استهداف الاحتلال الإسرائيلي للصحافة والاعلام في غزة الدلالات والأسباب

اعداد : ثامر عبد الغني سباعنة – جنين – فلسطين
- المركز الديمقراطي العربي
المقدمة :
تلعب الصحافة والإعلام دوراً محورياً في النزاعات المسلحة، إذ تمثل العين التي تنقل الحقيقة، وتوثّق الانتهاكات، وتكشف للرأي العام العالمي ما يجري على الأرض من أحداث. وفي السياق الفلسطيني، وبالأخص في قطاع غزة، برز هذا الدور بشكل واضح منذ عقود، حيث شكّل الصحفيون إحدى الركائز الأساسية في فضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، ما جعلهم هدفاً مباشراً لآلة الحرب الإسرائيلية.
منذ اندلاع الحرب على غزة بعد أكتوبر 2023، اتسع نطاق استهداف إسرائيل للصحفيين ووسائل الإعلام بصورة غير مسبوقة، شملت عمليات اغتيال ممنهجة، وقصفاً متعمداً للمؤسسات الإعلامية، إلى جانب التضييق على شبكات الاتصال والإنترنت، في مسعى واضح لإسكات الشهود ومنع نقل الحقيقة. هذه الممارسات لم تقتصر على البعد الميداني فقط، بل مثّلت خرقاً صارخاً للقوانين الدولية الإنسانية، التي تنص بوضوح على حماية الصحفيين المدنيين في أوقات النزاعات.
أمام هذه الوقائع، تبرز أسئلة جوهرية تسعى هذه الورقة البحثية للإجابة عنها: ما هي أسباب ودوافع استهداف إسرائيل للصحافة والإعلام في غزة؟ ما هي الأبعاد القانونية لهذه الممارسات؟ وما الأهداف التي تسعى إسرائيل لتحقيقها من وراء ذلك؟ كما تتناول الورقة حجم وأشكال الاستهداف، إلى جانب رصد ردود الأفعال والتصريحات الدولية حول هذه الانتهاكات.
إن دراسة هذه القضية لا تكتسب أهميتها من بعدها الحقوقي فحسب، بل من كونها تمثل مؤشراً على طبيعة الاستراتيجية الإعلامية الإسرائيلية، ومحاولة التحكم بالرواية في واحدة من أكثر الحروب توثيقاً في التاريخ الحديث
أولا – الاعلام والصحافة:
أهمية ودور الاعلام في النزاعات والحروب
يلعب الاعلام والصحافة دورا هامة في النزاعات والحروب، وخاصة في خلق وتشكيل الراي العام، إضافة الى توجيه الجمهور، إضافة لقدرة الاعلام على خلق الوعي وتقوية او اضعاف الساحة الداخلية للدولة والمجتمع، بل يعتبر الاعلام والصحافه احد أسلحة الحرب الناعمة.
دور وسائل الإعلام في الحرب متعدد الأوجه، ويلعب تنفيذ نظريات الاتصال بشكل احترافي دورا حاسما في الحروب، ففهم هذه الديناميكية أمر بالغ الأهمية، حيث تعتبر نظرية التأطير أحد أهم النظريات التي تستخدم في توجيه الرأي العام. توضح هذه النظرية كيف تسلط وسائل الإعلام الضوء على أجزاء محددة وتركز عليها بشكل كبير لصناعة التصورات العامة للجمهور وردود الفعل لإضفاء الشرعية على الجهات الفاعلة داخل الصراع، ومن ثم التأثير على كل من الرأي العام والأجندات السياسية. تتداخل الأجندات السياسية مع محتوى العديد من وسائل الإعلام وتؤثران وتتأثران ببعض، والحرب غير المعلنة هي كيفية التأثير على الرأي العام لتمرير بعض القرارات السياسية أو التأثير عليها بما يساهم في تحقيق المصالح العليا للدول.[1]
دور الصحافة في نقل الحقيقة وفضح الانتهاكات وتوثيقها
إن توثيق الجرائم الدولية في النزاعات المسلحة يُعد أحد أهم الأدوات لضمان العدالة الجنائية لصالح المدنيين ضحايا الحروب، ومن أهم الوسائل التي تسهم في ملاحقة المجرمين وإثبات تورطهم الجُرمي في هذه الفظاعات. وعليه، فإن العمل الصحفي -بما يتوفر له من أدوات- هو أقدر الجهات التي يمكن التعويل عليها للاضطلاع بهذه المهمة الإنسانية على قدر ما تحتويه من خطورة. وقد قدمت الحركة الصحفية لقاء ذلك عددا من أبنائها الصحفيين لأداء هذه المهمة. ويجب التأكيد على أن المواد الصحفية الموثِّقة للجرائم بمختلف أشكالها المرئية والمسموعة والمقروءة والإلكترونية من الأدوات المعتمدة لدى مكتب الادعاء العام في المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يدل على فاعلية هذا العمل التوثيقي[2].
يُعَدّ توثيق الصحفي للجرائم المُرتكبة خلال الحروب عملا مهما وضروريا؛ لأنه يضع مُجرمي الحروب وأنظمتهم أمام مساءلة المحاكم الدولية مستقبلا؛ ذلك أن القرار الذي يتخذه الصحفي ارتجالا في جزء من الثانية بالتقاط صورة ما لعمل وحشي قد يصبح فيما بعد الدليل التوثيقي لمحاكمة مجرمي الحرب أمام المحاكم الجنائية. وقد يؤدي العثور على الهاتف الذكي المهمل لجندي ما في ميدان المعركة بين الأنقاض إلى تحديد هوية من أصدر الأوامر بارتكاب الجرائم في إحدى المدن والمناطق التي تدور فيها النزاعات المسلحة.[3]
حماية الصحفيين في القانون الدولي الإنساني
لم تتضمن قواعد القانون الدولي الإنساني الذي ينسحب على حالة الحروب والنزاعات المسلحة، إلا إشارتين إلى العاملين في الحقل الصحفي والإعلامي وهما (المادة 4) من اتفاقية جنيف الثالثة التي شملت الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منھا، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، وغيرهم من الأشخاص. وثمة أيضا المــادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول التي أشارت إلى تدابير تتمثل في حماية وإجازة الحصول على بطاقة هوية تصدرها حكومة الدولة التي يكون الصحفي من رعاياها، أو التي يقيم فيها، أو التي يقع فيها جهاز الأنباء الذي يستخدمه، وتشهد على صفته كصحفي. وفيما يتعلق بالصحفيين الذين يقومون بمهام خطرة أثناء النزاعات المسلحة وفي مناطق التوتر، فإنهم يُعتبرون أشخاصًا مدنيين وفقًا لأحكام المادة 79 من البروتوكول الأول لعام 1977. وبناءً على ذلك، تجب لهم الحماية القانونية الدولية ضد أي اعتداء قد يتعرضون له. هذه الحماية مشروطة بعدم مشاركتهم في أي نشاط يمكن أن يضر بوضعهم كمدنيين أو كصحفيين[4].
ونص قرار مجلس الأمن رقم 2222 على ضرورة حماية الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم الذين يغطون حالات النزاع كمدنيين، ويشير القرار أيضا إلى أن المعدات والمكاتب والأستوديوهات الإعلامية هي أصول مدنية وليست أصولا أو ممتلكات عسكرية، وبالتالي، يجب ألا تكون هدفا لهجمات أو أعمال انتقامية.[5]
ثانيا: : استهداف إسرائيل للصحافة في غزة
أشكال الاستهداف
القتل المباشر للصحفيين، فمع كتابة هذا البحث وصل عدد الصحفيين الشهداء الذين ارتقوا في قطاع غزة بسبب العدوان “الإسرائيلي” بلغ 238 شهيد صحفي واعلامي، وهذا الرقم يشير بوضوح الى الاستهداف المباشر لجيش الاحتلال للصحفيين والعاملين بالاعلام.
أشارت مجلة “+972” إلى أن القتل القياسي للصحفيين في غزة، له هدف بعيد المدى بالنسبة لإسرائيل، يتمثل بتدمير شهادات الضحايا وأدلة جرائم الحرب التي ترتكبها، فغالبا ما يكون الصحفيون في غزة أول من يصل إلى مواقع الفظائع، ويضعون خرائط الهجمات، ويصلون إلى الضحايا والشهود، بالتالي، فإن إسكاتهم يُفقدهم كميات هائلة من المعلومات التي تدين إسرائيل[6].
قصف وتدمير المكاتب والمؤسسات الإعلامية، لم تقف حرب الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحافه على استهداف الصحفيين والإعلاميين، بل طالت البنية التحتية للاعلام والصحافه من خلال استهداف وتدمير المقرات الإعلامية والصحفية في قطاع غزة، وضرب مواقع الصحافه والاعلام.
خلال الخرب تعرضت اكثر من 143 مؤسسة إعلامية للاستهداف، بينها 12 صحيفة ورقية، و23 صحيفة إلكترونية، و11 إذاعة، و4 قنوات فضائية، إضافة إلى تدمير مقرات 12 فضائية عربية ودولية.كما تم تدمير 44 منزلا لصحفيين، وتفجير مطابع، وإتلاف معدات بث وكاميرات وسيارات نقل مباشر، فضلا عن حجب عشرات الحسابات والمنصات الرقمية ، وقدّر مكتب الاعلام الحكومي في غزة خسائر القطاع الإعلامي في غزة بأكثر من 400 مليون دولار، نتيجة ما وصفه بـ”حرب شاملة استهدفت البشر والحجر، والصورة والصوت والكلمة [7].
حجب الإنترنت وقطع الاتصالات. نتيجة القصف والتدمير الشامل الذي تتعرض له غزة، تم تدمير البنية التحتية للاتصالات ، وخطوط الانترنت، مما أدى لقطع الاتصالات وبالتالي الانترنت، واضطر الصحفيين والإعلاميين في غزة للبحث عن بدائل عن شبكة الاتصالات الأرضية.
تعرضت البنية التحتية لشبكة الاتصالات الأرضية و الخلوية و الانترنت إلى أضرار فادحة نتيجة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، حيث أعلنت مجموعة الاتصالات الفلسطينية عن انقطاع جزء كبير من شبكة اتصالات الهاتف الثابت وخدمة الانترنت و شبكة جوال الخلوية نتيجة لتدمير محطة كهرباء غزة ونفاذ مخزون الوقود الذي يمد شبكاتنا بالطاقة اللازمة للعمل. وأكّدت مجموعة الاتصالات الفلسطينية أن شبكة شركة الاتصالات الخلوية “جوال” تعطلت بنسبة ما يقارب 85% في قطاع غزة، بينما تضررت شبكة شركة الاتصالات بالتل ما أدّى إلى تعطّل خدمات الاتصال الثابت في مناطق عديدة في القطاع، إضافة إلى انقطاع خدمات الاتصال الدولي والإنترنت. مشيرة إلى أن السبب الرئيس وراء هذا التعطل وانقطاع الخدمات في بعض المناطق يعود إلى كثافة الهجمات الصاروخية وتوسّع دائرة القصف الإسرائيلي، إضافة إلى انقطاع الكهرباء، ونفاذ الوقود، مما يعيق عملية إصلاح الأضرار الحاصلة على الشبكة.وأوضح عمار العكر الرئيس التنفيذي لمجموعة الاتصالات الفلسطينية الضرر الكبير التي تعرضت له شبكة جوال و الذي تمثل بتوقف 240 محطة عن العمل بسبب انقطاع الكهرباء بشكل كلي و نفاذ المخزون، و تدمير 14 محطة تقوية بث تدميراً كاملاً نتيجة استهدافها بشكل مباشر، منوهاً الى ان عدد المحطات العاملة بشكل طبيعي حتى الآن هي 261 محطة ، و لكنها معرضة للتوقف عن العمل بشكل نهائي ما بين 48 الى 72 ساعة، وذلك نتيجة استهداف قوات الاحتلال محطة كهرباء غزة الرئيسية و نفاذ الوقود التي تحتاج إليه مولدات الكهرباء الاحتياطية.و أما بالنسبة لشبكة الاتصالات الأرضية وخدمة الانترنت، أشار العكر أن 20 موقع جهاز داخلي وخارجي يغذون خدمة الإنترنت والاتصال الأرضي أصبحوا خارجين عن الخدمة سواء نتيجة تدمير بالكامل لجزء منها كما حصل في مناطق الشجاعية و بيت حانون و خزاعة و بيت لاهيا و رفح، أو انقطاع الألياف الضوئية، إضافة إلى تدمير شبكة الكهرباء المغذية لهذه المواقع، مشيرا أن الألياف الضوئية التي تربط غزة بالضفة وغزة بالعالم تعرض قسم منها لإنقطاعات بسبب القصف مما سيؤثر على انقطاع خدمات الاتصال بين غزة و العالم الخارجي.[8]
التشويه والاتهام ، أُنشئت داخل المخابرات العسكرية الإسرائيلية “فرق بحث”،بهدف “تشويه سمعة” الصحفيين الذين يغطون الحرب بطريقة موثوقة ودقيقة، عبر الزعم بأنهم جزء من حماس.وفي تقرير لمجلة “+972” أن تشويه إسرائيل لصورة الصحفيين الغزاويين واتهامهم بالانتماء لحماس هو تكتيك قديم، لإسكات أصوات الفلسطينيين ونزع شرعيتهم وترهيبهم، أو تبرير قتلهم بوتيرة غير مسبوقة في التاريخ الحديث. كشفت مجلة “+972″ الإسرائيلية أن الدافع وراء تشكيل ما يسمى”خلية إضفاء الشرعية”، المكلفة بتشويه سمعة الصحفيين الفلسطينيين في غزة وتصويرهم كمقاتلين سريين لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) تمهيدا لقتلهم، لم يكن الأمن، بل العلاقات العامة، إذ كان مدفوعا بالغضب من قيام الصحفيين في غزة بـ”تشويه سمعة إسرائيل أمام العالم”.ونقلت عن ضباط استخبارات إسرائيليين قولهم إن عملهم ضروري لتمكين إسرائيل من إطالة أمد الحرب، وفق ما أُبلغوا. وأوضح مصدر آخر أن فكرة الخلية هي السماح للجيش الإسرائيلي بالعمل دون ضغوط، حتى لا تتوقف دول مثل أميركا عن تزويده بالأسلحة.[9]
منع الصحفيين من دخول غزة وتغطية الحرب، اذ منعت “إسرائيل” الصحفيين من دخول قطاع غزة وتغطية الحرب الدائرة هناك.
استهداف عائلات الصحفيين ، عمد جيش الاحتلال على استهداف عائلات الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين في قطاع غزة كشل من اشكال استهداف الصحفيين، والسعي لاسكات صوتهم واخافتهم، ونذكر هنا عائلة الصحفي ومراسل الجزيره وائل الدحدوح، وعائلة الشهيد الصحفي انس الشريف الذي قتل الاحتلال والده.
الاعتقالات والملاحقات. تعرض العشرات من الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين في قطاع غزة للملاحقة والاعتقال طيلة اشهر الحرب، بل وتعرض معظمهم للضرب والتعذيب في سجون الاحتلال.
وفي تقرير لمراسلين بلا حدود قال : “إسرائيل” تُصبح ثالث أكبر سجن للصحفيين في العالم إسرائيل هي الدولة التي احتجزت أكبر عدد من الصحفيين منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023، الذي تزامن مع اندلاع الحرب في قطاع غزة، لتُصبح بذلك ثالث أكبر سجن للصحفيين في العالم[10].
ثالثا : الأسباب والدوافع :
إسكات الشهود ومنع نقل الحقيقة. تسعى إسرائيل عبر قتل الصحفيين/ات إلى محاولة طمس الحقائق بسبب دورهم في بث جريمة الإبادة الجماعية مباشرة على الهواء ونقل الصورة حية للعالم. “
السيطرة على الرواية الإعلامية، يقول الكاتب الفلسطيني إبراهيم نصر الله: اذا لم نكتب نحن روايتنا فسيكتبها اعداؤنا، ولعل من اهم ما يدفع “إسرائيل” لاستهداف الصحافة والاعلام في قطاع غزة هو السيطرة على الرواية والتحكم بالصورة المنقوله من وعن غزة.
وتحاول “إسرائيل” من خلال هذه الإبادة “طمس الحقيقة حول الحرب وما تتسبب فيه من قتل ودمار يستهدف البشر والشجر والحجر -يقول وليد العمري- ومنعها عن الرأي العام الدولي، واحتكار الرواية الصحفية لما يجري في إطار الصراع على الرواية في حقول أخرى[11]
لم ينجح الخطاب الإعلامي والسياسي الإسرائيلي وامتداداته الغربية في تبرير حرب الإبادة وجرائمها التي تحولت إلى جرائم بحق الإنسانية واستدعت إصدار مذكرات سَوْق نتنياهو وغالانت إلى محكمة الجنايات، ومحاكمة دولة إسرائيل من جانب محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب حرب إبادة ضد المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة المدعومة من سائر المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية. وقد أخفق الخطاب الإعلامي والسياسي الإسرائيلي في تجاهل حقيقة أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هو المستهدَف بحرب الإبادة التي حولته إلى جحيم لا يطاق، وحقيقة الاحتلال الكولونيالي ونظام الأبارتهايد الإسرائيلي وسيطرته على شعب آخر والذي يتسبب بحدوث انفجارات وحروب ومقاومة وعدم استقرار لامتناهي، كما أخفق في تسويق إسرائيل كضحية للكراهية واللاسامية[12].
التعتيم على جرائم الحرب. كشفت الحرب على غزة سجلًّا واسعًا من جرائم الحروب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في مدن القطاع، وفي ظل هذا الوضع “لا يريد الاحتلال أن يكون هناك أحد يُوثِّق جرائمه، أو شاهد على ما يرتكبه، ولا يريد أن يكتشف العالم الوجه الحقيقي لهذا الكيان”. وهو الأمر الذي لاحظه أيضًا وائل الدحدوح؛ إذ “يخشى الاحتلال أن يكون الصحفي شاهدًا على جرائمه ومُوثِّقًا لها؛ لأن ذلك سيُسْتَخْدَم ضده في المحافل الدولية، ويتم الضغط عليه من قِبَل الرأي العام العالمي. وهذا ما يدفع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استهداف الصحفي وإبعاده عن مسرح الأحداث على الأقل خلال وقوعها حتى لا يتكرر التوثيق والفضيحة”. ولذلك “دأبت إسرائيل على تحطيم المرآة التي تعكس للعالم سوء أفعال جرائمها. وتحاول عبر استهداف الصحفيين، الذين يؤدون دورهم الوظيفي في نقل الأخبار وما يجري على الأرض، إخفاء تلك الجرائم”[13]
خلق صورة مضللة للصراع. استطاعت ” إسرائيل” طيلة سنوات القضية الفلسطينية ان تفرض روايتها المضلله عن الصراع، واستطاعت نقل الصورة المشوهه عن القضيه الفلسطينية والمقاومة والحق الفلسطيني للمجتمعات والاعلام الغربي.
ولمّا كانت الرواية الإسرائيلية هي الرواية المعتمَدة في دوائر الإعلام الغربي الأساسية، ساهمت تقارير المنظمات الدولية المختصة، وأفلام الفيديو التي نشرها جنود الاحتلال عن جرائمهم البشعة في دعم الرواية الفلسطينية، وبحسب تقرير صحيفة “واشنطن بوست”، فقد “أظهرت مقاطع الفيديو والصور مراراً وتكراراً قوات إسرائيلية وهي تهدم مباني بأكملها، بما في ذلك المنازل والمدارس، فضلاً عن نهبها وإحراقها. وتُظهر صور أُخرى جنوداً إسرائيليين يقفون بجوار جثث القتلى ويدعون إلى إبادة الفلسطينيين وطردهم. وقد نشر الجنود الإسرائيليون آلاف الصور ومقاطع الفيديو من ساحة المعركة، وسجلوا أفعالهم في وسائل التواصل الاجتماعي، واستمروا في تصوير المشاهد، والنتيجة هي مخزون هائل من الصور والفيديوهات التي تقدم رؤية نادرة ومزعجة لكيفية تصرف الجنود في إحدى أكثر الحروب دموية وتدميراً.”[14]
الباب الرابع: ردود الفعل والتصريحات الدولية
اختلفت ردود الفعل الدولية على الاستهداف “الإسرائيلي” للاعلام والصحافة الفلسطينية، وكثير من الدول والمؤسسات الدوليه والإعلامية أصدرت بيانات الشجب والاستنكار، والمطالبه بفتح تحقيق بانتهاكات “إسرائيل” ضد الصحافه، لكن معظم الدول لم تتخذ هذه الدول أي خطوات حقيقية ملموسه ضد “إسرائيل”، بينما تحركت بعض المؤسسات – كمؤسسة مراسلون بلاحدود – ورفعت شكاوي على “إسرائيل” في المحاكم الدولية.
في بيان لمراسلون بلا حدود: “إن فلسطين هي البلد الأكثر خطورة على الصحافيين فقد سجلت حصيلة قتلى أعلى من أي بلد آخر خلال السنوات الخمس الماضية. ورفعت المنظمة أربع شكاوي أمام المحكمة الجنائية الدولية تتعلق بجرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد صحافيين.[15]
ونددت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بـ”خرق صارخ للقانون الإنساني الدولي”، وقال المفوض فولكر تورك على إكس إن “على إسرائيل احترام وحماية جميع المدنيين بمن فيهم الصحافيون”. وأعربت الحكومة البريطانية عن قلقها “البالغ” إزاء “الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للصحفيين في قطاع غزة”. وأكد متحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، أن المراسلين الذين يغطون الصراعات يتمتعون بالحماية بموجب القانون الإنساني الدولي، وأنه “ويجب أن يكون الصحفيون قادرين على تغطية الأخبار بشكل مستقل دون خوف”.[16]
وقالت العفو الدولية إنه “لم يشهد أي نزاع في التاريخ الحديث مقتل عدد أكبر من الصحفيين كما هو الحال في إبادة إسرائيل للفلسطينيين في قطاع غزة”.وقالت جودي غينسبرغ، المديرة التنفيذية للجنة الإثنين “الصحفيون مدنيون. يجب ألا يُستهدفوا أبدا في الحروب، واستهدافهم يرقى إلى جريمة حرب”[17].
تقارير الأمم المتحدة
أعرب متحدث المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ثمين الخيطان، عن استنكاره لتعمد الجيش الإسرائيلي استهداف الصحفيين بقطاع غزة.وقال الخيطان: “نشعر بقلق إزاء المعلومات التي تشير بقوة إلى أن الصحفيين الفلسطينيين في غزة ربما تعرضوا لاستهداف مباشر من قبل الجيش الإسرائيلي أثناء أداء واجبهم، مما يشكل جريمة حرب”.وأكد أن الصحفيين الذين يغطون الأحداث في مناطق النزاع يعتبرون مدنيين ويتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني.وتابع المتحدث: “لا ينبغي أبداً استهداف الصحفيين أثناء قيامهم بمهمتهم المتمثلة في إعلام الرأي العام والمساهمة في تحقيق المساءلة”.[18]
أكّد عدد من خبراء الأمم المتحدة اليوم أنّ العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة، في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أمست أكثر النزاعات دموية وخطورة على الصحفيين في التاريخ الحديث.فقالوا: “نعرب عن قلقنا البالغ حيال الارتفاع غير المسبوق في أعداد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، الذين تعرضوا للقتل والاعتداء والجرح والاحتجاز في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، لا سيما في غزة، خلال الأشهر الأخيرة في تجاهل صارخ للقانون الدولي.”وتابعوا قائلين: “ندين جميع أعمال القتل والتهديد والاعتداء على الصحفيين وندعو جميع الأطراف في النزاع إلى حمايتهم.”ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، قُتل أكثر من 122 صحفيًا وعاملاً في وسائل الإعلام في غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وأصيب آخرون كثيرون بجروح. كما قُتل ثلاثة صحفيين في لبنان نتيجة القصف الإسرائيلي قرب الحدود. واحتجزت القوات الإسرائيلية عشرات الصحفيين الفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية، حيث ازدادت المضايقات وعمليات الترهيب والاعتداء على الصحفيين منذ هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر.[19]
الخاتمة
يستطيع المتابع لحرب الإبادة في غزة ان يلاحظ الاعدام الممنهج الذي يقوم به الجيش “الإسرائيلي بحق الصحافة والاعلام ، ان ما يجري في غزة هو اعدام وتغييب للصوت الحر ، ومحاولة احتلالية لطمس الحقيقة بل وتشويهها، وان حالة الاعدام الاحتلالي للصحافة لم يأتي من فراغ وليس عبثيا ، بل يأتي بشكل ممنهج ومقصود، ويرتكز على خطه مدروسة ومعده لإبادة الاعلام ، و يسعى الاحتلال جاهدا لطمس كل ما يتعلق بفلسطين وشعبها وعدالة قضيتها، ويحاول طمس جريمته في غزة ، ويهدف إلى محاولة إخماد صوت الحقيقة ، وتخويف الصحفيين من الحديث عن اجرام جيش الاحتلال، كما يحاول تدمير ادلة التوثيق لجرائم الإبادة التي ينفذها الاحتلال في غزة، كما يهدف الاحتلال لتسويق روايته هو عن الحرب لتسويق نصره المزعوم ولاستمالة الرأي العام الدولي، لذا فهو يحتاج لتغييب أي صوت يكشف زيف ادعاءاته.
مطلوب:
- جمع الأدلة من شهادات صحفيين، وتقارير المستشفيات، وتسجيلات البث الفضائي.
- توثيق الاعتداءات “الاسرائيليه” بحق الصحافة والاعلام الفلسطيني، على ان يكون التوثيق دولي مستقل
- اعداد ملفات قانونية تبرز نمط الاستهداف وبانه ليس مجرد حوادث فردية.
- تقديم الشكاوي للمحاكم الدولية.
- استخدام اليات مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحده لتشكيل لجان تحقيق اممية خاصة.
- حشد الموقف العربي والإسلامي في المحافل الدولية.
- ضغط المجتمع المدني الدولي
- مقاطعة “إسرائيل” إعلاميا
- تنظيم شراكات مع وسائل اعلام دولية لابراز الانتهاكات وتوسيع الراي العام المناصر
- تفعيل الاعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي، وتفعيل النشطاء الإعلاميين في قطاع غزة.
[1] مغرم،عبد الله، الاعلام في زمن الحروب، جريدة الرياض،https://www.alriyadh.com/2042067
[2] ثابت، ناصر، في فهم الفاعلية: الصحفيون وتوثيق الجرائم الدولية، معهد الجزيره للاعلام، https://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/2555
[3] المرجع السابق
[4] الصوان، بديعة، هل يحمي القانون الدولي الصحفيين الفلسطينيين؟، معهد الجزيرة للاعلام، https://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/2399
[5] https://digitallibrary.un.org/record/793613?ln=ar&v=pdf
[6] الجزيرة نت ، https://2u.pw/6I1tx
[7] مكتب الاعلام الحكومي في غزة
[8] موقع جوال https://2u.pw/jIWpm
[9] الجزيرة نت https://2u.pw/6I1tx
[11] مقابلة أجراها الباحث محمد الراجي مع مدير قناة الجزيرة في القدس ورام الله، وليد العمري، عبر الهاتف، في 18 يناير/كانون الثاني 2024.
[12] عبدالحميد،مهند، الإعلام ودوره في حرب الإبادة ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية https://www.palestine-studies.org/ar/node/1656631
[13] مركز الجزيرة للدراسات، الحرب على غزة وهندسة الإبادة الإعلامية للجماعة الصحفية الفلسطينية (2023–2024 https://2u.pw/61F8P
[14] “Revenge, fire and destruction: A year of Israeli soldiers’ videos from Gaza”, The Washington Post, Loveday Morris and others, 3/12/2024.
[16] موقع إذاعة مونتي كارلو الدولية
[17] موقع منظمة العفو الدولية
[18] وكالة الاناضول التركية
[19] موقع الأمم المتحدة https://www.ohchr.org/ar/press-releases/2024/02/gaza-un-experts-condemn-killing-and-silencing-journalists