النظام السياسى الألمانى : دراسة حول البوندستاغ
إعداد الباحث : محمود خليفة جودة – المركز الديمقراطي العربي
مقدمة :
تتعدد أشكال نظام الحكم في العالم فلكل دولة نظام و لكل نظام أسس و في هذا الملف سنتجول سوياً في مفهوم نظام الحكم و أسسه و تعريفه.., فمع التطور الذي لحق بالسياسة المعاصر، أصبح هناك العديد من المؤسسات التي تشارك السلطة التنفيذية مسؤوليات الحكم ومنها دون شك البرلمان, لعل من أهم المشاكل السياسية التى تواجه المفكرين السياسيين فى أى مجتمع هى مشكلة السلطة ومكانتها فى المجتمع. بمعنى هل يجب تركيز السلطة فى مؤسسة أوشخص واحد كما كان سائدا فى الانظمة الملكية والدكتاتورية التى سادت لقرون طويله فى كثيرا من الدول ولا زالت سائدة فى بعض الدول اليوم؟ أم لابد من توزيع السلطات؟ وأذا كان لابد من توزيعها (أوالفصل) بين السلطات فكيف يجب أن يكون ذلك؟
كلنا يعلم بان كل الأنظمة السياسية تتأسس في العادة لتحقيق وظائف (وأهداف) معينه. والحقيقة إن هذه الوظائف قد يكون لها تسميات عديدة قد تختلف من نظام حكم إلى آخر إلا إن التصنيف الأكثر شيوعا هو الذي يحصرها في الثلاث وظائف الآتية: التشريعية, والتنفيذية, والقضائية. وعليه فالذي يعنى بالتوزيع الوظيفي للسلطات والعلاقة بين هذه السلطات الثلاث في الحكومة الواحدة. بمعنى هل هي علاقة فصل شبه كامل كما هو الحال في الولايات المتحدة. أم هي علاقة انصهار واندماج كما هو الحال في بريطانيا. أم هي علاقة ما بين الاثنين كما هو الحال في فرنسا وروسيا[1].
مشكلة البحث:
ونظراً لأن التأصيل النظري في غالبية الأدبيات السياسية اقتصر في معظمه على الأمور التي تتعلق بالأداء التشريعي للسلطة التشريعية دون الأداء الرقابي. تأتى أهميه موضوع هذا البحث. والذي يركز بالأساس على الدور الرقابي للسلطة التشريعية في النظام السياسي.
الذي تزداد أهميته خصوصاً في الوقت الراهن بعد التغيير الذي انعكس على أجندة الاهتمامات الدولية أو ما أصبح يعرف إعلامياً باسم العولمة. بعد أن شهد العالم منذ منتصف الثمانينات عمليات تحول ديمقراطي واسعة النطاق في العديد من النظم السياسية. كما أن تطبيق هذا البحث على البرلمان الألمانى ” البوندستاغ” وهو ما يضفى أهمية لدراسة البرلمان فى واحدة من الدول الديمقراطية ذات الثقل وصاحبة القوى الاقتصادية الأولى فى أوربا, ومن ثم فالسؤال البحثى الرئيسى ” ما هى ملامح وأبعاد دور البوندستاغ فى النظام السياسى الألمانى.
منهج الدراسة:
نعتمد فى هذه الدراسة على نموذج ديفيد إيستون فى تحليل النظم, إذ اعتبر ايستون النظام نسق أو مجموعة من المتغيرات المعتمدة على بعضها البعض والمتفاعلة فيما بينها. وركز على البيئة المحيطة بالنظام وتأثيراتها. وقال إن الحياة السياسية على أيّ مستوى يمكن النظر إليها كنظام للنشاط والسلوك السياسي الذي يمكن فصله للدراسة عن غيره من الأنظمة على الأقل للتحليل. نظر إلى العملية السياسية كنظام مستقل مكون من عدة عناصر: الهوية والكينونة، المدخلات والمخرجات، التمايز داخل النظام، تكامل النظام. وأكد على أن النظام غائي تهدف كل وظائفه لتحقيق غاياته.
تقسيم الدراسة:
مقدمة
الفصل الأول : التأصيل النظرى والمفاهيمى
المبحث الأول: النظام السياسى
المبحث الثانى : الرقابة البرلمانية
الفصل الثانى: البوندستاغ و النظام السياسى الألمانى
المبحث الأول: طبيعة وملامح النظام السياسى الألمانى
المبحث الثانى: البوندستاغ ” النشأة – والتكوين”
المبحث الثانى: البوندستاغ ” الوظيفة و المهمة “
خاتمة :
قائمة المراجع
الفصل الأول التأصيل النظرى والمفاهيمى
المبحث الأول : النظام السياسى
من المعروف أن النظام السياسي هو الطريقة التي يتم بها توزيع السلطة وتحديد العلاقة بين الهيئة التشريعية، التي تتمثل في البرلمان التي تختص بسن القوانين والهيئة التنفيذية التي تختص بتطبيق القوانين والتي تتمثل في كل من رئيس الجمهورية والحكومة.
استنادا الى هذا يصنف علماء السياسية النظم السياسية المعمول بها الى ثلاث أنظمة فإذا تم الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن شكل النظام يكون رئاسيا ، كما في الولايات المتحدة, أما إذا تم الدمج بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن النظام يكون برلمانيا ، كما في بريطانيا .
وفي حالة الأخذ ببعض مميزات النظام الرئاسي وبعض مميزات النظام البرلماني فإن النظام الناتج يطلق عليه تسمية النظام شبه رئاسي ، كما في فرنسا وسويسرا وفلندا والبرتغال وكثير من الدول العربية والإسلامية مثل إيران,ويرى المحللون السياسيون ان لكل نظام من هذة الانظمة عيوب ومزايا .وان نجاح كل نظام او فشله يخضع لعناصر عديدة، منها طبيعة الشعب، اسلوب الانتخابات التشريعية و الرئاسية، الخريطة السياسية للبلد، ثقافة الشعب (نوعا و مقدارا)، نوعية التحديات السياسية و الاجتماعية و الامنية و الاقتصادية امام الدولة، و غيرها، بالتالي، ليس من الضرورة ان احدهم هو الافضل[2].
أولا النظام البرلمانى:
ويقوم على أساس التوازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. فالبرلمان يستطيع سحب الثقة من الحكومة وإسقاطها، كما أن الحكومة لها صلاحية حل البرلمان والدعوة لانتخابات عامة، و تعتبر بريطانيا رائدة النظام البرلماني ومهد الديمقراطية الحديثة في العالم، ويتجلى ذلك من خلال عمق التجربة الديمقراطية في بريطانيا والاستقرار السياسي لنظام الحكم البرلماني ،وتمتاز بريطانيا عن غيرها من دول العالم، في أنها لا تملك دستورا مكتوبًا وإنما يرتكز النظام الدستوري فيها على الأعراف والتقاليد والعادات الدستورية.
وهو عكس النظام السابق حيث يقوم هذا النظام على التنسيق والتعاون بين السلطات الثلاثة. وفي هذا النظام يقوم الشعب بانتخاب نواب الشعب مباشرة ومن ضمنهم رئيس الوزراء. ويقوم النواب بممارسة سلطاتهم المحددة في التشريع والرقابة وتكون السلطة التنفيذية مسؤولة أمام البرلمان بعكس النظام الرئاسي. وللمجلس حجب الثقة عن أي عضو من أعضاء الوزارة أو كلها وله محاسبتها ومساءلتها والتحقيق معها وعادة ما يكون الرئيس أو الملك في هذا النظام مقيد الصلاحيات ووجوده رمزي وتشكل الحكومة من حزب الأغلبية في البرلمان وعادة ما تكون منسجمة ومتكاملة وقد تشكل الحكومة من ائتلاف من أحزاب عدة. ومثال ذلك بريطانيا[3].
ويقوم النظام البرلماني على أمور عامة وأساسية متفق عليها بين كل الحكومات البرلمانية وهي:
أولا: ثنائية الجهاز التنفيذي بمعنى الفصل بين منصبي رئيس الدولة ورئيس الوزراء.ففي ظل الحكومة البرلمانية يكون هناك رئيسأعلى للدولة سواء كان ملكًا أو رئيسًا منتخبًا ويكون هناك رئيس للوزراء، إلا أن (رئيس الدولة) لا يملك سلطة حقيقية، وإنما تنحصر سلطاته بأعمال شكلية و(سلطته الدستورية) ضيقة جدا، فالرئيس أو الملك في العادة يسود ولا يحكم، مثال ذلك ملكة بريطانيا، والأعمال التي يقوم بها الرئيس تتمثل بالطلب من زعيم الأغلبية في البرلمان بتشكيل الحكومة أو قبول استقالة الحكومة إذا ما رأت تقديم استقالتها لأي سبب من الأسباب، واستقبال رؤساء الدول والسفراء الأجانب، وهي أمور شكلية وليس لها تأثير يذكر على السياسة العامة للدولة، فرئيس دولة إذن غير مسؤول سياسيا لا يتولى سلطات تنفيذية فعلية و لا يعتبر مركز ثقل في تسيير أمور الحكم في البلاد، ولهذا لا تقع على عاتقه أية مسؤولية سواء كان ملكا أو رئيسا للجمهورية ولذلك لا يجوز انتقاده ، و رئيس الحكومة هو الذي يمتلك الزمام الفعلي للسلطة التنفيذية، حيث يختص بتعيين الوزراء بوصفه زعيم الأغلبية في البرلمان ولا يشاركه في هذا الاختصاص رئيس الدولة، وطبقا لكونه زعيم حزب الأغلبية، لذا فإنه يختار وزرائه من بين أعضاء حزبه الموجود في البرلمان ،أما إذا كان حزبه لا يحظى بالأغلبية المطلوبة في البرلمان، فإنه في هذه الحالة يكون مضطرا لتشكيل حكومة ائتلافية مكونة من عدة أحزاب حتى تستطيع حكومته أن تحظى بثقة البرلمان.
والركن الأساسي في النظام البرلماني يتمثل بمسؤولية الحكومة أمام البرلمان، و يعتبر هذا الركن هو حجر الزاوية فيه، و بدونه يفقد النظام البرلماني جوهره و تتغير طبيعته، وهذه المسؤولية على نوعين
1 – مسؤولية تضامنية بمعنى أن تكون الحكومة بمجموعها مسؤولة عن السياسة العامة أمام البرلمان، :
– 2 مسؤولية فردية بمعنى أن كل وزير مسؤول أمام البرلمان عن وزارته ،و نتيجة لمسؤولية الحكومة هذه أمام البرلمان يحق
لهذا الأخير أن يسحب الثقة من الحكومة و يسقطها كما يحق سحب الثقة من أي وزير ليجبره على الاستقالة
ثانيا: التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية .
1. صور التوازن تشمل الآتي:
في مقابل حق البرلمان في سحب الثقة من الحكومة، يحق للحكومة أن تحل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، وحل البرلمان يعني الاحتكام إلى الشعب، فإما أن يدعم الحكومة فينتخب نوابا مؤيدين لها، أو يدعم موقف البرلمان فينتخب نوابا معارضين لسياسة الحكومة ، و تمتلك الحكومة حق دعوة البرلمان للانعقاد وفض دورات انعقاده، و للوزراء حق دخول البرلمان لشرح سياسة الحكومة و الدفاع عنها.
2.صور التعاون تشمل الآتي:
للسلطة التنفيذية حق اقتراح القوانين ،ومن حق البرلمان تشكيل لجان للتحقيق مع الوزراء،و للبرلمان حق الموافقة على الميزانية السنوية للدولة.
و أخيرًا فإن هناك نظم سياسية مختلطة وهي نظم تجمع بين أكثر من سمة من سمات النظم السياسية ولا تتقيد بالتقسيم الكلاسيكي الجامد للنظم السياسية كما هو الحال في ألمانيا[4] .
ثانيا النظام الرئاسى[5]:
ـ يتميز هذا النظام بما يسمى ( الفصل التام ) بين السلطات ولكن توجد هناك بعض الاستثناءات على هذا الفصل المطلق في علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية , ومن أمثلته الولايات المتحدة الأمريكية:
¨ أركان النظام الرئاسي :-
أولاً : فردية السلطة التنفيذية وتركيزها في يد رئيس الجمهورية :
- رئيس الجمهورية في هذا النظام هو الذي يتولى ومارس وحده السلطة التنفيذية من الناحية الدستورية .
- لا يوجد بجوار الرئيس مجلس وزراء ولا رئيس وزراء .
- السلطة التنفيذية مركزة في يد شخص واحد وهو رئيس الجمهورية .
- بما أن السلطة التنفيذية مركزه في يد رئيس الجمهورية إذاً بهذه الصفة هو الذي يضع السياسة العامة للدولة بنفسه ويشرف على تنفيذها .
- هناك معاونين للرئيس لتنفيذ السياسة العامة التي وضعها الرئيس وأٌطلق عليهم ( وزراء ) تجاوزاً ولكن في الحقيقة هم سكرتارية الرئيس .
- السكرتارية التابعين للرئيس ليس لهم استقلال ذاتي عنه .
- لا توجد مسئولية سياسية للوزراء أمام البرلمان في النظام الرئاسي .
- في حال الاجتماع مع سكرتارية الرئيس أو ( الوزراء ) فإن هذا الاجتماع لا يطلق عليه اجتماع ( مجلس الوزراء ) بالمعنى الصحيح .
- رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي لا بد أن يكون منتخباً من قبل الشعب .
ثانياً : الفصل التام أو المطلق بين السلطات :
¨ مظاهر هذا الفصل التام أو المطلق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية :
- لا يجوز الجمع بين المنصب الوزاري وعضوية البرلمان .
- لا يجوز للوزراء دخول البرلمان لشرح سياسة الرئيس أو الدفاع عنها .
- ليس من حق رئيس الجمهورية اقتراح القوانين على البرلمان حتى في شأن قانون الميزانية .
- لا توجد رقابة من جانب البرلمان على رئيس الجمهورية والوزراء .
- ليس للسلطة التنفيذية أية رقابة على البرلمان .
« حالات استثنائية لجعل الفصل بين سلطتي التشريع والتنفيذ مطبقة عملياً ، ولتخفيف حده هذا الفصل التام :
- إن رئيس الجمهورية لا يجوز له حق اقتراح القوانين أمام البرلمان ، لكن له حق تقديم التوصيات بالإجراءات التشريعية التي يراها ضرورية من وجه نظرة .
- يجوز للرئيس الأمريكي الاعتراض على القوانين التي أقرها مجلس النواب ومجلس الشيوخ وفي هذه الحالة يسمى ( حق الاعتراض التوقيفي المؤقت ) ، وله حالتان هما :
أ) حال تعديل القانون بما يتوافق مع ما جاء من اعتراض الرئيس وهنا يصدر قانون جديد يشترط لتطبيقه موافقة (50%+1) من أعضاء المجلسان التشريعيان .
ب)إصرار المجلسان التشريعيان على العمل بالقانون ، هنا لا بد من موافقة ( ثلثي 2/3) أعضاء المجلسين لاستمرارية العمل بالقانون ، وفي هذه الحالة يسقط الاعتراض ويلتزم الرئيس وإدارته بتنفيذ القانون .
- إذا كان لا يجوز لرئيس الجمهورية حق دعوة البرلمان للانعقاد السنوي العادي أو تأجيل انعقاد جلسات البرلمان أو فض جلساته ، إلى أن الدستور أجاز للرئيس حق دعوة البرلمان لإدوار الانعقاد ( غير العادية ) في حالات الضرورة .
- في مقابل تلك السلطات الاستثنائية ، هناك بعض السلطات المعطاة إلى مجلس الشيوخ لمواجهة السلطة التنفيذية التي يملكها الرئيس ، منها ( موافقة مجلس الشيوخ على تعيين كبار الموظفين ومنهم الوزراء والسفراء والقناصل وقضاة المحكمة الاتحادية العادية ) .
ـ جرى العرف على إعطاء حق للرئيس في اختيار الوزراء .
5. لمجلس الشيوخ أيضاً دور رقابي على السياسة الخارجية التي يضعها رئيس الجمهورية ، فلابد من موافقة ( ثلثي ) أعضاء مجلس الشيوخ على المعاهدات الدولية التي يعقدها الرئيس .
المبحث الثانى: الرقابة البرلمانية
تمارس البرلمانات عددا من الوظائف، تتراوح فى مجالها ونطاقها من دولة الى أخرى، وذلك :
1- حسب الإطار الدستوري السائد وأسلوب توزيعه لاختصاصات الحكومة،
2- وكذلك تبعا لمدى التطور الديمقراطى وقوة البرلمان وقدرات أعضائه.
وبوجه عام، هناك نوعان من تلك الوظائف:
الأول عام، تمارسه البرلمانات كهيئة ممثلة للشعب، كدورها فى صنع السياسات العامة وخطط التنمية؛
والثاني فني، وهو ما يعرف بالدور التشريعي والرقابي، الذى تقوم به فى مواجهة السلطة التنفيذية (حيث لا تخضع السلطة القضائية للبرلمان أو السلطة التنفيذية، تطبيقا لمبدأ استقلال القضاء وحصانته، وكحكم بين السلطات أيضا).
الوظيفة الرقابية[6] :
يقوم النظام الديمقراطى على فكرة التوازن بين سلطات الحكم، التشريعية والتنفيذية والقضائية، حتى لا تجور إحداها على الأخرى، وتستأثر بالسلطة، وبالتالي تهدد مصالح المجتمع وتؤثر سلبيا على نظام الحكم.
وهناك ثلاث صور أساسية للرقابة، يكمل بعضها البعض حتى تستقر الديمقراطية ويتحقق التوازن بين السلطات وكذلك الإرادة الشعبية للمواطنين. فأما النوع الأول من الرقابة، فهي التى يمارسها البرلمان على الحكومة. وتعتبر تلك الرقابة البرلمانية من أقدم وظائف البرلمان تاريخيا، وأشهرها سياسيا، حيث البرلمان هو المسئول عن متابعة وتقييم أعمال الحكومة. ولكن عملية رقابة البرلمان على السلطة التنفيذية لا تتم بدون توازن فى القوة السياسية بينهما، حتى لا تنقلب الى سيطرة، وتصبح السلطة التنفيذية خاضعة تماما للبرلمان، وبالتالي ينهار مبدأ الفصل بين السلطات، الذى هو أساس الحكومات الديمقراطية وشرط الاستقرار السياسى. ولهذا، فإن عملية الرقابة تكون متبادلة ومتوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فالرقابة البرلمانية وسيلة لحماية مصلحة الشعب، ومنع الانحراف، والالتزام بالسياسية التنموية التى وافق عليها البرلمان، والالتزام بالميزانية التى أقرها، حفاظا على الأموال العامة من الإهدار. ويعتبر البرلمان سلطة رقابة سياسية على السلطة التنفيذية تحاسبها وتراقب تصرفاتها وأعمالها وقراراتها، ويستطيع البرلمان من خلالها التحقق من مشروعية تصرفات السلطة التنفيذية وأعمالها ومدى استهدافها الصالح العام، ويكون له مراجعتها وإعادتها الى الطريق الصحيح إذا انحرفت. وأما النوع الثاني من الرقابة ، فتمارسه الحكومة على البرلمان. فكما أن البرلمان يمارس وظيفة رقابية على الحكومة، فإنه يخضع فى الوقت نفسه لنوع من رقابة الحكومة عليه أيضا. فإذا كان أعضاء البرلمان يستطيعون اتهام الوزراء، وسحب الثقة من الحكومة إذا ثبت الاتهام عليها، فإن الحكومة قد تلجأ الى حل البرلمان إذا رأت أنه غير متوازن أو موضوعي فى تقديره للأمور، أو يبالغ فى الاتهام بدون سند مقبول الى درجة تجعل التعاون بينهما مستحيلا، فترى ضرورة الاحتكام مباشرة الى الشعب ليقرر من الطرف الذى على صواب. أما النوع الثالث من الرقابة، فهو يتمثل في الرقابة التى يمارسها الرأي العام على البرلمان ذاته. وقد تكون تلك الرقابة الاجتماعية على البرلمان موسمية (وتتمثل فى موقف الناخبين تجاه أعضاء البرلمان وقت الانتخابات، حيث يعتبر تجديد اختيار الأعضاء نوعا من الرقابة الدورية التى يمارسها الرأي العام على البرلمان) أو دائمة ، وهي التي تتم طوال فترة عمل البرلمان، ويمارسها المجتمع من خلال وسائل الإعلام، سواء على أداء الأعضاء أو قوة البرلمان ككل، وهى نوع هام جدا من الرقابة الشعبية على البرلمان. وفى الحقيقة، فإن الصورة الأولى للرقابة، أى من البرلمان على الحكومة، تعتبر مقياسا هاما لكفاءة البرلمان ومؤشرا عـلى درجة الديمقراطية فى المجتمع. فالمقصود بالرقابة البرلمانية، إذن، هو دراسة وتقييم أعمال الحكومة، وتأييدها إن أصابت ومحاسبتها إن أخطأت.
صور العلاقة الرقابية[7]:
تتنوع صور العلاقة الرقابية بين البرلمان والسلطة التنفيذية فى النظم الديمقراطية، ففي بعضها يقوم البرلمان بانتخاب رئيس السلطة التنفيذية وبالتالي يستطيع عزله (أى سحب الثقة منه)، وفى البعض الآخر لا يستطيع البرلمان ذلك، كما هو الحال فى النظام الأمريكي. ولكن، على الرغم من غياب تلك الصفة بالنسبة للكونجرس الأمريكي، والنظم الرئاسية والتي تأخذ بمبدأ الفصل الواضح بين السلطات عموما، يظل للبرلمان القدرة على الرقابة والعمل باستقلالية بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية. ولأن الرقابة البرلمانية عملية متعددة الأبعاد، فهناك وسائل متعددة أمام النواب لممارسة مهام الرقابة على الحكومة، منها المناقشات المستمرة والعميقة للميزانية، والرقابة والإشراف على العمل الحكومي، وتوجيه الأسئلة للوزراء عن أمور تتعلق بعملهم. كذلك، فبعض البرلمانات ابتكرت وسيلة أخرى من وسائل الرقابة على العمل الحكومي، وهى المفوض البرلماني، وهو شخصية مستقلة يقوم بتعيينها البرلمان من أجل الإشراف والرقابة على الإدارة. ويعود الثقل الكبير للوظيفة الرقابية فى نظر المجتمع وأعضاء البرلمان الى عدد من الأمور التى أملتها التطورات السياسية، أهمها:
أ- مدى هيمنة الحكومة على صنع السياسات العامة: فهي مصدر معظم التشريعات، وهى التى تمتلك القدرة على التنفيذ، وهى المخولة بوضع اللوائح التنفيذية للقوانين، وتمتلك القدرات الفنية والإدارية وقواعد المعلومات اللازمة لصنع وتنفيذ السياسة، بحيث لا يتبقى للبرلمان الكثير من هذه القدرات لكي يقوم بصنع السياسة ورسم الأولويات.
وبالتالي، يتجه اهتمام البرلمانات فى ظل هذه الأوضاع الى محاولة استثمار وتفعيل ما هو ممكن من وسائل وآليات للمساهمة فى صنع القرار، وأهمها الرقابة.
ب- التوازنات السياسية والحزبية فى البرلمان والتي قد تحد من قدرته على توجيه الحياة السياسية وصنع السياسات العامة، لاسيما فى ظل وجود تكتل أو أغلبية حزبية كبيرة مؤيدة للحكومة، وبالتالي تصبح الرقابة أهم الوسائل المتبقية أمام المعارضة للتأثير فى السلطة التنفيذية.
ج – الثقافة السياسية السائدة فى المجتمع والتي قد تنظر الى الدور الرقابي للبرلمان بشكل أكثر تقديرا وإعجابا من نظرتها لدوره التشريعي، وينطبق ذلك بوضوح على نظرة الرأي العام الى أعضاء المعارضة البرلمانية أو المستقلين، حيث يميل الرأي العام وتتجه وسائل الإعلام الى الانبهار وربما تبجيل العضو الذى يستطيع إحراج الوزراء ويقتنص الفرص لإظهار التقصير فى أداء الحكومة، بل وربما يفاخر الأعضاء أنفسهم بذلك ويعتبرونه علامة فى تاريخهم البرلماني.
أهمية مبدأ الفصل بين السلطات
يساعد الفصل المتوازن بين سلطات النظام السياسي الثلاث ، وتفعيل الرقابة المتبادلة بينها واحترام كل منها للاختصاصات الوظيفية المنوطة بالسلطة الأخرى وفقا للقواعد الدستورية والقانونية المعتمدة في بناء نظام أكثر استقرارا وأمنا. غير أن هناك عددا من الإشكاليات لعل أهمها:
1-عدم قدرة النظام السياسي عادة على ضمان ممارسة آليات الرقابة والمساءلة المتبادلة والفعالة بغض النظر عما جاء في النصوص القانونية أو في التطبيق من قبل السلطات الثلاث، أو فيما بينها؛ فالنظام البرلماني يضع أسس واضحة للعلاقة بين السلطات واليات الرقابة المتبادلة بينها، وكذلك الحال بالنسبة للنظام الرئاسي، حيث الصلاحيات الخاصة بكل سلطة وآليات الرقابة والمساءلة بينها واضحة ومحددة. أما النظام المختلط الذي يجمع بين بعض أسس النظام الرئاسي وبعض أسس النظام البرلماني بشكل عشوائي وانتقائي لا يساعد في بناء نظام مساءلة فعّال، ويزداد الأمر صعوبة إذا كان النظام ناشئا وغير مكتمل.
2-غياب التوازن في توزيع الصلاحيات بين السلطات في النظام السياسي ، حيث تهيمن السلطة التنفيذية بشقيها (الرئاسة ومجلس الوزراء) على السلطتين التشريعية والقضائية وفقا للنصوص القانونية أو بسبب التطبيق على حد سواء.
3- حتمية الصراع بين السلطات الثلاث. فالغموض في النصوص وعدم الوضوح في توزيع الصلاحيات يسهم بشكل ملحوظ في تحول الصراع على الصلاحيات داخل السلطات الثلاث وفيما بينها إلى صراع حقيقي في الأمد الطويل.
وعليه فإن الكثيرين من المفكرين يرون ضرورة مراجعة طبيعة النظام السياسي المختلط، ليس فقط للتأكد من تضمين آليات المساءلة ومبادئ الشفافية بما يخلق بيئة تساعد على التصدي للفساد، وإنما أيضا لضمان استقرار النظام السياسي.
الفصل الثانى : النظام السياسى الألمانى
المبحث الأول ملامح وطبيعة النظام السياسى الألمانى
قد أصبح رمزا للنجاح ومثالا يحتذى: الدستور الألماني جاء بالسلام والاستقرار بعد الحرب العالمية الثانية، رغم أن ذلك كان بداية وحتى العام 1990 حكرا على الألمان الذين يعيشون في الشطر الغربي من البلد المنقسم, التأكيد على أهمية الحقوق الأساسية للإنسان والتمسك بالمبادئ الديمقراطية والاجتماعية للدولة الاتحادية إضافة لتأسيس سلطة قضائية عليا تسهر على مراقبة تنفيذ الدستور والالتزام بمبادئه، كلها شكلت نقطة ارتكاز الديمقراطية الألمانية.
وفى هذا السياق فأننا سوف نسلط الضوء على الروابط التالية:
أولا القانون الأساسى الألمانى” الدستور”
يرسم الدستور الألماني حدودا للتشريع القانوني ضمن الإطار الدستوري، كما يلزم إدارة الدولة بالحق والقانون. وتحتل الفقرة الأولى من الدستور مكانة خاصة، فهي تعتبر أهم فقرة من الدستور لما تنص عليه من احترام كرامة الإنسان: “لا يجوز المساس بكرامة الإنسان. وتلتزم الدولة بكافة مؤسساتها باحترامها وحمايتها”. وتضمن الحقوق الأساسية أيضا أمورا، منها حرية التجارة في إطار القوانين، والمساواة بين الناس أمام القانون، وحرية الإعلام والصحافة وحرية الجمعيات وحماية الأسرة.
يصف الدستور ألمانيا على أنها بلد سيادة القانون: تخضع فيها كافة تصرفات الجهات الحكومية لرقابة القانون. وتعتبر الدولة الاتحادية مبدأ آخر من مبادئ الدستور. وهي تعني تقاسم السلطة بين مجموعة من الولايات الأعضاء من جهة وبين دولة مركزية من جهة أخرى. وأخيرا يعتبر الدستور ألمانيا على أنها دولة اجتماعية. والدولة الاجتماعية تفرض على السياسة اتخاذ إجراءات تضمن للناس مستوى لائقا من الحياة المادية، في حالات البطالة والإعاقة الجسدية والمرض والشيخوخة. أما الميزة الخاصة التي يتمتع بها الدستور فهي ما يعرف باسم “الطبيعة الأزلية” التي تتمتع بها أسس هذا الدستور. الحقوق الأساسية وطريقة الحكم الديمقراطية والدولة الاتحادية والدولة الاجتماعية، كلها مبادئ لا يجوز المساس بها من خلال تعديلات لاحقة على الدستور، أو حتى في حال صياغة دستور جديد للدولة.
أما حقيقة أن الشعب يمارس السلطة من خلال مؤسسات محددة، فهي تتواكب مع نص الدستور على طريقة الحكم المعتمدة على التمثيل الديمقراطي. وتمتلك دساتير الولايات الاتحادية وسائل الديمقراطية المباشرة. فمن خلال المبادرة الشعبية تطالب مجموعة قليلة من المواطنين برلمان الولاية بصياغة قانون ما. ويطالب الاستفتاء الشعبي بطريقة مشابهة البرلمان بالموافقة على مشروع قانون مطروح. وإذا لم يلتزم البرلمان بالاستفتاء يمكن اللجوء إلى قرار شعبي، يمكن من خلاله للغالبية إقرار هذا القانون[8].
ثانيا الأحزاب السياسية[9]:
حسب الدستور الألماني فإن مهمة الأحزاب السياسية هي المساهمة في بناء الوعي السياسي للشعب. وهكذا فإن تسمية مرشحين للمناصب السياسية وتنظيم حملات انتخابية ترقيان إلى مرتبة الواجبات الدستورية ولهذا السبب تحصل الأحزاب على تعويض مادي من الدولة مقابل النفقات التي تتحملها في إطار هذه الحملات الانتخابية. هذا التعويض المادي لأعباء الحملات الانتخابية الذي ابتدعته ألمانيا، أصبح مبدءا متبعا في معظم ديمقراطيات العالم. وحسب الدستور أيضا فإن تشكيل الأحزاب السياسية يخضع للأسس الديمقراطية (ديمقراطية الأعضاء). وينتظر من هذه الأحزاب اعترافها بالدولة الديمقراطية.
أما الأحزاب التي يشكك في ديمقراطيتها فيمكن منعها بناء على طلب تتقدم الحكومة. ولكن ليس هناك ما يلزم بمنع هذه الأحزاب. وعندما تتبين الحكومة أن أحد هذه الأحزاب يشكل خطرا على النظام الديمقراطي وتتشكل لديها القناعة بأن منعه ضروري، فيمكنها في هذه الحال تقديم طلب بحظر هذا الحزب. أما قرار المنع بحد ذاته فهو محصور بالمحكمة الدستورية العليا. وبهذه الطريقة يمكن تفادي خطورة أن تقوم الأحزاب السياسية الحاكمة بمنع أي حزب يعارضها ويشكل خطرا سياسيا منافسا لها. وعادة ما تفضل الأحزاب الحاكمة إزاحة الأحزاب غير الديمقراطية باستخدام الأساليب السياسية المعتادة، عن اللجوء إلى المحكمة الدستورية. وفي تاريخالدولة الاتحاديةكانت طلبات حظر الأحزاب قليلة جدا، وكان من النادر حظر أحدها. فالدستور الألماني يشجع ويدعم الأحزاب. والأحزاب بدورها تمثل في جوهرها أدوات التعبير عن آراء المجتمع واتجاهاته. وهي تتحمل مخاطر الفشل فينظام الأحزاب الألماني في غاية الوضوح. وحتى العام 1983 كانت الأحزاب الممثلة في البرلمان الألماني (بوندستاغ) هي ذات الأحزاب التي شكلت أول برلمان تم انتخابه في عام 1949: وهي أحزاب الاتحاد المسيحي، و (SPD) و (FDP). أحزاب الاتحاد تنتمي لعائلة الأحزاب الأوروبية المسيحية ممثلة في كافة أنحاء ألمانيا تحت اسم الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU)، ماعدا ولاية بايرن، حيث تخلى الحزب عن التواجد تحت اسمه الأساسي فاسحا المجال أمام شريكه حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي (CSU) . وقد اعتاد ممثلو الحزبين في البرلمان على بناء كتلة برلمانية موحدة.
الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني (SPD) هو ثاني أكبر حزب سياسي ألماني. وهو ينتمي إلى أسرة الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية الاشتراكية في أوروبا. وتعتبر كل من CDU/SCU وSPD أحزابا شعبية، الأمر الذي يعني أنها تمكنت في الماضي من الفوز بثقة شريحة كبيرة من الناخبين المنتمين إلى مختلف الطبقات. وجميعها تعتمد مبدأ الدولة الاجتماعية، التي تضمن دخل أبنائها من كبار السن والمرضى والمعوقين والعاطلين عن العمل. وبينما يعبر حزبا CDU/CSU عن مصالح الشركات وأصحاب الأعمال الحرة ورجال الأعمال، يعتبر حزب SPD مقربا من النقابات.
الحزب الديمقراطي الحر (FDP) ينتمي إلى عائلة الأحزاب الأوروبية الحرة. وهي تعتمد مبدأ تدخل الدولة في السوق، أي في الحياة الاقتصادية بأدنى حد ممكن. ولا يعتبر حزب FDP حزبا شعبيا. فهو يمثل بشكل أساسي مصالح أصحاب الدخل المرتفع والطبقات المثقفة.
يعود تأسيس حزب بوندنيس 90/ الخضر إلى العام 1980، ويعرف باسم “الخضر”. وهو أول حزب تأسس بعد عام 1949 واستمر بشكل ناجح. وينتمي الحزب إلى أسرة أحزاب الخضر والبيئة الأوروبية. وما يميز هذه الأحزاب هو دعوتها للربط بين مبادئ اقتصاد السوق وبين الرقابة الصارمة للدولة على حماية الطبيعة والبيئة. ويمثل الحزب أيضا مجموعات الناخبين من أصحاب الدخل الجيد والمستوى الثقافي فوق المتوسط.
بعد الوحدة الألمانية ظهر على الساحة السياسية في ألمانيا الاتحادية الحزب الديمقراطي الاشتراكيبعد الوحدة الألمانية ظهر على الساحة السياسية في ألمانيا الاتحادية الحزب الديمقراطي الاشتراكي (PDS). وهو انبثق في العام 1989 عن الحزب الشيوعي (SED) لجمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة. وقد تحول حزب (PDS) إلى حزب ديمقراطي. واقتصرت نجاحاته السياسية حتىالآن على الولايات الاتحادية الشرقية الجديدة، التي كانت حتى 1990 تنتمي إلى ألمانيا الديمقراطية (DDR). ممثلو حزب “الخيار البديل عمل وعدالة اجتماعية” (WASG) الذي كان نشاطه محصورا في إطار الولايات وكان ممثلا في بعض برلمانات الولايات خاضوا انتخابات 2005.
ثالثا المستشار الألمانى والحكومة[10]:
المستشار الالمانى هو العضو المنتخب الوحيد في الحكومة الاتحادية. ويمنحه الدستور حق تعيين الوزراء بصفته رئيس أعلى سلطة سياسية في البلاد. ويحدد المستشار أيضا عدد الوزارات ومجالات اختصاص كل منها. وهو صاحب الحق في توزيع المسؤوليات والمهمات. الأمر الذي يعكس سلطة المستشار ودوره الحاسم في وضع سياسة الحكومة. وبهذه الصلاحيات يتمتع المستشار الاتحادي بدور سياسي قيادي أشبه بذلك يتمتع به رؤساء الجمهورية في الديمقراطيات الأخرى.
وقد اتخذ المجلس البرلماني الذي صاغ الدستور في العام 1949 من صورة رئيس الوزراء البريطاني مثالا له عندما قرر منصب المستشار الاتحادي. حيث يتمتع رئيس الوزراء البريطاني بذات الصلاحيات التي يتمتع بها المستشار، بل وتزيد صلاحياته عن صلاحيات المستشار. ففي النظام البرلماني البريطاني يقوم حزب واحد بحكم البلاد، حيث يمنح نظام الأغلبية حق الحكم للحزب الأقوى في البرلمان. أما في البوندستاغ فلا يتمتع عادة حزب واحد بالأغلبية. ولهذا فإنه لا مفر من تشكيل ائتلاف بين الأحزاب المختلفة من أجل أن يتم انتخاب المستشار.
ويسبق انتخاب المستشار مشاورات بين الأحزاب التي ستشكل الحكومة. وهنا يدور الحوار حول توزيع المناصب الوزارية بين الأحزاب، وحول إنشاء وزارات جديدة أو إلغاء وزارات معينة. ويتمتع الحزب الأقوى في هذا التحالف بحق تسمية المستشار الاتحادي. بالإضافة إلى ذلك تتشاور الأحزاب حول برنامج عملها في السنوات القادمة. ويتم تثبيت نتيجة مشاورات الائتلاف هذه من خلال التوقيع على ما يسمى “اتفاقية الائتلاف”. وبعد الانتهاء من هذه الخطوات يتم انتخاب المستشار. وعادة ما تسبق المشاورات بين الأحزاب الحاكمة قرارات الحكومة وترافقها. وإذا ما نضب نبع التآلف والوفاق بين الأحزاب الحاكمة فإن استبدال المستشار يصبح أمرا شبه مؤكد. إعفاء المستشار من مهامه الذي يتم من خلال حجب الثقة عن الحكومة، يجب أن يرافقه انتخاب مستشار جديد. هذه الخطوة الجريئة في حجب الثقة البرلمانية عن الحكومة، تلزم الأحزاب الممثلة في البرلمان بتشكيل حكومة غالبية جديدة قادرة على الحكم، حتى قبل قيامها بعزل المستشار. وقد تمت حتى الآن محاولتان فقط لعزل المستشار، نجحت واحدة منهما في العام 1982: حيث تم آنذاك سحب الثقة من المستشار الديمقراطي الاجتماعي هيلموت شميت، وانتخب مكانه المستشار الديمقراطي المسيحي هيلموت كول.
كما يمكن للمستشار الاتحادي أيضا طرح موضوع الثقة على البوندستاغ في أي وقت يشاء، لكي يتأكد من استمراره بالتمتع بالدعم غير المشروط للأحزاب الحاكمة. وإذا لم يفلح المستشار في نيل هذه الثقة، أي إذا فشلت الحكومة في تحقيق الغالبية البرلمانية، فإن قرار حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة يعود في هذه الحال لرئيس الجمهورية. ويمكن لرئيس الجمهورية أيضا مطالبة الأحزاب الممثلة في البوندستاغ بمحاولة تشكيل حكومة جديدة, ولم يسبق أن حصل في تاريخ ألمانيا الاتحادية فشل حقيقي ذريع في نيل الثقة البرلمانية. ولكن كان هناك ثلاث خسارات للثقة: حيث أحجب أعضاء برلمانيون من الأحزاب الحاكمة أو أعضاء من الحكومة عن التصويت، وذلك بهدف إسقاط الحكومة والعمل على تشكيل حكومة جديدة، وكان ذلك في الأعوام (1972، 1982، 2005). وقد تم اللجوء إلى هذه الطريقة لأنها الوحيدة التي تضمن فرض عملية الانتخابات المبكرة التي لا يسمح بها الدستور إلا في مثل هذه الحال. وهذه العملية تتطلب موافقة رئيس الجمهورية على أية حال، وهي موضع خلاف قانوني.
رابعا السلطة القضائية[11]:
إن الغرض من تنظيم سلطة قضائية اتحادية هو الحفاظ على وحدة القانون في الدولة وضمان علوية الدستور الفيدرالي من خلال تنظيم رقابة دستورية على القوانين الإقليمية والاتحادية والسلطة في تفسير الدستور الفيدرالي ، خاصة تفسير القواعد الدستورية المتعلقة بتوزيع الاختصاصات الدستورية ما بين الأقاليم والحكومة الاتحادية ، والذي يعد من المسائل الشائكة في الدولة الاتحادية . وكذلك حل الخلافات ما بين الحكومة الاتحادية والأقاليم يستدعي حلها من خلال هيئة قضائية.
إن التراث القضائي الألماني يرجع إلى القانون الأساسي لسنة 1877 ، الذي أسس نظاماً للمحاكم (العادية) لممارسة القضاء المدني والجنائي ، وقد خلق هذا القانون (المحكمة الامبراطورية) التي كانت محكمة عليا تسري احكامها على ألمانيا كلها ، وتوجد إلى جانبها محاكم الأقاليم، حيث كان هناك أربعة مستويات من المحاكم هي محكمة المقاطعة، محكمة الاقليم، محكمة الاستئناف في الاقليم ، والمحكمة الإمبراطورية. وكان القضاة ورجال النيابة وغيرهم من العاملين بالمحكمة الإمبراطورية يعتبرون بمثابة موظفين لدى(الرايخ)، اما جميع العاملين بالمحاكم الأخرى فكانت توظفهم الأقاليم. ومن هنا لم يكن اعتبارهم بحق (ممثلين لسلطة القضاء المستقلة).
ولم يغير دستور فايمار من الهيكل الأساس للقضاء ، وان كان قد حاول إن يضمن استقلاله والقضاة كانوا يخضعون لوزراء العدل المحليين في الأقاليم . ومع ذلك فقد وضع ترتيب خاص لانشاء محكمة عليا لتفصل في المنازعات بين الأقاليم ، وبين الأقاليم و(الرايخ). ونظراً إلى إن القضاء الألماني ظل زمناً طويلاً يتشرب التقاليد التشريعية ذات الروح المحافظة ، فلم يكن متمشياً بالقدر الكافي مع المبادئ الجديدة لدستور فايمار الذي يحترم استقلال القضاة. فبمقتضى تدريبهم واستعدادهم وميلوهم السياسية المحافظة لم يكن هؤلاء القضاة وغيرهم من العاملين الآخرين في المحاكم على استعداد لتأييد هذه التغييرات الجديدة . وعندما حلت الدكتاتورية النازية محل جمهورية فايمار، استولى هتلر تماماً على السلطات الثلاث ، ولما لم يكن القضاء قد اعتاد إن يناقش سلطة الدولة فلم يتخذ موقفاً قوياً للدفاع عن الحكم الدستوري ، وادى تصميم الحكم النازي على اضعاف الجهاز القضائي إلى تحويل سلطة القضاء ونقلها من الأقاليم إلى الحكومة المركزية في برلين.
وقد سهلت إعادة تقسيم ألمانيا إلى أقاليم بعد الحرب العالمية الثانية، عملية إعادة تنظيم السلطة القضائية وتم من جديد احياء وجوه كثيرة للنظام الذي كان سائداً في عهد جمهورية فايمار، مع إدخال بعض التجديدات الأخرى في بناء الجهاز القضائي ، كان القصد منها حماية استقلال المحاكم وضمان المحافظة على الحكم الدستوري.
رغم الأسس الفيدرالية التي قام عليها النظام السياسي الألماني ، فان المحاكم من مختلف المستويات مدمجة في نظام موحد. وتدير الأقاليم المستويات الثلاث الأدنى من هذا النظام ، في حين تدار المحكمة العليا على مستوى فيدرالي. ويفصل هذا النظام الموحد من المحاكم في القضايا المدنية والجنائية ، وتطبق جميع المحاكم النصوص القانونية القومية ذاتها. ويتعامل فرع آخر من النظام القضائي مع قضايا المحاكم في مجالات متخصصة ، فتتعامل إحدى المحاكم بالشكاوى الإدارية ضد الوكالات الحكومية ، وتتعامل أخرى بقضايا الضريبة، وتتعامل ثالثة بنزاعات العمل ، ورابعة بحل المطالبات الخاصة ببرنامج الحكومة الاجتماعي . وكما هي الحال في باقي النظام القضائي فان هذه المحاكم الخاصة مدمجة في نظام واحد يشمل محاكم الأقاليم والمحاكم الفيدرالية.
المبحث الثانى البوندستاغ النشأة والتكوين
مجلس النواب أو ما يسمى بالمجلس الأدنى، ويعد هذا المجلس من الناحية النظرية ، جهاز الحكم المركزي في ألمانيا، ويتم انتخاب أعضاء المجلس عن طريق (الاقتراع العام المباشر الحر السري) لكل من بلغ الحادية والعشرين من عمره، ويشترط في المرشح إلا يقل عمره عن الخامسة والعشرين.
البوندستاغ (البرلمان الاتحادي) هو الممثلون المنتخبون للشعب الألماني. وبشكل فعلي يتم انتخاب نصف الأعضاء البالغ عددهم الإجمالي 598 من خلال لوائح انتخابية على مستوى الولايات (الصوت الثاني)، والنصف الآخر بانتخاب مباشر للدوائر الانتخابية البالغ عددها 299 دائرة (الصوت الأول). وهذا النظام لا يغير شيئا في أهمية دور الأحزاب الأساسي في النظام الانتخابي. فحتى في الدوائر الانتخابية يكون النجاح من نصيب أولئك المرشحين الذين ينتمون لأحد الأحزاب. وتعكس الانتماءات الحزبية لأعضاء البرلمان رغبة الناخبين وأصواتهم. ومن أجل تفادي صعوبات تحقيق الأغلبية البرلمانية بسبب الأحزاب الصغيرة جدا، فقد تم تبني مبدأ ما يسمى “عتبة 5%”، حيث لا يمكن للأحزاب التي تحصل على أقل من 5% من أصوات الناخبين المشاركة في البرلمان[12].
وينتخب المجلس النيابي لمدة أربع سنوات مع مراعاة المحددات اللاحقة ، وتنتهي دورة المجلس الانتخابية بمجرد اجتماع النيابي الجديد، وتجري الانتخابات الجديدة بعد مدة أدناها ستة وأربعين شهراً ، وأقصاها ثمانية وأربعين شهراً من بدء الدورة الانتخابية . وفي حال ما تم حل المجلس النيابي ينبغي إن تجري الانتخابات خلال ستين يوماً من تاريخ حله. ويجتمع المجلس خلال مدة أقصاها ثلاثين يوماً بعد الانتخابات ويقرر مجلس النواب بنفسه انهاء وبدء جلساته ، كما يستطيع رئيس المجلس إن يدعو إلى الاجتماع لموعد مبكر ، ويكون الرئيس ملزماً بذلك إذا وجه اليه الطلب من قبل ثلث أعضاء المجلس أو من قبل رئيس الجمهورية أو المستشار,وتجدر الإشارة إلى إن النظام الانتخابي في ألمانيا له طبيعة خاصة حيث يتم شغل نصف مقاعد مجلس النواب من خلال الانتخابات تجري على مستوى الدوائر الفردية بالأغلبية البسيطة أو النسبية. اما النصف الآخر فيتم اختياره على أساس قوائم حزبية على مستوى الولاية وبالتمثيل النسبي.
وينتخب البوندستاغ رئيسه وثلاثة نواب للرئيس، وعدداً من السكرتيرين من بين اعضائه ويكون انتخابهم بالاقتراع السري المباشر، ويشترط إن يكون رئيس البوندستاغ من أعضاء أقوى الأحزاب السياسية في المجلس . ومن أقوى هيئات البوندستاغ (مجلس الكبار) إذ يضم عشرين عضواً من بينهم رئيس المجلس ونوابه وزعماء الفئات الحزبية المعترف بها رسمياً ، وهو لجنة دائمة وتوجيهية تقدم المشورة لرئيس المجلس فيما يتعلق بسير العمليات التشريعية ، ويختار رؤساء اللجان، ويوافق البوندستاغ عادة على توصيات مجلس الكبار فيما يتعلق بتحديد مدة المناقشة لبعض القوانين, كما إن هناك عديد من اللجان الدائمة التي تشكل في مجلس النواب بموجب القانون الأساسي منها، لجان التحقيق، ولجنة شؤون الاتحاد الأوربي ولجان شؤون الخارجية والدفاع، وكذلك يمكن من خلال القانون الأساسي إن يعين مجلس النواب مفوضاً للشؤون العسكرية للمساعدة في إطار ممارسته للرقابة البرلمانية، وتشكيل لجنة الالتماس للبحث في الطلبات والشكاوي التي تقدم للمجلس.
بالإضافة إلى ذلك هناك لجان موضوعية دائمة يمثلها مختلف الجماعات الحزبية على أساس التمثيل النسبي . وتنتخب كل لجنة رئيسها، ويساعده مساعد أخصائي من موظفي البوندستاغ، وغالباً ما يكون أعضاء اللجنة من الخبراء في ميدان اختصاصها ، ومداولات اللجان عادة ليست علنية أي لا يحضرها الجمهور ولا ممثلوا الصحافة ، على إن القانون الأساسي يعطي أعضاء مجلس الوزراء وأعضاء البوندسرات أو من يمثلهم ، حق حضور جلسات اللجان. وهذه اللجان تعالج ميادين التشريع الرئيسية ، كالشؤون الثقافية ، الدفاع ، الاقتصادية ، الاغذية ، الزراعة، العلاقات الخارجية، الصحة ، الشؤون الداخلية، العمل، الشؤون التشريعية، المالية العامة، الشؤون الاجتماعية ، النقل والمواصلات ….الخ[13].
المبحث الثالث البوندستاغ ” الوظيفة والتشريع”
ينتخب الشعب البوندستاغ، وهو المكان الذي تصاغ وتناقش فيه الآراء المختلفة حول المنهاج السياسي الصحيح. أهم واجبات البوندستاغ هي التشريع والرقابة على عمل الحكومة, يصدر النواب القرارات الخاصة بالميزانية الاتحادية ومهام جيش الدفاع الألماني في خارج البلاد, إحدى المهام الحاسمة الملقاة على عاتق البوندستاغ هي انتخاب المستشارة الاتحادية أو المستشار الاتحادي, التشريع في ألمانيا مهمة البرلمانات. فالبوندستاغ إذن هو أهم هيئة تشريعية في الاتحاد. وبما أن للولايات في نظام الدولة الفيدرالي في ألمانيا حصة أساسية في سلطة الدولة، فإن البوندسرات (مجلس الولايات الاتحادي) يشارك في عملية التشريع.
تحدد القوانين تعايش الناس مع بعضهم البعض. فهي قواعد عامة وملزمة للشعب بأكمله. لذلك فإنها تُناقش وتُقر في أهم هيئة تمثل الشعب الألماني: البوندستاغ الألماني.
ولا تُقدم مشاريع القوانين من نواب البوندستاغ فقط. فالحكومة الاتحادية والبوندسرات أيضا لهما حق تقديم مشاريع القوانين إلى البوندستاغ, تضع الحكومة الاتحادية الكم الأكبر من مشاريع القوانين و مسوداتها. فهي تمتلك أكبر حصيلة من التجارب في التنفيذ بصفتها هيئة التسيير المركزية، وتعلم مباشرة أين توجد حاجة لسن قواعد قانونية جديدة في مجال التطبيق العملي.
المبادرات من الحكومة الاتحادية أو البوندسرات
إن رغبت الحكومة الاتحادية في تقديم قانون أو تغييره، فعلى المستشارة الاتحادية أن تطرح مشروع القانون على البوندسرات أولا, وعادة ما تتاح للبوندسرات فترة ستة أسابيع ليطرح رأيه خلالها، وتستطيع الحكومة الاتحادية أن تعبر عن موقفها من هذا الرأي كتابة. ومن ثم فإن المستشارة الاتحادية ترفع مشروع القانون، يصاحبه تصريحها، إلى البوندستاغ. استثناء هذه القاعدة قانون الميزانية: في هذه الحالة يتم إرسال مشاريع القوانين إلى البوندسرات والبوندستاغ في نفس الوقت.
يسري إجراء مشابه على مشاريع القوانين المقدمة من البوندسرات. بعد أن تتخذ أغلبية البوندسرات قراراها الخاص بمشروع القانون المعني، فإنه يُحول أولا إلى الحكومة الاتحادية. فتعلق عليه خلال ستة أسابيع، وترفعه بعدها إلى البوندستاغ.
كما في إمكان النواب المبادرة بتقديم مشاريع القوانين إما من كتلة حزبية على الأقل، أو مما لا يقل عن خمسة في المائة من أعضاء البرلمان – يوازي ذلك 31 نائبا في الوقت الحالي, ولا تتطلب مثل هذه المشاريع عرضها على البوندسرات أولا. لذلك فإن الحكومة تقدم مشاريع القوانين العاجلة جدا عن طريق كتل أحزابها في البرلمان.
قبل أن يشرع البوندستاغ في التشاور حول مشروع قانون، يجب رفعه مسبقا إلى رئيس البوندستاغ، ثم تسجله الإدارة وتطبعه, بعدها يتم توزيعه على جميع أعضاء البوندستاغ والبوندسرات والوزارات الاتحادية بصفته مطبوعة من مطبوعات البوندستاغ, وعندما يُدرَج مشروع القانون على جدول أعمال الجمعية العامة يكون قد قطع أول شوط في طريقه، إذ يواجه أول ظهور علني ورسمي في البوندستاغ.
في العادة ما تمر مشاريع القوانين بثلاث دورات مداولة في الجمعية العامة للبوندستاغ – ما يسمى القراءات, تتم المناقشة خلال القراءة الأولى إن كان قد اتُفق عليها مسبقا في لجنة الشيوخ، أو طالب بها 5% من النواب على الأقل. غالبا ما يحدث ذلك عندما يكون مشروع القانون خلافيا، أو يتمتع بأهمية خاصة لدى الرأي العام, الهدف الأساسي من القراءة الأولى تحديد لجنة أو أكثر بناء على توصيات لجنة الشيوخ، تعالج القانون من الناحية الفنية، وتعده للقراءة الثانية, إذا تم تحديد أكثر من لجنة، تُكلف واحدة منها بإدارة الأعمال، وتصبح مسؤولة عن سير الإجراءات. أما اللجان الأخرى فوظيفتها استشارية[14].
وما تجدر الاشارة اليه هو إن اللجان البرلمانية الدائمة تتولى مهمة الرقابة والتشريع ، عن طريق الاهتمام بالموضوعات الأساسية ، ويتم توزيع رئاسة اللجان على حسب عدد المقاعد التي يحوزها كل حزب . كما يقوم البوندستاغ بانتخاب لجنة دائمة للتحقيقات يكون لها الحق في استدعاء الوزراء أمامها وفحص الانتقادات الموجهة إلى الحكومة ، وان لجنة التحقيق تتشكل بعد تقديم مذكرة اقتراح من ربع النواب على الأقل.
إن المهمة الرئيسية للبوندستاغ هي سن التشريعات ، ويجب إن تحظى جميع التشريعات الفيدرالية على موافقته . لكن المبادرة في اقتراح التشريعات تبقى في يد السلطة التنفيذية ، ويركز البوندستاغ على تقييم البرنامج التشريعي للحكومة وتعديله . ومن وظائفه الأخرى تأمين منبر للنقاش العلني . فالجلسات العامة في البرلمان تبحث التشريعات قبل عرضها على الهيئة التشريعية . ويتاح لجميع فئات الأحزاب وقت للمناقشة ، كل فئة حسب حجمها. ويشارك في المناقشات قادة الأحزاب ونواب الصفوف الخلفية . ونظراً لان أعضاء الحزب يكونون قد اختاروا فعلاً ووافقوا على موقفهم التصويتي، فان هذه الجلسات المفتوحة تفيد كوسيلة للتعبير عن وجهات الحزب بشكل علني.
كما يدقق البوندستاغ في اعمال الحكومة في القضايا السياسية والإدارية ، واكثر الوسائل المستخدمة لذلك هي (ساعة الاسئلة Question Hour) حيث يحق لكل نائب إن يتقدم بسؤال مكتوب إلى احد وزراء الحكومة ، وتتراوح الاسئلة ما بين قضايا سياسية عامة إلى موضوع محدود يهم احد الناخبين. وتتم الاجابة على هذه التساؤلات من قبل ممثل الحكومة خلال ساعة الاسئلة ، ويمكن للنواب إن يثيروا أسئلة تكميلية خلال الإجابة. ويمكن ايضاً لمجموعات من النواب ايضاً التقدم بأسئلة مكتوبة إلى الحكومة والتي تتطلب اجابات رسمية شفهية أو تحريرية . بالإضافة إلى هذه الأسئلة الرسمية ، يمكن للنواب اجراء نقاش خاص حول مسألة سياسية قائمة . وكما تجري لجان البوندستاغ جلسات استماع خاصة لتقصي اعمال الحكومة ، كل لجنة في مجال اختصاصها[15].
وتجد بنا الأشارة إلى أن هناك البوندسرات وهو المجلس الثاني في البرلمان ويسمى ايضاً (المجلس الاعلى)، ويتالف من أعضاء حكومات الأقاليم والولايات ، فإمتلاك العضو لمقعد أو دور في حكومة الاقليم والولاية هو شرط اساسي للعضوية في هذا المجلس ، وحكومات الأقاليم والولايات هي التي تقرر من هم الأعضاء الذين ترسلهم إلى البوندسرات ويمكن لكل إقليم إن يعين عدد من الأعضاء يساوي عدد الأصوات التي لديه في البوندسرات . وبما إن أعضاء هذا المجلس غير منتخبين فإنه لا يمتلك الشروط التشريعية(هو هيئة دائمة تتغير مع الانتخابات الاقليمية) ويعني إن انتخابات الأقاليم التي تقام في اوقات مختلفة يكون لها اثر سياسي على مستوى الأمة الألمانية ، لأنه عندما يقوم الناخبون في إقليم ما بتحديد تركيبة جمعية ووزارة الاقليم والولاية، فانهم بالتالي يقررون بشكل غير مباشر من يمثلهم في البوندسرات.
خاتمة:
نرى أن النظام الألمانى يقوم على تقسيمه السلطات تقسيما منسقا بين الحكومة المركزية والولايات التي تتمتع بالاستقلال وتتساوى بالسيادة . وذلك باحتوائه على ثنائية السلطة السياسية ، والتي انتجت بدورها توزيع الاختصاصات الدستورية مابين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات والتي من خلالها تتم ممارسة السيادة ، واوضحت عملية الفصل والتعاون بين السلطات ، مما اثمرت عن تبلور نظام سياسي يضمن الاستقرار السياسي والاجتماعي ساعد فيما بعد على توحيد شطري المانيا .
أن ثنائية السلطة التشريعية بمجلسيها وتوزيع الاختصاصات والصلاحيات فيما بينهما ، بالاضافة الى آلية السلطة التنفيذية ،واستقلال القضاء ودقة تنظيماته ومجال اختصاصاته ، كل ذلك ساعد على وجود صمانات سياسية وقانونية لعدم المساس بالمبادئ الرئيسية للديمقراطية وتوفير مناخ سياسي ديمقراطي مستقر ، ساعد على تطبيق الفيدرالية بالشكل الذي وفر الحقوق والحريات الاساسية وتحقيق العدالة الاجتماعية وفق آلية لاتخلو من التعقيد ساهمت في ارساء مبادئ الديمقراطية ، ونجحت في تحقيقها .
[1]- ـــــــــ, الفصل بين السلطات ,قسم شئون قانونية , نشر 29 فبراير 2012, انظر الرابط التالى:
http://www.startimes.com/?t=30259049
[2]- وليد عبد الحميد, النظم السياسية فى العالم أهم الملامح النظام الرئاسى..النظام البرلماني..النظام المختلط (رئاسى- برلمانى), 3 أبريل 2012م, انظر:
http://bilahdood.net/main/?p=59391
[3]- الأنظمة السياسية , دراسة بحثية , منشورة على الرابط التالى:
www.shams-pal.org/pages/arabic/researches/policeLaw.pdf
[4]- المرجع السابق.
[5]- وليد على غشوم, النظامين الرئاسى والبرلمانى, دراسة بحثية, جامعة الملك سعود, ص:ص 2-3.
[6]- د محمد حسين, ” أدوات الرقابة البرلمانية فى النظم السياسية”, ص:ص 4-8 , دراسة بحثية, منشورة على الرابط التالى:
www.eaddla.org/parlaman/peper_9.doc
[7]- المرجع السابق.
[8]- حقائق عن المانيا : القانون الأساسى, متاح على الرابط التالى :
http://www.tatsachen-ueber-deutschland.de/ar/political-system/main-content-04/the-basic-law.html
[9]- المركز الألمانى للأعلام وزارة الخارجية الألمانية ,” الأحزاب السياسية” ,متاح على الرابط التالى :
http://www.almania.diplo.de/Vertretung/almania/ar/01/03__Politisch__System/Parteien__Seite.html
[10]- المركز الأعلامى لوزارة الخارجية الالمانية, ” الحكومة الألمانية” , متاح على الرابط التالى:
http://www.almania.diplo.de/Vertretung/almania/ar/01/03__Politisch__System/Bundesregierung__Seite.html
[11]- حسان عبدالهادي سلمان, “السلطات الثلاثة فى القانون الأساسى الألمانى”, دراسة بحثية, متاحة على الرابط التالى:
http://kawanakurd.com/(A(qjduxuv0zgEkAAAAOThmNGI3MDMtZTNhMi00NzA2LThkYjMtMzhlZWNmMTcxNGNk1zoHB-dUfiNgcu-uM-vqAqyn47k1))/Ar/Detail.aspx?id=517&LinkID=93&AspxAutoDetectCookieSupport=1
[12]- المركز الأعلامى الألمانى, وزارة الخارجية الألمانية, البرلمان الألمانى” البوندستاغ ” , متاح على الرابط التالى
http://www.almania.diplo.de/Vertretung/almania/ar/01/03__Politisch__System/Bundestag__Seite.html
[13]- حسان عبدالهادي سلمان, “السلطات الثلاثة فى القانون الأساسى الألمانى”,مرجع سبق ذكره
[14]- الموقع الرسمى للبوندستاغ الألمانى : التشريع, انظر الرابط التالى
www.btg-bestellservice.de
[15]- حسان عبدالهادي سلمان, “السلطات الثلاثة فى القانون الأساسى الألمانى”,مرجع سبق ذكره