك، ساعدت الجهود الدبلوماسية الفعالة التي قادها الاتحاد الأفريقي وحكومة الصومال على تجاوز هذه التحديات، مما يعكس القوة التصحيحية للصومال في السياسة الإقليمية والدولية.[2]

إعادة انتخاب الصومال إلى مجلس الأمن تؤكد أيضًا التقدم الكبير في دبلوماسيتها. فقد حظيت بتأييد قوي من الدول الأفريقية، بعد انسحاب تنزانيا من السباق، مما مهد الطريق لها للحصول على دعم واسع في الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذه الخطوة ليست مجرد انتصار سياسي، بل تعكس الجهود المستمرة لإعادة بناء علاقات الصومال مع جيرانها والمجتمع الدولي بشكل عام. ورغم أن الحكومة لا تزال تواجه تحديات في استعادة الأمن الداخلي، فإن هذا النجاح الدبلوماسي يعكس التزامها بتحقيق الاستقرار. تتوقع الصومال أن يكون لها دور محوري في تعزيز السلم والأمن في العالم، وفي الوقت نفسه، تأمل أن يكون هذا الإنجاز خطوة نحو تحسين الوضع الداخلي للبلاد، وتوحيد جهودها على مختلف الأصعدة.[3]

اختيار الصومال لعضوية مجلس الأمن يأتي في وقت حساس يتزامن مع تصاعد التوترات البحرية بينها وبين إثيوبيا. في يناير 2024، وقعت إثيوبيا اتفاقية مع صوماليلاند تمنحها حق الوصول إلى ميناء بربرة، مما أثار غضب الحكومة الفيدرالية الصومالية التي تعتبر صوماليلاند منطقة انفصالية. الاتفاقية أثارت قلقًا بشأن السيادة الوطنية للصومال، ما دفعها للقيام بحملة دبلوماسية مكثفة لعرقلة هذه الخطوة. ومع ذلك، في ديسمبر 2024، شهدت الديناميكيات الإقليمية تحولًا بعد توقيع اتفاقية أنقرة، التي أدت إلى تراجع إثيوبيا عن الاتفاق مع صوماليلاند ودعم وحدة أراضي الصومال. هذا الوضع المعقد يعكس التحديات التي تواجهها الصومال في تعزيز استقرارها الداخلي والخارجي، بينما تسعى لتفعيل دورها في قضايا السلام والأمن العالمية عبر مجلس الأمن.[4]

القضايا البحرية في أجندة الصومال بالأمم المتحدة

انضمام الصومال كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي لعامي 2025-2026 يمثل منعطفاً استراتيجياً، خاصة مع تركيز البلاد على القضايا البحرية كأولوية. بموقعه الجغرافي الفريد عند مفترق طرق التجارة البحرية العالمية – خاصة مضيق باب المندب – يمتلك الصومال فرصة ذهبية لتعزيز الأمن البحري الإقليمي والدولي. تاريخياً، استخدمت الدول الأفريقية عضويتها في المجلس لتسليط الضوء على التحديات البحرية، كما فعلت غانا في مكافحة القرصنة بخليج غينيا. اليوم، يمكن للصومال أن يدفع بملفات مثل القرصنة المُعاودة في القرن الأفريقي، واستغلال الموارد البحرية، وتأثير التغير المناخي على المناطق الساحلية، إلى صدارة النقاش الدولي، مستفيداً من مكانته كـ”حارس” لممرات حيوية تعبرها 30% من التجارة العالمية.

وتُعد القضايا البحرية من أبرز الأولويات في أجندة الصومال بالأمم المتحدة، نظراً لأهمية الموارد البحرية في تعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي. تمتلك الصومال سواحل طويلة تطل على المحيط الهندي، مما يمنحها إمكانات كبيرة في مجال الصيد البحري والثروات السمكية. ومع ذلك، تواجه البلاد تحديات كبيرة مثل الصيد غير القانوني من قبل سفن أجنبية، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد البحرية ويُهدد سبل عيش الصيادين المحليين. تسعى الصومال، بدعم من الأمم المتحدة، إلى تعزيز سيادتها البحرية وحماية مواردها من خلال تفعيل القوانين الدولية ومكافحة الأنشطة غير المشروعة.

كما تشمل القضايا البحرية في أجندة الصومال أيضاً مكافحة القرصنة التي كانت تُهدد الملاحة الدولية في خليج عدن والمحيط الهندي. على الرغم من تراجع حالات القرصنة في السنوات الأخيرة بفضل الجهود الدولية والمحلية، إلا أن الصومال لا تزال بحاجة إلى دعم الأمم المتحدة لتعزيز الأمن البحري وبناء قدرات خفر السواحل. تُساهم هذه الجهود في استعادة الاستقرار في المناطق الساحلية، مما يُساعد على تنشيط الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية. كما تُعزز هذه الإجراءات التعاون الإقليمي والدولي لضمان سلامة الممرات البحرية وحماية التجارة العالمية.

وفي هذا السياق، فإن الصومال تولي مؤخرًا اهتماماً كبيراً لقضايا التغير المناخي وتأثيرها على البيئة البحرية، حيث تُعد من أكثر الدول تأثراً بارتفاع منسوب مياه البحر وتدهور النظم البيئية الساحلية. تُساهم الأمم المتحدة في دعم الصومال لمواجهة هذه التحديات من خلال برامج تهدف إلى حماية الشواطئ والحد من التلوث البحري. بالإضافة إلى ذلك، تُعزز الصومال جهودها لتنمية الاقتصاد الأزرق، الذي يعتمد على الاستغلال المستدام للموارد البحرية، مما يُسهم في خلق فرص عمل وتحسين الظروف المعيشية للسكان. هذه الجهود تُبرز أهمية التعاون الدولي في تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة البحرية.

كما وقّعت الصومال مؤخراً اتفاقيات تعكس طموحها البحري، مثل تفاهماتها مع إثيوبيا لاستخدام الموانئ، وشراكتها مع تركيا لتعزيز الأمن البحري عبر الدوريات المشتركة. هذه الخطوات تُترجم رؤيةً لتحويل السواحل الصومالية البالغ طولها 3,300 كم إلى محركات للنمو الاقتصادي عبر الاستثمار في الثروة السمكية والنقل البحري والطاقة البحرية. لكن تحقيق هذه الرؤية يتطلب بناء قدرات مراقبة وحماية المياه الإقليمية، وهو تحدي كبير لدولة تعاني من ضعف البنية التحتية وصراعات داخلية. هنا، يمكن لمجلس الأمن أن يكون منصةً لدعم مشاريع التنمية الساحلية، وجذب الاستثمارات الدولية في إطار “الاقتصاد الأزرق” الذي أعلنت عنه الحكومة الصومالية.

الاستفادة الصومالية من التجربة الكينية 

تُقدم كينيا – التي شاركت سابقاً في مجلس الأمن – نموذجاً ناجحاً لربط الحوكمة البحرية بالتنمية. من خلال إنشاء “الهيئة البحرية الكينية” وتحديث قوانين الصيد، نجحت في جذب استثمارات بحرية بلغت 300 مليون دولار عام 2023. للصومال فرصة أكبر نظراً لطول سواحله وثراء موارده السمكية والنفطية، لكن هذا يتطلب إصلاحات داخلية كتوزيع عادل لعوائد الموارد بين الحكومة المركزية والولايات، ومكافحة الفساد في التراخيص البحرية. النجاح في مجلس الأمن سيعتمد على قدرة الدبلوماسية الصومالية على تحويل التحديات إلى فرص للشراكات الدولية، مما قد يُعيد تعريف دور البلاد من “دولة هشة” إلى “قائدة أمن بحري”. [5]

يُظهر النموذج الكيني كيف يمكن للدول الساحلية الاستفادة من الاتفاقيات العالمية: من خلال الانضمام إلى “اتفاقية الأُمم المتحدة لحفظ الأرصدة السمكية”، وإنشاء هيئات بحرية وطنية، والتعاون مع المنظمة البحرية الدولية. الصومال بحاجة إلى خطة مماثلة لتنسيق السياسات بين الولايات الفيدرالية، وتحديث التشريعات البحرية، والاستفادة من آليات التمويل الدولي مثل “الصندوق الأزرق” التابع للبنك الدولي. كما أن رئاستها للجنة الأمن البحري في الاتحاد الأفريقي (2024) تمنحها نفوذاً إقليمياً يمكن توظيفه في المفاوضات الدولية حول المناخ والصيد الجائر.

وتُشكّل عضوية كينيا في مجلس الأمن الدولي فرصة استراتيجية للصومال لتعزيز التعاون الإقليمي في مجال الأمن البحري. من خلال التنسيق مع كينيا، يمكن للصومال الدفع نحو تبنّي قرارات دولية تدعم الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، خاصةً في ظل التهديدات المتصاعدة في البحر الأحمر. هذا التعاون قد يسهم في تعزيز القدرات البحرية للصومال، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنسيق الجهود لمكافحة القرصنة والتهديدات البحرية الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للصومال الاستفادة من عضوية كينيا لتسليط الضوء على التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة، وحشد الدعم الدولي لمواجهتها.[6]

على الرغم من التوترات السابقة بين الصومال وكينيا، فإن المرحلة الحالية تتطلب تجاوز الخلافات والعمل المشترك لمواجهة التحديات الأمنية في البحر الأحمر. التعاون بين البلدين في مجلس الأمن يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي، خاصةً مع تزايد التهديدات الناتجة عن الأنشطة غير القانونية في المياه الإقليمية. من خلال الحوار المستمر والتنسيق الوثيق، يمكن للصومال وكينيا تطوير استراتيجيات مشتركة لحماية المصالح البحرية وتعزيز الأمن في المنطقة.

تنامي التهديدات في البحر الأحمر، مثل القرصنة والتدخلات الخارجية، يتطلب استجابة جماعية من دول المنطقة. من خلال التعاون مع كينيا في مجلس الأمن، يمكن للصومال المساهمة في صياغة سياسات دولية تعزز من الأمن البحري، وتحد من التهديدات المحتملة. هذا التعاون قد يشمل تبادل الخبرات، وتنسيق الدوريات البحرية، وتطوير آليات مشتركة لمراقبة السواحل وحماية الممرات المائية الحيوية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للصومال الاستفادة من الدعم الدولي لتعزيز قدراتها البحرية، مما يسهم في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة. وفي ظل التنافس الجيوسياسي المتزايد في البحر الأحمر، يُعتبر التعاون بين الصومال وكينيا داخل مجلس الأمن فرصة لتعزيز الأجندة البحرية العالمية بما يخدم مصالح المنطقة. من خلال هذا التعاون، يمكن تعزيز الجهود لمكافحة التهديدات الأمنية، مثل القرصنة والتدخلات الخارجية، والعمل على تطوير استراتيجيات مشتركة لحماية الممرات المائية الحيوية. هذا التنسيق قد يسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي، وجذب الاستثمارات، وتحقيق التنمية المستدامة لدول القرن الإفريقي.[7]

الصومال بين تهديدات القرصنة والتغير المناخي والاستغلال البحري

رغم تراجع القرصنة قبالة السواحل الصومالية بعد ذروتها (2008-2012)، فإن تقارير 2023-2024 تشير إلى عودة الهجمات، مع تسجيل 8 حوادث منها 3 عمليات اختطاف ناجحة. يُعزى هذا الارتفاع إلى انخفاض الاهتمام الدولي بالمنطقة لصالح أزمات أخرى مثل النزاع اليمني، وضعف الحوكمة المحلية. تقرير “سولاس غلوبال” يحذر من استمرار هذه الموجة في 2025، ما يؤكد أن القرصنة ليست مجرد “ظاهرة بحرية”، بل انعكاساً لأزمات أرضية كالبطالة والفقر وغياب سيادة القانون. حل هذه المعضلة يتطلب تعاوناً دولياً يدمج بين الوجود العسكري البحري، ودعم مؤسسات الصومال الأمنية، ومعالجة الأسباب الجذرية للجريمة المنظمة. [8]

وتحتل الصومال المرتبة الثانية بين أكثر الدول عرضة لتغير المناخ في العالم وواحدة من أقل الدول استعدادًا للتعامل مع قضايا المناخ، وفقًا لمؤشر المناخ العالمي لمبادرة نوتردام للتكيف العالمي، رغم مساهمتها الضئيلة في الانبعاثات. سواحلها – حيث يعيش 60% من السكان – تواجه تهديدات متصاعدة: ارتفاع منسوب البحر يبتلع أحياءً في مقديشو ومدن أخرى، وموجات الجفاف تدمر مصادر المياه العذبة، وتغير حرارة المحيطات يُخل بالنظم الإيكولوجية. هذه العوامل تزيد التوترات الاجتماعية، حيث تتصارع المجتمعات الساحلية على موارد آخذة في التقلص، بينما تتفاقم الهجرة من الداخل الجاف نحو المدن الساحلية الهشة أساساً. مجلس الأمن يمكنه ربط ملف المناخ بالأمن البحري، عبر دعم مشاريع التكيف الساحلي، وحماية المجتمعات المهددة بالغرق أو الجوع. [9]

تشير بيانات 2022 إلى أن السفن الأجنبية – خاصة الصينية والأوروبية – تصطاد كميات تفوق ضعف ما يجلبه الصيادون المحليون (14,000 طن مقابل 6,000 طن). هذا الاستنزاف يُفاقم الفقر الساحلي، ويدفع بعض الصيادين إلى الانخراط في أنشطة غير قانونية كالقرصنة. رغم توقيع الصومال على “اتفاقية تدابير دولة الميناء” لمكافحة الصيد غير المشروع، فإن نقص الخبرات الفنية يُعيق تنفيذها. كما أن البلاد لم تنضم بعد إلى “معاهدة أعالي البحار” التي تحمي النظم البيئية البحرية الدولية، مما يجعل مياهها مفتوحة للاستغلال. هنا، يمكن للتمثيل الدبلوماسي في مجلس الأمن أن يساعد في تأمين الدعم التقني والقانوني لتعزيز الرقابة.

ويعد موقع الصومال على مضيق باب المندب – الذي يمر عبره 6% من إمدادات النفط العالمية – يجعله شريكاً استراتيجياً للقوى الكبرى. خلال عضوية مجلس الأمن، يمكن لمقديشو تعزيز تحالفاتها مع دول مثل تركيا والإمارات اللتين استثمرتا في بنيتها التحتية البحرية، أو التفاوض على صفقات تبادل بين الدعم الأمني وحصص الصيد للشركات المحلية. كما أن ملف القرصنة المشترك مع اليمن المجاور يفتح باب التعاون مع التحالف الدولي الموجود في البحر الأحمر، مما يعزز مكانة الصومال كـ”حلقة وصل” بين الأزمات الإقليمية والحلول العالمية. [10]

وختامًا، فإن الصومال اليوم أمام فرصة تاريخية داخل مجلس الأمن لإعادة تشكيل النقاش حول الأمن البحري العالمي، ليس كدولة متأثرة فقط، بل كطرف فاعل في صياغة الحلول. فالتحديات التي تواجهها سواحله—من القرصنة إلى التغير المناخي والاستغلال البحري—تعكس قضايا عالمية تتطلب استجابة دولية منسقة. إن نجاح الصومال في تحويل موقعه الجيوسياسي إلى منصة للقيادة الدبلوماسية سيعتمد على قدرته في بناء تحالفات استراتيجية، وتعزيز دوره في الاتفاقيات البحرية، والدفع نحو آليات تمويل مستدامة لحماية مجتمعاته الساحلية. مجلس الأمن ليس مجرد ساحة لمناقشة الأزمات، بل يمكن أن يكون أداة لإحداث تغيير جذري، إذا ما تبنت الصومال أجندة طموحة تتجاوز إدارة الأزمات إلى خلق حلول مستدامة. اليوم، تمتلك مقديشو فرصة نادرة لطرح رؤية جديدة للأمن البحري، رؤية تستند إلى العدالة البحرية، وحماية السيادة الاقتصادية، ودمج الحلول البيئية في الاستراتيجيات الأمنية. فهل تغتنم هذه الفرصة؟

[1] منهم الصومال وباكستان، الجمعية العامة تنتخب خمسة أعضاء جدد غير دائمين بمجلس الأمن، أخبار الأمم المتحدة. https://news.un.org/ar/story/2024/06/1131541

[2] الصومال تستعيد مقعدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد 54 عامًا، الصومال اليوم. https://shorturl.at/hwldy

[3] الصومال تستعيد مقعدها في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد 54 عامًا، مرجع سابق.

[4] الأمين العام يرحب بإعلان أنقرة والاتفاق بين الصومال وإثيوبيا، أخبار الأمم المتحدة. https://news.un.org/ar/story/2024/12/1137481

[5] الأمم المتحدة : كينيا تفوز بعضوية مجلس الأمن الدولي، وكالة الانباء الأردنية. https://petra.gov.jo/Include/InnerPage.jsp?ID=142464&lang=ar&name=news

[6] On UN Security Council reforms, Kenya President Ruto gives his views, the east African. https://www.theeastafrican.co.ke/tea/news/east-africa/on-un-security-council-reforms-ruto-gives-his-views-4762158#google_vignette

[7] New Somali piracy threats require partnerships and holistic responses. https://issafrica.org/iss-today/new-somali-piracy-threats-require-partnerships-and-holistic-responses

[8] Maritime issues should top Somalia’s UN Security Council agenda. https://issafrica.org/iss-today/maritime-issues-should-top-somalia-s-un-security-council-agenda

[9]  Maritime issues should top Somalia’s UN Security Council agenda, ibid.

[10] Maritime issues should top Somalia’s UN Security Council agenda, ibid.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى