الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

مدخلات الانتخابات في العراق ومخرجاتها وتداعياتها

 بقلم :  الدكتور هاني الحديثي – المركز الديمقراطي العربي

 

بعد اكثر من شهر من العصف الطائفي والعشائري والمناطقي في دعايات انتخابية أتت على مليارات من الدولارات كان بالإمكان استثمارها في بناء المدارس والمستشفيات لجميع ابناء المحافظات العراقية او توفير الكهرباء الممنوعة عنهم بحكم اهدار التخصيصات من قبل حيتان ومافيات الفساد الضارب جذوره في كل مفاصل الدولة والمجتمع ،انتهت الانتخابات نحو ماتوقعناه ونصحنا الناس منذ البداية أن الانتخابات وضعت وفق قانون ومعايير بريمر ولن ينتج عنها سوى مارسم لها خاصة اصرار مؤسسي ما أطلق عليها (بالعملية السياسية ) على اعتماد قانون سانت ليغو الذي ينجز الفوز للقوائم الكبيرة ويلغي فرص القوائم الفردية او الصغيرة التي تجد فرصتها في الدوائر الانتخابية الصغيرة ، و أن من يجد في ذاته قناعة بامكانية التغيير من خلال الانتخابات فان عليه ان ينتخب المرشح الذي يطرح برنامجا وطنيا هو مؤهل له بمواصفاته الشخصية الوطنية والعلمية والثقافية وان يكون معيار النزاهة هو الاساس فيها بعيدا عن الجهوية الفرعية وبدون الاستعداد للانبطاح تحت إغراءات مالية او مزاعم كاذبة ، ولكن النتيجة ان اغلب الناس أن لم يكونوا جميعهم إلا قلة منهم ذهبوا لانتخابات على أسس الهوية الطائفية والمناطقية ، او تحت إغراءات مالية للناخبين تحط من الكرامة والقيمة الشخصية للبشر تاركين الهوية الوطنية خلف أظهرهم. (احد الرموز) يخطب بالناس وبكل حماسة ولباقة مفتونا بلفتاته العشائرية و بمن يحيط به مدعيا ان توليه الرئاسة هو استعادة لحقوق المكون الذي يزعم العمل لاجله ، وفات المهرجين له وحوله الذين ظلوا يعلون اصواتهم بالصياح تأييدا له ، انه إلى وقت قريب كان رئيسا وان كل ماقدمه هو تضخيم ثرواته الشخصية وبيع الحلفاء والغدر بالأصدقاء على حساب العراق كله ، بل الأخطر من ذلك التفريط بحقوق العراق السيادية في مواقع خطيرة منها خور عبدالله وفق كل المعطيات والوثائق .

وما ان انتهت جولات الانتخابات وفتحت الصناديق الذكية حتى سارع للقاء من كان يزعم في خطاباته الأفلاطونية انه لن يتفاوض ولن يلتقي بمن كانوا سببا في تهجير ابناء مكونه وقتلهم وغمط حقوقهم ، وبذات الوقت عاود التنكر والغدر بمن وفر لأبناء المكون الذي يزعم تمثيله الامن والإقامة زمن النزوح القسري على يد داعش واخواتها من الملشيات الاخرى .

رئيس آخر يعد ناخبيه بمنحهم مبلغا 150 الف دينار لكل ناخب حين الفوز ،لكنه نكث بوعده وتجمع الناس عند باب قصره الفخم يطالبون بما وعدهم ولكنه غادر قصره دون ان يهتم لصراخهم او يعيرهم اهتمام وفي ضميره يقول (أنتوا قشامر وصدقتم بوعدي فلكم على قدر هوان انفسكم حين قبلتم ان يكون سعر كل شخص منكم بقيمة (نص خروف ) .

وهكذا الحال رؤساء العشائر الذين شحذوا الهمم وتقدموا لانتخابات مجلس النواب موهمين انفسهم بان قدرتهم لفض النزاعات العشائرية ستؤهلهم لفض النزاعات الوطنية والدخول في معترك ودهاليز السياسة والرياسة و دون ان يقدموا للناخب اي مشروع انتخابي وطني او حتى مكوناتي مكتفين بالعزايم وذبح (الطليان ) لإطعام أهالي عشائرهم ومن يرتبط بهم .وجاءت النتيجة صادمة لهم حين فشلوا فيما نجح به هواة السياسة الراكبين على ظهور (بهائم الناس ) ليصلوا الى مبتغاهم الشخصي و(اكثرهم للحق كارهون). النتيجة حتى الان فوز ساحق للأحزاب والفصائل المسلحة و الاحزاب ولائية المقاصد والمبادىء التي يؤمنون بها ومعهم رموز من مكونات اخرى يقودون قوائم انتخابية حليفة للصف الاول ليضمنوا من خلالهم الإبقاء على التوليفة القابضة على السلطة وفقا لما خطط له وأنتجه بول بريمر . . شيوخ العشائر دخل بعضهم السباق الانتخابي متسلحًا بدور اجتماعي لا علاقة له بمعايير الدولة الحديثة، متوهماً ـ بقدرٍ من الغرور ـ أن الوجاهة الاجتماعية تُترجم تلقائيًا إلى مقاعد تشريعية، وكأن البرلمان ينتظرهم احترامًا للأعراف العشائرية. انقلب الرأي الشعبي عليهم سريعًا بسبب بهلوانيات أهل السياسة في قلب النتائج وحنكتهم في استخدام الأرقام بالكومبيوتر لتمنحهم هزائم مدوّية تكشف ضآلة تأثيرهم خارج محيطهم الضيق .

والمصيبة ان بعظهم يظهرون على الشاشات محللين سياسيين و استراتيجيين فيقدّمون نموذجًا صارخًا لازدواجية الأدوار المتناقضة و الجهل المركب. تاسيسا على ماتقدم ستشهد المرحلة المقبلة صراعات ومساومات وتنازلات لصالح المدخلات الخاطئة وتشكيل حكومة محاصصاتية توافقية يوخذ فيها بنظر الاعتبار حجم التدخل الخارجي دوليا و اقليميا لتذهب جميع الخطب النارية والوعود الانتخابية ادراج الريح بعد ان تركت تأثيرها في تكريس الحس الطائفي والعشائري في المجتمع العراقي المنقسم على نفسه بالأساس .

الان وفي ضل معطيات الانتخابات المتوقعة سلفا ،فان المرحلة المقبلة ستشهد صراعات وتنافس ساخن لتشكيل الحكومة بين انشطارات بين القوى المكوناتية من جهة و انشطارات داخل المكونات من جهة اخرى . لكن الراجح عندي ان التشكيل الحكومي سيتوزع بين احتمالين رأيسيين :

الاول :إعلان الاطار التنسيقي تشكيل الكتلة الأكبر وحصر تحديد شخص رئيس الوزراء به وفق معاييره الخاصة ذات الصفة الولائية لايران . هذا الخيار يبدو المرجح بحكم ان الاطار التنسيقي حصد 180 مقعدا برلمانيا اغلبهم من الفصائل المسلحة الموالية والمرتبطة عقائديا بولاية الفقيه وبعظها مسجل على قائمة الارهاب لدى الإدارة الأمريكية فضلا عن كون ترشحها بالأساس مخالف لنصوص دستورية صريحة تمنع على الاحزاب العراقية ان تكون لديها ملشيات مسلحة .

الخيار الثاني :ذهاب كتلة الإعمار والتنمية برئاسة السوداني لتشكيل تحالف مع قوى من خارج الاطار تشمل الكورد والسنة . هذا الخيار الأضعف بسبب طبيعة الانشقاقات داخل الكتل السنية فضلا عن العلاقات الخاصة التي تربط جناح بافال طالباني حزب الاتحاد الوطني مع الاطار التنسيقي . وفي حال حصول أزمة سياسية بسبب تدخل أمريكي ضد السيناريو الاول وهو احتمال مستبعد حتى الان ،فان الأزمة المحتملة قد تدفع العراق نحو التعرض لعقوبات اقتصادية تقودها وزارة الخزانة الأمريكية المسيطرة على حركة الدولار في العراق ،وربما تترافق مع ضربات تنفذ على منشات ومواقع بعض الفصائل المسلحة تحت ذريعة التعاون التسليحي مع ايران وتحويل المنشات داخل العراق الى مواقع تخزين أسلحة استراتيجية لايران داخل العراق . بيد ان متغيرين مهمين يبدوان منهما ان الحسم قد تم لصالح السيناريو الاول . المتغير الاول بتمثل بالقرار القضائي عن المحكمة الاتحادية وهو الآتي وفق تفسير الدكتور علاء الشريفي في تاريخ 17/11/2025 أصدرت المحكمةالاتحادية العليا تفسيراً للمادة 56 من الدستور قضى :

(بأن يوم الاقتراع العام لانتخاب مجلس النواب الجديد يعني انتهاء ولاية مجلس النواب السابق وانتهاء صلاحيته التشريعية والرقابية، وتحول الحكومة إلى حكومة تصريف الأعمال اليومية )، وهذا المبدأ يثير إشكالاً دستورياً عميقاً يتمثل في تعارضه الصارخ مع نصوص الدستور والقوانين النافذة، وهو ما يُعد تجاوزاً لحدود التفسير الدستوري. كون المادة 56/أولاً من الدستور العراقي حددت مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب بـ “أربع سنوات تقويمية، تبدأ من تاريخ أول جلسة له”.

وبما أن أول جلسة للمجلس الحالي عُقدت في 9/1/2022،فإن ولايته الدستورية الكاملة لا تنتهي إلا في 8/1/2026 .وخلال هذه الفترة، يتمتع المجلس بكامل صلاحياته التشريعية والرقابية.وكما أن المادة 42 من النظام الداخلي لمجلس الوزراء (رقم 2 لسنة 2019) ربطت تحول الحكومة إلى حكومةتصريف أعمال بـ “انتهاءالدورة الانتخابية للمجلس”،وليس ببدء الاقتراع العام . وإن اعتبار يوم الاقتراع هو نهاية الولاية التشريعية والرقابية لمجلس النواب يتجاهل الإجراءات القانونيةاللازمة لاكتساب صفة النائب، حيث أن الفائزين في يوم الاقتراع هم مجرد مرشحين فائزين لحين المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية نفسها، وأداء اليمين الدستورية.

وهذا ما أيدته المحكمة الاتحادية العليا نفسها بحكمها بالرقم (56/اتحادية/2011)، الذي نص على أن (“صيرورة المنتخب نائباً تتم بعد إعلان نتائج الانتخابات من المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبعد مصادقة المحكمةالاتحادية العليا على النتيجة المعلنة وبعد حلف اليمين الدستورية وعليه، فإن تفسير المحكمة الاتحادية يمثل تعديلاً دستورياً عبر التفسير القضائي؛ المتغير الثاني ماترشح عن الإدارة الأمريكية وتأييدها لنتائج الانتخابات وابتعادها عن تأييد السيد السوداني بعد كم من المعلومات السابقة والمرافقة للانتخابات التي اوحت له ان الإدارة الأمريكية ستقف معه وتسانده ضد تغول الفصائل المسلحة الموالية لايران . تاسيسا على ماتقدم فان من الواضح ان نتائج الانتخابات تطابقت تماما مع مدخلاتها وان أحلام التغيير قد وئدت في مهدها وان العراق مقبل على أربعة سنوات اخرى امتداداً لما مضى في عقدين بكل ماتحمله من افعال تركت شروخها في عمق الجسد العراقي إلا في حال حدوث متغير إقليمي خارج نطاق التنبؤات .

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى