هل المقاومة الشعبية اليمنية نواة لجيش وطني أم “ملشنة” عسكرية قادمة؟
ظهرت “المقاومة الشعبية”، إثر حالة الفراغ التي أحدثتها مغادرة القيادات الحكومية، وحتى السياسية للبلاد، خاصة عندما سيطر الحوثيون والقوات التابعة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، على محافظة عدن، في مارس/أذار الماضي، حيث كانت المحافظة تشكل آنذاك مقراً لإدارة الحكم، بعد أن فرّ إليها الرئيس عبد ربه منصور هادي، من العاصمة صنعاء، التي سيطر عليها الحوثيون في سبتمير/أيلول من العام الماضي.
ومع عودة الحكومة اليمنية إلى عدن، منتصف أيلول/سبتمبر المنصرم، لممارسها مهامها من المدينة الجنوبية المحررة من الحوثيين وقوات صالح، بات ملف دمج “المقاومة الشعبية” ضمن قوات الأمن، أكثر حضوراً من قبل.
وبرغم الإمكانات المحدودة التي خاض بها عناصر المقاومة معاركهم مع الطرف الآخر صاحب العدة والعتاد المتطور، في بادئ الأمر، إلا أنهم استطاعوا عندما ساندوا قوات الجيش التابع لهادي، وبدعم من قوات التحالف الذي تقوده السعودية، أن ينتزعوا السيطرة من الحوثيين ويحرروا عدة محافظات جنوبية، بينها عدن، منتصف يوليو/تموز الماضي.
وفي أيلول المنصرم، وجهت حكومة رئيس الوزراء خالد بحاح، باستيعاب 800 من عناصر المقاومة، في الجيش والشرطة، كدفعة أولى، تطبيقاً لقرار صادر قبل نحو شهرين عن الرئيس هادي، الذي وجّه في كثير من خطاباته، الشكر والعرفان لهذه المقاومة، وحيّا صمودها في وجه خصومه.
لكن عناصر المقاومة التي تكونت غالبيتها من أهالي المحافظات الجنوبية الذين رفضوا التواجد الحوثي في محافظاتهم، باتوا يتخوفون من أن تنكث الحكومة بوعدها، ويجدون أنفسهم “على الرصيف” مرة أخرى، بعد أن تهدأ طبول الحرب المندلعة منذ مارس/أذار الماضي.
مسؤول حكومي، قال للأناضول، مفضلاً عدم ذكر اسمه، لحساسية موقعه، إن الحكومة جادة في استيعاب مقاتلي المقاومة، كنواة لجيش وطني ولاءه للوطن”، مشيراً أن معسكرات عديدة ستفتح أبوابها للراغبين في الانضمام بمحافظتي عدن (جنوب)، وتعز (وسط)، كمرحلة أولية.
ويتلقى المقاتلون الموالون للرئيس هادي، أسلحتهم، ومصاريفهم المالية، من دول التحالف العربي، الداعم للشرعية في اليمن، ضد تحالف (الحوثي – صالح)، وذلك لعدم امتلاك الحكومة أية موارد مالية تذكر، عقب عودتها لممارسة مهامها من عدن، بعد نفي قسري استمر 5 أشهر في الرياض.
وقُبيل البدء الفعلي بعملية دمج مقاتلي المقاومة في الجيش، بدأت تلوح في الأفق مشكلة هوية الجيش القادم، ففي حين يرى مراقبون أن الدمج هو خيار ضروري لتأسيس جيش لا يوالي أشخاصاً، يقول آخرون إن خطوة كهذه ستجعل من الجيش ميليشيات مختلفة ولكن بلباس رسمي.
وفي حديث له مع الأناضول، قال الصحفي عبد العزيز المجيدي، رئيس تحرير صحيفة “الشاهد” الخاصة، المهتم بالشؤون العسكرية، إن “قرار دمج المقاومة في الجيش، خطوة ضرورية كان يتوجب الشروع بها منذ بدء المعارك، في إطار فكرة تعبئة وطنية عامة، لمواجهة ميليشيات وجيش (في إشارة للحوثي وقوات صالح)”.
وأضاف “ثبُت بأن وجود الجيش بهذه الصيغة التي شاهدناها (في إشارة للقوات الموالية لصالح)، حيث تهيمن عليه ولاءات شخصية و مناطقية وطائفية أيضاً، هو الخطر الحقيقي الذي جلب لليمن كل الكوارث”.
وتابع “قرار الدمج كان ضرورياً، لأن البلد كانت بلا جيش، وكان من الضروري مواجهة هذه الحالة بفتح معسكرات التجنيد في كافة المناطق، لكن التداعيات السريعة للأحداث، جعلت المواطنين أمام خيار حمل السلاح، فتشكلت المقاومة الشعبية كأمر حتمي فرضه واقع الهيمنة للميليشيات والسيطرة على ما يُفترض أنها مؤسسات دولة “.
ورأى المجيدي أن دمج المقاومة بالجيش “مثّل استباقاً وخطوة لقطع الطريق أمام تشكّل ميليشيات قد تتحول إلى مشكلة، خاصة بعد القضاء على الانقلاب، فضلاً عن ذلك، فالقرار كان يشكل دفعة معنوية للمقاتلين، إذ سيجدون أنفسهم ضمن مؤسسة ترعاهم، وتؤمّن احتياجاتهم المعيشية الضرورية”.
بدوره، قال ضابط في القوات التابعة لهادي، مفضلاً عدم ذكر اسمه (كونه غير مخول للحديث مع وسائل الإعلام) “لا نريد أن نكرر أخطاء العقود الماضية من حكم صالح، تكوين الجيش القادم يجب أن تحكمه قوانين وضوابط صارمة، تجرّم نصاً وفعلاً أية ممارسة تخل بالشرف العسكري وتسيئ لمبدأ المواطنة، وقوانين تبنى هياكله ووحداته على أساس النزاهة، والكفاءة، وتقدير المسؤولية الوطنية”.
ورأى الضابط نفسه، أنه إذا لم تتحقق كل تلك القوانين والضوابط “سيتم العودة إلى مربع الصراعات المدمرة، ولن يتم بناء دولة، بأية صيغة كانت”.
وخلافاً لهذين الرأيين، يستبعد مراقبون آخرون ذلك، ويرون أنه ليس من السهل تنفيذ قرار دمج المقاومة. وفي هذا الصدد، يقول الباحث والمحلل السياسي، عبدالناصر المودع، إن “قرار الدمج، أمر صعب وغير واقعي، فالمقاومة هي فصائل كثيرة، وذات توجهات سياسية مختلفة ومتناقضة”.
واستطرد بالقول “على سبيل المثال، تتشكل المقاومة في الجنوب من قوى سلفية عديدة بعضها قريب من تنظيم القاعدة، فكراً وممارسة، إلى جانب تلك التي تنتمي لحزب الإصلاح والتجمع (محسوب على الإخوان المسلمين)، وتلك التي تنتمي للحراك الجنوبي، وهؤلاء ينقسمون مناطقياً إلى مقاومة الضالع، وردفان، ويافع، وأبين، وعدن وغيرها من مناطق الجنوب”.
وأردف “هذه التشكيلة المتنافرة من المقاومة لا تصلح بأن تشكل منها جيشاً وطنياً ولا حتى جهوياً، وفي حال تم تشكيل الجيش منها، وهو أمر غير ممكن لأسباب مالية وإدارية، فالمخصصات المالية المحدودة لا يمكنها أن تستوعب ولا حتى 5% ممن يسمون مقاومة”.
ووفقاً للمودع، فإن الحديث عن تشكيل جيش وطني، في ظل وضع اليمن الحالي “ليس سوى خرافة يتم الترويج لها من حالمين يفتقدون لأي إدراك سياسي، أو طامعين بأن يهيمنوا على السلطة تحت عنوان تشكيل جيش وطني”.
وعلى العكس من اتهامات غالبية اليمنيين للجيش الموجود، بأنه يدين بالولاء للرئيس السابق وأقاربه الذين كانوا يهيمنون على وحداته العسكرية، يرى المودع أن “الجيش الحالي بكل عيوبه، هو أفضل بكثير من الجيش الذي يحلم البعض بتشكيله”.
ويبرر الباحث كلامه، بأنه “على الرغم من أن هذا الجيش صاغه الرئيس السابق، ليهيمن به على اليمن، إلا أن عقيدته الرسمية وطنية، وهو الأمر الذي كان ينبغي المحافظة عليه والاستثمار فيه، عن طريق جذب أكبر قدر ممكن من أفراده إلى صف الوطن بعيداً الحوثيين وصالح”.
وكان الحوثيون الذين ما زالوا يحكمون السيطرة على العاصمة صنعاء، ومحافظات أخرى في الوسط والشمال، قد استبقوا الحكومة، وقاموا بدمج آلاف من عناصرهم المسلحة في صفوف قوات الأمن الخاصة، ووحدات في الجيش.
وقُبيل ما تصفه الحكومة الشرعية بـ”الانقلاب” الذي حصل عندما سيطرت جماعة “أنصار الله” (الحوثي) على صنعاء، في 21 سبتمبر/أيلول من العام الماضي، كانت الجماعة تطرح تجنيد 20 ألفاً من عناصرها التابعين لها والمعروفين باسم “اللجان الشعبية”، لكن الأمر قوبل بالرفض من قبل الرئيس هادي، آنذاك.
ولا يُعرف عدد مقاتلي المقاومة الموالين لهادي في جميع المحافظات اليمنية، لكن مراقبين يقدرونهم بنحو 20 ألفاً، غالبيتهم في تعز، ومأرب، وعدن. إذ درّبت قوات التحالف العربي، المئات من هؤلاء، خلال الأشهر الماضية، في معسكرات خاصة بالسعودية، قبل أن يعودوا لجبهات القتال في الجنوب، ومأرب، شرقي البلاد.
ومنذ 26 مارس/آذار الماضي، يواصل التحالف الذي تقوده السعودية، قصف مواقع تابعة لجماعة الحوثي، وقوات موالية لصالح، المتحالف مع الجماعة، ضمن عملية أسماها “عاصفة الحزم” استجابة لطلب الرئيس عبدربه منصور هادي، بالتدخل عسكرياً لـ”حماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية”، قبل أن يعقبها في 21 أبريل/نيسان بعملية أخرى أطلق عليها اسم “إعادة الأمل”، قال إن من أهدافها شق سياسي يتعلق باستئناف العملية السياسية في اليمن، بجانب التصدي للتحركات والعمليات العسكرية للحوثيين، وعدم تمكينهم من استخدام الأسلحة من خلال غارات جوية.
والمعروف في اليمن، أن الانقسام كان السمة البارزة في تكوين الجيش، منذ توحد شمال وجنوب اليمن، في تسعينات القرن الماضي، وتفاقمت هذه السمة بعد الخطوات التي بدأها صالح لتوريث نجله (أحمد) الحكم، وإسناد أهم الأولوية العسكرية له (الحرس الجمهوري)، حيث قام الجنرال، علي محسن الأحمر، الأخ غير الشقيق لصالح والمعارض لفكرة التوريث في حينه، بضم موالين له في صفه.
وبعد اندلاع الثورة الشعبية ضد نظام الرئيس صالح في فبراير/شباط 2011، أعلنت قوات اللواء الأحمر المعروفة بـ”الفرقة الأولى مدرع” تأييدها للثورة، فيما بقت قوات الحرس الجمهوري، والحرس الخاص، والأمن المركزي في قبضة نجل صالح وأبناء إخوته.
وتقول إحصائيات رسمية إن تعداد القوات البرية في اليمن يقارب 120 ألف مقاتل، موزعين على 7 مناطق عسكرية، وفي الاحتياط الاستراتيجي 450 ألف مجند، و59 لواء عسكري بين ألوية مدرعة، ومشاة ومدفعية، ومشاة ميكانيك وصواريخ، فيما تمتلك القوات الجوية بحدود 8000 مجند موزعين في 10 ألوية طيران، وألوية دفاع جوي، و6 قواعد عسكرية جوية، أما القوات البحرية؛ فيقدر تعدادها 10 آلاف مجند موزعين على 3 قواعد بحرية، ولوائين بحريين.
وبعد الاطاحة بنظام صالح، أدرجت ” المبادرة الخليجية” (رحل بموجبها صالح)، هكيلة الجيش اليمني على أسس حديثة، كواحدة من الخطوات التي تبني لدولة يمنية حديثة وجيش واحد، لكن مراقبين يرون أن كل ما فعلته تلك المبادرة هو “إعادة ترسيم مراكز النفوذ التي خرج اليمنيين للإطاحة بها في فبراير/شباط 2011”.
ويقول مراقبون، وبينهم المجيدي، في حديث سابق، إن الرئيس هادي، هو الآخر، عمل منذ صعوده إلى هرم السلطة في اليمن، على “تموضعه كمركز نفوذ جديد، وقام بإنشاء قوات خاصة تنتمي إلى قبيلته في محافظة أبين (جنوب)، وخصوصاً في قوات الحماية الرئاسية، وبعض معسكرات الحرس الجمهوري، من خلال إعادة المتقاعدين قسريا منذ فترة حكم صالح”، ولا يوجد تأكيد من مصدر رسمي أو مستقل على ذلك الأمر.
وكانت مخرجات الحوار الوطني (انتهى في يناير/كانون ثان 2014)، أكدت على “وضع عقيدة عسكرية للجيش مستمدة من مبادئ الدستور ليكون جيشاَ وطنياَ ومهنياَ، ولاؤه لله ثم للوطن”.
ونصت المخرجات التي ينظر اليها كأساس للدولة اليمنية الحديثة في حال تنفيذها، على أنه “لا يحق مطلقا تعيين أي من أقارب وأصهار رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس السلطة التشريعية، ووزيري الدفاع والداخلية، ورئاسة المخابرات، لأي من أقاربهم حتى الدرجة الرابعة، في أي مناصب قيادية، في الجيش والأمن والمخابرات، مدة عملهم في تلك المناصب”، على خلاف ما كان سائدا وقت حكم صالح.المصدر الاناضول