الدراسات البحثيةالقانونية والعلوم الاداريةالمتخصصة

المسؤولية الاجتماعية للدولة الغربية في مجال الصحة: سوق الدواء أنموذجا

The Social Responsibility of the Moroccan State in the Health Sector: The Pharmaceutical Market as a Case Study

اعداد : د. عبد الحق مربوط – كلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بأكادير، جامعة ابن زهر، المغرب

المركز الديمقراطي العربي : –

  • مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد الخامس والأربعون أيلول – سبتمبر 2025 – المجلد 11 – وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن #المركز_الديمقراطي_العربي المانيا- برلين.
  • تُعنى المجلة في الدراسات والبحوث والأوراق البحثية عمومًا في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية،والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.

Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland

ISSN   2566-8048     Print
ISSN  2566-8056   Online

Journal of Political Science and Law

للأطلاع على البحث من خلال الرابط المرفق : –

https://democraticac.de/wp-content/uploads/2025/09/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%84-%E2%80%93-%D8%B3%D8%A8%D8%AA%D9%85%D8%A8%D8%B1-2025.pdf

ملخص
        في سياق تزداد فيه تحديات ضمان الولوج إلى الدواء، أصبح البحث في المسؤولية الاجتماعية للدولة في المغرب بشأن الحق في الصحة عبر ضمان العدالة الدوائية موضوعا محوريا ضمن مواضع الأمن الصحي في الوقت الراهن. وعليه، تتلخص أهمية البحث في تسليط الضوء على أبعاد تحمل الدولة المغربية لمسؤوليتها الاجتماعية المتعلقة بمجال الدواء، وتستهدف ملامسة هذه الأبعاد من خلال السياسات والتدابير والتدخلات التي تتخذها الدولة بهذا الصدد. تأسيسا على ذلك، يطرح البحث للنقاش إشكالية كيفية اضطلاع الدولة المغربية بمسؤوليتها الاجتماعية في ضمان ولوج المواطنين إلى الدواء، في ظل التحديات والرهانات الآنية لسوق الدواء، ويعتمد البحث، في ذلك على المنهج التحليلي، مع الاستعانة بمنهجية التحليل الوثائقي، بما يُمكن من رصد حدود وتجليات المسؤولية المذكورة وأفقها.

الكلمات المفتاحية: المسؤولية الاجتماعية، الحق في الصحة، الولوج إلى الدواء، السياسة الدوائية، الأمن الصحي.

 

Abstract                                                                                                                                                                         
In a context of increasing challenges in ensuring access to medicines, research into the Moroccan state’s social responsibility regarding the right to health through ensuring pharmaceutical justice has become a central topic within current health security issues. Accordingly, the importance of this research lies in shedding light on the dimensions of the Moroccan state’s social responsibility in the field of medicines, and aims to address these dimensions through the policies, measures, and interventions the state adopts in this regard. Based on this, the research raises the issue of how the Moroccan state fulfills its social responsibility in ensuring citizens’ access to medicines, given the current challenges and stakes facing the pharmaceutical market. The research relies on an analytical approach, utilizing a documentary analysis methodology, to identify the limits, manifestations, and horizons of this responsibility.

Keywords: social responsibility, right to health, access to medicines, pharmaceutical policy, health security.

 

المقدمة:

تُعتبر الدولة أحد المواضيع الأساسية في علم السياسة، وموضوعا تباينت ولا تزال تختلف بشأن تفسيره مختلف النظريات (النظريات الدينية (الوظاف 2019، 409 و410)[1]، ونظرية التطور العائلي (الوظاف 2019، 411)[2]، ونظرية التطور التاريخي (الوظاف 2019، 411)[3]، ونظرية القوة (الوظاف 2019، 312 و413) [4]، ونظريات العقد الاجتماعي (الوظاف 2019، 412 و413) [5]…إلخ).

ورغم أن مفهوم الدولة الحديثة قد ظهر مع توقيع اتفاقية “ويستفاليا 1648″، عقب وضع حد للحرب الدينية وللحكم الكنسي بأوروبا، إلا أن النقاش حوله قد ازداد حدة بين تيارات فكرية مختلفة؛ ففي الوقت الذي تعتبر فيه بعض الاتجاهات أن الدولة “أرقى شكل للتنظيم الاجتماعي”، باعتبارها “مؤسسة المؤسسات”، تنظر إليها اتجاهات أخرى باعتبارها نتاج عقد اجتماعي، في حين يرى فيها البعض الآخر عائقا أمام تحقيق تطلعات الشعوب، بينما لا تنظر إليها تيارات أخرى إلا كأداة للسيطرة الطبقية (العيادي 2023، 436 و437).

وبغض النظر عن مختلف المفاهيم التي واكبت هذا النقاش، من قبيل الدولة المتدخلة والدولة الحارسة ودولة الرفاه (محمدين 2022، 278)[6]، إلى غير ذلك، فالضرورة تقتضي الإشارة إلى أن الدولة قد اقتصرت، منذ نشأتها، على تلبية الحقوق الأمنية والسياسية، التي ترجمها الجيل الأول من الحقوق المتضمنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948. لكن بروز متغيرات ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومعها الجيل الثاني من الحقوق المتجلية في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي تم إضافتها للإعلان المذكور، أدى إلى جعل الدولة تنتقل من الدولة المحايدة إلى الدولة المتدخلة من أجل حماية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ثم إلى بروز مفهوم آخر توج مسارا طويلا بدأت بوادره منذ سنة 1870 بألمانا، وهو مفهوم الدولة الاجتماعية (العيادي 2023، 438 و439)[7].

يرتبط مفهوم الدولة الاجتماعية بشكل جلي بمفهوم دولة الرفاه (Etat providence)، بيد أن هذا الارتباط، الذي يتصل بشكل أكبر بأهدافهما، يبقى مُتسما بنوع من الغموض (Renaudie 2014, 8). لذلك، يُفضل بعض علماء السياسة الحديث عن الدولة الاجتماعية بدل الإشارة إلى ”دولة الرفاه” (Etat providence)؛ ذلك، على اعتبار أننا أمام مكاسب اجتماعية يتم الحصول عليها بعد نضال، أكثر من كوننا أمام نوع من الأعمال الخيرية تجاه أجراء سلبيين (SUAREZ 2007, 56)

عموما، قد يُواجه تعريف مفهوم الدولة الاجتماعية (Sozialstaat) مُعضلة اختلاف الرؤى بشأن معانيه (Renaudie 2014, 8)، لكن العودة إلى أفكار “السياسيين الاجتماعيين” الذين تبنوه سنة 1870 بألمانيا، يُبين أنه مفهوم يهدف بالأساس إلى النهوض بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن (العيادي 2023، 439)، وإلى تكريس مبادئ التضامن والمساواة والمساعدة وتصحيح وضع اللامساواة في المجتمع، وإضفاء الشرعية على النظام الاجتماعي والسياسي (Renaudie 2014, 7).

تأسيساً على ذلك، فالدولة الاجتماعية تنبني على العدالة الاجتماعية (العيادي 2023، 440)، وتنطوي على قواعد اجتماعية مُشتركة (SUAREZ 2007, 57)، وتتأسس، علاوة على الحماية الاجتماعية، على عدة ركائز من قبيل تقنين علاقات الشغل، والخدمات العمومية، والسياسات الاقتصادية المدعمة للنشاط الاقتصادي والتشغيل (العيادي 2023، 439).

على إثر ذلك، يُمكن القول إن الدولة الاجتماعية لا تكون كذلك إلا حينما تسن تشريعات وتتخذ تدابير، تسير في اتجاه التوزيع العادل للموارد بين المواطنين، ونحو تأمين الخدمات الاجتماعية لهم، وعندما تأخذ منحى تحمل مسؤوليتها في حمايتهم من الوقوع في براثين اقتصاد السوق وجشع الرأسمالية المتوحشة ونتائج عولمة الاقتصاد (العيادي 2023، 440).

بهذا المعنى، فإن الدولة لا تكون دولة اجتماعية إلا بتحمل مسؤوليتها الاجتماعية (حركات 2019، 32)[8]، وهي مسؤولية تٌلزمها بمعالجة المشاكل المترتبة عن التدبير، وتفرض عليها التدبير الأَمْثَل للمشاكل والنتائج المترتبة عن تبني السياسات العمومية (حركات 2019، 33)، ذات الصلة باقتصاد السوق.

من هذا المُنطلق، فإذا أردنا الحكم على مدى وجود دولة اجتماعية بالمغرب، فإنه من الضروري أن نسائل مسؤولية الدولة المغربية بشأن المشاكل والنتائج المترتبة عن تدبير وتبني السياسات العمومية، كما هو الشأن بالنسبة للسياسات المرتبطة باقتصاد الصحة.

وفي هذا الصدد، فمن بين العناصر الأساسية التي يُمكن الانطلاق منها للحكم على مدى اتسام الدولة المغربية بالصفة الاجتماعية عنصر تحملها لمسؤوليتها الاجتماعية في مجال اقتصاد الصحة.

بهذا المعنى، فإذا ركزنا في مجال اقتصاد الصحة، مثلا، على موضوع الدواء، يُمكن القول إن دراسة موقع الدولة المغربية في دائرة اقتصاد الصحة الوطني، في جوانبه المرتبطة بسوق الدواء، تكتسي أهمية بالغة في الحكم على الطابع الاجتماعي للدولة بالمغرب، خاصة أن تسليط الضوء على سياساتها وتدابيرها وتدخلاتها، ذات الصلة بهذه الدائرة، والرامية إلى تثبيت التوازنات الاجتماعية والماكرو – اقتصادية، سيضيئ مظاهر هذا الطابع. ما من شأنه إغناء البحث الأكاديمي في مجال الدولة الاجتماعية وعلاقتها بالدائرة المذكورة من جهة، ومساعدة صانع القرار المغربي على تدعيم وإرساء أسس هذه الدولة على مستوى المغرب من جهة أخرى.

من هذا المُنطلق، تتمحور الإشكالية الرئيسية لهذه الدراسة حول السؤال المركزي التالي:

 كيف تعمل الدولة المغربية على تعزيز مسؤوليتها الاجتماعية في ضمان ولوج المواطنين إلى الدواء، في ظل التحديات الراهنة لسوق الدواء وفي ضوء الرهانات المرتبطة به؟

وتتفرع هذه الإشكالية إلى عدد من الأسئلة الفرعية الاساسية ومنها:

  • ما المقصود بالمسؤولية الاجتماعية للدولة؟
  • ما هو خيار المغرب في تدعيم مسؤولية الدولة في مجال الدواء؟
  • ما هو الإطار العام للمسؤولية الاجتماعية للدولة المغربية في مجال الدولة؟
  • ما هي التحديات التي تُواجه تحمل الدولة المغربية لمسؤوليتها الاجتماعية في ضمان الولوج إلى الدواء؟
  • ما هي رهانات الدولة المغربية في ضمان تحمل مسؤوليتها في ضمان الولوج إلى الدواء

وتتجلى الفرضية الأولى للبحث في كون الدولة المغربية تبذل جهوداً مضنية من أجل تحمل مسؤوليتها في مجال اقتصاد الصحة، من خلال اتخاذ تدابير تتمحور حول ضبط سوق الدواء تشريعيا وتنفيذيا وقضائيا. بينما تتمظهر الفرضية الثانية في كون الدولة المغربية تسعى إلى ضمان ولوج المواطنين للدواء، غير أن وجود فجوة عميقة بين التدابير القانونية والسياسية المتخذة في سبيل ضمان ذلك، وبين واقع تنفيذ هذه التدابير، يقف أمام تحقيق هدف هذه التدابير. على طريق إثبات الفرضية الصحيحة من بين هاتين الفرضيتين، نسلك المنهج التحليلي، الذي يُمكننا من خلال العودة إلى أصول الأفكار وتحليلها، على الوصف والتحليل الدقيق لكيفية عمل الدولة الغربية على تعزيز مسؤوليتها بشأن ضمان لولج المواطنين للدواء، وعلى تشخيص التحديات التي تواجهها في ذلك، وعلى الوقوف عند رهاناتها بهذا الشأن، ومن تم تعميم النتائج والتنبؤ بمستقبل تدخل الدولة في مجال الدواء.

أما الآلية المنهجية المستعملة لأجراء هذا المنهج فتتمثل في منهجية التحليل الوثائقي (تحليل المضمون)، كآلية نعتمدها من أجل تحليل وتقييم السياسات العمومية المغربية في مجال الدواء، التي تترجمها الوثائق الرسمية، وبهدف رصد حدود وتجليات وإكراهات وأفق تحمل المسؤولية المذكورة.

ولمقاربة هذا الموضوع والإجابة على الإشكالية الأساسية المطروحة وما تتفرع عنها من تساؤلات، نقسم البحث الى فصلين اثنين على الشكل الآتي:

1: المسؤولية الاجتماعية للدولة المغربية في مجال الدواء بين الخيار السياسي والتأطير القانوني

2: المسؤولية الاجتماعية للدولة المغربية ورهانات ضمان الولوج إلى الدواء

  1. المسؤولية الاجتماعية للدولة المغربية في مجال الدواء بين الخيار السياسي والتأطير القانوني

يعي صنع القرار المغربي الأهمية المحورية للمسؤولية الاجتماعية في مفهوم الدولة الاجتماعية، لذلك فإنه يسعى جاهدا لتدعيم مسؤولية الدولة المغربية اجتماعيا، بما في ذلك في مجال اقتصاد الصحة، وسوق الدواء بشكل خاص (1.1). ويتجلى هذا السعي في دسترة الحق في الصحة في دستور 2011، وفي تحديد جوانب مسؤولية الدولة في مجال الدواء (1.2).

1.1: نحو تعزيز المسؤولية الاجتماعية للدولة في مجال الدواء بالمغرب

تعتبر المسؤولية الاجتماعية للدولة محور الدولة الاجتماعية (1.1.1)، لذلك، فالمغرب يعمل، في سعيه لتثبيت هذه الأخيرة، إلى تدعيم مسؤولية الدولة المغربية في مجال اقتصاد الصحة عامة، وفي سوق الدواء بشكل خاص (1.1.2).

1.1.1: ركائز المسؤولية الاجتماعية للدولة

لا تكون الدولة دولة اجتماعية في مجال الدواء إلا بتحمل مسؤوليتها الاجتماعية في هذا المجال (حركات 2019، 32)[9]. ويرتبط تحمل الدولة لهذه المسؤولية بتوفر عدة عناصر، داخلية وخارجية، تتعلق بجوانب التوقع والتنظيم والتقييم والمراقبة، وترتبط بعدة رهانات؛ يتعلق أول هذه الرهانات بقدرة المؤسسات الدستورية على اتخاذ القرار الفعال والملائم، في عالم متغير لم تعد فيه الدولة الفاعل الأساسي، بينما يتجلى الرهان الثاني في إنتاج القوانين ووضع التدابير التي من شأنها ضمان السير العادي للمرافق الاجتماعية والخدمات العمومية. أما الرهان الثالث فيرتبط بالقدرة على تحليل آثار السياسات العمومية على المجتمع وعلى كفاءة الفاعلين والشركاء وتكوينهم المهني والعلمي ومدى تزودهم بالمعلومات العلمية والمنهجية، بينما يتمظهر الرهان الرابع في القدرة على تحديد ملامح التهديدات والفرص المتاحة …إلخ (حركات 2019، 33 و34).

استنادا إلى ما سبق، فإن تأسيس الدولة الاجتماعية لا يتوقف عند مُجرد سن تشريعات حمائية ذات طبيعة اجتماعية (التأمين ضد الحوادث وضد البطالة والشيخوخة والتقاعد…. إلخ)، بل يتجاوز ذلك إلى ضرورة تدخل الدولة اقتصاديا، واتخاذها لتدابير تُحَول اقتصاد السوق إلى اقتصاد اجتماعي تنخرط فيه الفعاليات الاقتصادية، في إطار من التوازن مع كل مكونات المجتمع (العيادي 2023، 442).

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن  المقصود باقتصاد الصحة l’économie de la  santé)) هو ذلك الحقل المعرفي المرتبط بالعلوم الاقتصادية، والذي ينطوي على دراسة الصحة من خلال الاهتمام بتنظيم نسق الصحة والحماية الاجتماعية والعوامل التي تُحدد العرض والطلب في مجال الرعاية؛ أي عبر اجراء دراسة نسقية لخيارات الأفراد فيما يتعلق بسلوك الخطر، والوقاية من الأمراض وعلاجها، عندما تتغير الأسعار والتكاليف والعائدات (المداخيل)، وذلك باعتماد المفاهيم الأساسية لأربع مجالات أساسية في علم الاقتصاد وهي: اقتصاديات التأمين، والاقتصاد الصناعي، واقتصاد العمل، والاقتصاد العام، يُضاف إليها اقتصاد التنمية للعمل (المرتبط بالصحة في العالم الثالث)، الذي تقترحه “ماري صافين” (Safon 2019, 3).

لذلك، يستوجب التأسيس للدولة الاجتماعية في مجال الدواء تجاوز أسطورة حياد الدولة، التي تُخفي وظيفة أيديولوجية، كما يستوجب، أيضا، استيعاب عدم وجود الدولة خارج الدائرة الاقتصادية لهذا المجال؛ لأن ميزة هذه الدائرة بالأساس هي تقسيم العمل بين الدولة – القطاع العام والقطاع الخاص (SUAREZ 2007, 57).

توضيحا لذلك، يتطلب الحديث عن الدولة الاجتماعية في مجال الدواء وجود دولة مسؤولة تتدخل بشكل مكثف، كمستثمر في الدائرة الاقتصادية لهذا المجال (SUAREZ 2007, 56)، وذلك بشكل يضعها في خدمة تنافسية هذا السوق، وبطريقة تجعلها تقلل من تكلفة إنفاقها الاجتماعي في هذا المجال (Leduc 2914, 51)[10].

1.1.2 خيارات المغرب في تدعيم المسؤولية الاجتماعية للدولة في مجال الدواء

اتخذ المغرب عدة مبادرات تدخل في إطار تدعيم أدوار الدولة الاجتماعية؛ فقد نص الدستور (الفصل 31) على الطبيعة الاجتماعية للدولة (دستور_المغرب 2011)[11]، كما أكدت الخطب والمبادرات الملكية على أُسس الدولة الاجتماعية في العديد من المناسبات (Elhamdaoui 2024, 4)[12]. علاوة على ذلك، فقد اتخذ المغرب عدة تدابير ترمي لترسيخ هذه الأسس، وهو ما يظهر من خلال دعم القدرة الشرائية للمواطنين، وتعميم التغطية الصحية الإجبارية، وتفعيل الدعم المباشر للأسر، دعم السكن…إلخ (العيادي 2023، 434). رغم ذلك، فإن هناك إشكالات تقف أمام تحقيق الدولة الاجتماعية على أرض الواقع، وتتجلى بالأساس في طبيعة وكيفية ممارسة الدولة لمسؤوليتها الاجتماعية، ولا سيما في مجال اقتصاد الصحة المرتبط بالدواء.

تفسيراً لذلك، يظهر أن توقف تحمل الدولة للمسؤولية الاجتماعية (حركات 2019، 35)[13] في توفير الحماية الصحية في المغرب (القانون_65.00 2002)، باعتبار هذه المسؤولية “عنصرا ضروريا” على مستوى السياسات العمومية (الأنصاري 2021، 63)، المرتبطة بتعزيز الأمن الصحي، عند حدود “العمل” (دستور_المغرب 2011)[14] و”الاستهداف” دون “الالتزام” (الأنصاري 2021، 60)[15] يُثير تساؤلات بشأن طبيعة وكيفية ممارستها (دستور_المغرب 2011)[16].

كما أن توقف نقاش الدولة الاجتماعية بالبلاد، في غالب الأحيان، عند دور الدولة في توفير الحماية الاجتماعية، وحصر هذه الأخيرة عند حدود ركائز مُحددة لا تستحضر التدخل الاقتصادي بالشكل الكافي (العيادي 2023، 451)[17]، يجعل التساؤل مشروعاً بشأن موقع الدولة المغربية في الدائرة الاقتصادية الوطنية عامة، ولاسيما في دائرة اقتصاد الصحة الوطني، بشكل خاص، وبشكل أخص ما يتعلق منه بمجال الدواء (القانون_17.04 2006)[18].

يَمُرّ تحمل الدولة لمسؤوليتها في مجال اقتصاد الصحة المرتبط بالدواء عبر خيار سياسي يُوازن بين دورها التخطيطي وبين مبادئ السوق الحر، ويُوفق بين مصلحة الخواص (الربح) والمصلحة العامة المتجلية في ضمان وحماية الأمن الصحي. فإلى أي حد تتحمل الدولة المغربية مسؤوليتها في مجال الدواء؟

1.2: الإطار القانوني للمسؤولية الاجتماعية للدولة المغربية في مجال الدواء

ساهمت دسترة الحق في الصحة في دستور 2011 في تزكية مسؤولية الدولة المغربية في مجال السياسات الصحية (1.2.1). وتتمثل هذه المسؤولية في مجال الدواء في ضمان ثلاث عناصر أساسية وهي: توافر الدواء، وسلامته، (1.2.2).

1.2.1: دسترة المسؤولية الاجتماعية للدولة في مجال الصحة بالمغرب

لم تكن الدساتير المغربية السابقة لدستور سنة 2011 تضع الدولة في موقع المسؤول عن ضمان الحق في الصحة (الأنصاري 2021، 63)، غير أن المشرع الدستوري عمد، خلال تعديل سنة 2011، إلى إحداث ثورة تساير الدساتير المتقدمة، التي تضع الدولة كمسؤول عن حماية هذا الحق (الأنصاري 2021، 63)[19]؛ ما جعل دستور سنة 2011 أول دستور مغربي ينص بشكل صريح على هذا الحق (الزبيري 2023، 9). فقد نص الفصل 31 من هذا الدستور على أنه:

“تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: العلاج والعناية الصحية؛ الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة […]” (دستور_المغرب 2011)

كما تمت تزكية هذه المسؤولية عبر القانون؛ إذ أكد القانون الإطار 34.09 على مسؤولية الدولة في تحقيق أهداف ومبادئ المنظومة الصحية، ووضع المسؤولية العامة ضمن العناصر الأساسية للسياسة الصحية العامة، ووَفَّر إطار الحكامة اللازم للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بمسؤولية الدولة عن السياسات الصحية المتعلقة بالمواطنين (الأنصاري 2021، 63).

ولما كان المغرب عضوا في مُنظمة الصحة العالمية فقد كان من الطبيعي أن يجعل موضوع الدواء عنصراً أساسياً يحضر بكل أبعاده في السياسات الصحية للبلد، وبالتالي وضعه ضمن مسؤوليات الدولة المرتبطة بالسياسات الصحية (الأنصاري 2021، 68 و69)[20].

1.2.2 العناصر الأساسية للمسؤولية الاجتماعية للدولة المغربية في مجال الدواء

تتجلى مسؤولية الدولة المغربية في مجال الدواء في ضمان ثلاث عناصر أساسية وهي: توافر الدواء (1.2.2.1)، وسلامته (1.2.2.2)، والولوج إليه (1.2.2.3).

1.2.2.1. مسؤولية الدولة في ضمان توافر الدواء

لا يُحمل المشرع المغربي الدولة مسؤولية “توفير الدواء” بقدر ما يُحملها مسؤولية “توافره”، وذلك عبر التأطير القانوني والقيام بالإجراءات اللازمة لجعل الدواء والمنتجات الدوائية موفرة بجودة في مجموع التراب الوطني (الأنصاري 2021، 68).

وعليه، فلما كانت مسؤولية توافر الدواء تقع على الدولة (الأنصاري 2021، 71)، فإن هذه الأخيرة مسؤولة على أن “تضمن توافر الأدوية والمنتجات الصيدلية الأساسية وجودتها في مجموع التراب الوطني وتعمل على تيسير الولوج إلى الدواء” (القانون_الإطار_34.09 2011).

وتتحمل الدولة هذه المسؤولية – بشكل خاص – من خلال وزارة الصحة (مرسوم_2.94.285 1994، ف3. م1)[21]، ممثلة في مصلحة مركزية تشمل بالأساس مديرية الأدوية والصيدلة، ولا سيما مديرية التموين بالأدوية والمنتجات الصحية (القانون_الإطار_34.09 2011، م 4)؛ إذ تُناط بهذه الأخيرة مهام ذات صلة بتتبع وضعية تموين السوق الوطنية من الأدوية والمواد الصيدلية وضمان المخزون الوطني منها، والتحقق من تواجدها لدى المؤسسات الصيدلية، وجمع كل معلومة لها علاقة بانقطاعها…إلخ (القانون_الإطار_34.09 2011، م15).

1.2.2.2. مسؤولية الدولة في ضمان سلامة الدواء

 تتحمل الدولة المغربية مسؤولية تحديد شروط تأمين وسلامة وجودة الأدوية والمنتجات الصيدلية الأساسية غير الدوائية (القانون_الإطار_34.09 2011، ف4. م6)؛ ويتولى هذه المسؤولية المختبر الوطني لمراقبة الأدوية (LNCM) – الذي يتمحور حوله نظام مراقبة الجودة لدى مديرية الأدوية والصيدلة (الأنصاري 2021، 73) – علاوة على مؤسستين أساسيتين وهما: مديرية الأدوية والصيدلة، التي تتكفل بمهام التقييم والمراقبة والتفتيش والإعلام، ثم مفتشية الصيدلة التابعة لوزارة الصحة، والتي يُناط إليها مراقبة مخزونات الأدوية بالمصحات ومستودعات الأدوية، ومدى احترام قواعد حسن انجاز صنع الدواء وتوزيعه وتخزينه وفق المواد 20 و31 و70 من مدونة الأدوية والصيدلة (الأنصاري، 2021، 73 و74).

1.2.2.3. مسؤولية الدولة في ضمان الولوج إلى الدواء

تتحمل الدولة المغربية مسؤولية ضمان ولوج المريض إلى الدواء عبر عدة تدابير؛ إتضع التدابير التشريعية والتنظيمية اللازمة لأجل التحكم في سعر الدواء (مرسوم_2.13.852 بلا تاريخ)،  وتُخصص ما يناهز نصف نفقات منظومة الصحة الوطنية لمجال الأدوية، بشكل يُنهك ميزانية هذه الأخيرة (سعد 2013، 215)، حيث تعمل على توفير الدواء لفئات مُعينة، مثل المصابين بأمراض السيدا (مشروع_قانون_المالية 2018، 72)، والسكري، والسرطان (مشروع_قانون_المالية 2018، 75 و76)، والإدمان، والأمراض النفسية…إلخ (مشروع_قانون_المالية 2018، 77 و78)، علاوة على إدخال فئات جديدة

إلى دائرة الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إضافة إلى تحويل فئات أخرى من النظام الاختياري إلى النظام الاجباري في التأمين عن المرض (سعد 2013، 191).

ورغم ذلك فإن تحمل هذه المسؤولية يُواجه بعض الإكراهات. فماهي تحديات تحمل الدولة لمسؤولية ضان الولوج إلى الدواء وما هي رهاناته؟

  1. المسؤولية الاجتماعية للدولة المغربية ورهانات ضمان الولوج إلى الدواء

يبذل المغرب جهودا حثيثة لأجل ضمان الولوج إلى الدواء كرهان أساسي لتعزيز المسؤولية الاجتماعية للدولة. رغم ذلك، تُواجه هذه الجهود عدة عراقيل تلتقي – في مجملها – عند غلاء سعر الأدوية وارتفاع تكلفتها (وزارة_الصحة 2012، 77)؛ حيث يُكلف الدواء أغلبية المغاربة ما يُعادل متوسط أربعة أيام عملهم (250 درهم) (سعد 2013، 191).

وتعود أسباب هذه التكلفة المرتفعة إلى العديد من الأسباب المترابطة؛ يرتبط السبب الأول (السبب الثانوي) بمبالغة المغاربة في استهلاك الدواء، وبقفز المريض المغربي في أحيان كثيرة عن الاستشارة والفحص الطبي، والإقدام على الشراء الذاتي للدواء مباشرة من الصيدلي. أما السبب الثاني (السبب الأساسي) المسؤول عن ارتفاع التكلفة، سالفة الذكر، فيتمثل في الارتفاع المتطرف في ثمن الدواء في حد ذاته، سواء بالنسبة للأصلية أم الجنسية منها، مقارنة بالعديد من دول العالم (الزبيري 2023، 193 و194).

في هذا المقام، لا بد من التأكيد على أن هناك عوامل أخرى إلى جانب السببين السابقين، تُؤدي بدورها إلى تكريس الغلاء المتطرف للدواء بالمغرب؛ من أهم هذه العوامل وجود قصور في المساطر الإدارية (الزبيري 2023)[22]، وضعف الآليات التشريعية الرامية إلى حماية الحق في الولوج إلى الدواء (الزبيري 2023، 197 و198)[23]، وهما عاملان أساسيان يُضاف إليهما عامل آخر يتجلى في الضريبة على القيمة المضافة التي تفرض على الأدوية بالمغرب (الزبيري 2023، 206)، وفي الرسوم التي تفرض على الأدوية المستوردة (مجلس_المستشارين 2021، 54 و55).

علاوة على ذلك، تنبغي الإشارة إلى أن الارتفاع المفرط في ثمن الدواء يعود كذلك، بشكل أو بآخر، إلى خفض مصانع الدواء لطاقتها الإنتاجية، نتيجة ضعف استهلاك المغاربة للدواء ولجوئهم لجودة أقل، جراء ضعف قدرتهم الشرائية (سعد 2013، 202 و203).

فضلاً عن ذلك، لا يجب إغفال أن ضعف السوق الوطنية للأدوية (الزبيري 2023، 210 و211)، وتبعية صناعتها للخارج (الزبيري 2023، 215)، ولاسيما منذ التوقيع على بنود منظمة العالمية للتجارة سنة2011، يُعد سببا لا يُمكن تجاهله عند الحديث عن أسباب غلاء سعر الدواء بالمغرب (الصعيب 2014، 49)؛ لاسيما أن الخيارات السياسية في المغرب تؤسس لسياسات عمومية في مجال الدواء تتمحور في جزء منها على السوق العالمية (أقصبي 2017، 99)، وهي سوق يرتبط بها المغرب

عبر 56 اتفاقية تبادل حر – إلى حدود سنة 2017 (أقصبي 2017، 86 و87) – وذلك على مستوى الاستيراد (4 منتوجات مستهلكة في المغرب من أصل 10 مستوردة) وليس التصدير (أقصبي 2017، 100).

ويُفاقم من هذا الوضع كون المختبرات الرائدة في انتاج الأدوية في الخارج لا يُغريها انتاج الأدوية المرتبطة بأمراض الدول الفقيرة، وخاصة الدول التي لا تتمكن من استثمار آلية “الترخيص الاجباري لندوة قطر” من أجل انتاج الأدوية الجنيسة بنفسها (سعد 2013، 201).

لمواجهة هذا الوضع يُراهن المغرب على عنصرين أساسيين؛ يتجلى العنصر الأول في الاعتماد على الدواء الجنيس (2.1)، بينما يتجلى العنصر الثاني في تدخل الدولة في مجال سوق الدواء للموازنة بين حرية السوق وبين صحة المستهلك (2.2).

2.1: ضمانات الولوج إلى الدواء بالمغرب ورهان الدواء الجنيس

يعي صانع القرار المغربي أهمية اعتماد الدواء الجنيس كحل لمواجهة غلاء سعر الدواء بالمغرب (2.1.1)، لكن الطبيعة اللبرالية لسوق الدواء بالبلد تقف حائلا أمام هذا الهدف. وحتى إن توفر الدواء الجنيس فإن حضور هاجس الربح لدى الصيدلي لا يسمح بالقضاء على السعر المتطرف للدواء، لأن هذا الهاجس يمنعه من صرف هذا الدواء على حساب الدواء الأصلي (2.1.2).

2.1,1: تدابير المغرب نحو اعتماد الدواء الجنيس في سوق الدواء

لأجل مواجهة واقع غلاء سعر الدواء، ولتجاوز طغيان مصلحة اقتصاد السوق على حساب الحق في الدواء (داغر 2004، 3)، فقد حرص صانع القرار المغربي، علاوة على تخصيص أموال من الميزانيات السنوية لشراء الدواء (RNI 2021، 15)[24]، على وضع سياسة دوائية شاملة تمس جوانب الجودة والسلامة والفعالية والترشيد والانتاج (CNDH 2022، 41) والتوزيع…إلخ (الكتاب_الأبيض 2023، 27)[25]. وقد عمل على ترجمة ذلك عبر مخطط الصحة 2025 (الفقير 2021، 93 و94)[26]، الذي يتضمن تدابير تستكمل التدابير المسطرة في الاستراتيجية القطاعية للصحة 2012-2016 بشأن مجال الدواء (وزارة_الصحة 2012، 78 و79)[27].

وتنسجم مع توصيات التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن فعلية الحق في الصحة سنة 2022 (CNDH 2022، 42)[28].

تبعا لذلك، فقد أسست هذه التدابير، التي اتخذها صانع القرار على أساس توصيات دراسة “بلورة خطة عمل للنهوض بالأدوية الجنيسة” (سعد 2013، 207)[29]، لوضع سياسة دوائية وطنية وإطار عام ينظمان القطاع الصيدلاني العام والخاص (سعد 2013، 187). وهي سياسة تتمحور، بشكل خاص، حول الانطلاق من خفض تكلفة انتاج الدواء كأساس لتخفيض سعره (سعد 2013، 207)؛ وهو مُنطلق لا يتأتى، بالنسبة للمغرب، إلا بالاعتماد الدواء الجنيس (سعد 2013، 212).

2.1.2: إكراهات اعتماد الدواء الجنيس في سوق الدواء بالمغرب

2.1.2.1. اعتماد الدواء الجنيس وعائق الطبيعة اللبرالية لسوق الدواء بالمغرب

يعي صانع القرار المغربي أهمية الدواء الجنيس، باعتباره حلا يُمكن أن يُساهم في تجاوز مُشكلة ارتفاع سعر الدواء الأصلي في المغرب (سعد 2013، 204). رغم ذلك، يُواجه اعتماد المغرب على هذا الدواء مُعضلة أساسية تتجلى في عدم إمكانية استيراده وصعوبة تصنيعه محليا جراء الطابع اللبرالي لسوق الدواء (سعد 2013، 204)[30]، خاصة في ظل عدم استفادة البلد من آلية “اللجوء إلى الرخصة الإجبارية” (سعد 2013، 200 و201)[31]، رغم ما يمتلكه البلد من بنية صناعية متقدمة في مجال الصناعة الدوائية، ورغم رغبة الصناعة الدوائية الوطنية في انتاج الدواء الجنيس، في ظل وضع ضعف القدرة الشرائية للمواطن (سعد 2013، 201).

ولتوضيح كيف أن الطبيعة اللبرالية لسوق الدواء في المغرب (سعد 2013، 204)، تُعرقل تسويق الدواء الجنيس في البلاد (سعد 2013، 196)[32]، فلا بد من الإشارة إلى أن القانون الدولي، ولاسيما بنود اتفاقية منظمة التجارة العالمية، يُوفر امتيازات قانونية وتشريعية (حماية براءة الاختراع، التبادل الحر…إلخ) لشركات الأدوية العملاقة، التي تحتكر براءات اختراع

أغلب الأدوية الموجودة في السوق المغربي (الصعيب 2014، 53)، بشكل لا يخدم سيادة الدولة في مجال الدواء. وهو ما يطرح إشكالية رهن مصالح الصحة العمومية بمصالح الشركات التي لها اتفاقات مع المغرب في هذا الشأن (سعد 2013، 52 و53)، خاصة مع توجيه الصناعة الدوائية نحو أولويات غير وطنية تُترجَم في تركيز السياسات الاقتصادية في مجال الدواء على التصدير للخارج (سعد 2013، 50 و51).

نتيجة لذلك، وبسبب حظر الاتفاقيات المذكورة لأدوية مماثلة منقولة (Médicament générique) محليا بسبب براءات الاختراع (المرزوقي 2004، 12)، فإن شركات الدواء متعددة الجنسيات تضغط على الدولة المغربية لمنعها من دعم الأدوية الجنسية على حساب الأدوية الحاملة للعلامات التجارية، وتلجأ إلى ممارسات منافية لقواعد المنافسة (المرزوقي 2004، 212)، من أجل التشكيك في قيمة وجودة ونجاعة الأدوية الجنيسة (الوقوف وراء “العنف الرقمي” ضد الدواء الجنيس) (المرزوقي 2004، 197).

2.1.2.2. صرف الدواء الجنيس وهاجس ربح الصيدلي

قد يُشكل غياب الدواء الجنيس سببا جوهريا في غلاء الدواء وعدم ولوج المغاربة إلى الدواء، لكن توفر هذا النوع من الدواء لا يمنع من تحقق ذات النتيجة؛ فحتى عند توفر الدواء الجنيس، فإن عدم إعمال الصيدلي المغربي – في غالب الأحيان – لعملية استبدال الدواء الأصلي بالدواء الجنيس، بسبب هاجس الربح الذي قد يدفعه إلى بيع الدواء الأصلي، الذي يصفه الطبيب (المرزوقي 2004، 198)[33]، في سوق دواء ضيقة مُتسمة بضعف القدرة الشرائية للمواطن، وسيادة الاحتكار، وهيمنة بعض الأصناف الدوائية (CNDH 2022، 41 و42). ما يُؤدي – في النهاية – إلى ارتفاع ثمن الدواء وصعوبة ولوج المغاربة إليه (المرزوقي 2004، 12)، والاكتفاء باللجوء إلى مواد أخرى ذات جودة وحجم أقل (الصعيب 2014، 56).

عموما، فلما كان تعزيز السيادة الوطنية في مجال الدواء ينطلق من إرساء صناعة صيدلانية قادرة على انتاج الأدوية الجنيسة والجزئيات الجديدة (CSMD 2021، 104)، فإن صانع القرار المغربي يعمل على تشجيع التصنيع المحلي لبعض الأدوية، مع محاولة التحكم في أثمانها (أملاحي 2021، 663 و664) وضبط تسويقها (سعد 2013، 214)[34]. ورغم ذلك فإن فعالية هذه السياسة تتطلب السعي، عبر الدبلوماسية، إلى مراجعة قواعد القانون الدولي المرتبطة بالتجارة وبراءات الاختراع، والعمل على منع تسليع الصحة ووضعها ضمن حقوق الملكية التي تتحكم بها مجموعات الضغط الاقتصادية (الصعيب 2014، 57 و58).

2.2. ضمانات الولوج إلى الدواء بالمغرب ورهان تدخل الدولة في سوق الدواء

لا يُمكن إعفاء الدولة من المسؤولية في سوق الدواء، بيد إنه لا تتحملها بشكل مُطلق؛ حيث تتحملها من خلال التعاون مع فاعلين آخرين، ولا سيما مع القطاع الخاص، الذي ينبغي عليها تحفيزه وتشجيعه لأجل أن يتحمل جزء من هذه المسؤولية. من أجل ذلك، يُحدد المشرع المغربي قواعد تحمل المقاولات المشتغلة في اقتصاد الصحة، بما في ذلك تلك التي لها علاقة بالدواء، للمسؤولية المدنية بمناسبة اشتغالها في هذه السوق (الحجوجي 2017، 140 و141).

تأسيسا على ذلك، تقوم الدولة بالتدخل في سوق الدواء من خلال إجراءات تهم الموازنة بين ضمان تعزيز المنافسة وحرية السوق وبين حماية صحة المستهلك وحقه في الصحة (2.2.1)، وعبر منع الممارسات والسلوكيات المتعارضة مع الفطرة الإنسانية في هذا السوق (2.2.2).

2.2.1: الموازنة بين ضمان حرية السوق وحماية صحة المستهلك

تحولت الخدمات الصحية، بما في ذلك تلك المرتبطة بالدواء، في زمن العولمة الاقتصادية، إلى تجارة تخضع لقانون العرض والطلب، وأصبح المال الذي يحوزه المريض (المستهلك) محددا لنوعية الخدمة الصحية التي يُمكن ان ينالها في سوق الدواء. لذلك، فقد أصبح لزاما على الدولة في المغرب أن تتدخل استراتيجيا في هذا المجال (داغر 2004، 9).

في هذا الإطار، يرسم النموذج التنموي الجديد للمغرب ملامح التدخل الاستراتيجي الجديد للدولة، في مجال اقتصاد الصحة، ولاسيما في مجال الدواء، في صورةِ تدخلٍ تنتقل فيه الدولة من “دولة أقل” تدخل إلى “دولة أفضل” تدخل (CSMD 2021)[35]؛ بمعنى دولة تزاوج بين تشجيع المبادرة الحرة والفعل المقاولاتي وترسيخ مبادئ المنافسة في سوق الدواء من جهة، وبين حماية المستهلك داخل هذا السوق من جهة أخرى؛

توضيحاً لذلك، يتسم تدخل الدولة في السوق المذكور بتشجيع وتحفيز الفعل المقاولاتي، خاصة في الأسواق الفرعية التي يرى أنها تحتاج إلى الدعم (وزارة_الصحة 2012، 61)[36]، ورغم أن الدولة قد تتدخل

لتحديد ثمن أدوية أو منتوجات صيدلية مُعينة (قرار_1057.20 2020)[37]، إلا أنها تترك تحديد ثمن أغلب المنتوجات والخدمات في هذا السوق لمنطق المنافسة الحرة (القانون_104.12 2014، م 2 و3 و5 و40)[38].

ومن أجل حماية مستهلك الدواء فإن الدولة تربط تدخلها لتحفيز الفعل المقاولاتي في مجال الدواء بشرط احترام هذا الفعل لمنطق وقيم الشفافية والصدق والجودة (مجلس_النواب 2022، 111)، ودفتر التحملات الأخلاقي (ميثاق أخلاقي) (مجلس_النواب 2022، 112 و113) ، وهي قيم يسهر مجلس المنافسة على ضمان إعمالها في هذا السوق (القانون_20.13 2014، م من 1 إلى 4)[39]، ويُعاقب القانون على مخالفتها عبر أحكام جنائية تتراوح بين السجن والغرامة (القانون_104.12 2014، م من 75 إلى 90).

تأسيسياً على ذلك، يعمل صانع القرار المغربي على ضمان عدالة كل الإجراءات التي يتخذها في علاقة بالأنشطة والفرص الاقتصادية، بالنسبة لكل الفاعلين في سوق الدواء، دون تمييز أو تهميش، وذلك على مستوى التشريع والتنفيذ والتقاضي.

ويتجلى ضمان ذلك في تدخل الدولة من أجل تطوير سوق الدواء وفق قوانين وإجراءات وأحكام مٌلزمة للجميع، بشكل يسمح بضمان التوازن بين القدرة الشرائية للموطن وبين المصالح الاقتصادية للفاعلين في هذه السوق، في علاقتها بثمن الدواء (سعد 2013، 215 و216)؛ فالدولة باعتبارها المسؤول عن ترسيخ الحق في الصحة (الأنصاري 2021، 91)، تنطلق من الإرادة السياسية لصانع القرار في حماية المستهلك وحقه في الولوج للدواء[40]، من أجل وضع إجراءات تضمن له هذا الحق بثمن مناسب من جهة. كما تنطلق من مسؤوليتها في تحفيز القطاع الخاص لكي تهتم بحماية مطالب ومصالح الفاعلين المتدخلين في انتاج وتسويق الدواء (الصناعيين والموزعين والصيادلة) (الأنصاري 2021، 201 و202).

رغم هذه الإجراءات الرامية إلى ضمان عدالة التشريع والتنفيذ والتقاضي بالنسبة للأنشطة والفرص بين كل الفاعلين في مجال الأدوية، إلا أن العديد من شركات الدواء لا تزال تشتغل خارج الضوابط القانونية (الأنصاري 2021، 214)؛ فالواقع يُبرز احتكار أقلية من هذه الشركات لسوق الدواء في البلاد، وذلك عبر مختبرات دواء تشتغل كفروع لها في المغرب (“سانوفي” و”نوفاستيس” و”فايزر” و”بايير وروش”)، ومن خلال ممارسات منافية للمنافسة (الأنصاري 2021، 210 و211)، يُوفر لها بعض الفاعلون السياسيون الغطاء السياسي (الأنصاري 2021، 2017 و218)[41].

2.2.2. منع الممارسات المتعارضة مع الفطرة الإنسانية في سوق الدواء

تعمل الدولة، باعتبارها فاعلا أساسيا في سوق الدواء، على ضمان توازن هذا الأخير، والموازنة بين تحفيز وحماية اقتصاد الصحة، والرفع من مردوديته، وبين ضرورة حماية المستهلك (الحميدي 2022، 217)، من خلال وضع الضمانات القانونية اللازمة لذلك (القانون_31.08 2011).

توضيحا لذلك، يتمحور اهتمام بعض الفاعلين الاقتصاديين في سوق اقتصاد الصحة، بما في ذلك سوق الدواء، حول الربح والاستمرارية والمصلحة الشخصية على حساب التفكير في الصالح العام ومصلحة المستهلك. ما يجعلهم يلجؤون، عند اشتداد المنافسة، لأساليب غير قانونية لا تراعي قيم الشفافية والصدق والجودة. لذلك، كان لابد للدولة من تأطير هذه السوق بقواعد تُلزم الفاعلين فيه باستحضار هذه القيم في تعاملاتهم داخل السوق (مجلس_النواب 2022، 111).

من هذا المُنطلق، جعل صانع القرار إيجاد ترسانة قانونية تساعد على تخليق الحياة العامة وتدعم قيم الأخلاق والنزاهة، باعتبارها ضرورة تفرضها المصلحة العامة في كل القطاعات، بما في ذلك قطاع اقتصاد الصحة وسق الدواء خاصة، محورا أساسيا في الأدوار المستقبلية لفعل الدولة في المغرب (CSMD 2021، 65).

تأسيسا على ذلك، عمل صانع القرار الغربي على انتاج آليات ضبط أخلاقية للقضاء على السلوكات غير الملائمة لمصلحة المستهلكين في مجال الرعاية الصحية (الكتاب_الأبيض 2023، 28 و29)، ولجأ إلى علم “الأخلاقيات الحيوية” أو أخلاقيات الطب (Bioéthique) الذي يُمثل نقطة تلاقي الطب والقانون والأخلاق من أجل إيجادها (آليات الضبط). ما مكّنه من تأطير سوق الدواء، ومعه العديد من مجالات اقتصاد الصحة، بقواعد قانونية تُلزم المتعاملين في هذه السوق بقيم الشفافية (القانون_104.12 2014، من 58 إلى 61)[42] والعديد من القيم المذكورة سلفا (بلوش 2017، 42).

علاوة على ذلك، يُسائل القانون جنائيا أو تقصيريا على السلوك الشخصي الماس بسلامة المستهلك للدواء (القانون_65.99 2003، م 139)، كما يُجرم الممارسات الاقتصادية ذات الطابع الإجرامي التي تمس بأمنه الصحي أو بحياته بسبب استهلاكه (زكرياء 2020، 180 و181)، مثل تسبب مقاولة ناشطة في مجال الدواء، وبشكل عمدي في القتل عبر نشر فيروس (القانون_33.18 2019، ف 392)[43]، ومثل بيعها لمواد منتهية الصلاحية، باعتبارها جريمة يُمكن تكييفها مع الاعتداء بواسطة “مواد من شأنها أن تسبب الموت عاجلا” (القانون_33.18 2019، ف 398)[44].

بالإضافة إلى ذلك، يحظر القانون المغربي ممارسات أخرى تضر بالقدرة المادية للمستهلك وتمنع ولوجه إلى الحاجيات الأساسية في اقتصاد الصحة، كما هو شأن الحاجيات من الدواء؛ وهي ممارسات تتجلى مثلا في أي عمل مدبر، أو اتفاق أو اتفاقية أو تحالف صريح أو ضمني أو استغلال تعسفي لوضع مُهيمن، أو الادخار السري لمادة ذات علاقة بالصحة في السوق من أجل عرقلة المنافسة بخصوصها والتحكم في ثمنها (القانون_104.12 2014، م 6 و7 و62)، كما هو شأن عمليات

التركيز الاقتصاد (القانون_31.08 2011، م من 11 إلى 22)[45] غير المشروعة (الحميدي 2022، 233 و244)[46]، التي تقوم بها المقاولات على مستوى اقتصاد الصحة[47].

في ذات الصدد؛ يحظر القانون المغربي التضليل الإعلاني بشأن المواد ذات العلاقة باقتصاد الصحة، مثل الأدوية، ويعاقب على ممارسة ذلك كجنح أو جنايات كما هو شأن اغلبية القوانين الدولية (القانون الفرنسي) (جمعة 2013، 25 و26)[48].

للإشارة فرغم حظر القانون لهذه الأعمال فإن مجلس المنافسة لا يستطيع مباشرة اختصاصه في مراقبة الممارسات غير المشروعة في سوق الدواء (القانون_20.13 2014، م من 2 إلى 8)[49]، إلا بتحقق شروط مُعينة يفرضها القانون في هذا الشأن (القانون_104.12 2014، م 12).

الخاتمة:

بينا في هذا البحث أن وجود الدولة الاجتماعية، باعتبارها مظهرا أساسا من مظاهر تطور الدولة، يرتبط بتحقق مجوعة من الشروط، أهمها تحمل الدولة للمسؤولية الاجتماعية، في مختلف المجالات.

ولما كان موضوع الدواء مركزياً في البحث، فقد ركّزنا على الكيفية التي تعمل من خلالها الدولة المغربية على تعزيز مسؤوليتها الاجتماعية في ضمان ولوج المواطنين إلى الدواء، في ظل التحديات الراهنة لسوق الدواء وفي ضوء الرهانات المرتبطة به. ومكننا تحليل التدابير التي اتخذتها الدولة، ووصف وتشخيص الرهانات والتحديات التي تواجهها في هذا الإطار، عبر العودة إلى الوثائق الرسمية التي تترجم فعل الدولة في هذا الصدد، من خلال اعتماد منهجية التحليل الوثائقي (تحليل المضمون)، من مقاربة إشكالية البحث، ومن الإجابة عن الأسئلة الفرعية المرتبطة بها.

في هذا المقام، أوضحنا المقصود بالمسؤولية الاجتماعية للدولة، وبينا ركائزها ورهاناتها الأساسية في مجال الدواء، وكيف أن تحققها، باعتبارها عماد الدولة الاجتماعية، في علاقتها بهذا المجال، يتطلب تجاوز حياد الدولة، وضرورة دخول هذه الأخيرة للدائرة الاقتصادية المرتبطة بهذا المجال، بجانب القطاع الخاص، وذلك بفعل يتجاوز مجرد سن التشريعات ذات الطبيعة الاجتماعية، وباتخاذ تدابير ذات طابع استثماري تخدم تنافسية سوق الدواء وتقلل من الانفاق الاجتماعي.

تبعا لذلك، عرجنا على توجه المغرب في تدعيم مسؤولية الدولة في مجال الدواء، وبينا أن هناك خيار سياسي مؤسس قانونا في هذا الاتجاه، لكن الطريقة المعيبة لممارسة الدولة لمسؤوليتها الاجتماعية تجعل هذا الخيار معيبا؛ حيث إن عدم تنصيص القانون المغربي على التزام الدولة بتحقيق ركائز مسؤوليتها الاجتماعية، بما في ذلك مجال الدواء، والاكتفاء بالتنصيص على “العمل على” تحقيق ذلك، يعتبر عائقا قانونيا يقف أمام تجسيد المسؤولية المذكورة على أرض الواقع.

بغض النظر عن هذا العائق القانوني، أوضحنا أن الإطار القانوني الذي يُحدد المسؤولية الاجتماعية للدولة في مجال الدواء، والذي يُؤسس له الفصل 31 من دستور 2011، ويُزكيه القانون الإطار 34.09، يحصر هذه المسؤولية الاجتماعية للدولة في مجال الدواء في ثلاثة عناصر أساسية وهي:

  • ضمان توافر الدواء، وهي مسؤولية منوطة بوزارة الصحة؛
  • ضمان سلامة الدواء وهي مسؤولية منوطة بالمختبر الوطني لمراقبة الأدوية (LNCM)، ومديرية الأدوية والصيدلة، ومفتشية الصيدلة التابعة لوزارة الصحة، وكلها جهات مسؤولة عن مراقبة الدواء؛
  • ضمان الولوج إلى الدواء.

من جانب آخر، بينا أن المغرب اتخذ عدة تدابير من أجل تحمل المسؤوليات الثلاث المذكورة، على المستويين التشريعي والتنظيمي، غير أن عدداً من التحديات تقف حاجزاً أمام ذلك، ولاسيما أما تحمل مسؤولية ضمان الولوج إلى الدواء.

في هذا الإطار، يُواجه المغرب في سعيه لضمان الولوج إلى الدواء تحديا أساسياً يتجلى في غلاء سعر الدواء، وهو غلاء مرده أساساً إلى تسويق الدواء ذاته، ثم إلى ثقافة المغاربة في التعامل مع وصفة الطبيب ومع الصيدلية، بالإضافة إلى عوامل أخرى ذات صلة بقصور المساطر الإدارية وضعف الآليات التشريعية الرامية لحماية الحق في الولوج إلى الدواء، وبالضريبة على القية المضافة ورسوم استيراد الدواء، وبضعف السوق الوطنية وارتباطها باتفاقيات التبادل الحر، وبتبعية الصناعة الدوائية الوطنية للخارج، وبعدم الاستفادة من ‘الترخيص الاجباري لندوة قطر” من أجل انتاج الدواء الجنيس…إلخ.

ومن أجل مواجهة هذه التحديات، يراهن المغرب على عنصرين أساسين؛ يتجلى العنصر الأول في التوجه نحو النهوض بالدواء الجنيس، غير أن ذلك يتطلب التعامل مع إكراه الطبيعة اللبرالية لسوق الدواء، والانخراط الدبلوماسي لأجل مراجعة قواعد القانون الدولي المرتبطة بالتجارة وبراءات الاختراع، في مجال الدواء. أما العنصر الثاني فيتمثل في تدخل الدولة في سوق الدولة في سوق الدواء، عبر تدخل استراتيجي يضمن عدالة التشريع والتنفيذ والتقاضي بالنسبة للأنشطة والفرص بين كل الفاعلين في مجال الأدوية، بشكل يُحفز الفعل المقاولاتي ويُشجع المنافسة ويحمي المستهلك في هذه السوق.

ولدعم ها التوجه، يتجه صانع القرار نحو ايجاد ترسانة قانونية تساعد على تخليق الحياة العامة وتدعم قيم الأخلاق والنزاهة في سوق الدواء. ورغم ذلك، فإن فعالية التدخل الاستراتيجي للدولة في سوق الدواء يحتاج إزالة العراقيل القانونية (الشروط القانونية المحددة في القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة) التي تمنع مجلس المنافسة من مباشرة اختصاصه في مراقبة الممارسات غير المشروعة في سوق الدواء.

ختاماً؛ لا شك أن المغرب يبذل جهودا مضنية على المستويات القانونية والإجرائية والقضائية من أجل تدعيم أسس مسؤولية الدولة في ضمان الولوج إلى الدواء، لكن هذه الجهود غير كافية من أجل ضمان تحقيق هذا الهدف، وذلك بسبب وجود فجوة عميقة بين التدابير القانونية والسياسية المتخذة في سبيل ضمان ذلك، وبين واقع تنفيذ هذه التدابير، يقف أمام تحقيق هدف هذه التدابير، وهو ما يُؤكد صحة الفرضية الثانية للبحث.

تأسياً على ذلك، يتطلب تعزيز تحل الدولة المغربية لمسؤوليتها في مجال الدواء تقوية المنظومة القانونية المرتبطة بسوق الدواء، وبالعمل على ضمان التنفيذ الأمثل لهذه القوانين، من خلال إجراءات يتم تتبع تنفيذها بالشكل الأمثل، ومواكبة تنزيل هذه القوانين والإجراءات، عبر اللجوء إلى القضاء وتنفيذ أحكامه في كل ما يتعلق بمخالفة هذه القوانين.

لائحة المصادر والمراجع

المصادر باللغة العربية:

Dahirs:

  • Dahir No. 1.02.194 Issued on 14 Rajab 1424 (11 September 2002) Enacting law 65.99 Reated to the labour Code, as amended and supplemented, official Gazette .No 6567 dated 13 Shawwal 1424 (December 8, 2003) P.3969 (Ar);
  • Dahir No. 1.06.151 Issued on 14 30 Shawwal 1427 (22 November 2006) Enacting law 17.04 on the Code of Medicines and Pharmacy, official Gazette .No 5480 dated 15 Du a-Qi’dah 1427 (December 7, 2006) P.3726 (Ar);
  • Dahir No. 1.11.03 Issued on the 14th of Rabi’al-awwal1432 (February 18, 2018), for the implementation of Law No 31.08 concerning the determination of measures for consumer protection, official Gazette .No 5932 dated the 3rd of Jomada al-Awwa 1432 (Apri 7, 2011), P.1072 (Ar);
  • Dahir No. 1.11.83 Issued on the 29th of Rajab 1432 (July 2, 2011), for the implementation of Framework Law No 34.09 concerning the heath system and the provision of healthcare services, official Gazette .No 5962 dated the 19th of Sha’ban 1432 (July 22, 2011), P 3469 (Ar);
  • Dahir No. 1.11.91 Issued on the 27th of Ramadan 1432 (July 29, 2011) enacting the text of the Constitution, official Gazette .No 5964 dated the 28th of Sha’ban 1432 (July 30, 2011°), P 3601  (Ar);
  • Dahir No. 1.14.116 Issued on the 2 of Ramadan 1435 (June 30, 2014) enacting Law No. 104.12 on Freedom of Prices and competition, official Gazette .No 6276 dated the 26th of Ramadan 1435 (July 24, 2014), P.6077  (Ar);
  • Dahir No. 1.14.117 Issued on the 2 of Ramadan 1435 (June 30, 2014) enacting Law No. 20.13 on the competition council, official Gazette .No 6276 dated the 26th of Ramadan 1435 (July 24, 2014), P.6095  (Ar);
  • Dahir No. 1.59.413 Issued on the 28th  of Jumada al-thani 1382 (November 26, 1962) approving the penal code, as amended by Law  33.18 Enacted  by Dahir No. 1.19.44 dated the 4 of Rajab 1440 (March 11, 2019), official Gazette .No. 6763 dated the 18 Of Rajab 1440 (March 25, 2019), P. 1612  (Ar);
  • Dahir No. 1.02.296 Issued on the 25th of Rajab 1423 (October 3, 2002) enacting Law No. 65.00 as the Basic Heath Coverage code, Official Gazette No. 5058 dated the 16th of Ramadan 1432 (November 21, 2002), P.3449 (Ar);

Decrees:

  • Decree No. 2.94.285 Issued on the 17th Jumada al-Akhira 1415 (November 21, 1994) on the powers and organization of the powers and organization of the Ministry of  Public Health, Official Gazette No. 4286 dated the 18th of Rajab 1415 (December 21, 1994), P. 2110  (Ar);
  • Decree No. 2.13.852 Issued on the 14th Safar 1435 (December 18, 2013) on the condition and procedures for determining the selling price of locally manufactured or imported medicines for the public, Official Gazette No. 6214 dated the 15th of Safar 1435 (December 19, 2013), P.7634 (Ar);

Official Reports:

  • General Report of the special commission on the new development Model (2021), The New development Model: Unleashing Potential and Restoring Trust to Accelerate Progress and Achieve well-being for All, April 2021  (Ar);
  • Moroccan parliamentary Research and study Center (House of Representatives) [2022] Filed Study on Values and Their Institutional implementation: Change and Expectations among Moroccans, December 2022 (Ar);
  • Competition Council Decision No. 03/Q/2020 Of 20 Jumada Al-awwal 1441 (January 16, 2020) Concerning the acquisition by “SPE Capital” and “PROPARCO3 Of al shares and related voting rights of “Saham Pharma” (Ar);
  • Minister of Economy and Finance and administration Reform Decision NO. 1057.20 OF 12 Sha’ban 1441 (April 6, 2020) adopting temporary measures against the increases in prices  of protectives masks, Official Gazette No. 6871 dated the 12th OF Cha’ban 1441 (April 6, 2020), P.1974  (Ar);
  • House Of Councilors, Health Security and the Requirements of National Sovereignty, legislative Term 2021 – 2027 (Ar);
  • National Human Rights Council (2022), The Effectiveness of the Rights to Health: Challenges, Stakes, And Avenues for Strengthening (Thematic Report, February 2022) (Ar);
  • Minister of Health (2018), Performance Efficiency Project, Finance Bill 2018 (Ar);
  • Minister of Health (2012), Health Sector Strategy 2012-2016, March 2012 (Ar);
  • Minister of Health (2013), The white Book for new Governance of the Heath sector (National Health Conference, July 1-3, 2023? Marrakech) (Ar);

Unofficial References:

  • National Rally of independents parliamentary Group (Legislatives Term 2021-2026),Legislative Achievements 2020-2021: From the Path of Trust to the Path of Development – A Record of Initiative and Innovation in Parliamentary Work (Ar);

Books and Articles:

  • Abdulaziz Hassan Al-Wazzaf (2019), The Social Contract and the Emergence of the state: A Comparative analytical study of the Different Trends on the Pioneers of These Theories, Al-Adab Journal, Issue13 (December 2019) (Ar);
  • Abdulah Amahi et a. (2021), Moroccan Strategic Repport 2019-2021, Issue 12 (2019-2021) (Ar);
  • Abdelmoneim Al-Ansari (2021), Governance of the Heath System Between Legislation and Practice, Doctoral Thesis in Legal and Politica Sciences – Souissi, Mohammed V University in Rabat, Academic Year 2020/2021 (Ar);
  • Al-Hussein Baloach (2017), aw and Heath, Series on the integration of egal Branches (1), First Edition (2017), Dar A6’Irfan Publishing, Agadir, Agadir, Al-Naah A-Jadida Printing (Casabanca) (Ar);
  • Al-MUFADDAL Al-Iyadi (2023), The Social State In Morocco Between Foundation, Pillars, and Implementation, Rehan Journal for Scientific Publishing (28-08-2023), rjsp.org (Ar);
  • Fida Fattouh omaa (2013), The egal System of Onine Pharmacies (A Comparative Study)K Dar Al-Fikr Wa Al-Qanun, Al-mansoura, Egypt (Ar);
  • Hassan Al-Saheeb (2014), Pubic Heath in Morocco Between the Caws of Monopoly Companies, Democratic Horizon, Double Issue 3-4 (Mai -June 2014) (Ar);
  • Mohammed A-Hajouji (2017)? Civi Liability of private Clinics  for the Actions of others – A Comparative Study, A-Ishraq Journal, Double Issue 46 -47 (June – December 2017) (Ar);
  • Mohammed Harakat (2019), The Socia Responsibility of the State in Building a Working Society and Performance Efficiency: A Comparative Reading of the most Prominent Indicators and Figures of the Heath Sector Studies on Impact and Public policies in Morocco, Moroccan Journal of Auditing and Development, Issue 48 (2019) (Ar);
  • Moncef Marzouki (2004), The Right to Health Between Reality and Theory, The Arab Commission for Human, Rights, The Arab- European institution for Pubishing, Eurabe Publications, Al-Ahli Publishing and Distribution, Damascus, Syria, 1st Editions (2004) (Ar);
  • Najib Akesbi (2017), Translated by Noureddine Saoudi, Political Economy and Economic Policies in Morocco, Mohamed Ben Said Ait Ider Center for Research and studies, Omika Graphic, Printing, Casablanca, First Edition (December 2017) (Ar);
  • Safaa Saber Khalifa Mohamedin (2022), The Model of the ‘’Welfare State’’: A study on Problems and Outcomes? Scientific ournal of the Fculty of Economic Studies and Political Science, Vol.7? Issue 14 (July 2022), available August 20, 2024, at:

https:esalexu.journals.ekb.eg/article_249090.html  (Ar);

  • Said Al-Rakraki (2013), The Politics of Medicine in the Health Sector Between the policy of the Moroccan State and the Constraints of Globalization: Reality and Aspirations, Moroccan ourna OF Local Administration and Development, Dar Al-Mandhouma. Vol. 109-110, March- June 2013, pp. 1187-218 (Ar);
  • Sarah Al-Humaidi (2022), Legal Guarantees in Law 08.31 and CRIMINAL Deficiency, in Hicham Al-Marrakchi et al. (2022), Consumer Protection Between Legal Text and Judicial Practice: Studies an Research (Collective Work), First Edition, 2022 (Ar);
  • Saad Al-Zubeiri (2023), The Right to Health in Morocco: Main Problems and Challenges, Arab NGO Network for Development (ANND), Beirut, Lebanon, 2023 (Ar);
  • Zakaria Souidi (2020), Criminal Liability for Transmitting the Novel Coronavirus (COVID-19) to others – An Attempt at Legal Foundation in Moroccan Criminal Law, Journal of Legal Knowledge Space, Al-Ma’arif Al-Jadida Printing, Rabat (2020) (Ar);
  • Violette Dagher (Ed.), [2004], The Right to Health as a Human Right, The Arab Commission for Human Rights, The Arab European Institution for Publishing and Distribution, Damascus, Syria, First Edition (2004) (Ar);
  • Youssef Al-Faqir (2021), A Call for the Reform of the Health System in Morocco, Organization for Health Policy 2.0 Part One (The Current Situation) (Ar);

المصادر باللغة الأجنبية:

  • Elodie Derdaele & Olivier Renaudie (2014), L’Etat social à la croisée des chemins. Une Introduction, Dans Civitas Europa 2014/2 (N° 33), Pages 5 à 9, Edition UNIVERSITE DE Lorraine
  • JEAN-PIERRE ESCAFFRE ET AUTRE (2007), L’ETAT SOCIAL, MYTHE ET REALITES, Nouvelles Fondations, 2007/1 n° 5, Fondation Gabriel Péri, Pages 56 à 64
  • Hamza Elhamdaoui (2024), “L’Etat social : Entre Rhétorique et Réalité’, page 4, « المجلة الإلكترونية للدراسات, ‘’القانونية والتنمية’, العدد 2 (العدد الثاني), Disponible le 15 octobre 2024 sur le lien : https:revues.imist.ma/index.php/REEJD/article/view/49001
  • Marie -odile Safon (2019), L’économie de la santé, Institut de recherche et documentation en économie de la santé, Centre de documentation IRDES, Avril (2019), page 3, Article Disponible en ligne le 05 /06/2024 à l’adresse : http://www.irdes.fr/documentation/syntheses-et-dossiers-bibliographiques.html
  • Sacha Leduc (2014), Etat Social, Services publics, Légitimité, Vie Social N°8

[1] تعتبر النظريات الدينية (نظرية تأليه الحاكم، ونظرية الحق الإلهي المباشر، ونظرية الحق الإلهي غير المباشر) أن الدولة نظام قدسي يعود أصل نشأتها وظواهرها الاجتماعية السياسية والقانونية إلى الله مصدر السلطة

[2] تعتبر نظرية التطور العائلي أن الدولة ظاهرة طبيعية تنشأ تلقائيا، باعتبارها مرحلة أخيرة من مراحل تطور الاجتماع الإنساني

[3] تعتبر نظرية التطور التاريخي أن الدولة نتاج تطور تاريخي طويل، ونتاج عوامل متعددة متشابكة

[4] تعتبر نظرية القوة أن الدولة هي صنع قانون الأقوى، وهي مُجرد واقعة نتجت بسبب الصراع بين الجماعات البشرية

[5] تعتبر نظريات العقد الاجتماعي أن الدولة هي نتاج انتقال الجماعة الإنسانية من حالة الطبيعة إلى مرحلة الجماعة السياسية نتيجة عقد اتفقن عليه هذه الأخيرة

[6] دولة الرفاه هي التي تقوم فيه الدولة بأدوار أساسية في حماية ورعاية الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، وتقوم على أساس مبادئ المساواة في الفرص، والتوزيع المتساوي للثروة، والمسؤولية العامة عن أولئك غير القادرين على منح أنفسهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة

[7] ظهر مفهوم الدولة الاجتماعية بألمانية في سياق إقامة مؤسس الوحدة الألمانية “بسمارك” (Bismarck) نظام الحماية الاجتماعية خلال القرن التسع عشر بألمانيا، في سياق استهداف التضيق على الحزب الديمقراطي الاجتماعي المحظور ومحاولة دمج الحركة العمالية الألمانية

[8] يُعد مفهوم المسؤولية الاجتماعية أحد المفاهيم المستخدمة في مجال المقاولة وتم نقله في ظل المسؤوليات التي تتحملها الدولة إلى مجال الدولة.

[9] يُعد مفهوم المسؤولية الاجتماعية أحد المفاهيم المستخدمة في مجال المقاولة وتم نقله في ظل المسؤوليات التي تتحملها الدولة إلى مجال الدولة.

[10] دفعت المفاهيم الجديدة، التي ظهرت بداية عقد تسعينيات القرن الماضي، مُسائلة دور وشرعية الدولة الاجتماعية، ومُركزة على صرامة الميزانية واعتدال الأجور والقدرة التنافسية للمقاولات، إلى القطع مع التوجهات السياسية الكينزية (Orientations politiques keynésiennes)، والنظر إلى الاستثمار الخاص والابتكار والأسواق الجديدة، بدل الانفاق العمومي والانفاق الاجتماعي، كعناصر تخلق فرص العمل، وبالتالي إلى جعل الدولة تخدم التنافسية وتقلل من تكلفة إنفاقها الاجتماعي

[11]  نص دستور المغرب لسنة 2011 على كون نظام الحكم هو ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية (الفصل 1)، كما نص على أسس الدولة الاجتماعية في فصول أخرى مثل الفصل 31…إلخ (ظهير شريف رقم 1.11.91 (الفصل 31)

[12] تُسلط العديد من خطب ومبادرات الملك محمد السادس الضوء على رؤيته للدولة الاجتماعية والتزامه بإنشاء نظام اجتماعي عادل يُحسن من ظروف عيش السكان ويُعزز الادماج والتماسك الاجتماعي

[13] تمتد المسؤولية الاجتماعية للدولة إلى تدبير السياسات العمومية والمشاكل المترتبة عنها، على مستوى التوقع والتنظيم والتنفيذ والتقييم، مؤسساتيا وتشريعيا، والمراقبة الداخلية والخارجية، وفق مبادئ الحكامة وشروطها.

[14] جاء في الفصل 31 من الدستور أن الدولة “تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتسيير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية…إلخ”.

[15] لم يُلزم القانون الإطار رقم 34.09 الدولة بتحقيق الحماية الصحية، على اعتبار أنه استعاض عن استعمال مفردة “تلتزم” بمفردة “تستهدف”.

[16] جاء في الفصل 31 من الدستور أن الدولة “تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتسيير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية…إلخ”.

[17] يُركز القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية على أربعة ركائز أساسية وهي الحماية من مخاطر المرض والحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة وتخويل تعويضات جزافية لفائدة الأسر التي لا تشمها الحماية من المخاطر المرتبطة بالشيخوخة والحماية من مخاطر فقدان الشغل

[18] يعرف القانون رقم 17.04 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة في المغرب الدواء باعتباره “كل مادة أو مركب يُقدم على أن له خاصيات علاجية أو وقائية إزاء الأمراض البشرية أو الحيوانية، وكذا كل منتوج يمكن وصفه للإنسان أو الحيوان بهدف إجراء تشخيص طبي، أو استرداد الوظائف العضوية، أو تقويمها، او تغييرها”

[19] جاء في ديباجة الدستور الفرنسي لسنة 1946 بأن: “الدولة تضمن للكل حماية الحق في الصحة”.

[20] تعتبر منظمة الصحة العالمية أن الدولة هي الفاعل المسؤول عن توفير الأدوية الأساسية في المنظومة الصحية الوطنية، ولا سيما الأدوية ذات الصلة بالحالات المرضية ذات الأولوية، بجودة مضمونة وبأسعار في متناول كل الأفراد والمجتمع، في كل الأوقات بكميات كافية وبجرعات مناسبة

[21] يُعهد إلى وزارة الصحة العمومية “إعداد وتنفيذ السياسة الوطنية المتعلقة بالأدوية والمنتجات الصيدلية على المستويين التقني والتنظيمي”.

[22] يجب التأكيد على أن ارتفاع ثمن الدواء في المغرب يُساهم فيه كذلك القصور الذي تعرفه المساطر الإدارية المتبعة في تحديد ثمن الدواء

[23] تعتبر الآليات التشريعية التي تم وضعها منذ سنة 1969 بغية حماية حق في الولوج إلى الدواء أمام تركيز شركات الأدوية على الربح أكثر آليات متجاوزة وتحمل في طياتها عدة ثغرات، تتمثل أهمها في استغلال صناع الدواء لصعوبة الوقوف على كل عناصر مبدأ القانوني “إطار الأثمنة” من أجل التعذر بارتفاع سعر التكلفة الصناعية والرسوم والهوامش أسعار المواد الأولية من أجل المبالغة في تضخيم أثمنة الدواء. كما تتمثل أيضا في عدم وجود أي نص ينظم مراجعة الأثمنة بالنسبة للأدوية محليا، والاكتفاء بمرجعة تقوم بها لجنة حكومية مُختلطة غالبا ما تكون قرارتها في صالح المصنعين.

[24] خصص قانون مالية 2022 مثلا ما يناهز مليار و700 مليون درهم لشراء الأدوية

[25] يعتبر نظام توزيع الأدوية في المغرب غير مجدي ويعاني من عدة اختلالات يتطلب معالجتها تحديث سلسلة التموين كليا (خاصة ما يتعلق بالأدوية الجنيسة)

[26] ركّز صانع القرار المغربي في مخطط الصحة 2025 على تحسين الوصول إلى الأدوية، من خلال اتخاذ تدابير وسياسات صيدلانية وطنية تُعيد النظر في توريد وتوزيع المنتجات الصحية المختلفة، وخفض أسعارها، وتحسين انتاج الأدوية الجنيسة

[27] نصت الاستراتيجية القطاعية للصحة 2012-2016 بشأن مجال الدواء على مجموعة من التدابير التي رمى من خلالها صانع القرار إلى ضمان ولوج المواطنين المغاربة إلى الدواء، وتشمل:

  • اعتماد نظام جديد لتسعير الأدوية، ومراجعة اللائحة الوطنية للأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، وخفض الضريبة عليها
  • تشجيع الادوية الجنيسة
  • تعزيز قدرات المرصد الوطني لتوريد الأدوية والمنتجات الصحية مع لتحسين توافرها عبر وضع خرائط للقطاع الصيدلاني
  • تشغيل الصيدليات الجهوية في القطاع العام (المخازن الجهوية) عبر عمليات بناء وإعادة تجهيز
  • إعداد مشروع السياسة الدوائية الوطنية في إطار تشاوري
  • إعداد النصوص التطبيقية لمشاريع القوانين المتعلقة بتحديد ثمن الأدوية…إلخ.

[28] نص التقرير الموضوعاتي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن فعلية الحق في الصحة تحديات، رهانات ومداخل التعزيز في فبراير 2022 على ضرورة:

  • “تعزيز الصناعة الوطنية للأدوية وإخراج “الوكالة الوطنية للدواء” إلى الوجود، مع إحداث مركز وطني للدواء من أجل انتاج نظام للمعلومات يساعد على معرفة الجوانب الاستراتيجية المرتبطة بسير وتطور جميع مكونات القطاع
  • إعادة النظر في الوضعية الحالية للوكالة الوطنية للتأمين عن المرض بتخويلها استقلالا في التدبير مع إعادة النظر في العلاقات التي تربطها بالسلطة الوصية انسجاما مع القانون المنظم لمدونة التغطية الصحية الأساسية
  • تشجيع استعمال الدواء الجنيس لتخفيف عبئ التحملات المالية على الأسر وعلى صناديق التأمين”

[29] الدراسة أنجزها مكتب الدراسات الأمريكية (مكتب بوسطون للإستشارات BCG)، بناء على طلب وزارة الصحة المغربية من أجل دراسة “السبل الكفيلة بتخفيض ثمن الدواء في المغرب؛ أكدت الدراسة على إمكانية تخفيض ثمن الدواء في المغرب بنسبة 19%  إذا تم تطبيق مجموعة من التوصيات من قبيل: الرفع من نسبة تداول الادوية الجنيسة إلى 75% مع البدأ بتخفيض الأثمنة بنسبة 7%، وإعادة النظر في نظام تحديد ثمن الدواء، وتحفيز الصيادلة من اجل استبدال الدواء الأصلي بالجنيس (زيادة هامس الربح من 11% إلى 56%، والحد من شكوك الأطباء من فعالية الأدوية الجنيسة…إلخ.

[30] لا يسمح الطابع اللبرالي للسوق بالمغرب بإمكانية فرض تسويق الدواء الجنيس على الفاعلين في صناعة الدواء في السوق المغربية.

[31] لا يستفيد المغرب من آلية “اللجوء إلى الرخصة الإجبارية” التي تسمح باستعمال براءة الاختراع دون موافقة صاحبها من أجل تصنيع الدواء متى كان ثمنه يفوق القدرة الشرائية للمرضى (ترتبط هذه الآلية بحركة نضالية بدأت برفض توصيات منظمة المنظمة العالمية لتجارة في مؤتمرها التأسيسي سنة 1994 بمراكش، بخصوص جانب الملكية الفردية المتصلة بالتجارة والمرتبطة باتفاقية “أدبيك” (ADPIC) الملزمة باحترام 20 سنة قبل البداية في تصنيع المنتجات ذات براءة اختراع. حيث فرضت هذه الحركة تأويل اتفاقية (ADPIC) لصالح الدول النامية خلال ندوة الدوحة 2001، من خلال منح تراخيص للدول، متى رأت أن الحالة عبارة عن حالة استعجالية وطنية في مجال الصحة العمومية، من أجل الإنتاج المحلي للدواء المعني، لكن دون إمكانية تصديره.

[32] يعتمد سوق الأدوية في المغرب بشكل أكبر على الأدوية الأصلية الغالية الثمن، حيث لا تُمثل الأدوية الجنيسة في السوق سوى نسبة 5% من تكاليف صيدلية الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، وذلك بسبب الوقت الطويل الذي يحتاجه الدواء الجنيس من أجل الترخيص له في السوق المغربي.

[33] يصف الطبيب الدواء الأصلي للمريض سواء بسبب تأثره “بعنف التسويق”، أو بسبب عدم علمه بوجود دواء جنيس، أو بضعف جودة هذا الأخير…إلخ

[34] وضعت لجنة الشفافية التابعة للوكالة الوطنية للتأمين الصحي الشروط اللازمة للسماح للمصنعين بتسويق الدواء الجنيس (الفائدة الطبية، والتجارب السريرية…إلخ.

[35] الدولة الأفضل هي:

الدولة الاستراتيجية بعيدة المدى التي تتولى اليقظة الاستراتيجية، المتمثلة في تعبئة الفاعلين من القطاع العام والخاص وتوسيع مجال تدخلهم وتحفيزهم من أجل التكامل والتعاضد الذي يؤدي إلى المساهمة وتحمل المسؤولية في خلق القيمة المضافة في مجال اقتصاد الصحة

الدولة الفعالة التي تعتمد على مبادئ القيادة بواسطة النتائج والاثر على المواطن من أجل تحقيق أحسن النتائج في السياسات العمومية

الدولة الضابطة والحامية التي تقوم بوظائفها السيادية من خلال ترسيخ مبادئ سيادة القانون والحكامة الجيدة من جهة، والتي تحمي الحريات وترسخ الثقة والمسؤولية من خلال منظومة عدالة تُطبق بشكل شفاف ومستقل على الجميع.

[36] من الأمثلة على ذلك تخفيض صانع القرار للضرائب على إيرادات الشركات وعيادات الطب النفسي الخاص برسم الاستراتيجية القطاعية للصحة 2012-2016 بهدف محاربة الاضطرابات العقلية للكبار والأطفال ومكافحة الإدمان.

[37] مثلا خلال أزمة كوفيد-19 نظمت الحكومة المغربية، لمدة ستة أشهر، أسعار البيع القصوى بالتقسيط للكمامات (غير المنسوجة)؛ حيث حددت ثمنها في 0,80 درهم للوحدة مع احتساب الضريبة على القيمة المضافة.

[38] لا تتدخل السلطات العمومية في تحديد أثمنة المنتوجات والخدمات في سوق اقتصاد الصحة، باعتبارها جزء من السوق المغربية، ولا تتخذ تدابير في هذا الشأن إلا في حالة بعض المنتوجات والخدمات المحددة بنصوص تنظيمية، أو في حالات الظروف الاستثنائية أو الكارثة العامة أو الوضعيات غير العادية، على ألا تتجاوز مدة هذه التدابير مدة ستة أشهر.

[39] مجلس المنافسة هو الهيأة التي كلفها الدستور بضمان سيادة الشفافية والانصاف، وضبط وضعية المنافسة  في أسواق اقتصاد الصحة، والمؤسسة التي يُمتعها القانون الأسمى بالسلطة التقريرية في محاربة الممارسات المنافية للمنافسة وللقيم المذكورة كالاحتكار والتركيز الاقتصادي في الأسواق المذكورة سواء بمبادرة منه أو بإحالة من منشآت معينة .

[40] المرجع نفسه، الصفحة 196

[41] تقوم المصلحة الاقتصادية لمجموعات الضغط في مجال الدواء على توفير الفاعل السياسي لغطاء سياسي يتم تمريره عبر سند قانوني يقف أمام التحديد الشفاف لثمن الدواء.

[42] حرص المشرع المغربي على شفافية العلاقات التجارية بين المهنيين في سوق اقتصاد الصحة من خلال عدة قواعد قانونية في هذا الشأن.

[43] لا يُحدد المشرع وسائل القتل بصفة محصورة، لذلك فأي سلوك يتسبب في القتل يُمكن اعتباره وسيلة للقتل، بما في ذلك على سبيل الذكر سلوك نقل شركة لفيروس كوفيد-19 عبر توزيع كمامات ملوثة بفيروس كوفيد-19 سبق وأن استعملت من طرف مصابين بالفيروس، تم جمعها من أجل الاتجار فيها وبيعها للمستهلك.

[44] “من اعتدى على شخص بواسطة مواد من شأنها أن تسبب الموت عاجلا…. يعد مرتكبا لجريمة التسميم”.

[45] يتناول المُشرِّع ويُحدد على سبيل الحصر العمليات التي تدخل في صميم التركيز الاقتصادي ويفصلها عن عمليات التركيز الاقتصادي غير المشروعة.

[46] تكون عمليات التركيز الاقتصادي في بعض الأحيان غير مشروعة حينما تؤدي إلى الاحتكار أو إلى التواجد في وضع مهيمن يسمح بالتحكم في السوق والقضاء على المنافسة.

[47] يعتبر قرار مجلس المنافسة عدد 03/ق/2020 الصادر في 20 من جمادى الأول 1441 (16 يناير 2020) والمتعلق باقتناء كل من شركة “SPE Capital” وشركة “PROPARCO” لمجموع أسهم رسمال وحقوق التصويت المرتبطة به لشركة “Saham Pharma” من الأمثلة على مراقبة مجلس المنافسة لعمليات التركيز الاقتصادي في سوق تطوير وانتاج الأدوية في المغرب

[48] يُعاقب قانون الاستهلاك الفرنسي” في المادة 213/1 على ممارسة الإعلان المُضلّل بصفة عامة كجنحة او جناية تستوجب الحبس لمدة سنتين على الأكثر وبغرامة 250 ألف يورو علاوة على عقوبات تكميلية من قبيل نشر الحكم أو نشر إعلان تصحيحي، دون أن يأخذ بعين الاعتبار شرط سوء النية أو حسن النية كمتطلب من أجل الإدانة…إلخ.

[49] يتعلق الأمر بكل الاختصاصات المنوطة بمجلس المنافسة المتعلقة بتحليل وضبط المنافسة في الأسواق، بما في ذلك سوق الدواء.

5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى