الدراسات البحثيةالعسكريةالعلاقات الدولية

حلف الناتو ومدي تأثيره علي على المنطقة العربية في ظل الصراعات العربية الداخلية

اعداد الباحثان فى الشئون الاستراتيجية : سيد العزازى – حسين خلف موسى

 

صدر دراسة حديثة خاصة في “المركز الديمقراطي العربي” تحت عنوان :حلف الناتو ومدي تأثيره علي على المنطقة العربية في ظل الصراعات العربية الداخلية:

المقدمة:

إن حلف الناتو لم يعد حلفاً دفاعياً كما كان مرسوماً له عند تأسيسه، وإنما تحول إلى حلف ذي مهام عسكرية سياسية يعمل لصالح تكريس ونشر الهيمنة الأمريكية، ويؤشر هذا التغيير في إستراتيجية الحلف، البداية لعولمة حلف الناتو، أي العولمة العسكرية لكي ترافق باقي العولمة.

لقد مر الناتو بأقسى اختبار في تاريخه، وواجه احتمال حدوث تهميش مطرد في العلاقات عبر الأطلسية على يد عضوه الرئيس، الولايات المتحدة، خلال حرب العراق عام 2003، ولقد أطلق الناتو مبادرات جديدة وواصل العمليات الجارية خارج منطقة نشاطه في أفغانستان والعراق، في خطة شراكة أوسع في الشرق الأوسط، ومن خلال تدخل أعمق في القوقاز وآسيا الوسطى، وكان الهدف مداواة الصراع عبر الأطلسي وتوزيع التزامات الناتو العالمية، بحيث يمكن أن يظهر بديلاً ذا مصداقية عن “تحالفات طوعية” تقودها الولايات المتحدة، وكان التساؤل عما إذا كان في الإمكان إيجاد التصميم السياسي الموحد والضروري، وعما إذا كان في الإمكان مجاراة طموحات الناتو والتزاماته بموارد كافية.

إن الناتو يواجه الآن تحديات وامتحاناً عسيراً في أفغانستان لمهامه الجديدة زادتها صعوبة الأوضاع القلقة والمعقدة في باكستان، والوضع المالي غير المستقر عالميا من خلال الأزمات المتتالية من الولايات المتحدة إلى اليونان فبريطانيا، وتبقى العقبة الرئيسية أمام تحديد دور الناتو، انعدام إستراتيجية أورو – أطلسية واضحة ومتناغمة وبعيدة المدى لاستبدال مفاهيم الحرب الباردة، برد أقوى على أخطار القرن الحادي والعشرين: الإرهاب، الدول الضعيفة أو الفاشلة وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والتحدي الماثل أمام الناتو هو تجاوز الإدراك المتنامي القائل بأنه ” منتدى لاتخاذ قرارات بشأن عمليات، واستعادة دوره” كمنتدى مركزي للنقاش السياسي وصنع القرار.

وبخاصة بعد ثورات الربيع العربي والأحداث الملتهبة فى ليبيا وسوريا واليمن وكذلك مدي توازن القوى بين حلف الناتو وارسو
أن أهم سمات القرن العشرين، التكتلات والتحالفات الإستراتيجية الكبرى، والتي شملت مجالات عدة، فمنها السياسية، ومنها العسكرية، وكذلك هناك التكتلات الأكثر أهمية منذ الربع الأخير للقرن العشرين، وهي التكتلات الاقتصادية.
كل من تلك التكتلات أو التحالفات ذات صور تعاون متعددة، وقد لا تكون جديدة في مجالات التعاون المختلفة. فقد قامت تحالفات وتكتلات من قديم الأزل، لتحقيق نفس الأهداف الحالية، للتكتلات والتحالفات الجديدة، والتي لم تتعدى “تحقيق المصالح المشتركة لهذه الدول، وزيادة القدرات الدفاعية للدول المتحالفة لدرء أي عدوان عليها”.
.
أن السياسات الاستقطابية مستويات عدة، من انحياز كامل، لانحياز متردد بين المعسكرين من فترة لأخرى، ومن ثم انعكس ذلك على الخريطة السياسية في ذلك الوقت، ولتكتشف الدول الصغرى، اختراق أمنها من القوى العظمى، من أجل مصالحها الخاصة، وانجذاب تلك الدول النامية والهامشية، إلى صور من التبعية للدول الكبرى والعظمى، تحت مسميات عدة، تتناسب مع كل إقليم أو مجموعة.

اتخذ الصراع السياسي، في المجتمع الدولي، في تلك الآونة (عصر الحرب الباردة) أحد أشكال ثلاثة، وهي:
– 1. الأولى: الصراع العنيف (Violent Conflict)، ويقصد به الحرب أو الصراع المسلح الذي تلجأ فيه الدول، إلى العنف والقتال، دفاعاً – عن مصالحها الحيوية.
– 2. الثانية: الصراع غير العنيف (Non-Violent Conflict)، ويشمل كافة أشكال الصراع الأخرى، بخلاف الحرب، أو ما يعرف عادة بوسائل التنافس السلمي، كالدبلوماسية والاقتصادية بصورهما المختلفة، وإجراءات القسر الدولية.
– 3. الثالثة: الصراع منخفض الشدة (Low – Violent Conflict)، ويشمل العديد من الإجراءات العسكرية المحدودة، المتدرجة في الشدة، بدءاً بالحصار السياسي، والاقتصادي، وكذلك البحري أو الجوى، وانتهاءً بالضربات الجوية والصاروخية، دون اللجوء للحرب الشاملة، بما فيها القوات البرية.

المبحث الأول:
خلال العقدين الأخيرين مرَّ حلف شمال الأطلسي بمرحلتين تاريخيتين:

ـ المرحلة الأولى (انتهاء الحرب الباردة): كان الهدف المعلن من إنشاء حلف الناتو، المحافظة على أمن القارة الأوروبية ضد منظومة الدول الاشتراكية، بقيادة الاتحاد السوفييتي، وعلى إثر انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة وشن التحالف الدولي حرب الخليج الثانية عام 1991، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، وحرب عام 1999، على كوسوفو، أصبح الحلف يواجه منعطفاً تاريخياً في مسيرته، يتطلب منه التكيف بناءً على اجتماع الحلف في واشنطن في 24 أبريل 1999، وقد استجدت لديه عدة أمور، هي:

أ- ضرورة تغيير المفاهيم الأمنية، من مفاهيم عسكرية بحتة إلى مفاهيم أمنية تعنى بقضايا الأمن الإنساني المعاصرة، مثل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، محاربة الإرهاب، مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات، إدارة الأزمات.
ب- اضطرار الحلف للتوسع جغرافياً، ومد نفوذه خارج حدود أعضاء الحلف وفقاً لطبيعة القضايا التي تبناها.
ج- اتباع الحلف لاستراتيجية جديدة لرأب الصدع والخلافات داخل الحلف والحيلولة دون سعي أوروبا لاعتماد سياسة دفاعية مشتركة مستقلة عن الأطلسي.

ـ المرحلة الثانية: ما بعد11 سبتمبر 2001

بدأ الحلف بمرحلة تتسم بالغموض والبعد عن الأهداف واتساع المسؤوليات والحدود الجغرافية، منذ أن شنت الولايات المتحدة الحرب على أفغانستان عام 2001، وكذلك حربها على العراق عام 2003، ما أدَّى لانقسام حقيقي في رؤى الحلف لأدواره المستقبلية، حيث وجهت بعض الدول الأوروبية نقداً لاذعاً وكلمات قاسية لأميركا، وأذكى هذا الخلاف طموح أوروبا بالوقوف بوجهها، وأخذ زمام المبادرة بالمحافظة على أمنها بنفسها، وتشكيل قوة أوروبية للتدخل السريع واستمرار عدم المشاركة في إرسال قوات للعراقومن خلال استعراض دور الحلف ضمن التطوّرات والتغيرات الدولية، وفي ظل النظام الدولي وتغيراته، يرى البعض أن الحلف سيبقى قائماً، وأن هناك عوامل عدة تساعد على وحدته وتماسكه أهمها:

– في ضوء التحوُّلات الدولية وبروز أهمية القوة الكامنة، المتمثلة في الاقتصاد والتكنولوجيا، فإن أعضاء الحلف يرتبطون بعلاقة اعتماد متبادل ذات آثار إيجابية على جميع الأطراف.
– في ضوء التطور التكنولوجي للأسلحة النووية، أصبحت معظم الدول الأعضاء تمتلك (أو قادرة على امتلاك) السلاح النووي، وبالتالي، فإن بقاء حلف الناتو واستمراره يؤدي إلى صيانة وتنظيم علاقة أطرافه، ويعمل على تقييد «طموحاتهم» وتنظيم إمكاناتهم العسكرية وطاقاتهم النووية، والحيلولة دون العودة إلى بناء جيوش وطنية، كما كان الأمر في الماضي.
– على الرغم من زوال الخصم (حلف وارسو)، فإن حلف شمال الأطلسي محكوم بالبقاء، فضلاً عن أن أطرافه تحقق الكثير من المصالح المهمة، من خلال هذا البقاء.

نشأة ومبادئ وأهداف الحلف

كان من الطبيعي بعد الحرب العالمية الأولى (1912 ـ 1918)، والتي صاحبتها خسائر بشرية ومادية وعسكرية كبيرة، بددت قدرات معظم الدول المشاركة فيها، ظهور رغبة شديدة، بين دول الغرب، لنبذ الحرب. وصل الميل نحو السلام إلى مداه، في الثلاثينيات، بينما كانت طبيعة وغايات السلام، للطرف الآخر، على النقيض، إذ بدأت تطلعات هتلر الأوروبية، في الإفصاح عن طبيعتها التوسعية.

لم يتمكن النظام الدولي، الذي قام بعد الحرب العالمية الأولى، والذي تمثل في عصبة الأمم، من تفادى نشوب حرب عالمية أخرى، فنشبت الحرب العالمية الثانية (أول سبتمبر 1939).

انتهت الحرب بانتصار الحلفاء، وهزيمة ألمانيا وباقي قوات المِحْوَرْ، وأعيد صياغة النظام الدولي، من جديد، فأنشئت الأمم المتحدة، بدلاً من عصبة الأمم، على أساس التعاون بين المنتصرين في الحرب، والمساندين لهم، من أجل الحفاظ على الأمن الجماعي، والاستقرار العالمي، في إطار التوازنات الجديدة التي ظهرت بعد الحرب.

غير أنه بالانتهاء الفعلي للحرب العالمية الثانية، اندفعت القوى المنتصرة في استثمار نصرها، فظهرت تكتلات، وتكتلات مضادة، خاصة في أوروبا، هدفت إلى استقطاب دول أوروبا الشرقية إلى جانب الاتحاد السوفيتي، قابله على الجانب الآخر استمرار ترابط التحالف الغربي، واستقطاب باقي دول أوروبا الغربية إلى جانبه، بما فيها قوات المحور السابق (المنهزمة).
وبذلك ظهرت حرب من نوع آخر، غير معلنة، أطلق عليها الحرب الباردة، وكانت الأحلاف العسكرية أبرز أدواتها ومنها حلف شمال الأطلسي (الناتو).

أولاً: المسرح السياسي قبل نشأة الحلف:
غيرت نتائج الحرب العالمية الثانية، من توازن القوى في العالم، فقد انهارت دول عظمى (ألمانيا واليابان)، وهبطت دول أخرى لمرتبة أدنى (إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والنمسا)، وصعدت دول إلى مصاف الدول العظمى (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية)، وتغيرت الخريطة السياسية في وسط وشرق أوروبا، نتيجة لأحداث تلك الحرب.

كان المسرح السياسي العالمي، مازال يستوعب المتغيرات، بينما سارعت الدول العظمى الجديدة، لتأكيد نفوذها، واستثمار مكاسبها في الحرب، وقد وضح أن هناك خللاً، في النظام العالمي يتمثل في:

1. خلفت هزيمة كل من ألمانيا واليابان، فراغاً على جانبي الاتحاد السوفيتي الذي انتهز هذه الظروف غير العادية، ليستغل قدراته العسكرية، ويمارس سياسة توسعية، شكلت من وجهة نظر الدول الغربية تهديداً للسلام وللأمن الجماعي.
كان القلق من قوة الاتحاد السوفيتي الضخمة، ينتاب ساسة أوروبا الغربية، والولايات المتحدة الأمريكية، وتبادلا فيما بينهما الرأي، فقد كان الموقف المنتظر، بعد الحرب، أن تخفف كل الدول الأوروبية، من أعباء التعبئة، وتنقص من حجم قواتها تدريجياً، والتي لن تتعدى، بعد عام واحد من انتهاء الحرب، إلى أقل من مليون جندي، بينما يحتفظ الاتحاد السوفيتي، بما يزيد عن 6 مليون جندي في الخدمة العاملة (200 ـ 300 فرقة)، إضافة إلى أنه “أسدل ستاراً حديدياً (Iron Curtain) على حدوده، ولم تعد الدول الغربية، تعلم ما يدور بداخله” .

2. كان من الطبيعي، على ضوء استسلام ألمانيا، أن بدأت الدول الغربية في إنهاء حالة التعبئة، وبدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في سحب قواتهما من أوروبا، باستثناء القوات الموجودة في ألمانيا الغربية، أو تلك المنتشرة في أماكن أخرى من العالم. كما بدأت الدول الأوروبية في إعداد نفسها لمهام إعادة البناء والتعمير المتعددة، وأنهت حالة التعبئة لقواتها، وهو ما أنقص كثيراً من حجم القوات لدى تلك الدول.
من وجهة أخرى، حاولت الدول الغربية، التوصل إلى صيغة سياسية، مع الاتحاد السوفيتي، لتخفيف التوتر الذي بدأ يتصاعد في العلاقات معه. كما حاولت تأكيد فاعلية الأمم المتحدة، كأداة للسلام، إلا أن الوضع الجديد للنظام الدولي ، والسياسة التوسعية السوفيتية، التي بدأت تنتشر إلى خارج القارة الأوروبية كذلك، أحبطت كل المساعي.
كانت الفترة التالية لانتهاء الحرب العالمية الثانية، قد أفرزت عقد عدة اتفاقيات سلام، كما وُقِعْ ميثاق لإنشاء هيئة الأمم المتحدة، في 26 يونيه 1945، من خمسون دولة، كآلية لحفظ السلام العالمي، بدلاً من عصبة الأمم، التي انهارت.

ووضح أن هناك مشكلات قد ترتبت على تلك الاتفاقيات، والميثاق:

3. مشاكل اتفاقيات السلام بعد انتهاء الحرب:
أ. لم تمثل بولندا في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945، إذ أن الاتحاد السوفيتي والقوى الغربية لم يتمكنوا من الاتفاق على تشكيل الحكومة البولندية.
ب. وفي مؤتمر لندن لوزراء الخارجية في سبتمبر 1945، رفض وزير خارجية الاتحاد السوفيتي مستر مولوتوف المقترحات البريطانية لمناقشة الموقف في كل من رومانيا وبلغاريا.
ج. وفي نوفمبر 1945، تمكنت الدول الغربية، من الحصول على موافقة السوفيت، للبدء في مناقشة الخطوط الرئيسية لاتفاقيات سلام مع إيطاليا وفنلندا، وكذلك عن الوجود الألماني السابق في البلقان.
د. وفي مارس 1947، فشل مؤتمر وزراء الخارجية في موسكو في التوصل إلى مسودة اتفاقيات للسلام في كل من ألمانيا والنمسا، ولم يتمكنوا من الاتفاق على مستقبل ألمانيا.
هـ. عقدت عدة مؤتمرات، لوزراء خارجية الدول الأوروبية، والقوى العظمى، في لندن وباريس وموسكو، ولم يصلوا إلى اتفاق، حول نقاط الخلاف مع الاتحاد السوفيتي، لترتيبات السلام في القارة الأوروبية، خاصة ما يتعلق بالوضع في دول أوروبا الشرقية والتي كان الاتحاد السوفيتي يحتلها عسكرياً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وينشر فيها أيدولوجيته الشيوعية، بالقوة .
و. أدى توقيع ميثاق الأمم المتحدة، في 26 فبراير 1945، إلى انتعاش الأمل لدى شعوب العالم كافة، لإحلال سلام دائم، إلا أن إساءة استخدام حق الاعتراض في مجلس الأمن (Veto)، والذي نص عليه في ميثاق الأمم المتحدة، كميزة إضافية للدول العظمى والكبرى الخمس، مكافأة على جهودها في الحرب، أضر بفاعلية قرارات مجلس الأمن، وأسقط هيبة المنظمة الدولية، ووأد آمال السلام مبكراً. استخدم الاتحاد السوفيتي، حقه في الاعتراض مراراً، لمنع صدور قرارات إدانة، أو إجراءات عقابية، ضد الدول التي يشملها برعايته، والتي كانت قد دارت في فلك الشيوعية التي صدرها إليها.

4. التوسع السوفيتي في أوروبا الشرقية:

أ. بدأ التوسع الإقليمي السوفيتي، خلال فترة حكم “ستالين”، أثناء الحرب العالمية الثانية من وجهة النظر الفعلية، بضم: “استونيا، ولاتفيا، ولتوانيا”، مع أجزاء من فنلندا، ورومانيا، وبولندا، وشمال شرق ألمانيا، وشرق تشيكوسلوفاكيا، بإجمالي مساحة 180.000 ميل مربع يقطنها حوالي “23 مليون نسمة”. كان ذلك التوسع هو الذي حرك رئيس وزراء بلجيكا ووزير خارجيتها “بول هنري سباك” ليعلن في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، أن دولة كبرى ظهرت بعد الحرب، قامت بالاستيلاء على أراضي الآخرين، وحدد هذه الدولة بأنها الاتحاد السوفيتي، وأشار إلى استمرار التوسع الإقليمي السوفيتي حتى بعد استسلام ألمانيا، من خلال إجراءات سياسية، لتعزيز السيطرة على دول أوروبا الشرقية.

ب. استمر الجيش السوفيتي في وجوده في دول شرق ووسط أوروبا ونشر الفكر الشيوعي بها. وأدى ذلك إلى تشكيل حكومات بتلك الدول، تمثل جبهات شعبية تكونت حديثاً بفعل التغلغل الأيدولوجي الشيوعي، ألبانيا، بلغاريا، رومانيا، ألمانيا الشرقية، بولندا، المجر، تشيكوسلوفاكيا نتج عنها الوقوع في قبضة الهيمنة السوفيتية ، وتقدر مساحة هذه الدول بحوالي 390.000 ميل مربع يقطنها حوالي “90 مليون نسمة”.

وقد تمكن الاتحاد السوفيتي، في غضون أقل من عام، من فرض سيطرته على الحكومات الشيوعية، في تلك الدول، والتي كانت بدورها، قد قمعت معارضة الأحزاب الديمقراطية، وحولت البلاد إلى تابع للاتحاد السوفيتي، وحذت حذوه في نظام الحكم الشمولي، ذو الحزب الواحد (الحزب الشيوعي).

مارس الاتحاد السوفيتي، ضغوطاً سياسية، في مناطق كثيرة من العالم، لتحقيق أهدافه السياسية، والايدولوجية، ونشر الفوضى والصراعات المسلحة في تلك المناطق، ففي إيران كانت القوات السوفيتية مازالت رابضة في شمالها، ضاربة عرض الحائط بمعاهدة طهران، والمعارضة التي أبدتها الأمم المتحدة، وفي تركيا تصدى الشعب والحكومة لمحاولات التسلل الشيوعي، بينما ساد اليونان حرب أهلية بين العناصر الشيوعية، والمقاومة الشعبية دامت عدة سنوات. ومد الاتحاد السوفيتي نشاطه نحو آسيا، فاحتل معظم منشوريا، وشمال كوريا، وبدأ في نشر ايدولوجيته الشيوعية في الدول الفقيرة هناك كذلك، في فيتنام ولاوس وكمبوديا، وتايلاند والصين وإندونيسيا.

تصدت فرنسا وهولندا لتصفية العناصر الشيوعية في إندونيسيا والجزر المجاورة، كما حاربت القوات البريطانية المد الشيوعي في الملايو وبورما، وعاونت الولايات المتحدة حكومة الفلبين لمقاومة حرب العصابات التي تشنها العناصر الشيوعية بها.

ثانياً: الصراع الأمريكي، السوفيتي على النفوذ في القارة الأوروبية:
اتجهت دول أوروبا الغربية، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، طلباً للمساعدة، للوقوف ضد الضغط السوفيتي، والانتشار الأيدولوجي للشيوعية في كثير من تلك الدول .

كانت الولايات المتحدة الأمريكية، تملك القوة العسكرية، والاقتصادية، كما كان لديها نفوذ سياسي، بدأ في الانتشار خلال الحرب العالمية الثانية، في كثير من الدول الأوروبية، ودول العالم الأخرى، وهو ما هيأها لتتبوأ القمة في النظام العالمي الجديد، وتنافس الاتحاد السوفيتي في النفوذ، لذلك، بدأت في مساعدة أوروبا الغربية، وطرحت عدة مبادرات لذلك منها:

1. مذهب (عقيدة) ترومان: Truman Doctrine
في 12 مارس 1947 أخطر الرئيس الأمريكي “هاري ترومان ـHarry Truman”، الكونجرس الأمريكي: “بأن يجب على الولايات المتحدة إتباع سياسة مساعدة الشعوب الحرة، التي تقاوم محاولات إخضاعها، من خلال العمل العسكري، أو من خلال الضغط الخارجي”. وعلى ضوء بيان ترومان الذي أصبح يعرف باسم “مذهب (عقيدة) ترومان”، اعتمد الكونجرس 400 مليون دولار لمساعدة اليونان وتركيا في يونيه 1948 لمواجهة الضغط السوفيتي على هذين البلدين .
لم يكن الموقف في غرب أوروبا بشكل عام أقل خطراً، فبالرغم من المساعدات التي تلقتها الدول الأوروبية، الحرة، من الولايات المتحدة، للتغلب على الآثار التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، إلا أن أداء الاقتصاد الأوروبي، استمر رديئاً، وظهر أن كثير من الدول الأوروبية على حافة الانهيار اقتصادياً، مما يوقعها في براثن الشيوعية، والنفوذ السوفيتي.

2. مشروع مارشال: (برنامج إنعاش أوروبا)
في 5 يونيه 1947 أعلن وزير الخارجية الأمريكي، الجنرال جورج مارشال -George C. Marshall، عن مبادرة لبرنامج إصلاح اقتصادي لأوروبا. بأن تساعد الولايات المتحدة الدول الأوروبية التي عليها أن تعد مطالبها، وأن تعد برامج عامة يتم الموافقة عليها من الدول الأوروبية. كما أوضح أن هذه السياسة ليست موجهة ضد أي دولة أو مذهب، لكنها لمواجهة الجوع، واليأس، والفوضى.
كانت المعونة الاقتصادية الأمريكية التي تم تقديمها من خلال مشروع مارشال، والتي دعمت في السنوات التالية، هي عملية إصلاح اقتصادي للدول الغربية، وكانت متاحة كذلك للاتحاد السوفيتي، وللدول الدائرة في فلكه. رفض الرئيس السوفيتي “جوزيف ستالين ـJoseph Stalin” كل المساعدات الأمريكية للاتحاد السوفيتي، وضغط على الحكومات التي تدور في فلكه لإتباع نفس السياسة.

رأى الاتحاد السوفيتي في مشروع مارشال، هدفاً أمريكياً لتقوية الدول الأوروبية وحثها على مقاومة النفوذ السوفيتي في القارة، مما يشكل تحدياً له، أكثر مما يشكل دعوة للمشاركة الاقتصادية في أوروبا. ووصف تأييد بريطانيا وفرنسا للمشروع بأنه يستهدف تقسيم الدول الأوروبية إلى مجموعتين، متواجهتان فهو يعطى الفرصة لبعض الدول، لفرض سيطرتها على الأطراف الأخرى.
خسرت الولايات المتحدة الأمريكية، صراعها ضد النفوذ السوفيتي في الصين، والتي كانت تمثل أملاً للاقتصاد الغربي، لاتساع سوقها، وأدى انتصار الشيوعيون فيها، بزعامة “ماوتسي تونج ـMao Tse,- Toung (MAO ZED)ONG، إلى خلل جديد في موازين القوى الدولية، لثقلها الديموجرافي، وإمكاناتها الاقتصادية المتوقعة، خاصة مع الضعف الذي كانت تعاني منه اليابان، عقب هزيمتها في نهاية الحرب العالمية الثانية. كذلك خسرت الولايات المتحدة الأمريكية،الصراع على النفوذ في وسط وشرق أوروبا، بتراجع تشيكوسلوفاكيا، عن موافقتها الاستفادة من مشروع مارشال، تحت ضغط الاتحاد السوفيتي، الذي وضح أنه لن يسمح للدول في تلك المنطقة، بالخروج من دائرته، وكان تراجع تشيكوسلوفاكيا، إنذاراً لباقي دول المنطقة، التزم به الجميع.

اتهمت الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي بخرق اتفاقيتي يالتا”Yalta” ، وبوتسدام”Potsdam” ، وتوعدته بالوقوف ضد أي محاولة للتوسع من جانبه، في غرب القارة الأوروبية. وأدى تشدد الجانبان، إلى توقف المباحثات بين الدول الأربع العظمى والكبرى ، لتحديد مصير ألمانيا.

3. نشأة الكومنفورم Cominform:
اتجهت موسكو إلى تكوين تكتل، يضم جميع الأحزاب الشيوعية باسم الكومنفورم، رداً على مشروع مارشال، وبذلك بدأت مرحلة تقسيم أوروبا إلى كتلتين مختلفتين، من الناحية الأيديولوجية، نشب الصراع بين كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والذي عرف فيما بعد بالحرب الباردة.

أنشأ ستالين “الكومنفورم” في 5 أكتوبر 1947، بهدف التصدي لمشروع مارشال الإمبريالي، من وجهة نظره. كما كان هدفه التعاون الاقتصادي بين دوله، والعمل على تنسيق النشاطات السياسية للحركات الشيوعية في الدول المختلفة.

في 2 يناير 1948، اقترح “أرنست بيفينErnest Bevin” وزير الخارجية البريطاني، فكرة أولية للتعاون الأوروبي، في شكل اتفاقيات ثنائية، على نمط “اتفاقية دنكرك”، التي كانت قد وقعت في 4 مارس 1947 بين فرنسا وبريطانيا، وهي معاهدة تحالف ودعم مشترك، لمدة “50 عاماً”، توحد الدولتان بموجبها جهودهما، في حالة أي محاولات اعتداء جديدة من ألمانيا، كما اتفقتا على استمرار المشاورات بينهما في المسائل الاقتصادية التي تهم البلدين، واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لزيادة فاعلية واستقرار اقتصادهما، حتى يمكنهما القيام بأدوار فعالة، في إطار أهداف الأمم المتحدة، السياسية والاقتصادية.

كانت معاهدة “دنكرك” المشار إليها، قاصرة على حالة “عودة التهديد الألماني مرة ثانية”، لذلك وجد أنه من الأفضل الأخذ بنموذج “معاهدة ريو”، التي كانت قد وقعت في 2 نوفمبر 1947 بين الولايات المتحدة ودول أمريكا اللاتينية (باستثناء نيكاراجوا والإكوادور)، كنموذج لتحالف دفاعي ضد العدوان ، كتجمع إقليمي في إطار ميثاق الأمم المتحدة.

بينما دول أوروبا الغربية مازالت تبحث عن الأنسب لأمنها، وقع انقلاب “براغ” في فبراير 1948، وعلى الفور قضى السوفيت عليه بالقوة وأعيدت تشيكوسلوفاكيا إلى المدار السوفيتي، وأعطى الحدث تنبيهاً قوياً للغرب، بأن الدفاع الجماعي أصبح ضرورة.

4. اتفاقية بروكسل Brussels Treaty:
في 4 مارس 1948 اجتمع في بروكسل مندوبو بلجيكا، هولندا، لوكسمبرج، فرنسا، المملكة المتحدة، للاتفاق على معاهدة للمساعدة المتبادلة. وفي 17 مارس 1948، وقعت الدول الخمس المعاهدة آخذة على عاتقها بناء نظام للدفاع الجماعي، ولتقوية الروابط الاقتصادية والثقافية .

اجتمع في لندن في 30 أبريل 1948 وزراء الدفاع، ورؤساء أركان، دول اتفاقية بروكسل، لبحث كيفية تدبير المعدات العسكرية اللازمة، من مواردهم، وما هي المساعدات الإضافية التي يمكن طلبها من الولايات المتحدة. انضم خبراء من الولايات المتحدة، ومن كندا لهذه الاجتماعات كمراقبين اعتباراً من يوليه 1948.

بعد توقيع معاهدة بروكسل، حاصر الاتحاد السوفيتي برلين الغربية بدأً من 24 يونيه 1948 واستمر الحصار 323 يوماً، نظم الغرب خلالها جسر جوي لإمداد المدينة باحتياجاتها. أيقنت الدول الغربية بضرورة الإسراع في تنظيم الدفاع المشترك الغربي، والتعاون فيما بينهم لمواجهة التهديدات الأمنية، التي بدأت في الظهور.

ثالثاً: التغيرات التي طرأت في المجالات المختلفة على دول أوروبا الغربية وانعكاساتها على قضية الأمن الأوروبي:
تعرضت دول أوروبا الغربية، لعدة تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية، أثرت في تصورات هذه الدول لمفهوم الأمن الأوروبي، وكيفية تحقيقه، وكانت أهم التغيرات:
1. نمو الأحزاب اليسارية بصفة عامة، وتزايد نشاطها، مع التطور الذي لحق بمواقفها ومدى تبعيتها للاتحاد السوفيتي، والذي ظل يؤثر سلباً على مواقفها، من خلال الانتخابات العامة، أو من خلال تقييم الرأي العام لهذه الأحزاب، ونوعية نشاطاتها، الأمر الذي أدى إلى وصول العديد من الأحزاب الاشتراكية إلى الحكم في دول غرب أوروبا (ألمانيا الغربية، النمسا، الدانمارك، إيطاليا، بلجيكا)، هذا بجانب تزايد ثقل الأحزاب الشيوعية، في كثير من الدول الأوروبية الغربية، خاصة في كل من فرنسا وإيطاليا.
2. التغير الذي طرأ على مواقف الأحزاب اليسارية، إذ اتجهت إلى التعاون مع الأحزاب الشيوعية، بدلاً من التنافس، وهو ما أضر بموقف الأحزاب الديمقراطية.
3. الضغوط التي زاولتها نقابات العمال، في دول غرب أوروبا، على الحكومات القائمة، والتدخل في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، إلى الحد الذي كاد أن يعصف بالحكومات التي لم تستجيب لتلك الضغوط.
4. الإخفاق في التوصل إلى تسوية، فيما يتعلق بمشكلة برلين، الأمر الذي انعكس على الاستقرار والأمن الأوروبي بشكل عام.
وإزاء هذا الوضع اتجهت الولايات المتحدة، إلى تقوية نفوذها وسيطرتها على دول القارة الأوروبية، فاتجهت لتكوين اتحاد، يجمع شعوب دول غرب أوروبا، في اتحاد فيدرالي، وتقويته، بحيث يكون رادعاً للاتحاد السوفيتي، إذا حاول فرض نفوذه على الدول الأوروبية بالقوة. وفي نفس الوقت يساند الدول الأوروبية في مقاومتها ضد التغلغل الشيوعي، غير أن هذا الاتجاه لم يحقق النجاح المرجو منه، إذ لم تكن ظروف هذه الدول مهيأة لذلك.
5. مساعدات الدفاع المشترك (1949):
أقر الكونجرس الأمريكي، اتفاق للمساعدات العسكرية، بغرض زيادة فاعلية السياسة الخارجية الأمريكية، والدفاع عن البلاد، بإمداد الدول بالمساعدات العسكرية، تمت ادعاء المحافظة على السلام والأمن الدوليين.
6. اتفاق الأمن المشترك (1952):
بعد عامين من اتفاق مساعدات الدفاع المشترك (برنامج العون المتبادل)، كانت الظروف السياسية والاقتصادية، قد اختلفت في أوروبا. كان نجاح برنامج “مارشال” محدوداً، وكانت الحاجة للأسلحة والمعدات العسكرية، الأمريكية، تزداد في أوروبا الغربية، ولم يعد اتفاق المساعدات المشترك كافياً. كانت القوة العسكرية السوفيتية تزداد تضخماً، ويزداد التهديد السوفيتي لأوروبا الغربية، تبعاً لذلك.
بعد مناقشات عديدة في الكونجرس الأمريكي، وافق الكونجرس عام 1952 على “اتفاق الأمن المشترك” والذي بمقتضاه، تمنح حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، الدول الصديقة، مساعدات عسكرية واقتصادية، وفنية، شملت أوروبا الغربية، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وآسيا، بهدف “المحافظة على السلامة الدولية، وزيادة فاعلية السياسة الأمريكية، والنفوذ الأمريكي، في تلك المناطق”. وقد أعلن أن ذلك الاتفاق من أجل “تقوية الأمن المشترك، والدفاع الفردي والجماعي، للعالم الحر. وتنمية موارد الدول، بما يمكنها من الاستقلال، واستقرار أمنها، وتحقيق الأهداف الوطنية الأمريكية، وتسهيل انضمام الدول لعضوية الأمم المتحدة، لتقوية الأمن الجماعي”.

رابعاً: نشأة حلف شمال الأطلسي:
أحد أكبر الأحلاف العسكرية في التاريخ. ضم عند نشأته أثنى عشر دولة، أغلبها من دول أوروبا الغربية، ارتفعت إلى تسع وعشرين دولة في نهاية القرن العشرين. نشأت فكرة هذا الحلف عام 1929، بهدف تكتل الدول الديمقراطية، في مواجهة النظم الديكتاتورية، (الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية والشيوعية السوفيتية) إذ فشلت عصبة الأمم، في معالجة المشاكل الدولية، وقد أوقف تنفيذ فكرة قيام الحلف، نشوب الحرب العالمية الثانية.

بدء التفكير في إنشاء الحلف اثر نشر كتابين في الولايات المتحدة، أحدثا ضجة كبيرة، وكان لهما أثر قوي في الرأي العام الأمريكي. الكتاب الأول بعنوان “الاتحاد في الحال”، ألفه “كلارنس ستريت”، سنة 1939.

وكان من رأيه، الذي ضمنه الكتاب، أن نظام عصبة الأمم مصيره إلى الفشل، وأنه لا بد أن يحل محلها في الحال اتحاد بين الدول الديمقراطية، الخمس عشرة، التي تربط بينها العوامل الجغرافية والتاريخية والمدنية القائمة على مبادئ الديمقراطية وحرية الفرد، وتربطهم كذلك حالة السلام السائدة بينهم منذ أكثر من قرن. تلك الدول، التي نادى بها كلارنس باتحادها في الحال، هي: الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا، أيرلندا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، السويد، النرويج، الدانمارك، فنلندا، سويسرا، استراليا، نيوزيلندا، اتحاد جنوب أفريقيا.

وأوضح كلارنس، أن هذا الاتحاد ستمثل فيه أكبر قوى العالم، إذ يضم 300 مليون نسمة، وأن هدفه ليس مهاجمة الديكتاتورية، بل الدفاع ضد أي اعتداء يأتي من خارج هذه الدول. قامت على أثر ذلك، عدة جمعيات، في مختلف المدن الأمريكية، سميت “جمعيات الاتحاديين”، وأنشئت لها مجلات شهرية، تحت عنوان “الاتحاد في الحال”، وكلها تروج لتنفيذ فكرة كلارنس، وتنادي باتحاد ديموقراطيات.

لم تتاح الفرصة لتنفيذ هذه الفكرة، إذ أعلن هتلر الحرب، في أول سبتمبر سنة 1939، فاحتجبت الفكرة، إلى أن بعثت مرة أخرى، على يد الكاتب الثاني والتر ليبمان “Walter Lippmann” خلال الحرب العالمية الثانية.
نشر ليبمان كتابه، تحت عنوان “السياسة الخارجية للولايات المتحدة” عام 1943، وقد أوضح فيه العلاقة الوثيقة التي تربط الشعوب الواقعة حول المحيط الأطلسي، لا سيما إنجلترا والولايات المتحدة، وهما محور تلك الكتلة. وكان من رأيه، أن المحيط لا يمثل عائق أمام تلك الدول، ولكنه مسطح مائي متسع، على ضفافه عائلة دولية، مرتبطة منذ كشف أمريكا، بروابط تاريخية وجغرافية، وهي راغبة في تنمية هذه الروابط.

كان للكتابين أثر كبير في توجيه الرأي العام الأمريكي، نحو فكرة التكتل مع الدول الديموقراطية في أوروبا، والتخلي عن سياسة العزلة، التي أسسها الرئيس الأمريكي “جيمس مونرو ـ “James Monroe ، وتبعه فيها من تلاه من الرؤساء.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد قيام هيئة الأمم المتحدة، وظهور الاتحاد السوفيتي كقوة كبرى، تسعى إلى فرض نفوذها خارج حدودها، عادت الفكرة تتجسد مرة أخرى من أجل تضافر جهود دول أوروبا الغربية، لإنشاء دفاع جماعي عن نفسها، ضد أي عدوان شيوعي محتمل، خاصة بعد أن استولى الشيوعيون، على مقاليد الحكم في تشيكوسلوفاكيا، وإنشاء الكومنفورم، وبعد أن زاد التوتر بين الكتلتين الغربية والشرقية، ووضح عجز هيئة الأمم المتحدة، عن وقف الصراع بين الكتلتين.

شعرت الدول بمدى الخطر الذي يتهددها، وضعف قدراتها العسكرية إزاء القوة السوفيتية الهائلة، على حدودها الشرقية وكان ذلك من أسباب توقيع الدول الخمس لاتفاقية بروكسل في 17 مارس 1948. وفي نفس اليوم صرح الرئيس الأمريكي هاري ترومان بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستدعم الأمم الحرة، وتقدم لها المساعدة التي تطلبها.
خامساً: التوقيع على معاهدة إنشاء حلف شمال الأطلسي:

شهدت المرحلة النهائية للحرب العالمية الثانية ـ بعد استسلام ألمانيا النازية وقبل القصف الذري لمدينة “هيروشيما ـHiroshima” في اليابان في 6 أغسطس 1946 ـ اجتماع مندوبي خمسين دولة ليوقعوا ميثاق الأمم المتحدة في “سان فرانسيسكو ـSan Francisco” في 26 يونيه 1945، والذي شكل أملاً للعالم، بإمكان المحافظة على السلام.

لم تكد تمر أربع سنوات على ذلك، حتى وجدت دول أوروبا الغربية نفسها، معرضة للتهديد، الذي كانت طبيعته تحتاج إلى إجراءات حماية، غير واردة في ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعطي الحق لأي دولة، بمفردها أو في إطار مشترك، بالدفاع عن نفسها ضد أي هجوم مسلح .

اتجه الأوروبيون الغربيون إلى الولايات المتحدة وكندا، للبحث عن إمكانية تحقيق الأمن المتبادل، وفي 4 أبريل 1949 وقعت اثنتي عشرة دولة، على معاهدة حلف شمال الأطلسي.

تأسس حلف الأطلسي في إطار المادة “51” من ميثاق الأمم المتحدة، التي تبيح للدولة الحق في الدفاع عن نفسها، منفردة أو بالتعاون مع دول أخرى. وذلك نتيجة لعجز الأمم المتحدة عن إرساء قواعد بناء لنظام أمن جماعي دولي، وذلك على ضوء الانقسام الإيديولوجي بين القوى الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية، وبروز المعسكرين الغربي والشرقي. (أُنظر ملحق نص المادة الرقم (51) من ميثاق الأمم المتحدة والتي أنشئ حلف شمال الأطلسي في إطارها)

بدأت الاتصالات في 6 يوليه سنة 1948، بين دول غرب أوروبا ثم توالى دخولها في الحلف الجديد تباعاً، وفي يوم 18 مارس 1949 أعلنت نصوص الميثاق الجديد، وحدد ميعاد التوقيع في أبريل سنة 1949 في واشنطن.

مارس الاتحاد السوفيتي الضغط على الدول الإثنى عشر التي أعلنت عن مشاركتها في الحلف، مقدماً مذكرة لكل منهم، توصف إقدامها على المشاركة في الحلف بالعدوانية. وعلى الرغم من ذلك، فقد وقعت تلك الدول اتفاقية حلف شمال الأطلسي في 4 أبريل 1949، في واشنطن، وصدقت عليها المجالس النيابية للدول الموقعة، خلال الخمسة أشهر التالية للتوقيع(‘صدقت المجالس النيابية، لتلك الدول على الميثاق، والذي أصبح نافذ المفعول اعتباراً من 24 أغسطس 1949. وهذه الدول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، إنجلترا، فرنسا، إيطاليا، النرويج، الدانمارك، إيسلندا، البرتغال، بلجيكا، هولندا، لوكسمبرج. وكانت أولى نتائج ذلك التحالف، إنهاء الاتحاد السوفيتي حصاره لبرلين، في 9 مايو 1949 (أي أقل من شهر).

تدريجياً، بعد ذلك، انضمت أربع دول أخرى إلى الدول المؤسسة، ليرتفع عدد الأعضاء إلى “16” عضواً، ففي سبتمبر 1951 تم دعوة اليونان وتركيا للانضمام للحلف، وقد انضمتا رسمياً في 18 أبريل 1952. كما دعيت جمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية)، للانضمام للحلف، عقب التوقيع على اتفاقية باريس في أكتوبر 1954، غير أنها لم تصبح عضواً بصفة رسمية إلا في 9 مايو 1955. (أُنظر خريطة دول الناتو أبريل 1949)

في 10 ديسمبر 1981 وقع بروتوكول انضمام أسبانيا للحلف، وعقب تصديق المجالس النيابية لجميع دول الحلف، أصبحت أسبانيا عضوا بصفة رسمية اعتباراً من 30 مايو 1982.

سادساً: ميثاق حلف شمال الأطلسي: (أُنظر ملحق ميثاق حلف شمال الأطلسي The North Atlantic Treaty) و(ملحق الترجمة العربية لاتفاقية حلف شمال الأطلسي)
بدأت مقدمة الميثاق، بتأكيد الدول الموقعة عليه، إيمانهم بميثاق الأمم المتحدة، ومبادئه، ورغبتهم في الحياة في سلام، مع الشعوب والحكومات الأخرى، وأكدوا كذلك إصرارهم على حفظ حرية شعوبهم وحضارتهم، القائمة على مبادئ الديموقراطية وحرية الفرد وسيادة القانون، ولذلك فإنهم قد قرروا توحيد جهودهم، للدفاع المشترك، وللمحافظة على الأمن والسلام.
كان من المهم أن يطمئن الآخرين (الدول خارج الحلف)، على أمنهم الخاص، لذلك، ذكرت المقدمة، تأكيد دول الحلف، بأنه “حلف دفاعي بحت، ليس الغرض منه العدوان على أحد، وأنه غير موجه ضد أحد بصفة خاصة”.

من وجهة أخرى، اشترط لعضوية الحلف، توفر نظام ديموقراطي في الدول الأعضاء، قوامه سلطة الدستور، وتعدد الأحزاب، وحرية الفرد، وفيما يلي أهم مواد الميثاق:
1. المادة الأولى:
نصت على تعهد الدول الأعضاء، بفض المنازعات بالطرق السلمية، وتجنب التهديد أو استعمال القوة، في علاقاتهم الدولية، وهو ما يطابق ميثاق الأمم المتحدة.
2. المادة الثانية:
نصت على تعهد الدول الأعضاء، بالعمل على توثيق علاقاتهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك لدعم التعاون بين الدول، لتستطيع التصدي للتيار الشيوعي. كما يتعهدوا بالعمل، على استقرار الأحوال الداخلية، في بلادهم، ونشر الرفاهية بها.
3. المادة الثالثة:
نصت على إقرار مبدأ التعاون المتبادل، لتقوية إمكانيات الدول الأعضاء الفردية، والجماعية، في صد أي اعتداء مسلح، يقع عليها.
4. المادة الرابعة:
نصت على إقرار مبدأ التشاور فيما بين الأطراف الموقعة على الميثاق، في حالة حدوث تهديد لسلامة أراضي إحداها، أو تهديد استقلالها السياسي، أو أمنها.
5. المادتان الخامسة والسادسة:
تشير إلى إقرار مبدأ الضمان المتبادل، ونصتا على أن أي اعتداء مسلح على إحدى الدول الأعضاء، يعتبر اعتداء مسلح على باقي الدول كذلك، ويجب المبادرة بمباشرة حق الدفاع الشرعي، الفردي والجماعي، وفقاً للمادة 51 من ميثاق هيئة الأمم المتحدة.
سابعاً: مبادئ وأهداف الحلف:

من مواد الميثاق، استنبطت مبادئ الحلف وأهدافه، والتي روعيّ أن تتمشى مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة كذلك:
1. مبادئ الحلف:
أ. تسوية جميع المنازعات الدولية بالطرق السلمية.
ب. الامتناع عن التهديد أو استعمال القوة بطريقة لا تتفق مع ميثاق الأمم المتحدة.
ج. التعاون المتبادل بين دول الحلف في كل المجالات.
د. ألا تؤثر المعاهدة على حقوق الأطراف والتزاماتها، المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.
هـ. عدم الدخول في اتفاقيات تتعارض مع هذه المعاهدة
و. التشاور مع الأعضاء في المسائل الأمنية

المبحث الثاني
الهيكل التنظيمي، والمهام التفصيلية للحلف

تتكون منظمة حلف الناتو، من تجمع متعدد الأجهزة: السياسية، والعسكرية، والإدارية، والتنفيذية. تتمركز قيادة الحلف في بروكسل، بينما تنتشر مؤسساته المختلفة، وقواعده العسكرية، لتغطى كل أوروبا الغربية، وغيرها من المناطق. يعتبر الحلف كياناً مستقلاً، يتضمن العديد من اللجان، لذلك فإن هيكله التنظيمي كبير الحجم، كما أن له مهام محددة، لكل جهاز أو لجنة أو مؤسسة، ولديه مجموعة من الخطط المسبقة الإعداد، الجاهزة للتنفيذ، طبقاً لتصور أجهزته ولجانه، لكل الاحتمالات، التي تستوجب تدخله، لتنفيذ مهامه، وتحقيق الغرض من وجوده.

يعتمد بناء الحلف على هيكلين تنظيميين:
• الهيكل التنظيمي المدني Civil Structure.
• الهيكل التنظيمي العسكري Military Structure.
أولاً: الهيكل (البنيان) المدني للحلف :

1. مجلس حلف شمال الأطلسي: North Atlantic Council (NAC) (أُنظر شكل الهيكل التنظيمي المدني (1992
الهيكل التنظيمي لحلف شمال الأطلسي (المدني والعسكري:
أعلى سلطة في الناتو، لاتخاذ القرار، إذ يحقق إمكانية التشاور والتعاون السياسي بين الحلفاء، باعتباره سلطة سياسية وعسكرية. وهو تجمع سياسي، يتكون من جميع دول الحلف. وهو المسؤول عن اتخاذ القرارات، حول كافة المسائل الأمنية، من خلال التشاور، بحيث تعبر قراراته عن رغبات واردات حكومات الدول الأعضاء فيه. حددت اختصاصاته الواسعة، في الدورة الأولى، في واشنطن (17 سبتمبر 1949) على أن يؤلف لجاناً تساعده، ويجتمع مرة كل عام (جلسة عادية)، أو بناء على طلب أحد الأعضاء (جلسة غير عادية). ويتكون المجلس من وزراء الخارجية والدفاع والمالية للدول الأعضاء.

2. لجنة نواب المجلس:
أنشأت في الدورة الرابعة، في لندن، في 19 ديسمبر 1950. على أن يمثل فيها كل الأعضاء بالحلف، ولها نفس اختصاصات المجلس. وتكون مهامها: “وضع السياسة العامة، والخاصة للحلف، دون انتظار اجتماع المجلس”. مقر اللجنة في باريس، وهي الهيئة الأساسية العاملة، والمستديمة للحلف.
في الدورة السادسة للحلف، زيدت اختصاصاتها لتشمل:
أ. العمل على تنسيق أعمال اللجان الدائمة.
ب. تبادل الآراء في المسائل السياسية، التي تخص الدول الأعضاء.
ج. القيام بأعمال مكتب الاستعلامات والدعاية، لتعريف شعوب الدول الأعضاء بمقاصد الحلف.

3. اللجنة الاقتصادية والمالية:
وهي غير دائمة، يمثل فيها كل الدول الأعضاء، ومهمتها التوجيه بما تراه ـ بعد الدراسة ـ في النواحي المالية، لتجنب الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، التي قد تنشأ أثناء تنفيذ برامج الدفاع، والإنتاج العسكري، وتبيان الحلول (الأساليب) المثلى لاستخدام الموارد المالية للحلف.
ثانياً: الهيكل (البنيان) العسكري للحلف :Military Structure Nato (NMS) (أُنظر شكل الهيكل التنظيمي العسكري (1951)):

الهيكل التنظيمي (المدني) للحلف (1951)

تنظيم حلف شمال الأطلسي 1951

في عام 1949 كانت الإثنتا عشرة دولة المؤسسة للناتو، تملك أقل من “20” فرقة، كما كانت القوة البشرية المدربة لاحتياطياتهم، غير مكتملة التسليح، لذلك فهي عديمة قليلة الفاعلية. ففي غرب أوروبا كان المتيسر من طائرات القتال أقل من “100” طائرة، العديد منها ذات طرازات قديمة من الحرب العالمية الثانية. كان الجزء الأكبر، للقوات البرية والجوية متمركزاً في ألمانيا الغربية، ليس بهدف الدفاع ضد أي اعتداء، ولكن من أجل احتلالها (على ضوء ما انتهت إليه الحرب العالمية الثانية)، وللقيام بمهام الأمن الداخلي لحفظ النظام والأمن بالمنطقة، ولم تكن الإمكانيات البحرية الغربية بأفضل من ذلك هي الأخرى. كان من الواضح أن العالم الغربي، لم يكن يمتلك القدرات التي تمكنه من تشكيل مقاومة حقيقية في مواجهة أي عدوان.

للتغلب على مشكلة ضعف القدرات العسكرية لدول الحلف، بدء في بناء الهيكل العسكري، مع بداية إنشاء الحلف، فقبل يومين من توقيع معاهدة حلف شمال الأطلسي ” في 4 أبريل 1949 ” بدأت مجموعة عمل في صياغة المقترحات والتوصيات لإنشاء الأجهزة اللازمة التي قد يحتاجها الحلف، حتى يمكنه القيام بمهامه بنجاح، وقد وافق وزراء الخارجية على تقرير هذه المجموعة في اجتماعهم، باعتبارهم أعضاء في مجلس الحلف North Atlantic Council “N.A.C ” في دورة انعقاده الأولى في ” 17 سبتمبر 1949″ .

1. الهيئات العسكرية للحلف:
تكون الهيكل العسكري للحلف من خمس هيئات عسكرية:
أ. اللجنة العسكرية:
تتكون من رؤساء أركان حرب الدول الأعضاء، واختصاصاتها توجيه السياسة العسكرية للحلف.
ب. اللجنة الدائمة:
وهي هيئة متفرعة من اللجنة العسكرية، وتتكون من ممثلين عسكريين للدول الكبرى بالحلف، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا. وهي لجنة مستديمة، مقرها واشنطن. مهمتها النظر في تطبيق السياسة العسكرية التي تقرها اللجنة العسكرية، كما تقدم التوصيات إلى لجان التنظيم الإقليمية.
ج. القيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا:
أنشأت في 20 ديسمبر 1950. وهي المسؤولة عن إدارة أعمال القتال، بالقوات الموضوعة تحت قيادتها، للدفاع عن الدول الأوروبية الأعضاء، ضد أي غزو.
د. لجنة كندا والولايات المتحدة الأمريكية:
مكونة من مندوب عسكري، من كل من كندا، والولايات المتحدة الأمريكية.
هـ. لجنة الإنتاج العسكري:
وهي لجنة غير دائمة، ويمثل فيها كل الدول الأعضاء. مسؤولة عن إنتاج الأسلحة والمعدات والذخائر والأدوات اللازمة لتنمية برامج التسليح والدفاع التي تقررها اللجان المختلفة. أهم مهام هذه اللجنة توحيد الأسلحة والمعدات التي تستخدمها القوات المسلحة للدول الأعضاء. غير محدد مقر دائم لاجتماعات اللجنة، وإنما هناك مكتب دائم لسكرتير اللجنة، في لندن.

2. تسليح القوات التابعة للحلف:
جاء في الفقرة الثالثة من ميثاق الحلف، بأنه “لتحقيق أهداف المعاهدة، يتفق الطرفان، على العمل (فرادى أو جماعة) بكل وسيلة ممكنة للاستعداد، والتعاون المشترك، للمحافظة على طاقة كل منهم، وطاقتهم مشتركين، لمقاومة أي هجوم مسلح”. وعلى ذلك، فإن التسلح، في حلف الأطلسي، ذو اتجاهين:
أ. الاستعداد العسكري الوطني، لكل دولة على حدة، لدعم قواتها العسكرية، برياً وبحرياً وجوياً. واتخاذ كافة التدابير التي تحقق لها مقاومة الغزو من تخطيط، وتجهيز هندسي للمواقع، وغيرها من الإجراءات اللازمة.
ب. الاستعداد العسكري، بالاشتراك مع الدول الأخرى، من خلال خطط مشتركة للعمليات، وتوحيد النظم المعمول بها داخل القوات المسلحة، وتنسيقها.
في 6 أكتوبر 1949، وافق الكونجرس الأمريكي، على قانون العون على الدفاع المتبادل، وخصص 1000 مليون دولار، منها 100 مليون دولار عند توقيع الاتفاقيات الثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية ويدفع الباقي بعد الموافقة على مشروعات الدفاع عن منطقة شمال الأطلسي، والذي عهد إلى اللجنة العسكرية أمر إعداده .

3. الاتفاقات الثنائية:
نظم هذه الاتفاقات، العلاقات العسكرية بالحلف، بين الأعضاء من جانب، والولايات المتحدة من جانب آخر، على أساس:
أ. يقيد التعاون العسكري، الطرف المستفيد من أعضاء الحلف. حيث لا يحق له الحصول على مساعدة عسكرية من خارج المنطقة الجغرافية للحلف، إلا بأذن من الدولة المانحة (الولايات المتحدة الأمريكية).
ب. للولايات المتحدة الأمريكية، حق طلب مواد إستراتيجية من الدول المستحقة للعون.
ج. يتمتع العسكريون والموظفون المشرفون على تنفيذ هذه الاتفاقات، بالامتيازات والحصانة الدبلوماسية، ويلحقون على السفارات والمفوضيات الأمريكية الموجودة في البلد المستفيد (عواصم الدول المتعاقدة).
د. على الدول المستفيدة، اتخاذ كافة التدابير، للمحافظة على الأسرار العسكرية، والفنية، ومكافحة التجسس.
هـ. لكل من الطرفين الحق في إلغاء الاتفاق، بشرط أن يعلن ذلك قبل الإلغاء بعام كامل.
قد قبلت الدول الأوروبية الغربية، تلك القيود في وقتها، كما قبلت كذلك الزعامة الأمريكية للمعسكر الغربي، مقابل إعانتها فيما اعتراها من ضعف اقتصادي واجتماعي وسياسي، مقابل نمو القوى الشيوعية.

4. الصعوبات التي واجهت دول الحلف، في مجال التسلح:
كان هناك مصاعب عدة، اعترضت أعمال تسليح القوات من أهمها:
أ. الصعوبات العسكرية الناتجة عن محاولات التوحيد في التسليح لكافة القوات المسلحة لدول الحلف.
ب. صعوبات فنية نتيجة محاولة ربط مختلف الهيئات العسكرية والسياسية لكثرتها، وتعددها.
ج. صعوبات مالية واقتصادية، نتيجة قصور الإمكانات الأوروبية، رغماً عن المساعدات الأمريكية لدول أوروبا، وهو ما ألقى بعبء التسليح وتمويله، على كاهل الولايات المتحدة الأمريكية.
د. صعوبات قيادية، إذ تصارعت الدول الأوروبية، للحصول على مناصب القيادات الرئيسية العسكرية والسياسية في الحلف. وقد حسمت الرئاسة للجان والاجتماعات، بجعلها دورية في نظام متفق عليه، وظل الصراع على القيادات العسكرية، ورئاسة الإدارات الفرعية، يسبب حساسية بين أعضاء الحلف.
هـ. اختلاف في وجهات النظر، في تسليح ألمانيا الغربية، إذ رأَى فريق ضرورة تسليحها لتقوية الحلف في مواجهة الاتحاد السوفيتي، لما يتميز به الألمان من جدية وانضباط، وفريق آخر كان يرى خطورة وجود قوات ألمانية مسلحة على الحلف نفسه. كان الفريق الأول يدعم رأيه بالقوة العددية الألمانية، والعمق الاستراتيجي الذي تضيفه للدفاع. كما أن معظم القوات الفرنسية (كدولة كبرى في الحلف) متورطة في قتال فاشل في الهند الصينية (فيتنام) وفي شمال أفريقيا (الجزائر)، كما أن تسليح ألمانيا يحافظ على توازن القوى الاقتصادية، وكان البعض من الأوروبيون المخلصون يفضلون ذلك الرأي بدلاً من الجماعة الأمريكية. على الجانب الآخر، كانت المعارضة تركز على الروح الهجومية للألمان، والتي قد تدفع المتحالفين لمبادرات هجومية، بدلاً من الدفاع، دون استعداد كاف، وأثار البعض من المعارضين احتمال انضمام الألمان للروس، بعد التسليح، وإن كانت نظرية بعيدة للغاية، وآخرين كانوا يرون عدم إثارة الاتحاد السوفيتي مبكراً، فما زالت آثار أقدام الجيوش الألمانية الغازية لم تمحىّ من طرقات الاتحاد السوفيتي، وحتى موسكو.

5. قوة الحلف العسكرية (1952):
حدد مؤتمر “لشبونه ـLisbon” بالبرتغال (1952)، قوة الحلف المقدرة، حتى يمكنه تحقيق أهدافه، 50 فرقة، و400 طائرة في نهاية 1952، ترتفع إلى 75 فرقة، و6500 طائرة في نهاية عام 1953، تزداد إلى 100 فرقة في نهاية عام 1954. وقد أوضح المؤتمر، أن تلك القوة غير كافية للوقوف أمام 175 فرقة روسية، 20 ألف طائرة يملكها السوفيت كذلك.
أصبحت القوات المكونة للحلف، تعتمد بالدرجة الأولى، على التقدير الدفاعي للقوات المتحالفة، والذي بنيّ على أساس وجود قوة ذرية من الأسلحة التكتيكية.

كانت القوة الأمريكية الموجودة في غرب أوروبا هي الجيش السابع الأمريكي (4 فرق مشاة، فرقة مدرعة، 3 آلاي فرسان مدرعة، لواء مدفعية مضادة للطائرات، مدفعية معاونة للقوات). وكان الجيش السابع الأمريكي، مسلح بأسلحة ذرية تكتيكية، وبعض الأسلحة الأحدث في العالم (1952):

أ. قنابل ذرية تكتيكية، تلقى بواسطة طائرات من نوع Thaner Strick – F 84 “150” طائرة في بريطانيا، وأكثر من ذلك في فرنسا، وكانت الولايات المتحدة تسلح أربع دول أخرى بتلك الطائرات).
ب. خمس كتائب (30 مدفع) مسلحة بالمدافع الذرية عيار 280 مم، والكتائب كلها في ألمانيا الغربية.
ج. عدة وحدات (بطاريات) صواريخ أرض/أرض من نوع ” أونست جون ـOnest Jon”، قصيرة المدى، ذات رأس ذرية، بكل وحدة ست قواذف ذاتية الحركة.
د. كتيبة صواريخ أرض/أرض من نوع “كوربورال ـCorporal”، قصيرة المدى، ذات رأس ذرية، موجهة لاسلكياً حتى الهدف (10 قواذف ذاتية الحركة).
هـ. طائرات بدون طيار، موجهة لاسلكياً، ذات عبوة ذرية، من نوع “ب 61، ماتادور ـB61, Matador”، وهي سربين بكل 75 طائرة في غرب أوروبا.
و. مدافع مضادة للطائرات، عيار 75 مم، من نوع “سكاي سويبر ـSkysweeper”، وهو نوع جديد (في ذلك الوقت) اعتمدت عليه الولايات المتحدة للدفاع عن غرب أوروبا، لخصائصه المميزة، التي تمكنه من إسقاط أي طائرة، مهما كانت سرعتها، ودائرة مداه المؤثر.

6. الانتقادات التي وجهت إلى حلف شمال الأطلسي بعد إنشاؤه:
هوجم الحلف عقب إنشاؤه من ثلاث طوائف، كان لكل منها وجهة نظره الخاصة، وكان أولها وأهمها، انتقادات الاتحاد السوفيتي، الخصم الموجه إليه ذلك الكيان الجديد:

أ. انتقادات الاتحاد السوفيتي:
قدم السفير السوفيتي، لدى النرويج، مذكرة احتجاج، في 30 يناير 1949، يؤكد فيها أن الحلف، ليس غرضه دعم السلام الدولي، كما أعلن، بل العكس من ذلك، فهو يجمع بين عدة دول، ذات نيات استعمارية. كذلك فهو لا علاقة له (أي الحلف)، بالأمم المتحدة، بل يتخطاها. من جانب آخر، أصدرت وزارة الخارجية السوفيتية بلاغاً رسمياً، انتقدت فيه السياسة الأمريكية والبريطانية الخارجية، فلا يوجد أي خطر على تلك البلاد المتحالفة، بينما الحلف خطر على غيره من البلاد، لمناقضته مبادئ الأمم المتحدة وميثاقها، وتناقضه مع معاهدتي يالتا وبوتسدام، المبرمتين مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وقد صرح وزير خارجية بلغاريا، في خطاب له “نحن نعتبر حلف الأطلسي أداة اعتداء على الاتحاد السوفيتي، والديموقراطيات الشرقية، نحن ضد ميثاق الأطلسي الشمالي”.

ب. انتقادات خبراء القانون الدولي:
(1) سمحت المادة 52، من ميثاق الأمم المتحدة، بقيام تنظيمات إقليمية. إذ جاء بها “ليس في هذا الميثاق ما يحول دون قيام تنظيمات أو تكتلات إقليمية، كما نصت أيضاً على الاستكثار من الحل السلمي للمنازعات، عن طريق التنظيمات الإقليمية. ولا يعتبر حلف الأطلسي تنظيم إقليمي، لأنه يضم دولاً لا يربطها إقليم جغرافي واحد، وكان رد الحلف على ذلك، بأنه بمقتضى معاهدة الحلف، قد أصبح الأطلسي إقليماً، بمثابة بحيرة، تربط أعضاء أسرة واحدة. وتبعاً لذلك، ذكر الزعماء السياسيون، والمتحدثون عن الحلف، في تصريحاتهم العديد من المرات عبارة “إقليم شمال المحيط الأطلسي”.
(2) لم يشر الحلف في ميثاقه صراحة أو ضمناً إلى المواد الرقم 52، 53، 54 من ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بالتنظيمات الإقليمية.
(3) لم ينص في ميثاق الحلف نفسه، على أنه يعتبر منظمة إقليمية، حسب نظام الأمم المتحدة.
(4) تنص المادة 53 من ميثاق الأمم المتحدة، على أنه، “ليس للمنظمة الإقليمية أن تقمع أي عدوان مسلح إلا بعد أذن من مجلس الأمن. ولما كان الاتحاد السوفيتي يتمتع بحق المعارضة (Veto)، فإنه يمكنه منع صدور الأذن، مما يشل من فاعلية حلف الأطلسي (إذا أعتبر منظمة إقليمية) وتبطل الحكمة من إنشاؤه.
(5) تنص المادة 54 من ميثاق الأمم المتحدة، على وجوب إعلام مجلس الأمن، بما يجري من أحداث، لحفظ السلام والأمن الدوليين بواسطة المنظمات الإقليمية، وعلى ذلك يجب أن تعرض عليه، جميع الخطط والقرارات السياسية والعسكرية للحلف، وكذلك التدابير الاقتصادية والمالية، خاصة التسليح، والأهم القرارات السرية التي تصدرها لجان الحلف المختلفة، ولما كان الاتحاد السوفيتي عضواً دائماً بالمجلس، فسيكون على علم بكل ما يتخذ من قرارات وإجراءات في الحلف، وهو ما يطيح بمبدأي المبادرة والمباغتة، ويكون لدى الاتحاد السوفيتي الفرصة للمبادرة بإجراءات مضادة وقائية مسبقاً، ويبطل ذلك الغرض من قيام الحلف.

ج. انتقادات عامة:
(1) يكرس قيام الحلف، انقسام العالم إلى كتلتين متضادتين، وهو ما يزيد من التوتر في العلاقات الدولية، التي تزيد من الخطر على السلام والأمن العالميين.
(2) ستؤدي مصاريف وتكاليف إنشاء الحلف، وما يتبعها من تنظيمات ووحدات عسكرية وتسليح، إلى خفض مستوى المعيشة، وعدم الاهتمام بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، وهي الوسيلة الوحيدة لدعم السلام.
(3) لا تستطيع الدول الشيوعية الانضمام إلى الحلف، وهو ما يضر بقضية السلام، حيث يتطلب الأمر أن تبقى المعاهدات الجماعية مفتوحة، لأي دولة.
(4) يضعف الحلف من الأمم المتحدة، وقد يؤدي إلى فشلها هي الأخرى، كما فشلت عصبة الأمم من قبل، وهو ما يعني قيام حرب عالمية جديدة.
كان بعض من وصفوا بالمتفائلين، يرون أن دول الكتلتين، سيغلب عليهم ـ عاجلاً أم آجلاً ـ حب الشعوب للسلام، وأن كل ما يزيد من فرقة الدول وتقسيمها إلى معسكرات متضادة، يضر قضية السلام.

ثالثاً: ما تحقق، من أهداف الحلف، خلال السنوات الخمس الأولى 1949 ـ 1954:
نشر السكرتير العام لمنظمة حلف الأطلسي، تقريراً عن مدى نجاح الحلف في تحقيق الأهداف التي قام من أجلها، خلال السنوات الخمس الماضية (الأولى من عمر الحلف) تضمنت:

1. التسليح:
مازالت القيادة العليا للحلفاء، في مجلس الحلف، تناقش موضوعات التسليح، وسيصدر المجلس توصياته وقراراته بذلك. وقد استخدمت الأسلحة الذرية الحديثة، في عدة تجارب.
2. القوة العسكرية للحلف:
وصلت قوات الحلف العاملة والاحتياطية، عام 1954، إلى 100 فرقة مستكملة المرتبات من الأفراد والأسلحة والمعدات. وهم الحجم المحدد في مؤتمر لشبونة عام 1952. بنسبة نجاح 100 %.
3. الإنتاج العسكري للحلف:
زيدت الاعتمادات المالية للإنتاج العسكري، والتي قررها الأعضاء، من ألف مليون دولار عام 1949، إلى 8300 مليون دولار عام 1953، متضاعفة ثماني مرات.
4. قوة الخصم:
تصل قوة الاتحاد السوفيتي، وألمانيا الشرقية ، والدول الأوروبية التي تخضع للنفوذ السوفيتي أكثر من 6 مليون جندي عامل عام 1954، ويمكن تعبئة 400 فرقة كاملة خلال 30 يوم. إلا أن القائد العام لقوات التحالف، “الفيلد مارشال، لورد، برنارد مونتجمري ـ Bernard Montgomery” (أحيل إلى التقاعد في نهاية عام 1953) كان يرى أن قوات الحلف (100 فرقة) بما تتميز به من تسليح متقدم، وجنود رفيعي المستوى، قادر، بقيادته الموحدة الكفء، على تحقيق المهام المكلفين بها ضد القوات السوفيتية بنجاح.
رغم ذلك، فإن الخبراء أوضحوا أن قوة الحلف، بوضعها في ذلك الوقت (1954)، كانت تعتمد على خطوط إمداد طويلة للغاية، معرضة للهجوم الذري، كما أن القوات نفسها قديمة وبالية تسليحاً وتنظيماً وتدريباً. ونصحوا بضرورة الاعتماد على الانتشار والاكتفاء الذاتي، في منطقة واسعة، ثم التجمع بسرعة للتمسك بالمناطق الحصينة الهامة، أو شن الهجمات المضادة. وأنه يجب الاعتماد على خطوط إمداد برية، بدلاً من الخطوط الجوية، وهو ما يعني ضرورة تكديس احتياجات إدارية ذات حجم هائل في أوروبا.
أما بالنسبة للتسليح، فإن أسلحة الحرب العالمية الثانية، لم تعد تصلح، ويجب الاعتماد بصورة أكبر على القواذف الموجهة (الصواريخ الباليستية)، وقد وعدت بريطانيا بتركيز جهدها في برنامج للمقاتلات والقذائف الحديثة. يلزم كذلك نشر شبكة رادارات ونظام دفاع جوي متكامل في كل أوروبا (قدرت تكلفته بمليار و40 مليون دولار) وهو ما يحتاج إعادة تنظيم موارد الحلف والنظر إلى المشكلات الاقتصادية الداخلية للأعضاء.
5. اللجنة الثلاثية:
كانت المسألة بالنسبة للعسكريين، والسياسيين، هي “دفاع أو لا دفاع” ولا بديل. لذلك وافق مجلس الحلف على اقتراح أمريكي ـ عقب استماعه لتقرير السكرتير العام 1954 ـ بإنشاء لجنة ثلاثية من خبراء، لوضع خطط سياسية، واقتصادية للغرب، مدتها 10 سنوات، يمكنها مواجهة السياسة الخارجية السوفيتية الجديدة (التوسعية).
في 6 مايو 1956، أصدر مجلس الحلف، بياناً أكد فيه ضرورة انعقاده دورياً لبحث النواحي السياسية للمشاكل الاقتصادية، وتعزيز التعاون بين أعضاؤه في المجالات السياسية والاقتصادية. كما كلف المجلس الدائم ببحث مشروع وزير خارجية فرنسا “كريستيان بينو ـChristian Pino”، لإنشاء لجنة الحكماء الثلاثة، لتنفيذ ما كان قد أقترح لإنشائها من قبل.

رابعاً: حلف الناتو في عصر الحرب الباردة:

1. تطور التنظيم والمهام:
كان النظام الدولي، الثنائي القطبية، والذي ظهر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، سبباً في انقسام القوى، العالمية والإقليمية، إلى كتلتين. كما كان سبباً في انتشار سياسة التحالفات، فانتشرت الأحلاف الموالية للطرفين. وأدى تطور التسليح، وحجم القوى، السياسية والعسكرية، لكل كتلة، إلى تطور في الأحلاف التابعة، والمناوئة، على حد سواء، وكذلك تطور الإستراتيجية المتبعة، لكل منها.

في البداية، كان حلف شمال الأطلسي وحده، يُجَمّعْ القوى، لمواجهة القوات الضخمة للاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية السائرة في ركابه، وهي ذات تسليح تقليدي متفوق، كماً ونوعاً، على مثيله الغربي، لذلك كانت دول الحلف، تفكر في حرب دفاعية. وبامتلاك الولايات المتحدة للقنبلة الذرية، والتي باشرت تطويرها عقب إلقاءها، على المدينتين اليابانيتين، هيروشيما (6 أغسطس 1945) وناجازاكي (9 أغسطس 1945)، أعتنق الغرب إستراتيجية سميت “بالردع الجسيم”، ووضح أن مخاطر الحرب العالمية الثالثة، التقليدية، قد ابتعدت، فلا يعقل أن يفكر الاتحاد السوفيتي بشن هجوم تقليدي، في مواجهة قوة نووية.
فجر الاتحاد السوفيتي، قنبلته الذرية الأولى، في أغسطس 1949، ورغم أنها قنبلة تجريبية، إلا أن نجاح الاتحاد السوفيتي، في دخول المجال الذري، انعكس على العلاقات بين الكتلتين، وكان من الضروري، أن يغير حلف الناتو من استراتيجياته، وتنظيماته العسكرية كذلك.

كان حصول الاتحاد السوفيتي على سلاح ذري، يعني ابتعاد شبح الحرب التقليدية العالمية تماماً، وظهور شبح أكبر منه، وأكثر رهبة، وهو شبح الحرب النووية العالمية.

ضمت الولايات المتحدة، بعد ضغط على حلفاؤها في الحلف، ألمانيا الغربية، إلى عضوية الحلف في 5 مايو 1955، وهو ما أعتبره الاتحاد السوفيتي عملاً عدائياً له، وسارع إلى إنشاء حلف مضاد، من دول أوروبا الشرقية، التابعة له في 14 مايو 1955 . وقد وضح من الوهلة الأولى تفوق حلف وارسو، على حلف شمال الأطلسي كمياً، في الأسلحة التقليدية، وهو ما رفع حدة التوتر الأوروبي مرة أخرى، ويسعى حلف الأطلسي، إلى إتباع إستراتيجية تعتمد على القوى النووية، للولايات المتحدة أساساً، بالإضافة إلى كل من بريطانيا وفرنسا، واللتان كانتا قد انضمتا للنادي الذري .

تصاعد السباق بين القطبين، لإحراز تفوق ساحق، في مجال التسليح المتقدم، مستخدمين قدراتهما التقنية، وهو ما أدى إلى إنهاك اقتصادياتهما، بدرجات متفاوتة، وبدا أن سبق الأسلحة النووية ليس له نهاية، خاصة بعد أن تعدى الأسلحة الباليستية، ليدخل إلى الفضاء الخارجي.

مرّ الحلف بأربعة مراحل خلال تطوره، لمواجهة المتغيرات الدولية، وللاحتفاظ بديناميكية وفاعليته، محققاً الهدف من إنشاؤه:

أ. المرحلة الأولى (1949 ـ 1951):
مرحلة الإنشاء عقب توقيع الاتفاقية، في أبريل عام 1949، لإقامة نظام مشترك فعال للدفاع. وقد ركز الحلفاء جهودهم في السنوات الأولى تجاه المسائل الدفاعية، ومتطلبات تمويلها. وذلك بانضمام كل من اليونان وتركيا عام 1952، ثم انضمام ألمانيا الاتحادية (الغربية) عام 1955.

ب. المرحلة الثانية:
عقب إرساء الهيكل الرئيسي للحلف، بدأ العمل في زيادة فاعليته، فشهدت المرحلة قرارات عديدة في هذا الاتجاه، إضافة إلى أول عمليات التوسيع، في عضوية الحلف.

ج. المرحلة الثالثة:
بدأت في عام 1956، باعتماد مجلس الحلف، “لتقرير التعاون في المجالات غير العسكرية”، والذي عرف بتقرير “اللجنة الثلاثية” . إذ كان التحدي السوفيتي لأوروبا، في المرحلة السابقة، محدوداً، حيث كان مقصوراً على المجال العسكري، وهو ما تغير عام 1956، إذ ظهر أن الاتحاد السوفيتي (السابق)، كان قد بدأ مد نفوذه السياسي والأيدولوجي في أرجاء العالم، وأن هذا التحدي لم يقتصر على البعد العسكري فقط، بل اتخذ توجهات أخرى عديدة.
بالموافقة على تقرير اللجنة الثلاثية ، فتح المجلس المجال للتشاور السياسي بين الدول الأعضاء، والتي أصبحت فيما بعد تشمل جميع الموضوعات. وأصبح التشاور بين الدول الأعضاء، سمة ضرورية، خاصة عند إعادة صياغة المراحل المختلفة، لسياسات الدول الأعضاء.

د. المرحلة الرابعة:
شهدت موافقة مجلس الحلف في ديسمبر 1967 على المهام المستقبلية للحلف أو ما عرف باسم “تقرير هارملHarmel Exercise”، وبالرغم من أن دول الحلف الأعضاء أعلنت موافقتها الفردية والجماعية إلى جانب تهدئة التوتر في أوروبا طبقاً لـ “تقرير هارمل”، فإن حكومات الدول الخمس عشرة الأعضاء، قررت استمرارها في اتباع سياسة إيجابية، للبحث عن حلول واقعية، تهدف للوفاق في المستقبل، بين الشرق والغرب. لذلك كثفت دراسات إجراءات نزع التسلح، والإجراءات العملية لضبط التسلح.
اعتباراً من عام 1969، تميزت أعمال الحلف بالإيجابية، وذلك من منظور التعاون، والتحضير للمباحثات الثنائية بين الشرق والغرب، فيما يتعلق بالإطار العام “مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا Conference on Security and Cooperation in Europe CSCE. وعلى الجانب الآخر، كان هناك اتصالات متبادلة لمباحثات أخرى، لخفض القوات Mutual and Balanced Force Reduction MBFR، كانت تجرى على التوازي، مع مباحثات الأمن والتعاون، حيث يحققا معاً، أمل أوروبا في السلام والأمن.

ومنذ عام 1969، وفي أعقاب مبادرة الرئيس نيكسون، فقد الزم مجلس الحلف نفسه كذلك بالتحديات العاجلة الإنسانية، التي برزت، والمتعلقة بالبيئة الإنسانية.

ومنذ نهاية الستينيات، شهد الحلف، تطورات هامة، منها التوقيع في يونيه 1974، على “إعلان أوتاوا Ottawa Declaration” المتعلق بالعلاقات الأطلسية، والذي أعاد التأكيد على العلاقات القوية بين أمريكا الشمالية، وحلفائها الأوروبيين في المواقف الدولية والمتغيرات التي طرأت منذ توقيع معاهدة الحلف في واشنطن. كما شهد عملية التوسيع الثانية للحلف، بانضمام أسبانيا عام 1982. وهكذا استمر تطوير الحلف، ليتلاءم مع الصراع المستمر، بين الكتلتين الشرقية والغربية، وذلك من المنظورين التنظيمي والوظيفي.

2. استكمال أجهزة الحلف (1949 ـ 1951):
أدى الحصار السوفيتي لبرلين، والذي بدأ في 24 يونيه 1948، إلى الإسراع في إنشاء الغرب لحلف شمال الأطلسي (4 أبريل 1949) أي بعد إحدى عشر شهراً من ذلك الحصار، والذي عرف “بأزمة برلين”. وكان من نتائج إنشاء الحلف، ودليل على فاعليته، إنهاء الاتحاد السوفيتي للحصار في 9 مايو 1949.

ثم كانت الأزمة الكورية عام 1950، لتتجمع دول الغرب، بزعامة الولايات المتحدة تحت مظلة الأمم المتحدة، في أول مواجهة ضد المد الشيوعي في آسيا، والذي أناب فيها الاتحاد السوفيتي، دولة شيوعية جديدة، ذات كثافة عالية، وعلى حافة منطقة الحرب الكورية، لتدخل الصين الشعبية الحرب إلى جانب كوريا الشمالية الشيوعية، ضد التحالف الدولي الغربي الذي يدافع عن نظام الحكم الديموقراطي في كوريا الجنوبية.

وقد تسببت تلك الأحداث، في شعور دول الحلف بالقلق إزاء تنظيم الحلف وأجهزته، والتي كانت، ما زالت في طور التنظيم والنقاش، ولم يبت فيها بعد.

رغم أن معاهدة حلف الناتو، وضعت في نطاق التنفيذ، منذ 24 أغسطس 1949، إلا أن الهيكل القيادي، الذي سيتولى تنفيذ المعاهدة، لتصبح ذات فاعلية تأخر إنشاؤه وتنظيمه حتى اجتماع مندوبو الدول الأعضاء بالحلف، في واشنطن، في 17 سبتمبر 1949، إذ انعقد مجلس الحلف وتوصل إلى وضع هيكل تنظيمي عام، يشمل الشقين المدني، والعسكري.

نُظّمْ عمل أجهزة الحلف القائمة، كما أضيف عدة لجان وتنظيمات فرعية. ولما كان مجلس الحلف (NAC)، هو السلطة الأعلى، لذلك نظم العمل فيه ليشمل ثلاث مستويات:

أ. مستوى القمة:
ويتكون مجلس القمة من رؤساء الدول والحكومات الأعضاء بالحلف، ويجتمع على فترات متباعدة، طبقاً للضرورة .

ب. المستوى الوزاري:
وهو مستوى وزراء الخارجية والدفاع، ويتكون المجلس من ممثلين للدول الأعضاء في الحلف، وهم وزراء الشؤون الخارجية، وتبعاً لأجنده وموضوعات الاجتماع، ينضم إليهم وزراء الدفاع، وأي وزراء معنيين، خاصة المسؤولين عن الاقتصاد والمالية، كما أن بعض الدول قد يمثلها رؤساء حكوماتها. يجتمع المجلس من 2: 3 مرات في العام، خلال أبريل ونوفمبر، وعند الضرورة، وتتم هذه الاجتماعات في عاصمة أي من الدول الأعضاء لمدة يومين ـ تناقش فيهما الموضوعات السابق تحديدها.

ج. مستوى المندوبين الدائمين: (مستوى السفراء):
تعين كل دولة مندوبا دائما لها في مركز قيادة الحلف بدولة المقر (بلجيكا) ليمثل دولته في المجلس، الذي يعقد اجتماعا أسبوعيا على الأقل، على مستوى هؤلاء المندوبين الدائمين، ويمكن دعوته للانعقاد في أي وقت خلال فترة قصيرة، ويقوم المجلس بالأعمال الدبلوماسية والروتينية للحلف في جميع الأوقات.

د. الرئاسة:
(1) على المستوى الوزاري: يتولى الرئاسة (منصب شرفي) أحد وزراء دولة عضو لفترة زمنية مدتها عام بالتناوب بين الأعضاء طبقاً للترتيب الأبجدي.
(2) على مستوى السفراء المندوبين: يتولى السكرتير العام للحلف أو نائبه الرئاسة.
هـ. مهام المجلس:
(1) الصيغة الأولية لعمل المجلس، هي الصيغة السياسية. حيث يقوم المجلس بإعطاء توجيهاته السياسية إلى السلطات العسكرية، وهو المسؤول عن توفير القوة البشرية، والمعدات، والبنية الأساسية، اللازمة لحلف، حسب ما تسمح به الاعتبارات السياسية ويتمشى مع الأوضاع الاقتصادية، للدفاع عن الحلف.
(2) المجلس مسؤول عن العديد من الموضوعات، المتعلقة بالإعداد المدني الضروري لوقت الحرب، وعلى الأخص، الحث/ التشجيع، على تنظيم الإجراءات المدنية الدفاعية، في بعض الدول الأعضاء، وتقديم الدعم لحكوماتها، كل طبقاً لمسؤولياتها من خلال، تقديم المقترحات، أو المبادرة، والتعاون، أو التشجيع.
(3) على المجلس أن يسعى للتحقيق العملي للتوازن، بين الاحتياجات العسكرية والاقتصادية، على أن يراجع ذلك سنوياً، من خلال تحديد مقدار المشاركة في برامج البنية الأساسية العامة، التي سيتم إقامتها في كل دولة من الدول الأعضاء.
(4) المجلس مسؤول بالنسبة عن تأمين الاحتياجات، من خلال الموافقة على ميزانية الحلف المدنية والعسكرية، لكل من الأجهزة المدنية وهيئات الأركان العسكرية وكذلك بالنسبة للقيادات التابعة.

و. أسلوب اتخاذ القرار:
لا تتخذ القرارات عن طريق التصويت أو الأغلبية، بل تتخذ بناء على قاعدة الاتفاق والإجماعUnanimously، وذلك من خلال التفاهم المشترك بشأن الإجراء أو الحدث، ورغم ذلك فلكل دولة ممثلة في المجلس أو إحدى اللجان التابعة له الحق في الاحتفاظ بكامل سيادتها ومسؤوليتها عن قراراتها.
3. السكرتارية الدائمة للحلف (أُنظر ملحق شاغلوا منصب السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي (1949 – 1999)):
للحلف سكرتارية دائمة، يرأسها، السكرتير العام للحلف Secretary General، وهو الذي يتولى رئاسة مجلس الحلف على مستوى المندوبين الدائمين (السفراء). وله نائب، يكلفه لينوب عنه في بعض الأعمال، أو يعد التقارير للسكرتير العام.
4. اللجنة العسكرية (MC):
أصبح للجنة العسكرية، ثلاث مستويات كذلك، الأول لرؤساء أركان حرب القوات المسلحة للدول الأعضاء، والثاني المندوبين العسكريين الدائمين، والثالث اللجنة الدائمة، بنفس تنظيمها وخصائصها السابقة.

عقد اجتماع لمجلس الحلف في واشنطن في 17 سبتمبر 1949، توصل خلاله إلى الآتي:
أ. تم وضع “الإطار العام المدني والعسكري للحلف”.
ب. إنشاء “لجنة الدفاع” المكونة من وزراء دفاع الدول الأعضاء (المادة التاسعة من المعاهدة)، تكون مسؤولة عن صياغة وتنسيق الخطط الدفاعية، عن نطاق مسؤولية الحلف.
ج. الاتفاق على أن تكون دورة الاجتماع مرة سنوياً في الأحوال العادية، يمكن زيادتها عند الضرورة، طبقاً للمادة الرابعة والخامسة من المعاهدة.
د. الاتفاق على الموضوعات التي ما زالت تحتاج لمزيد من الدراسة والتفاصيل وهي: الإنتاج العسكري، الإمداد، الاحتياجات الاقتصادية والمالية للجهود الدفاعية، الرؤية المستقبلية لتنسيق مسائل الإنتاج والمعايرة والتطوير الفني للمعدات.
نتج عن تلك القرارات تكوين عدد من الأجهزة الدائمة، مثل:

أ. اللجنة العسكرية المكونة من رؤساء أركان الدول الأعضاء، بمهمة تقديم المشورة لمجلس الحلف في المسائل العسكرية.
ب. اللجنة الدائمة (تم حلها بعد ذلك، في عام 1966):
تتابعت القرارات المنبثقة عن اجتماعات مجلس الحلف لاستكمال أجهزته الرئيسية، ففي 18 نوفمبر 1949 اجتمع مجلس الحلف في واشنطن، وقرر إنشاء جهازين إضافيين، للقيام بالمهام التي تأجلت دراستها في الاجتماع السابق. أتفق على إنشاء “اللجنة الاقتصادية للتمويل الدفاعي”، تتكون من وزراء المالية للدول الأعضاء، إضافة إلى المسئولين عن الإنتاج والإمداد العسكري، وتقدم هذه اللجنة تقاريرها للجنة الدفاع.

ج. الخطة الدفاعية للحلف:
عقدت لجنة الدفاع، بعد إنشاؤها، اجتماعها الأول في باريس، في أول ديسمبر 1949، والذي وافقت فيه على “الفكرة الإستراتيجية للدفاع المتكامل عن نطاق مسؤولية الحلف”، إضافة إلى وضع أساليب العمل وبرامج الإنتاج والإمداد للأسلحة والمعدات. وقد صدق مجلس الحلف على هذه الفكرة الإستراتيجية، والمقترحات، في اجتماعه الذي عقد بواشنطن في 16 يناير 1950. وفي الاجتماع التالي، الذي عقدته لجنة الدفاع في أول أبريل 1950، صدقت على المسودة الأولى للخطط الدفاعية متوسطة المدة لمدة ” 4 ” سنوات.

د. السيطرة والإشراف:
لم تكن مسائل السيطرة والإشراف على أجهزة الحلف المدنية والعسكرية قد تم تنظيمها، لذلك قرر مجلس الحلف في اجتماعه الذي عقد بلندن في مايو1950، إنشاء هيكل (بنيان) مدني للحلف للقيام بمهمة تنسيق عمل الأجهزة المدنية والعسكرية للتحالف، وللعمل كذلك كمنتدى يمكن لأعضاء الحكومات من خلاله المناقشة والتبادل المستمر للآراء السياسية.

هـ. تعيين أول قائد عام للحلفاء في أوروبا:
في بروكسل اتخذ المجلس عدة قرارات هامة في المجال العسكري. فقد صدق على توصيات لجنة الدفاع الخاصة بإنشاء “القوة الأوروبية المشتركة” تحت قيادة مركزية، وكذلك على الخطوات الملائمة التي يجب اتخاذها “لإعادة تنظيم الهيكل (الجناح) العسكري للحلف”، كما قرر كذلك أن يتقدم بطلب إلى الرئيس الأمريكي ترومان لتعيين الجنرال “دوايت أيزنهاورDwight D. Eisenhower” قائداً عاماً لقيادة التحالف في أوروبا (SACEUR) وقد وافق الرئيس الأمريكي، وفي 19 ديسمبر 1950 أعلن المجلس رسمياً ذلك، وأن الجنرال أيزنهاور سيقوم بإنشاء مركز قيادته في أوروبا، في مطلع العام القادم (1951).

وفي 29 ديسمبر1950 أصدرت اللجنة الدائمة أول تكليفات لقيادة التحالف في أوروبا (SACEUR)، التي أشارت إلى أن قوات الناتو المتيسرة من الدول الأعضاء، للدفاع عن أوروبا الغربية، يجب عليها عند الطوارئ أن يتم تنظيمها وتسليحها وتدريبها، لتكون جاهزة لتنفيذ الخطط المتفق عليها.

وتمت الموافقة على إنشاء القيادة العامة للحلفاء في أوروبا Supreme Headquarters Allied Powers Europe S.H.A.P.E في بداية عام 1951، وأن يتم دعمها “بهيئة أركان مشتركة” مكونة من الدول المشاركة بقوات في هذه القيادة. (أُنظر شكل تنظيم قيادة الحلفاء بأوروبا 1952)

تنظيم القيادة العامة للحلفاء في أوروبا 1952 (S.H.A.P.E)
واكتسبت تلك التنظيمات وجودها الرسمي في 2 أبريل 1951. واتخذ من منطقة روكين كورت (Rocquen Court) بالقرب من باريس، مقراً لكل من قيادة الجنرال أيزنهاور، “وقيادة التحالف الأوروبي” (ACE)، والقيادة العامة لقوات الحلفاء في أوروبا (SHAPE).

خامساً: إعادة بناء هيكل جديد لحلف الناتو:
اجتمع المندوبون الدائمون للمجلس بلندن في مايو 1951، حيث أعلنوا بعض التغييرات الهامة في هيكل الحلف. وأنشأت “لجنة الدفاع”، و”اللجنة الاقتصادية والمالية” على المستوى الوزاري منفصلتان عن مجلس الأطلسي. وشكلت الأجهزة الخاصة بذلك في باريس، التي توجد بها “منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي” (OEEC) كذلك، والتي يمكن أن تقدم لهم يد المساعدة [ كما حددت مهمة هذه اللجنة، بتقديم المشورة لكل من المندوبين الدائمين للمجلس، وباقي أجهزة الناتو، في المجالات الاقتصادية والمالية المتعلقة بالبرامج الدفاعية، ويمكنها كذلك في حالات خاصة، الاتصال المباشر بالحكومات أعضاء التحالف.
وفي 19 يونيه 1951، وقعت اتفاقية بين أعضاء الحلف تتعلق بأوضاع قواتهم، حيث حددت الصفة الرسمية للأفراد العسكريين، لكل دولة، الذين يدعون للخدمة في قيادة الناتو في دول أخرى، وفي سبتمبر من نفس العام، وقعت اتفاقية أخرى تحدد صفة الجانب المدني في المنظمة.

1. مؤتمر أوتاوا (15 ـ 20 سبتمبر 1951):
عقد اجتماع على المستوى الوزاري لمجلس الحلف في ” أوتاوا ” في كندا، حضره وزراء الخارجية والدفاع والمالية، لإعادة دراسة التزامات الحلف، وما يتطلبه ذلك من أعباء مالية، تزيد عما سبق أن قدره الحلفاء. وهو ما كان يهدد فاعلية الجهود الدفاعية، نتيجة لعدة متغيرات: من ارتفاع للأسعار، والمخاطر الناتجة عن التضخم، وعدم التوازن في النفقات، والصعوبات في الحصول على المواد الخام.

في الوقت نفسه أخطرت الدول الثلاث المحتلة لألمانيا الغربية (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا)، مجلس الحلف في ” أوتاوا “، أنهم دعموا خططاً للدفاع عن المجموعة الأوروبية تشمل ألمانيا الغربية. وفي أوتاوا كذلك أوصى المجلس رسمياً، حكومات الدول الأعضاء بضرورة دعوة كل من اليونان وتركيا للانضمام للحلف، كما قرر كذلك اختبار مدى قدرة الحلف على القيام بأنشطة أخرى غير عسكرية، حيث أنشأ لجنة وزارية تتكون من مندوبين من كل من: بلجيكا، كندا، إيطاليا، هولندا، النرويج، لدراسة وسائل تدعيم الروابط بين دول الحلف من منظور المادة الثانية من المعاهدة.

وقام المجلس كذلك بتشكيل ” لجنة طوارئ ” A Temporary Council Committee TCC، لتبدأ عملها بعد مؤتمر ” أوتاوا ” مباشرة، وقدمت تقريرها في 18 ديسمبر 1951 معبراً، عن وجهة نظر شاملة للقدرة العسكرية للدول الأعضاء، في ظروف وقت السلم، وقد اعتبر تقريراً رائداً لوجهة النظر الدفاعية.

2. اعتناق الحلف لاستراتيجيات نووية منذ نشأته:
تغير دور الأسلحة النووية في الفكر الاستراتيجي الأمريكي تغيراً ملحوظاً خلال نصف القرن الماضي، بعد أن خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية، الدولة النووية الوحيدة في العالم. استغلت الولايات المتحدة تلك الحقيقة لتقيم مظلة لحلفائها في أوروبا الغربية، في مقابل التهديد السوفيتي المتصور للغرب آنذاك. وبدخول الاتحاد السوفيتي في أغسطس 1949، إلى العصر النووي، بنجاحه في تفجير قنبلته الذرية، ثم عمله الدؤوب للوصول إلى حالة من “التوازن النووي” مع الغرب، في القدرات النووية بشكل عام، برزت الإستراتيجية النووية الأمريكية، في إطار حلف الأطلسي، في مسرح العمليات الأوروبي، كموضوع حيوي للغاية، يؤثر على فاعلية قوى التحالف الغربي. وقد تعهدت الولايات المتحدة لحلفائها، عند بدء التحالف، بأن يعتبر الهجوم على أي دولة من حلف الأطلسي، كأنه هجوم على جميع الدول الداخلة فيه، والذي يترتب عليه قيام الدول الأعضاء لحلف الأطلسي بالرد.
إلا أنه بوصول القدرة النووية السوفيتية إلى نقطة التوازن، بل والتفوق أحياناً، اهتزت مصداقية التعهد الأمريكي النووي، الذي كان حجر الأساس في الدفاع عن أوروبا الغربية، سنوات ما بعد الحرب. وكان لا بد أن تتطور الاستراتيجية العسكرية الأمريكية للحلف، وللولايات المتحدة، لتتواءم مع المتغيرات الجديدة، التي ظهرت في أعقاب الوصول إلى العصر النووي.

سادساً: إستراتيجية الحلف في الخمسينيات:
تشتق إستراتيجية “الرد الجسيم Massive Retaliation” من سياسة الرئيس الأمريكي “أيزنهاور”، التي أطلق عليها اسم “سياسة النظرة الدفاعية الجديدة” New Look Defense Policy، وجوهر تلك الإستراتيجية، الردع من خلال التهديد بالعقاب. وقد أقرت هذه الإستراتيجية على ضوء ما عانته الولايات المتحدة في كوريا، ويصبح الاعتماد على الأسلحة النووية متزايداً.
وقد افترضت “سياسة النظرة الدفاعية الجديدة” عدم قدرة الدفاعات المحلية بمفردها في أي مكان على اتساع الكرة الرضية، وخاصة في المسرح الأوروبي على احتواء القوى البرية الضخمة للكتلة الشيوعية، لذا أوجب الاحتواء، والأمن الجماعي Collection Security، وبذلك هددت إستراتيجية الرد الجسيم أي عدوان، بتعرض المعتدى لقوة إستراتيجية ساحقة، في مكان وتوقيت من اختيار الولايات المتحدة (أو الحلف).

وضح من تشكيل حلف الأطلسي عام 1949، أنه يعتبر الأسلحة النووية الإستراتيجية، جزءاً رئيسياً من القدرة العسكرية للحلف، وقد وافقت دول الحلف، على التحول إلى إستراتيجية، تعتمد على الأسلحة النووية للدفاع عن أوروبا، كرادع لمنع أي صراع في المسرح الأوروبي، ولتعويض قصور القوات التقليدية، وتوقيع جزاء ساحق ضد الأهداف في الاتحاد السوفيتي والدول المناصرة له.
أدى اعتناق إستراتيجية الرد الجسيم إلى ظهور مبدأ “الاستخدام الأول/ الضربة الأولىFirst Use” للأسلحة النووية، خاصة مع عدم تملك السوفيت، في المراحل الأولى، لأية أسلحة نووية قادرة على مواجهة التهديد النووي الأمريكي. فإذا فشل الردع، فستستخدم القدرات النووية مباشرة وبأقصى طاقتها للدفاع عن الحلف.

فقدت إستراتيجية “الرد الجسيم” لحلف الأطلسي، المعتمدة على المظلة الأمريكية النووية، مصداقيتها اعتباراً من عام 1952، مع ظهور وتطور القدرات النووية السوفيتية، وفي بداية الستينيات ظهرت الشكوك حول فاعلية إستراتيجية الرد الجسيم كعنصر ردع

المبحث الثالث
التطوير لمواجهة نمو القوة السوفيتية، وكذا تغير السياسة الخاصة للاتحاد السوفيتي(1952 ـ 1967)
استطاع الاتحاد السوفيتي، أن يوطد علاقاته الخارجية مع العديد من الدول الصغرى ودول العالم الثالث، وجاهرت عدة دول بتحولها إلى النظام الشيوعي، بينما حرصت دول أخرى على اتباعه دون إعلان، أو تحت مسميات أخرى. كذلك فإن الاتحاد السوفيتي فاجأ الغرب بانتزاعه المقدمة، في عدة مجالات علمية وعسكرية، وسياسية أحياناً، وهو ما كان ينذر الغرب بالخطر، لفقده مصداقيته، وضعفه عن مواجهة السوفيت، الذين كانوا يحتفظون بحجم كبير من القوات، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.

أولاً: تطوير الهيكل التنظيمي للحلف، لمواجهة المتغيرات الجديدة:
1. السكرتارية الدائمة للحلف: (أُنظر شكل السكرتارية العامة للحلف):
وُسّعَتْ السكرتارية الدائمة للحلف، لتشمل إدارات عديدة، حتى يمكنها مواجهة أي متغير جديد (هيئة الأركان الدوليةNATO International Staff “NIS” ). وأصبحت مهمتها، التحضير والتنظيم لأعمال مجلس الحلف، وقد أصبح لكل دولة عضو بالحلف، عضو بالسكرتارية الدائمة، وهؤلاء الأعضاء، موظفون مدنيون، ذو صفة دولية. وهم مسؤولون أمام السكرتير العام. بعضهم يلحق للعمل بالحلف فترات محدودة، إعارة من حكوماتهم، والبعض الآخر يعين مباشرة بواسطة الحلف، حسب مؤهلاتهم وتخصصاتهم، التي يحتاجها العمل:

السكرتارية العامة للحلف ( هيئة الأركان الدولية 1952

أ. السكرتير العام: “Secretary General”
(1) المسؤول عن إصدار القرارات، وتقديم المشورة، ويرأس مجلس شمال الأطلسي على مستوى المندوبين (السفراء)، ولجنة تخطيط الدفاع، ومجموعة التخطيط، وإدارة هيئة الأركان الدولية، وهو المتحدث باسم الحلف.
(2) يعين نائب للسكرتير العام “Deputy Secretary General”، ينوب عنه في حالة غيابه، ويرأس لجنة الحد من الأسلحة التقليدية، ولجنة الدفاع للناتو.
(3) يتبع السكرتير العام، مكتب سكرتارية يضم سكرتارية تنفيذية، وهيئة للصحافة، ومكتب الأمن، ومستشاراً للشؤون القانونية.
ب. الأقسام الخمسة المعاونة للسكرتير العام: (أُنظر شكل الأقسام المعاونة للسكرتير العام)

الأقسام المعاونة للسكرتارية العامة لحلف الناتو 1952

خمسة أقسام، يرأس كل منها نائب أو مساعد للسكرتير العام، يختص بمعالجة وتناول القضايا في مجال تخصصه وهي:
(1) قسم الشؤون السياسي:
ويتكون من ثلاث إدارات (سياسية، اقتصادية، إعلامية).
(2) قسم التخطيط، والسياسة الدفاعية:
ويتكون من إدارتين (إدارة تخطيط وسياسة القوات، إدارة التخطيط النووي).
(3) قسم الدعم الدفاعي:
وهو المسؤول عن بحوث التسليح والتطوير والإنتاج ويتكون من أربع إدارات (التسليح وبحوث الدفاع ـ قيادة ومراقبة واتصال ـ دفاع جوي ـ تخطيط التعاون وتوحيد المعايير).
(4) قسم البنية الأساسية والإدارية، والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية:
ويتكون من ثلاث إدارات (بنية أساسية ـ إمداد إداري ـ التخطيط لحالات الطوارئ المدنية).
(5) قسم الشؤون العلمية والبيئة:
وهذا القسم مسؤول عن تقديم المشورة في القضايا العلمية والتقنية وشؤون البيئة.

2. اللجان والمؤسسات المختلفة للحلف:
استمرت اللجان المنشأة في أعمالها، وكان معظمها قد أنشئ في المرحلة الأولى، بتوسع، لتشمل معظم الأنشطة المحتمل أن يعمل فيها الحلف، وكان أهمها:
أ. اللجان العليا للحلف:
وهي لجان متخصصة، مهمتها وضع إطار السياسات التي يقرها مجلس الحلف، ولجنة التخطيط الدفاعي، وعددها 19 لجنة رئيسية، ينبثق منها عدد كبير من اللجان الفرعية في كافة المجالات والأنشطة. وأهم تلك اللجان:
لجنة تخطيط الدفاع ـ مجموعة التخطيط الفوري ـ اللجنة السياسية ـ لجنة العمليات والتدريب.
ب. المؤسسات المدنية التابعة للحلف:
أنشأ الحلف، بناء على توصية لجانه العليا، عدة مؤسسات، ذات أنشطة مختلفة، تبعاً لحاجة الحلف، وهي مدنية الصبغة.

3. مؤتمر لشبونة (25 فبراير 1952):
كان على رأس الموضوعات التي بحثها مجلس الحلف في مؤتمر لشبونة، التقرير المقدم من لجنة الطوارئ، عن التحليل التفصيلي للقدرات الدفاعية لدول الحلف، وقد وافق المجلس على الهدف النهائي لحجم القوة المقترح بواسطة لجنة الطوارئ (TCC)، الذي يهدف إلى توفير”50 فرقة، 4000 طائرة قتال، قوات بحرية قوية” وذلك بنهاية عام 1952. وكانت لجنة الطوارئ قد قدرت، أن الفترة الانتقالية لذلك، تمتد حتى عام 1953-1954.

عقد اجتماع آخر لمجلس الحلف، على المستوى الوزاري في باريس في مايو 1952، حيث رحب المجلس فيه رسمياً بانضمام كل من اليونان وتركيا، اللتين قامتا بالتوقيع على اتفاقية الحلف ثم التصديق عليها.

4. إنشاء قيادات عسكرية للحلف جديدة:
شهد عام 1952 تطوير الهيكل العسكري للحلف، بإضافة قيادتين جديدتين، هما: قيادة التحالف في الأطلسي Allied Command Atlantic (ACLANT)، في نورفولك بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة في يناير 1952، وقيادة التحالف في القنال (الإنجليزي) Allied Command Channel (ACCHAN) “ببورت سموث” في المملكة المتحدة في 21 فبراير 1952.

في الاجتماع الوزاري الذي عقد في باريس من 15ـ 18 ديسمبر 1952، قدم السكرتير العام، أول تقرير له عن مدى التقدم في أعمال الناتو. وطالبه المجلس بمزيد من الدراسة الاقتصادية. كما قدمت اللجنة العسكرية كذلك، تقريراً عن مدى التقدم الذي تحقق، وخاصة في مجال التدريب، ومدى فاعلية القوات التي تحددت للقيادة العامة، وكذلك ما تم في مجال توحيد النظم والعقائد العسكرية لقوات الحلف. كان هذا الاجتماع، فرصة انتهزها المجلس ليتخذ أول قرار في موقف دولي، خارج حدود مسؤولية الحلف، حيث أعلن أن الحرب الدائرة في الهند الصينية، التي تواجهها فرنسا، يجب أن تقدم لها المعونة من دول الحلف.

أما الاجتماعين الوزاريين، اللذين عقدا في عام 1953، فقد اعتمد المجلس فيهما خططاً دفاعية بعيدة المدى، بالإضافة إلى عدد من الإجراءات لتحسين نوعية قوات الناتو، وهو ما دفع إلى عمل خطة للمشاركة في النفقات مدتها ” 3 ” سنوات، لمتطلبات البنية الأساسية للحلف.

ثانياً: المتغيرات المؤثرة على الحلف:
بعد أن توصل الحلف لأهمية انضمام ألمانيا الغربية إليه، وتسليحها، عمل على تنفيذ ما سبق إقراره بانضمامها، حتى يمكنه الاستفادة من المميزات التي تضيفها الدولة الألمانية على الحلف، من عمق دفاعي، وقوة مضافة، إضافة إلى حرمان الاتحاد السوفيتي من محاولة ضمها إليه تحت إغراء اتحاد شطري ألمانيا، وهي أحد المخاوف البعيدة، التي عان منها الحلف كثيراً، في تحسبه لكل الاحتمالات. كذلك كانت الأوضاع والمتغيرات في الجانب الآخر (الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية) موضع رقابة ونقاش في الحلف (وقد تضمنت الفترة من 1952 إلى 1956 عدة متغيرات في الجانب الشرقي).

1. انضمام ألمانيا الغربية للحلف:
كان الجهد الرئيسي للحلف خلال عام 1954، هو الانتهاء من انضمام ألمانيا الغربية للحلف، وقد تمت الموافقة على ذلك بالمؤتمر الذي عقد في لشبونة في 29 أغسطس 1954، غير أن فرنسا رفضت توسيع الحلف، واقترحت إقامة نظام دفاعي أوروبي، إلا أنه أمكن بعد جهود مضنيه وضغط أمريكي التوصل لحل بديل، ومن ثم عقد مؤتمر في لندن في 28 سبتمبر 1954، على مستوى وزراء الخارجية، حيث توصلوا لصياغة سلسلة من القرارات لكل ما يتعلق بقدرات الناتو، كما سجلوا وجهات نظر حكومات دول الحلف التي أشارت إلى أن: معاهدة حلف شمال الأطلسي يجب أن تعتبر مستديمة غير محدودة المدة.
وقع في باريس يوم 23 أكتوبر اتفاقية، ترحب بانضمام ألمانيا الغربية إلى الحلف، مع توقع عدم التوصل إلى اتفاقية قريبة مع الاتحاد السوفيتي، تتعلق بتسوية تهدف إلى سلام نهائي.

نظمت الاتفاقيات، العلاقات بين الدول الأعضاء في الناتو وبين ألمانيا الغربية، حيث أدمجتها في إطار التحالف الغربي، كما شملت كذلك ضمانات تتعلق بمستويات القوة والتسلح الأوروبي، وقد شملت اتفاقيات باريس عدة عناصر هامة، كان أبرزها:

أ. إنهاء الاحتلال الأمريكي/ البريطاني/ الفرنسي، لألمانيا الغربية، واعتبارها دولة ذات سيادة، ونقل مسؤولية القوات المحتلة بها لتكون في إطار اتفاقيات حلف الناتو. وإعادة تسليح ألمانيا الغربية، والسماح لها بتعبئة قوات في حدود نصف مليون جندي، وبناء 1350 طائرة، وبعض الوحدات البحرية الصغيرة، تحت قيادة حلف شمال الأطلسي، مقابل تعهد كونراد أديناور، المستشار الألماني، بعدم استخدام القوات الألمانية، التي سمح بتعبئتها، لتوحيد شطري ألمانيا بالقوة.
ب. موافقة كل من ألمانيا الغربية وإيطاليا على معاهدة بروكسل، وتحول الاتحاد الغربي ليكوّن اتحاد أوروبا الغربية (WEU)، وأصبح هناك تعاون وثيق بين اتحاد أوروبا الغربية وحلف الناتو.
ج. دعوة ألمانيا الغربية للانضمام إلى الناتو، لتساهم بجيشها الوطني في إيجاد توازن عسكري مع الشرق وانضمامها إلى اتحاد أوروبا الغربية كذلك.
د. موافقة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (والأخيرة بواسطة احتياطيات معينة في الظروف الاضطرارية، أو عند وجود مصاعب في التمويل) على توفير القوات اللازمة لأوروبا عند الضرورة، على أن يتم إنشاء تشكيل موحد يتبع القائد العام للتحالف في أوروبا، ويتمركز في نطاق مسؤولية قيادته.

أصبح انضمام ألمانيا الغربية إلى حلف الناتو ساري المفعول اعتباراً من 5 مايو 1955. وبعد يومين أدان الاتحاد السوفيتي الاتفاقيات، وفي 14 مايو 1955 أعلن إنشاء حلف وارسو، من دول أوروبا الشرقية التي تدور في فلكه، رداً على اتفاقيات باريس.
وفي اليوم التالي (15 مايو 1955) تم توقيع اتفاقية مع النمسا، والتي بموجبها تم إنهاء الاحتلال الرباعي لها (الولايات المتحدة/ الاتحاد السوفيتي/ بريطانيا/ فرنسا ). وقد قامت فرنسا بمحاولة لحل مشكلة انضمام ألمانيا للحلف، إذ دعت لعقد اجتماع في جنيف على مستوى رؤساء حكومات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي في المدة من 18 ـ 21 يوليه 1955، تم الإعداد له بواسطة وزراء الخارجية. غير أن الاجتماع فشل وانتهى دون التوصل لاتفاق، وكلف رؤساء الحكومات وزراء خارجيتهم بمواصلة دراسة المشكلات المثارة.

عقد مجلس الحلف (على المستوى الوزاري) لمناقشة مقترحات وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، قبل انعقاد مؤتمر جنيف مرة ثانية في 27 أكتوبر 1955. كان المقترح وضع مسألة توحيد ألمانيا ضمن جدول أعمال المباحثات، مع استمرارها ضمن التحالف الغربى، الأمر الذي رفضه الاتحاد السوفيتي، وبذلك لم يتوصل وزراء الخارجية إلى أية نتائج.
في الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف، في ديسمبر 1955 أعلن المجلس أن النتائج السلبية لاجتماعات جنيف، لم تنجح في التوصل إلى اتفاق بشأن توحيد ألمانيا، لذلك دعيّ المجلس إلى مشاورات أخرى، داخل الناتو، لمسألتي توحيد ألمانيا، وبرلين.

2. المتغيرات في الاتحاد السوفيتي:
أ. كانت أولى المتغيرات هي وفاة الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين، يوم 5 مارس 1953. وبدا وقتها أن القيادة الجديدة، يمكن التفاهم معها في نقاط الخلاف، حول السلام والأمن في أوروبا، ومستقبل ألمانيا، حيث كان الزعيم الجديد نيكيتا خروشوف Nikita Khrushchev ينتقد، في تصريحات غير معلنة، سياسة ستالين وأسلوب حكمه للبلاد.
ب. فجر السوفيت مباغتة هائلة بتوصلهم إلى القنبلة الهيدروجينية، والتي نجحوا في تجربتهم لها وأعلنوا ذلك، في 8 أغسطس 1953. وقد قوى ذلك من موقفهم إزاء حلف الأطلسي، إذ أصبحت القوة النووية، التي يعتمد الحلف على تفوقه فيها، في طريقها للتعادل، وقد يتفوق الروس فيها.
ج. ضم السوفيت قوات دول أوروبا الشرقية المسلحة، إلى قواتهم، في حلف وارسو، رداً على ضم حلف الناتو لألمانيا الغربية. وقد أعطى حلف وارسو مميزات عدة للاتحاد السوفيتي، فاقت ما حصل عليه حلف الناتو من انضمام ألمانيا الغربية، إذ أصبح للاتحاد السوفيتي عمق دفاعي على جبهة عريضة، كذلك أضاف إلى قوته الهائلة، عدة مئات الألوف من الأفراد العسكريين المدربين جيداً، ويوضع في الاعتبار، أن دول أوروبا الشرقية هي في معظمها دول صناعية، خاصة بولندا، وهو ما يضيف إلى الصناعات العسكرية السوفيتية قوة مضافة في الإنتاج العسكري.
د. رغم أن خروشوف كان ينتهج سياسة معتدلة، مقارنة بسلفه، إلا أنه لم يتردد في سحق تمرد في المجر بالقوة المسلحة في 4 نوفمبر 1956، ليحذر أي دولة في دائرة الشيوعية من محاولة الخروج عنها، كذلك تقرب إلى يوغسلافيا، محاولاً إعادتها إلى صفوف الشيوعية السوفيتية.

3. تأثير المتغيرات السوفيتية على حلف الناتو:
أدت تلك المتغيرات إلى عدم فاعلية استراتيجيات الحلف وسياساته، خاصة العسكرية منها، لذلك بدأ الحلف في حلقة أخرى من التطوير، إذ كان خروشوف قد اتجه إلى الدول الأفريقية والآسيوية، وأمريكا الجنوبية ليستميلها إلى الكتلة الشيوعية، وهو ما أشعر الحلف بخطر تلك السياسة، خاصة الولايات المتحدة، التي وجدت الأفكار الشيوعية تملأ فنائها الخلفي.

ثالثاً: تغيير الاتحاد السوفيتي لسياسته الخارجية (1956 ـ 1967):

1. التغيير في السياسة الخارجية للاتحاد السوفيتي:
أدت سياسة ستالين، بعد الحرب العالمية الثانية، إلى عزلة الاتحاد السوفيتي، والتي انعكس آثارها على تقلص النفوذ السوفيتي، في كثير من المناطق في أنحاء العالم. لذلك بدأ خلفاؤه، في تغيير تلك السياسة، عقب وفاته (5 مارس 1953)، وكانت أولى الخطوات توقيع معاهدة صداقة وتعاون متبادل، مع سبع دول أوروبية، شيوعية، وإنشاء قيادة عسكرية مشتركة، وهو ما عرف باسم حلف وارسو، حيث وقعت تلك المعاهدة، في العاصمة البولندية وارسو، في 14 مايو 1955. وتعهدت الصين الشعبية علناً بتضامنها وتأييدها الكاملين للمعاهدة وحلفها.

حاول الاتحاد السوفيتي كذلك، إقامة حاجز بينه وبين دول أوروبا الغربية، من الدول المحايدة، يمتد من الدول الإسكندنافية شمالاً وحتى اليابان جنوباً. كما انتهج إستراتيجية سياسية، سميت بسياسة التعايش السلميّ، والتي رحبت بها دول حلف الأطلسي، وأدت تلك الإستراتيجية السياسية، إلى انخفاض حدة التوتر بين الشرق والغرب نسبياً.

وضح أن الاتحاد السوفيتي، يسعى في سياسته الخارجية الجديدة، إلى منافسة الغرب في النفوذ السياسي والاقتصادي، في ثلاث مناطق، في آن واحد، لكسر طوق العزلة التي فرضها ستالين بسياسته “الستار الحديدي”، والتي ساعدت الأمريكيون على زيادة نفوذهم في الدول المحيطة بالاتحاد السوفيتي والدول الأوروبية، الشيوعية.

كان للاتحاد السوفيتي أهدافاً متشابهة في المناطق الثلاث، التي بدأ في توثيق العلاقات معه، ومنافسة النفوذ الغربي فيها وهي:

أ. أوروبا الغربية:
(1) التصدي للدعاية الغربية، في أوروبا الغربية، ومقاومتها، والعمل على نشر الأيديولوجية الشيوعية في دول أوروبا الغربية، استعداداً لبسط النفوذ السوفيتي عليها وتوحيد أوروبا شرقاً وغرباً، في إطار الشيوعية العالمية، وإبعاد الولايات المتحدة الأمريكية عنها.
(2) إنشاء قوة بحرية كبيرة، يمكنها تهديد مواصلات الغرب. وإيجاد قواعد بحرية وجوية، خارجية، تمكن الاتحاد السوفيتي من السيطرة الكاملة على أوروبا الغربية، والبحر المتوسط.
(3) الاقتراب من القواعد الأمريكية الخارجية، والأراضي الأمريكية والكندية كذلك، بإيجاد قواعد في الجزر الأطلسية، خاصة أيسلندا، التي تتحكم من موقعها في القطب الشمالي وكندا والولايات المتحدة الأمريكية.
(4) إنشاء قواعد للصواريخ الباليستية، قريبة من دول حلف الأطلسي، يمكن منها السيطرة على كل أراضي الحلف في أوروبا، وما خلفها كذلك.

ب. الشرق الأوسط:
(1) استغلال مساوئ الاستعمار البريطاني والفرنسي للمنطقة، لإقصائهما منها تماماً.
(2) منافسة الولايات المتحدة في الأسواق المحلية، ونشر المذهب الشيوعي في المنطقة.
(3) عزل أوروبا، عن أفريقية وآسيا، وفرض السيطرة السوفيتية على تلك المناطق مباشرة.
(4) الوصول إلى جنوب آسيا وشرق أفريقية، وتطويقهما، ومنع النفوذ الغربي من الوصول إليهما.
(5) حرمان الغرب من الحصول على النفط من الخليج العربي، للتأثير على نموه الاقتصادي، وإضعافه صناعياً.

ج. الشرق الأقصى:
(1) منافسة النفوذ الأمريكي في كوريا الجنوبية، وطرده منها، مثلما حدث في الصين.
(2) استعادة النفوذ الشيوعي في فرموزا ، وعودتها للصين.
(3) إلغاء السيطرة الغربية على اليابان.
(4) تطويق الهند، بنشر النفوذ الشيوعي في الدول المحيطة (الملايو، إندونيسيا).
(5) التعامل التجاري مع جنوب آسيا، والسيطرة على أسواقه واستقلال خاماته.
(6) بسط النفوذ، والسيادة، على المحيط الهادي والمحيط الهندي.

تعتبر تلك السياسة، سعياً مباشراً، لتحقيق الشيوعية العالمية، كما وردت في أقوال لينين، بالسيطرة على العالم، من خلال الاتجاه جنوب شرق، فجنوباً، ثم الشرق الأوسط، فالبحر المتوسط، فأوروبا، وبذلك تسيطر الشيوعية على العالم .

2. توسيع نشاط الحلف، وتنوع مجالاته، خارج النطاق الدفاعي والعسكري:
عقد في مايو 1956 اجتماع وزاري لمجلس الحلف، أشار في بيانه إلى ضرورة امتداد أنشطة الحلف إلى المجالات غير العسكرية، كما تشير إلى ذلك المادة الثانية من معاهدة التحالف. لذلك كونت لجنة ثلاثية، من ثلاث وزراء للخارجية (إيطاليا، النرويج، كندا) بهدف إعداد توصيات، بالأساليب التي تمكن المجلس من القيام بعمله على الوجه الأكمل في المجالات الغير عسكرية.
قدمت اللجنة الثلاثية تقريرها، في الاجتماع الوزاري الذي عقد في 13 ديسمبر 1956، وقد صدق المجلس على مقترحاتهم، واتفق على أن يقوم المندوبون الدائمون بإخطار مجلس الحلف عن أي تطورات مؤثرة على الحلف، حتى يمكن إجراء مشاورات فعالة للإجراءات الواجب إتباعها، على أن يقوم وزراء الخارجية، في ربيع كل عام، بتقييم مدى التقدم السياسي للتحالف، بناء على مراجعة يتم إعدادها، بواسطة السكرتير العام للحلف. وفي نفس الاجتماع، وافق المجلس كذلك على توجيه خاص، بالخطط العسكرية المستقبلية، التي أعدت بناء على المتابعة المستمرة لتطوير القدرات السوفيتية، في مقابل الأنواع المختلفة المتيسرة من الأسلحة الجديدة، للدفاع عن الحلف، وتأكيد اعتناق الحلف لاستراتيجية الدفاع المتقدم (Forward Defense).
على صعيد آخر، كان هناك حدثان هامان في نهاية عام 1956، فقد حشدت كل من بريطانيا وفرنسا قواتهما، وهاجمتا بالتعاون مع إسرائيل، الأراضي المصرية، في 29 أكتوبر 1956، إثر تأميم الرئيس المصري جمال عبدالناصر، لقناة السويس في 26 يوليه 1956، ولم تنجح القوات البريطانية الفرنسية في تحقيق مهامها العسكرية أو السياسية رغم احتلالها لمدينة بور سعيد المصرية، واحتلال إسرائيل لكل شبه جزيرة سيناء.

وفي المعسكر الآخر (الشيوعي)، ثار الشعب المجري على حكومته الشيوعية، واضطر الاتحاد السوفيتي للتدخل، تحت ستار حلف وارسو، لضرب الثورة وسحقها في 4 نوفمبر 1956. كانت تلك الأحداث، تؤكد أن المواجهة بين الحلفين اتخذت أبعاداً جديدة نتيجة لتغير السياسة السوفيتية الخارجية، وأن كل حلف يحاول استمرار سيطرته على مناطق نفوذه، مع خلخلة نفوذ الحلف الآخر في المناطق التي يسيطر عليها.

3. التصريح بالحصول على أسلحة نووية للدول الأوروبية الغربية:
كانت إحدى توصيات اللجنة الثلاثية، ضرورة عقد مجلس الحلف من وقت لآخر، في العواصم المختلفة لدول الحلف. لذلك عقد الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف في مايو 1957 “ببون”، حيث نوقشت سياسة الحلف الدفاعية، على ضوء الحملات السوفيتية، التي استهدفت احتواء الرأي العام في مختلف دول الحلف، وحثها على معارضة، سياسات تحديث قوات الحلف الدفاعية. واتفق المجلس، على أن الهدف الرئيسي للحملة، تأكيد أن الاتحاد السوفيتي هو القوة النووية الوحيدة، في القارة الأوروبية. ولمواجهة هذا التهديد، يجب على دول الحلف أن تكون في الوضع الذي يمكنها من مواجهة أي اعتداء عليها.

أعلنت اللجنة أنه لا توجد قوة يمكنها أن تعيق أو تمنع الحلفاء من حقهم في الحصول على الأسلحة التي يحتاجون إليها للدفاع عن أنفسهم، سواء كانت تقليدية أو نووية.

وكما أعلن المجلس، أنه مازال في حاجة مستمرة إلى درع قوى من القوات البرية والجوية والبحرية التقليدية لتوفير الحماية لدوله، وقرر الوزراء تكثيف جهودهم لتوحيد ألمانيا، من خلال انتخابات حرة، باعتبارها قضية ممتدة، بالإضافة إلى الوضع الشاذ لمدينة برلين التي تشكل تهديداً مستمراً للسلام العالمي.

4. لقاء رؤساء الحكومات:

أ. تقابل الرئيس الأمريكي أيزنهاور، في أكتوبر 1957، مع هارولد ماكميلان رئيس الوزراء البريطاني، لدراسة الإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة التهديدات السوفيتية، وقد دعي السكرتير العام للحلف للانضمام إليهما، في أحد مراحل مباحثاتهما، التي دارت في واشنطن. وفي نهاية الاجتماع، أصدر الرئيسان بياناً متعدد الأهداف:
(1) التأكيد على ضرورة أن تعتمد دول العالم الحر على نفسها، وأنه يجب العمل على زيادة التعاون فيما بينها.
(2) حشد الموارد من أجل توفير الأمن والرخاء.
(3) تقرر إظهار وحدة الحلف بعقد مجلس الحلف، للمرة الأولى، على مستوى رؤساء الدول.

ب. تنفيذاً لما جاء في البيان الأمريكي ـ البريطاني، وبمشاركة السكرتير العام للحزب، عقد رؤساء الحكومات لقاء في باريس في المدة من 16 ـ 19 ديسمبر 1957، لتأكيد المبادئ والأهداف التي قام عليها الحلف، والتي تهدف إلى المحافظة على الأمن والسلام لجميع الدول الأعضاء. والتي كان أهمها:
(1) في المجال العسكري:
(أ) أكد المجلس على ضرورة امتلاك الحلف لأقصى قوة دفاعية مؤثرة، مع الوضع في الاعتبار التطورات الأخيرة في الأسلحة وأساليب استخدامها.
(ب) من الضروري بناء مخزون من الرؤوس النووية، تكون جاهزة للدفاع عن الحلفاء، عند الحاجة.
(ج) من منظور السياسات السوفيتية في ميدان الأسلحة الجديدة، قرر المجلس كذلك وضع الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، في يد القائد العام للحلف في أوروبا، على أن يتم اتخاذ قرار نشر الأسلحة النووية في أماكنها، وعمل ترتيبات استخدامها من خلال اتفاقيات مع الدول المعنية مباشرة.

(2) وفي المجال السياسي:
اعترف رؤساء الحكومات بالحاجة إلى التشاور المكثف، وإلى تنسيق سياسي كبير، كما أعادوا تأكيد اتفاق وجهة نظرهم تجاه عدد من المسائل هي:
(أ) مشكلة إعادة توحيد ألمانيا، وتأمين وحرية المرور إلى برلين.
(ب) وفي مجال نزع التسلح أكدوا على الحاجة إلى سيطرة دولية كافية، حتى لا تنتشر مبيعات الأسلحة، عشوائياً لتشمل أسلحة متقدمة تقنياً.
(ج) الموافقة على تشكيل مجموعة فنية لتقديم المشورة في مشكلات نزع التسلح التي قد تنشأ نتيجة التقدم التكنولوجي.
(د) الإعلان عن الرغبة في تنمية أية مباحثات مع الاتحاد السوفيتي يمكن أن تقود إلى السيطرة على خفض التسلح إلى الحدود التي تفرضها العوامل الأمنية. وقد أعلنوا أنهم (أي رؤساء دول الحلف) مستعدين لمناقشة أي مقترح يقدم من أية جهة، وذلك فيما يتعلق بنزع التسلح الكلى أو الجزئي.

(3) الموضوعات العلمية والاقتصادية:
كان أحد أسباب اللقاء الأمريكي ـ البريطاني إطلاق الاتحاد السوفيتي لقمر صناعي، إلى الفضاء الخارجي “سبوتنيك Sputnik” في 4 أكتوبر 1957، متفوقاً على الغرب ومنافساً لها في مجال الاستطلاع والتجسس.
لذلك وضع في اللقاء الأمريكي ـ البريطاني الأسس التي يمكن أن تقود للتعاون في المجالين العلمي والتقني بين دول الحلف، على أن يعتمد ذلك، على مدى ما تبديه كل دولة من نشاط ومن تعاون بين العلماء، سواء داخل كل دولة أو بين دول الحلف.
أكد رؤساء الحكومات، رغبتهم في زيادة فاعلية الجهود الدولية، من خلال التبادل العلمي والمعلومات، ومن خلال المشاركة في ذلك. ولذلك فقد قرروا إنشاء لجنة علمية، يمكن لكل دول الناتو أن تشارك فيها بالخبراء المفوضين، في مجال السياسة العلمية. كما أوصوا بتعيين مستشار علمي للسكرتير العام للناتو.
وقد أكد رؤساء الحكومات الحاجة كذلك إلى مشاركة وثيقة بين دول الحلف وبين دول العالم الحر ككل. وأن على مجلس الحلف من وقت لآخر، على ضوء المادة الثانية من المعاهدة وبدون حدوث ازدواجية مع أجهزة الحلف الأخرى، أن يقوم بمراجعة الاتجاهات الاقتصادية وتقييم التقدم الاقتصادي وتقديم المقترحات لتحسينه.

رابعاً: المبادرة السوفيتية وتداعيات الوفاق بين الشرق والغرب:
1. المبادرة السوفيتية:

قبل أن يعقد الرؤساء اجتماعهم في ديسمبر 1958 بباريس، شن الاتحاد السوفيتي هجوم دبلوماسي، في شكل مبادرة، استمرت حتى بعد انعقاد المؤتمر. إذ أرسل سيل من الرسائل، إلى مختلف أعضاء الحكومات، كان أغلبها موقعاً من رئيس الوزراء السوفيتي بولجانين. أثارت هذه الرسائل عدداً من الموضوعات الحيوية للطرفين أهمها:
أ. الدعوة إلى عقد مؤتمر مشترك.
ب. إيقاف التجارب النووية.
ج. التخلي عن استخدم الأسلحة النووية.
د. إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في أوروبا.
هـ. التوقيع على معاهدة عدم اعتداء بين الكتلتين.
وكان هدف السوفيت من تلك الرسائل بذر الخلاف بين دول الحلف، حتى يمكنهم استغلالها بدفع دول الحلف إلى التفاوض المنفرد مع الاتحاد السوفيتي.

2. مدى الاستجابة الغربية:
توصل الحلفاء، للرد على هذا الهجوم الدبلوماسي، من خلال المشاورات السياسية، بالموافقة على مناقشة هذا الموضوع في مجلس الحلف، بدراسة خطابات الاتحاد السوفيتي، ومسودة الخطابات المعدة بواسطة كل دولة من دول الحلف للرد عليها، وبذلك نجح التحالف في إيجاد قاعدة موحدة لآرائهم، ويمكن الاعتماد عليها في المواقف المقبلة.
أدت القدرات العسكرية الجديدة، التي حققها الاتحاد السوفيتي، في كلا المجالين النووي والتقليدي، إلى البحث عن حل سلمي للموقف المتفجر، الذي شكله استمرار تقسيم ألمانيا، فبينما كان يتم متابعة خطط الدفاع بعيدة المدى، فإن دول الحلف، في الوقت نفسه، بذلوا جهوداً ملحوظة نحو تنظيم عقد مؤتمر لمناقشة تسوية أوروبية مع الاتحاد السوفيتي.

3. الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف في كوبنهاجن (15 ـ 17 أبريل 1958):
في ذلك الاجتماع، روجع التقرير السياسي الذي أعده السكرتير العام للحلف، طبقاً لتوصيات اللجنة الثلاثية، حيث قُيَّمَتْ هذه الوثيقة، التقدم الذي قام به الحلفاء، في مجال التعاون السياسي. وقد وافق المجلس على الفكرة المقترحة لعقد مؤتمر للتسوية الأوروبية، من منظور أن مثل هذا الاجتماع يجب أن يقدم الخطوط الرئيسية التي يمكن التوصل من خلالها إلى تسوية للمسائل الهامة، ومن ثم يجب أن يعد له ويعقد في نفس الظروف الملائمة.
أقر وزراء الخارجية بضرورة مناقشة مشكلتي إعادة توحيد ألمانيا، والسيطرة على نزع التسلح. وقد استعرض المجلس الرغبة في التفاوض بشأن نزع التسلح، باقتراح إجراءات جزئية، يمكن في وقت لاحق تطبيقها على نطاق أوسع. لتمنع الهجوم المباغت، أو للوقاية من الانفجارات الذرية، وهو ما يمكن أن يقود بعد ذلك، نحو وضع الأطر للتوصل إلى اتفاقية لنزع التسلح. ورغم أن المفاوضات لعقد المؤتمر استمرت خلال صيف 1958، إلا أن الاتحاد السوفيتي، فقد الدوافع لفكرة عقد المؤتمر، ففشلت الفكرة.
استمر مجلس الحلف في التشاور، في المسائل التي تتعلق بالعلاقات مع الاتحاد السوفيتي، والتي شملت إيقاف التجارب النووية، ومنع الهجوم المباغت.

4. إعلان برلين في ديسمبر 1958:
قام السكرتير العام للحلف بدور نشط، في جهود تسوية النزاعات بين الدول الأعضاء، وتوصل إلى حلول مقبولة لمشكلة أيسلندا، وكذلك مستقبل قبرص. وظلت مشكلتا مستقبل كل من ألمانيا وبرلين دون حل.
وفي 10 نوفمبر 1958 أعلن خروشوف، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي، عن رغبة الاتحاد السوفيتي في إنهاء الوضع الحالي لبرلين، وفي 27 نوفمبر 1958 أعادت الحكومة السوفيتية تأكيد هذا الموضوع، إذ أعلنت، أنها تقترح أن تنقل إلى السلطات في ألمانيا الشرقية خلال ستة أشهر، كل الصلاحيات التي تقوم بها الحكومة السوفيتية، في برلين الشرقية، طبقاً لاتفاقيات عام 1945، إضافة إلى السيطرة على الاتصالات (المرور) بين ألمانيا الغربية وبرلين.

عقد المجلس الوزاري للحلف، اجتماعه الدوري، في باريس، المدة من 16 ـ 18 ديسمبر 1958، حيث أعطى اهتماماً خاصاً لمشكلة برلين،على ضوء وجهات النظر التي عرضتها حكومات كل من الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا وكذلك ألمانيا الغربية، والتي ركزت في معظمها على:

أ. أن دول الناتو قد لا توافق على المقترح السوفيتي الخاص ببرلين، الذي يمكن أن يعرض للخطر حقوق الدول الغربية الثلاث (أمريكا، بريطانيا، فرنسا). لذلك يجب أن يظلوا في برلين حتى يمكنهم القيام بمسؤولياتهم خاصة ما يمكن أن يؤثر على انتظام الاتصالات بين برلين والعالم الحر. وقد أعلن المجلس أنها يمكن التوصل إلى تسوية بخصوص مشكلة برلين فقط في حالة الاتفاق مع الاتحاد السوفيتي على المشكلة الألمانية ككل.
ب. أعيد الإعلان عن استعداد القوى الغربية الدائم لمناقشة هذه المشكلة، بالإضافة لمسألتي الأمن الأوروبي ونزع التسلح.
ج. راجع المجلس التقرير الخاص بالتعاون السياسي بين الحلفاء والذي قدمه السكرتير العام للحلف، وأكد المجلس أن المشاورات يمكن أن تتقدم من خلال الدراسة المستمرة للمسائل السياسية بعيدة المدى.
د. بعد أسبوعين من مؤتمر باريس، الذي اتخذ وقفة حازمة في مواجهة التهديد السوفيتي الجديد لألمانيا، قامت الدول الغربية الثلاث (أمريكا، بريطانيا، فرنسا)، بإرسال ردود رسمية، على الملاحظات السوفيتية، في 27 ديسمبر 1958، أعادوا من خلالها تأكيد نواياهم لاستمرار قواتهم في برلين، ورفض القرار السوفيتي المعلن، بنقل المسؤوليات السوفيتية في برلين إلى نظام ألمانيا الشرقية بما فيها محاور الطرق من وإلى برلين. وبذلك فشلت الجهود السوفيتية، لزعزعة موقف دول الحلف.

5. الإعلان السوفيتي للوفاق:
خلال الشهور الثلاثة الأولى من عام 1959، شرع خروشوف في الانسحاب التدريجي من موقفه المتشدد السابق، وإعادة الوفاق بين الكتلتين على أساس التعاون السلمي في إطار استمرار الصراع بين النظامين الشيوعي والديمقراطي، ولكن بالوسائل السلمية، بدلاً من الصراع النووي. لتبدأ مرحلة جديدة من الوفاق.

6. احتمالات الوفاق:
درست الدول الغربية احتمالات التوصل إلى اتفاقية مع السوفيت في ظل سياسة الوفاق. وكانت الاتصالات قد استؤنفت في فبراير 1959 بين السوفيت والغرب، واتفقوا على عقد مؤتمر يحضره وزراء الخارجية الأربعة لبحث المشكلة الألمانية.
أ. الاجتماع السنوي العاشر للحلف من 2 ـ 4 أبريل 1959:
ركز التحضير لهذا المؤتمر على نقطة أساسية، إذ وضح أن وحدة العمل لدول الحلف، هي أفضل ضمان في المباحثات مع الحكومة السوفيتية لبحث الحلول المناسبة للمشكلات المعلقة بينهم.
ب. في الاجتماعين الوزاريين لمجلس الحلف في 15 ـ 22 ديسمبر 1959 شهد إنشاء قيادة جديدة للحلف في باريس. وفي 30 أبريل 1960، في إستانبول، وجه الوزراء اهتمامهم لمراجعة الموقف العام، للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، من خلال مشاورات مع حلفائهم. ورغم أن هذه المشاورات قد كشفت أن المواقف الغربية والسوفيتية بألمانيا مازالت بعدية عن التوصل لاتفاق عليها. إلا أن المناقشات التي تمت بين رؤساء الدولتين أيزنهاور، وخروشوف، في كامب ديفيد، فتحت الأبواب لمواصلة المفاوضات، على مستوى رؤساء الحكومات. وفي الإعلان الذي صدر عن اجتماعات إستانبول، أعاد المجلس تأكيد الموقف الغربي من مشكلتي ألمانيا (إعادة التوحيد، وحق تقرير المصير)، وأعلنوا كذلك، أن تحقيق نزع السلاح الشامل والكامل، يمكن أن يتم على مراحل، تحت السيطرة الدولية الفعالة.
ج. انهيار مؤتمر القمة:
في اليوم التالي لاجتماعات إستانبول (أول مايو 1960)، حدثت مفاجأة أدت إلى اختلال كل الموازين، فقد انهارت كل الترتيبات الخاصة بعقد مؤتمر للقمة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إذ أعلن خروشوف أن طائرة تجسس أمريكية تعمل على الارتفاعات العالية جداً، أسقطت داخل الأراضي السوفيتية ، وهى طائرة من نوع ى ـ 2 “U – 2”. وأعلن خروشوف تأجيله حضور قمة أمريكية ـ سوفيتية، لعدم رضاه عن الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأمريكي، لمواجهة الموقف الناتج عن إسقاط الطائرة الأمريكية .

7. مؤتمر القمة للدول الشيوعية ـ التعايش السلمي:
بعد أقل من أسبوعين وفي 27 يونيه 1960، تركت دول الكتلة الشرقية فجأة محادثات نزع التسلح في جنيف، بشكل مفاجئ وأعتبر أن ذلك سياسة سوفيتية جديدة متشددة.
وزاد الأمر تعقيداً، ما طرحه خروشوف عند حضوره اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر مايو، بربط إتمام مقابلة الرئيس الأمريكي، بضرورة أن تدين الولايات المتحدة عملية التجسس. وقد أعقب ذلك عقد مؤتمر في نوفمبر بموسكو ضم “81” حزباً شيوعياً من معظم دول العالم التي وافقت على وجهة نظر خروشوف فيما يتعلق بالتعايش السلمي.

8. تم عقد مؤتمر وزاري للحلف في مايو 1961، في أوسلو، لتداول الموقف، عبر فيه المجلس عن أسفه لعدم إحراز تقدم في مسألتي إعادة توحيد ألمانيا، ومباحثات نزع السلاح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وأعاد الاتحاد السوفيتي التهديد السابق إعلانه، بتوقيع اتفاقية سلام منفصلة مع ألمانيا الشرقية.

9. الإنذار السوفيتي النهائي بشأن برلين:
زار الرئيس الأمريكي جون كيندي “John F.Kennedy” مجلس الحلف بباريس في أول يونيه 1961، ثم تقابل مع خروشوف بفيينا يومي 2 ـ 3 يونيه 1961، في إطار إقامة علاقات ثنائية شخصية، وتبادل الآراء، ولم يكن متوقعاً من هذا اللقاء أن يخرج بنتائج فورية، في ظل الاختلافات الكبيرة بين وجهات نظر الشرق والغرب، خاصة ما يتعلق ببرلين. وقد أكد ذلك الإنذار الذي وجهه خروشوف في خطاب له بموسكو في 15 يونيه كإنذاراً نهائياً (مثل الإنذار السابق توجيهه للغرب في نوفمبر 1958)، بتوقيع اتفاقية سلام منفردة مع ألمانيا الشرقية، بنهاية عام 1961. وهو ما ينهي حقوق الغرب في الوصول إلى برلين. تصاعدت الأزمة بسرعة، وفي 8 يوليه أعلن خروشوف وقف خطة تخفيض قواته المسلحة، وقام بزيادة النفقات الدفاعية بمقدار الثلث.

المبحث الرابع :
توسيع حلف شمال الأطلسي (1994 ـ 1999)
أولاً: الشراكة من أجل السلام:

طرحت الفكرة من جانب الولايات المتحدة في الاجتماع الوزاري لدول الحلف عام 1993. ثم طرح الموضوع في اجتماع مجلس شمال الأطلسي ببروكسل في يناير 1994، كمبادرة من الحلف، في إطار السعي إلى تنمية الثقة ودعم جهود التعاون مع دول شرق أوروبا، من أجل تحقيق الأمن الأوروبي، استكمالا لقرارات قمتي لندن (مايو1990) وروما (نوفمبر 1991) اللتين بحثتا التكيف مع التحولات المترتبة على انتهاء الحرب الباردة، والتي تم في إطارها إنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي، باعتباره منتدى للحوار والتعاون، بين الحلف ودول شرق ووسط أوروبا، التي كانت تنتمي إلى الاتحاد السوفيتي (السابق).
أكد برنامج الشراكة على ضرورة تعميق التعاون الوظيفي بين الناتو والدول الأعضاء، كما حدد الدول التي يمكنها الالتحاق، به من دول مجلس تعاون شمال الأطلسي، وأعضاء مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.

وقد تحددت أهداف البرنامج كما يلي:
1. الوضوح في تخطيط الدفاع الوطني والميزانيات العسكرية.
2. تأكيد السيطرة المدنية على القوات المسلحة.
3. المساهمة في الأعمال التي تجرى بموافقة الأمم المتحدة، أو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
4. تطوير علاقات التعاون بين الدول المشاركة، وحلف شمال الأطلسي، بهدف التخطيط المشترك، والتدريبات الرامية إلى القيام بمهام حفظ السلام، والعمليات الإنسانية الأخرى التي يجرى الاتفاق عليها.
5. تطوير وتأهيل القوات على المدى البعيد، لتكون قادرة على العمل مع قوات الحلف.
6. التشاور مع الحلف، للمشاركة الفعالة لمواجهة التهديدات المباشرة، للوحدة الإقليمية، أو الاستقلال السياسي، أو الأمن الوطني لهذه الدول.

ولتحقيق هذه الأهداف، تم الاتفاق على أن يكون للشركاء، ممثلين لهم في مركز قيادة الحلف، لتكوين جهاز المشاركة والتعاون، للتنسيق مع القيادة العليا للقوات المتحالفة (SHAPE).
للانضمام لبرنامج الشراكة، كان على الدول الراغبة التوقيع على وثيقة تؤكد على:
1. التعهد بالحفاظ على المجتمعات الديموقراطية، ومبادئ القانون الدولي.
2. الوفاء بالالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
3. الامتناع عن استخدام القوة، أو التهديد باستخدامها، ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.
4. احترام الحدود القائمة، وحل المنازعات بالوسائل السلمية.
5. التعهد بالالتزام بإعلان هلسنكي الأخير، وكل وثائق مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
6. العمل على تنفيذ التعهدات والالتزامات، التي سبق التعهد بها في مجال ضبط ونزع التسلح.

بدأ الانضمام إلى البرنامج بتوقيع الوثيقة على أساس فردي وتقديمها إلى الحلف. على أن تحدد الدولة الراغبة في الالتحاق بالبرنامج، في هذه الوثيقة، مدى وحدود المشاركة في الأنشطة المختلفة، مثل التخطيط المشترك، التدريبات والمناورات. وحددت الوثيقة الخطوات التي تتخذ من قبل كل شريك لتحقيق أهداف المشاركة السياسية، وكذلك القواعد العسكرية، أو أي تسهيلات أخرى يمكن أن يوفرها الشركاء لأنشطة المشاركة المختلفة، بحيث تكون أساسا للبرنامج الثنائي للشراكة الذي تجرى الموافقة عليه بين الشريك والحلف. للقيام بالمهام الجديدة أنشئ العديد من اللجان، منها “لجنة التوجيه السياسي والعسكري ـ Political & Military Steering Committee ” كمنتدى للتشاور يعقد اجتماعاته برئاسة نائب الأمين العام للحلف، في أشكال مختلفة، تشمل اجتماعات الحلفاء مع الشركاء على أساس فردى لفحص واختبار البرامج الفردية للشراكة، والاجتماع مع أعضاء مجلس تعاون شمال الأطلسي والشراكة من أجل السلام، وأيضا لتحديد القضايا المشتركة. كما أُنشئت لجنة مشتركة لمتابعة انتشار الأسلحة، وتقديم تقارير إلى مجلس شمال الأطلسي. وبموجب هذا البرنامج وجهت الدعوة للدول الأعضاء لإرسال بعثات دائمة إلى الحلف، ووحدة تنسيق شراكة منفصلة في “مونز ـ Mons” ببلجيكا (بالقرب من القيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا). (أُنظر ملحق تكوين ومهام المجالس واللجان الرئيسية لحلف الناتو (1998))
تخضع وحدة تنسيق الشراكة، لسلطة مجلس شمال الأطلسي، وتعمل على تنسيق الأنشطة العسكرية، في إطار البرامج المتفق عليها، وتنفيذ التخطيط العسكري اللازم لتطبيق هذه البرامج. بنهاية عام 1995، وصل عدد دول برنامج المشاركة من أجل السلام إلى 27 دولة، ورغم أن الشراكة من أجل السلام، نشأت داخل إطار مجلس تعاون شمال الأطلسي، إلا أن العلاقة بينهما ظلت غير واضحة، وأدى بدء برنامج الشراكة، إلى تقلص الاهتمام بمجلس تعاون شمال الأطلسي، لاسيما بعد اعتبار الالتحاق بالشراكة ضرورة للحصول على عضوية الحلف. (أُنظر جدول الدول الأعضاء في برنامج الشراكة من أجل السلام)

المنطقة / الدولة تاريخ الانضمام إلى البرنامج المنطقة / الدولة تاريخ الانضمام إلى البرنامج
وسط أوروبا: القوقاز:
1. بولندا 2 فبراير 1994 [1] 21. جورجيا 23 مارس 1994
2. المجر 8 فبراير 1994 [2] 22. أذربيجان 4 مايو 1994
3. سلوفاكيا 9 فبراير 1994 23. أرمينيا 5 أكتوبر 1994
4. تشيكيا 10 فبراير 1994 [3] جنوب شرق أوروبا: وسط آسيا:
5. رومانيا 26 يناير 1994 24. تركمنستان 10 مايو 1994
6. بلغاريا 14 فبراير 1994 25. كازاخستان 27 مايو 1994
7. ألبانيا 23 فبراير 1994 26. قيرغيزستان أول يونيه 1994
8. سلوفينيا 30 مارس 1994 27. أوزبكستان 13 يوليه 1994
9. مالطا 26 أبريل 1995
10. مقدونيا 15 نوفمبر 1995
دول البلطيق
11. ليتوانيا 27 يناير 1994
12. استونيا 3 فبراير 1994
13. لاتفيا 14 فبراير 1994
شرق أوروبا
14. أوكرانيا 8 فبراير 1994
15. مولدوفيا 16 مارس 1994
16. روسيا 22 يونيه 1994
17. بيلا روسيا 11 يناير 1995
دول الاتحاد الأوروبي من غير الأعضاء في الحلف
18. السويد 8 مايو 1994
19. فنلندا 9 مايو 1994
20. النمسا 10 فبراير 1995
يركز اهتمام مجلس تعاون شمال الأطلسي على القضايا السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والبيئية، والمعلوماتية. بينما يركز برنامج الشراكة على القضايا الأمنية، والعسكرية، من تخطيط وتدريبات مشتركة، وعمليات حفظ السلام. واتجه الحلف إلى ضم بعض دول الشراكة على مراحل، كما أتفق على عدم ضم دول أخرى (روسيا). كما اتجه الحلف إلى زيادة فاعلية الشراكة مع تلك البلدان المشاركة، باستحداث هيكل إداري جديد، يحل محل مجلس تعاون شمال الأطلسي، وهو ما أطلق عليه “الشراكة زائد – PFP Plus “، بحيث يبدو الحلف مفتوحا بشكل رسمي ولكنه مغلق أمام هذه الدول بشكل واقعي.

(أُنظر جدول عضوية الدول في المنظمات والبرامج المختلفة)

م الدولة منظمة الأمن
والتعاون الناتو الاتحاد
الأوروبي اتحاد غرب
أوروبا الشركة من
أجل السلام
1 بلجيكا عضو عضو عضو عضو عضو
2 الدانمارك عضو عضو عضو مراقب عضو
3 فرنسا عضو عضو عضو عضو عضو
4 ألمانيا عضو عضو عضو عضو عضو
5 اليونان عضو عضو عضو عضو عضو
6 إيطاليا عضو عضو عضو عضو عضو
7 لوكسمبرج عضو عضو عضو عضو عضو
8 هولندا عضو عضو عضو عضو عضو
9 البرتغال عضو عضو عضو عضو عضو
10 أسبانيا عضو عضو عضو عضو عضو
11 المملكة المتحدة عضو عضو عضو عضو مشارك عضو
12 أيسلندا عضو عضو عضو مشارك عضو
13 النرويج عضو عضو عضو مشارك عضو
14 تركيا عضو عضو مراقب عضو
15 أيرلندا عضو عضو مراقب عضو
16 النمسا عضو عضو مراقب عضو
17 فنلندا عضو مراقب عضو
18 السويد عضو شريك منضم عضو
19 بلغاريا عضو شريك منضم عضو
20 تشيكيا عضو شريك منضم عضو
21 استونيا عضو شريك منضم عضو
22 المجر عضو شريك منضم عضو
23 لاتفيا عضو شريك منضم عضو
24 ليتوانيا عضو شريك منضم عضو
25 بولندا عضو شريك منضم عضو
26 رومانيا عضو شريك منضم عضو
27 سلوفاكيا عضو شريك منضم عضو
28 كندا عضو عضو عضو
29 الولايات المتحدة عضو عضو عضو
30 ألبانيا عضو عضو
31 أرمينيا عضو عضو
32 أذربيجان عضو عضو
33 بيلاروسيا عضو عضو
34 مقدونيا عضو عضو
35 جورجيا عضو عضو
36 كازاخستان عضو عضو
37 قيرغيزستان عضو عضو
38 مولدوفا عضو عضو
39 روسيا عضو عضو
40 سلوفينيا عضو عضو
41 تركمانستان عضو عضو
42 أوكرانيا عضو عضو
43 أوزبكستان عضو عضو
44 طاجيكستان عضو عضو
45 مالطا عضو
46 أندورا عضو
47 البوسنة والهرسك عضو
48 كرواتيا عضو
49 قبرص عضو
50 موناكو عضو
51 سان مارينو عضو
52 سويسرا عضو عضو
53 يوغسلافيا عضوية مجمدة

ثانياً: توسيع حلف الناتو:
بانتهاء الحرب الباردة، لم تعد الأسس الإستراتيجية التي قام عليها حلف الناتو، ذات فاعلية، بل انهارت بانهيار حلف وارسو، وتفكك الاتحاد السوفيتي. وكان من المفترض، طبقاً للمنطق، إعلان انتهاء حلف الناتو كذلك، باختفاء العدو الذي أنشئ لمواجهته، إلا أن دول الحلف، بزعامة الولايات المتحدة، رأت البقاء في الحلف، مع تغيير توجهاته الإستراتيجية، والاستناد إلى أسس جديدة، تستوجب استمرار الحلف، بل وتوسيعه كذلك.
ثار جدل واسع نحو تلك السياسة، بعد تلاشي التهديد الرئيسي، واختلفت وجهات النظر، والتي شملت ثلاث اتجاهات، بين مؤيد لحل حلف الناتو، أو مناصر لبقائه، أو مطالب بتأجيل كل ذلك لفترة، ولكل اتجاه حججه وأسانيده، التي يرتكز عليها، وهي:

1. أسانيد مؤيدي توسيع الحلف :
أ. أن يحقق الاستجابة لطلبات العضوية، التي تقدم بها عديد من دول وسط وشرق أوروبا، اتساع المنطقة التي يسيطر عليها الحلف.
ب. يدعم التوسيع، الأمن والسلام الدوليين، ويقلل من مخاطر نشوب الحرب في أوروبا، بتقويته لدعائم الاستقرار في دول وسط وشرق أوروبا. كما يتفادى نشوء فراغ أمني، أو حدوث صدام جديد بين الشرق والغرب، فضلاً عن منعه تغلب الطابع القومي، على الطابع الدولي.
ج. إمكان تقديم المساعدة، لدول شرق ووسط أوروبا، لتحقيق الإصلاحات الداخلية، في فترة التحول من الاتجاه الشمولي السابق، إلى الاتجاه الديمقراطي. وتحسين العلاقات بين تلك الدول، مما يقلل من خطر الصراع العسكري فيما بينها، كما يضمن العائد الاقتصادي لدول الناتو.
د. ازدياد فرص استمرار وفاعلية الحلف، وزيادة تأثيره على المستويين الاقتصادي والدولي كذلك.
هـ. استغلال فرصة انهيار الاتحاد السوفيتي، وانشغال روسيا الاتحادية، بأزماتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الطاحنة، لحرمانها من حلفائها التقليديين، مع ضمان إبعاد هذه الدول، عن الهيمنة الروسية بعد ذلك.

2. أسانيد المعارضون للتوسع في عضوية الحلف :
أ. لا يوجد تهديد حقيقي، من دول وسط وشرق أوروبا، يستوجب توسيع الحلف، والذي ستزيد أعباؤه الأمنية والدفاعية نتيجة التوسع، دون داع.
ب. قبول بعض الدول دون البعض الآخر، في عضوية الحلف، سيضعف التيارات الإصلاحية في هذه الدول، ويزيد من حدة التوتر في المنطقة، وربما يؤدي إلى ظهور تكتلات أخرى ضد الناتو والمصالح الغربية.
ج. اتجاه الناتو إلى تخفيض ميزانيته الدفاعية (1994) يتطلب عدم التوسع في الالتزامات الأمنية للحلف، بل يلزم خفضها.
د. قد يؤدي التوسع، إلى عدم التجانس والتماسك، وعدم القدرة على تحقيق الإجماع المطلوب داخل الحلف.
هـ. الوضع الاقتصادي لأوروبا الشرقية، متردي، ولا يسمح لها بمزيد من الأعباء، ومن المنتظر عدم وفائها بالالتزامات التي سيحددها الحلف لها، مما يزيد من العبء على دول غرب أوروبا، الغير مستعدة لتحمله.
و. سيؤدي استيعاب عدد كبير من الأعضاء الجدد، إلى فقدان الحلف لشخصيته المميزة (لم يقبل الحلف خلال أكثر من 46 عاماً، إلا أربعة أعضاء جدد فقط). إذ يتطلب ضم عدد كبير من الدول، في فترة وجيزة، إجراء تغيرات واسعة في الهيكل العسكري للحلف، وهو ما سيكون له آثار سلبية خطيرة.
ز. يجب أن يضع الحلف، في اعتباره، رفض روسيا ومعارضتها لضم حلفائها السابقين (التقليديين) إلى الحلف، وهو ما سيؤثر على تماسك الحلف ومصداقيته، إذ يؤدي إلى تنامي الحلف بصورة أكبر وأقوى، ربما تزيد من عزلة روسيا دولياً، وهو ما لن تقبله.

3. أسانيد المطالبون بتأجيل التوسع في عضوية الحلف :
أ. يحتاج حلف الناتو، لوقت أكبر، لحل أزمة يوغسلافيا، وضمان تحقيق الاستقرار في وسط أوروبا، قبل أن يوسع من عضويته، وللتأكد من صدق نوايا الدول الراغبة في الانضمام إليه.
ب. تحتاج سياسة التقارب والصداقة مع روسيا الاتحادية، إلى وقت أطول، لاختبار النوايا والتأكد منها، وللوقوف على توجهاتها المقبلة.
ج. يحتاج الحلف لمزيد من الدراسات والمناقشات، لذلك يحتاج إلى مزيد من الوقت، لاختيار وانتقاء الدول المرشحة للاشتراك في عضوية الحلف، وتحديد كيفية إجراء التوسيع.
د. معظم دول وسط وشرق أوروبا، مازالت في حالة عدم استقرار (1994)، وتحتاج إلى فترة زمنية أكبر، لتحقيق الاستقرار، وإعادة بناء هيكلها السياسي على أسس ديموقراطية.
على الجانب الآخر، كانت روسيا الاتحادية مصرة على عدم الانضمام إلى حلف الناتو، وإن كانت لا ترى مانعاً في التشاور معه، أو التعاون معه أحياناً، لأسباب عدة، أهمها:

1. لا ترغب روسيا، في أن تتساوى (من خلال العضوية بالحلف)، مع دول صغرى، أو متوسطة، كانت إلى عهد قريب، تحت قيادتها، وداخل دائرة نفوذها.
2. مازالت روسيا تمتلك قوة نووية ذات فاعلية، لذلك فهي لا تريد أن تصبح مجرد شريك، بل تطمع في الندية في التعامل، وعلى قدم المساواة مع الدول الكبرى بالحلف (الولايات المتحدة الأمريكية).
3. تأكيد المجموعات والتكتلات السياسية، داخل روسيا، وفي برلمانها، على ضرورة أن يحقق الانضمام للحلف، وضع متغير منفرد لروسيا، وأن أي تنازلات تعتبر خيانة وطنية كبرى.
4. يخشى القادة الروس، معاملة الدولة الروسية، كعضو مهزوم، أو خاضع، وهو أمر غير مقبول.
5. لا تثق القيادة السياسية الروسية، في مصداقية الدعوة للانضمام إلى حلف، كان خصماً بالأمس.

إضافة إلى ذلك، كانت القيادة الروسية الجديدة، قد حذرت حلف الناتو (24 سبتمبر 1995) من توسيع نطاقه حتى حدودها، لأن ذلك يتناقض مع منظومة الأمن الأوروبي، ويهدد المصالح الأمنية الروسية. لذلك أعلن الرئيس الروسي “بوريس يلتسين ـ Boris Yeltsin” في أول مايو 1995، مبادرة لإقامة منظمة أمنية جديدة، في قارة أوروبا، على غرار منظمة حلف الناتو، ينضم إليها الدول الأوروبية الشرقية وروسيا، بدلاً من توسيع الناتو، (والذي كانت ترفضه).
في نهاية عام 1994، تغلبت وجهة النظر المؤيدة لتوسيع الحلف، واتجه الحلف إلى تعظيم الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، بدلاً من مهمته السابقة، بمواجهة التهديد المباشر لأمن دوله (وكان مقدراً أن يكون من حلف وارسو). ويعني ذلك التغيير في توجهات الحلف، استمرار مهمته التقليدية (الدفاع الجماعي)، وإضافة مهام جديدة لها، مثل الحفاظ على السلام العالمي، ومواجهة الاضطرابات في كافة أنحاء أوروبا، وحولها كذلك ويشمل ذلك:

1. دعم عمليات التحول السياسي، والاقتصادي في دول المعسكر الشرقي سابقاً، لاحتواء أي تهديد يمكن أن تكون تلك المنطقة مصدراً له.
2. البحث عن صيغة للاتفاق مع بعض دول جنوب البحر المتوسط، لتوفير صبغة قانونية دولية، وتسهيلات للعمل السريع في مواجهة ما تراه دول الحلف تهديداً لأمنها الوطني من ذلك الاتجاه، وهو ما أدى إلى ظهور فكرة الشراكة بين الحلف وتلك الدول.
أقر مجلس حلف الناتو، في فبراير 1995، دعوة كل من مصر وموريتانيا والمغرب وتونس وإسرائيل، لبحث احتمالات مساهمتهم في الشراكة، بالاشتراك في حوار أمن البحر المتوسط. وكان هدف الحلف من ذلك، التعرف على وجهات نظر تلك الدول، واتجاهاتها نحو قضايا أمن البحر المتوسط، وحول جدول أعمال حلف الناتو بعد التجديد .
من وجهة أخرى، ففي نهاية عام 1995، قررت فرنسا، استئناف عضويتها الكاملة، في التنظيم العسكري للحلف، بعد أن قاطعت النشاط العسكري طوال 29 عاماً. وأعلنت كذلك موافقتها على توسيع الحلف، وضم دول جديدة له.
أتفق أعضاء الحلف، في ديسمبر 1994، على أن تجرى التوسعة فردياً، وأن يتمتع الأعضاء الجدد بالعضوية الكاملة، وكافة الحقوق للأعضاء القدامى، وعليهم كذلك نفس الالتزامات. وفي ديسمبر 1996، جاء في توصية وزارية، إلى رؤساء دول ووزارات الحلف، والذين اقترحوا عقد مؤتمر قمة في يوليه 1997 لوضع الأسس والخطوات لدعم الأمن الأوروبي/ الأطلسي، مع اقتراب القرن الحادي والعشرين.

ثالثاً: التحديات التي تستوجب توسيع حلف الناتو:

منذ انتهاء الحرب الباردة، ساد الاعتقاد بوجود فرصة حقيقية لتحسين البنية الأمنية في جميع أنحاء أوروبا والمحيط الأطلسي وأمريكا الشمالية، لرفع مستوى الاستقرار والأمن، لجميع الدول في المنطقة، دون العودة إلى تقسيمات ينتج عنها صراعات جديدة لفرض الأمن. كان هناك مجموعة جديدة من التحديات، تهدد الأمن الغربي آتية من الشرق، تشمل:

1. النزاعات الإقليمية:
مثل الحروب في يوغسلافيا (سابقاً). أو النزاع المتجدد بين القبارصة اليونانيين والأتراك. وهذه النزاعات قد تخرج عن سيطرة الدول الأوروبية، ويتم تدويلها فتشكل خطراً على الأمن الأمريكي والدولي. كما شعرت الولايات المتحدة بأن هناك دولا إسلامية مثل إيران تتدخل في هذه الصراعات (مثل البوسنة) بتقديم مساعدات مادية وعسكرية ومتطوعين، مما قد يؤدى إلى مضاعفات أمنية بعيدة المدى. كما أن قضية قبرص قد تتجه إلى الصراع العسكري، مما يهدد الحلف بمواجهة إقليمية بين دولتين من أعضاؤه، فقد تجر تركيا واليونان إلى التدخل مجدداً، وقد تتحول إلى صراع دولي، خاصة بعد أن عقدت موسكو صفقة مع نيقوسيا لبيعها الصواريخ أرض/جو وأرض/أرض والتي تهدد باختلال موازين القوى في الجزيرة. أي أن قضيتي البوسنة وقبرص، وكذلك ما يجرى في كوسوفا، قد تتحول إلى مواجهة بين العالمين المسيحي والإسلامي.

2. خطر قيام أنظمة معادية للديموقراطية وحقوق الإنسان:
يعتبر حلف الناتو تلك الأنظمة مهددة للسلام والأمن الأوروبي، ونظم الحياة في الغرب. حيث يخشى بعض صانعي القرار، في واشنطن وألمانيا، من أن ينحسر التيار الديموقراطي الروسي، بعد بوريس يلتسين. لذلك فإنهم يفضلون أن يحيطوا التجارب الديموقراطية الليبرالية الناشئة، في أوروبا الشرقية، بضمانات، بمد نطاق حلف الأطلسي إلى حدود روسيا الغربية.

3. تغير توجهات الحكم في روسيا:
قد يصل إلى السلطة نظام يعمل على إحياء الروح والمصالح الوطنية الروسية، مما سيهدد الأمن الأوروبي مرة أخرى.

4. ضعف سلطة موسكو على الأقاليم الروسية:
انتشرت الفوضى والجرائم، وساد مناخ عدم الاستقرار اجتماعياً واقتصادياً، في ظل ضعف السلطة المركزية الروسية، والضعف الذي أصاب الجيش الروسي، الذي عجز عن مواجهة ثوار الشيشان، مع تزايد نفوذ المافيا الروسية. ويثير ذلك الاحتمال المخاوف الكبيرة لدى الغرب، خاصة مع تملك روسيا 70% من القدرات النووية للاتحاد السوفيتي السابق.
أدت هذه التحديات، إلى تغيير نوع التهديد ومستوى الخطر، التي كان حلف الناتو يتحسب لها سابقاً، ويتطلب ذلك ضرورة إجراء تعديل، في وظيفة وإستراتيجية ودور ومهام حلف الناتو، بعد أن كانت مصادر التهديد محصورة في اتجاه واحد، ممثلا بالقوة السوفيتية، تعددت بعد انتهاء الحرب الباردة، لتشمل النزاعات والحروب المباغتة، متوسطة الشدة، كحرب الخليج وحرب البلقان مثلا، ولتشمل احتمالات تسرب القدرات النووية، إلى “دول غير مأمونة”، مثل إيران أو العراق أو غيرها من الدول (من وجهة نظر الحلف)، أو تشتت القوى النووية السوفيتية في بعض الجمهوريات السابقة، وكذلك التهديدات التي تحملها التيارات المتطرفة والأصولية. رغم تعدد التهديدات، فإنها أقل خطراً، بكثير، من التهديد السوفيتي السابق. وبذلك نجد أن فترة ما بعد الحرب الباردة اتسمت بمخاطر أقل ومستويات من عدم الاستقرار مرتفعة للغاية.

غيرت طبيعة التحديات من مهام الحلف كذلك، فظهرت مهام جديدة للحلف، غير عسكرية، مثل التدخل الإنساني لإيصال مساعدات غذائية وإغاثة أوروبية لمناطق النزاعات خارج الإطار الجغرافي لمنطقة الحلف، والمشاركة في حفظ وفرض السلم ومواجهة الأزمات الإقليمية في بعض مناطق المصالح الحيوية.

رابعاً: انعكاسات توسيع الحلف على علاقات روسيا الاتحادية بالحلف:
1. سياسات الحلف تجاه روسيا الاتحادية:
على الرغم من أن قادة الحلف أعلنوا أن أي عضو في الشراكة من أجل السلام، مرشح لعضوية الحلف، إلا أنه كان واضحا منذ البداية أن هناك إجماعا على استبعاد روسيا الاتحادية، وجرى ذلك تحت غطاء استيفاء الشروط المطلوبة لدخول الحلف. ونصح كيسنجر وبريزنسكى الإدارة الأمريكية باستبعاد روسيا، واستبدال ضمها بتوقيع اتفاق ثنائي بينها وبين الحلف. (أُنظر ملحق الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا الاتحادية (27 مايو 1997))

استند قادة الحلف في قرارهم بعدم ضم روسيا الاتحادية إلى الحلف المبررات التالية:
أ. أن روسيا دولة غير مستقرة ولا تنطبق عليها شروط الانضمام في المدى المنظور.
ب. أن روسيا الاتحادية دولة كبيرة، وضمها إلى الحلف يؤدى إلى تغييرات جوهرية ويمنحها حق “فيتو” على قرارات الحلف.
ج. إن ضم روسيا يعنى مد الضمانات الأمنية للحلف، وفق المادة الخامسة من اتفاقية واشنطن، إلى حدود الصين ومنغوليا.
د. ضم روسيا، يؤدى إلى فقدان الحلف لسمته الدفاعية، وتحويله إلى منظمة للأمن الجماعي على غرار الأمم المتحدة. وهو غاية ما تهدف إليه موسكو منذ المراحل الأولى لظهور الحلف، إذ أنها طلبت دخول الحلف عام 1954 ودعت إلى معاهدة للأمن الأوروبي ككل.

روسيا ليست دولة أوروبية خالصة لأن 75% من أراضيها في آسيا شرق الأورال ـ والمادة العاشرة من اتفاقية واشنطن حددت من يمكن دعوتهم في: “أي دولة أوروبية أخرى في وضع يدعم مبادئ المعاهدة وتسهم في أمن منطقة شمال الأطلسي”. وإن كان هذا المعيار الجغرافي مردود عليه بسابقة ضم تركيا عام 1952، والتي تقع نحو 90% من أراضيها في آسيا. كما أن الولايات المتحدة وكندا أعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وهما أبعد ما تكونا عن القارة الأوروبية.

وقع على وثيقة باريس التأسيسية، كثيرين، شملوا دول حلف الناتو الست عشرة وروسيا، ولكنهم انقسموا كما نصت الوثيقة في سطريها الأول والثاني إلى طرفين هما “منظمة حلف شمال الأطلسي وأعضاؤها من جهة والاتحاد الروسي من جهة أخرى”، وأوضح ذلك أن روسيا، برغم التغيرات الكبرى التي مرت بها، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، لم ترق بعد لتكون شريكاً أصيلاً في منظمة واحدة تضمها مع الدول الأوروبية الغربية، وإنما هي مجرد طرف أوروبي مختلف، يتوجب على هذه الدول التعامل معه ومشاركته من الخارج. وليس بإشراكه ضمن المؤسسة الجامعة لهذه الدول. ورغم أن اللائحة التأسيسية تشير إلى أن الناتو وروسيا لا يعتبران نفسيهما عدوين، بل شريكين في هدف واحد هو القضاء على بقايا المواجهات والمنافسات القديمة، إلا أنها تقف دون الإشارة إلى أن روسيا ودول الناتو قد انصهرت في منظومة أمنية عالمية جديدة تواكب التغيرات الكبرى التي شهدها العالم منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، فما يبدو من مقدمة الوثيقة هو أن التقارب الحادث بين روسيا والغرب لن يكون مرادفا لاندماجهما في كيان موحد. فالقوى السياسية الروسية من ناحيتها غير متفقة على أن روسيا دولة غربية قلبا وقالبا والغرب من ناحيته (الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي) يبدو أنه لا يرى في موسكو مكوناً عضوياً لازماً لاستمرار وتقوية منظومته المؤسسية.

فنتيجة الامتداد الجغرافي لروسيا فوق قارتين، أصبحت منقسمة، كما يظهر في مواقف نخبها السياسية والثقافية إلى تيارات مختلفة. وكان وزير الخارجية السابق أندريه كوزارييف، من الشخصيات العامة الروسية القليلة التي دافعت بقوة عن توسع الناتو شرقاً، بل واعتبر أن عدم توسع الناتو سوف يشجع العناصر القومية المتطرفة في روسيا، ويضر بالإصلاحات الديموقراطية، التي شهدتها روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. أما المجموعة الأخرى المعارضة فهي وإن لم تغفل أهمية العلاقات مع الغرب، فإنها تؤكد على ضرورة اهتمام روسيا بالجنوب والشرق بحكم امتدادها الجغرافي. وقد تصاعدت أصوات هذا التيار، للتشكيك في جدوى التقارب بين روسيا والناتو، وطالب بعض أنصار هذا التيار، إلى اتخاذ إجراءات عملية ضد عملية توسيع الناتو، والتأكيد على أن برامج روسيا الدفاعية لا يمكن أن تتدعم إلا بعلاقات وطيدة مع جمهوريات الكومنولث والكتلة الاشتراكية السابقة.

على الجانب الآخر، فإن الطريقة التي طرح بها مسؤولو الناتو، مسألة الاتساع شرقاً، تدل على أن روسيا أقرب إلى أن تكون أداة يستخدمها الناتو، لضمان أمن القارة الأوروبية، من أن تكون حليف أو شريك كامل العضوية في بنيان الناتو الجديد. أدى ذلك إلى فجوة بين الطرفين وصرح المسؤولون أن توسيع الناتو سوف يمضى قدما برغم كل اعتراضات روسيا، وأن الدول التي ستدعى للانضمام في صيف عام 1997 لن تكون الأخيرة، كما أنه لن يمنع أي اتفاق بين روسيا وحلف الناتو من دعوة دول البلطيق أو أية دولة أخرى للانضمام. كذلك استخدم خافيير سولانا سكرتير عام حلف الناتو تعبيرات مشابهة، عندما حث موسكو على الدخول في علاقة مع الناتو، أفضل لها من أن تقبع في عزلة. وضح أن الغرب كان على استعداد لصياغة اتفاق مع روسيا، لضمان عدم معارضتها لخطة توسيع الناتو، إلا أنه ليس على استعداد مماثل، لإشراكها في عضوية كاملة ضمن الشكل الجديد لحلف الناتو. فمن المنظور الأمريكي (كما وضح في مداولات قمة هلسنكي بين يلتسين وكلينتون في شهر مارس 1997) لا يجب أن يكون

لروسيا حقوق، وأن تحدد من يقبل أو لا يقبل في الحلف.
استمر الحفاظ على صيغة (16+1) التي تعني دول حلف الناتو الستة عشر مقابل روسيا الاتحادية منذ تأسيس مجلس تعاون شمال الأطلسي في ديسمبر 1991، بحيث ظهرت روسيا كضيف على دول الناتو دائماً. وقد طبقت هذه الصيغة في اجتماع وزراء دفاع دول الناتو، مع وزير الدفاع الروسي في مايو 1994، وعند توقيع وثيقة الشراكة من أجل السلام، في يونيه 1994، وعند قبول روسيا تطبيق برنامج الشراكة من أجل السلام، بين الناتو ودول أخرى في شرق ووسط أوروبا، وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق في مايو 1995، في لقاء مجلس تعاون شمال الأطلسي مع روسيا، وفي سبتمبر 1995 عند تداول روسيا مع دول الناتو بشأن الموقف في يوغسلافيا السابقة، وفي سبتمبر 1995 لمناقشة تنفيذ معاهدة القوات التقليدية في أوروبا، وفي أكتوبر من نفس العام عند مناقشة مجلس تعاون شمال الأطلسي مع روسيا بشأن تحقيق السلام في البوسنه، وفي نوفمبر من نفس العام عند لقاء بافيل جراتشيف وزير الدفاع الروسي الأسبق مع وزراء دفاع الناتو، وكذلك عند لقاء وزراء خارجية الناتو بوزير الخارجية الروسي في ديسمبر 1995، ثم في يونيه 1996.

كل مرة لم تكن روسيا، أو دول الناتو الست عشرة، على استعداد لاتخاذ خطوة جديدة، يتحول بموجبها حلف الناتو من صيغة (16+1)، إلى مؤسسة جديدة من سبع عشرة دولة كاملة العضوية. بل هي مشارك في أعمال الناتو فقط.

2. سياسة روسيا تجاه توسيع الحلف:
خلال العامين الأولين من حكم الرئيس يلتسين، وبالتحديد عامي 1992 و 1993، لم تثار قضية توسيع الحلف، لذلك لم ينظر إلى بقاء الحلف، على أنه يمثل مشكلة كبيرة للأمن الوطني الروسي، لاسيما وأن القيادة “الإصلاحية” الروسية كانت تركز على التخلص من بقايا النظام الشيوعي، وإدخال تغييرات جذرية على السياسة الخارجية الروسية، لبدء الاندماج في المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية. وكانت القيادة الروسية تتوقع حدوث تغيير داخلي في الحلف، بعد انتهاء المواجهة. وركز الروس على تدفق المساعدات الغربية لتحسين الاقتصاد الروسي، ومن ثم انضمت روسيا إلى مجلس تعاون شمال الأطلسي، واتجهت إلى تطوير ارتباطها بالحلف. وفي زيارة يلتسين إلى بولندا وتشيكيا، في 25-26 أغسطس عام 1993، حيث أعلن يلتسين عدم معارضته لدخول الدولتين حلف شمال الأطلسي. ففي بولندا أكد أنه “في العلاقات الجديدة بين روسيا وبولندا لا يوجد مكان للهيمنة ولا فلسفة الأخ الأكبر والأخ الأصغر”، ووافق يلتسين على دخول بولندا الحلف، وفي تشيكيا قال ” ليس لروسيا الحق في منع تشيكيا من الانضمام إلى أي منظمة”.

إلا أن ضعف المساعدات التي تدفقت من الغرب لروسيا، واستمرار التعامل معها باعتبارها لا تمثل “حليفاً كاملاً”، أدى إلى أن تراجع السياسة الروسية موقفها من الحلف وتوسعه شرقاً. وسرعان ما تغير الموقف الروسي، حيث أجمعت القوى المختلفة على أن توسيع الحلف، يمثل عملاً عدائياً ضد روسيا، ويهدف إلى وضع قوات الحلف على الحدود الروسية. وخلص مستشارو الرئيس الروسي يلتسين إلى التأكيد على أن توسيع الحلف يعنى عزل روسيا، وإغلاق الباب أمام اندماجها في أوروبا، وتأكيد الهيمنة الأمريكية على العالم، بعد الحرب الباردة. استمر يلتسين في محاولات التفاهم مع الولايات المتحدة، ودول أوروبا الغربية، للوصول إلى حلول وسط، في المواقف المختلفة، تجاه فكرة الشراكة من أجل السلام.

مع توجيه الحلف الضربات الجوية ضد صرب البوسنة، تردت العلاقة بين روسيا والحلف، واستقر الحل الوسط، عند توقيع اتفاق الشراكة في 22 يونيه عام 1994، مع بروتوكول خاص ملحق بالاتفاق، اعترف بمكانة روسيا الخاصة كقوة عظمى، وتلا ذلك، في أكتوبر عام 1994 توقيع اتفاق خاص، حول التعاون بين روسيا والحلف، أشار إلى تبادل المعلومات والمشاورات السياسية والتعاون في القضايا الأمنية.

أدت التفاعلات الداخلية في روسيا إلى تقوية نفوذ الجناح المحافظ، على نحو دفع الرئيس يلتسين، أن يعلن لأول مرة، معارضته الشديدة لتوسيع الحلف في قمة “مؤتمر التعاون في أوروبا”، في ديسمبر عام 1994 واتجه الحلف إلى توسيع عضويته، دون مبالاة باعتراضات روسيا، إذ تزامن ذلك مع اندلاع الحرب في الشيشان. وقد واصل الحلف إجراءات التوسيع، بصرف النظر عن الموقف الروسى، الأمر الذي دفع بالرئيس يلتسين إلى البحث عن اتفاق جديد مع الحلف، يقر بوضع خاص لروسيا، ويضع قيودا على التوسيع، بحيث لا يضم الحلف دول الاتحاد السوفيتي السابق، لاسيما دول البلطيق الثلاث وأوكرانيا، على هذا الأساس أعلنت الوثيقة التأسيسية Foundation Act بباريس، في 27 مايو عام 1997، بين روسيا والحلف.

خامساً: شروط الانضمام إلى الحلف:
أسفرت دراسات الحلف المستفيضة، حول أثر التغير في البيئة الأمنية، على العقيدة العسكرية وهيكل القوة في الحلف، عن تشكيل مجلس تعاون شمال الأطلسي، لتعزيز التعاون مع دول شرق ووسط أوروبا. ثم طرح برنامج الشراكة من أجل السلام، الذي أشار إلى إتاحة عضوية الحلف، لدول شرق أوروبا كذلك، وحددت وثيقة الشراكة من أجل السلام،

شروط الانضمام إلى الحلف وهى:
1. عضوية مجلس تعاون شمال الأطلسي، أو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
2. أن تكون الدولة راغبة، وقادرة، على المشاركة في البرنامج.
3. وجود مؤسسات ديموقراطية.
4. التعاون السياسي والعسكري.
5. الاستعداد للمشاركة في هيئات ومراكز الحلف، والقيادة العليا للقوات المتحالفة في أوروبا.
6. الاستعداد لتبادل المعلومات المتعلقة بالشؤون العسكرية.

لا تختلف الشروط التي أقرها الحلف كثيراً عن تلك التي صاغها قرار الكونجرس، حول توسيع الحلف، والتي شملت:
1. وجود مؤسسات ديموقراطية بالدولة والاحتكام إلى القانون.
2. السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية.
3. اقتصاد سوق حر.
4. حماية حقوق المواطنين.
5. احترام الوحدة الإقليمية للدول المجاورة.

كما أن تلك الشروط سبق أن قدمها مجلس النواب الأمريكي، في 4 يناير عام 1995، بعنوان “قانون إحياء الأمن القومي National Security Revitalization Act ” وأضاف إليها شروطا جديدة هي:
1. السيطرة المدنية على القوات المسلحة، والشرطة، وأجهزة الاستخبارات.
2. التمسك بالقيم والمبادئ، والتعهدات السياسية الواردة في اتفاق هلسنكي الأخير، وفي مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا.
3. التعهد بدعم مبادئ الحلف، والمساهمة في أمن منطقة شمال الأطلسي.
4. التعهد بالوفاء بالالتزامات، والمسؤوليات، والتكاليف، المترتبة على عضوية الحلف.
5. التعهد بتنفيذ تطوير البنية التحتية، التي تسهل المشاركة في دعم أنشطة الحلف.

تلاحظ أن الشروط الموضوعة بواسطة الحلف أو الكونجرس أو مجلس النواب الأمريكي، هي معايير شروط عامة يمكن استخدامها كمبرر لضم دول معينة، واستثناء أخرى، ورأي البعض أن وضع خطوط استرشادية عامة، يتطلب استيفاؤها تحولات حقيقية، أمر مختلف، مما يعنى أن المعايير التي وضعت، هي في الأساس لتبرير قرارات “سياسية”، بالضم أو الاستثناء.

سادساً: قرار توسيع الحلف:
في أعقاب اتفاق 27 مايو 1997 (الوثيقة التأسيسية)، اتخذ قادة دول وحكومات الحلف، في قمة مدريد (8 ـ 9 يوليه 1997) قرار بدعوة بولندا والمجر وتشيكيا، لبدء مفاوضات الانضمام إلى الحلف. رغم استمرار روسيا في معارضتها للتوسيع، ومطالبتها بما أسماه يلتسين في خطابه إلى الأمة، في 3 أكتوبر عام 1997، “أوروبا بلا أحلاف وبلا خطوط تقسيم” معلنا تطلع بلاده إلى قيام أوروبا كبرى بانضمام روسيا إليها، “مضيفاً” إن لتوحيد أنفسنا في أوروبا لا نحتاج إلى دعم من مكان آخر”.
وأثار أمر تحديد الدول التي تدعَي لعضوية الحلف مشكلات بين دول التحالف، حول ماهية المعايير التي يستند إليها، بعد التضارب في تحديدها. ولذلك شهدت القمة خلافات شديدة بين الموقف الأمريكي، الذي حدد هذه الدول في ثلاث: هي بولندا والمجر وتشيكيا، وبين الموقف الفرنسي، الذي دعمته كندا وسبع دول أوروبية أخرى، في مقدمتها ألمانيا وإيطاليا، بضرورة إضافة رومانيا وسلوفينيا للمرحلة الأولى، إلا أن الولايات المتحدة تمسكت بموقفها وفرضته على القمة.
جاء البيان الختامي للقمة، معبراً عن وجهة النظر الأمريكية، إذ دعا الدول الثلاث المحددة، من قبل الإدارة الأمريكية، لبدء مفاوضات الانضمام، مع الإشارة إلى أولوية رومانيا وسلوفينيا في الانضمام إلى الحلف في المراحل التالية، إرضاء للدول الأوروبية، دون أي التزام باستبعاد أي من الدول الأوروبية الأخرى (أوكرانيا ودول البلطيق تحديداً)، من احتمالات الانضمام إلى الحلف مستقبلاً، الأمر الذي يعنى ترك مساحة الصراع مع روسيا مفتوحة، بعد أقل من ثلاثة اشهر على توقيع الوثيقة التأسيسية في باريس، في 27 مايو عام 1997.

سابعاً: احتمالات ضم أوكرانيا ودول البلطيق:
كان الخلاف الرئيسي بين الأمريكيين والروس، حول توسيع الحلف، الموقف من أوكرانيا ودول البلطيق، إذ رفضت روسيا الاتحادية تماماً ضم أي من هذه الدول إلى الحلف، واعتبرت خطراً يمس أمنها الوطني. إلا أن الحلف رفض التدخل الروسي، حتى لا يبدو وكأنه خضع لضغوط روسيا، وحتى يوظف هذه القضية مستقبلاً إذا ما دعت الحاجة لمصلحته. وفضلت أوكرانيا من جانبها، علاقات متميزة مع الحلف، وهو نفس ما كان يتطلع إليه حلف الأطلسي كذلك. انعكست هذه الرغبة المشتركة، في اتفاق الشراكة الخاص، الذي وقعته أوكرانيا مع الحلف في 14 سبتمبر عام 1995، وأيضا في ميثاق التفاهم الذي جرى توقيعه في 9 يوليه عام 1997، والذي أكد على أن بقاء أوكرانيا دولة ديمقراطية مستقلة ومستقرة، يمثل عامل دعم للاستقرار في شرق ووسط أوروبا، وفي القارة الأوروبية ككل.
أثارت قضية ضم دول البلطيق الثلاث (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا) جدلاً شديداً بين روسيا والحلف. إذ كان الحلف يسعى إلى تأمين وتقوية استقلال هذه الدول، ودمجها في غرب أوروبا، لاسيما في ظل مخاوف قادة هذه الدول، من عودة الروح الإمبراطورية الروسية. لذلك كانت الدول الثلاث من أوائل الدول التي لحقت بالشراكة عام 1994، وعبرت عن رغبتها القوية في دخول الحلف. وعارضت روسيا انضمام هذه الدول إلى حلف شمال الأطلسي. واستعاض الحلف عن الضم الفوري لهذه البلدان، بدمجها في مؤسسات أوروبا الغربية، حيث وقعت في منتصف عام 1994، اتفاقات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، وأصبحت أعضاء مشاركة منذ منتصف عام 1995. لم يكن هناك تأييد سياسي قوي بين دول الحلف، لضم دول البلطيق، فيما عدا الدانمارك.

المبحث الخامس:
التجديد الشامل للحلف، والتعاون مع المنظمات الأوروبية (1990 ـ 1993)

برز تعبير النظام العالمي “الجديد” (New World order)بين المتخصصين في العلوم السياسية، وفي وسائل الإعلام الدولية، بعد أن أطلقه الرئيس الأمريكي ” جورج بوش” في أعقاب حرب تحرير الكويت (حرب الخليج الثانية 1991). ومع كثرة الحديث عن هذا النظام الجديد، فإن أحدا لم يستطع تحديد مكوناته ودعائمه حتى نهاية القرن العشرين، رغم مرور عقد كامل على ذلك التغيير. ربما كان ذلك لأن هذا النظام ظل في حاله من السيولة لم تستقر لفترة طويلة، لكثرة المتغيرات والتداعيات المؤثرة، إلا أنه هناك مؤشرات عامه تدل على أبرز التوجهات لهذا النظام الجديد.
أدى انهيار الكتلة الشرقية، وتفكك الاتحاد السوفيتي نفسه، واختفاؤه من المسرح السياسي ـ وقد سبقته النظم الشمولية في دول أوروبا الشرقية ـ إلى تصاعد الجدل بصورة لافتة، حول قضية المستقبل، لحركة النظام الدولي “الجديد”، نظراً للممارسات غير المنصفة، التي تميزت بالازدواجية في هذا النظام، الذي وصف بأنه أحادي القطبية، بمعنى انفراد الولايات المتحدة بقمته كقوة عظمى وحيدة.
أدت التحولات التي شهدها النظام الدولي، إلى تراجع مهمة “الدفاع الجماعي” للناتو ضد عدو أو أعداء محددين مسبقاً، في إطار مواجهة التهديدات التي أفرزتها البيئة الجديدة لما بعد الحرب الباردة. ورغم أن مهمة الدفاع الجماعي بقيت المهمة الرئيسية للحلف، وفق المادة الخامسة من اتفاقية واشنطن.
قد كشفت بيئة ما بعد الحرب الباردة كذلك عن بروز تهديدات للأمن الأوروبي/ الأطلسي، كما اعتبرها الحلف، من خارج المنطقة التقليدية المحددة لنشاطه، وفق المادة السادسة من اتفاقية واشنطن، وهي”أوروبا وشمال الأطلسي”. باتفاق أعضاء الحلف على استمراره، كان لابد من تعديل مهام الحلف، بما يتواءم مع المناخ الدولي ما بعد الحرب الباردة، خاصة بعد وقوع العديد من الأزمات، والحروب الأهلية، والصراع على السلطة، في بلدان شرق ووسط أوروبا، وأقاليم أخرى من العالم، والتي اعتبرت تهديدا للاستقرار في القارة الأوروبية، وللولايات المتحدة بشكل غير مباشر.
بدأت محاولات التواؤم، بعد اجتماع مجلس شمال الأطلسي في تيرنبري “Turnberry” باسكتلندا، في 7 ـ 8 يونيه عام 1990. حيث بدا واضحاً التحول في مهمة الحلف، من مواجهة تهديد مباشر من حلف وارسو، إلى تحقيق الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية، وهو ما غير مضمون التحالف من كونه أداة “للدفاع الجماعي”، إلى منظمة مشتركة تبحث عن توفير الحماية في مواجهة تهديدات غير محددة، تهدد بتقويض أمن الدول الحليفة. وإلى جانب استمرار المهمة الأساسية للحلف (الدفاع الجماعي)، برزت مهمة بناء هيكل جديد للاستقرار في كل أوروبا، وهو ما يتطلب دعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي، في دول شرق أوروبا (المعسكر الشرقي سابقا).
كان تقدير دول حلف الأطلسي، للتحديات الإستراتيجية الجديدة، التي ستواجههم، كما صاغوها في “رسالة تيرنبري Message From Turnberry”، هي تلك الأزمات والصراعات، التي ستنشب في مناطق الفراغ الأمني، الذي تخلف عن انهيار الاتحاد السوفيتي، في شرق ووسط أوروبا، والقوقاز ووسط آسيا، حيث يوجد حجم ضخم من القوات الروسية المسلحة، ومخزون كبير من الأسلحة النووية. كذلك منطقة شمال أفريقيا وجنوب وشرق البحر المتوسط، وجنوب غرب آسيا، وهي مناطق مهددة بصراعات وحروب أهلية وإقليمية ـ طبقاً لرؤية دول الحلف ـ ويؤثر ذلك على استقرار القارة الأوروبية، مشكلاً التهديد الجديد لدول الحلف.
الهيكل التنظيمي (المدني والعسكري) للحلف (حتى 1990)

أولاً: إعادة صياغة دور الحلف، وتنظيم هيكله ومؤسساته:
اتجه الحلف إلى استبدال مهمة مواجهة التهديد المباشر من حلف وارسو إلى مهمة دعم وتعظيم الأمن والاستقرار في القارة الأوروبية. وأدى هذا التحول إلى تغيير حتمي في مهام المنظمة بهدف توفير الحماية في مواجهة أشكال مختلفة من التهديدات غير المحددة.

فإلى جانب استمرار المهمة التقليدية للحلف (الدفاع الجماعي) برزت مهمة رئيسية هي الحفاظ على السلام ومواجهة الاضطرابات في كافة أنحاء القارة الأوروبية، وحولها أيضا، ويشمل ذلك:

1. دعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي في دول المعسكر الشرقي سابقا، لاحتواء التهديدات التي يمكن أن تظهر في هذه المنطقة، وهي العملية التي وصلت قمتها فيما بعد بضم عدد من دول شرق ووسط أوروبا للحلف.
2. البحث عن صيغة الاتفاق مع عدد من دول جنوب المتوسط لتوفر غطاء قانونيا دوليا وتسهيلات للعمل السريع في مواجهة ما تراه دول الحلف تهديدا لأمنها الوطني من هذا الاتجاه، وهو ما أدى إلى ظهور فكرة “الشراكة” بين الحلف وعدد من دول جنوب المتوسط.

حددت الدول الأعضاء بالحلف، الاتجاهات المحتمل تفجر الصراعات فيها، مما يؤثر على أمن دول الحلف في عدة اتجاهات، هي:
1- الاتجاه الشرقي:
منطقة عدم استقرار بين ألمانيا وروسيا، في شرق ووسط أوروبا.
2. الجنوب الشرقي:
منطقة القوقاز ووسط آسيا.

3. المحور الجنوبي:
مناطق شمال أفريقيا وجنوب وشرق البحر المتوسط، وجنوب غرب آسيا، وتحددت التهديدات التي قد تؤثر على استقرار القارة الأوروبية، بالصراعات العرقية، والحروب الإقليمية والأهلية، إضافة إلى العديد من أنماط المخاطر غير العسكرية المتصلة بالآثار الممتدة للعنف الداخلي، والهجرة غير الشرعية، وما إلى ذلك، وهو ما يخرج بالحلف عن نطاقه التقليدي المحدد في اتفاقية إنشاؤه.

ومن تلك النظرة كانت المشكلات الخاصة بالأسس الإستراتيجية ـ الدفاعية لتوسيع الحلف. فقد كانت الوظيفة الأساسية للحلف، هي احتواء الخطر السوفيتي على أوروبا، وهو ما كان يمثل مصدر تهديد عسكري خارجي، مباشراً وواضحاً، لأمن القارة، يتم التعامل معه من خلال “هيكل عسكري”، يستند على إستراتيجية دفاعية، مرتكزة على “الردع النووي”، في إطار القطبية الثنائية الأمريكية ـ السوفيتية. وأدى تفكك الاتحاد السوفيتي، إلى الإطاحة بالمفاهيم والضوابط والمؤسسات، التي حكمت الأوضاع الأمنية، طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بصورة جعلت من الصعب ارتكاز عملية إعادة التواؤم، على أسس دفاعية. فلم يعد ردع عدوان محتمل، يمثل أساساً متصوراً لبناء الأمن والدفاع الأوروبي، وحتى إذا كانت روسيا الاتحادية، نتيجة الأزمات الداخلية التي تعانى منها، يمكن أن تشكل تهديداً كامناً، فإن هذا التهديد لا يرقى للمستوى، الذي يبرر نفقات هذا الحلف الضخم. كما أن هذا التهديد ليس مباشراً، حيث من الممكن أن يمس الدول المجاورة لروسيا، وليس هيكل النظام الدفاعي الأوروبي (الناتو).
اختفي المفهوم التقليدي للتهديد، ببروز توجهات “التعايش الأمني”، وتقلص الأهمية التقليدية الدفاعية للحلف. لكن الأهم هو أن المهام الجديدة للحلف، استندت على مفاهيم جديدة، مبهمة، مثل “المخاطر” و “التحديات” و “عدم الاستقرار”، وارتبطت بصراعات قومية وإقليمية “منخفضة الشدة” وكذلك مشكلات غير عسكرية، حلت محل مفهوم التهديد، وفقدت المفاهيم المحددة للأمن والدفاع مضامينها، وأصبح هيكل الحلف العسكري ربما غير ملائم للتعامل معها.

وضح منذ العام 1991، أن المفاهيم الأمنية الجديدة للحلف تواجه أزمة، وخاصة:
أ. عمليات حفظ السلام خارج حدود الحلف. فتجربة الحلف في “البوسنة والهرسك”، تشير إلى أن تدخل قواته لم يؤد إلى حل المشكلة، وإنما إلى تجميد الأوضاع القائمة، في الوقت الذي ظلت احتمالات التدهور قائمة، في حالة سحب قوات الحلف خارج أراضى البوسنة، وهو ما تكرر مرة أخرى عند التدخل ضد الصرب لمصلحة كوسوفا.
ب. مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وهي المهام التي ترتبط بعمليات العنف المسلح والجرائم الخطرة (كتهريب المواد النووية)، وتنطوي على طبيعة مختلفة، قد تدفع إلى التحول لصيغة جديدة، قد يكون من الصعب التعامل معها بفعالية.
باختلاف أسس بقاء الحلف، اختلفت الأسس الأمنية ـ الدفاعية له كذلك، وكان من الضروري إعادة صياغة للحلف، وليس مجرد تطوير لمهامه فقط.

ثانياً: مهام الناتو في عصر الفوضى الدولية (قبل استقرار النظام الدولي الجديد):
حتى يمكن صياغة المهام، بعد التغيرات الجذرية في النظام العالمي، وتغير التهديدات كان لا بد من تحديد شكل وقوة التهديدات، والاتجاه المتوقع لها، وهو ما يعني ضرورة تحديد ودراسة الخصم. كانت رسالة تيرنبري (يوليه 1990) قد حددت ملامح عامة للتهديدات، والمواقع المحتملة لحدوثها، وشكلت مجموعة لمراجعة العقيدة العسكرية للحلف، بناء على ذلك التحديد، لذلك عكفت المجموعة على دراسة متأنية للوصول إلى طبيعة التهديدات، والإلمام بكافة المعلومات عنها.
أصدر قادة الحلف إعلان روما في 7 ـ 8 نوفمبر 1991 حول السلام والتعاون، وكانت المجموعة العسكرية قد أنهت أعمالها فيما كلفت به، وأكدت في تقريرها على اختلاف “طبيعة التحديات والمخاطر الأمنية” التي على الحلف أن يواجهها في المستقبل، عما كانت عليه في الماضي. وحددت الآتي: (أُنظر ملحق نص إعلان روما (الإستراتيجية الجديدة للحلف 1991))

1. لم يعد التهديد بهجوم شامل على كافة الجبهات قائماً، وهو ما يخفف من قوة التهديدات المستقبلية، ولم تعد تلك النقطة مثار تركيز في إستراتيجية الحلف.
2. من وجهة أخرى، لم يعد التهديد محصوراً في الهجمات من اتجاه واحد، كان مقدراً أن تكون من الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، بل أصبحت الهجمات ذات اتجاهات محتملة متعددة. يصعب التنبؤ بأيهما الأكثر توقعاً.
3. كذلك لم يعد التهديد محصوراً في عمل عسكري تقليدي، أو نووي، بل أصبح ذو أوجهه مختلفة يصعب تقييمها.
4. لم يعد من الممكن حدوث خطر مباغت، فقد أتاحت مساحة الدول التي خرجت من دائرة الاتحاد السوفيتي، والتقنية المتقدمة في أجهزة الحصول على المعلومات، مدة زمنية متسعة للإنذار، بالنسبة للحلف.
5. لم تعد المخاطر قاصرة بالعدوان على أراضي دول الحلف، بل من الممكن أن تكون نتيجة أوضاع داخلية متدهورة، اقتصادياً أو اجتماعياً أو سياسياً، أو صراع عرقي أو نزاع حدود، وهو ما كثر بعد انهيار الكتلة الشرقية في وسط وشرق أوروبا، ويمكن أن تهدد استقرار أوروبا بتطورات غير متوقعة، أو بتدخل خارجي، قد يكون طرفاً فيه أحد أعضاء الحلف.
6. مازالت روسيا الاتحادية، تمثل نفس الخطر الذي كان يمثله الاتحاد السوفيتي. فهي الأكبر قوة في أوروبا، تقليدياً ونووياً.
7. حساسية الموقف في الشرق الأوسط عامة، وجنوب البحر المتوسط خاصة. واستقرار الأمن في تلك المناطق، أمر ضروري لأمن أوروبا ـ على ضوء تجربة حربيّ الخليج الأولى والثانية، والحروب العربية الإسرائيلية الأخيرة ـ بسبب انتشار الأسلحة ذات التقنية المتقدمة في المنطقة، خاصة أسلحة الدمار الشامل، والصواريخ الباليستية، التي يزداد مداها وقدراتها ودقتها، يوماً بعد يوم، وأصبحت قادرة على الوصول إلى بعض دول الحلف.
8. يجب أن يوضع في الاعتبار أن أمن دول الحلف سوف يتأثر، نتيجة مواجهتهم لأي اعتداء (طبقاً للمادتين الخامسة والسادسة من معاهدة واشنطن)، نتيجة استخدام أسلحة وإجراءات ذات مجال واسع، مثل أسلحة الدمار الشامل، وحظر تصدير الموارد الأولية الحيوية، وعمليات الإرهاب والتخريب.

وضح من إعلان روما، أن العقيدة العسكرية الجديدة للحلف، ترتكز على مبادئ أربعة:
1. الاستمرار في مهمة “الدفاع الجماعي”.
2. المحافظة على وحدة الأمن للأعضاء، وزيادة مسؤولية الأعضاء الأوروبيين في الدفاع عن أنفسهم
3. استمرار الهيكل العسكري الموحد للحلف، وإعادة بناءه، ليعتمد أكثر على تعدد الجنسيات، وتكون قواته أكثر مرونة وخفة حركة، حتى يمكن المشاركة في المهام الخاصة، التي أبرزتها المتغيرات الجديدة (حفظ السلام، توفير الراحة، تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالقوة).
4. استمرار الاعتماد على كلا القوتين التقليدية والنووية، على أن يخفضا لأدنى حد ممكن، دون المساس بفاعليتها، لذلك يزداد الاعتماد على القوات الاحتياطية، مع تقليل حالات التأهب.
أدى هذا التصور، للمبادئ الرئيسية المكونة للعقيدة العسكرية الجديدة، إلى التسليم بانتهاء خطر هجوم واسع من الشرق، كما شاع دفء البيئة الأمنية الجديدة في أوروبا، والتي تحقق الاستقرار والرفاهية في شمال الأطلسي، وصلاحيتها كمناخ ملائم لتطوير العلاقات الدولية، التي تقوم على السلام. ونتيجة لذلك أقرت دول حلف الأطلسي، إنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي ـNorth Atlantic Cooperation Council، تحقيقاً لمبدأ التعاون مع دول حلف وارسو (السابق)، وقد انبثق عن تلك الخطوة فكرة الشراكة من أجل السلام، ومنها أمكن انضمام بعض دول حلف وارسو السابق، إلى حلف شمال الأطلسي.

ثالثاً: المفهوم الإستراتيجي الجديد للحلف:
رغم اتفاق دول الحلف على شكل وقوة واتجاه التهديدات، والتي وصفت بالعمومية في كل ما يتعلق بها، وصعوبة التنبؤ بها، فإن الاتفاق على المفهوم الإستراتيجي الجديد كان من الصعوبة، بحيث فشل الحلف في الاتفاق على مفهوم إستراتيجي موحد، إذ كان هناك رؤيتان مختلفتان، الأولى أوروبية تسعى إلى حلول ذات صبغة أوروبية جماعية، في إطار الدفاع الجماعي، والثانية أمريكية تسعى إلى الانفراد بالحل، فهي صاحبة القرار لتحريك آلة الحرب، واستخدام القوة العسكرية. كان المفهوم الأوروبي يركز على “أمن الأعضاء”، بينما كان المفهوم الأمريكي يركز على “المصالح الأمنية”.
كانت المناسبة تضيف قوة ضاغطة أثناء عمل مجلس الحلف، فهي قمة احتفالية لمرور خمسون عاماً على إنشاء الحلف، كما أنها قمة فاصلة بعد انهيار خصم لدود. لذلك كان لا بد التوصل إلى صيغة تتفق مع كل وجهات النظر، لذلك أكد البيان الختامي، مجدداً، على المبادئ العامة المتفق عليها، لمواصلة المهمة الرئيسية للحلف “الدفاع الجماعي” عن الدول الأعضاء، وتقوية علاقات الشراكة مع روسيا الاتحادية وأوكرانيا، والاستمرار في الحوار مع دول الشرق الأوسط، ودفع الجهود لمواجهة مخلفات الحرب الباردة، من انتشار أسلحة الدمار الشامل، ووسائل إيصالها. أما القضايا محل الخلاف، فقد صيغت في عبارات عامة، غير محددة.
أوضحت صياغة البيان الختامي لدورة الانعقاد الخمسين، اتجاهات الحلف الجديدة، فقد كانت التعديلات في المفهوم الإستراتيجي، تتمشى مع المنظور الأمريكي، أكثر من مواءمتها للمنظور الأوروبي، والذي كانت فرنسا وألمانيا تتمسكان به، وقد أوضح التعديل المدخل على المفهوم الإستراتيجي، المهام المستقبلية للحلف كذلك، وفي فقرة واحدة، جاء المعنى كله، ووضحت ملامح التغيير للمفهوم الإستراتيجي للحلف.
أما الفقرة فقد جاء فيها: “يتعرض أمن الحلف لمخاطر عسكرية وغير عسكرية كثيرة التنوع، تأتي من اتجاهات عديدة، وغالباً ما يصعب توقعها. وتتضمن هذه المخاطر، عدم الاستقرار واحتمال نشوء أزمات إقليمية قابلة للتطور السريع في المناطق المحيطة بدول الحلف. ويمكن أن تواجه المصالح الأمنية للحلفاء مخاطر ذات طابع أكثر عمومية، تنجم عن الإرهاب والتخريب والجريمة المنظمة وانقطاع وصول الموارد الحيوية”.

أما التغيير فكان في المفهوم التالي:
1. اعتبار صيغة “المصالح الأمنية” هي أساس عمل الحلف، بدلاً من صيغة “أمن الدول الأعضاء”. ويعني ذلك، تغلب وجهة النظر الأمريكية أولاً، كما أن تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء حلف وارسو، وسعيّ روسيا الاتحادية ودول أوروبا الشرقية للاندماج مع أوروبا الغربية، ينهي فكرة تهديد الأمن، ويصبح تعبير المصالح الأمنية، بعموميته، أصلح للتعبير عن جوهر وظيفة الدفاع المطلوبة في البيئة الجديدة، فهو يستوعب المتغيرات التي تستجد، حسب رؤية صاحب القرار، ويكون التأثير على المصالح الأمنية للدول الأعضاء هو أساس الدفاع.
2. يحدد المفهوم الجديد، التهديدات الجديدة، للمصالح الأمنية، لدول الحلف في:
أ. انتشار أسلحة الدمار الشامل.
ب. الإرهاب الدولي.
ج. انقطاع وصول الموارد الحيوية.
د. نشوء أزمات إقليمية قابلة للتطور السريع في المناطق المحيطة بدول الحلف.
هـ. انتهاك حقوق الإنسان.
و. التهديد باستخدام القوة المسلحة أو قيام دولة ما باستخدامها فعلاً ضد أراضي أي دولة أخرى.

3. يبدأ الحلف مرحلة جديدة في تاريخه، يكون له فيها المبادرة بشن الهجوم، ضد الطرف (أو الأطراف) الذي ترى القيادة السياسية للحلف خطورته على مصالح دول الحلف.

رابعاً: التجديد في البنيان العسكري:
الحلف في تنظيمه، تدريجياً، خلال السنوات التي تلت انهيار الكتلة الشرقية، ليكيف أجهزته بما يتلاءم مع المتغيرات الجديدة. وكان التغيير الأكبر في الهيكل العسكري للحلف. (أُنظر شكل الهيكل التنظيمي للحلف حتى 1992) و(شكل هيئة أركان الحلف الدولية) و(شكل أقسام هيئة الأركان الدولية) و(شكل اللجان الرئيسية للمجلس) و(شكل الهيكل التنظيمي العسكري 1992) و(شكل هيئة الأركان العسكرية للحلف 1992) و(ملحق القيادة العسكرية والقوات لحلف الناتو (التقليدية والنووية)).
الهيكل التنظيمي العسكري للناتو1992

هيئة الأركان العسكرية الدولية للحلف:
أصبحت السمة الجديدة للقوات المسلحة بالحلف، هو الاعتماد على الجنسيات المتعددة، وقد أقر رؤساء الدول والحكومات الأوروبية ذلك الاتجاه، في اجتماعهم في روما (7 ـ 8 نوفمبر 1991)، وأصبحت الظاهرة الرئيسية، لتطور قوات الحلف.
منذ الخمسينيات، كانت القوات المتحالفة في وسط أوروبا (AFCENT) مكونة من ثمانية فيالق، من دول مختلفة، كل فيلق ذو جنسية واحدة. وشكلت جيوش ميدانية من تلك الفيالق، روعيّ أن تكون ثنائية الجنسية. تشكلت مجموعة جيوش الشمال من 4 فيالق من دول بلجيكا والمملكة المتحدة وهولندا وألمانيا الغربية (كل فيلقين في جيش)، ومجموعة الجيوش المركزية من 4 فيالق كذلك، من دول الولايات المتحدة (فيلقان) وألمانيا الغربية (فيلقان). لذلك كان كل فيلق، يختلف عن نظيره من الجنسيات الأخرى، في التشكيل والتنظيم، وعدد الأسلحة، ونوع المركبات، وحجم قواته، وأسلوب إعاشته، وأسلوب تدريبه، وأسلوب قتاله كذلك. ولم يشكل ذلك انخفاضاً للكفاءة القتالية، إذ كان كل فيلق، يتولى توفير احتياجاته الإدارية والفنية، من دولته، لذلك أمكن لقيادة قوات التحالف في وسط أوروبا الاحتفاظ بكفاءة قواتها القتالية، عالية.
بتغير طبيعة التهديد، قل الاعتماد على نشر قوات كبيرة الحجم في مسارح العمليات لوسط أوروبا، في الخطوط الأمامية. واستبدل ذلك الأسلوب استخدام قوات سريعة الحركة (قوات الرد السريع)، وانخفضت أعداد القوات في وسط أوروبا من 28 فرقة إلى 16 فرقة، مشكلة في سبعة فيالق بالاعتماد على الفيالق المتعددة الجنسيات، على أن تكون العناصر الأساسية لقيادة الفيلق من دولة واحدة، هي نفسها دولة قائد الفيلق. (أُنظر شكل تنظيم التحالف بوسط أوروبا)
أقترح وزراء دفاع دول حلف الناتو، في اجتماعهم في 28 ـ 29 مايو 1991 إنشاء قوة تدخل سريع، يمكنها التعامل مع الأخطار التي قد يواجهها الحلف، سواء من جانب دول أوروبا الشرقية، أو من الشرق الأوسط. وفي 7 ـ 8 نوفمبر 1991، وافق رؤساء الدول والحكومات على المقترح. كان المقترح يحدد تشكيل الفيلق (فيلق الرد السريعARRC ) من أربع فرق، اثنان بريطانية الجنسية، وواحدة متعددة الجنسيات من وسط أوروبا، والأخيرة متعددة الجنسيات من جنوب أوروبا، وتشكل القيادة من المملكة المتحدة (القوة الأكبر في التشكيل) وتوفر الولايات المتحدة المساندة الجوية في منطقة التدخل التي يكلف الفيلق بالعمل فيها (أُنظر شكل تنظيم التحالف بوسط أوروبا)
قيادة التحالف في أوروبا:

خامساً: العلاقات مع المنظمات الأوروبية الأخرى:

1. العلاقة مع اتحاد أوروبا الغربيةW.E.U:
كانت قمة “ماستريخت (9 – 10 ديسمبر 1991) Maastricht European Council”، ميلاداً جديداً لاتحاد أوروبا الغربية، إذ تحدد فيها العلاقة القانونية بين الاتحاد الأوروبي، واتحاد أوروبا الغربية، وحلف شمال الأطلسي. وصدر في نهاية اجتماع المجلس الأوروبي إعلاناً يحدد:
أ. دور الاتحاد، وعلاقاته مع الاتحاد الأوروبي، حيث وافقت دول الاتحاد الأوروبي على إسناد مهمة الدفاع والأمن، لاتحاد أوروبا الغربية.
ب. تطوير العلاقة مع منظمة حلف شمال الأطلسي، ليعتبر اتحاد أوروبا الغربية الإطار الدفاعي لأوروبا، في حالة انتهاء حلف الأطلسي وحله.
ج. نقل مقر الاتحاد من بروكسل إلى لندن.
د. ضرورة دعم الجهاز التنفيذي للاتحاد، وإنشاء وحدة تخطيط وتجهيز وحدات عسكرية، داخل كل دولة، تخصص لتنفيذ مهام الاتحاد.
على الجانب الآخر، رحب مجلس شمال الأطلسي في الاجتماع الوزاري، الذي عقد في ديسمبر 1994، بهذا الإعلان، ودعا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، للانضمام إلى اتحاد أوروبا الغربية، الذي تقرر فيه توسيع الاتحاد، حيث التحقت كل من أيسلندا والنرويج وتركيا ” كأعضاء مشاركينAssociated Members”، وحصلت اليونان على العضوية الكاملة ـ أما الدانمارك وأيسلندا فقد انضمتا بصفة مراقبين “Observers “، وقد انضمت إليه بعد ذلك عام 1995 كل من فنلندا والسويد والنمسا بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. أما دول أوروبا الشرقية فقد سمح لها بالانضمام بصفة ” شريك منضمAssociate Partner”
عقد أول اجتماع رسمي ببروكسل بمقر الحلف، لاتحاد أوروبا الغربية مع مجلس الحلف، في مايو 1995 من أجل مناقشة العلاقة، وإنشاء الروابط المؤسسية بينهما. ترتب علي ذلك الحضور المنتظم لسكرتير عام اتحاد أوروبا الغربية، للاجتماعات الوزارية لمجلس الحلف، وبالمثل يحضر كذلك سكرتير عام الحلف، الاجتماعات الوزارية لاتحاد أوروبا الغربية.
كانت قمة رؤساء دول وحكومات الحلف، ببروكسل، في يناير 1994، نقطة تحول هامة على طريق الاتفاق الأمريكي الأوروبي، لتنشيط دور اتحاد أوروبا الغربية وزيادة فاعليته، واعتباره المكون الأوروبي للحلف، وقد جاء بإعلان الحلف في تلك القمة:
أهمية بلورة منظور دفاعي أوروبي، يتلاءم مع الحلف، ويمكن الأعضاء الأوروبيين من تحمل مزيد من المسؤوليات تجاه أمنهم. والتأكيد على استعداد الحلف لوضع بنيته الأساسية تحت تصرف اتحاد أوروبا الغربية، وبصفة خاصة “قوة العمل المشتركة المجمعة ـCombined & Joint Task Force (CJTF) ” التي يتم تشكيلها، لتكون مستعدة للاستخدام من قبل كل من اتحاد أوروبا الغربية والحلف.
جدد بيان قمة الحلف، بمدريد، في يوليه 1997، تأييده لتطوير الهوية الأمنية الدفاعية الأوروبية داخل الحلف، وتنفيذ مفهوم ” قوة العمل المشتركة المجمعة ـCJTF “. وقد شارك الاتحاد عملياً بفاعلية في أحداث البوسنة، إذ أشترك مع الحلف في الحظر البحري في الإدرياتيك (العملية Sharp Guard)، كما شارك في قوة البوليس التي تتولى إدارة مدينة موستار “Mostar” جنوب البوسنة والهرسك.
الدول الأعضاء
تاريخ الانضمام الدولة الانتساب ملاحظات
4 أبريل 1949
بلجيكا
دولة مؤسسة
4 أبريل 1949
كندا
دولة مؤسسة
4 أبريل 1949
الدنمارك
دولة مؤسسة
4 أبريل 1949
فرنسا
دولة مؤسسة سحبت فرنسا قيادتها العسكرية سنة 1966، منذ ذلك العام حتى عام 1993 كانت منفردة عن البنية السياسية لحلف الناتو. وقد قرر الرئيس الفرنسي ساركوزي عام 2009 عودة فرنسا لقيادة حلف الناتو عسكرياً بعد انقطاع 43 عام.
4 أبريل 1949
آيسلندا
دولة مؤسسة لم تكن لآيسلندا قوة عسكرية قائمة، فقد بقيت بعض القوات الأمريكية بشكل طارئ هناك (سُحبت هذه القوات عام 2006)، أرسل الدفاع البحري الأيسلندي في الآونة الأخيرة بعض القوات المدربة في النرويج إلى حلف الناتو
4 أبريل 1949
إيطاليا
دولة مؤسسة
4 أبريل 1949
لوكسمبورغ
دولة مؤسسة
4 أبريل 1949
هولندا
دولة مؤسسة
4 أبريل 1949
النرويج
دولة مؤسسة
4 أبريل 1949
البرتغال
دولة مؤسسة
4 أبريل 1949
المملكة المتحدة
دولة مؤسسة
4 أبريل 1949
الولايات المتحدة
دولة مؤسسة
18 فبراير 1952
اليونان
الأولى سحبت اليونان قواتها من حلف الناتو من عام 1974 حتى عام 1980 بسبب التوترات اليونانية التركية
18 فبراير 1952
تركيا
دولة مؤسسة
9 مايو 1955
ألمانيا
الثانية في ذلك الوقت (أي عام 1955) التحقت ألمانيا بحلف الناتو تحت اسم ألمانيا الغربية، وبعد اتحاد ألمانيا الغربية والشرقية معاً (عام 1990)، بقيت ألمانيا مع حلف الناتو تحت اسمها الحالي
30 مايو 1982
إسبانيا
الثالثة
12 مارس 1999
التشيك
الرابعة
12 مارس 1999
المجر
الرابعة
12 مارس 1999
بولندا
الرابعة
29 مارس 2004
بلغاريا
الخامسة
29 مارس 2004
إستونيا
الخامسة
29 مارس 2004
لاتفيا
الخامسة
29 مارس 2004
ليتوانيا
الخامسة
29 مارس 2004
رومانيا
الخامسة
29 مارس 2004
سلوفاكيا
الخامسة
29 مارس 2004
سلوفينيا
الخامسة
1 أبريل 2009
ألبانيا
السادسة
1 أبريل 2009
كرواتيا
السادسة

2. العلاقة مع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي OSCE:
جاء إعلان هلسنكي عام 1975 ليعلن قيام المنظمة، بعضوية 35 دولة، والتي هدفت إلى:
أ. المساواة في السيادة، والاحترام المتبادل للحقوق السيادية لكل دولة.
ب. الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.
ج. احترام الحدود الدولية.
د. حل المنازعات بالوسائل السلمية.
صدر في عام 1995 “ميثاق باريس لأوروبا الموحدة”. ووافقت الدول الأعضاء في المنظمة على إنشاء العديد من الأجهزة، التي تدير نشاط المنظمة، وتحولت بذلك من مؤتمر للتشاور بين الدول الأوروبية، إلى كيان مؤسسي. توسعت عضوية المنظمة في السنوات الأخيرة من القرن العشرين لتصل عضوية المنظمة إلى 54 دولة أوروبية، ومراقبين هما: اليابان وكوريا الجنوبية، وخمس دول متوسطية غير أعضاء هي: مصر ـ تونس ـ الجزائر ـ المغرب ـ موريتانيا.

أتفق على أن يتشاور الحلف، ويتعاون كذلك، مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مجالات:
أ. معالجة الأزمات في أوروبا الشرقية، ودول الكومنولث المستقلة، والبلقان.
ب. إرساء أسس ومبادئ الأمن والاستقرار في أوروبا.
ج. إمكان مشاركة الناتو (كمنظمة ذات هيكل وبناء عسكري) في عمليات حفظ السلام، لتعزيز مهام منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
تقدم منظمة الأمن والتعاون، المعونة الاقتصادية والمشورة الفنية، لدول شرق أوروبا، بهدف تضييق الفجوة التقنية، ودفع عجلة التقدم والتنمية، لتلك الدول، لاحتوائها وربطها بغرب أوروبا.
ظلت مشكلة تحديد وتنسيق العلاقة بين المنظمات الثلاث وهي: الحلف واتحاد غرب أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، مسألة غير محسومة، نتج عنها خلافات في الرؤية، بين حدود المهام والصلاحيات لكل منهم، وقد أدارت كل منظمة، عملية التطوير وفقاً لرؤيتها الخاصة، ولما كانت مهامها متشابهة إلى حد كبير، فيما يتصل بالحفاظ على الاستقرار الأوروبي، ويمكن من خلالها دعم عمليات التحول في شرق ووسط أوروبا، فقد وضح أن هناك تضارب وتناقض أحياناً.

3. مجلس تعاون شمال الأطلسي:
جاء إنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي في 20 ديسمبر 1991، كخطوة لإيجاد علاقة رسمية بين الحلف ودول شرق ووسط أوروبا، وبدا التوجه خلال قمة لندن في 6 يوليه عام 1990 بدعوة حكومات الاتحاد السوفيتي وتشيكوسلوفاكيا، والمجر وبولندا وبلغاريا ورومانيا، لإقامة علاقات دبلوماسية منتظمة مع الحلف. وفي باريس، في 19 نوفمبر من نفس العام، وقع الحلفاء مع هذه الدول إعلاناً مشتركاً، أكد على أنهم لم يعودوا يعتبرون بعضهم البعض كأعداء. وبحث في اجتماع وزراء خارجية دول الحلف بكوبنهاجن (6 ـ 7 يونيه 1991)، قضايا تطوير العلاقات مع دول الشرق . وعندما اجتمع رؤساء دول وحكومات أعضاء الحلف بروما (7 ـ 8 نوفمبر 1991) “عرضوا إقامة روابط رسمية، مع دول شرق أوروبا، التي كانت أعضاء في حلف وارسو سابقاً. واقترحوا إقامة مجلس تعاون يضم في عضويته 25 دولة هي كل الدول الأعضاء في حلف الناتو (16 دولة)، إضافة إلى الدول التي كانت أعضاء في حلف وارسو (6 دول)، ودول جمهوريات البلطيق الثلاث، تحت مسمىّ “مجلس تعاون شمال الأطلسي”. وأتفق على استمرار إجراء اجتماعات واتصالات دورية مع مجلس شمال الأطلسي، واللجنة ا لعسكرية للحلف، ولجان أخرى في الحلف، حيث هدفت دول الحلف من ذلك خلق شبكة من العلاقات، تمكنها من دعم جهود التحول في الشرق، وحفظ الأمن والاستقرار في أوروبا، عبر العمل تحت مظلة مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي.
كانت صيغة مجلس تعاون شمال الأطلسي North Atlantic Cooperation Council NACC هي الصيغة التي جرى استحداثها لتجرى تحت مظلتها هذه الاتصالات، وقد عقد المجلس اجتماعه التأسيسي في 20 ديسمبر عام 1991 بمشاركة 25 دولة. بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، توسعت عضوية المجلس لتشمل: 8 دول من الاتحاد السوفيتي السابق. وكذلك انضمت جورجيا وألبانيا في اجتماع 5 يونيه 1992. بأوسلو، وشاركت فنلندا بصفة مراقب. كما اتفق على أن يعقد المجلس اجتماعاً سنوياً دورياً، واجتماعات أخرى كلما دعت الحاجة، وقد تركز نشاط المجلس، في القضايا السياسية والأمنية، التي رأت دول الحلف أنها ضرورية لحفظ الأمن والاستقرار في أوروبا،

ودعم عمليات التحول في دول شرق ووسط أوروبا، والتي شملت:
أ. هياكل القوة والقيادة.
ب. المفاهيم الديموقراطية للعلاقات المدنية والعسكرية.
ج. التنسيق المدني/ العسكري لإدارة النقل الجوي.
د. تحويل الإنتاج العسكري للأغراض المدنية.
هـ. المشاركة في مهام حفظ السلام.

سادساً: الدور الأمريكي في مرحلة التجديد:
عبر الرئيس الأمريكي جورج بوش، عن الدور الذي يتوقع أن تقوم به بلاده، في تلك المرحلة بقوله، أن هناك حاجة لاستمرار الولايات المتحدة في الاحتفاظ بدور رئيسي أمني في أوروبا. وأن الوجود الأمريكي القوي في أوروبا لن يعطل طموحات التكامل الأوروبي، بل أن بلاده تؤيد ذلك التكامل إلى حد إقامة اتحاد سياسي والوصول إلى هوية دفاعية أوروبية.
كذلك تمسك الرئيس بوش باستمرار حلف شمال الأطلسي، ولا بديل لذلك، ومن خلاله سيستمر إسهام الولايات المتحدة في الدفاع (وغيره من المجالات) في أوروبا، وحتى بعد التوصل إلى ترتيبات مستقبلية، وإقامة اتحاد أوروبي.
كانت النظرة الأمريكية للتعاون والتقارب في الجانب الأوروبي لشمال الأطلسي، لا تعني انتهاء الدور الأمريكي بالقارة الأمريكية، وإنما يمكن أن يتم التعاون والتقارب بالتوازي مع تطوير حلف الناتو، ليتعاونا معاً في مواجهة التحديات المستقبلية، والتي لم يفصح عنها أحد في تلك الآونة.
كان الأوروبيون يشعرون بحاجتهم لوجود القوات الأمريكية، على قارتهم. فبعد 40 عاماً من انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان في أوروبا أكثر من 300 ألف جندي أمريكي، وعدة آلاف من الدبابات والطائرات الأحدث في العالم. كما كانت قوة الردع للحلف تعتمد على الصواريخ المتوسطة المدى الأمريكية، المقامة في قواعد في أنحاء أوروبا الغربية. بل أن ذلك الواقع انعكس على اهتمام دول غرب أوروبا بتحديث قواتهم البرية سلباً، وهو ما يعني استمرارهم في الاعتماد على القوة النووية الأمريكية في أوروبا.

سابعاً: تأثير المشكلات المعاصرة على الحلف:
1. الحلف وحرب الخليج الثانية:
نَبّه الغزو العراقي للكويت (2 أغسطس 1990) الولايات المتحدة ودول الحلف الأخرى، للأخطار التي يمكن أن تمثل تهديدات جديدة لمصالحهم خارج النطاق الجغرافي لعمل حلف الأطلسي في أوروبا الغربية، وكان ذلك بداية التفكير في ضرورة توسيع نطاق عمل الحلف.
رغم اتفاق دول الحلف على إدانة العدوان العراقي، إلا أنهم اختلفوا في كيفية التعامل مع الأزمة. كان الحدث خارج نطاق عمل الحلف، ولكنه يمس مصلحة حيوية لدوله، ويتطلب تدخل لحماية تلك المصلحة.
طالب الجميع بسرعة سحب القوات العراقية الغازية من الكويت. عدا بريطانيا التي تطابق موقفها مع الولايات المتحدة، الذي ينادى بالعمل العسكري ضد العراق. حرصت دول الحلف الأوروبية (فرنسا – إيطاليا ـ ألمانيا) على تجنب الخيار العسكري، (وهو ما أكده قرار البرلمان الأوروبي برفض العمل العسكري وضرورة إتاحة الفرصة أمام العقوبات الاقتصادية، التي اتخذتها الأمم المتحدة). غير أن بريطانيا والولايات المتحدة طالبوا باستخدام القوة لإجبار القوات العراقية على الانسحاب وتوقيع عقاب صارم وقاسي عليها، لإرهاب دول المنطقة والعالم، والتنبيه لرد الفعل الذي سيلاقونه في ظل النظام الجديد الذي بدأت تظهر بوادره.
انضم عدد من دول حلف الأطلسي للمشاركة في العمل العسكري تحت مظلة الأمم المتحدة، بينما اكتفي البعض الآخر بمساعدات، اختلفت كذلك، ما بين مساندة كاملة بالقوات، أو دعم بمعدات أو وحدات غير مقاتلة (طبية أو إدارية أو فنية)، أو مشاركة في التكلفة، أو اكتفاء ببيان. وقد وضح من ذلك اختلاف وجهات نظر دول الحلف، واتجاه بعضها للعمل خارج الحلف، بينما ساندت دول أخرى، الدول المشاركة من الحلف في العمل العسكري، في إطار ميثاق الحلف. ففرنسا وألمانيا، على سبيل المثال، من منظور مصلحتيهما الكبيرة في العراق، حاولتا تجنب اللجوء للخيار العسكري في البداية، وتمسكت ألمانيا بنصوص دستورها، الذي يحظر إرسال قوات ألمانية للقتال في الخارج، إلا في إطار معاهدة حلف الأطلسي، لذلك زادت مشاركتها في تكاليف الحشد العسكري. وأرسلت ألمانيا وبلجيكا طائرات إلى تركيا، دفاعاً عنها، واشترطت عدم مشاركة طائراتهما في العمليات الهجومية، وذلك في إطار مبدأ الدفاع الجماعي بموجب معاهدة الحلف، أما فرنسا فبالرغم من مواقفها المبدئية في معارضة العمل العسكري، إلا أنها لحقت بالركب خشية تهميشها، وأرسلت هي وبريطانيا وإيطاليا قوات برية وجوية وبحرية إلى الخليج للمشاركة في الحرب، ورغم اشتراط فرنسا عدم مشاركة قواتها في مهاجمة العراق، إلا أنها سرعان ما نحت هذا الشرط جانباً.
شارك العديد من دول الحلف بشكل أو آخر في العمل ضد العراق، إلا أن ذلك لم يكن تحت مظلة الحلف، وإنما بشكل فردي، طبقاً للظروف الذاتية لكل دولة، عدا ألمانيا وبلجيكا اللتين شاركتا في الدفاع عن تركيا في إطار الحلف.

المبحث السادس:
مبررات استمرار الحلف :

في أعقاب سقوط حلف وارسو في أول يوليه 1991، ثم تفكك الاتحاد السوفيتي، الذي أعلن في ألما آتا “Alma Ata” في 21 ديسمبر من نفس العام، برز العديد من التساؤلات، حول مستقبل حلف شمال الأطلسي بعد اختفاء مصدر التهديد الذي نشأ الحلف وتطور لمواجهته. وقد برز تيار، ينبع من المدرسة الواقعية، رأى أن السقوط هو المآل الطبيعي للحلف، بعد تلاشي مصادر التهديد الأساسية وذلك من منظور نظرية توازن القوة. غير أن تياراً أخر يرى من منظور توازن التهديد، أن تفكك الحلف لا يعد أمراً حتمياً، ومن ثم فانه يمكنه أن يتعزز ويقوى ويستمر لفترات طويلة قادمة، إذا ما تم وضع تصور جديد لمصادر تهديد جديدة يمكن من خلالها تطوير المفهوم الإستراتيجي للحلف.
كثرت الدراسات، للبحث عن التهديدات الجديدة، التي يمكن أن تشكل مبررات لاستمرار الحلف، مع ما يعنيه ذلك ضمناً، من استمرار القيادة الأمريكية للحلف، واستمرار القيادة الأمريكية، لمنظومة الدول المنتصرة في الحرب الباردة، استمراراً لدورها في قيادة المعسكر الغربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (عصر الحرب الباردة)، لان هذا الدور سيفقد الكثير من مقوماته إذا ما ضعف أو تفكك حلف الأطلسي من هنا كانت إرادة الحلفاء في استمرار الحلف، ومن ثم استمر الناتو وبدا في تطوير عضويته وآلياته حتى يتمشى مع المتغيرات الإقليمية والدولية..

أولاً: دوافع استمرار الحلف:
كان من المنطقي أن يؤدى تفكك الاتحاد السوفيتي، وحل حلف “وارسو” لنفسه والإعلان عن بدء نظام عالمي جديد، إلى حل حلف الناتو لنفسه هو الأخر، بانتهاء الحرب الباردة، لانحسار التهديد من الشرق، الذي قامت هياكل وآليات الحلف على أساسه، غير أن مرحلة جديدة من مسيرة الحلف بدأت تفرض نفسها على ارض الواقع، مغايرة لكل التوقعات، وكل النظريات الاستراتيجية في هذا المجال.
شكل مؤتمر قادة الحلف الذي عقد بمدريد في يوليه عام 1997، علامة فارقة للحلف، يجب التوقف عندها، لما أدت إلية من تحولات جذرية في مفاهيم إستراتيجية الحلف، إذ لم يعد يقتصر ذلك على استمرار الحلف بصورته التقليدية، بل غير في بداية المرحلة الجديدة من الشكل التقليدي، إلى عملية توسيع عضوية ونطاق عمل ومسؤولية ومهام الحلف، وذلك من منظور آخر وتهديدات جديدة، قام الحلف على أساسها، بالعمل على احتواء العديد من الدول التي امتدت إلى كل دول شرق ووسط أوروبا. وكذلك امتدت خارج القارة الأوروبية لتشمل دول جنوب وشرق المتوسط، والشرق الأوسط برمته.
من اللافتة للنظر، ارتكاز التصور الجديد لمسيرة الحلف، على مجموعة من المتناقضات، كان من الصعب التكيف فيما بينها، إلا أن عمليات مستمرة من المواءمة والضغط أحيانا التي تولتها الولايات المتحدة، نجحت إلى حد كبير في التغلب على هذه المتناقضات، وهو ما أدى إلى استمرار الحلف وعدم تفككه هو الآخر.

1. الدوافع المعلنة لاستمرار الحلف:
أ. أن الاتفاق مع روسيا الاتحادية على انتهاء الحرب الباردة لا يعنى انتهاء التهديدات الأمنية والعسكرية المباشرة “Security Hard” التي يمكن أن تتعرض لها دول أوروبا الغربية أعضاء الحلف، فقد برزت مفاهيم جديدة للتهديدات التي تستوجب استمرار الحلف وهى قضايا عدم الاستقرار السياسي، وقضايا الإرهاب، والتطرف، والمخدرات، والهجرة غير المشروعة، وحقوق الإنسان، والتي تدخل في إطار التهديدات غير المباشرة “Security Soft” والتي كانت مثارا للخلاف بين الولايات المتحدة وبعض حلفائها الأوروبيين، وهو ما وضح في الاجتماع الوزاري لمجلس الحلف (وزراء الخارجية ) ببروكسل في ديسمبر 1997 .
ب. استمرار المحافظة على الأمن والاستقرار الأوروبي، في إطار العمل على استقرار وسط وجنوب أوروبا، بدعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي لتلك المناطق.
ج. عدم انفصال الأمن الأوروبي عن الأمن الأطلسي، ومن ثم فان تحسين الأمن والمناخ الأوروبي المتوسطي، يفرض استمرار تماسك المجتمعات الديمقراطية، ليس لدول الحلف فقط، بل وفي باقي دول القارة، وهو الأمر الذي يفرض، ليس بقاء الحلف فقط، وإنما بناء تعاون فعال مع الدول التي تشارك الحلف في قِيَمِه في كل أنحاء أوروبا.
د. تصاعد التهديدات غير المباشرة، لدول الحلف، من خلال منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي يدعو لاستمرار ترابط الدول المتحالفة، نظرا للارتباط الوثيق للأمن الأوروبي، مع منطقة الشرق الأوسط عامة، ومنطقة البحر المتوسط على وجه الخصوص .
هـ. لا يعني استمرار حلف الناتو عرقلة نمو الهوية الأوروبية والاتحاد الأوروبي، الذي يتطلع لأن تكون له آليات عسكرية فعالة، متمثلة في اتحاد أوروبا الغربية، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، بل أنه يعد دعماً لهما عند الضرورة.

2. الدوافع غير المعلنة لاستمرار الحلف:
يعتبر الحلف إحدى أدوات الولايات المتحدة الرئيسية، للحفاظ على هيمنتها على قمة النظام العالمي، وذلك في إطار:
أ. دعم استمرار الهيمنة السياسية والعسكرية، للولايات المتحدة، على أوروبا الغربية .
ب. احتواء دول شرق ووسط أوروبا، من خلال ربطها بشبكة علاقات مع الحلف، وإبعادها عن أي روابط مستقبلية فيما بينها، أو بينها وبين روسيا الاتحادية، إضافة إلى منع انبعاث الحركات القومية الكبرى، في البلقان (صربيا الكبرى ـ ألبانيا الكبرى).
ج. احتواء وتحجيم روسيا الاتحادية، تحسباً لأي بعث أو عودة لها لتلعب دوراً رئيسياً على الساحتين الأوروبية والدولية في المستقبل، في إطار محاولتها إعادة ترتيب أوضاع العالم في القرن القادم من منظور المصلحة الأمريكية.
د. استمرار احتواء ومراقبة ألمانيا الاتحادية، تحسباً لاحتمالات النمو العسكري المستقبلي لها، وعودتها لمحاولة القيام بالدور المحوري المهيمن على أوروبا.
هـ. المحافظة على موطئ قدم أمريكية (قواعد عسكرية: برية، جوية، بحرية) في دول التحالف في أوروبا، قلب العالم، في إطار رسمي وقانوني، يمكن من خلالها تأمين خطوط مواصلاتها البحرية والجوية، والانطلاق إلى أي منطقة إقليمية أخرى على غرار ما تم أثناء حرب الخليج الثانية .
و. توفير آلية عسكرية شبة دولية، كواجهة، يمكن للولايات المتحدة تنشيطها طبقاً لمصالحها، في إطار غطاء دولي، يحقق لها تفادى المعارضة الدولية، في حالة عملها منفردة، خاصة إذا أرادت (من منظور مصالحها) القيام بعمل عسكري، خارج نطاق الشرعية الدولية (الأمم المتحدة).

3. المتناقضات واستمرار الحلف:
أ. حلف الناتو بين توازن القوى ” Balance of Power ” وتوازن التهديد ” Balance of Threat “: نشأ الحلف عام 1949، واستمر طوال عصر الحرب الباردة، من منطلق الواقع الذي انتهت آلية الحرب العالمية الثانية، وبروز الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى، في حين خرجت كل دول أوروبا الغربية، وهى تعانى من تداعيات الحرب، الآمر الذي لم تتمكن معه من تحقيق التوازن بشكله العام، والعسكري بشكل خاص، مع الاتحاد السوفيتي خاصة وهو يمد إطار سيطرته على أوروبا الشرقية كلها، وعلى بعض دول أوروبا الغربية من خلال الأحزاب الشيوعية فيها.
أدى ذلك، إلى خلل في التوازن على مستوى القارة الأوروبية، الأمر الذي اقلق قادتها، فكان ميثاق بروكسل (ميثاق التعاون)، باقتراح كل من بريطانيا وفرنسا، الذي وقع في 17 مارس 1948، والذي ضم بالإضافة لهما، كلاً من هولندا وبلجيكا ولوكسمبرج، غير أن الأزمة التي وقعت بين الاتحاد السوفيتي من جانب، وبين الدول الغربية الأخرى المحتلة لألمانيا من جانب آخر، نتيجة للتشدد الأمريكي في بعض المسائل المعلقة، والذي قابله تشدد سوفيتي، وهو ما أدى إلى التلويح باستخدام القوة، بشكل أو بآخر، نجح في ردع الجانب السوفيتي. لقد كان الخلل في توازن القوة، بين دول أوروبا الغربية، وبين الاتحاد السوفيتي سبباً في دفع الولايات المتحدة لاستخدام هذا الأسلوب لاستعادة التوازن.
لذلك كان إعلان قيام حلف الناتو، من منظور المحافظة على توازن القوة، في مواجهة الاتحاد السوفيتي وحلفائه في أوروبا الشرقية.
هدف سباق التسلح بين الجانبين، إلى عدم إتاحة الفرصة لطرف أن يتفوق على الطرف الآخر، أي الحفاظ على توازن القوة بينهما، وفي مرحلة تالية عاد الجانبان إلى أساليب جديدة للمحافظة على هذا التوازن، بعد أن أرهقهما سباق التسلح الذي لا طائل من ورائه، وذلك من خلال الصور المختلفة لضبط التسلح.
يشير ذلك إلى أن علاقات القوى بين المعسكرين الشرقي والغربي، ظلت محكومة طوال فترة الحرب الباردة من خلال نظرية توازن القوى، التي ارتكز عليها حلف الناتو، في بناء هياكله ونظمه الدفاعية.
وبتفكك الاتحاد السوفيتي، وحل حلف وارسو لنفسه، وتوقيع الجانبين الأمريكي والروسي، على اتفاق انتهاء المواجهة بينهما، انهار العنصر الرئيسي الذي قام على أساسه الحلف، وهو توازن القوى، الأمر الذي كان من المفترض أن يؤدى إلى حل حلف الناتو.
بيد أنه من منظور آخر، برزت نظرية توازن التهديد، التي يمكن اعتبارها نابعة من توازن القوة، وهى نظرية وضعها “ستيفن والت” عام 1985، ليعالج بها القصور الذي شاب نظرية ميزان القوة، ومن ثم فان ميزان التهديد يعنى “أن الدول تتوازن في مواجهة مصدر التهديد، وليس القوة المجردة، وذلك عبر تحديد مصدر التهديد”، وتؤكد النظرية أن اختفاء مصدر التهديد الرئيسي، الذي أنشئ الحلف لمواجهته، لا يؤدى بالضرورة إلى سقوط الحلف وتفككه، وان سقوط مصدر التهديد الرئيسي، يتوقف على طبيعة نشأة الحلف، ومدى صلابة هياكله ومؤسساته، وطالما أدرك أعضاء الحلف وجود مصادر تهديد أخرى تقتضي مواجهتها، بصرف النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف، حول ترتيب درجة تهديدها.
من هذا المنطلق بدأ حلف الأطلسي في التكيف، مع المتغيرات الدولية، بعد انتهاء مرحلة توازن القوة، مرتكزاً على مفهوم واسع للتهديدات الجديدة، التي عرفت بالتغيرات الغير مباشرة للأمن “Soft Security”، مع عدم استبعاد التهديدات المباشرة للأمن ” Security Hard ” والتي تأتى في المرتبة الثانية، ومن خلال هذه النظرية، يمكن تفسير أسباب بقاء حلف الناتو، وعدم سقوطه، فقد حول توجهاته، من توازن القوى، إلى توازن التهديد، دون أن يؤثر التناقض بينهما على مسيرته.
ب. الحلف بين الردع والدفاع الجماعي المحدد، وبين التعاون والأمن الجماعي الإقليمي:
ارتكز حلف الناتو، كحلف تقليدي، على مفهوم الردع، والدفاع عن مجموعة محددة من الدول، وعن نطاق مسؤولية محدد، يتعلق بحدودهم الإقليمية، تجاه عدو محدد، وذلك وفقا للمادتين الرابعة والخامسة، من ميثاق الحلف. غير أن المتغيرات الدولية، التي فرضت نفسها على الحلف، وما أدت إلية من تحولات، خاصة في مجال العضوية، بمستوياتها المختلفة، التي تراوحت بين العضوية العاملة لبعض الدول، وبين المشاركة، لمعظم الدول الأوروبية. ومشاركة مميزة لروسيا الاتحادية.
أدى ذلك، فيما يبدو، إلى فقد الحلف لخصوصيته، من خلال هذه الشبكة الواسعة من المشاركة الجزئية، والعضوية الكاملة، التي لابد أنه سيترتب عليها واجبات وأعباء جديدة، تجاه الأعضاء الأصليين في الحلف، كما أصبح الحلف أشبه بمنظمات الأمن والتعاون الإقليمي، التي تبنى على أساس العمل ضد أي عدوان، من أي اتجاه، وضد أي عضو، في النظامين الإقليمي والدولي، يهدد التعاون والآمن والاستقرار الإقليمي، وهو ما يختلف جذريا عن مفهوم وطبيعة الحلف.
رغم ذلك التناقض فإن عملية التكيف نجحت إلى حد كبير في الجمع بين المفهومين، فقد حافظت على المفهوم التقليدي للحلف دون تعديل، مع الأخذ ببعض مفاهيم الأمن الجماعي من خلال التعهد بمواجهة أي تهديد للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي من خارج نطاق مسؤولية الحلف.
ورغم ما يبدو من ازدواجية بين الحلف وبين المشاركة من أجل السلام، إلا أنه من الواضح أن المشاركة فتحت آفاقا ارحب للحلف للحشد والحركة والمناورة من خلال أراضى شركاء السلام من اجل تحقيق أهدافه بصورة افضل وهو ما وضح أخيرا خلال أزمة “كوسوفا” (استخدام الحلف لأراضى وأجواء بعض الدول المجاورة ليوغسلافيا ( ألبانيا – مقدونيا- بلغاريا… ) والتي لو لم تكن أعضاء في المشاركة من أجل السلام لما تمكن الحلف من استخدام أراضيها أو مجالها الجوي).
ج. الازدواجية والتعارض الوظيفي للحلف، مع الآليات العسكرية الأوروبية:
نمت الشخصية الأوروبية، للمستوى الذي وصلت إليه، بإعلان الاتحاد الأوروبي، وكان لابد أن تتنامى الرغبة في تشكيل هوية عسكرية أوروبية خالصة، ورغم وجود كل من اتحاد أوروبا الغربية، ومنظمة الآمن والتعاون الأوروبي، إلا أن فاعليتها مازالت محدودة، ووضح ذلك خلال مشكلة “البوسنة والهرسك”، التي لم ينجحا فيها، الآمر الذي دفع إلى تدخل الحلف، ومن المعتقد أن الولايات المحتدة رغم ما تظهره من تأييدها ودعمها لهاتين المنظمتين الأوروبيتين، فإنها تبطن مقاومة غير مباشرة لهما، لأن نجاحهما، يعنى تقليص مهام الحلف، إلى حد كبير، من خلال الاستقلالية الأوروبية بالاعتماد على آلياتها العسكرية وهو ما يتعارض مع المصلحة الأمريكية. يضاف لذلك الهيمنة الأمريكية على الحلف والتي تتعارض مع الرؤية الأوروبية في حالات عدة .
فالاتحاد الأوروبي يسعى لتوسيع عضويته لتشمل معظم الدول الأوروبية، وهو في ذلك قد يشكل نوعاً من الاستقلال الذاتي والتنافس، الذي يمكن أن يزيد مساحة الاختلاف، مع الولايات المتحدة، ورغم ذلك فان الولايات المتحدة نجحت حتى ألان في احتواء الآليتين الأمنيتين الأوروبيتين من خلال التنسيق بينهما وبين الحلف، وأوكلت لهما بعض المهام المحدودة إذا ما قورنت بمهام الحلف في مجال المحافظة على الاستقرار والأمن الأوروبي.

ثانياً: تطور الفكر والأدوات لاستمرار بقاء الحلف:
رغم أن حل حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفيتي ثم انتهاء عصر الحرب الباردة، كان مباغتاً إلى حد كبير، إلا أن التحول المقابل في مسيرة الحلف، جاء تدريجياً، عبر بعض القرارات والأحداث الرئيسية، أدت إلى نجاح الحلف، في التكيف مع تلك المتغيرات، من خلال مواءمة وتطوير آلياته. وكانت معيناً له في استمراره والحفاظ على حيويته التي نشأ بها، ومن أبرز تلك القرارات والأحداث ما يلي:
1. في البداية، كانت الرسالة، التي نشرت بعد اجتماع مجلس الحلف بلندن، في 7 ـ 8 يونيه 1990، والتي سميت برسالة ” تيرنبرى Turnberry ” وكان أبرز ما بها:
أ. بدء تغيير مهمة الحلف، من مواجهة التهديد المباشر، لحلف وارسو، إلى التوجه نحو الاستقرار والأمن في أوروبا بشكل عام.
ب. بداية التغيير في مفهوم التحالف، من كونه أداة للردع والدفاع الجماعي، إلى إطار أوسع يعتمد على توفير الحماية، في مواجهة تهديدات غير محددة للدول الأعضاء، فإلى جانب استمرار المهمة الأساسية للحلف (الردع والدفاع الجماعي) برزت مهمة جديدة تهدف لبناء هيكل جديد للعلاقات الأوروبية التي يجب أن تقوم على دعم عمليات التحول السياسي والاقتصادي، لدول المعسكر الشرقي.
ج. كما قرر الحلف الآتي: “رأى قادة الحلف، أنه رغم أن دور الحلف الرئيسي، وهو الدفاع المشترك، لا يزال قائماً، ومطلوباً، فإن التغيرات في البيئة الأمنية، تقتضي تغييراً في المهام العسكرية، التي تواجه أعضاء الحلف، ولا بد من إدخال تغييرات، على إستراتيجية الحلف العسكرية”.

2. صدر في يوليه 1990 “إعلان لندن”، الذي شمل المبادئ الإرشادية للإستراتيجية الجديدة للحلف، تشكلت مجموعة خاصة للدراسة وصياغة تلك الإستراتيجية، أكملت مهمتها في نوفمبر 1991.
3. أصدر قادة الحلف، في 7 ـ 8 نوفمبر 1991 “إعلان روما” حول الأمن والتعاون والسلام، أكد فيه الحلف، على أن طبيعة التحديات الأمنية، التي ينتظر أن يواجهها الحلف، تختلف في طبيعتها، عما كانت عليه قبل ذلك، وقام الإعلان بتحديدها، كما أقرت قمة روما الإستراتيجية الجديدة للحلف، ارتكزت على المبادئ التالية:
أ. استمرار الحلف في أداء مهامه في الدفاع الجماعي.
ب. الحلف وحدة لا تتجزأ، ومع الحفاظ على وحدة أمن دول الحلف، فإن أعضاءه الأوروبيين، سوف يتحملون، مزيداً من مستويات الدفاع الذاتي، عن أنفسهم.
ج. مع الحفاظ على هيكل القوات القائم، فإن على الحلف أن يستحدث هيكلاً جديداً، يعتمد على قوات اكثر مرونة، وحرية حركة، يمكن الاعتماد عليها في الدفاع المتقدم .
د. استمرار الحلف في الاعتماد على نظم التسلح التقليدية والنووية، مع العمل على خفض القوات التقليدية، والحد من الاعتماد على نظم التسلح النووية.
هـ. إقرار مبدأ التعاون مع دول حلف وارسو، بإنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي ” North Cooperation Council Atlantic ” الذي يتركز نشاطه الرئيسي في المسائل السياسية والأمنية.

4. في قمة ماستريخت (9 ـ 10 ديسمبر 1991) وضعت أسس العلاقة بين الحلف، وكل من اتحاد أوروبا الغربية، ومنظمة التعاون والأمن الأوروبي. ثم في اجتماع بروكسل (يناير 1994)، كان نقطة تحول، على طريق الاتفاق الأمريكي الأوروبي، حول تنشيط اتحاد أوروبا الغربية، واعتباره المكون الأوروبي للحلف.

5. مشاركة الحلف بالعمل خارج نطاق مسؤوليته المحددة في ميثاقه للمرة الأولى في مشكلة البوسنه والهرسك.

6. الاتفاق الثلاثي، بين فرنسا وألمانيا والحلف، في يناير 1993، والذي تعمل القوات الفرنسية بموجبه، تحت قيادة الحلف في البوسنة، وهو ما أعتبر تمهيداً لعودتها الكاملة إلى اللجنة العسكرية.

7. طرح مبادرة الشراكة من أجل السلام، كتطوير لمجلس تعاون شمال الأطلسي، في يناير 1994. والتي تعتبر نقطة تحول رئيسية، في مسيرة الحلف، لاحتواء دول الكتلة الشرقية.

8. طرح مبادرة الحلف، تجاه دول البحر المتوسط (جنوب وشرق المتوسط)، بنهاية عام 1994، والتوصية بضرورة تعزيز العلاقات، في البيان الختامي للحلف، في مدريد (يوليه 1997). (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)

9. الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا الاتحادية في 27 مايو 1997: (أُنظر ملحق الوثيقة التأسيسية بين الحلف وروسيا الاتحادية (27 مايو 1997))
تعتبر وثيقة أساسية هامة، في مسار الحلف، لأنها نجحت في التوصل إلى تبادل الثقة بين روسيا الاتحادية وحلف الأطلسي بعد فترة طويلة من المواجهة العسكرية بينهما، خلال عصر الحرب الباردة. وقد وضعت الوثيقة الإطار العام للتعاون بين الجانبين، والأسس الحاكمة للعلاقات بينهما، في المجالين السياسي والعسكري، من منظور الالتزام السياسي، بإقامة سلام دائم وشامل، في المنطقة الأوروأطلسية، تقوم على مبادئ الديموقراطية والأمن التعاونى، وقد اشتملت الوثيقة على الأقسام التالية:
تقديم، المبادئ، آلية التشاور والتعاون، مجالات التشاور والتعاون، قضايا سياسية وعسكرية.
أ. أبرز ما جاء في قسم المبادئ:
(1) تنمية شراكة قوية مستقرة ومتساوية.
(2) الاعتراف بالدور الحيوي، الذي تلعبه الديموقراطية والتعددية السياسية، وحكم القانون، والاقتصاد الحر، وحقوق الإنسان.
(3) الامتناع عن التهديد، أو استخدام القوة، ضد بعضهما البعض، أو ضد الآخرين.
(4) الصدق المتبادل، في المسائل الدفاعية والأمنية.
(5) منع الصراعات، وتسوية الأزمات، بالوسائل السلمية.

ب. أبرز ما جاء في قسم آلية التشاور والتعاون: (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)السابق

(1) اتفاق الجانبين على تشكيل “مجلس مشترك دائم”، يهدف إلى بناء مستويات متصاعدة للثقة، وإقرار مبدأ التشاور والتعاون، بين روسيا الاتحادية والحلف، من أجل أمنهما، على أن يسعى الجانبان لتسوية أي خلافات قد تنشب، على أساس من النوايا الحسنة، والاحترام المتبادل، في إطار المشاورات السياسية، وعلى مبدأ الصدق المتبادل.
(2) أن هذا الاتفاق لا يرتب لأي من الجانبين، حقا للفيتو، على أي عمل يقوم به أحدهما، ولا حق تقييد أحدهما، في اتخاذ القرار المناسب لأمنه.
(3) اجتماع المجلس على مستويات مختلفة، حسب رغبة كل منهما، على أن تنشئ روسيا بعثة لدى الحلف، ويرأس المجلس الدائم، بشكل دوري، ممثل عن روسيا، والأمين العام للحلف.
ج. أبرز ما جاء في قسم مجالات التشاور والتعاون:
(1) قضايا الأمن والاستقرار، في المنطقة الأوروأطلسية، ومنع النزاعات وإدارة الأزمات.
(2) العمليات المشتركة، بما فيها حفظ السلام، في إطار مجلس الأمن، أو منظمة الأمن والتعاون الأوروبي.
(3) مشاركة روسيا في مجلس الشراكة الأوروأطلسية، والشراكة من أجل السلام.
(4) تبادل المعلومات، وقضايا الأمن النووي، والصاروخي، والتدريبات المشتركة.

د. أبرز ما جاء في قسم القضايا السياسية والعسكرية:
(1) تأكيد الحلف على عدم نشر أو تخزين أسلحة نووية على أراضى الأعضاء الجدد في الحلف، وعلى عدم تغيير السياسة والوضع النووي للحلف.
(2) أهمية تطوير معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا من مفهوم تنفيذ التخفيض المتفق عليه بما يتفق مع المتطلبات الدفاعية، على أن تتم المراجعة عام 2001 وكل خمس سنوات بعد ذلك.
(3) يقوم الجانبان بتحسين أنظمة الحد من التسلح وإجراءات بناء الثقة لخلق علاقات أمنية تقوم على التعاون السلمي.
10. إعلان مدريد حول الأمن والتعاون الأوروأطلسي في 8 يوليه 1997: (أُنظر ملحق إعلان مدريد حول الأمن والتعاون الأوروأطلسي “صادر عن رؤساء الدول والحكومات” (8 يوليه 1997))

الوثيقة الرئيسية الأولى، شبه المتكاملة للحلف، في مجال التكيف مع المتغيرات الدولية والإقليمية، وقد جاء في مقدمته:
“نحن رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء في الحلف، اجتمعنا لتحديد الشكل الجديد للحلف، ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين، لقد تم تحقيق تقدم ملموس، في عملية التكيف الداخلي للحلف، وكخطوة هامة في العملية التطويرية، لتوسيع الحلف، دعونا ثلاث دول لبدء محادثات الانضمام، وقد دعمنا علاقاتنا بشكل كبير، مع الشركاء، من خلال مجلس الشراكة الأوروأطلسى، كما تم تعزيز برنامج الشراكة من أجل السلام، وأن هناك أوروبا جديدة صاعدة، أكثر اندماجاً وأمناً”.
وقد اشتملت الوثيقة على العديد من الخطوط الرئيسية، الموجهة للحلف، في شكله الجديد، أبرزها ما يلي:

أ. التحرك لتحقيق رؤية الحلف الخاصة، بنظام عادل ودائم للسلام في أوروبا، يقوم على احترام حقوق الإنسان، والحرية، والديموقراطية.
ب. الاحتفاظ بوظيفة الحلف الأساسية، وهى الدفاع الجماعي، مع استمرار تحسين القدرات الدفاعية، وأن “ناتو جديداً ” ينمو، من أجل أوروبا جديدة، غير مقسمة.
ج. إن أمن الأعضاء، يرتبط بأمن أوروبا كلها.
د. الترحيب بانضمام أعضاء جدد، كجزء من العملية التطويرية، مع دعوة كل من جمهورية التشيك، والمجر، وبولندا، لبدء محادثات الانضمام للحلف، بتوقيع بروتوكول في ديسمبر 1997، والتصديق عليه بحلول العيد الخمسين للحلف.
هـ. إن إقامة مجلس الشراكة الأوروأطلسية، يشكل بعداً جديداً في العلاقات، مع باقي الشركاء، حيث اصبح برنامج الشراكة من أجل السلام، النقطة المحورية للحلف، من أجل بناء نماذج جديدة للتعاون العملي، في مجال الأمن. (أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)السابق
و. الإشارة للوثيقة التأسيسية مع روسيا الاتحادية، وللوثيقة مع أوكرانيا (وقعت في اليوم التالي) على أنهما إنجازان تاريخيان.
ز. الإشارة إلى أن منطقة المتوسط، تستحق اهتماماً كبيراً، لارتباطها الوثيق بالأمن الأوروبي.
ح. الإشارة للتقدم الذي تحقق، في مجال التطوير الداخلي للحلف، وفي تطبيق مفهوم “قوة العمل المشتركة المجمعة للحلف”.
ط. المساندة الكاملة لتنمية الهوية الأمنية والدفاعية الأوروبية، كما جاء في إعلان بروكسل 1994، والالتزام بالمفهوم الاستراتيجي للتحالف، الذي أقر في روما، عام 1991، والالتزام بالشفافية بين الحلف واتحاد غرب أوروبا، في إدارة الأزمات.
ي. ضرورة دفع وسائل منع الانتشار النووي، والحد من التسلح ونزع السلاح، والإشارة لأهمية معاهدة خفض القوات التقليدية في أوروبا (CFE) وضرورة إتمامها.

11. ميثاق العلاقات المميزة بين الحلف وأوكرانيا في 9 يوليه 1997: (أُنظر ملحق ميثاق الحلف حول العلاقة المميزة بينه وبين أوكرانيا مدريد (9 يوليه 1997))
كانت أوكرانيا تمثل مشكلة لحلف الناتو، من نوع خاص، فهي الدولة التي تلي روسيا الاتحادية، في حيازة الأسلحة النووية. كما أنها تمتلك جزءاً مناسباً من الأسطول البحري السوفيتي (السابق)، بعد تقسيمه بينهما، وعلى الجانب الآخر، وَفّرَ الميثاق نوعاً من الدعم المعنوي لأوكرانيا، باعتبارها دولة حدودية مع روسيا الاتحادية(أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة) السابق

12. إعلان واشنطن بمناسبة العيد الخمسين لإنشاء الحلف:

(أُنظر شكل مؤسسات التعاون والاستشارة)السابق كان من الدعائم الرئيسية التي ارتكز عليها الحلف، في مرحلته الحاسمة، للتكيف مع المتغيرات، ذلك الإعلان، الذي صدر عن الاحتفالية بالعيد الخمسين لإنشاء الحلف، رغم أن أزمة البلقان (كوسوفا) كانت تلقي بظلالها، على أعمال ومداولات المؤتمر، ورغم ما تواتر من معلومات، عن الاختلاف في وجهات نظر الحلفاء، التي لم تصل إلى حد الخلاف. بل أن أزمة التكيف أو الحل جعلتهم أكثر تكاتفاً، ليتمكنوا من الوصول إلى حلول مرضية، تتمشى مع الاحتفالية.
وصيغ ذلك التماسك، في كلمة “خافيير سولانا” السكرتير العام للحلف، التي قال فيها: “إن الاستراتيجية الجديدة التي أقرها الحلف، خلال قمة واشنطن، تؤكد على تغيير دوره من حلف دفاعي، إلى جهاز عسكري له صلاحيات التدخل العسكري، في النزاعات الإقليمية، داخل حدوده وخارجها. وأن المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف، يوسع مهامه، ويكلفه للمرة الأولى، بإدارة الأزمات، على مجمل الأراضي الأوروبية، وأن هذا الدور الجديد، يعتبر خطوة مهمة لمساعدة الحلف، في مواجهة تحديات القرن المقبل”. كما تضمن البيان النهائي لقمة الحلف، ذلك الدور الجديد، خلال الخمسين سنة المقبلة. (أُنظر شكل قوات التحالف في أوروبا (2000)) و(شكل قوات التحالف في الأطلسي (2000))
احتفل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في نهاية القرن العشرين بالعيد الخمسين لإنشائه، وأصدر بياناً، يؤكد فيه على تكيفه مع المتغيرات الجوهرية، التي حدثت في العقد الأخير من هذا القرن، وإعداد نفسه لاستقبال القرن الحادي والعشرين، والمتغيرات المجهولة التي ستحدث خلاله حتماً، بمرونة وحرية حركة، غير مسبوقة، وغير محدودة كذلك، بعد أن غير مفاهيمه، واستراتيجياته، وهياكله التنظيمية، وأهدافه، ونطاق عمله، لتصبح كلها في أطر مطاطة، تتسم بالعمومية لتتواءم مع أي أحداث ومتغيرات. وتصبح كل الأحداث من مهامه، وكل العالم في نطاق عمله، يعاونه في ذلك المنظمات الأوروبية، ومتخذاً من الأمم المتحدة، لباساً شرعياً لما سيقدم عليه من أعمال.

المبحث السابع
انعكاسات النظام الدولي والمشاكل الإقليمية في فترة التغيير والتوسيع
أولاً: الانعكاسات على السياسة العسكرية:

مع انتهاء الحرب الباردة وما أدت إليه من تغير في البيئة الأمنية، سعى قادة الحلف إلى التكيف مع المتغيرات. وقد بدأ ذلك بقرار مجلس شمال الأطلسي في يونيه عام 1990، حيث رأي قادة الحلف أنه مع أن دور الحلف الرئيسي، وهو الدفاع الجماعي، لا يزال قائماً ومطلوباً، فإن التغيرات في البيئة الأمنية المحيطة، تقتضي تغيراً في المهام العسكرية، التي تواجه أعضاء الحلف، ويستوجب ذلك إدخال تغييرات على إستراتيجية الحلف العسكرية. وتزامن مع ذلك قرار لجنة تخطيط الدفاع، بإجراء مراجعة شاملة للسياسة العسكرية للحلف من أجل وضع متغيرات البيئة الجديدة في الاعتبار.
حدد إعلان لندن “London Declaration” الصادر في 6 يوليه عام 1990 المبادئ الاسترشادية بشأن سياسة وعقيدة الحلف العسكرية، وتشكلت مجموعة لمراجعة السياسة العسكرية للحلف، وبحلول نوفمبر عام 1991 أكملت المجموعة عملها، ومن ثم أصدر قادة الحلف إعلان روماRome Declaration في 7 ـ 8 نوفمبر عام 1991 حول السلام والتعاون، أكد على أن التحديات والمخاطر الأمنية التي أصبح الحلف يواجهها تختلف في طبيعتها عما كانت في الماضي.

أقرت قمة الحلف في روما في نوفمبر عام 1991 سياسة عسكرية جديدة، تقوم على أربعة مبادئ:
1. استمرار الحلف في أداء الدور الدفاعي عبر الدفاع الجماعي.
2. أن الأعضاء الأوروبيين سوف يضطلعون بمزيد من المسؤوليات للدفاع عن أنفسهم، مع الحفاظ على وحدة أمن الأعضاء وكونه وحدة لا تتجزأ.
3. على الحلف أن يستحدث هيكل قوة يعتمد على قوات أكثر مرونة، وحرية في الحركة أكثر من الاعتماد على الدفاع المتقدم، مع الحفاظ على هيكل القوات الموحدة للاستمرار في أداء مهمة الدفاع الجماعي.
4. استمرار الاعتماد على كل من الأسلحة التقليدية والنووية، مع خفض حجم القوات والحد من الاعتماد على المكون النووي.
هذه المبادئ تسلم بانتهاء خطر هجوم واسع النطاق من الشرق، وأن البيئة الأمنية الجديدة في أوروبا تضاعف فرص تحقيق الأهداف الرئيسية للحلف من تنمية الاستقرار والرفاهية في منطقة شمال الأطلسي، والإسهام في تطوير علاقات دولية يسودها السلام، فقد أقر الحلف مبدأ التعاون مع دول حلف وارسو (السابق) وذلك بإنشاء مجلس تعاون شمال الأطلسي الذي خرجت منه الشراكة من أجل السلام، وفتحت الأخيرة الطريق أمام انضمام عدد من دول حلف وارسو السابق إلى حلف الأطلسي.
أكد بيان قمة الحلف في مدريد (8 ـ 9 يوليه 1997) على ضرورة مراجعة السياسة العسكرية للحلف، وإدخال التعديلات المطلوبة عليها حتى تتلاءم مع البيئة الأمنية الجديدة والتي ينتظر أن تتبلور عند الاحتفال بمرور خمسين عاماً على إنشاء الحلف عام 1999. ويشير ذلك إلى استمرار عملية التغير في البيئة الأمنية الأوروبية، وتفاعلاتها، التي أدت إلى متغيرات عديدة وجذرية على سياسة الحلف العسكرية.

ثانياً: الانعكاسات على هيكل القوة في الحلف:
أدى إدخال تعديلات على عقيدة وسياسة الحلف العسكرية، إلى فرض إعادة بناء هيكل القوة في الحلف، ليتواءم معها:
• تقررت السياسة العسكرية الجديدة على أساس تقدير تراجع خطر التهديد من الشرق، وهو ما يعنى عدم الحاجة إلى وجود حجم كبير من القوات، والأسلحة المخزونة، في أوروبا. كذلك لا حاجة إلى التأهب القتالي العالي والتدريبات الكثيرة، وبذلك يكون الأثر الأول على الهيكل، هو ضرورة خفض قوات الحلف في أوروبا، وتكلفتها.
• استمرار أداء المهمة الأساسية وهي الدفاع الجماعي، يعنى ضرورة أن تكون القوة المخفضة ذات قدرات كافية لأداء هذه المهمة، أي تشكيل هيكل جديد لقوات الدفاع المشترك بتسلح مختلط من تقليدي ونووي، وهو الأثر الثاني للتغيرات.
• لأن مصادر التهديد الجديدة ليست محددة من اتجاه معين، كما أنها قد تكون غير مجسمة في شكل هجوم عسكري، فقد كان ضرورياً إعداد القوات ليمكنها التدخل في الوقت المناسب من أي مكان تتمركز فيه إلى أي مكان، وفي أي وقت تقتضيه المصلحة المشتركة لدول التحالف، أي أن هذه القوة الصغيرة القوية التسليح تكون قادرة على العمل السريع (خفة حركة ومرونة عالية) وهو الأثر الثالث للتغيرات.
انعكست تلك الآثار الثلاث، على الهيكل العسكري للحلف في تنظيمه ومهامه فيما يلي: (اُنظر شكل الهيكل التنظيمي للحلف 1998) و(شكل اللجان الرئيسية للحلف 1998) و(شكل هيئة الأركان الدولية للحلف) و(شكل هيئة الأركان العسكرية 1998) و(شكل أقسام هيئة الأركان الدولية 1998) و(شكل الهيكل العسكري للناتو 1998) و(شكل الهيكل العسكري الحالي بأوروبا 1998) و(شكل الهيكل العسكري للناتو بالأطلسي 1998)

اللجان الرئيسية لحلف الناتو 1998
هيئة الأركان الدولية للناتو (1998)
الهيكل التنظيمي لحلف شمال الأطلسي “المدني والعسكري” 1998

أقسام هيئة الأركان الدولية:

1. خفض قوات الحلف في أوروبا:
جاءت سياسة خفض قوات الحلف في أوروبا متمشية مع الأثر الأول للتغيرات في السياسة والعقيدة العسكرية الجديدة للحلف، وفي إطار تنفيذ اتفاق الحد من التسلح التقليدي التي وقعها الحلف مع الاتحاد السوفيتي (السابق) في باريس في 19 نوفمبر 1990، والتي حددت التخفيضات في خمسة مجالات هي: الدبابات، المركبات المدرعة المقاتلة، قطع المدفعية، الطائرات المقاتلة، الهليكوبتر الهجومية.
أقدمت دول الحلف خلال الفترة من 1990 إلى 1996 على تخفيض إنفاقها الدفاعي بنسبة 22%، وتخفيض 52% من قواتها البرية المقاتلة، ونحو 45% من قوات الحلف في المنطقة المركزية، ونحو 10% من الوحدات البحرية المقاتلة، بما فيها حاملات الطائرات والمدمرات والفرقاطات، وخُفّضَ 25% من الطائرات المقاتلة والمخزونة في أوروبا، و54% من القوات الجوية في المنطقتين المركزية والشمالية، و 25% من القوات الجوية في أمريكا الشمالية.
كذلك أزيلت جميع القواعد البرية لإطلاق الصواريخ النووية من أوروبا، وسحبت جميع الأسلحة النووية للحلف من على متن سفن السطح، وتبقى فقط القنابل التي تحملها الطائرات وتمثل 20% من القوة النووية لعام 1990. خفضت الولايات المتحدة كذلك قوتها النووية الإستراتيجية وفقاً لسلسلة معاهدات ستارت. كما خفضت أعداد القوات المخزونة في ألمانيا (القوات المتقدمة) بنحو الثلثين، والطائرات بنسبة 70%، وتراجع عدد القوات الأمريكية في أوروبا من نحو 300 ألف جندي إلى نحو 100 ألف جندي.
واستمرت قوى الدفع باتجاه مزيد من التخفيض في القوات، لاسيما في اتجاه روسيا، وتكررت المبادرات من جانب واحد، بإجراء تخفيض للقوات .

2. إعادة هيكلة القوات الأساسية للحلف:
تمشياً مع السياسة العسكرية الجديدة للحلف، جرت عملية إعادة تنظيم القوات، على النحو الذي يمكنها من القيام بمهمة الدفاع الجماعي، ومواجهة المخاطر المحتملة. هدفت هذه التعديلات إلى زيادة مرونة القوات الأساسية والارتقاء بقدراتها على التعبئة السريعة واستيعاب التطور التكنولوجي في نظم التسلح.
لذلك نظمت القوات الأساسية، في ثلاث فئات:
أ. قوات الرد السريع الفوري: Immediate and Rapid Reaction Forces (IRRF)
تتكون من قوات برية وجوية وبحرية على درجة عالية من الاستعداد، ومعدّة للعمل السريع للتدخل في الأزمات والطوارئ المباغتة.
ب. قوات الدفاع الأساسية: Main Defense Forces (MDF)
وهي القوات النظامية الأساسية للحلف.
ج. القوات المعاونة، أو قوات التعزيز: Augmentation Forces (AF)
وهي قوات احتياطية، لها دور مهم في الإطار العام للهيكل الدفاعي للحلف، إلى جانب القوات النظامية.
وفي يوليه 1994 عدّل هيكل القيادة المدمج للحلف، وخفضت أعداد القيادات الرئيسية إلى اثنتين بدلا من ثلاث، وهي القيادة المتحالفة لأوروبا Allied Command Europe ACE، والقيادة المتحالفة في الأطلسي Allied Command Atlantic ACLANT، وتم إلغاء القيادة المتحالفة للقنال Allied Command Channel ACCHN، وأسندت مهامها إلى القيادة المتحالفة لأوروبا. كما استحدث ثلاث قيادات فرعية، داخل القيادة المتحالفة لأوروبا تتولى المسؤولية عن مناطق الجنوب والوسط والشمال الغربي. ومع استمرار التغيرات في البيئة الأمنية، استمرت عملية إدخال التغيرات المطلوبة على هيكل القوة للحلف.

3. قوة العمل المشتركة المجمعة:
يمثل مفهوم قوة العمل المشتركة المجمعة Combined Joint Task Force CJTF، المكون الثالث للتغير في هيكل القوة في الحلف، فلأن الحلف اتجه إلى تقليص قواته الأساسية المنوط بها القيام بأعباء الدفاع المشترك ضد تهديد محتمل من الشرق، بعد الإقرار بزوال هذا التهديد، فإن المشكلة التي واجهت الحلف هي أن البيئة الأمنية لمرحلة ما بعد زوال خطر الهجوم من الشرق أوجدت مصادر تهديد أخرى غير مجسمة في شكل مادي واضح، وتقع في الغالب خارج النطاق التقليدي لنشاط الحلف ـ مثل أزمة الاحتلال العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990 ـ وهي مصادر تهديد تقتضي مواجهتها مرونة عالية في آليات القيادة والسيطرة، من أجل الرد السريع، والقيام كذلك بالمهام داخل المنطقة التقليدية لنشاط الحلف، إذا ما تطلب الأمر ذلك. لذلك شكلت قوة العمل المشتركة المجمعة، لتعطى لقوات الحلف، المرونة اللازمة التي تمكنها من سرعة التدخل في الأزمات والطوارئ، والقيام بعمليات حفظ السلام.
لم يؤد تبنى هذا المفهوم، إلى استحداث هيكل جديد داخل الحلف، بل تم عبر تقسيمات جديدة، وتحديد للأدوار والمهام، بحيث جرت عملية تخصيص مزدوج للبعض داخل الهياكل القائمة. تتشكل هذه القوات، من الدول الأعضاء في الحلف، وأعضاء الشراكة من أجل السلام، كذلك يمكن أن تنضم إليها قوات دول أخرى، بحسب طبيعة المهمة المكلفة بها.
نقل الحلف مفهومه للقوات المشتركة إلى منظمة اتحاد أوروبا الغربية إذ يمكن للأعضاء في المنظمة قيادة قوة العمل المشتركة المجمعة، والقيام بالمهام التي يقتضيها حفظ الأمن والاستقرار في أوروبا، إذا ما قرر الحلف عدم التحرك، أي إذا ما رفضت الولايات المتحدة التحرك على غرار ما حدث في البوسنة. وقد طرحت الولايات المتحدة هذا المفهوم في اجتماعات لجنة تخطيط الدفاع بالحلف، وأجازته قمة الحلف التي عقدت في بروكسل في يناير 1994.

ثالثاً: الانعكاسات على الإنفاق العسكري، ومبدأ تقاسم الأعباء:
تحملت الولايات المتحدة معظم أعباء الدفاع في الحلف منذ إنشائه، لاعتبارات تتعلق بالحرص على منع الاجتياح السوفيتي الذي كان متوقعاً لغرب أوروبا، لاسيما في ظل تنامي القدرات العسكرية للاتحاد السوفيتي، ثم لحلف وارسو بعد إنشاؤه، وتردي الأوضاع الاقتصادية لدول غرب أوروبا.
سقوط حلف وارسو، وتفكك الاتحاد السوفيتي، ونجاح دول أوروبا الغربية في تحقيق معدلات نمو عالية، إلى مطالبة الولايات المتحدة للدول الأوروبية أعضاء الحلف بزيادة نفقاتها العسكرية، وهي المطالبة التي ازدادت حدة مع زيادة العجز في الميزانية الفيدرالية، وميزان المدفوعات الأمريكي. رفضت الدول الأوروبية الاستجابة للمطلب الأمريكي، وظلت نسبة الإنفاق العسكري الأوروبي أقل من المتوسط العام للحلف، وأقل من النسبة المحددة وفق إجمالي الناتج المحلي. (أُنظر جدول أعباء الدفاع في حلف شمال الأطلسي (بليون دولار) (1992 ـ 1997)) و(جدول الإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي)

جدول الإنفاق العسكري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي:
العام إجمالي إنفاق أعضاء الحلف إنفاق الولايات المتحدة % كندا الولايات المتحدة وكندا % الدول الأوروبية %
1992 509.142 305.141 59.9 13.111 318.252 62 193.154 38
1993 480.258 297.637 62 13.293 310.930 64.1 172.317 35.9
1994 463.644 286.366 61.8 12.966 299.332 63.8 167.756 36.2
1995 441.188 268.843 60.9 8.481 277.324 62.9 163.864 37.1
1996 431.860 266.018 61.6 7.741 273.759 63.4 158.101 36.6
1997 480.198 256.788 62.7 6.964 263.751 64.6 144.447 35.3
ملاحظات على الجدول:
1. الناتج المحلى الإجمالي الأمريكي وصل عام 1996 إلى 7.200 تريليون دولار، أو 47% من الناتج المحلى الإجمالي لدول الحلف، وتحملت الولايات المتحدة 60.61% من الإنفاق الدفاعي.
2. وصل الناتج المحلى الإجمالي للدول الأوروبية الأعضاء في الحلف في العام نفسه 7.761 تريليون دولار، أو نحو 47% من الناتج المحلى الإجمالي لدول الحلف وتحملت الدول الأوروبية 36.6% من الإنفاق الدفاعي لدول الحلف.
3. استمر نفس الوضع عام 1997، إذ وصل الناتج المحلى الإجمالي الأمريكي إلى 7.600 تريليون دولار أو 48.7% من الناتج المحلى الإجمالي لدول الحلف.
4. وصل الناتج المحلى الإجمالي للدول الأوروبية الأعضاء في الحلف إلى 7.996 تريليون دولار أو 51 % من الناتج المحلى الإجمالي لدول الحلف، وتحملت الدول الأوروبية فقط 35.3% من إجمالي الإنفاق الدفاعي لدول الحلف.

وهكذا يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة ظلت منذ إنشاء الحلف، تتحمل نسبة أكبر من تلك التي كان يفترض أن تتحملها وفق نسبة ناتجها المحلي الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول أعضاء الحلف. وإذا كانت قد اضطرت إلى تحمل نسبة عالية في الخمسينيات، فشلت الولايات المتحدة في إقناع الدول الأعضاء الأخرى بزيادة إنفاقها العسكري. وشهدت قضية توزيع أعباء الدفاع خلافات شديدة، لاسيما مع تزايد عجز الميزانية الفيدرالية الأمريكية، وتزايد العجز في ميزان المدفوعات. اتجهت الولايات المتحدة إلى الضغط على الدول الأوروبية أعضاء الحلف، لزيادة إنفاقها الدفاعي، لذلك عمدت إلى الانفراد بقيادة الحلف، بما في ذلك منطقة جنوب أوروبا، ورفضت تسليم القيادة للأوروبيين، أو تقليص وجودها العسكري في القارة، كما عمدت إلى تطوير هياكل الحلف العسكرية، على النحو الذي لا يجعلها ملائمة تماما للأمن الأوروبي، مما يدفع الأعضاء الأوروبيين إلى زيادة الإنفاق من أجل تشكيل هياكل ملائمة للتعامل مع الأمن الأوروبي.
في مواجهة الضغوط الأمريكية، وبعد ثبات العجز الأوروبي عن العمل العسكري المستقل في أزمة البوسنة، عاميّ 1992،1993، اتجهت الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف إلى زيادة فاعلية المنظمات الأوروبية وتنشيط دورها في الحفاظ على الأمن في أوروبا، ممثلة في اتحاد أوروبا الغربية، وهو ما شجعته الولايات المتحدة، على أساس أنه يدفع الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف إلى مزيد من الإنفاق على أمنها، وحرصت على أن يجرى ذلك في إطار التنسيق الكامل للحلف.

رابعاً: الحوار مع دول جنوب وشرق المتوسط:
اتفقت الدول الأعضاء في الحلف، على أن بيئة ما بعد الحرب الباردة، قد أفرزت مصدرين لتهديد أمن الدول الأعضاء: الأول من الاتجاه الشرقي، والذي سعى الحلف إلى مواجهته عبر برامج التعاون المختلفة، وصولاً إلى فتح أبواب الحلف أمام كل الدول، نظرياً، وأمام عدد معين منها عمليا، إذ احتل ذلك الأولوية لدى كافة دول الحلف. أما الثاني فهو ـ حسب رؤية الحلف ـ من الجنوب أي البحر المتوسط والشرق الأوسط. ويتمثل التهديد، حسب رؤية دول الحلف، في الإرهاب، والجريمة المنظمة، وتهريب السلاح، وانتشار أسلحة الدمار الشامل والصواريخ الباليستية، وزيادة معدلات الهجرة من هذه المناطق إلى المجتمعات الأوروبية والأمريكية، الأمر الذي ترتب عليه مشاكل عديدة في تلك المجتمعات. إضافة إلى ذلك، فإن دول الحلف تراقب تطورات الأوضاع الداخلية، ومدى الاستقرار في عدد من البلدان العربية، وتسعى إلى التخطيط للعمل على مواجهة أية تطورات فيها، على النحو الذي يحفظ مصالحها الحيوية. هذا النوع من التهديدات، يأتي من خارج النطاق التقليدي لمسؤولية الحلف، إضافة إلى أنها تأتى من منطقة مغايرة ثقافياً وحضارياً، ومن ثم لم يكن مطروحا أن تحصل أي منها على عضوية الحلف، في الوقت الذي يحتاج فيه الحلف إلى ترتيبات، وقواعد، وتسهيلات، للعمل في مواجهة هذه التهديدات. لذلك بدت حاجة الحلف للاتفاق، مع عدد محدود من دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، بعد إقرار إنشاء “قوة العمل المشتركة المجمعة”، وهي بمثابة قوات انتشار سريع، للتدخل في مناطق الأزمات، التي تؤثر على أمن دول التحالف. كان من الضروري التوصل إلى صيغة محددة، مع عدد من الدول العربية، تتضمن الحصول على التسهيلات المطلوبة، لاسيما بعد أن كشفت حرب الخليج الثانية، عن أهمية هذا البعد، لتؤمن تسهيلات العمل لقوة المهام الخاصة، المكلفة بالتعامل مع التهديدات المحتملة، في جنوب المتوسط. إضافة إلى مراقبة ما تراه من امتلاك بعض دول المنطقة من الصواريخ التي يمكن أن تصل إلى أراضيها، واحتمالات امتلاك بعض دول المنطقة، لأنواع معينة من أسلحة الدمار الشامل. وكان الاهتمام الرئيسي بتلك المنطقة، والأخطار المحتملة من اتجاهها، من جانب دول الحلف المتوسطية، أي البرتغال، أسبانيا، إيطاليا، فرنسا، اليونان وتركيا.

طبيعة العلاقة المقترحة
لم تكن منطقة جنوب المتوسط، والشرق الأوسط، تمثل أولوية لدى الحلف، ولكنها كانت تمثل أولوية لدى الدول المتوسطية في الحلف، والتي سبقت الحلف في التحرك، لصياغة علاقاتها مع دول الجوار الجنوبي، لتتجنب، أو تحد من تأثير أي مصادر تهديد لأمنها. بدأ اتحاد أوروبا الغربية الحوار مع ست دول جنوب البحر المتوسط، وبذلت الدول الأوروبية المتوسطية، جهوداً مضنية لإقناع دول الجوار الجنوبي، بنقل تجربة منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وإقامة نموذج منها في الشرق الأوسط.

وبعد الاتفاق المبدئي بين دول الحلف، على قضية التوسع شرقاً، عاد الحلف بضغوط من دوله المتوسطية، للاهتمام بمسألة العلاقة مع دول الجنوب، فأعلن الحلف مبادرته تجاه المتوسط، في أواخر عام 1994، وهى المبادرة التي تشير إلى الملاحظات التالية:
1. غياب الإجماع حول محتوى الحوار، والهدف الرئيسي من ورائه، فعلى حين طالبت الدول المتوسطية بتكثيف الحوار، وتخصيص موارد كافية للوصول إلى اتفاقات محددة، تلبى حجم المخاوف من التهديدات، التي ترى هذه الدول أن أمنها يتعرض له، من جنوب المتوسط والشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة، والدول غير المتوسطية، في الحلف، لم تكن مستعدة لتوجيه نفس القدر من الاهتمام، أو تخصيص الموارد الكافية، للتجاوب مع رؤية الشركاء المتوسطيين، كما أن واشنطن، رفضت كل ما من شأنه أن يؤثر، على مسيرة تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، والتي كانت تحظى بالأولوية لديها، على ما عداها من قضايا متوسطية وشرق أوسطية.
2. أن الاختلافات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، تضع قيودا عديدة على قدرة الحلف، في بناء علاقات تعاونية، مع دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، لاسيما في ظل الصورة السلبية للحلف، في العالم العربي.
3. ما تراه دول الحلف المتوسطية من مصادر تهديد لأمنها، من الجنوب، لا يتطلب مواجهته، الدخول في علاقات تعاون عسكري، بل مجرد تعاون أمني، ومساعدات اقتصادية، وتعاون في قضايا اقتصادية واجتماعية، على النحو الذي يمكن تحقيقه، من خلال حوار يرعاه الاتحاد الأوروبي وليس الحلف.

نظراً لعدم تبلور الاتفاق داخل الحلف، حول ضرورة ومحتوى الحوار، مع دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، إضافة إلى الاختلاف في الرؤية، بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية المتوسطية، حول أولويات الحوار، بادرت أربع من الدول الأوروبية: أسبانيا، فرنسا، إيطاليا، والبرتغال، في 15 مايو 1995، بإنشاء وحدات عسكرية للتدخل، في مواجهة ما تراه يمثل تهديداً أمنياً لها، وتمثلت هذه القوات في:
أ. قوة الانتشار السريع الأوروبية European Rapid Operational Force
ب. القوة البحرية الأوروبية European Maritime Force
وحُددت مهام هذه القوات، في الإعلان الذي أصدره الاجتماع الوزاري، لاتحاد أوروبا الغربية، في بتسبرج “Petersberg” في يونيه عام 1996، على الوجه التالي:
أ. القيام بالمهام الإنسانية، وإجلاء الرعايا، في حالات الأزمات والطوارئ.
ب. حفظ السلم والأمن الدوليين.
ج. إغاثة وإجلاء المدنيين.
د. المساعدة في حالات الكوارث الطبيعية.
هـ. تقديم العون الطبي المناسب.
و. ملاحقة تهريب المخدرات، والهجرة غير الشرعية.

أثار إعلان تشكيل هذه القوات، تساؤلات عديدة، داخل دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، عن المسرح المستهدف لعمل هذه القوات. لذلك قام حلف شمال الأطلسي بالتجاوب مع مخاوف الأعضاء المتوسطيين، من خلال التحرك الجاد، من منظور خبرة حرب الخليج الثانية. وذلك بضرورة الدخول في حوارات على أساس ثنائي، مع عدد من دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، يمكن من خلالها التوصل إلى اتفاقات محددة، تضمن النجاح السريع، لعمل “قوة العمل المشتركة المجمعة”، التي أنشأها الحلف، إذا ما رأت دول الحلف، ما يستوجب عملها. لاسيما وأن هذه القوات، هي أقرب إلى قوات التدخل السريع، خارج المنطقة التقليدية لنشاط الحلف، وخاصة منطقة الشرق الأوسط، وذلك من خلال التوصل إلى اتفاقات محددة، حول التدريبات العسكرية المشتركة، التي تتعرف من خلالها هذه القوات، على البنية العسكرية لدول المنطقة، وربما يجرى تكييفها، مع متطلبات عمل هذه القوات. إضافة إلى العمل على نشر التعليم العسكري الغربي، في جيوش المنطقة.
قدم الحلف مبادرة لإجراء حوارات، على أساس ثنائي مع عدد من دول جنوب المتوسط والشرق الأوسط، هي: مصر، تونس، المغرب، موريتانيا، الأردن، إسرائيل. وذلك بهدف “تعزيز الثقة والتعاون”. وأوصى البيان الختامي لقمة الحلف، في مدريد، (8 ـ 9 يوليه 1997)، بضرورة تعزيز الحوار مع دول جنوب المتوسط، مشيرا إلى أن ” المنطقة المتوسطية، تستحق اهتماماً كبيراً، لأن أوروبا كلها ترتبط بشكل وثيق، بأمن واستقرار منطقة المتوسط”. وأوصت القمة بتشكيل “مجموعة التعاون المتوسطي”، تحت إشراف مجلس سفراء دول الحلف، بهدف توسيع وتعميق الحوار، مع دول الجنوب، وبحث الجوانب العملية، التي يمكن أن تشكل في المستقبل، قاعدة للتعاون مع دول الجوار الجنوبي”.
بدا واضحاً، أن الحوار الذي بدأه الحلف، مع دول جنوب المتوسط، والشرق الأوسط، (أسماه البعض بالشراكة بين الحلف وهذه الدول) يهدف بالأساس، إلى تهيئة المناخ أمام قوة العمل المشترك المجمعة، وأيضا وضع لبنة جديدة في صرح بناء شبكة من العلاقات، بين الدول العربية وإسرائيل.
أصبحت أفكار “الشراكة” الخيار المفضل، من قبل الدول الغربية، لاسيما بعد أن تبين لها، صعوبة تنفيذ الأفكار الأخرى، التي جرى طرحها في مراحل سابقة، مثل إقامة منظمة للأمن والتعاون في الشرق الأوسط، على غرار نظيرتها في أوروبا، لتأمين العمل السريع، في منطقة جنوب المتوسط، والشرق الأوسط، بتوفير الأساس القانوني الرسمي للعمل، من ناحية، والتأقلم مع البيئة العسكرية التحتية، لدول المنطقة، من ناحية أخرى، وذلك من أجل ضمان النجاح، لقوات الانتشار السريع، التابعة للحلف، إذا ما رأت دول الحلف أن هناك ما يستدعى التدخل، في منطقة جنوب المتوسط.
تطرح هذه الفكرة، العديد من التساؤلات، حول المدى الذي يمكن أن تشارك فيه الدول العربية، في إطار هذا الحوار. والمدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا الحوار كذلك، وما قد يترتب عليه من اتفاقات، تسمح لقوة العمل المشتركة المجمعة، بالعمل في مواجهة ما تراه دول الحلف، أنه يهدد مصالحها، وهو العمل الذي قد يوجه، ضد أي دولة عربية، أو غير عربية، جنباً إلى جنب مع قوات دول أخرى منها.

خامساً: مشكلة كوسوفو وحلف الناتو:
إقليم كوسوفو، أحد أقاليم البلقان، يقطنه أغلبية ذات أصل ألباني، الدولة المجاورة، وهي أغلبية مسلمة كذلك، منذ الفتح العثماني للمنطقة في القرن الرابع عشر الميلادي (1371م). وقد استولت صربيا ـ أحد أقاليم البلقان ـ ذات الأغلبية الأرثوذكسية، على مناطق من كوسوفو، وكذلك مناطق من كل من البوسنة ومقدونيا، وهما إقليمان بهما أغلبية مسلمة (البوسنة) أو نسبة المسلمين بها عالية (مقدونيا)، خلال فترة انحسار النفوذ العثماني (1912 ـ 1913) وأرغمت المسلمين في تلك المناطق، وكذلك المسيحيين الكاثوليك، على اعتناق الأرثوذكسية.
قتل ولي العهد النمساوي، الأرشيدوق فرانسيس فرديناند وزوجته، بواسطة طالب صربي [2]، في مدينة سراييفو البوسنية، في 28 يونيه 1914. وعلى أثر ذلك وجهت النمسا إنذاراً إلى صربيا، في 23 يوليه 1914، للسماح ببعثة قضائية نمساوية الإشراف على التحقيق خلال 48 ساعة، ولما لم تستجب، أعلنت النمسا الحرب وهاجمت صربيا وغزتها في 28 يوليه 1914، لتبدأ أحداث الحرب العالمية الأولى.
منحت القوات النمساوية الغازية، للأقليات المسلمة في البوسنة وكوسوفو، حكماً ذاتياً ثقافياً، وبانتهاء الحرب العالمية الأولى، نشأت الدولة اليوغسلافية، وضمت كل أقاليم البلقان (عدا ألبانيا) وتبددت أحلام تلك الأقاليم في حكم ذاتي، ونشأت حركات معارضة في معظمها، ومنها كوسوفو، ضد سيطرة الصرب على الدولة الجديدة التي أعلنت في ديسمبر 1918.
أعادت الدولة اليوغسلافية، ذات السيطرة الصربية، التمييز بين مواطنيها، فأغلقت المدارس في كوسوفو، ومنعت إصدار جرائد بلغاتها الألبانية، وأتبعت سياسة استيطانية، لتغيير التركيبة الديموجرافية في المنطقة، بداية بمصادرة أراضي كبار الملاك في الإقليم وتوزيعها على الجنود الصرب المتطوعين، والذين التحقوا بالجيش في نوفمبر 1918.
استمرت تلك الأوضاع هي السائدة في كل أقاليم دولة يوغسلافيا، مما أفقد الحكم الصربي شعبيته، بينما كان الحزب الشيوعي اليوغسلافي، تتسع شعبيته وتتزايد، خاصة مع إعلانه تضامنه مع حركة التحرر القومي الألباني (وكانت ممثلة بواسطة اللجنة الكوسوفية على الساحة السياسية) وكانت تدعو إلى ضم الإقليم الكوسوفي إلى ألبانيا. وبوصول الزعيم الشيوعي اليوغسلافي جوزيف بروز تيتوJosip Broz Tito إلى سكرتارية اللجنة المركزية، للحزب الشيوعي، في يوغسلافيا، عام 1937، بدأ في طرح توجه عام لإعادة بناء يوغسلافيا موحدة، يراعى فيها المساواة بين القوميات، إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية، أدى إلى تأجيل ذلك، إذ غزت القوات الألمانية يوغسلافيا التي قاومت بشدة، تحت قيادة تيتو.
بانتهاء الحرب العالمية الثانية، عاود تيتو تجميع القوميات المختلفة في البلقان، تحت حكم فيدرالي تحت اسم الاتحاد اليوغسلافي، واعتبرت كوسوفو أحد أقاليمه، إلا أنه في نفس الوقت ضم كوسوفو وغيرها إلى صربيا، حتى يمكنه الحصول على تأييد الصرب لحكمه. وعارض ألبان الإقليم القرار، ولجأوا إلى المعارضة المسلحة. وخشي تيتو أن تتأثر علاقته بألبانيا، نتيجة لقراره بضم كوسوفو إلى صربيا، فمنحها حكماً ذاتياً .
أدخل تيتو تعديلات عديدة على دستور الدول، لتخفيف المركزية بالأقاليم، ومنحها مسؤولية سياسية واقتصادية واجتماعية أكبر، وصلت إلى حد تسميتها بالجمهوريات، تضمهما دولة فيدرالية، وبذلك أصبحت كوسوفو جمهورية كاملة الأهلية، وكان ممثلها في المجلس الفيدرالي، يتولى الحكم لمدة عام، طبقاً لترتيبه، حسب نظام الحكم المعمول به (رئيس كل إقليم، يتولى رئاسة الدولة الاتحادية، لمدة عام). وهدأت المعارضة الألبانية في الإقليم.
بموت تيتو، برزت الخلافات العرقية في منطقة البلقان، وتفجرت الاضطرابات العرقية وتصادم الصربيون والألبان في إقليم كوسوفو، عام 1989، وتحرك الصرب، في ظل الحكم الفيدرالي الضعيف، للاستيلاء على السلطة.
ألغى الصرب الحكم الذاتي لإقليم كوسوفو (1989)، ورد الألبان بإعلانهم الاستقلال في 2 يوليه 1990. وكان الحزب الشيوعي اليوغسلافي قد تخلى عن السلطة في يناير 1990، وسمح بإنشاء أحزاب أخرى، وهو ما زاد من التناقضات في المنطقة، إذ فازت أحزاب غير شيوعية في بعض المناطق، في الاتحاد اليوغسلافي، وبدأ الصدام بين الجمهوريات التي وصل إلى الحكم فيها الجبهات المعارضة، وبين تلك التي بقت تحت سيطرة الشيوعيون، وطالبت الجمهوريات بتخفيف حدة المركزية واستبدال الفيدرالية، بالكونفدرالية، أو الانفصال عن الاتحاد، وهو ما اتجهت إليه كرواتيا وسلوفينيا فأعلنتا الاستقلال، في يوليه 1990، بينما رفضت صربيا (المهيمنة على الحكومة الفيدرالية) ذلك. وسارع البرلمان الفيدرالي بتخويل الحكومة حق استخدام الجيش لضمان وحدة يوغسلافيا، ودفعت الحكومة المركزية، الجيش الاتحادي، داخل أراضي سلوفينيا لإعادتها تحت السيطرة المركزية، مما دفع المجموعة الأوروبية، التي كانت تراقب الموقف، إلى المشاركة بالتدخل، وإبرام اتفاق لوقف القتال بين سلوفينيا والقوات الاتحادية. مرة أخرى دفع الصرب الجيش الاتحادي إلى كرواتيا حيث استطاع فرض سيطرة الصرب الكروات (12% من السكان) على الأغلبية الكرواتية. وتدخلت المجموعة الأوروبية بالوساطة مرة ثانية، ورفضتها صربيا، فاعترفت المجموعة الأوروبية باستقلال كل من سلوفينيا وكرواتيا.
تدخلت الأمم المتحدة كذلك، وتمكنت بجهودها، من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين صربيا وكرواتيا، وتقرر كذلك نشر قوات دولية لحفظ السلام. وبذلك نجحت الأمم المتحدة في تجميد الموقف دون حله.
في فبراير 1992، أجرى البوسنيون استفتاءً للاستقلال عن يوغسلافيا، وصوت غالبية السكان لصالح الاستقلال، وعلى الفور أشتبك صرب البوسنة مع سكانها من الكروات والبوسنيين المسلمين وتدخل الجيش الاتحادي، ليمكن الأقلية الصربية من السيطرة على الجزء الأكبر من جمهورية البوسنة، وأعلن صرب البوسنة جمهورية مستقلة في ذلك الجزء من البلاد، في أبريل 1992.
تدخلت المجموعة الأوروبية والأمم المتحدة، بالوساطة تارة، والتهديد بالعقوبات تارة، إلا أن الجيش الاتحادي خرق كل قرارات وقف إطلاق النار، من أجل الاستيلاء على مزيد من الأرض لتحقيق حلم صربيا الكبرى، وينقلب الصراع من صراع للاستقلال، إلى حرب عرقية ضارية ذات طابع ديني أحياناً، واستنكر العالم كله تلك المذابح البشعة، طيلة أربعة سنوات، حتى تدخلت الولايات المتحدة، وأجبرت الطرف الصربي، كارهاً، إلى التفاوض مع البوسنيين. وانتهت المفاوضات باتفاق دايتون للسلام، في 14 ديسمبر 1995 الذي قسم البوسنة بين الصرب (49%) والكروات والمسلمين (51%) يجمعهما دستور فيدرالي وعاصمة موحدة (سراييفو).
كانت جمهورية الجبل الأسود، قد وافقت على البقاء في الاتحاد فتركوها الصرب، بينما كانت كوسوفو ومقدونيا تحاولان الحصول على استقلالهما، لذلك نقل الصربيون قواتهم إلى كوسوفو، مما دفع القيادات السياسية بإقليم كوسوفو، إلى المسارعة لتنبيه العالم وتحذيره، من خطورة الوضع في كوسوفو. ولم تكن كوسوفو مثل البوسنة، فالحرب إذا نشبت بها لن تكون محدودة، إذ كان هناك وجود قوي للألبان في كوسوفو، وكذلك مقدونيا والجبل الأسود المجاورتان، كما أن مجاورة الإقليم لألبانيا، يزيد من حدة الاشتباك ويوسع من نطاقه، وقد ينتقل إلى دول أخرى، لها أصول بالإقليم، مثل تركيا وبلغاريا، أو تؤثر الحرب في الإقليم على سكانها ومصالحها، مثل اليونان.
هددت بعض الدول الأوروبية القريبة من مسرح العمليات (إيطاليا، بريطانيا، فرنسا) الصرب، من نقل الحرب إلى كوسوفو، وتمكنت من التوصل لاتفاقية صربية ألبانية باسم “أوسلو” في سبتمبر 1996، بينما كان الرئيس المنتخب في كوسوفو يقود معارضة سلمية. وأدى تباطؤ الصرب المتعمد، في تنفيذ الاتفاقية، إلى زيادة التوتر، واضطر رئيس الدولة الكوسوفية إلى التخلي عن تمسكه بالمعارضة السلمية، في الذكرى السنوية الأولى للاتفاقية، وتدخل جيش تحرير كوسوفو، الذي كان قد تكوّن في سرية تامة، ونفذ عدة عمليات محدودة شملت خطف وقتل الجنود اليوغسلاف، مما أدى بالجيش الاتحادي إلى تنفيذ عدة عمليات ضد سكان الإقليم، بدعوى تعقبهم لجيش تحرير كوسوفو. وبدأ أكبر حملة تصفية عرقية في أوروبا في النصف الثاني من القرن العشرين، وأجروا عمليات نزوح جماعي ضخمة لتفريغ الإقليم من السكان.
كانت المنظمات الأوروبية الثلاث (الاتحاد الأوروبي، منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، حلف الناتو)، تراقب الوضع في كوسوفو عن كثب، لذلك قررت مجموعة الاتصال الدولية [4]، دعوة السلطات الاتحادية (الصربية)، وممثلي الأغلبية الألبانية في كوسوفو إلى التفاوض حول خطة سلام في الإقليم، في ضاحية رامبوييه “Rambouillet” قرب العاصمة الفرنسية باريس “Paris” (6 ـ 23 فبراير 1997).
اعترض الطرفان (الصرب، والكوسوفيون) على خطة السلام، إذ لم تشر إلى إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو ما أعترض عليه الكوسوفيون، كما إنها كانت تضع تنفيذ الاتفاق تحت إشراف قوة من الحلف، عدها الصربيون تدخلاً أجنبياً غير مقبولاً. ونتيجة لذلك توقفت المباحثات، ولم تسفر عن توقيع اتفاق بين الطرفين.
انهار وقف إطلاق النار في كوسوفو، بعد فشل المفاوضات، وتصاعدت الاشتباكات بين القوات الصربية والمقاتلين الألبان. وعزز الصرب وجودهم في الإقليم الكوسوفي، بحشود عسكرية كبيرة، للسيطرة على أكبر رقعة من الإقليم، وأرغموا الآلاف من الألبان الكوسوفيون، على ترك منازلهم وقراهم، والهجرة إلى الأقاليم المجاورة. وشدد جيش التحرير الكوسوفي من عملياته ضد الجيش الاتحادي، والذي صب جام غضبه على القرى الألبانية الأصل، بينما واصل حلف الأطلسي تهديده، باستخدام القوة التي لم يكن يملك تفويضاً من الأمم المتحدة باستخدامها، إذ لم يعد الطرفان للتفاوض، وأعتبر التفاوض مجدداً في رامبوييه، فرصة أخيرة لتجنب الضربات العسكرية للحلف.
رغم التحذير الجدي للحلف، فإن الرئيس اليوغسلافي استمر في حملة التصفية العرقية التي دفع الجيش الاتحادي للقيام بها. بينما اتجه سكرتير حلف الناتو خافيير سولانا إلى مقدونيا، للاتفاق على ترتيبات استخدام أراضيها كقاعدة لقوات الحلف .
سادساً: الحرب في البلقان:
مساء 24 مارس 1999، بدأ حلف الأطلسي عملياته العسكرية، ضد يوغسلافيا، لإقناع الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش بالتوقيع على خطة السلام ذات شقين (اتفاق رامبوييه): الأول إقرار حكم ذاتي موسع لإقليم كوسوفو، والثاني دخول القوات التابعة لحلف الأطلسي إلى إقليم كوسوفو لضمان تنفيذ الاتفاق ومراقبة التطورات.
كان التدخل العسكري، بقرار سياسي أمريكي، وتأييد من المملكة المتحدة، وكان وراء ذلك دوافع كامنة لاستخدام العمل العسكري المباشر، لتسوية المشكلة في كوسوفو، إذ كان الأمريكيون يتلهفون لتطيق المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف، والذي فرضوه على باقي الأعضاء بالحلف، وهو ما يحمل أكثر من معنى، لكل الأطراف:
1. إخطار الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف، بعدم جدوى معارضة الرؤية الأمريكية للمفهوم الاستراتيجي، فمن اختصاص الولايات المتحدة إعادة ترتيب العلاقات الأوروأطلسية.
2. إخطار الدول الأوروبية، الغير أعضاء بالحلف، بأن الأمن والاستقرار في القارة، يعتمد على العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة.
3. توجيه روسيا الاتحادية، إلى عدم جدوى معارضتها لتوسيع الحلف، أو مقاومة مهامه الجديدة، إذ يطبق المفهوم الجديد للحلف على أقرب حلفاءها وأشقائها السلافيين.
4. إعلام العالم، بأن الولايات المتحدة هي القطب العالمي الأوحد، بعد انتهاء الحرب الباردة، وأنه لا تجدي مقاومة ترتيباتها، أو الاعتراض على سياستها الخارجية.
على الجانب الآخر، كان الأمريكيون يعتمدون على انتهاء الأعمال العسكرية بسرعة، ودون خسائر تذكر في الجانبين (حرب سريعة نظيفة حاسمة) توضح النموذج الأمريكي لحروب المستقبل ضد أي دولة تخرج عن الطاعة أو تعارض المشيئة الأمريكية الأطلسية. كان التقدير الأمريكي، والذي اقتنع به الحلف، أن الرئيس اليوغسلافي، قياساً على نموذج البوسنة، سيرضخ في الوقت الأخير، ويسلم بشروط الحلف، تجنباً للقصف الجوي، وهو ما يحقق الهدف السياسي، بالتلويح بالحل العسكري.
اختلف الحلفاء في نظرتهم لحل الصراع في البلقان، من وجهة نظر أمنهم ومصلحتهم، امتداداً لخلافهم تجاه العقيدة العسكرية الجديدة للحلف ودوره المستقبلي. وقد انعكس الخلافان على قمة واشنطن الاحتفالية مايو 1999، (أُنظر ملحق الوثائق التي صدرت عن قمة الناتو الخمسين (الاحتفالية) بواشنطن في 24-25 أبريل 1999) حيث كان مرتباً لتعبر عن تضامن دول الحلف وانتصارهم على خصومهم (حلف وارسو والاتحاد السوفيتي) عبر خمسون عاماً، واندثار الخصوم وبقاء حلف الناتو. لذلك كانت تلك الخلافات، تنذر بإفساد الاحتفال، فبعد أن فشل وزراء الخارجية في صياغة البيان الختامي والاتفاق على ما جاء في جدول أعمالهم، وأصبح على رؤساء الدول والحكومات، التوصل إلى تفاهم محدد حول القضايا المختلفة عليها، وكانتا اثنتين، هي الأكثر أهمية، وتعقيداً: إقرار العقيدة العسكرية الجديدة للحلف، وحل قضية كوسوفو. وقد استطاع الرؤساء تخطي المناسبة دون تعكيرها، بإصدار بيان اتسمت صياغته بالعمومية ودون توضيح درجة الاتفاق من إجماع أو اتفاق أو خلاف.
رغم أن الحملة الجوية للناتو، ضد يوغسلافيا، بدأت عقب فشل مفاوضات رامبوييه، لرفض اليوغسلاف اتفاق السلام الذي قدمته لها الولايات المتحدة، إلا أن مسؤولية الفشل وجهت إلى الدول الأوروبية، لعجزهم التوصل إلى اتفاق مثل اتفاق دايتون الذي توصلت إليه البوسنة والهرسك مع اليوغسلاف والذي كان برعاية الولايات المتحدة.
كانت خطة الناتو العسكرية (الأمريكية الصبغة والتنفيذ) من ثلاث مراحل: الأولى كانت تستهدف تدمير القوات اليوغسلافية، المنتشرة في كوسوفو، وقواعد الدفاع الجوي، والاتصالات داخل صربيا والجبل الأسود. أما المرحلة الثانية، فقد تضمنت تنفيذ هجمات مركزة عنيفة ضد المواقع الصربية في كوسوفو وقواعد الدفاع الجوي الصربية في كوسوفو وصربيا. المرحلة الثالثة كانت مرتبطة برد فعل الصرب، ففي حالة موافقة الرئيس الصربي على خطة السلام، يرسل الحلف قوة للحفاظ على السلام (28 ـ 30 ألف جندي)، وتتوقف العمليات الجوية ضد يوغسلافيا. وإذا أصر الرئيس الصربي على موقفه المتشدد، وصعد الصراع مع الحلف إلى مستوى أعلى من المواجهة العسكرية المفتوحة، تبدأ المرحلة الثالثة من العمليات الجوية، والتي كان مخططاً أن تستهدف العمق الصربي نفسه. وقد تنفذت المراحل الثلاثة كما كان مخططاً، إذ قصفت أهداف المرحلتين الأوليتين لمدة 48 ساعة، ثم أعقبها أهداف المرحلة الثالثة، دون أن يبادر الرئيس الصربي للموافقة على مطالب الحلف (كما كان مقدراً).

لنجاح العمليات الجوية، ركز الأمريكيون على ثلاث أهداف عسكرية رئيسية:
1. إسكات وسائل الدفاع الجوي، لتأمين القوة الجوية المنفذة للضربة الجوية.
2. شل عناصر القيادة والسيطرة، ومراكز المواصلات والاتصالات، لإضعاف سيطرة القيادات السياسية والعسكرية للصرب، على القوات الاتحادية
3. تدمير القوة الرئيسية للصرب، المتمثلة في المدرعات وأي قوات صربية ذات فاعلية، داخل كوسوفو.

لتنفيذ مهام وأهداف العمليات الجوية، حشد الناتو ثلاث وسائل قتالية، رئيسية، وحدد لكل وسيلة مهام وأهداف معينة، كانت تلك الوسائل، هي:
1. الصواريخ الباليستية أرض/ أرض أو جو/ أرض أو سطح/ أرض من نوع كروز ـ توماهوك “Toma Hawk – Cruise”. وكانت أهدافها مراكز القيادة والسيطرة، ومواقع القيادة للدفاع الجوي.
2. قاذفات القنابل الثقيلة من طرازيّ ب52، ب2 “B – 52, B – 2″، وكذلك قوة القاذفات المقاتلة من أنواع ف 15، ف 16، ف 117 الشبح 15, F – 16, F – 117 Stealth” وكانت أهدافها المحددة قصف القوات الصربية، في كوسوفو، والأهداف الحيوية والمناطق المستهدفة داخل الصرب.
3. الطائرات من نوع أ ـ 10 “A – 10″، والطائرات قانصة الدبابات العمودية من نوع أباتشي “AH – 64 Apache”، وكانت أهدافها المحددة، تدمير الدبابات الصربية في كوسوفو .
ورغم أن الحلف دعم تلك القوة، بعدة طائرات فرنسية وبريطانية (من نوعي ميراج 2000 “Mirage – 2000″، وتورنيدو “Tornado”، واستقدم عدة وحدات جوية أخرى، حتى وصل عدد الطائرات المشتركة في العمليات الجوية ألف طائرة، فقد تحمل الصرب القصف، بل ودفعوا قوات إضافية (حوالي 1000 جندي) وعدة وحدات خاصة (كوماندوز) ومدرعات وآليات مدرعة ومدفعية. وزاد الحلف من قواته، ومن عنف الحملة القمعية ضد الصرب، ورد الصربيون بتصعيد القمع ضد الإقليم، محاولين استئصال شأفة الألبان في كوسوفو. وأصبح واضحاً أن العمليات الجوية، غير قادرة على تحقيق نتائج حاسمة، وقد يرجع ذلك لأن الأمريكيون كانوا يرغبون في استسلام الصرب، دون خسائر جسيمة في قواتهم للإبقاء على التوازنات في المنطقة، وأنه لا بد من مشاركة القوات البرية، وإلا فإن قرار إنهاء الحرب، أو امتدادها، سيصبح في يد الغريم الكوسوفي.

كان الصربيون، قد أعدوا قواتهم لحرب برية ضد قوات الناتو وأحاطوها بثلاث نطاقات من العوائق:
1. الخط الأول:
يتألف من أعداد كبيرة من اللاجئين الألبان، يستغلهم الصربيون كدروع بشرية، بعد أن أجلوهم عن مناطقهم السكنية، وأقاموا في معسكرات حدودية في مقدونيا وألبانيا، أو داخل كوسوفو، مما يستحيل معه بدء هجوم بري بحجم كبير من مقدونيا وألبانيا مع وجود تلك المئات من الألوف من اللاجئين.
2. الخط الثاني:
يتألف من نطاق حقول ألغام ممتدة وبعمق كبير، ومنتشرة في كل الأراضي الكوسوفية وعلى حدودها مع الدول الأخرى. وهي بلا شك ستعوق قوات الناتو البرية، أو تؤخر تقدمها لفترة طويلة .
3. الخط الثالث:
مكون من شريط المدن والقرى، التي يقطنها الألبان، في الجنوب والوسط، والتي لم يتعرض لها الصرب ليمكن للقوات الصربية، الاستتار بها عند مواجهتها لقوات حلف الناتو، وكانت تمثل ثلث السكان الكوسوفيون من أصل ألباني فقط.
وضح أن التدخل البري، سيعرض طرفين لخسائر جسيمة في الأرواح وهي قوات حلف الناتو، والألبان الكوسوفيين، إضافة لاحتياجه إلى حجم ضخم من القوات، تتعدى 200 ألف جندي، حتى يمكنهم هزيمة قوة من الصرب في كوسوفو حجمها 40 ألف جندي، و300 دبابة. كذلك كانت التعقيدات السياسية تحول دون التدخل البري، فقد كانت الأحوال الداخلية المعاصرة، في دول الحلف الرئيسية المشاركة في الحملة (ألمانيا، فرنسا، إيطاليا) لا تحتمل فكرة تدخل بري، إذ كانت حكومات تلك الدول، يشارك فيها قوى سياسية، ذات ثقل سياسي، تعارض فكرة التدخل البري (حكومات ائتلافية).
كانت العمليات القمعية العسكرية للصرب، تمثل كذلك مخاطرة محفوفة بالأخطار، إذ أنها تزيد من احتمالات اتخاذ الناتو قراراً بالتدخل العسكري برياً، مباشرة، رغم المحاذير والقيود، لوقف التعنت الصربي، ورفع المعاناة عن شعب بأسره. ويعني ذلك، ليس فقط احتمالات الهزيمة المؤكدة للقوات الصربية، بل كانت ستؤدي إلى تحقيق هدف رئيسي للحلف، بالإطاحة بنظام الحكم في الصرب. وفي تلك الحالة، فإن قوات الحلف البرية يمكنها التدخل ضد الصرب من خلال عدة محاور، تؤكد إمكانية تحقيق الهدف، وهي:
1. التقدم من محوري ألبانيا ومقدونيا مباشرة بالقوات المحشودة بهما، داخل صربيا.
2. عبور قوات أمريكية الأراضي السلوفاكية، قادمة من ألمانيا، إلى بلجراد مباشرة.
3. فتح جبهة جديدة، من اتجاه المجر، العضو الجديد في الحلف للتقدم في شمال صربيا، والتعاون مع الثوار من أصل مجري في إقليم فوفودينا “Vojvodina”، للتمرد على الحكومة في بلجراد.
4. الضغط على حكومة الجبل الأسود، لتعلن انفصالها عن الاتحاد اليوغسلافي.

سابعاً: الموقف الروسي من التدخل العسكري في كوسوفو:
كان الموقف الروسي والصيني، الرافض لتلك العمليات العسكرية، يفرض قيوداً على حرية العمل العسكري، كان أهمها تحجيم الحلف، ومنعه من استخدام قوته الضخمة، أو أسلحته الأشد تأثيراً، بفاعلية، ضد الصرب، فقد كانت روسيا ترى في العمليات الجوية للحلف تهديداً لأمنها، لذلك اتخذت موقفاً رافضاً متشدداً، إلى حد التهديد بتصدير الأسلحة إلى الصرب، كما نشرت صواريخ باليستية، ذات رؤوس نووية، في روسيا البيضاء “Belarus”.

ويرتبط ذلك الموقف المتشدد للروس، بعدة اعتبارات:
1. محاولة الظهور كدولة عظمى ذات فاعلية، لتجنب محاولات الأمريكيون لتهميش الدور الروسي في السياسة الدولية.
2. ارتباط المصالح الوطنية الروسية، في منطقة البلقان، وتوطد العلاقات مع الصرب منذ عدة سنوات.
3. المبادئ الجديدة للسياسة الخارجية، والتي تحاول إيجاد دور أوروبي للدولة الروسية، لتجنب عزلتها، خاصة بعد اتجاه دول حلف وارسو سابقاً إلى الغرب.
أدى الموقف الروسي إلى تقييد قدرة قوات الناتو، وهو ما لاحظته القيادة الصربية، فتحركت بحرية أكبر في كوسوفو، مطورة أعمالها القمعية، ممتلكة للمبادرة، مسببه إحباطاً للهدف السياسي للحلف، لعدم قدرته على وقف التطهير العرقي الواسع النطاق، الذي تمارسه القوات الصربية في كوسوفو.

ثامناً: التسوية، والعودة للمفاوضات:
كلفت مجموعة الدول الصناعية، الغنية، المبعوث الروسي فيكتور تشيرنو ميردين، وممثل الاتحاد الأوروبي مارتي أهيتساري (الرئيس الفنلندي)، التباحث مع الرئيس اليوغسلافي سلوبودان ميلوشيفتش، وقد تمكنا من التوصل إلى اتفاق معه لوقف الهجمات الجوية للحلف على يوغسلافيا، ووضع أسس عامة للتسوية في إقليم كوسوفو.
رفض الروس الاتفاق، بحجة أنه يتضمن شروطاً أطلسية الصبغة، تحقق للحلف الادعاء بالنصر وهزيمة الصرب، بل أنه يتدنى (أي الاتفاق) إلى مرتبة الاستسلام. وأستغل الروس تركيز الإعلام الغربي على اللقاءات العسكرية بين الحلف والصرب لتأكيد ما ذهب إليه، خاصة أن تلك اللقاءات كانت تدور في مباحثات تفصيلية لخطط الانسحاب من كوسوفو، التي ستنفذها القوات الصربية .
كان الحلف يخطط للاحتفال بالانتصار واستسلام يوغسلافيا، دون الإشارة إلى روسيا الاتحادية. وخطط لدخول قوات الحلف إلى الإقليم، ووزعت القوات بالجنسيات، في قطاعات ومناطق جغرافية، دون الإشارة إلى الدور الروسي، أو تقبل مجرد فكرة إشراك الروس في برنامج الإشراف على تنفيذ الاتفاق. لذلك سعت روسيا إلى الضغط على الحكومة اليوغسلافية لوقف التوقيع على الاتفاق أو تنفيذه. ورداً على ما أعتبره الروس إهانة لهم واستهانة بقدراتهم السياسية والعسكرية، دعت إلى مفاوضات جديدة، سمتها المفاوضات الحقيقية، دون إملاء شروط استسلام على اليوغسلاف.
زاد تعقيد الموقف، بالتدخل الصيني، الذي هدد باستخدام حق الاعتراض (VETO) في مجلس الأمن، ضد أي قرار يخص مشكلة كوسوفو، إن لم تؤخذ مطالبها بعين الاعتبار، والتي كانت تتمثل في سرعة تقديم نتائج التحقيق، في قصف السفارة الصينية في بلجراد، بواسطة طائرات الناتو. كما طالبت بوقف العمليات الجوية في الحال، قبل طرح أي مقترح في مجلس الأمن. كذلك كانت الصين تطالب، بألا يتضمن قرار مجلس الأمن تفويضاً غير محدداً، يعطي حلف الناتو، أو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تحديداً، حق شن هجمات جوية، دون مراجعة المجلس، على غرار ما حدث في حرب الخليج الثانية.
بدأت مرحلة جديدة من التفاوض، بين اليوغسلاف (يدعمهم الموقف الروسي ـ الصيني)، وبين حلف الأطلسي. وأدى الموقف المتشدد للروس، والتدخل الصيني، إلى تغيير خرائط الانسحاب وتعديلها، وتغيير كذلك في صيغة الاتفاق، والتصريحات المتبادلة. وقد تزامن مع المفاوضات، تحرك دبلوماسي مع موسكو وبكين. أسفرت المفاوضات عن الاتفاق على تزامن بدء الانسحاب للقوات اليوغسلافية، مع وقف غارات الحلف الجوية، وصدور قرار مجلس الأمن الرقم 1244، بتاريخ 10 يونيه 1999، والذي يصرح، بقبول يوغسلافيا المبادئ التي وضعتها “مجموعة الثمانية” في 6 مايو 1999، كأساس للتسوية السلمية للأزمة، والبدء في الانسحاب طبقاً للخطة، يتزامن معه نشر قوات أمن دولية، وقوات مدنية دولية، تحت إشراف الأمم المتحدة. كما أعطى القرار للناتو، سلطات وصلاحيات كبيرة للسيطرة على قوات الأمن الدولية.

تاسعاً: دخول القوات الروسية إلى كوسوفو:
بمجرد صدور قرار مجلس الأمن، وبينما تستعد قوات الناتو لدخول الإقليم، طبقاً لخرائط الانتشار، باغت الروس الجميع، بإرسال قوة عسكرية ـ كانت ضمن القوات الروسية العاملة في البوسنة ـ لتعبر الحدود البوسنية / الصربية، وتعبر صربيا إلى بريشتينا، عاصمة كوسوفو، وتتمركز في شمال غرب العاصمة. وأصر الروس على المشاركة في أعمال حفظ السلام بالإقليم، كما أصروا كذلك على أن تبقى القوة الروسية مستقلة، وتعمل خارج قيادة حلف الناتو، وبذلك رد الروس اعتبارهم العسكري، بذلك العمل الذي تم بسرعة وإتقان شديدين، كما أكد ذلك العمل إصرار الروس على عدم إظهار الصرب كمنهزمين في المواجهة مع حلف الناتو.
نتائج عملية كوسوفو (ك 4):
لم تحقق العمليات الجوية للناتو، رغم قوتها، أهدافها كاملة، كما أن الاتفاق الموقع مع الصرب، يفتح الطريق لمرحلة جديدة من التفاعلات، يصعب التكهن باتجاهاتها، أو نتائجها، مع الاضطراب الشديد في الموقف، والشلل الذي أصاب الدول الأوروبية ومنظماتها، بفعل السياسة الأمريكية المهيمنة على المجال الأمني الأوروبي، والتدخلات الروسية، التي تشعر بالمهانة من التهميش السياسي

المبحث الثامن : حلف الناتو و التدخل في الأزمات العربية

بعد انتهاء الحرب الباردة، شهدت استراتيجية حلف الناتو تطورا ملحوظا، حيث امتد نشاطه، خلال التسعينيات من القرن الماضي، إلي منطقة حلف وارسو السابق، وسعي لضم العديد من دولة إلي عضويته. وقد تطورت عقيدة الحلف، خلال الفترة ما بين عامي 1991 حتي 2001، من “الردع” إلي “الدفاع عن المصالح الجماعية” لأعضائه خارج أراضيه. كما أصبحت تشكيلات تأخذ شكلا يناسب التدخل السريع، حال اندلاع أزمة من شأنها تهديد مصالح أعضاء الحلف، خاصة في منطقة حوض البحر المتوسط..

أطلق الحلف حوارا عام 1994 مع سبع دول متوسطية، هي: المغرب، وتونس، وموريتانيا، ومصر، وإسرائيل، والأردن، والجزائر، وذلك للتعاون في محاربة تهديدات محتملة لأعضاء الحلف، مثل الهجرة غير الشرعية، وتهديد المخدرات، والأنشطة الإرهابية. بعد اعتداءات سبتمبر 2001 علي الولايات المتحدة، شهدت استراتيجية الحلف تطورا جديدا، حيث تم الاتفاق في قمة براج نوفمبر 2002 علي خطة عمل مشتركة ضد الإرهاب، وإنشاء قوة رد سريع متطورة عام 2006.

اهتم الحلف في هذه الفترة أيضا بتطوير التعاون الأمني الثنائي بين دول الحلف وبلدان الشرق الأوسط الموسع. وتم طرح مبادرة اسطنبول للتعاون الاستراتيجي في يونيو 2004، لتكون بداية لهذا التعاون. انضمت لهذه المبادرة أربع دول خليجية هي الكويت، والإمارات، وقطر، والبحرين، بينما بقيت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارج إطارها.

تضم هذه المبادرة قائمة يمكن للدول الاختيار فيما بينها في ستة مجالات، هي: الإصلاح الدفاعي والتعاون العسكري، ومكافحة الإرهاب، والتصدي لانتشار أسلحة الدمار الشامل، وأمن الحدود، والإرهاب، والتخطيط لحالات الطوارئ المدنية وإدارة الأزمات.

وفي ظل الانتقادات الموجهة للسياسة الأمريكية، عقب ما سمته “الحرب علي الإرهاب”، والتي خاضت بموجبها حروبا في أفغانستان والعراق، سادت لدي الحلف رغبة في أن يتمايز -ولو نظريا- عن تلك السياسة. أطلق الحلف في هذا الإطار مبادرات للشراكة تتضمن “الأمن الناعم”، متمثلا في التدريب والاستشارات، وإدارة الأزمات، علي نحو مغاير “للأمن الصلب” الذي ظل نهجا للإدارات الأمريكية علي اختلاف توجهاتها. وفي هذا الإطار، فقد أنشأ الحلف قسم الدبلوماسية العامة ضمن الجهاز المؤسسي للحلف ببروكسل، ضمن جهوده لتغيير صورته السلبية، خاصة في المنطقة العربية.

ونظرا لسيادة هذه النظرة السلبية عن الأحلاف في المنطقة العربية، لم يكن هناك تدخل أطلسي مباشر في الأزمات العربية ما قبل الثورات التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن، وإنما شارك أعضاء الحلف الرئيسيون خلال أزمتين. كانت الأزمة الأولي هي حرب الخليج الثانية عام 1991، التي شاركت بها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، لضمان عدم سيطرة العراق علي نفط دولة الكويت أو نفط المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، مما كان سيعني تغيير المشهد الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي. أما الأزمة الثانية، فكانت خلال الحرب العراقية – الإيرانية، حيث شارك بعض أعضاء الحلف في عملية عسكرية استهدفت تأمين إمدادات النفط من خلال حماية عبور ناقلات النفط عبر الخليج. وتمكنت الدول الحليفة من أسر بعض السفن الإيرانية التي كانت تقوم بزرع ألغام مضادة في الخليج، واشتبكت في إطلاق نيران مع القوات الإيرانية التي استغلت منصات النفط لمهاجمة السفن. ومع أن تلك العملية لم يضطلع بها الحلف كمؤسسة، فإنها تمثل نموذجا علي تعاون “ائتلاف من الدول الراغبة” لتأمين منطقة استراتيجية

أما بالنسبة للتدخل في الصراع العربي – الإسرائيلي، الذي من شأنه نزع فتيل صراعات وأزمات عديدة في المنطقة العربية، فإن الأمين العام السابق للحلف أكد أن التدخل في هذا الصراع سيظل محكوما بضوابط ثلاثة: أن يكون ذلك وفق قرار من مجلس الأمن، مشاركة الأطراف المعنية بالشرق الأوسط في ذلك الأمر، أن يكون دور الحلف ضمن المراحل النهائية لهذا الصراع والتي تتضمن تأسيس دولة فلسطينية قابلة للحياة(2). بيد أن ذلك لا يعني أن الحلف ظل بعيدا عن هذا الصراع، حيث إن الاتفاق الأمني الذي تم توقيعه بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في 16 يناير 2009، بشأن منع تهريب السلاح إلي قطاع غزة، قد أشار إلي دور الناتو في ذلك الاتفاق بالقول “تعمل الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين وحلف الناتو لمواجهة مشكلة تهريب الأسلحة ونقلها إلي حركة حماس ..”

وفي هذا الإطار، فقد أثار تدخل الناتو في الأزمة الليبية تساؤلا مؤداه: لماذا تدخل الناتو في ليبيا؟ وما هي أسس هذا التدخل وأسبابه؟، بل والأهم من ذلك ما هو تأثير ذلك في الأمن القومي المصري والعربي؟

تسعي هذه الدراسة لاختبار مقولتين رئيسيتين، الأولي: إن لحلف الناتو استراتيجية تجاه النزاعات في العالم تمت بلورتها عقب انتهاء الحرب الباردة وتتيح التدخل في الأزمات، ومن ثم فإن الأزمة الليبية لم تكن منشئة لدور الناتو بقدر ما كانت كاشفة له. والثانية: إن سعي حلف الناتو للتدخل في أزمات المنطقة العربية، وإن لم ينته بحالة “الاحتلال”، فإنه يعطي الحلف وجودا غير مباشر في المنطقة من خلال ما يقدمه من “الأمن الناعم”، وهو ما يعد تحديا للأمن القومي المصري والعربي.

أولا – “التدخل” في استراتيجيات الناتو :

منذ نشأة حلف الناتو وحتي الحرب الباردة، ظل مفهوم التدخل الأطلسي في الأزمات محددا بما نصت عليه المادة الخامسة من ميثاق الحلف، والتي تنص علي أن أي هجوم مسلح ضد أي من أعضاء الحلف يعد هجوما علي دول الحلف كافة بما يتيح لها حق الدفاع عن النفس. ويعني ذلك أمرين، الأول: إن التدخل ما قبل انتهاء الحرب الباردة ظل محددا بمنطقة جغرافية معينة هي أراضي الدول الأعضاء، والثاني: هو ارتباط ذلك بوقوع عدوان من عدمه علي أحد أعضاء الحلف.

إلا أن التحولات العالمية في مطلع عقد التسعينيات وما رتبته من تهديدات، مثل الحرب في يوغسلافيا وكوسوفو، مثلت تحديا لحلف الناتو، ومن ثم كان قرار الحلف بالتدخل في تلك الأزمات بدلا من الاكتفاء بمراقبتها. من ناحية أخري، فقد سعي حلف الناتو لانتهاج استراتيجية جديدة ما بعد انتهاء الحرب الباردة تستجيب ومعطيات البيئة الأمنية العالمية المتغيرة، ومنها منطقة جنوب المتوسط والشرق الأوسط . إذ شهدت قمة الحلف في روما، عقب انتهاء هذه الحرب، التوصية بصياغة استراتيجية جديدة للحلف، مفادها أنه يتعين علي الحلف إيلاء السياسة الأمنية للدول المتوسطية غير الأوروبية أهمية خاصة، انطلاقا من أن تحقيق الاستقرار والأمن علي الحدود الجنوبية للدول الأوروبية يعد أمرا مهما لأمن الناتو. ومن ثم، فقد تمثلت معضلة الحلف في تحقيق الاتساق بين ميثاقه الذي لا يتيح التدخل خارج أراضيه ومواجهة التهديدات الأمنية التي تهدد مصالح أعضائه، مما حدا بالحلف لإصدار مفهومين استراتيجيين، الأول عام 1999، والثاني عام 2010.

1- المفهوم الاستراتيجي الأول (1999) :

حدد ذلك المفهوم وبوضوح مهمة جديدة لحلف الناتو، هي”إدارة الأزمات” دون تحديدها بمنطقة جغرافية معينة. وجاء في ذلك المفهوم “ضرورة أن يبقي الحلف علي أهبة الاستعداد للإسهام في كل حالة علي حدة وبصورة جماعية في الوقاية بفاعلية من النزاعات، والمشاركة بنشاط في إدارة الأزمات بما يتضمنه ذلك من عمليات للرد علي الأزمات، وذلك وفق القرارات الأممية”. كما جاء في المفهوم “يجب علي الحلف أن يضع في اعتباره الإطار الكوني، إذ يمكن أن تتأثر المصالح الأمنية للحلف ودوله بسبب مخاطر تتجاوز مجرد العدوان علي أراضي أحد أعضائه، بما فيها الأعمال الإرهابية، والجريمة المنظمة، وإعاقة تدفق الموارد الحيوية إلي الدول الأعضاء”. ووفقا لهذا المفهوم، فقد اتسعت مجالات التدخل العسكري للحلف لتشمل الأسباب الإنسانية، وعمليات حفظ السلام، ومنع الانتشار النووي، سواء داخل أوروبا أو خارجها، وهو ما يعني تعديل المادة الخامسة التي لم تكن تتيح ذلك التدخل من قبل.

2- المفهوم الاستراتيجي الثاني (2010) :

انطلاقا من إدراك أعضاء حلف الناتو لاستمرار التهديدات التي تواجه مصالح أعضائه خارج أراضيه، فقد جاء إصدار ذلك المفهوم أكثر وضوحا وتحديدا عن سابقه بشأن التدخل الأطلسي في الأزمات، حيث تضمن ما يلي:

– يمتلك الحلف مقدرات سياسية وعسكرية نادرة يمكنها التعامل مع الأزمات، سواء قبل أو أثناء أو بعد نشوئها.

– البيئة الأمنية لم تعد أراضي الناتو، إذ إن الصراعات والاضطرابات التي تشهدها الدول الواقعة خارج حدود الناتو قد تلقي بظلالها علي أمن دول الناتو ذاتها، يقع ضمن هذا الإطار قضية أمن الطاقة، حيث إن الجزء الأكبر من الاستهلاك العالمي من إمدادات الطاقة يمر عبر أراضي مختلف بلدان العالم، وبالتالي فإن تلك الإمدادات قد تكون عرضة للمخاطر والهجمات والانقطاع.

– إن الأزمات والصراعات التي تدور خارج أراضي الناتو قد تهدد مصالحه بشكل مباشر، وبالتالي يتعين علي الناتو التدخل حيثما أمكنه وحينما اقتضت الحاجة ذلك للحيلولة دون اندلاع الأزمات أو إدارتها، حال وقوعها، ثم إعادة الاستقرار إلي المنطقة بعد انتهائها، والمساعدة في إعادة إعمار المنطقة.

وانطلاقا من هذين المفهومين، فقد جاء تدخل الحلف انطلاقا من الاعتبارات الإنسانية في كل من كوسوفا 1999 وأفغانستان في عام 2003، حيث كانت أفغانستان أول عملية عسكرية للحلف خارج منطقة عمله التقليدية في أوروبا.

وكان الهدف منها المساعدة علي ضمان الأمن، وعقد الانتخابات العامة، وتحسين قدرات القوات المسلحة وقوات الأمن الأفغانية، وذلك من خلال قوات الناتو المعروفة باسم “إيساف”. إلا أنه بعد مرور أكثر من ثمانية أعوام، لم يستطع الحلف إنجاز تلك المهمة، وهو ما عكسته الخسائر البشرية الهائلة لقوات الحلف مع استمرار مقاومة حركة طالبان.

ثانيا – تدخل الناتو في الأزمة الليبية :

لم يكن قرار حلف الناتو بالتدخل في الأزمة الليبية أمرا يسيرا بالنظر إلي خبرات الحلف السلبية في أزمات سابقة، ومنها حملات الحلف في البلقان التي كانت تتطلب موافقة كل من أعضائه علي حدة، مما أدي إلي تخبط تلك العمليات، بالإضافة إلي المادة الخامسة من ميثاق الحلف التي شهدت اختبارا حقيقيا في أفغانستان لتعكس الفجوة بين الأقوال والأفعال.

ومن ثم، فقد كان لتدخل الناتو في تلك الأزمة مرجعية إقليمية ودولية، وعوامل أخري خاصة بالحلف ذاته.

1- المرجعية الإقليمية والدولية :

علي الرغم من صدور قراري مجلس الأمن رقمي 1970 و1973 بشأن الحالة الليبية (ومضمونهما إحالة الوضع في ليبيا إلي المحكمة الجنائية الدولية، وحظر الأسلحة والسفر، وتجميد الأصول الليبية في الدول الغربية، وإقامة منطقة حظر طيران جوي في الأجواء الليبية)، فضلا عن قرار الجامعة العربية رقم 7298 بتاريخ 2 مارس 2011 بشأن الطلب من مجلس الأمن تحمل مسئولياته إزاء تدهور الأوضاع في ليبيا، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بفرض منطقة حظر جوي علي حركة الطيران العسكري الليبي، وإقامة مناطق آمنة في الأماكن التي تتعرض للقصف -فإن حلف الناتو لم يتدخل كمنظمة سوي في نهاية شهر مارس 2011، أي بعد ما يقرب مما يزيد علي شهر من اندلاع الأزمة، حيث بدأ أعضاؤه الرئيسيون في شن هجمات جوية علي الكتائب الليبية. وبرغم مرجعية الناتو للتدخل، فإنها قد أثارت ثلاث إشكاليات:

الأولي: مع أن مضمون القرارات المشار إليها هو “فرض منطقة حظر جوي علي حركة الطيران العسكري الليبي كإجراء وقائي لتوفير الحماية للشعب الليبي وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة”، فإن مهمة الناتو قد تجاوزت ذلك من خلال قصف مواقع مدنية ومقرات حكومية تابعة للرئيس الليبي.

الثانية: لم تشر قرارات مجلس الأمن إلي الأطراف المنوطة بالعمليات في ليبيا سوي بالقول “يؤذن للدول الأعضاء التي أخطرت الأمين العام، وهي تتصرف علي الصعيد الوطني أو عن طريق منظمات أو ترتيبات إقليمية وبالتعاون مع الأمين العام، باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين وإبلاغ الأمين العام بها”.

وربما تدارك مجلس الأمن الإشكاليات القانونية التي أثارتها قراراته السابقة المماثلة، فكان جل تركيزه في الحالة الليبية علي الإعلاء من قضية حماية المدنيين، وهو بدوره تعزيز لقوة “بروتوكول مسئولية الحماية” الذي يخول للدول الأعضاء والمجتمع الدولي مسئولية “المساعدة في حماية الشعوب من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية”. وبموجب ذلك البروتوكول، فقد تمكن مجلس الأمن من سد الفجوة بين “التدخل الشرعي” وهو المبرر أخلاقيا و”التدخل القانوني”. وهي القضية التي أثيرت خلال تدخل الناتو في كوسوفو عام 1999، إذ وصفت عمليات الناتو بأنها “غير قانونية ولكنها مشروعة”، حيث تمكن أعضاء، الناتو من إنقاذ شعب كوسوفو من التطهير العرقي، ولكن دون عقوبة قانونية يفرضها مجلس الأمن ضد “سلوبودان ميلوسيفيتش”.

أما الإشكالية الثالثة، فهي أنه مع أهمية المرجعية الإقليمية، التي تتمثل في قرار الجامعة العربية وما تلاها من مشاركة دول خليجية، وهي قطر والإمارات والكويت في عمليات الناتو في ليبيا، فإن الحديث عن ازدواجية المعايير الدولية كان حاضرا وبقوة. ففي الوقت الذي تتحدث فيه الدول الغربية عن انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا واستهداف قوات القذافي للمدنيين، فإن تلك الدول ذاتها هي من قدمت دعما هائلا للقوات المسلحة في ليبيا، وهو ما عكسته مشاركة هذه الدول علي نطاق واسع في معرض السلاح الذي أقيم في ليبيا “نوفمبر 2010”. كما كانت هناك تساؤلات حول سبب التدخل في ليبيا، وغض الطرف عن حالات أخري ربما مماثلة أو أكثر سوءا (سوريا أو اليمن)، حيث قال أمين عام الحلف “إن الحلف ليس لديه خطط للقيام بمهمة عسكرية في سوريا”. وأضاف أن “تحرك الناتو ضد النظام الليبي كان بمقتضي تفويض قوي من مجلس الأمن ودعم واضح من دول المنطقة، وهو مزيج نادر لم نشهده في مواقف أخري”. ولاشك في أن السيطرة الأوروبية علي المنطقة، إبان أعوام القرنين التاسع عشر والعشرين، من شأنها تعزيز استمرارية مشاعر الشك والريبة في السياسات الغربية عموما تجاه المنطقة العربية، حتي وإن كانت بغطاء أممي مدعوما بتأييد عربي.

2 – التهديدات التي تواجه مصالح أعضاء الحلف :

أ- الدولة الفاشلة ومخاطرها :

تمثل الدول الفاشلة تحديا لحلف الناتو كما جاء علي لسان أمينه العام بالقول “هناك تحديات ومخاطر أمنية يواجهها الحلف، منها الدول الفاشلة، والإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والقرصنة، وأمن الطاقة”. وهي الرؤية التي عززتها بعض الدراسات الأكاديمية الصادرة عن كلية الدفاع التابعة للحلف، ومؤداها أن فشل الدولة هو المرحلة التي تسبق انهيارها. ووفقا لهذه الرؤية، “فإن اهتمام الناتو بمثل هذا النوع من الدول يتعين أن يكون سابقا ولاحقا للانهيار والفشل. فإذا كان الناتو قد بذل الكثير من موارده في مواجهة مخاطر فشل الدولة، فإنه كان بالأحري أن يحول دون فشلها من خلال بناء مؤسسات الدولة وترسيخها. فإن لم يحالفه النجاح في ذلك، يتدخل بعد فشل الدولة -إذا لزم الأمر ذلك- من خلال خطط لهذا التدخل”. وهو ما تجسده الحالة الليبية بوضوح، إذ لن يقتصر التدخل علي الهدف المعلن، وهو حماية المدنيين، وإنما سوف يكون للحلف دور في بناء مؤسسات الدولة، وفقا لورقة عمل أصدرتها كلية الدفاع بحلف الناتو ومفادها “أنه حتي بعد إسقاط النظام الحالي وتسلم الثوار مقاليد الحكم، ستظل ليبيا بحاجة إلي الجهود الدولية لبناء الدولة التي عانت لعقود طويلة افتقارا لهياكل ومؤسسات الحكم. ومن ثم، فإن التخلي عن تلك الدولة وعدم تقديم الدعم اللازم لبناء عناصرها الأساسية من شأنه أن يفضي إلي حالة من الفوضي والاضطراب السياسي”.

ب – الهجرة غير الشرعية للدول الأوروبية:

ليست قضية الهجرة غير الشرعية بالأمر الجديد، إلا أن التحولات السياسية التي تشهدها دول الشمال الإفريقي أدت إلي تنامي مخاطرها، حيث نزح آلاف المهاجرين إلي إيطاليا التي قامت بدورها بمنح هؤلاء المهاجرين تأشيرة الدخول للدول الأوربية الأخري، مما دفع فرنسا للتهديد بإيقاف العمل باتفاقية “شنجن”. وتكمن مخاوف هذه الدول من هؤلاء المهاجرين في النقل التدريجي للأفكار والمعتقدات من دول الجنوب إلي نظيرتها في شمال المتوسط، في ظل تعارض القيم بين الجانبين. فضلا عن أن تدني المستوي التعليمي لهؤلاء المهاجرين يجعل لديهم قبولا بأي وظائف، وهو ما يمثل ضغوطا علي فرص العمل في الدول المضيفة. وتقدر الأمم المتحدة أعداد المهاجرين غير الشرعيين إلي دول العالم المتقدم خلال الأعوام العشرة الأخيرة بنحو 155 مليون شخص , ويعاني هؤلاء المهاجرون صعوبة الاندماج في المجتمعات الأوروبية، بالرغم من حصول أغلبيتهم علي الجنسية التي تعني تمتعهم بحقوق المواطنة الكاملة، وبالتالي يظل هؤلاء المهاجرون في حالة من الإقصاء المجتمعي والمهني.

ج – تنامي نشاط تنظيم القاعدة في دول المغرب العربي :

ومن ذلك مؤشران، الأول: الشهادة التي أدلي بها الأدميرال جيمس ستارينديس، قائد قوات حلف الناتو، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي خلال شهر مارس 2011، وأكد خلالها وجود مؤشرات استخباراتية علي احتمال وجود أو تأثير للقاعدة وحزب الله في المعارضة الليبية. أما الثاني، فهو ما أشار إليه الرئيس التشادي إدريس ديبي من أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي يسهم بقدر كبير فيما يجري في ليبيا وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه، وأخذا في الاعتبار تراجع دور التنظيم بعد مقتل زعيمه أسامة بن لادن، فإن ذلك لا ينفي حقيقة نشاط التنظيم في الدول المنهارة عموما.

د – تهديدات أمن الطاقة :

بدأ الاهتمام المباشر بهذه القضية من جانب حلف الناتو في قمتي ريجا 2006 وبوخارست 2008، عندما تضمن البيان الختامي ما مؤداه أن المصالح الأمنية للحلف يمكن أن تتأثر بانقطاع إمدادات الموارد الحيوية، مما يتطلب التعاون بين الناتو والمنظمات المعنية للحفاظ علي ذلك المورد الحيوي. بل إن الأمين العام للحلف قال أمام البرلمان الأوروبي في مايو 2006 “إن الناتو سوف يبحث استخدام القوة إذا ما هددت إمدادات الطاقة”(19)، بما يعني أن الأزمة الليبية، وما ترتب عليها من انقطاع في إمدادات النفط الليبي لأعضاء الحلف وتأثير ذلك في أسعار النفط، قد عدت تحديا مباشرا لمصالح دول الحلف، انطلاقا مما يمثله النفط الليبي من أهمية لهذه الدول، سواء علي صعيد الاحتياطيات أو الإنتاج.

ونستنتج مما سبق أن تهديد تدفق النفط الليبي كان يعد أول اختبار للخطط التي سبق أن وضعها الحلف لحماية أمن الطاقة، وأن ارتفاع أسعار النفط، التي تجاوزت 110 دولارات للبرميل إبان الأزمة، قد عد تهديدا مباشرا للدول الغربية المستهلكة للنفط الليبي، مما استدعي تدخلا أطلسيا في تلك الأزمة.

3- اعتبارات خاصة بحلف الناتو ومدي ملاءمة العمليات في ليبيا له :

في ظل حالة الانقسام التي تسود الأمم المتحدة إزاء الأزمات التي تتطلب تدخلا علي نحو عاجل، ربما يري الناتو أنه يمثل البديل العملي لهذه المنظمة، إذ يضم 55 دولة، منها 28 عضوا رئيسيا، و20 دولة ترتبط مع الحلف باتفاقات ثنائية (28+1)، و7 دول هي أعضاء الحوار المتوسطي، أي أن الحلف يضم أكثر من ربع أعضاء الأمم المتحدة. يتيح ذلك للحلف التدخل عسكريا خارج نطاق الأمم المتحدة، وإن ظلت القرارات الأممية محددا لهذا التدخل إلي الحد الذي وصف فيه البعض ذلك بالقول “إن مجلس الأمن ليس لديه قوة عسكرية، إلا أن الناتو وأعضاءه لديهما”. كما أن طبيعة التدخل في الأزمة الليبية تبدو مغايرة لمهمة الناتو الراهنة في أفغانستان، والتي كبدته خسائر بشرية ومادية هائلة. ومن ثم، ربما رأي صانعو القرار في الحلف أن الطلعات الجوية التي تضطلع بها قوات الأطلسي تبقي علي جنوده في مأمن، ومن جهة أخري رغب الحلف في تخفيف العبء عن الولايات المتحدة التي تتحمل العبء الأكبر حاليا في كل من العراق وأفغانستان.

ثالثا – تأثيرات التدخل في الأزمة الليبية :

علي الرغم من تسلم حلف الناتو قيادة العمليات العسكرية في ليبيا لمدة تجاوزت الشهرين، فإنه -حتي كتابة هذه السطور في أوائل يونيو 2011- لم تحسم المواجهات لأي من الجانبين، فكتائب القذافي تعتمد علي أسلوب الكر والفر في مقابل بطء عمليات الأطلسي. وقد أكد الأمين العام للحلف أنه “لا يوجد حل عسكري للصراع في ليبيا، وإنما الحل الدائم سيكون حلا سياسيا يستجيب للتطلعات المشروعة للشعب الليبي”. ولكنه من التبسيط المخل توقع أن المشكلة الليبية سوف تشهد انفراجا مع انتهاء نظام القذافي، سواء بالاعتقال أو الاغتيال أو الهروب، إذ إن الحالة الليبية تبدو فيها الأمور أكثر تعقيدا من حالتي مصر وتونس.

فهناك شكوك عما إذا كانت ليبيا ستظل كيانا موحدا بعد رحيل القذافي أم لا وفي ظل الوضع الميداني علي الأرض، فإن تقسيم ليبيا إلي منطقة غربية يسيطر عليها القذافي، بينما تتكون حكومة للمعارضة في الشرق يظل احتمالا قائما. ونظرا لطبيعة الدولة الليبية حديثة النشأة، والتي لا تظل أسيرة للولاءات القبلية، بالإضافة إلي وجود انقسام حاد في المعارضة الليبية بين التيارين الإسلامي والليبرالي دون تبلور جبهة معارضة موحدة، فإن ذلك ينذر بتجربة حرب أهلية طويلة المدي، من شأنها تقسيم الدولة علي أسس جغرافية.

ولفكرة التقسيم ما يعززها تاريخيا. فقد جري تقسيم ليبيا إلي كيانات ثلاثة عقب الحرب العالمية الثانية: القسم الأول تحت اسم ولاية برقة وكان تحت السيطرة البريطانية. أما الثاني، فهو فزان تحت السيطرة الفرنسية، بينما الثالث كان طرابلس تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية التي أقامت فيها قاعدة هويلس العسكرية الشهيرة.

وبافتراض أن المجلس الوطني الانتقالي هو من سوف يتقلد السلطة بعد رحيل النظام الحالي، فإن عقبة بناء الإجماع بين الليبراليين والإسلاميين والقبائل وعناصر باقية من النظام القديم ستمثل تحديا أساسيا له.

من ناحية أخري، ليس هناك إجماع داخل ليبيا علي تدخل الناتو. فقد كشف استطلاع للرأي -أجري علي 1785 شخصا في المناطق التي يسيطر عليها الثوار- عن أن 65% من سكان المدن الواقعة شرق ليبيا يرون أن عمليات الحلف علي ليبيا غير كافية، بينما كان 28% فقط راضين عن أداء الحلف.

هذا ويجعل تحليق طائرات الحلف علي ارتفاع كبير خشية إسقاطها من الصعب علي طياريها التمييز بدقة بين الوحدات العسكرية والمدنيين الأبرياء. وفقا لتقارير الأمم المتحدة، فقد أسفرت الأزمة الليبية عن آلاف القتلي، فضلا عن نزوح 893 ألف شخص.

وفي ظل الصورة السلبية للحلف السائدة في المنطقة العربية بسبب حالتي العراق وأفغانستان، فضلا عن دعم أعضاء الحلف الأنظمة العربية قبل اندلاع الحركات الاحتجاجية الحالية، فإن أي دور للحلف في ليبيا بعد القذافي يظل محلا للشك والريبة، من حيث استغلال فكرة المساعدة الإنسانية لأهداف استعمارية.

من ناحية أخري، سوف يكون هناك تأثير سلبي لهذا التدخل العسكري في مبادرات الناتو تجاه المنطقة العربية، حيث بذل الناتو جهودا مضنية في إقناع دول مجلس التعاون الخليجي بالانضمام لمبادرة اسطنبول عام 2004 (انضمت إليها أربع دول بينما ظلت كل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان خارج المبادرة حتي الآن)، بناء علي أن الحلف يعمل بعيدا عن الهيمنة الأمريكية. إلا أن سير العمليات العسكرية في ليبيا قد أكد محدودية القدرات العسكرية للناتو بدون الولايات المتحدة.

رابعا- الوجود الأطلسي في ليبيا وتأثيره في الأمن المصري والعربي :

أ- شكل الوجود الأطلسي في ليبيا بعد القذافي :

جاء علي لسان الأمين العام لحلف الناتو أن “الحلف لا يعتزم نشر قوات برية في ليبيا”(29)، ولكن للحلف أشكالا أخري للوجود، وفقا لاستراتيجية “الأمن الناعم”. ويتمثل ذلك في الحالة الليبية في “بناء المؤسسات الأمنية”، وذلك كما جاء في الرؤي الأكاديمية الصادرة عن الحلف إبان الأزمة الليبية، ومضمونها “أن رحيل نظام القذافي لا يعني بالضرورة استقرار الدولة، حيث لاتزال بحاجة إلي الجهود الدولية لبنائها، إذ تفتقر لهياكل ومؤسسات الحكم التي تعد عناصر ضرورية للأمن والاستقرار”, وواقع الأمر أن دور حلف الناتو تجاه بناء المؤسسات الأمنية داخل الدول ليس أمرا مستحدثا، وإنما بدأها الحلف في دول شرق أوروبا التي قام بعمليات علي أراضيها. ويعد إصلاح هذا القطاع خطوة أولي نحو سيادة نمط العلاقات المدنية – العسكرية داخل الدول التي تبدي قبولا للإصلاح الدفاعي. ولحلف الناتو تجربتان بارزتان بشأن إصلاح الجهاز الأمني في كل من العراق وأفغانستان، حيث تسهم 23 دولة من أعضاء الناتو في بعثة تدريب قوات الأمن العراقية، والتي تضطلع بمهمة رفع درجة احترافية القوات المسلحة العراقية من خلال تدريب و تعليم تلك القوات، ودعم القيادة العراقية وهيكل القيادة من خلال تحسين مراكز العمليات,

وفي ظل عدم وجود جيش نظامي في ليبيا -حيث إن الكتائب الأمنية التابعة للرئيس الليبي هي أهم أركان الهيكل الأمني غير الرسمي للسلطة ويقود معظمها أبناء القذافي, فإن الفرصة تبدو مواتية للناتو لتكرار تجربتي أفغانستان والعراق، وهو ما يتيح للحلف نفوذا هائلا فيها. وربما كان قرار إيفاد خبراء أمنيين من أعضاء الحلف الخطوة الأولي ضمن هذه الإستراتيجية التي أشار إليها صراحة الأمين العام للحلف، أندريس فوج راسموسن، بالقول ” إن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أعلن سياسة بعيدة المدي لدعم الإصلاح الديمقراطي والتنمية الاقتصادية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وبإمكان الناتو تقديم إسهامات فريدة في هذا المجال. حيث ستشكل المؤسسات الدفاعية والأمنية الحديثة، الخاضعة بشكل كامل للمساءلة من جاب سلطات منتخبة ديمقراطيا، أولوية حيوية أمام ليبيا والكثير من الدول الأخري بالمنطقة”. وأضاف “نرحب بليبيا الديمقراطية كشريك في الحوار المتوسطي”.

إلا أن ذلك لا يعني أنه لا نية لدي الحلف لنشر قوات برية في ليبيا، بل إن هناك ثلاثة مؤشرات مهمة في هذا الصدد. أول هذه المؤشرات تصريح وزير الخارجية الروسي بأن “اعتزام كل من فرنسا وبريطانيا استخدام مروحيات قتالية يعد بداية لتحول مهمة الناتو في ليبيا إلي عملية برية.. ثانيها: ما أشار إليه قائد القوات البحرية الفرنسية، بيير فرانسوا فوريسيه، عن “نية قوات التحالف الانتشار في ليبيا بمجرد انتهاء القتال، وذلك من أجل تقديم المساعدات الإنسانية، إذ ستكون الوسائل العسكرية المستخدمة في المرحلة الأولي هي الأسرع والأسهل في التنفيذ”. أما المؤشر الثالث، فهو إشارة صامويل لوكير، رئيس قيادة العمليات المشتركة في نابولي -وهي التي تدير الحملات العسكرية علي ليبيا- إلي أنه “ربما تكون هناك حاجة لقوة صغيرة بمجرد انهيار نظام القذافي للمساعدة علي الانتقال إلي الديمقراطية”. والجدير بالذكر أن وزراء دفاع الحلف -خلال اجتماعهم في بروكسل 7 يونيو 2011- قد اتفقوا علي ضرورة التخطيط لدور الحلف في ليبيا بعد انتهاء نظام القذافي.

ب- تأثير وجود الناتو في الأمن القومي المصري :

إن الوجود المباشر لقوات حلف الناتو في ليبيا، حتى وإن اقتصر هدفه علي تدريب قوات الأمن الليبية، من شأنه أن يرتب نتائج بالغة الخطورة بالنسبة للأمن القومي المصري من عدة نواح:

– الحد من القرارات الإستراتيجية لصانع القرار المصري. إن اكتمال الوجود العسكري الكثيف في المنطقة، ابتداء بالاحتلال الأمريكي للعراق، ومرورا بوجود قوات حلف الناتو في ليبيا، وانتهاء بإمكانية استدعاء دولة جنوب السودان لقوات دولية للحماية من تهديدات السودان مستقبلا، في ظل استمرار قضايا مثار نزاع بين الجانبين، يعني أن عناصر نظرية شد الأطراف لإضعاف منطقة الوسط تكون قد اكتملت أركانها في الحالة المصرية.

– يظل الأمن القومي المصري مرتهنا بمدي استقرار الأوضاع الداخلية في ليبيا. وربما تري بعض التيارات السياسية الليبية أو تنظيم القاعدة أن وجود الناتو يعد بمنزلة “احتلال” يتطلب “الكفاح المسلح”. يعني ذلك أننا قد نكون إزاء صراع ممتد يعد تهديدا مباشرا للأمن القومي المصري في ظل حدود بين الدولتين تمتد إلي نحو (1.49 كم2)، وعمالة مصرية علي الأراضي الليبية تصل إلي نحو مليوني عامل.

ج – تأثير وجود الناتو في الأمن القومي العربي :

إن تدخل الناتو في الأزمة الليبية علي ذلك النحو يعد انتهاء عمليا للحدود بين ما هو “عالمي” و”إقليمي”. وقد قدم د. حامد ربيع تعريفا للأمن الإقليمي بأنه “سياسة مجموعة من الدول تنتمي إلي إقليم واحد تسعي، من خلال وضع وتنظيم تعاون عسكري لدول ذلك الإقليم، إلي منع أي قوة أجنبية أو خارجية من التدخل في ذلك الإقليم”. أي أن جوهر هذه السياسة هو التعبئة الإقليمية من جانب، والتصدي للقوي الدخيلة علي الإقليم من جانب آخر، وحماية الوضع القائم من جانب ثالث. إلا أنه في ظل احتواء الأقاليم، ومنها الإقليم الإفريقي، علي مصالح استراتيجية، سيظل هناك حافز للتدخل الدولي. وفي هذا الصدد، تعد ليبيا ثغرة مهمة لنفاذ الناتو للقارة الإفريقية التي تمثل تهديدا لمصالح أعضائه، من حيث تزايد معدلات الهجرة غير الشرعية، ناهيك عن المصالح النفطية. أما التحدي الأهم الذي يواجهه الحلف، فهو التصدي لتنظيم القاعدة في دول الشمال الإفريقي,

إن ولوج منظمة عسكرية بحجم ووزن الناتو إلي المنطقة العربية يعد تطورا مهما بالنسبة للأمن القومي العربي علي أكثر من صعيد. إن منح الحلف لنفسه حق القيام ب-“المهام الأمنية” في مناطق مختلفة من العالم، وهو مصطلح فضفاض قدم بموجبه دعما للولايات المتحدة في غزوها للعراق، ثم التدخل في ليبيا، يعني فقدان الجامعة العربية -وهي الكيان المؤسسي الذي يجسد هوية الأمن القومي العربي- زمام المبادرة بشأن الأزمات العربية لصالح منظمة حلف شمال الأطلسي. كما أن ذلك يشير إلي إمكانية تدخل حلف الناتو في أزمات أخري، وبخاصة تلك التي ترتبط بالموارد المائية في دول حوض النيل. إذ ورد في المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف الصادر في عام 2010 أن “قضايا ندرة المياه والتغير المناخي وازدياد حجم الطلب علي موارد الطاقة تشكل محاور أخري للبيئة الأمنية التي سوف يضعها الحلف في بؤرة اهتمامه، خلال المرحلة القادمة، لتأثيرها في خطط الحلف وعملياته”. من ناحية ثالثة، تمثل العلاقات الأطلسية – الإسرائيلية المتنامية تحديا جديدا للدول العربية، وبخاصة في ظل استمرارية انحياز الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل. وهو ما عكسه خطاب الرئيس الأمريكي بشأن الشرق الأوسط في (19 مايو 2011) بالقول “إن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل لا يتزعزع”. الجدير بالذكر أن حلف الناتو قد وافق عام 2009 علي مشاركة إسرائيل -بناء علي طلبها- في عمليات المسعي النشط التي يقوم بها الحلف في البحر المتوسط، بما يعنيه ذلك من أن الدول التي ستكون في حالة عداء مع إسرائيل ربما تواجه الناتو.

وفي ظل الوجود الأطلسي في المنطقة العربية، فإن الحلف سيكون طرفا في الترتيبات الأمنية المستقبلية. وقد تصبح منطقة الخليج، التي لم ينشأ فيها حتي الآن نظام أمني إقليمي، جزءا من “فكرة الناتو الشرق أوسطي”. وهي إحدي الصيغ التي طرحت لأمن الخليج، وتضم إلي جانب دول الخليج الدول الأخري “المعتدلة”، بالإضافة إلي أطراف أخري من دول الجوار.

خاتمة :

في الوقت الذي استطاع فيه حلف الناتو تطوير سياسات إستراتيجية محددة في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة -وذلك مع تطور مصادر التهديدات وطبيعتها – ابتداء بالدفاع الجماعي، ومرورا بالأمن الجماعي، وانتهاء بالتدخل في

الأزمات، لا توجد إستراتيجية عربية للتعامل مع الأزمات التي تشهدها المنطقة، بما يعني ترسيخ آلية التدخل الدولي كحل لتلك الأزمات.

وفي ظل مبادرتي حلف الناتو تجاه المنطقة العربية -الحوار المتوسطي عام 1994، واسطنبول عام 2004- فضلا عن موافقة تركيا علي قرار الناتو بنشر الدرع الصاروخية علي أراضيها بنهاية عام 2015، وتأكيد وزير الدفاع التركي أن قاعدة أزمير الجوية التابعة لحلف الناتو سوف تتحول إلي مركز قيادة للقوات البرية للحلف، بالإضافة إلي العلاقات المتنامية بين حلف الناتو وإسرائيل، وخطط الناتو لإصلاح المؤسسات الدفاعية في الدول العربية (حالة العراق نموذجا) ضمن ما يعرف ب-“الأمن الناعم” ، فإننا إزاء معادلة أمنية جديدة آخذة في التشكل، طرفها الرئيسي هو حلف الناتو، إلي جانب أطراف إقليمية أخري قد لا تتوافق مصالحها بالضرورة مع المصالح العربية.

وبغض النظر عما ستئول إليه تطورات الأزمة الليبية الراهنة، بالإضافة إلي قرار تقسيم السودان، فإنها جميعها مقدمات لانتهاء عصر الدولة القومية الموحدة، وهي بيئة ملائمة لعمل حلف الناتو الذي يقدم إلي جانب القوة العسكرية “الأمن الناعم” للنهوض بالدول المنهارة.

المصادر والمراجع
أولاً: المراجع العربية:
1. إيريك لوران (ترجمة محمد مستجير)، “عاصفة الصحراء، أسرار البيت الأبيض، الجزء الثاني من الملف السري لحرب الخليج”، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1991.
2. بطرس بطرس غالي، “الاستراتيجية والسياسة الدولية”، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1967.
3. ترجمات مختارة، “الحرب العالمية الثالثة”، مركز الدراسات الاستراتيجية، القاهرة، 1989.
4. جاستون زيلر (ترجمة جلال يحيى)، “تاريخ العلاقات الدولية في العصور الحديثة”، دار المعارف، القاهرة، 1982.
5. سعد الدين مأمون، “الاستراتيجية العالمية بين الشرق والغرب”، مطبوعات الفرسان، القاهرة، 1957.
6. سكيلا ماكلين وآخرين، “كيف تصنع قرارات الأسلحة النووية”، مجموعة بحوث أكسفورد 1986، طبعة أولى، مركز الدراسات الاستراتيجية، القاهرة، 1991.
7. عماد جاد، “حلف الأطلنطي، مهام جديدة في بيئة أمنية مغايرة”، (رسالة دكتوراه)، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1998.
8. محمد نبيل فؤاد، “الفكر العسكري المصري المعاصر”، دراسة تحليلية، رسالة دكتوراه، أكاديمية ناصر العسكرية العليا، القاهرة، 1996.
9. ممدوح محمد مصطفي منصور، “سياسات التحالف الدولي”، دراسة في أصول نظرية التحالف الدولي ودور الأحلاف في توازن القوى، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997.
10. الموسوعة العسكرية، الجزء الأول، طبعة 1981 المنقحة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1981.
الدوريات:
11. ج. ل. ليدل هارت (ترجمة أكرم الديري)، “الاختيار الصعب بين الهجوم والدفاع”، دار الطليعة، القاهرة، 1970.
12. جريدة الحياة، لندن، 25 ديسمبر 1997.
13. جريدة الحياة، لندن، 4 أكتوبر 1997.
14. طلال محمد نور عطار، “هيئة الأمم المتحدة (منذ النشأة وحتى اليوم)”، الطبعة الأولى، جدة، 1993.
15. عاطف الغمري وآخر، “الأطلنطي يتخلى عن دوره الدفاعي، ويمنح نفسه صلاحيات التدخل العسكري داخل حدوده وخارجها”، جريدة الأهرام، القاهرة، 26 أبريل 1999.
16. عبدالملك خليل، “روسيا بين ضغط الناتو ومساعدات كلينتون”، جريدة الأهرام، القاهرة، 29 مارس 1997.
17. عماد جاد، “الجدل حول المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف الأطلنطي”، السياسة الدولية، العدد 136، القاهرة، أبريل 1999.
18. عماد جاد، “حلف الأطلنطي والحرب في البلقان”، السياسة الدولية، العدد 137، القاهرة، سبتمبر 1999.
19. محمود عيسى وآخر، “أحلاف وأحلاف”، مطبعة الصباح، القاهرة، 1958.

ثانياً: الدوريات العربية:
20. إبراهيم عرفات، “روسيا والناتو الجديد، قراءات في مدلولات اللائحة التأسيسية”، السياسة الدولية، العدد 129، القاهرة، 1997.
21. أحمد إبراهيم محمود، “الاستراتيجية العسكرية الأمريكية في حرب البلقان”، السياسة الدولية، العدد 137، القاهرة، يوليه 1999.
22. أحمد بهي الدين، “كوسوفا مازالت تبحث عن حل”، السياسة الدولية، العدد 136، القاهرة، أبريل 1999.
23. إسماعيل صبري مقلد، “الاستراتيجية الأمريكية في العصر النووي”، السياسة الدولية، العدد 123، القاهرة، 1966.
24. التقرير الاستراتيجي العربي 1991، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1992.
25. التقرير الاستراتيجي العربي 1995، “توسيع حلف الناتو، اتجاهات متعارضة”، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1996.
26. التقرير الاستراتيجي العربي 1995، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1996.
27. التقرير الاستراتيجي العربي 1997. “توسيع حلف الناتو”، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1998.
28. التقرير الاستراتيجي العربي 1997، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، القاهرة، 1998.
29. ثناء فؤاد عبد الله، “مستقبل الوحدة الأوروبية وأزمة الخليج”، السياسة الدولية، عدد 106، القاهرة، 1991.
30. ثناء فؤاد عبدالله، “مستقبل الوحدة الأوروبية وأزمة الخليج”، السياسة الدولية، العدد 106، القاهرة، أكتوبر 1991.
31. حسن البدري، “الأحلاف العسكرية وقضية التعاون المشترك”، السياسة الدولية، العدد 60، القاهرة، أبريل 1980.
32. خافيير سولانا، “الناتو في مرحلة انتقالية”، قراءات استراتيجية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، عدد 7، القاهرة، 1996.
33. شعيب عبدالفتاح، “مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي (هلسنكي ـ باريس ـ برلين ـ براج)”، السياسة الدولية، العدد 106، القاهرة، أكتوبر 1991.
34. صلاح سالم زرنوقة، “الناتو بين مرحلتين”، السياسة الدولية، العدد 129، القاهرة، 1997.
35. عزة جلال، “كوسوفا: جذور الصراع في البلقان”، السياسة الدولية، العدد 137، القاهرة، يوليه 1999.
36. عماد جاد، “البوسنة، ضغوط عسكرية لغرض التقسيم”، السياسة الدولية، عدد 114، القاهرة، 1993.
37. عماد جاد، “الجدل حول توسيع الناتو”، ملف السياسة الدولية، عدد 129، القاهرة، 1997.
38. عماد جاد، “الناتو بين التفكك والتحول إلى شرطي عالمي”، جريدة الأهرام، القاهرة، 16 أبريل 1999.
39. فوزي كامل السقا، “قمة روما والاستراتيجية الجديدة لحلف الأطلسي”، مجلة الدفاع، العدد 66، القاهرة، يناير 1992.
40. مديرية الإيصال والإعلام والتوجيه، “منظمة حلف الأطلنطي”، مجلة الجيش الوطني الشعبي، العدد الرقم 408، تيبازة / الجزائر، يوليه 1987.
41. مصطفى نبيل أحمد، “أبعاد الدعوة لحل حلفي وارسو والأطلنطي”، مجلة الدفاع، العدد 43، القاهرة، 2 فبراير 1990.
42. ممدوح أنيس، “إجراءات عملية توسيع الناتو، المشكلات والحلول المطروحة”، السياسة الدولية، العدد 129، القاهرة، يوليه 1997.

منتدي العلوم العسكرية :
http://www.politics-dz.com/threads/xhlf-alnatu-mn-alshrak-algdid-li-altdxl-fi-alzmat-alyrbi.3104/
ثالثاً: المراجع والدوريات الأجنبية:
1. Alex. K. Pushkov. A View from Russia in Jeffery Simon, (Ed), NATO Enlargement, Defence University, Washington D.C., 1997.
2. Barbara Hinckly. Coalitions & Politics, Horcourt Brace Fovanovich Inc., New York, 1989.
3. Bonne Gold. The Evaluation of Alliance, NATO in Crisis, New York, 1994.
4. David V. Edwards. International Politics Analysis, Halt Rinhart & Winston, New York 1964.
5. Facts about NATO. Information Service, The North Atlantic Treaty Organization, Palace De Chillot, Paris.
6. Glenn Synder & Others. Bargaining Decision Making and System Structure in International Crisis, Prencenton University Press, 1977.
7. Hartman F.. The Relations of Nations The Macmillan Co., New York 1962.
8. Information Service of NATO. Facts about NATO, The North Atlantic Treaty Organization, Palace De Chaillot Paris, 1984.
9. James W. Morison. NATO Expansion and Alternative Future Security Alignment, Institute for National Strategic Studies, Washington D.C 1995.
10. Jeffrey Simon. An Overview of NATO, Enlargement Opinions & Options, Washington D.C, National Defence University, 1997.
11. John D. Sullivan. International Alliances, Chandler Publishing Co., New York 1974.
12. Ken Booth & Others. Alliances Contemporary Strategy, Theories & Concepts, Holmes & Herier, New York 1987.
13. Lerche Jr, C. & Said. A Concepts of International Politics in Global Perspective, Prentice Hall Inc., New Jersey 1979.
14. Micheal Docrill. The Cold War 1945-1963, Third Edition, Macmillan, London, 1993.
15. Military Balance, The International Institute For Strategic Studies, Publishedby Ox Ford University Press, London, 1996, 1997, 1998.
16. NATO Hand Book Chranolgy, Office Of Information and Press, Brussels, 1998.
17. NATO Hand book, NATO Information & Press Office, Brussels, 1995.
18. Sloan Stanly R. U.S. Perspective on NATO Future, International Affairs, Vol. 71, No. 2, April 1995.
19. William Safire. The Baltic States Deserve NATO Protection, Herald Tribune, 8/5/1997.

 

4.5/5 - (2 صوتين)