الدراسات البحثيةالقانونية والعلوم الاداريةالمتخصصة

 تأثير الانقسامات السياسية على الممارسات الدبلوماسية في ليبيا: دراسة تحليلية للفترة “2014 – 2025”

The Impact of Political Divisions on Diplomatic Practices in Libya; An Analytical Study for the Period 2014-2025

اعداد :

  • منى شرح البال محمد – بكالوريوس العلاقات الدولية والدبلوماسية الجامعة المتحدة الليبية الأوربية –  وزارة الصحة (مركز السكر والغدد الصماء – طبرق)
  • د. امراجع مادي بركة الرجباني – أستاذ العلوم السياسية بالأكاديمية الليبية فرع طبرق – ليبيا – عضو هيئة تدريس بالأكاديمية الليبية فرع طبرق – ليبيا

المركز الديمقراطي العربي : –

  • مجلة العلوم السياسية والقانون : العدد الخامس والأربعون أيلول – سبتمبر 2025 – المجلد 11 – وهي مجلة دولية محكمة تصدر عن #المركز_الديمقراطي_العربي المانيا- برلين.
  • تُعنى المجلة في الدراسات والبحوث والأوراق البحثية عمومًا في مجالات العلوم السياسية والعلاقات الدولية،والقانون والسياسات المقارنة، والنظم المؤسسية الوطنية أو الإقليمية والدولية.

Nationales ISSN-Zentrum für Deutschland

ISSN   2566-8048     Print
ISSN  2566-8056   Online

Journal of Political Science and Law

للأطلاع على البحث من خلال الرابط المرفق : –

https://democraticac.de/wp-content/uploads/2025/09/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%A8%D8%B9%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%84-%E2%80%93-%D8%B3%D8%A8%D8%AA%D9%85%D8%A8%D8%B1-2025.pdf

ملخص
 يتناول هذا البحث تأثير الانقسامات السياسية على الممارسات الدبلوماسية في ليبيا خلال الفترة (2014 – 2025)، بهدف الكشف عن انعكاس هذه الانقسامات على السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي. اعتمد البحث المنهج الوصفي مدعوماً بالمدخل التاريخي لتتبع جذور الانقسام، ومدخل النظم لتحليل تفاعل المؤسسات الداخلية مع محيطها الخارجي، لما يوفره ذلك من تفسير شامل لطبيعة الأزمة.

وتكمن أهمية البحث في إبراز كيف تحولت السياسة الخارجية إلى أداة للصراع الداخلي بدل أن تكون وسيلة لحماية المصالح الوطنية. أظهرت النتائج ضعف التمثيل وفقدان المصداقية وزيادة التدخلات الأجنبية، فيما أوصى البحث بتوحيد المؤسسات الدبلوماسية، وتأهيل الكوادر، وتعزيز الشفافية لبناء سياسة خارجية تعكس الإرادة الشعبية وتخدم المصلحة الوطنية.

الكلمات المفتاحية: الانقسام السياسي، السياسة الخارجية، الممارسات الدبلوماسية، التمثيل الدبلوماسي المزدوج.

 

Abstract                                                                                                                                                                         
This study investigates the impact of political divisions on Libya’s diplomatic practices during the period 2014–2025, with a focus on how these divisions shaped foreign policy and diplomatic representation. The research employs a descriptive methodology, complemented by the historical approach to trace the roots of division, and the systems approach to examine the interaction between domestic institutions and the external environment. These frameworks provide a comprehensive lens for understanding the dynamics of the crisis. The study underscores how foreign policy shifted from serving national interests to becoming a tool of internal conflict. Findings reveal weakened representation, diminished international credibility, and heightened foreign interventions. The study recommends unifying diplomatic institutions, strengthening professional capacity, and enhancing transparency to rebuild a foreign policy that reflects the Libyan people’s will and safeguards national interests.

Keywords: political division – foreign policy – Diplomatic practices – Dual diplomatic representation

 

مقدمة البحث:

شهدت ليبيا منذ عام 2011 تحولات سياسية جذرية بدأت بسقوط نظام القذافي وتولي المجلس الوطني الانتقالي إدارة المرحلة الانتقالية؛ إلا أن هذه المرحلة سرعان ما اتسمت بصراع داخلي بين تيارات سياسية متباينة، أبرزها تيار الإسلام السياسي والتيار الوطني المدني، ما أدى إلى انقسامات حادة في إدارة الدولة وصياغة التشريعات.

ومع انتخاب المؤتمر الوطني العام ثم البرلمان في 2014، تعمق الانقسام السياسي، وتكرست حالة الازدواجية المؤسسية بوجود حكومتين وبرلمانين متنازعين، الأمر الذي انعكس سلباً على أداء الدولة، لاسيما في مجال السياسة الخارجية.

فقد تحولت الممارسات الدبلوماسية الليبية إلى أدوات للصراع الداخلي، حيث باتت التحالفات الخارجية تُبنى وفقاً لمصالح الأطراف المتنازعة، لا على أساس رؤية وطنية موحدة. ومن هنا تنبع إشكالية هذا البحث: كيف أثر الانقسام السياسي الداخلي على الممارسات الدبلوماسية للدولة الليبية؟ وما مدى قدرة السياسة الخارجية   على الحفاظ على استقلاليتها في ظل تعدد مراكز القرار؟

مشكلة البحث:

تتمثل مشكلة البحث في فهم وتقييم  تأثير الانقسامات السياسية الداخلية في ليبيا علي الممارسات الدبلوماسية خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط  نظام العقيد معمر القذافي عام 2011، إذ أدت هذه الانقسامات إلى تعدد مراكز القوى السياسية والمؤسسات الحكومية المتنافسة، مما نتج عنه تمثيل دبلوماسي مشتًت وغير موحد.

وقد أضعف هذا التمثيل المتضارب قدرة ليبيا علي التعبير عن مواقف دبلوماسية واضحة ومتماسكة في المحافل الدولية وأثَر سلبًا علي علاقاتها الخارجية مع الدول والمنظمات الدولية. ويُضاف إلى ذلك تدخل القوى الإقليمية والدولية، الذي ساهم في تعميق الانقسامات، وزاد من تعقيد المشهد الدبلوماسي الليبي. وبناء على ما سبق، تتلخص مشكلة البحث في محاولة الإجابة على السؤال الرئيس الآتي:

إلى أي مدى أثرت الانقسامات السياسية في ليبيا على السياسة الخارجية وممارساتها الدبلوماسية؟

تساؤلات البحث:

وللإجابة عن السؤال الرئيس للبحث تم طرح مجموعة من التساؤلات الفرعية، على النحو الآتي:

  1. إلى أي مدى أسهمت الانقسامات السياسية في إعادة تشكيل أولويات السياسة الخارجية وأنماط الممارسة الدبلوماسية، وما انعكاسات ذلك على أداء مؤسسات صنع القرار الخارجي؟
  2. كيف أثرت تلك الانقسامات على مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين إزاء المشهد الليبي؟
  3. ما أبرز مظاهر الفساد المالي والإداري داخل المؤسسات الدبلوماسية الليبية، وكيف انعكست على كفاءة أدائها الخارجي؟

أهداف البحث:

يهدف هذا البحث في محاولة الوصول إلى تحقيق الأهداف التالية:

  1. تحليل تأثير الانقسامات السياسية في ليبيا على أولويات السياسة الخارجية وممارساتها الدبلوماسية، وبيان انعكاساتها على أداء مؤسسات صنع القرار الخارجي.
  2. تفسير كيفية انعكاس الانقسامات الداخلية على مواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين إزاء الأزمة الليبية.
  3. الكشف عن مظاهر الفساد المالي والإداري داخل المؤسسات الدبلوماسية الليبية، وقياس انعكاسها على كفاءة الأداء الخارجي.
  4. وضع توصيات لتحسين القدرة الدبلوماسية لليبيا في مرحلة ما بعد الانقسام، وتعزيز المواقف الموحدة في السياسة الخارجية.

أهمية البحث:

  • أولاً: الأهمية العلمية: تنبع الأهمية العلمية لهذا البحث من كونه يساهم في إثراء الأديبات المتعلقة بالدراسات السياسية والدبلوماسية، من خلال تسليط الضوء على تجربة ليبيا كحالة دراسية فريدة في مرحلة ما بعد الصراع والانقسام؛ كما يُعد البحث مساهمة في فهم العلاقة بين الاستقرار السياسي الداخلي وأداء السياسة الخارجية، ويقدم تحليلاً معمقًا لكيفية تأثير الانقسامات المؤسسية على فعالية التمثيل الدبلوماسي.
  • ثانيًا: الأهمية العملية: تكمن الأهمية العملية للبحث في ما يقدمه من نتائج وتوصيات يمكن أن تُسهم في معالجة أوجه القصور في السياسة الخارجية الليبية، وتعزيز قدرة الدولة على التفاوض، والتفاعل بفعالية مع الأطراف الدولية؛ كما أن فهم طبيعة الانقسام السياسي وتأثيره على الأداء الدبلوماسي قد يساعد صنًاع القرار في بناء سياسات خارجية أكثر تماسكاً وواقعية، ترتكز على المصلحة الوطنية، وتقلل من تأثير التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية.

  حدود البحث:

  1. الحدود الموضوعية: يركز البحث على دراسة تأثير الانقسامات السياسية الداخلية في ليبيا على الممارسات الدبلوماسية والسياسة الخارجية مع تحليل العلاقة بين الانقسام السياسي وتعدد مراكز القرار، وانعكاسات ذلك على تمثيل الدولة خارجيًا.
  2. الحدود الزمانية: يغطي البحث الفترة الممتدة من عام 2014م وذلك لكون هذه المرحلة بدأت الانقسامات السياسية أكثر وضوحاً؛ ويقف عند عام 2025م، لمعرفة أخر التطورات التي جرت على موضوع البحث.
  3. الحدود المكانية: يقتصر البحث على الحالة الليبية، مع التركيز على مؤسسات الحكم في كل من المنطقتين الشرقية والغربية.

منهج البحث:

اقتضت طبيعة هذا البحث الاعتماد على المنهج الوصفي، مدخل النظم، والمدخل التاريخي حيث تكاملت هذه المناهج الثلاثة بصورة متناسقة؛ إذ وفر المنهج الوصفي الأساس لرصد الوقائع وتحليلها، بينما أتاح مدخل النظم تفسير التفاعلات بين الداخل والخارج، وأسهم المدخل التاريخي في وضع هذه الظواهر ضمن إطارها الزمني والتطوري، ما مكن من تقديم تحليل شامل ومتوازن لأثر الانقسامات السياسية على السياسة الخارجية الليبية.

أدوات جمع البيانات والمعلومات:

اعتمد هذا البحث على مجموعة من الأدوات المنهجية لجمع البيانات والمعلومات اللازمة للتحليل، وذلك من خلال الوثائق الرسمية والتقارير الحكومية التي شملت بيانات وتصريحات صادرة عن وزارتي الخارجية   في الحكومتين الليبيتين (طرابلس والشرق)، وتقارير ديوان المحاسبة حيث ساعدت هذه الوثائق في رصد الازدواجية والتباينات في إدارة الشأن الخارجي.

كذلك تم الاعتماد على تقارير الأمم المتحدة بوصفها مصادر أساسية تعكس تقييم المجتمع الدولي للازمة الليبية؛ والدراسات والأبحاث الاكاديمية التي تضمنت رسائل ماجستير وأطروحات دكتوراه ومقالات علمية منشورة في مجلات محكمة تناولت الأزمة الليبية من جوانبها السياسية والدبلوماسية حيث أمدت هذه الدراسات البحث بالتحليلات النظرية والمفاهيمية الضرورية لفهم الظاهرة.

أضف إلى ذلك، المصادر الصحفية والإعلامية حيث تم الرجوع إلى منصات إعلامية محلية (مثل: بوابة الوسط، قناة ليبيا الحدث، أخبار ليبيا الآن) ودولية (وكالات مثل: بلومبرغ، العربية) لتغطية التطورات الميدانية، والوقائع المرتبطة بالتحالفات الخارجية، والفضائح الدبلوماسية، ما أتاح متابعة الأحداث أولاً بأول.

وأخيراً، المقابلات غير المباشرة والاستعانة بتصريحات النخب السياسية، فلم يتم إجراء مقابلات مباشرة في هذا البحث، لكن تم توظيف ما هو منشور من تصريحات لمسؤولين ليبيين ودبلوماسيين وخبراء في الشأن الليبي حيث أعيد تحليلها في ضوء أهداف الدراسة لتوفير قراءة أكثر شمولاً لمواقف الأطراف.

الدراسات السابقة:

يُعد توظيف الدراسات السابقة خطوة أساسية لفهم الإطار العام للأزمة الليبية وتطور السياسة الخارجية للبلاد. فقد تناول عدد من الباحثين والمؤسسات العلمية هذه الإشكالية من زوايا مختلفة، وفيما يلي ملخص لأهم الدراسات كما هو موضح في جدول رقم (1): حول الدراسات السابقة والفجوات الحثية.

الدراسة الهدف النتائج الفجوة البحثية
أبو بكر خليفة أبو بكر (2023) تحليل صنع القرار في السياسة الخارجية الليبية تعقيد القرار بعد التعددية، غياب الاستقرار، الحاجة لإصلاح مؤسسي لم تتناول السفارات والتمثيل المزدوج
أحمد مفتاح إبراهيم الفلاق (2023) تحليل تحولات السياسة الخارجية منذ الاستقلال تأثير النظام والنخب، تراجع الدور الإقليمي بعد 2011، الحاجة لإصلاح مؤسسي طابع تاريخي غلب عليها،      لا تحليل ميداني للأداء الدبلوماسي
جمال عبدالرحمن رستم (2023) دراسة الانقسامات وتأثيرها على السياسة الخارجية (2011-2023) تعدد الفاعلين، تأثير الانقسام، دور العوامل الخارجية لم تتعمق في أثر الانقسام على السفارات والكوادر والتمويل
عبدالسلام علي ومحمد هدية (2019) تأثير الانقسام على تفشي الفساد الانقسام سبب رئيسي للفساد، إضعاف المؤسسات الرقابية لم يخصص البحث المجال الدبلوماسي كأحد أشكال الفساد
المنظمة الليبية للسياسات والاستراتيجيات (2017) تقييم جهود الوساطة الإقليمية تنسيق إقليمي، مكافحة الجماعات المسلحة، توتر العلاقات مع تونس لم تفصل أثر ذلك على الممارسات الدبلوماسية
فريق الأزمات العربي (2017) تحليل جذور الأزمة وتقييم الأدوار الإقليمية والدولية استمرار الانقسام، تعقيد الأزمة بسبب التدخلات، تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية لم تتناول المؤسسات الدبلوماسية ومظاهر الانقسام داخلها

الفجوة البحثية للبحث:

تركز على أثر الانقسام السياسي على الأداء الدبلوماسي الليبي، بما يشمل السفارات، تعيين السفراء، التمثيل المزدوج، والفساد المالي والإداري داخل البعثات، باستخدام وثائق وتقارير رسمية حديثة، مما يمثل إضافة نوعية للأدبيات السابقة.

تقسيمات البحث: بناء على أهداف البحث، وتساؤلاته، تم تقسيمه إلى ثلاثة مطالب رئيسة، وهي:

المطلب الأول: يتناول طبيعة الانقسامات السياسية، وأثرها على مؤسسات صنع السياسة الخارجية، وأما المطلب الثاني: يدرس انعكاس الانقسامات السياسية على توجهات ومواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين، وأخيراً المطلب الثالث: يركز على تغير أولويات السياسة الخارجية، وممارساتها الدبلوماسية.

 

المطلب الاول: طبيعة الانقسامات السياسية، وأثرها على مؤسسات صنع السياسة الخارجية

شهدت ليبيا منذ سقوط نظام القذافي تحولاً جذرياً في بنيتها السياسية؛ إذ أدي فراغ السلطة إلى صعود كيانات متنافسة توزعت بين شرق البلاد وغربها، لم يقتصر هذا الانقسام على الشأن الداخلي، بل امتد ليُشكل تحديًا جوهريًا أمام مؤسسات صنع السياسة الخارجية، مما أضعف التمثيل الدبلوماسي الليبي على الصعيد الدولي.

وبناءً على ذلك، يتناول هذا المطلب المحاور الرئيسة التالية:

أولاً: في المرحلة الانتقالية الأولى:

شهد عام 2011، ثورات ما يسمى بالربيع العربي، حيث أُطيح بأنظمة حكم في كلاً من تونس ومصر، وليبيا ليست استثناء، فقد سقط نظام معمر القذافي، وحل المجلس الوطني الانتقالي، لقيادة المرحلة الانتقالية الأولى، وكممثل وحيد للشعب الليبي. (الأزمة الليبية إلى أين؟،2017، ص9) ولغرض تسيير طبيعة العمل داخل المجلس الوطني شُكلت عدة لجان سيطر تيار الإسلام السياسي على اللجان المهمة منها، ثم حدث تبادل الاتهامات بين تيار الإسلام السياسي، والتيار الوطني.

بعد ذلك، دار الجدل والخلاف حول قانون انتخاب المؤتمر الوطني العام المزمع انتخابه بعد صدور الإعلان الدستوري المؤقت يوم 3/8/2011، خاصة فيما يتعلق حول نسبة تمثيل الأقاليم الثلاثة في ليبيا؛ كما حصل الخلاف حول إحدى المواد الدستورية التي تنص على أساس أن يتم اختيار الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور    من قبل أعضاء المؤتمر الوطني العام؛ ولكن الخلاف انتهى، وعدلت المادة الدستورية ليصبح اختيار اللجنة التأسيسية عن طريق الانتخاب المباشر من قبل الشعب الليبي بواقع 20 عضواً عن كل إقليم.

وبرزت خلال الثورة الليبية تيارات سياسية متعددة، خاصة بعض مكونات تيار الإسلام السياسي الذي سعى لاستغلال حالة عدم الاستقرار لتجنيد شريحة الشباب في وقت مبكراً عبر أطر تنظيمية معلنة، مثل “مجلس شورى الشباب”، ومؤسسات مجتمع مدني تعمل في مجالات الإغاثة والعمل التطوعي، إضافة إلى تشكيل كتائب مسلحة ذات توجهات متطرفة ظهرت بمرور الوقت. (الرجباني،2018)

لقد أفسح المجال لظهور صراعات سياسية حادة بين تيارات أيديولوجية متباينة؛ إذ انقسم المشهد بين تيار إسلامي، تمثله جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون، وتيار مدني ليبرالي بقيادة تحالف القوى الوطنية بزعامة محمود جبريل؛ وقد دعا التيار الإسلامي إلى إقامة دولة ذات مرجعية دينية، بينما سعى التيار المدني إلى تأسيس دولة ديمقراطية حديثة تحفظ الحقوق والحريات. (شعيب،2024)

ثانياً: في المرحلة الانتقالية الثانية:

إن البلاد شهدت تحولات دستورية وسياسية هامة، فبعد سقوط نظام القذافي، صدر “الإعلان الدستوري”    في أغسطس 2011، وكان من المفترض أن يشكَل خارطة طريق للمرحلة الانتقالية، إلا أن هذا الإعلان لم يكن كافيًا لمعالجة التحديات المعقدة التي واجهتها ليبيا؛ إذ لم يتضمن آليات فعالة لتحقيق المصالحة الوطنية أو إدارة التنوع السياسي والاجتماعي في البلاد، مما جعل الصراعات والخلافات تُعيق فاعليته وتُضعف أثره في بناء مؤسسات الدولة.(المقهور،2023)

عقب انتخابات 2012، تولى المؤتمر الوطني العام مهام المجلس الوطني الانتقالي كأعلى سلطة في ليبيا خلال المرحلة الانتقالية التي انتهت في 7 فبراير2014. وقد شهدت هذه المرحلة صعوداً لافتاً للأحزاب الإسلامية في دول الربيع العربي، ومنها  ليبيا، حيث حصل حزب العدالة والبناء على 17 مقعداً، بينما فاز تحالف القوى الوطنية بقيادة محمود جبريل ب 39 مقعداً، ولكن رغم تفوقه العددي، لم يتمكن التحالف من قيادة المؤتمر بسبب هيمنة التكتل الإسلامي، الذي ضم حزب العدالة والبناء والجماعة الليبية المقاتلة، ما أدى إلى تقليص نفوذ التيار المدني وتعزيز حالة الاستقطاب السياسي والصراع بين التيارات المختلفة.(علي، ومحمد هدية،2019، ص112)

وفي أعقاب تولي المؤتمر الوطني العام السلطة، برزت خلافات حادة حول تشكيل لجنة صياغة الدستور، خصوصاً بشأن آلية اختيارها وتمثيل المكونات الثقافية والمرأة؛ حيث رفض التيار المدني أن يتولى المؤتمر الوطني العام هذه المهمة، مطالبًا بانتخاب هيئة تأسيسية تمثل مختلف مكونات المجتمع الليبي، وهو ما تحقق لاحقا من خلال انتخاب “هيئة صياغة الدستور” عام 2014.(عمر،2015)

أما الخلاف حول طبيعة النظام السياسي، فتمحور حول الاختيار بين النظام الرئاسي أو البرلماني، إذ كان الإسلاميون يفضلون النظام البرلماني، والمدنيون يفضلون النظام الرئاسي أو على الأقل نظامًا مختلطًا يضمن توازن السلطات. (عبدالحميد،2015)

كما أثير جدل قانوني حول تعيين رئيس الوزراء، في ظل انقسام حاد بين الإسلاميين وتحالف القوى الوطنية، واستمرار الانفلات الأمني وعجز المؤتمر عن بسط شرعيته، ولكن مع اقتراب انتهاء ولاية المؤتمر وفشله في إنجاز الدستور، مدد عمله مؤقتاً، ثم أقر قانوناً لانتخاب مجلس النواب لاستكمال المسار الانتقالي. وهذا أدي إلى شلل سياسي مبكر في المرحلة الانتقالية، فالصراع أعاق بناء مؤسسات الدولة وعرقل مسار صياغة الدستور، وأدى إلى تفكك الثقة بين الأطراف الليبية.

ثالثاً: في المرحلة الانتقالية الثالثة:

جاء انتخاب مجلس النواب الليبي استنادًا إلى مقترحات قدمتها “لجنة فبراير” إلى المؤتمر الوطني العام     بعد أن انتهت ولايته الدستورية دون تحقيق الأهداف المرجوة. وقد ركزت اللجنة على ضرورة انتخاب مجلس نواب عبر الاقتراع المباشر من الشعب، وأكدت أهمية اختيار رئيس للدولة الليبية، وهو ما رفضه المؤتمر الوطني الذى أحال مسألة اختيار الرئيس إلى البرلمان المزمع انتخابه.

لقد افتُتحت الجلسة الأولى لمجلس النواب الليبي في مدينة طبرق يوم 4 أغسطس 2014، وانتُخب المستشار عقيلة صالح عيسى رئيسًا للمجلس، غير أن المسار السياسي ازداد تعقيدًا بعد أن أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارًا يقضى ببطلان الانتخابات البرلمانية، ما أدى إلى انقسام سياسي فعلي  حيث رفض مجلس النواب القرار، وجدد ثقته في حكومة عبدالله الثني، بينما أعاد المؤتمر الوطني حكومة جديدة. (علي، ومحمد هدية،2019، ص112،113)

وبهذا، أصبح هناك صراع على الشرعية بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني ما دفع الأمم المتحدة إلى التدخل حيث أطلقت مفاوضات الصخيرات بين الطرفين في محاولة لإنهاء الانقسام السياسي. وقد أثمرت هذه المفاوضات عن توقيع “اتفاق الصخيرات” في ديسمبر2015، والذي أسفر عن إنشاء كيانات سياسية جديدة أبرزها “المجلس الرئاسي” برئاسة فايز السراج الذي سعى إلى تشكيل حكومة وفاق وطني لاعتمادها من مجلس النواب، غير أن المجلس رفض هذه الحكومة وامتنع عن تضمين التعديل الدستوري. وفيما يتعلق بالسلطة التشريعية، نص الاتفاق علي تشكيل “المجلس الأعلى للدولة” من أعضاء من المؤتمر الوطني العام، مع استمرار مجلس النواب كجهة تشريعية وحيدة، بينما اقتصر دور المجلس الأعلى للدولة على الاستشارة. (عمر، 2025، ص313)

لكن الاتفاق السياسي واجه صعوبات كبيرة في التطبيق، ما فاقم من حدة الانقسام السياسي ووسع الفجوة بين الأطراف السياسية المتنازعة على الشرعية، واستمرت مظاهر الانقسام على المستويات التشريعية والتنفيذية والسيادية، وأخفقت جميع المبادرات في التوصل إلى تسوية شاملة تُنهى الانقسام وتحقق الاستقرار السياسي والأمني والعسكري. واندلعت على إثر ذلك  صراعات مسلحة، كان أبرزها “حرب طرابلس” في عام 2019، والتي انتهت بتوقيع اتفاق جنيف. (عمر، 2025، ص314)

وفي ظل استمرار جهود البعثة الأممية لإخراج ليبيا من أزمتها، أعلن المبعوث الأممي الخاص السابق إلى ليبيا غسان سلامة عقد “الملتقى الوطني الجامع” في مدينة غدامس في منتصف ابريل 2019، غير أن تعاظم التصعيد العسكري في طرابلس حال دون انعقاده. وتسارعت الجهود السياسية الدولية، حيث استضافت ألمانيا “مؤتمر برلين” في 10 يناير2020، بهدف التوصل وقف لإطلاق النار ووقف التدخلات الخارجية، إلا أن القوى الفاعلة لم تلتزم بتعهداتها، ما أدى إلى استمرار الأزمة الليبية في ظل حالة من الاستقطاب الإقليمي والدولي وغياب الإرادة الدولية الجادة. (الشيخ، 2022)

وعلى وجه الخصوص بعد دخول الدعم العسكري التركي في ليبيا كانت القناعة التامة للأطراف المحلية، والأطراف الخارجية المنخرطة فعليا في الصراع الليبي باستحالة حسم الأمور عسكرياً، ومن ثم ضرورة العودة إلى حل سياسي، ليصل في نهاية الأمر إلى تفاهم يرتكز على وقف دائم لإطلاق النار، والجلوس إلى طاولة حوار بهدف الوصول إلى تسوية سياسية تنتج منها حكومة توافق جديدة تضم جميع الفرقاء أو تسوية تجنب ليبيا الدمار، واستنزاف طاقاتها البشرية وإهدار مواردها ومقدراتها. (الشيخ، 2022)

وتوَج هذا المسار السياسي بتوقيع اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في جنيف بتاريخ 23أكتوبر2020، خلال محادثات اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” برعاية الأمم المتحدة. وقد اعتبر هذا الاتفاق “إنجازًا تاريخيًا” وخطوة حاسمة نحو تحقيق السلام. وحظى بترحيب واسع من مجلس الأمن الدولي، داعياً الأطراف الليبية إلى الالتزام بتعهداتهم وتنفيذ البنود بالكامل. (بوابة الوسط، 2021)

وبناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2510، الذى صادق على مخرجات مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا نظمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ملتقى الحوار السياسي الليبي من7 إلى 15 من نوفمبر 2020، في العاصمة التونسية، بمشاركة 75 ممثلاً  ليبيًا. وانتهى الملتقى إلى  التوافق على خارطة طريق لإجراء انتخابات وطنية، شاملة، وديمقراطية، وذات مصداقية في 24 ديسمبر2021. (تقرير النتائج السنوية للأمم المتحدة في ليبيا،2023)

في 5 فبراير 2021، أعلنت المبعوثة الأممية “ستيفاني ويليامز” تشكيل سلطة تنفيذية جديدة ضمت مجلساً رئاسياً برئاسة محمد المنفي، وحكومة وحدة وطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وسط ترحيب دولي واسع اعتبر دعماً للمسار السياسي وإعادة الاستقرار. وبعد نيل الثقة، تعهد الدبيبة بإجراء الانتخابات وتوحيد المؤسسات، إلا أن تمسكه بالسلطة وعدم تنفيذ الالتزامات دفع البرلمان لسحب الثقة في سبتمبر 2021، ومنحها لاحقاً لحكومة جديدة برئاسة “فتحي باشاغا” في مارس 2022، وهو ما رفضته حكومة الدبيبة معتبرة القرار غير ملزم. (الشيخ،2021، ص10-12)

ولكن البرلمان عاد بعد أشهر ليصوت على إيقاف فتحي باشا آغا، وتكليف أسامة حماد بتسيير أعمال الحكومة في 16 مايو 2023. وقد رفضت حكومة طرابلس الاعتراف بالحكومة البديلة، ما أدى إلى انقسام حكومي حاد بين شرق، وغرب البلاد، وسط اتهامات متبادلة بغياب الشفافية، وتغليب المصالح الفئوية.(الشرق الأوسط،2023)

ولهذا، شكل منح الثقة للحكومة البديلة نقطة تحول في تعميق الانقسام السياسي، حيث تحول الصراع من مجرد خلاف سياسي إلى أزمة مؤسساتية وجغرافية معقدة، تعكس تنافسًا إقليميًا، ودوليًا على النفوذ.

رابعاً: أثر الانقسامات السياسية على مؤسسات صنع السياسة الخارجية: وفي هذا الإطار، يمكن رصد أثر الانقسام السياسي على مؤسسات صنع السياسة الخارجية في ليبيا من خلال النقاط الآتية:

  1. الانكفاء الداخلي: أدى الانشغال بالقضايا الداخلية السياسية والاقتصادية والأمنية إلى تراجع دور السياسة الخارجية، إذ أن الاستقرار الداخلي هو أساس فاعلية السياسة الخارجية. وفى ظل الفوضى والانقسام، أصبح من الصعب بناء سياسة خارجية فاعلة.
  2. ضعف وازدواجية القرار السياسي: تسبَب الانقسام بين معسكري الشرق والغرب في إضعاف مؤسسات صنع القرار وغياب التنسيق بين الأجهزة الرسمية، ما أدى إلى تضارب وتخبط واضحين في السياسة الخارجية الليبية.
  3. الارتهان للخارج: لجأ كل معسكر إلى حلفاء إقليميين، ودوليين لتعزيز مواقعه، فأصبحت ليبيا ساحة لصراع  المصالح بين قوي دولية، حيث ارتبط الغرب بتركيا وإيطاليا وبعض الدول العربية، بينما دعم الشرق من قبل مصر وفرنسا والامارات وروسيا.
  4. تجميد العلاقات الخارجية: تردد كثير من الدول والمنظمات في التعامل مع حكومة دون أخرى، ما أدى إلى جمود على مستوى السياسة الخارجية، وتعطيل عدد من المصالح الليبية في الخارج في انتظار تشكيل حكومة موحدة.
  5. استقطاب الكفاءات: أثر الانقسام علي أداء الدبلوماسية الليبية، حيث تم استقطاب الكفاءات بحسب الولاءات، وتعرض بعض المسؤولين للعزل بسبب انتمائهم للنظام السابق ما أدي إلى ضعف تمثيل ليبيا في المحافل الدولية وغياب التفاعل المؤثر.(رستم، 2024، ص 8-10)

خلاصة المطلب الأول:

شهدت ليبيا منذ سقوط نظام القذافي عام 2011 سلسلة من المراحل الانتقالية المتعاقبة التي اتسمت بحدة الانقسامات السياسية والأيديولوجية بين التيارات الإسلامية والمدنية، وتعدد مراكز السلطة بين الشرق والغرب. فقد مرت البلاد بثلاثة مراحل رئيسية:

  • المرحلة الأولى: تمثلت في صعود المجلس الوطني الانتقالي وهيمنة تيار الإسلام السياسي على لجان أساسية، ما أدى إلى صدام مع التيار المدني.
  • المرحلة الثانية: تميزت بانتخابات المؤتمر الوطني العام عام 2012، والتي زادت من حدة الاستقطاب السياسي بين الإسلاميين وتحالف القوى الوطنية، وأعاقت مسار صياغة الدستور وبناء مؤسسات الدولة.
  • المرحلة الثالثة: بدأت بانتخاب مجلس النواب عام 2014 ودخول البلاد في صراع شرعية مع المؤتمر الوطني، ما دفع إلى توقيع اتفاق الصخيرات عام 2015، ثم اتفاق جنيف 2020، مروراً بالحكومات المتعاقبة السرج، الدبيبة، باشاغا، وحكومة جماد، وهو ما عمق الانقسام المؤسسي والجغرافي. انعكس هذا الانقسام بشكل مباشر على مؤسسات صنع السياسة الخارجية، حيث أدى إلى:
  1. انكفاء داخلي وانشغال بالصراعات المحلية على حساب الدور الخارجي.
  2. الارتهان للخارج: عبر الاستقواء بالحلفاء الإقليميين والدوليين.
  3. تجميد العلاقات الخارجية: نتيجة تردد الدول في التعامل مع حكومتين متنافستين.
  4. ازدواجية القرار السياسي وغياب التنسيق بين المؤسسات الرسمية.
  5. إضعاف الكفاءات الدبلوماسية بفعل الولاءات والانقسامات الداخلية.

وبذلك، يمكن القول إن الانقسام السياسي المستمر شكل عقبة مركزية أمام بناء سياسة خارجية ليبية موحدة وفاعلة، وأدى إلى تراجع مكانة ليبيا الإقليمية والدولية وارتهان قرارها السياسي لمصالح القوى الخارجية.

المطلب الثاني: انعكاس الانقسامات السياسية على توجهات ومواقف الفاعلين الإقليميين والدوليين

شهدت ليبيا منذ عام 2020 تفاقماً ملحوظاً في الانقسامات السياسية والعسكرية والمؤسساتية، ما حولها إلى ساحة مفتوحة للصراعات الداخلية والتدخلات الخارجية. وقد أفرزت هذه الانقسامات أزمة حادة في الشرعية، حيث تتقاسم السلطة حكومتان لكل منهما تحالفاته، وانعكس ذلك على مؤسسات اقتصادية مثل: المصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط والمؤسسة الليبية للاستثمار، بينما وجدت الأطراف المتنازعة دعماً من قوى إقليمية ودولية متباينة المصالح. (بن موسى،2024)

وفي هذا السياق، يمكن رصد أبرز الانعكاسات على الفاعلين الدوليين والإقليميين كما يلي:

أولاً: المنظمات الدولية والإقليمية:

  1. بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (UNSMIL):

أنشئت عام 2011 لتعزيز الأمن والمصالحة والدستور والانتخابات، وأسهمت في اتفاق الصخيرات 2015، لكنها فشلت في تنفيذه. أطلق غسان سلامة مسارات سياسية واقتصادية وعسكرية، غير أن الحرب على طرابلس عرقلت خططه. لاحقاً قادت ستيفاني ويليامز ملتقى الحوار السياسي 2020-2021، الذي رسم خارطة طريق للانتخابات، لكن الانقسامات عطلتها. ولهذا بعد مضي أكثر من 12 عاماً، باتت البعثة تنتقد لكونها تدير الأزمة أكثر مما تسعى لتسويتها. (الفلاح، 2023)

  1. جامعة الدول العربية:

دعمت الثورة الليبية 2011 ومهدت للتدخل الدولي، لكن مع تعقد الأزمة تراجع دورها نتيجة الانقسامات العربية وفقدان القدرة على تبني موقف موحد، واقتصر تدخلها على بيانات دعم شكلية. (هدية،2022)

ورغم تعيين مبعوث خاص 2016 – 2019، توقفت الجهود بعد وفاته، ما أبرز عجز الجامعة عن لعب دور فعال. ويعود ذلك لقصور هيكلي في ميثاقها الذي لا يمنحها أدوات تنفيذية. (عبدالكريم،2018) ورغم إدراج الملف الليبي في اجتماعات 2024 ودعوة لحوار تحت مظلة “بيت العرب”، بقى تأثيرها محدوداً في معالجة الأزمة الليبية. (المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية، 2024)

  1. الاتحاد الإفريقي:

رفض التدخل العسكري الدولي عام 2011، وطرح خارطة طريق تضمنت وقف النار وحماية المدنيين، لكن المعارضة رفضتها. لاحقا، سعى لتعزيز حضوره بسبب موقع ليبيا ودورها في الهجرة والأمن الإقليمي. غير أن ضعف التنسيق والانقسامات الإفريقية حدت من فاعليته، وظلت الأزمة الليبية مثالاً لتعقيدات إدارة النزاعات في القارة. (مهدي،2021؛ سكاي نيوز،2022)

من المهم التأكيد على أن الانقسام السياسي لم يؤثر في طبيعة مواقف الدول فحسب، بل انعكس أيضاً على آليات عمل المنظمات الإقليمية والدولية، حيث أصبح من الصعب التوصل إلى موقف موحد، وهو ما أضعف من فرص إطلاق مبادرات جماعية فاعلة تجاه الأزمة الليبية.

ثانياً- القوى الدولية:

  1. روسيا:

وسعت نفوذها عبر التواصل مع طرفي النزاع، إذ استقبلت شخصيات من الشرق والغرب 2024. دوافعها جيوسياسية: تثبيت حضور جنوب المتوسط ومواجهة الغرب. غير أن تعقيدات المشهد الدولي والتنافس مع الولايات المتحدة وأوروبا، خصوصاً مع نشاط “فاغنر” في الجنوب، حدت من قدرتها على فرض هيمنة منفردة. (الشريف،2024)

  1. الولايات المتحدة:

تتعامل مع ليبيا باعتبارها مجال نفوذ أوربي، مع اهتمام خاص بمكافحة الإرهاب والتصدي للوجود الروسي. شددت على بقاء المؤسسة الوطنية للنفط مستقلة، وكثفت عمليات “أفريكوم” ضد الإرهاب في الساحل والصحراء. ورغم أن الملف لا يحتل مرتبة متقدمة على أجندة واشنطن، إلا أن استمرار الأزمة يهدد مصالحها وأمن حلفائها الأوروبيين. (السحاتي،2024)

ثالثاً- القوى الإقليمية والعربية:

  1. تركيا:

شكل تدخلها العسكري في 2020 نقطة تحول، عبر اتفاق أمني وعسكري مع حكومة الوفاق، بهدف تأمين نفوذ في الطاقة وشرق المتوسط. تحولت ليبيا إلى ورقة استراتيجية لأنقرة، وتجلى لاحقاً انفتاحها على قادة من الشرق مثل بلقاسم وصدام حفتر 2025، ما يعكس إدراكاً بضرورة تجاوز الصراع نحو التعاون، رغم استمرار الجدل حول الاتفاقيات الأمنية والسيادة الليبية. (بوستي،2024؛ دواد،2024)

  1. مصر:

تنطلق من اعتبارات أمن قومي وجغرافي، وأكدت استعدادها للتدخل عسكرياً لحماية حدودها 2020. لعبت دوراً في مبادرات التسوية والحوار الليبي – الليبي مثل اجتماعات القاهرة 2024. غير أنها تنظر بقلق للاتفاقيات البحرية بين حكومة الوفاق وتركيا، وتعتبرها تهديداً مباشراً. كما أثرت الأزمة على أوضاع العمالة المصرية وعلى الأمن القومي المصري. (سلامة، 2023؛هبة،2024؛ ليبيا برس،2024؛ بوسكين،2024)

  1. الجزائر:

تأثرت مباشرة بالانفلات الأمني على حدودها 982كم وانتشار الإرهاب والتهريب. ترفض التدخلات العسكرية الأجنبية، وتتمسك بالحل السلمي. كما تضررت مصالحها الاقتصادية، خصوصاً شركة “سوناطراك” التي أوقفت نشاطها مرتين 2011 و2015، ما عمق مخاوفها الأمنية والاقتصادية. (بوسكين،2024)

يتضح من خلال ما سبق أن الانقسامات السياسية في ليبيا لم تكن مجرد خلاف داخلي، بل شكلت مدخلاً رئيسياً لتوسيع دائرة التدخلات الإقليمية والدولية، حيث وظف كل طرف خارجي هذه الانقسامات بما يخدم مصالحه الاستراتيجية، وهو ما عمق من أزمة الشرعية وأضعف إمكانية بناء موقف وطني موحد.

وأيضاً، يمكن القول إن الانقسام السياسي لم يضعف فقط الوحدة الداخلية للدولة، بل أفرز بيئة خصبة للتدخلات الخارجية المتعارضة. فبينما وظفت بعض الدول الإقليمية هذا الانقسام لدعم حلفائها المحليين، اختارت قوى دولية أخرى تبني مقاربة براغماتية قائمة على حماية مصالحها الحيوية. وهذا يبرز كيف تحولت ليبيا إلى ساحة صراع نفوذ إقليمي ودولي، بفعل هشاشة بنيتها السياسية الداخلية.

خلاصة المطلب الثاني:

أظهرت الانقسامات السياسية والعسكرية في ليبيا منذ 2020 تأثيراً مباشراً على مواقف الفاعلين الدوليين والإقليميين. فقد عجزت المنظمات الدولية والإقليمية (الأمم المتحدة، الجامعة العربية، الاتحاد الإفريقي) عن تحقيق تسوية فعلية، نتيجة ضعف الأدوات والانقسامات الداخلية، الأمر الذي جعلها مجرد إدارات للأزمة أكثر من كونها أطرافاً فاعلة في حلها.

أما القوى الدولية، فقد استغلت الانقسامات لتعزيز نفوذها؛ حيث وسعت روسيا حضورها انطلاقاً من دوافع جيوسياسية، بينما ركزت الولايات المتحدة على مكافحة الإرهاب ومنع النفوذ الروسي، مع إبقاء الملف الليبي في مرتبة ثانوية مقارنة بأولوياتها الأخرى.

وفي الإقليم، تحولت ليبيا إلى ساحة صراع نفوذ؛ إذ جعلتها تركيا ورقة استراتيجية ترتبط بالطاقة والأمن شرق المتوسط، بينما تعاملت مصر معها باعتبارها عمقاً استراتيجياً لأمنها القومي، في حين نظرت الجزائر   إلى الأزمة من زاوية أمن حدودها ومصالحها الاقتصادية، رافضة التدخلات العسكرية الأجنبية.

وبذلك، يتضح أن الانقسامات الداخلية لم تقتصر على إضعاف المؤسسات الليبية فحسب، بل تحولت إلى عامل أساسي في إعادة تشكيل توازنات القوى الإقليمية والدولية حول ليبيا، بما عمق الأزمة وأطال أمدها.

المطلب الثالث: تغير أولويات السياسة الخارجية، وممارساتها الدبلوماسية

تُعد السياسة الخارجية إحدى الأدوات الأساسية التي تعتمدها الدولة لتحقيق أهدافها في علاقاتها مع الدول والفواعل الأخرى في النظام الدولي، وتقوم على المصلحة العليا للدولة باعتبارها مجموعة من الخطط والنهج والسلوكيات في المجالات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية. ومن ثم فهي مؤشر مهم لقوة الدولة وتأثيرها في محيطها الخارجي، وقدرتها على إدراك الواقع الدولي والتفاعل معه. (الفلاق، 2023)

في الحالة الليبية، تأثرت السياسة الخارجية بشدة بالانقسام الداخلي، حيث تحولت إلى أداة مرتبطة بالصراع السياسي بدلاً من أن تعكس استراتيجية وطنية شاملة. وقد انعكس ذلك في ضعف الممارسات الدبلوماسية، وتشتت التمثيل الخارجي للدولة الليبية. ومن هذا المنطلق، يتناول هذا المطلب مظاهر تغير أولويات السياسة الخارجية الليبية وممارساتها الدبلوماسية عبر ثلاثة محاور رئيسة:

أولاً- السفارات الليبية وتعيين الممثلين الدبلوماسيين:

منذ عام 2011، تحولت المناصب الدبلوماسية إلى أدوات مساومة سياسية ووسيلة للترضيات المناطقية، ما أضعف مهنية العمل وأفقده فاعليته. كما تعاقب وزراء خارجية عدة، ما أدى إلى انقسام في المواقف الرسمية، استغلته بعض الدول لتوجيه الدعوات لوزراء محددين بهدف إضفاء الشرعية على حكومة دون أخرى. (المركز الليبي للدراسات، 2024)

وقد أدى ذلك إلى اضطراب في إدارة البعثات الدبلوماسية وتضخم غير مبرر في عددها، حيث تجاوزت 134 بعثة، كثير منها بلا جدوى فعلية. (عبداللطيف، 2021) وكشفت تقارير ديوان المحاسبة عن فساد مالي  وإداري، شمل بيع ممتلكات الدولة والتلاعب بالأموال العامة، خاصة في 2018. (السفارات والقنصليات والبعثات الليبية في الخارج، 2024)

وفي عام 2020 بلغ عدد السفارات والقنصليات 150، رغم غياب المبررات العملية لاستمرار بعضها. (ديوان المحاسبة، 2020) كما أظهر تقرير 2023 تضخماً في عدد العاملين ليصل إلى نحو 3478 شخصاً دون مردود ملموس. (ديوان المحاسبة، 2023).

هذه الازدواجية والفساد أضعفا ثقة المجتمع الدولي في التمثيل الليبي، واستغل الفراغ لتعزيز مصالح خارجية على حساب السيادة الوطنية. (العربية،2020؛ أخبار ليبيا الآن، 2025)

ثانياً- نفقات السفارات والفساد المالي:

تفشي الفساد المالي بعد 2011، حيث صدرت قرارات بحبس دبلوماسيين مراقبين ماليين بتهم اختلاس المال العام وتزوير الفواتير. (المركز الليبي للدراسات، 2024) ومن أبرز الوقائع حبس سفيرة ليبيا لدى بلجيكا بتهم فساد مالي، والقائم بأعمال المراقب المالي في مصر، كما طالت التهم مسؤولين في بعثات أوغندا وتركيا والمغرب. (فوزي، 2023)

تشير هذه المظاهر إلى أن الفساد المالي والإداري في المؤسسات الدبلوماسية ليس مجرد خلل وظيفي داخلي، بل يمثل عاملاً مضافاً لإضعاف السياسة الخارجية الليبية، إذ ينعكس بشكل مباشر على كفاءة التمثيل الدبلوماسي وقدرته على تحقيق الأهداف الوطنية.

وقد كشف تقرير ديوان المحاسبة لعام 2022 عن تضخم النفقات، حيث بلغ عدد المراقبين الماليين 122 بإجمالي رواتب تجاوز 44 مليون دينار، وصرف رواتب لموظفين غير مدرجين أو انتهت علاقتهم بالوزارة. (المركز الليبي للدراسات،2024)

ومن خلال تتبع أوجه القصور في الإدارة المالية والرقابية داخل المؤسسات الدبلوماسية، يتضح أن الفساد أصبح عائقاً بنيوياً يحول دون تحقيق مبدأ الشفافية والمساءلة، مما يضعف ثقة الشركاء الدوليين ويكرس صورة سلبية عن الدولة الليبية في الخارج.

وفي 2024، سجلت نفقات السفارات نحو 3 مليارات دينار، تصدرتها أنقرة بــ 318.8 مليون دينار، في ظل فساد مالي شمل شراء سيارات فارهة واستئجار طائرات خاصة. (فوزي،2025)

يمكن القول إن الفساد الإداري والمالي لا يؤثر فقط في أداء الأفراد العاملين في السلك الدبلوماسي، بل يتجاوز ذلك إلى إضعاف مكانة ليبيا الدبلوماسية، حيث يظهر غياب الانضباط المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي في إدارة ملفات السياسة الخارجية.

ثالثاً- تغير أولويات السياسة الخارجية وواقع الممارسات الدبلوماسية:

  1. الأولويات الدولية والإقليمية: ركزت حكومة طرابلس على تعزيز شرعيتها عبر الأمم المتحدة وتركيا وقطر، بينما اعتمدت حكومة الشرق على مصر والإمارات وروسيا، ما كرس الانقسام وأضعف وحدة القرار الخارجي. (بن سليمان وأحمد حسين، 2024)
  2. الموارد الاقتصادية كأداة ضغط: استخدم النفط كورقة ضغط سياسي، مثلما حدث عند عزل محافظ المصرف المركزي من قبل المجلس الرئاسي، ورد حكومة الشرق بوقف الإنتاج، ما أثر على الأسواق العالمية. (عربي21، 2024)
  3. أولويات التعامل مع الملفات الدولية: انحصرت الجهود في كسب الحلفاء بدلاً من تعزيز السيادة، ما نتج عنه قصور دبلوماسي. (بوابة الوسط،2024) ومن أبرز الوقائع:
  • توقيع اتفاقية أمنية مع تركيا عام 2019 واعتبار البرلمان لها مخالفة. (العبيدي،2019)
  • تضارب المواقف بشأن تسليم أبو عجيلة المريمي إلى الولايات المتحدة. (السحاتي،2023)
  • أزمة لقاء وزيرة الخارجية مع نظيرها الإسرائيلي في 2023. (رستم، 2024)
  • استقبال شخصية أدعت تمثيل غينيا بيساو في 2024 رغم نفي الأخيرة لذلك. (قناة ليبيا الحدث،2024)

يتضح أن السياسة الخارجية الليبية تعاني من ازدواجية القرار وتضارب المصالح بين حكومتين متنافستين، ما أدى إلى فقدان ثقة المجتمع الدولي، وتعطيل المصالح الوطنية، وتكريس الضعف المؤسسي في المحافل الإقليمية والدولية.

خلاصة المطلب الثالث:

يتضح أن السياسة الخارجية الليبية بعد 2011 لم تعد انعكاساً لمصالح وطنية موحدة، بل أصبحت رهينة للانقسامات السياسية الداخلية، وهو ما أفرز ازدواجية في التمثيل الخارجي، وتضخماً في البعثات الدبلوماسية دون جدوى، فضلاً عن تفشي الفساد المالي والإداري في إدارة السفارات.

وقد تزامن ذلك مع تغير الأولويات من تعزيز السيادة الوطنية إلى البحث عن الشرعية عبر الحلفاء الإقليميين والدوليين، ما جعل الموارد الاقتصادية، خاصة النفط، ورقة ضغط في الصراع السياسي أكثر من كونها أداة لتحقيق التنمية أو الاستقرار.

إن تداخل هذه العوامل – الانقسام، الفساد، وتبدل الأولويات – أضعف الممارسة الدبلوماسية الليبية وأفقدها فعاليتها، كما كرس هشاشة الدولة في النظام الدولي، الأمر الذي جعل السياسة الخارجية انعكاساً للأزمة الداخلية بدلاً من أن تكون وسيلة لحلها أو احتوائها.

الخاتمة:

خلص هذا البحث إلى أن السياسة الخارجية الليبية بعد 2011 لم تُعد نتاج رؤية وطنية موحدة، بل أصبحت انعكاساً مباشراً للأزمة الداخلية التي اتسمت بالانقسام السياسي الحاد، وانتشار الفساد الإداري والمالي، وتبدل الأولويات الاستراتيجية، فقد أدى الانقسام بين الشرق والغرب إلى ازدواجية التمثيل الخارجي وتناقض الخطاب الدبلوماسي، وهو ما أضعف مكانة ليبيا في النظام الدولي وفتح المجال أمام التدخلات الأجنبية. كما ساهم تفشي الفساد في السفارات والبعثات الدبلوماسية في إضعاف فاعلية الأداء الخارجي، وعزز صورة سلبية عن ليبيا   في نظر الشركاء الدوليين.

وأظهرت النتائج كذلك أن السياسة الخارجية لم تُعد قائمة على حماية السيادة الوطنية أو خدمة المصالح العامة، بقدر ما أصبحت أداة لتثبيت الشرعية السياسية للأطراف المتصارعة داخلياً عبر التحالف مع قوى إقليمية ودولية. وقد انعكس ذلك على مواقف الفاعلين الخارجيين الذين تعاملوا مع الأزمة بما يخدم مصالحهم الاستراتيجية والاقتصادية مستغلين هشاشة الوضع الداخلي لتوسيع نفوذهم وإعادة تشكيل خريطة التحالفات حول ليبيا.

ومن خلال ربط النتائج بالأهداف، يتضح أن البحث قد حقق غايته في كشف التداخل بين الانقسام السياسي والفساد وتغير الأولويات، وكيف أسهمت هذه العوامل مجتمعة في إضعاف الممارسة الدبلوماسية وفقدان ليبيا لمكانتها كفاعل مؤثر في محيطها الإقليمي والدولي.

وبذلك تبرز أهمية البحث في توضيح أن معالجة السياسة الخارجية لا يمكن أن تتحقق بمعزل عن إصلاح الداخل، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية عبر أسس من الوحدة والشفافية والفاعلية.

في ضوء ما توصل إليه هذا البحث من نتائج حول ضعف التمثيل الخارجي وانقسام مؤسسات السياسة الخارجية، نقترح التصور العملي للإصلاح خطة ثلاثية المراحل:

أولاً: مرحلة التقييم والتشخيص (6 _12 شهراً):

  1. تشكيل لجنة وطنية مستقلة تضم ممثلين عن ديوان المحاسبة، ووزارة الخارجية، ومكتب النائب العام تتولي جرد جميع السفارات والبعثات وتحديد غير الفعالة منها، ومراجعة التعيينات وكشف ملفات الفساد الإداري والمالي.
  2. تجميد التعيينات السياسية في البعثات الخارجية إلى حين اعتماد معايير مهنية موحدة.

ثانيًا: مرحلة التوحيد والإصلاح (12_24 شهراً):

  1. إلغاء التمثيل الدبلوماسي المزدوج، وإنهاء تعدد الاعترافات بالسفراء من خلال إشعار الدول المضيفة رسميًا باعتماد ممثل دبلوماسي واحد.
  2. إعادة هيكلة وزارة الخارجية، ودمج السفارات ذات الأولوية المنخفضة، وربط الإنفاق برقابة إلكترونية باستخدام منصات رقمية بإشراف ديوان المحاسبة.
  3. اعتماد معايير صارمة في تعيين السفراء تشمل إتقان اللغة، والكفاءة المهنية، والحياد سياسي.
  4. دمج القرار التنفيذي : في هذا السياق، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية في 30 أبريل 2025، قرارًا بإلغاء 25 بعثة دبلوماسية وتشكيل لجنة لمعالجة أوضاع العاملين بها وتقليص النفقات.

تعليق تحليلي:

يمثل هذا القرار خطوة مهمة نحو تقليص الهدر المالي، وترشيد التمثيل الدبلوماسي، وإن جاء متأخرًا بعد سنوات من الإنفاق العشوائي والفوضى، فإنه يعكس إدراكًا لحجم التسيب في الجهاز الخارجي. ومع ذلك فإن تأجيل اتخاذ مثل هذا الإجراء منذ تولى الحكومة مهامها عام2021، وحتى عام2025، يثير الشكوك حول جدية النوايا الإصلاحية ويفتح باب التساؤل حول ما إذا كان القرار ناتجًا عن قناعة حقيقية أم ضغوط داخلية وخارجية، ورغم ذلك تبقى الخطوة ضرورية في مسار إصلاح السياسة الخارجية لكنها لا تكفي وحدها، ما لم تُستكمل بخطط شاملة لإعادة هيكلة السلك الدبلوماسي وتفعيل الرقابة وضمان الشفافية في التعيينات والانفاق.

ثالثًا: مرحلة البناء والتطوير (24_36 شهرًا):

  1. إنشاء أكاديمية وطنية دبلوماسية لتأهيل كوادر محترفة بالتعاون مع معاهدة دولية مرموقة “فرنسا، بريطانيا”، مع اعتماد اختبارات كفاءة إلزامية.
  2. إصدار ميثاق دبلوماسي ملزم يُجرم الانتماءات الحزبية أو الجهوية، ويُلزم بالشفافية المالية ويقر عقوبات صارمة كالفصل والمحاكمة على المخالفين.
  3. إعادة ترتيب الأولويات في السياسة الخارجية، من خلال تركيز الجهد الدبلوماسي علي الدول الاستراتيجية “مثل مصر وتونس ودول مجلس الأمن”، وتجنب التمثيل غير المجدي في دول ذات تأثير ضعيف.

التوصيات:

في ضوء نتائج البحث نقدم التوصيات التالية:

  1. إعادة هيكلة المؤسسات الدبلوماسية: توحيد الهيكل الإداري للبعثات تحت سلطة مركزية، وإصدار قانون موحد ينظم عمل السلك الدبلوماسي خلال فترات الانقسام.
  2. إنشاء لجنة وطنية مستقلة لمراقبة وتقييم الأداء الدبلوماسي: تضم خبراء في القانون الدولي والعلاقات الدولية، وتنشر تقارير تقييم الأداء بشفافية ودورية.
  3. تعزيز التنسيق بين وزارة الخارجية والجهات السيادية: من خلال آليات تشاور شهرية ومنصات إلكترونية داخلية لتبادل المعلومات.
  4. تدريب وتأهيل الكوادر الدبلوماسية: اعتماد برامج تدريبية إلزامية تُركز على التفاوض وإدارة الأزمات، والاستفادة من تجارب الدول التي مرت بانتقالات سياسية مماثلة.
  5. إعداد خطة وطنية للسياسة الخارجية: تقوم على الحياد المؤسسي وتُبعد السفارات عن التجاذبات السياسية، وتعكس المصالح الوطنية بعيدًا عن الأجندات الحزبية أو الجهوية.
  6. إنشاء قاعدة بيانات موحدة للبعثات والسفارات: تشمل الأداء الإداري، والانفاق، والعلاقات مع الدولة المضيفة. وتُمكن من اتخاذ قرارات دقيقة ومبنية علي معلومات محدثة.

قائمة المراجع

  • أزمة غياب الدبلوماسية الليبية بين ضخامة الفساد الداخلي وفقدان دورها الخارجي.(2024). وحدة الأبحاث والدراسات المركز الليبي للدراسات. تم الاسترجاع في 3 مارس 2025، من lcsms.info
  • أحمد، مفتاح إبراهيم الفلاق. (2023). السياسة الخارجية الليبية إعادة التغيير والهيكلة. مركز المتوسط الدراسات الاستراتيجية. تم الاسترجاع في 15مارس 2015، من https://mediterraneancss.uk
  • امراجع، مادي بركة الرجباني. (2018). مستقبل النظام الحزبي الليبي وإشكالية الوحدة في إطار المرحلة الانتقالية. اطروحة دكتوراه غير منشورة. جامعة قناة السويس،، كلية التجارة بالإسماعيلية. قسم العلوم السياسية.
  • السفارات والقنصليات والبعثات الليبية في الخارج. (2025). موقع على الفيس بوك. تم الاسترجاع في 23أبريل 2025 من https://www.facebook.com/share/r/1eswbwqrn8/
  • النواب الليبي يقيل باشاغا من رئاسة الحكومة ويحيل للتحقيق. (2023). الشرق الأوسط. تم الاسترجاع في 19مارس 2025، من https://aawsat.com
  • المنقوش: لقاء كوهين كان بتنسيق بين إسرائيل وحكومة الدبيبة. (2025). الشرق الاوسط. تم الاسترجاع في 25/3/2025،من https://aawsat.news/nfntj
  • الفيتوري شعيب. (2024). التيارات الإسلامية في الازمة الليبية الدور والمستقبل. تم الاسترجاع في 14 مارس 2025، من  https://studies.aljazeera.net
  • الأخبار الرائجة حول شخصية أمادو لامين؟ (2024). قناة ليبيا الحدث. تم الاسترجاع في 22 مارس 2025، من https://www.facebook.com/share/v/1bfypgr8ak/ .
  • الأزمة الليبية إلى أين؟ (2017). مركز دراسات الشرق الوسط، العدد 13. تم الاسترجاع في 22 مارس 2025، من mesc.com
  • الأزمة الليبية فى2020: تحركات إيجابية تكتب نهاية حرب طرابلس وتمنح أملا مع نهاية العام. بوابة الوسط. تم الاسترجاع في 10 مارس 2025، من https://alwasat.ly .
  • اتفاق ليبي _أوروبي على تعزيز التعاون في 4 مجالات للحد من تدفقات الهجرة. (2024). بوابة الوسط. تم الاسترجاع في 8 أبريل 2025، من https://alwasat.ly .
  • الجامعة العربية تسعي للعودة إلى المشهد الليبي: ما فرص نجاحها وقوتها وقبولها محليا؟ (2024). المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية. تم الاسترجاع في 8 مارس 2025، من   https://lcms.info .
  • بيان النائبة المصرية. ليبيا برس. (2024). تم الاسترجاع في 29 مارس 2025، من https://whatsapp.com/channe/0029vaw8.
  • توفيق بوستي. (2024). التدخل التركي في ليبيا الدوافع والتداعيات. مجلة العلاقات الدولية. تم الاسترجاع في 18 يونيو 2025، من irajournal.academy
  • تقرير أممي يكشف تصاعد نفوذ التشكلات المسلحة في ليبيا المؤشرات والتداعيات.(2025). المركز الليبي. تم الاسترجاع في 22 أبريل 2025، من lcsms.info
  • تقرير النتائج السنوية للأمم المتحدة في ليبيا.(2023). ملتقى الحوار السياسي الليبي، تم الاسترجاع في 5 أبريل 2025، من https://libya.un.org
  • تقارير ديوان المحاسبة الليبي عن أعوام ،2020، 2023. تم الاسترجاع في 30 أبريل 2025، من audit.goy.ly
  • تونس تتجه نحو تمثيل دبلوماسي مزدوج في طرابلس وطبرق.(2020). العربية. نم الاسترجاع في 4 أبريل 2025، من alarabiya.net.
  • جمال عبدالرحمن رستم.(2023). الانقسامات السياسية وتوجهات السياسة الخارجية الليبية2011-2023. مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية. تم الاسترجاع في 22 مارس 2025، من mediterraneancss.uk
  • جبريل العبيدي. (2019). ليبيا واتفاق السلاجقة. الشرق الأوسط. تم الاسترجاع في 15 أبريل 2025، من aawsat.com
  • خالد، خميس السحاتي. (2024). موقف أمريكا وروسيا في ليبيا ينطلق من مصالحهما والتنافس على إفريقيا والشرق الأوسط. آراء حول الخليج. تم الاسترجاع في 23 أبريل 2025، من https://araa.sa
  • خالد خميس السحاتي. (2023). مستقبل الازمة الليبية في ظل ازدواجية السلطة. مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار. افاق المستقبل. العدد3، نم الاسترجاع في 19 يناير 2025، من idsc.gov.eg
  • خيري عمر.(2015). الازمة الدستورية ليبيا أبعاد الصراع بين المكونات السياسية. سياسات عربية للعلوم السياسية والعلاقات الدولية. المجلد3. العدد13. تم الاسترجاع في 26 مارس 2025، من siyasatarabiya.dohainstitute.org
  • دبلوماسية هشة ونفقات ضخمة ليبيا تنفق بلا نتائج.(2025). أخبار ليبيا الآن. تم الاسترجاع في 13 مارس 2025، من  https://www.libyaakhbar.com
  • رضوى الشريف. التحركات الروسية في ليبيا الدوافع والأدوات. (2024). مركز شاف للتحليل الازمات والدراسات. تم الاسترجاع في 1 يونيو 2025، من  https://shafcenter.org
  • زايد هدية.(2022). يد الجامعة العربية لا تطال الملف الليبي. تم الاسترجاع في 12 يوليو 2025، من independentarabia.com
  • زيارة صدام حفتر إلى انقره.(2025). فواصل. تم الاسترجاع: 17 يونيو 2025، من https://www.facebook.com/share/1esmtuswdk/
  • سليم بو سكين.(2024). الازمة الليبية وتأثيراتها على أمن دول الجوار. مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية. تم الاسترجاع في7 أبريل 2025، من https://mediterraneancss.uk
  • سعد سلامة.(2023). الازمة الليبية: قراءة في سياسات دول الجوار. مركز المتوسط للدراسات الاستراتيجية. تم الاسترجاع في 2 أبريل 2025، من https://mediterraneancss.uk
  • سالم دينار على عمر.(2025). آثار الانقسام السياسي وتداعياته على الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا. المجلة العلمية لكلية التربية. المجلد الرابع. العدد الأول. تم الاسترجاع في 29 يناير 2025، من journal.su.edu.ly
  • سراج الدين عبدالحميد.(2015). مصدر مسؤول: هذه أبرز نقاط الخلاف حول الدستور الليبي. تم الاسترجاع في 4 أبريل 2025، من  https://arabi21.com
  • سيما علي مهدي، دور الاتحاد الأفريقي في حل النزاعات الأفريقية: دراسة حالة ليبيا، المركز الديمقراطي العربي، 2021م. تم الاسترجاع: 24/4/2025م. نشر بموقع: https://democraticac.de
  • علي بن موسى.(2024). ليبيا بين الانقسامات والكوارث: التفتت السياسي والاستجابة إلى فيضانات درنه. مراكز بحوث مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية. تم الاسترجاع: 23 مارس 2025، من https://mecouncil.org
  • عماد عمر محمد عبدالكريم.(2018). دور جامعة الدول العربية في حل القضايا العربية”2011-2017″. رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط . كلية الآداب والعلوم. قسم العلوم السياسية. تم الاسترجاع في 18 أبريل 2025، من meu.edu.jo
  • عبداللطيف أحمد عبداللطيف.(2021). تعريف السفارة. مؤسسة محمد السادس للسلام والتسامح. تم الاسترجاع في 11 أبريل 2025، من achamilapress.com
  • عزة، كامل المقهور.(2023). السردية الدستورية الليبية منذ 2011 وقائع وتقييم وتوصيات. تم الاسترجاع في 18أبريل 2025، من https://jcl-mena.org/article.php?aid=45&iname=9
  • عبدالسلام علي، ومحمد هدية درباق. (2019). دور الانقسام السياسي في تفشي ظاهرة الفساد في ليبيا. مجلة جامعة سرت العلمية. المجلد التاسع العدد الأول . تم الاسترجاع في 5 يونيو 2025، من journal.su.edu.ly
  • قصة النفط الليبي ..صراع الشرق والغرب يلقى بظلاله على الاقتصاد.(2024). عربي21. تم الاسترجاع في 11 أبريل 2025، من https://arabi21.com
  • محمد فوزي.(2023). حصاد وزارة الخارجية فساد بالجملة في السفارات الليبية. الشاهد،20. تم الاسترجاع في 27 أبريل 2025، من https://lywitness.com
  • محمد فوزي.(2025). 3 مليار دينار مصاريف السفارات الليبية خلال 2024 أموال طائلة رغم الفساد المهول. الشاهد. تم الاسترجاع في 25 أبريل 2025، من https://lywitness.com
  • محمد عبدالحفيظ الشيخ. (2021). الاتفاق السياسي الجديد في ليبيا التحديات وفرص النجاح. المركز الليبي للأبحاث والدراسات. تم الاسترجاع في 16 مارس 2025، من drive.google.com
  • ماجدة الفلاح.(2023). المشهد السياسي الليبي آفاق التسوية ومرتكزات الحل. مركز المتوسط للدراسات. تم الاسترجاع في 12 مارس 2025، من https://mediterraneancss.uk
  • محمد عبدالحفيظ الشيخ. (2022). مخرجات الحوار السياسي الليبي بين الخروج من الأزمة وتحديات التعطيل. مقالات مركز دراسات الوحدة العربية، تم الاسترجاع في 10 يونيو 2025، من https://caus.org.lb
  • مجلس النواب يمنح الثقة للحكومة الليبية الجديدة.(2022). وكالة الانباء الليبية. تم الاسترجاع في 23 مارس 2025، من https://lana.gor.ly
  • مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال..هل تعرضت حكومة شرق ليبيا للاحتيال. (2024). BBC عربي. تم الاسترجاع في 29 أبريل 2025،من bbc.com
  • هبة أديب. (2024). البيان الختامي لاجتماع القاهرة: اتفاق على تشكيل حكومة جديدة وعودة النواب لفتح باب الترشيح. بوابة الوسط. تم الاسترجاع في 26 أبريل 2025، من https://alwasat.ly/news/libya/445407 .
  • هل تحرك الوساطة الإفريقية المياه الراكدة في المشهد الليبي.(2022). سكاي نيوز عربية. تم الاسترجاع 22 أبريل 2025، من  skynesarabia.com
  • هنا دواد. (2024). التواجد التركي في ليبيا: محددات وآفاق جديدة. مركز شاف لتحليل الازمات والدراسات المستقبلية. تم الاسترجاع في 25 أبريل 2025، من https://shafcenter.org
  • وليد، على إبراهيم بن سليمان، وأحمد حسين.(2024). السياسة الخارجية الليبية بعد 2011..المجلد9، العدد1. تم الاسترجاع في11أبريل 2025، من https://asip.cerist.dz
5/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطي العربي

مؤسسة بحثية مستقلة تعمل فى إطار البحث العلمي الأكاديمي، وتعنى بنشر البحوث والدراسات في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية والعلوم التطبيقية، وذلك من خلال منافذ رصينة كالمجلات المحكمة والمؤتمرات العلمية ومشاريع الكتب الجماعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى