الجماعات الاسلاميةالدراسات البحثية

الإسلام والغرب الواقع والتحديت

إعداد : محمود خليفة جودة محمد

  • المركز الديمقراطي العربي

تحاول هذه الدراسة تسليط الضوء على واقع المسلمين وأهم التحديات التى تواجهم فى الغرب فالمسلمون فى الغرب وقضاياهم بدأت تحظى بحضور واسع وكبير في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى، وعلى المستويات كافة في داخل العالم الإسلامي وفي داخل الغرب، الإسلامأصبح اليوم الشغل الشاغل للغرب, خاصة فى ظل الحديث عن صدام الحضارات, وتنامى ظاهرة الإسلام فوبيا, فالغربيون المتشددون في يمينيتهم أو المتشددون في الدفاع عن إسرائيل لديهم تخوفاتهم من انتشار الإسلام فى أوربا، إذ يدق هؤلاء أجراس الخطر من الوجود الإسلامي في أوربا، محذرين من أن زيادة أعداد المسلمين في أوربا هي بمثابة إعادة احتلال لأوربا المسيحية من قبل المسلمين مثلما احتل المسلمون الشرق الأوسط بعد ظهور الإسلام به[1].

ووجود الإسلام فى أوربا ليس ظاهرة حديثة بل بل هو ذو جذور تاريخية عميقة ويتسم بالغنى الثقافي، فقد أدّى تفاعل المسلمين مع المجتمع الأوروبي عبر القرون إلى ازدهار في الفكر والمعرفة، وعاشت أعداد كبيرة من المسلمين في البلقان وشرق  أوروبا ووسطها وجنوبها لمئات السنين حيث قام خلالها المسلمون بدور مهم في نقل المعرفة إلى أوروبا ثم إنتاجها في داخلها.وقد ساعد المسلمون إبّان الخمسينيات من القرن العشرين في عادة بناء اقتصاديات غرب القارة الأوروبية التي مزقتها الحرب العالمية الثانية عندما وصلوا كمهاجرين يسعون وراء العمل واتخذوها موطناً لهم. ويعد المسلمون، جزءاً لا يتجزأ من النسيج الأوروبي في كافة مناحي الحياة تقريباً. والمسلمون كانوا من المساهمين في بناء ماضيها وهم الآن من المشاركين في بناء حاضرها ومستقبلها[2].

        وعلى صعيد الكتابات الفكرية والمناهج الدراسية الغربية التى تناولت فى دراستها الإسلام, يرجع تاريخ الاهتمام الفكرى الغربى بالإسلام إلى العصور الوسطى الأوروبية, ولكن تزايد الاهتمام كثيرا خلال الربع الأخير من القرن الميلادى الماضى, هناك مجموعة من الاعتبارات التى دفعت الغرب إلى الاهتمام بالدراسات الإسلامية منها البيقظة التى عمت العالم الإسلامى, واحتكاك بهض دولة بشكل عنيف مع الغرب, كما أن الصراع العربى الإسرائيلى لعب دورا فى اهتمام الغرب بدراسة أثر العامل الدينى على هذا الصراع, كما أن سقوط الاتحاد السوفيتى قاد إلى مزيد من الاهتمام الغربى بالإسلام, إذ اعتقد الكثيرون من المحللين الاستراتيجيين, وكبار الخبراء والسياسين والمثقفين, ان الإسلام سوف يمقثل عنصر التحدى الايديولوجى الجديد لليبرالية بعد انهيار الاتحاد السوفيتى, وظهر ذلك جاليا فى كتابات مدرستى صمويل هنتجتون وفرانسيس فوكاياما, كما أن الأوضاع الداخلية وتنامى الجاليات الإسلامية فى الغرب دفع الغرب إلى الإهتمام بالدراسات الإسلامية, وجاءت أحداث الحادى عشر من سبتمبلا لتعطى دفعه قوية نحو اهتمام الدراسات الغربية بالإسلام[3].

جذور التواجد الإسلامى فى الغرب

فى إحصائيَّة لدى الامم المتحدة وجد ان نسبة النمو السنوى للدين الإسلامى فى العالم 6,4% فى مقابل 1% للمسيحية مما يدل على أن دين الإسلام في انتشار وليس في اندثار, في زمننا هذا يوجد أكثر من ٤٢٠٠ نِحلة وملَّة في العالم!, وتدل الإحصائيات على أن الدين الإسلامي هو الأسرع انتشارا بين جميع المعتقدات في العالم!, وفى عام ١٩٩٩ بلغ عدد المسلمين في العالم ١٢٠٠ مليون مسلم, كما أن الإسلام ينتشر اليوم في جميع قارات العالم، فقد بلغ عدد المسلمين في عام ١٩٩٧ في القارات الست ما يلي[4]:

  • وفي آسيا ٧٨٠ مليونا.
  • وفي إفريقيا ٣٠٨ ملايين.
  • وفي أوروبا ٣٢ مليونا.
  • وفي أمريكا ٧ ملايين.
  • في أستراليا ٣٨٥ ألفا.  

وفى هذا السياق وفى إطار درستنا للمسلمون فى الغرب على وجة التحديد فأننا سنتناول جذور دخول المسلمون فى أوربا وأمريكا.

دخل الإسلام إلى أوروبا منذ سنة 67 بعد الميلاد. لكن لم يكن هناك انتشارا واسعا جدا له، إلا بعد أن تم فتح الأندلس مما ساهم في انتشاره، ثم جاءت بعد ذلك الإمبراطورية العثمانية التي فتحت شبه جزيرة البلقان واعتنق عدد من سكانها الإسلام.

ينقسم الوجود الإسلامي في الغرب على نوعين: الأول مستوطن قديم كما هو في البلقان نتيجة للفتح الإسلامي لهذه المناطق, والثاني هجرة جديدة ابتدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر وازدادت بعد الحرب العالمية الثانية, وتسارعت ابتداءً من الستينيات من القرن العشرين.

الهجرات الأولى غالبها اقتصادي بحت, وكان الهدف منها جمع ثروة ثم العودة للبلد الأم, لكن من عاد كانوا قلة والأغلب استوطنوا, سواء عن طريق استحضار أزواجهم أو – بعض الأحيان – الزواج من أهل البلد, وهذا أثر بشكل كبير في الأجيال الجديدة ومدى قربها أو بعدها عن الإسلام, فى حين أن الهجرات في المراحل المتأخرة (ابتداءً من الثمانينيات) غلب عليها الجانب الإنساني والسياسي (لجوء) وأحياناً تتم لأسباب علمية,إذ يفضل بعض حملة الشهادات العليا من الدول العربية الاستقرار في تلك البلدان لأسباب علمية بحتة, فى حين أن الهجرة إلى العالم اللاتيني الجرماني, فرنسا وألمانيا خصوصاً, يغلب عليها الطابع الاقتصادي, وفى بريطانيا والولايات المتحدة وكندا, يغلب عليها الطابع العلمي, أما الهجرة السياسية فهي منتشرة في كل البلاد الغربية, بسبب تأزّم وضع حقوق الإنسان في البلاد العربية – الإسلامية[5].

وفى إطار بحثنا عن جذور تواجد المسلمين فى الغرب فأننا سنبتدئ بأوربا حيث عاشت فيها جالية الأندلس أحدى أهم الجاليات المهمة فى التاريخ الإسلامى, بلأضافة إلى الجالية الإسلامية فى صقلية, جاء دخول الإسلام للإندلس على يد طارق بن زياد الذى فتح بلاد الإندلس فى 711م واستمرت تحت حكم المسلمين حتى طرد أخر مسلم منها فى عام 1614م, وذلك بعد قرار ملك أسبانيا فى  22 سبتمبر 1609م بطرد جميع المسلمين من الأراضى الإسبانية (الإندلس), بعدما دام الوجود الإسلامى بها تسعمائة وثلاث سنين, ولا يوجد اليوم إلا القليل ممن عاد إلى الإسلام من بين أهل البلدين اللذين أجبروا على النصرانية عندما انكسرت شوكة المسلمين فى شبة الجزيرة الايبيرية, ومعظم المسلمين القاطنين اليوم فى أسبانيا من أصل مغربى[6].

فقد فكر المسلمون في تحرير أسبانيا بعد أن طردوا البيزنطيين من شمال أفريقيا,وكان هناط تنافس على عرش أسبانيا أدى إلى نزاع سياسي اجتماعي، وفتن داخلية، وفقدان الروح العسكرية، وفتور عن الدفاع بين الأهلين المستعبدين، وكان من جراء ذلك تفرق الدولة القوطية وسهل دخول المسلمين, ونتيجة للتعاون بين العرب والبربر بعد تحرير شمال أفريقية، دخل جيش مؤلف من اثني عشر ألف جندي بلاد أسبانيا في سنة ٩٢ ه/ ٧١١ م وتم فتحها بقيادة طارق ابن زياد ثم القائد موسى بن نصير ٩٣ ه/ ٧١٢ م،وتميزت الفترة الأولى من تاريخ العرب في الأندلس بين ٩٢  – ١٣٨ ه/ ٧١١ – ٧٥٦ م والتي تسمى (عصر الولاة) بعدم الاستقرار وانشغال الولاة فيما بينهم بالمنازعات مما مهد لدخول عبدالرحمن الداخل الأموي (صقر قريش) بعد فراره من وجه العباسيين وأسس الدولة الأموية في الأندلس بعصريها (الأمارة والخلافة) ولم يكن الفتح الاسلامي لأسبانيا احتلالاً عسكريا بل كان حدثًا حضاريا هاما وحركة تحرير للشعوب الأسبانية فقد أمتزجت حضارة سابقة كالرومانية والقوطية مع حضارة جديدة هي الحضارة العربية الاسلامية، ونتج عن هذا المزج والصهر حضارة أندلسية مزدهرة أثرت في الحياة الأوربية وتركت آثارا عميقة مازالت تتراءى مظاهرها بوضوح حتى اليوم[7].

إما الجالية الإسلامية فى صقلية فترجع إلى فتح الأغالبة للجزيرة سنة 831م, وانقطع حكم المسلمين فيها نهائيا سنة 1091م, ولكن بقيت هناك إعداد من المسلمين إلى القرن الثالث عشر الميلادى, وبهذا يكون الوجود الإسلامى فى صقلية دام  ما يزيد عن أربعمائة سنة, ولا يوجد فيها الآن إلا بضعة الآف من العمال الذين نزحوا إليها من تونس, والجدير بالذكر هنا أن معظم الدول التى تسمى اليوم بقبرص واليونان والبانيا ويوغسلافيا وبلغاريا ورومانيا والمجر كانت فى أيد إسلامية فى القرن الخامس عشر الميلادى, ولكن المسلمين أضاعوها كلها فى القرن التاسع عشر وأصبح المسلمون هناك أقليات مضطهدة فى غالب الأحيان[8].

وبشكل عام فان الاقليات المسلمة في اوروبا تتشكل من فئات أربع وهم:

1-الدارسون.

2- الباحثون عن العمل.

3- المسلمون من سكان البلاد الأصليين.

4- اللاجئون السياسيون.

أما الدارسون فقد كانت ظروفهم مجيئهم إلى أوروبا مرتبطة بالتفوق العلمي الذي تميز به الغرب، وكانت هذه الإقامة قد بدأت قبل الحرب العالمية الثانية واستمرت الى اليوم مع تفاوت في نسب القادمين إلى أوروبا لتلقي العلم الحديث والدراسات العليا من وقت إلى آخر.

أما الباحثون عن العمل فقد جاءوا إلى أوروبا عندما ظهرت حاجة أوروبا الصناعية إلى العمالة الرخيصة، وفي ذات الوقت كانت العمالة في الدول الإسلامية النامية في حاجة إلى المال، ومن هنا نشأت الرحلة إلى أوروبا لطلب. فعندئذ كانت سياسة الدول الاسلامية المتخلفة اقتصادياً انها تشجع على الهجرة باعتبار انها تحل بعض المشاكل التي تواجهها

اما المجموعة الثالثة فهي مجموعة المسلمين من سكان البلاد الأصليين الذين هم في الأصل من ذراري المسلمين الذين دخلوا الإسلام منذ عصور الفتح الإسلامي لأطراف أوروبا سواء من المسالك الشرقية أو المسالك الجنوبية. أو الذين دخلوا الإسلام حديثاً بسبب مجهودات الوافدين من المسلمين إلى البلاد الأوروبية، وكذلك الدعاة الذين يقومون بالدعوة إلى الله في تلك البلاد، أو عن طريق المطبوعات المترجمة التي تدعو إلى الإسلام. كما أن بعضهم أعتنق الإسلام عندما تيسرت له الإقامة في بلاد المسلمين فتأثر بهم. وكل هؤلاء يعانون بشكل مباشر وعميق من طمس هويتهم وتذويب شخصيتهم في شخصية بلدهم غير المسلم من ناحية العادات والتقاليد ونظرة المجتمع للحياة، وأخطر ما في هذا هو الانحراف الاعتقادي الذي قلما ينجو منه أحد في ظل الاستلاب الفكري خاصة في دول أوروبا الشرقية في عصر الهيمنة الشيوعي.

أما مجموعة اللاجئين السياسيين من أبناء الدول الإسلامية، فهؤلاء لجأوا إلى أوروبا لخلافاتهم مع أنظمة دولهم سياسياً، وهم على كل حال جزء من الاقلية المسلمة في دول المهجر يعانون ما تعانيه الأقلية المسلمة من التعرض للحياة في مجتمع غريب عن تصوراتهم وقيمهم واعتقاداتهم. والنسبة العديدية في أوروبا تدل على ان المسلمين يشكلون إحدى أكبر الأقليات عدداً وأكثرها نشاطاً من الناحية الدينية في القارة الأوروبية. وبينما نجد ان معظم السكان المسلمين الغربيين هم من الشباب داخل أوروبا، بالإضافة إلى فروق في الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات المسلمة هناك[9].

وفقًا لمركزي الأرشيف الألماني للإسلام ومعهد (دي)، يبلغ عدد المسلمين في أوروبا حوالي 53 مليون 5.2%، يشمل الرقم كل من روسيا والقسم الأوروبي لتركيا. ويبلغ عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي حوالي 16 مليون 3.2%[10].

إما عن التواجد الإسلامى فى الولايات المتحدة الأمريكية, فالهجرة إلى ما يسمى الآن الولايات المتحدة الأمريكية جاءت على ثلاث موجات: الموجة الأولى فى القرن السادس عشر الميلادى وتتمثل فى الاندلسيين كاستفانيكو وغيره الذين كانوا يظهرون النصرانية ويخفون الإسلام أحياناً ويعلنونه أحياناً أخرى, ولقد اندثر الإسلام فيها للتعصب المسيحى السائد حينذاك, والموجة الثانية ابتدأت فى القرن السابع عشر وتتابعت إلى القرن الثامن عشر, حينما أتى بالأفارقة كعبيد وأجبروا على حياة لا يرضاها المرء للبهائم فضاع دينهم, لكنهم أخذوا يرجعون إلى الإسلام بالألاف, والموجة الثالثة ابتدأت سنة 1860م من خلال الهجرة من بلاد الشام تلتها موجة أخرى قبيل الحرب العالمية الأولى, ثم تتابعت الهجرة ببطء من كل البلاد الإسلامية خاصة من مسلمى ألبانيا ويوغسلافيا, ثم بعد ذلك تزايدت اعداد المسلمين المهاجرين إلى الولايات المتحدة من طافة الدول العربية, وتشير الإحصاءات أن وفي الولايات المتحدة الأميركية بلغ عدد الأقلية المسلمة عام ٢٠٠٧ م؛ ٧ مليونا[11], فى حين كانت عدد المسلمين فى الولايات المتحدة الأمريكية مليون مسلم تقريبا عام 1971م مقارنة ب 200,000 مسلم فى عام 1951م, وترجع هذه الزيادة إلى التزايد الطبيعى والهجرة الإسلامية وزيادة المعتنقين للدين الإسلامى[12].

واقع المسلمون فى المجتمعات الغربية

لم تكن دائما علاقات العالم الإسلامى والعالم الغربى, علاقات تفاهم ودى, أو علاقات تعايش سلمى, بل كانت, على وجه الإجمال تتسم بالمواجهة وعدم التوافق, فقد كانت علاقات يحكمها النزاع التاريخى, والتعارض الثقافى, والاختلاف فى البنيان الاجتماعى, هكذا هو الحال بين العالم الإسلامى والعالم الغربى, فما بالنا عند الحديث عن المسلمون الذين يعيشون فى المجتمعات الغربية, سنجدهم يتعرضون للعديد من المشاكل والصعوبات فى الحياة فى المجتمعات الغربية على كافة الجوانب وفى جميع مناحى الحياة, الأمر الذى أصبح أكثر وضوحا بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر, إذ تم تنصيب الاسلام كعدو للغرب بعد القضاء على العدو السابق المتمثل بـ الشيوعيين.

العلاقة بين الغرب والإسلام هى علاقة متوترة ومتذبذبة، بدءًا من العصور الوسطى التي تجلى فيها الصراع بين عالمين: العالم المسيحي وعالم المسلمين، وذلك ما بين القرنين الثامن والثاني عشر الميلاديين. ثم مرحلة نمو وذبول صورة للإسلام أقل عداء فيما بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، ثم مرحلة التعايش السلمي والتقارب حين أصبح العدو شريكًا، وذلك ما بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، ثم مرحلة تحولت فيها العلاقة من التعايش السلمي إلى الموضوعية، وذلك ما بين القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، ثم مرحلة عصر الترعة العقلية وذلك ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، ثم مرحلة نزعة التعلّق بالغرائب والإمبريالية والتخصص في القرن التاسع عشر، ثم مرحلة اهتزاز العصبية العرقية الأوربية في القرن[13].

نستدل على ذلك من خلال كتابات العلماء والمفكرين الغربين كاجون كالفان القائد الأعلى السابق للناتو ففي محاضرة ألقاها عام 1991 قال فيها: “عَرِفَ هذا القرن الذي يشرف على الأفول أطول مواجهة بين الغرب والإسلام، طالت اكثر من آلف سنة، امتدت من الحروب الصليبية إلى العصر الحديث. وبعد أن أنهى الغرب الحرب الباردة، ها هو الصراع يعود بالنسبة له إلى محوره الرئيسي، آلا وهو المجابهة مع الإسلام “[14], فى حين يقول ماكسيم رودسنون” المفكر الفرنسي البارز ” المسيحية الغربية قد رأت في العالم الإسلامي خطرا يهددها قبل أن يبدأ النظر إليه كمشكلة حقيقية بزمن طويل “[15], وصاموئيل هانتغتون الذى تحدث فى كتابه عن الصرع بين الحضارات خاصة الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية.

إن العقد الأخير شهد تنامي التيارات اليمينية في أوروبا وموجة الخوف من الإسلام، أو ما يعرف بالإسلاموفوبيا؛ بسبب تزايد الحضور الإسلامي في الغرب، وسجلت التيارات اليمينية حضورًا يبعث على القلق. ولعل العديد من الحكومات الأوروبية اليوم تضم تيارات يمينية ضمانًا للأغلبية البرلمانية، على الرغم من العداء العلني الذي تبديه هذه التيارات للإسلام والمسلمين، وقد ارتفعت العديد من الأصوات في أوروبا تطالب بحماية المصالح الأوروبية، فبدأت الحملة للحد من الهجرة، والمطالبة بقوانين تحظر الحجاب في المدارس والمؤسسات العامة، وتشديد قوانين اللجوء.

فهناك هواجس ومخاوف غربية من الإسلام تتمثل فى عدة محاور أساسية هى :

أ‌-     الإسلام السياسى:

        يعود هذا العامل إلى ثلاثينيات القرن العشرين، مع ظهور ما سمي ب أو الحركات الإسلامية، مع الشيخ حسن البنا سنة « الإسلام السياسي » ١٩٢٨ م, فهذه الحركات قدمت الإسلام بمفهوم متجاوز لمفهوم الدين فقط، اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وقضائيا، « نظاما شاملاً » بل قدمته بوصفه وإذا يرى الدارسون الغربيون أن الإسلام بهذه الصفة يتم تقديمه بوصفه يديولوجية جديدة للمقاومة، يتناول الهوية والثقافة والدين معا, وتزيد القلق مع ثورات الربيع العربى ووصول تيارات الإسلام السياسى إلى سدة الحكم فى مصر وتونس[16].

ب‌- الصراع الحضارى:

        ولعل أبرز ما يمكن استدعاؤه هنا مقولتان ذاع صيتهما في السنوات الأخيرة، هما: أطروحة فوكوياما عن نهاية التاريخ والتي يرى فيها أن النموذج الرأسمالي الليبرالي هو أرقى ما يمكن أن تصل إليه البشرية، وما على باقي العالم إلا الانضمام إليه، ومقولة هنتنغتون عن صدام الحضارات والتي يرى فيها أن صراع الحضارات سيكون المصدر الرئيس للتراعات في النظام العالمي الجديد، وسيكون هذا الصراع مقتصرا على الثقافة الغربية من جهة، والثقافتين الإسلامية والكونفوشيوسية (في الصين وكوريا) من جهة أخرى. وعلى هذا فإن تلكما الثقافتين تشكلان خطرا على الثقافة الغربية لأنهما لا ترغبان أو لا تستطيعان الانضمام إلى الغرب[17].

ت‌- المسلمون فى الغرب:

        من العوامل المؤثرة في كراهية الإسلام تزايد هجرة المسلمين إلى الغرب،إن موقف الغرب السلبي من المهاجرين المسلمين في أوربا يعود لسببين: أحدهما  وهو الأهم  الاختلاف العرقي، والعداء المتصاعد للمسلمين هناك يعود لرفض مجموعات معينة تقبل حقيقة أن مختلف بلدان أوربا الغربية أصبحت دول هجرة، ومن ثم تخشى أن تفقد الإطار الثقافي في ظل التعددية الثقافية التي تتفاعل داخلها ونشأة التمايزات. والسبب الثاني لتدهور الموقف الغربي من المسلمين يمكن أن يعزى لتحريف إحصائي كما في بلدان أوربا حيث ظهر تزايد علماني وتزايد عدد المسلمين أيضا، ويتناقص عدد أعضاء الكنيسة، وهذا يزيد من مخاوف حول تواجد الإسلام في الغرب[18].

ث‌- الإرهاب:

        وجاءت أحدث الحادى عشر من سبتمبر لتدشن من خلالها الولايات المتحدة حربها على الإسلام وتشوية صورته بكافة الطرق وفى شتى بقاع العالم, وتبدأ فى تصنيفها للدول الحليفة لها على أنها دول الخير, والدول المجابهة لها على أنها دول الشر, هكذا عمد الغرب بقيادة الولايات المتحدة على تشوية ومحاربة الإسلام.أحداث 11 سبتمبر 2001 أدت إلى تغير صورة العالم بأسره، على نحو ينبئ بأن عالم ما بعد سبتمبر لن يكون مثلما كان من قبل حيث تعرض العرب والمسلمون لحملة من الإساءات والإهانات، فضلا عن القتل بالقنابل، وعلى الأخص فى أفغانستان وفلسطين، ما لم يعرف العرب والمسلمون مثيلا له فى تاريخهم الطويل, فالإسلام أصبح لدى الغرب مصدر الإرهاب والعدو الأساسى له ولحضارته[19].

وفى هذا السياق فأننا نتحدث عن أهم الصعوبات التى أضحت تواجة المسلمون فى الغرب وهى كالتالى:

1-  الصورة النمطية عن الإسلام :

    أن التحدي الديني والفكري الذي يشكله الإسلام مازال مستحوذاً على مخيلة كثير في الغرب, فالغربيين ينظرون إلى المسلمين على أنهم خطرون وليسوا أهلا للثقة، وغير ديمقراطيين، وأنهم همجيين، وبدائيين.و” لا يزال الإسلام في نظر كثير من الأمريكيين يمثل ثقافة عدائية، وخطراً على مصالحهم وقيمهم الثقافية. وتتجذر معظم آراء الأمريكيين عن المسلمين إلى حد ما، في الأصول الدينية للولايات المتحدة ولربما تعزى هذه الآراء أيضا إلى نزاع تاريخي بين المسيحيين والمسلمين، أي إلى مجابهة تنتقل عبر الأجيال عن طريق الآثار الأدبية، والمأثورات الشعبية، ووسائل الإعلام الجماهيرية واللغة الأكاديمية المرعبة, ويعمل الإعلام الغربي على تغذية الرأي العام بصور مشوهة تبعث الخوف في النفوس منه، كما يقف ضد القيم السامية ومطامع الإنسانية في تحقيق السلام والتقدم والحرية والمساواة، وبأن الصراع مع الإسلام حتمية تاريخية وإستراتيجية ومن أمثلة ذلك الفهم، نظرية صموئيل هانتغتون ,فى حين تحدث جيرنوت روتر عن الحروب الصليبية فقال: “هذه الصورة النمطية الموروثة من العصور الوسطى تعود اليوم عند الغربيين كموضوعة فاعلة في خلق نظرية العدو الوهمي الجديد، وأن القرون الوسطى صورت الإسلام أنه الوليد الشهواني للشيطان. وتأكيدا لذلك ما جاء من تصريحات على لسان “يوجين روستو” مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق جونسون عندما قال: ” أن هدف العالم الغربي في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية وأن قيام إسرائيل هو جزء من هذا المخطط وأن ذلك ليس إلا استمرار للحروب الصليبية[20].

2-   مشكلة الهوية وفقدان الذات:

وبنظرة متعمقة لأوضاع الأقليات المسلمة في المجتمعات غير المسلمة؛ يمكننا ملاحظة مشترك واحد تعاني منه كافَّة الأقليات المسلمة، وهو تعارض العقيدة والقيم والسلوك والشخصية والنسق المعرفي؛ لتحديات أو تحديدات مبعثها الأساس: الإطار غير المسلم الذي تعيش فيه الأقلية المسلمة؛ ومن َثم فهي تواجه مشاكل في مجالات مختلفة. هذه المشاكل وحجمها يختلفان بالطبع من إقليم إلى آخر؛ فهي قد تصيب بالضرر أو التشويه أو الخلل الشخصيَة المسلمة في مكان، وقد تحول بينها وبين التأصل والنماء في مكان آخر، أو قد تودِي بها تماما؛ بحيث لايصبح للمسلم من الإسلام إلاَّ الاسم أو الشكل فقط، بل وربما يصل الأمر إلى فقدان هذا الحد الأدنى, كما يلجأ كثير من المسلمين في بعض الدول التي يكث فيها اضطهاد الأقليات- وبخاصة المسلمة- إلى إخفاء عقائدهم وشعائرهم الدينية، والتظاهر باعتناق المعتقدات التي تساير الاتجاه العام للدولة؛ حتى يكونوا بمنأى عن ذلك الاضطهاد[21].

ومشكلة التردد بين العزلة والاندماج تؤرق الأقليات المسلمة في الغرب، ومثلها مسألة الهوية الإسلامية والخوف عليها من الذوبان في ثقافة الآخر؛ وبخاصة لدى الأبناء من الجيلين الثاني والثالث الذين حصلوا على جنسية البلدان المقيمين فيها وأصبح لهم حقوق مواطنة كاملة. وتحاول تلك الأقليات الحفاظ على هويتها الإسلامية، لكن ضعف الإمكانات والموارد وندرة الدعاة المتخصصين؛ يقف عائقًا دون تحقيق ما تصبو إليه، مما ينعكس سلبا على أوضاعها الاجتماعية والثقافية، ويزيد من حدة هذه المشكلة؛ عدم وجود لوبي عربي وإسلامي قوي يدافع أمام الحكومات الأوروبية عن حقوق تلك الأقليات ويطالب بسرعة تنفيذ مطالبها.ومن المشكلات التي تواجه تلك الجماعات؛ ضعف التنسيق والتعاون المشترك فيما بينها، وانكفاء كل جنسية عل نفسها إلى حد كبير، إضافة إلى ضعف الكوادر الإسلامية المؤهلة للعمل في مجال الدعوة، وبخاصة التي تتقن اللغة الإنجليزية حتى تتمكن من تعليم مبادئ الإسلام واللغة العربية للأجيال المسلمة التي تعاني ضعفًا شديدًا في ذلك[22].

وبصفة عامة فأننا يمكننا تصنيف الجاليات المسلمة فى الغرب من حيت مدى ودرجة الحفاظ على هويتها الإسلامية وإندماجها فى المجتمع الغربى إلى ثلاثة فئات رئيسية, الفئة الأولى: هى التى ذابت فى المجتمع الغربى وأصبحت جزاء لا يتجزاء منه فى قيمه وعاداته وتقاليده, وهم لا يعرفون الشريعة الإسلامية كدين متكامل, ويذمون الإسلام بتصرفاتهم وأفعالهم.الفئة الثانية وهى متشددة فى الحفاظ على الدين والعقيدة وترى أن وجودها فى الغرب هو أمر اضظرارى قد يرجع لأسباب سياسية أو اقتصادية أو لطلب العلم … إلخ,وتعود هذه الفئة لأوطانها الأصلية مع زوال سبب وجودها فى الغرب.الفئة الثالثة: هى الفئة التى استطاعت أن تحافظ على قيمها وعقيدتها الإسلامية وأخذت بالمحاسن الغربية والعمل على التأقلم مع الأوضاع فى إطار لا يخرج عن الشريعة الإسلامية[23].

        لعل ما سبق أخطر المشاكل التى تواجه المسلمون فى الغرب وبشكل عام يمكننا ذكر هذه المشاكل على وجه التحديد فى النقاط التالية[24]:-

1- ضعف التصور الاعتقادي وضآلة الفقه في الدين عدم وجود مرجعية إسلامية يلجأ إليها المسلمون هناك في الملمات والأزمات حيث يلجأون إلى الإجتهادات الفردية التي ينقصها التمحيص العلمي والمعرفة بأصول الاستدلال وقواعد الاستنباط.

3- نزوح الحزبية الدعوية أو ما يسمى (بالإسلام السياسي) إلى مجتمع الأقلية من البلدان الإسلامية مما أدى إلى غلبة الولاء الحزبي على الولاء الإسلامي العام، كما أدى إلى عدم الاندماج الإيجابي بين الأقلية والمجتمع الذي تعيش فيه وخلق مزيداً من النفارة بينهما، وإلى تعميق الازدواجية الحضارية والثقافية في مجتمع الأقلية، وهذه مشكلة تؤثر تأثيراً كثيراً في تعاطي الأقلية مع الثقافات الأخرى سلباً وإيجاباً.

4- عدم وجود جماعات ضغط مسلمة في المجتمع الأوروبية تمثل كافة أطياف الأقلية ولا تمثل ايدلوجية معينة تعد من أبرز المشكلات في حياة المسلمين السياسية، فإن ضعف هذا الجانب يهدر الكثير من الحقوق التي يمكن أن يحصل عليها المسلمون إذا كانت لها جماعات ضغط سياسية تعبر عن همومهم وتدافع عن حقوقهم.

5- يعاني أبناء الأقلية المسلمة من مشكلة العنصرية فإن الكثير منهم يواجه ضغطاً نفسياً قاسياً من جراء التعامل العنصري في بعض المجتمعات الأوروبية.

6- التشويه الذي يحدثه بعض المنسوبين إلى الإسلام على الصعيد السياسي من المنتمين إلى أيدلوجيات تنحو إلى التطرف على اختلاف درجات التطرف لدى هذه المجموعات، والتي تؤدي في أحسن أحوالها وأقلها تطرفاً إلى تأصيل روح البغضاء والتواصل السلبي مع محيط الأقلية، وبالتالي قتل الدوافع الإيجابية والسلوك المحمود لديها، وفي ذات الوقت يؤدي ذلك إلى ضعف التناول السياسي للقضايا المحيطة بالأقليات وغيابها عن مجتمعاتها وعدم استفادتها من الفرص التي تتبعها نظم الانتخابات في البلدان الأوروبية والحقوق الدستورية والقانونية للأقلية التي لو استخدمت واستثمرت استثماراً منظماً ومدركاً للواقع وظروفه السياسية لكان وضع الأقلية في حال أحسن مما هم عليه الآن، ومما يؤسف له فإن القلة ممن يهتمون بهذا الجانب يقع بينهم خلاف شديد ، فالأقلية المسلمة أمام هذا الوضع إما معرض عن الاستفادة من الظروف المتاحة أو داخل فيها بغير تنسيق وتعاون أو تكامل مع الآخرين من أبناء الأقلية.

7- تدني المستوى الاقتصادي لدى غالب ابناء الاقلية المسلمة وعدم وجود مؤسسات اقتصادية واستثمارية تخدم أبناء الأقلية وتساعد في جسر الهوة المادية بينهم وبين المجتمع الذي يعيشون فيه، وتدني المستوى الاقتصادي لأبناء الأقلية يضعف مواجهتهم للمغريات سواء أكان ذلك على المستوى السياسي أو الأمني أو السلوكي.

8- ضعف التواصل بين أبناء الأقلية وبلادهم الأصلية وتركز هذا التواصل في الغالب على السلبي كنقل المشكلات الموجودة في البلد الأم إلى المجتمع الجديد، كما أن سوء إدارة أموال التبرعات غير المنظمة التي ترد من العالم الإسلامي إلى الأقليات يزيد من إشكاليات الأقلية المسلمة في أوروبا ومن أهم اسباب سوء الإدارة هذا الضعف الفني والتقني الإداري لدى أبناء الأقلية أو الضعف الخلقي والانحراف السياسي، مما يجعل هذه الأموال توجه إلى غير وجهتها الصحيحة مثلاً قد توجه إلى وجهة تؤثر سلباً على وضع الأقليات هناك.

9-  العديد من طالبى اللجوء من العالم العربى والإسلامى يبادرون إلى إعطاء أكبر قدر ممكن من المعلومات عن بلادهم إيمانا منهم أن ذلك سيساهم فى حصولهم على حق اللجوء سريعا, وبذلك تستطيع الأجهزة الأمنية من جعل طالب اللجوء عينا على بنى جلدنه وبالمجان فى أحيان كثيرة وبدون مقابل, وبهذا الشكل تمكنت الأجهزة المذكورة من غرس عشرات بل مئات العيون لها فى المساجد ووسط التجمعات والجاليات المسلمه بها, ووضعها تحت دوائر الضوء والمجهر[25].

        هناك نموذجين يرصدان سياسة الدول الأوروبية تجاه المسلمين المقيمين فيها، الأول هو النموذج الفرنسي الذي يركز على ضرورة الاندماج الفردي للمسلمين في المجتمع الفرنسي وتأكيد أولوية انتماء هؤلاء الأفراد إلى المجتمع الذي يحملون جنسيته على أية ولاءات أخرى مع الإقرار بوجودها, ويتضمن ذلك أيضا عدم إتاحة المجال أو فسحه لقدوم قيادات متطرفة من الخارج تعمل على نشر التشدد في أوساط الجالية المسلمة, ولهذا فقد رفضت فرنسا سياسة منح اللجوء السياسي لتلك القيادات.

        في المقابل هناك النموذج البريطاني الذي يعتمد على فكرة التعددية الثقافية ومنح الجاليات مساحة واسعة من الحرية للتعبير عن نفسها بالطريقة التي تراها مناسبة وضمن القانون، وهي لا تدعو إلى الاندماج الكلي في المجتمع البريطاني, بل تحترم التعدد الإثني وتحتفي به. وقد استقبلت في التسعينات أعداداً كبيرة من القادة السياسيين لجماعات متطرفة تحت بند منحهم اللجوء السياسي, وذلك في سعي حثيث لتفادي شر الجماعات الإسلامية وحتى تحييدها[26].

مستقبل مسلمو الغرب

 

على الرغم من المعوقات والعراقيل الإحتماعية والثقافية والأمنية والسياسية والاستراتيجية المتعددة التى أقامها الغرب بينه وبين الإسلام منذ طرد المسلمين من الأندلس ومرورا بالحركات الإستعمارية ووصولا للغارة والهجمة الشنيعة للغرب على الإسلام وربطة بالأرهاب, إلا أن الأسلام استطاع أن يصل إلى جغرافيا الغرب, تماما كما تمكن الغرب من الوصول إلى مواقعنا على متن البواخر الشراعية والبوارج الحربية والطائرات, والفرق هنا بين ولوج الغرب إلينا ولوجنا إليه هو أن الغرب قدم إلى العالم الإسلامى بقوة السلاح, فى حين الإسلام ولج الغرب بقوته الذاتية أقلا منذ فتح الأندلس وإلى يومنا هذا,كما أن حركة انتقال المسلمين إلى المسيحية ضئيلة للغاية إذا ما قورنت بحركة الأسلمة وسط الشباب الغربى بجنسيه والأكاديميين الغربيين الأمر الذى بات ظاهرة تؤرق المجتمعات الأوربية[27].

و تشير دراسة اجراها معهد بيو حول المسلمين، وجدت أن من المتوقع ان تصل نسبة المسلمين في أوروبا إلى حوالي 8% من سكان أوروبا عام2030, وذلك بسبب زيادة نسبة المسلمين في أوروبا حاليا والمتوقعة مستقبلا والتي سببها الرئيسي هو انخفاض معدل المواليد الأوروبيين مقابل ارتفاع معدلات الانجاب أوساط المسلمين بالإضافة إلى تدفق المهاجرين المسلمين من المغرب العربي وتركيا وأفريقيا. وفي دراسة أخرى وجدت أن ارتفاع معدلات الولادة كان السبب الرئيسي في نمو عدد المسلمين[28].

تعتبر الديانة الإسلامية الأولى والأسرع انتشارًا في العالم رغم أنوف أعدائها ورغم كل ما يكاد لها من مكائد, فقدأكدت إحصائيات صادرة عام 2008م من معهد جالوب لأبحاث الرأي العام بأمريكا أن محاولات تشويه صورة الإسلام والمسلمين وبناء صورة سيئة لكل ما هو مسلم باءت بالفشل وأن الإسلام مازال ينتشر في أوروبا وأمريكا وكافة أرجاء الدنيا.

ويُذكر أن تعداد المسلمين في العالم أصبح يمثل 20% وهناك توقعات لأحد أساتذة الجغرافيا الاجتماعية بجامعة إكسفورد بتضاعف عدد المسلمين بحلول 2015 بينما سينخفض عدد غير المسلمين بنسبة 3 و5% وهو ما دفع المونسنيور فيتوريو فورمينتي في 2008 م أن يقول: “عدد المسلمين فاق عدد الكاثوليك ليصير أتباع الإسلام الأكثر في العالم… للمرة الأولى في التاريخ لم نعد في القمة”.

وفي تقرير نشره موقع “السي إن إن” بعنوان: “النمو السريع للإسلام في العالم الغربي”، يعترفون بأن أعداد الذين يعتنقون الإسلام كل عام في العالم الغربي كبير جدًّا، وهو في تسارع مستمر، ففي 12 سنة تم بناء أكثر من 1200 مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية بمعدل مائة مسجد سنويًّا، وجدير بالذكر أن معظم الذين يعتنقون الإسلام من الأمريكيين يتحولون إلى دعاة للإسلام بعد أن يلتزموا بصورة تفوق التصور بتعاليم الإسلام[29].

ومؤخرا أفاد التقرير المنشور في موقع معهد ”غاتيستون” (وهي مؤسسة غير حزبية غربية مهتمة بنشر ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية وما يهدّد نمط الحياة الغربية) تحت عنوان “النمو السريع للإسلام في الغرب”، بأنّ أعداد المساجد في قلب أوروبا، بدأت تنافس أعداد الكنائس في كلّ من باريس وروما ولندن، وأصبحت نسخ القرآن الكريم المترجمة من أكثر الكتب مبيعًا في الأسواق الأمريكية والغربية، إضافة إلى انتشار الإسلام في السّجون، وأنّ أعداد المسجونين الذين يرغبون في دخول الإسلام يزداد يومًا بعد يوم بصورة لافتة للنّظر[30].

وتذهب بعض الدراسات التى وضعت من قبل منظرين غربيين إلى أن الإسلام فى الغرب أصبح حقيقة قائمة لا مناص منها ولا مفر, فلا يخلو شارع أوربى من مسجد أو إمرأة محجبة أو مدرسة إسلامية أو ملحمة كتب على بابها: نبيع اللحم الشرعى أو لحومنا على الطريقة الإسلامية .. وغيرها من المظاهر الإسلامية, كما أن بعض الدراسات تؤكد أن الملايين من المسلمين أصبحوا أوربيين بحملهم الجنسيات الأوروبية وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات مع السكان الأوروبيين الأصليين, والأهم أم فى هذه الدراسات إشارة إلى أن تكاثر بين المسلمين الغربيين فى إضطراد فيما النسبة الغربية آيلة إلى الشيخوخة, فى حين أشارت دراسة حديثة إلى تولى المسلمين فى الغرب المناصب بشكل مذهل بعد عشر سنوات بسبب تقاعد نسبة كبيرة من الغربيين,مما يعنى دخول المسلمين فى المعادلة الإقتصادية الغربية, التى يجعل الغرب دائراتها وأمنها مماثل لأمنه السياسى[31].

 وكسفت دراسة إجرتها صحيفة الصانداى تليجراف البريطانية ونشرتها فى أغسطس 2009م, أن المسلمين سيشكلون 20 % من سكان الاتحاد الأوروبى مع حلول العام 2050م, وذلك رغم أن الدراسة أكدت أن نسبة المسلمين فى عام 2008م لا تزيد عن 5% من سكان دول الاتحاد الأوربى” 27 دولة “, وترجع ذلك الزيادة إلى ارتفاع معدلات المهاجرين من الدول الإسلامية إلى أوروبا, وتدنى المواليد الأوربية مما يجعل المسلمون يشكلون خمس سكان الاتحاد الأوروبى بحلول 2050م.

كل هذه الدلال وأكثر تؤكد بما لا يدع مجالا للشك نمو وتزايد إعداد المسلمين فى أوربا, إلا أن أن ذلك قد يثير مخاوف الغرب ويزيد من حدة المشكلات التى تواجة المسلمين فى الغرب, هذا سيناريو متوقع فى حين يرى سيناريو أخر يعبر يخفف من الخوف من ظاهرة انتشار الإسلام إذ يحذر جينكينز من أن الحديث عن انتشار الإسلام في أوربا هو أمر مبالغ فيه، فوسائل الإعلام تشير إلى وجود ١٥ مليون مسلم في أوربا، وكأن كل هؤلاء المهاجرين متدينون أو ملتزمون بالمبادئ الإسلامية، في الوقت نفسه تستخدم وسائل الإعلام الأوربية والغربية مصطلح “المسيحية” للإشارة إلى المسيحيين المتدينين فقط، وهذا يعني أن المقارنة غير عادلة. حيث يرفض جينكينز النظر إلى مسلمي أوربا على أنهم كيان واحد متدين متحد، في المقابل يشير إلى العديد من المشاكل التي يواجهها المهاجرون المسلمون في أوربا وعلى رأسها البطالة والفقر والتشدد الديني وإمكانية وقوع أحدث إرهابية يقوم بها مسلمون متشددون.حيث يفرد جينكينز نصف كتابه تقريبا للحديث عن أوضاع المسلمين في أوربا والمشاكل العديدة التي عانون منها، وكيف تحولوا في بعض الدول إلى “جيتو” معزول يعاني من الفقر والبطالة والجرائم والتمييز، مما جعلهم طبقة اقتصادية وإثنية معزولة وملئ بهم سجون بعض الدول الأوربية[32].

كما لا ننسى أهمية المسلمين المهاجرين إلى الغرب كمصدر للعمالة الرخصية, بالأضافة إلى هجرة العقول للغرب والاستفادة منها, ومساهمة المهاجرين فى تجدد نشاط وحيوية المجتمعات الغربية التى أصابتها الشيخوخة.

نجد تناقض فى آراء وأفكار الباحثين والدارسين حول مستقبل الإسلام فى الغرب, فنجد أن هناك اتجاة يذهب إلى أبعد الحدود إذ يرى أن الإسلام سيشرق على العالم كله من جديد, وأن الغرب سيدخل الإسلام حتما, وسيمكنه رقيه الحضارى والمادى من نشر رسالته فى العالم وإخضاعه تحت سلطان الإسلام, فالغرب وصل إلى قمة القاع فى جوانيه الإخلاقية والإجتماعية ولا ملذ ومخرج له إلا الإسلام, وهذا الاتجاه يعبر عنه فى الإساس معظم الباحثين والمفكرين الإسلاميين.

فى حين يذهب فريق أخر من الباحثين والدارسين إلى أن الإسلام لا يمكنه الانطلاق من الغرب, وأن الحديث عن مثل هذا الأمر هو سراب وحلم لن يصبح حقيقة, فهناك العديد من العراقيل والمشكلات التى تحول دون انتشار الإسلام فى الغرب, كما ان معظم الجاليات المسلمة فى الغرب ذابت فى المجتمعات الغربية وانصهرت فيها ولم يعد يربطها بالإسلام سوى الأسم فقط.

[1]- http://www.aljazeera.net/books/pages/b2ece2cb-2169-4a71-b9a5-b7a774823131

[2]- بيان مؤتمر مسلمي أوروبا, توبكابي اسطنبول 1-2 يوليو 2006.

[3]-  محمد وقيع الله أحمد, الإسلام فى المناهج الغربيى المعاصرة عرض ونقد, بحث مقدم لنيل جائزة نايف بن عبد العزيز العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية المعاصرة, 2006, ص:ص 23- 25.

[4]- خباب بن مروان الحمد,أسرار انتشار الإسلام في العالم مع أشتداد الهجمات عليه : دراسة تحليلية : متاح على الرابط التالى:

www.saaid.net/Doat/khabab/126.htm

[5]- faculty.ksu.edu.sa/malik/Documents/مسلمون%20الغرب.doc

[6]- على بن المنتصر الكتانى,المسلمون فى أوربا وأمريكا, دار الكتب العلمية, بيروت, الجزء الأول, ط1, 2005,ص 76.

[7]- توفيق سلطان اليوزبكي, الحضارة الإسلامية فى الإندلس وآثارها على أوربا,ثقافتنا للدراسات والبحوث, العراق, المجلد ٥  العدد العشرون , 2010,ص:ص 120:119.

[8]- على بن المنتصر الكتانى, المرجع السابق, ص 77-78.

[9]- http://islamtoday.net/albasheer/artshow-15-10079.htm

[10]- In Europa leben gegenwärtig knapp 53 Millionen Muslime; Avalilable at:    http://www.islamicpopulation.com/europe_islam.html

[11]- مازن موفق هاشم: مسلمو أميركا الشمالية، دار الفكر، ص ١١ ، ونميل إلى صحة هذا التعداد وقربه من الواقع؛ على الرغم من تعارضه مع الإحصاءات الرسمية الأميركية التي قد اشارت تعداد المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية ب ١,٨ مليون مسلم فقط في عام ٢٠٠٩ م، بحسب ما جاء فيFact Book لعام 2009م.

[12]- على بن المنتصر الكتانى,المسلمون فى أوربا وأمريكا, دار الكتب العلمية, بيروت, الجزء الثانى,ط1, 2005,ص 57-58.

[13]

[14]- هايتس دينز فينتر ,هل يشكل الإسلام السياسي خطرا على أوربا؟، ترجمة صبيحة مشورب، مجلة النهج، العدد 40، بيروت، صيف1995. ص237.

[15]- Maxine Rodinson, European mystique of Islam, translated by rogervienus (London: B,tranis, 1987), p. 3 نقلا عن فواز جرجس، الأمريكيون والإسلام السياسي (تأثير العوامل الداخلية في صنع السياسة الخارجية الأمريكية)، مجلة المستقبل العربي، العدد 17 2، بيروت، 1997، ص4.

[16]- Nathan J. Brown ,When Victory Is Not an Option:Islamist Movements in Arab Politics (USA: Cornell University Press), 2012,p9.

[17]- صموئيل هنتنجتون، صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي، ترجمة طلعت الشايب، إصدار سطور، القاهرة، الطبعة الثانية، 1998, ص 336.

[18]- معتز الخطيب,ظاهرة كراهية الإسلام : الجذور والحلول, ثقافتنا للدراسات والبحوث, المجلد٥ ,العدد السابع عشر , 2008, ص 23.

[19]- على سالم إبراهيم,عولمة القهر: أمريكا والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر 2001, مجلة السياسة الدولية, إبريل 2008.

[20]- عمر سالم سعد الله العبيدي,إشكالية الموقف الغربي من الأمة الإسلامية, ورقة بحثية, مؤتمر “الإسلام والتحديات المعاصرة”, كلية أصول الدين, جامعة الموصل, العراق , إبريل 2007, ص:ص 429-432.

[21]- ……., المجتمع المسلم, الثوابت والمتغيرات, ورقة بحثية, رابطة دول العالم الإسلامى,مؤتمر مكة المكرمة الثالث عشر, 21 أكتوبر 2012,ص 3.

[22]- المجتمع المسلم, الثوابت والمتغيرات, المرجع السابق,ص,ص 21-22.

[23]- يحي أبو ذكرى, الإسلام والغرب, نشر إلكترونيا, 2004, ص 126-127.

[24]- http://islamtoday.net/albasheer/artshow-15-10079.htm.

 [25]- يحي أبو ذكرى, الإسلام والغرب, نشر إلكترونيا, 2004, ص 44.

[26]-http://www.aljazeera.net/books/pages/bed85e94-a258-4b57-80cf-2e11510d8f34.

[27]يحي أبو ذكرى, الإسلام والغرب, نشر إلكترونيا, 2004, ص 53.

[28]= http://www.foreignpolicy.com/articles/2007/05/13/the_list_the_worlds_fastest_growing_religions.

[29]- http://www.al-waie.org/issues/287-288/article.php?id=995_0_77_0_C

[30]- http://www.almokhtsar.com/node/101287

[31]- يحي أبو ذكرى,مرجع سابق,ص ص 53- 54.

[32]-http://www.aljazeera.net/books/pages/b2ece2cb-2169-4a71-b9a5-b7a774823131

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى