الفقه الدولي والممارسة الدولية من استخدام القوة المسلحة للأغراض الإنسانية
إعداد الباحث: محمد عز الدين مصطفى حمدان
– المركز الديمقراطي العربي
الفقه الدولي والممارسة الدولية من استخدام القوة المسلحة للأغراض الإنسانية “التدخل الدولي الإنساني”
مقدمة:
يقدم التدخل الإنساني الاختبار الأصعب لعدد من المبادئ الأساسية المستقرة في القانون الدولي مثل تحريم مبدأ التدخل في الشئون الداخلية للدول، ومبدأ وجوب تسوية النزاعات الدولية سلمياً، ومبدأ تحريم وحدة أراضي الدولة واستقلالها السياسي، ومبدأ الامتناع في استخدام أو التهديد باستخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية، ولذلك فإن استخدام القوة المسلحة لأغراض انسانية أثار العديد من الإشكاليات القانونية والسياسية.
فتنبع المشكلة البحثية لهذه الدراسة من حقيقة تقوم على أن عدم تحديد مفهوم التدخل الإنساني على وجه الدقة قد يفسج المجال أمام تجاوزات إساءة السلطة التقديرية للدولة التي تتدخل في شئون الدول الأخرى، ومن هنا سيكون التساؤل الرئيسي الذي تدور حوله الدراسة هو: ما هي مشروعية استخدام القوة المسلحة للأغراض الانسانية في الفقه الدولي والممارسة الدولية؟
وقد قسم الباحث الدراسة إلى مبحثين وفق التقسيم التالي:
فتناول المبحث الأول: استخدام القوة المسلحة للأغراض الإنسانية في الفقه الدولي، وقد احتوي المبحث على ثلاثة مطالب هي:
المطلب الأول: الفقه الدولي المؤيد لمشروعية التدخل.
المطلب الثاني: الفقه الدولي الرافض لمشروعية التدخل.
المطلب الثالث: الفقه الدولي الرافض المتحفظ على مشروعية التدخل.
أما المبحث الثاني فتناول: استخدام القوة المسلحة للأغراض الإنسانية في الممارسة الدولية، وقد تضمن هذا المبحث مطلبين وفق الترتيب التالي:
المطلب الأول: موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة من التدخل الإنساني.
المطلب الثاني: موقف مجلس الأمن الدولي من التدخل الإنساني.
المبحث الأول:
استخدام القوة المسلحة للأغراض الانسانية في الفقه الدولي
يثير مفهوم التدخل الإنساني أو التدخل الدولي لأغراض إنسانية جدلاً كبير بين فقهاء القانون الدولي لما له من إشكاليات فقهية وازدواجية معاييره عند التطبيق، وبغض النظر عن ذلك، فإن استخدام القوة المسلحة يؤدي لحماية وتعزيز القيم الانسانية في الدول التي تنتهكها ولكن من هي الدول التي يمكن أن تتحمل مسئولية التصرف باسم القيم الإنسانية المشتركة.
ينقسم فقهاء القانون الدولي بين مؤيد ورافض ومتحفظ –يضع مجموعة من الشروط والمعايير لاكتساب التدخل الإنساني صفة المشروعية- على مشروعية التدخل الإنساني، ويعود ذلك الانقسام إلى الإختلاف في وجهات النظر حول مفهوم السيادة وطبيعة ومدى القيود التي يفرضها القانون الدولي على ممارسة الدول لسيادتها الاقليمية ، ولذلك فسوف نقسم هذا المبحث إلى ثلاثة مطالب كالتالي:
المطلب الأول: الفقه الدولي المؤيد لمشروعية التدخل.
المطلب الثاني: الفقه الدولي الرافض لمشروعية التدخل.
المطلب الثالث: الفقه الدولي المتحفظ على مشروعية التدخل.
المطلب الأول:
الفقه الدولي المؤيد لمشروعية التدخل
أشار الفقيه أنطونيو روجير إلى أنه حتى لو لم توجد قاعدة قانونية تبرر التدخل الإنساني دفاعاً عن حقوق الأقليات في دولة من الدول، واتضح أن هذه الدولة تعامل الأقليات المتواجدة على أراضيها معاملة قاسية وغير إنسانية فإن الواجب على المجتمع الدولي أن يتدخل لحماية هذه الأقليات المضطهدة.
أما ريتشارد ليليش يرى بأن التدخل الانساني مقبول قانونياً منذ فترة جروسيوس، فقد تكاثفت الشعوب لأجل الوصول إلى الحد الأدنى من الأمن والاستقرار للإنسانية، ورغم أنه يعترف بعدم وجود نص في ميثاق الأمم المتحدة يجيز التدخل الانساني المنفرد أو الجماعي للدول، فإنه يؤيد التدخل الانساني كمبدأ تقليدي لاسيما وأنه يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة الهادفة إلى حماية حقوق الانسان، وأكد أن التدخل الانساني قد لاقى قبولاً دولياً في عهد الأمم المتحدة لأنها لم تقم بشجب التدخل الانساني.
وينقسم أنصار هذا الاتجاه إلى فرعين، فالأول يجير التدخل الانساني في إطار الأمم المتحدة، أما الفرع الثاني فيجيز التدخل خارج إطار الامم المتحدة.
الفرع الأول: إجازة التدخل الانساني في إطار الامم المتحدة.
أصحاب هذا التوجه، ضيقوا مجال التدخل الانساني وأقصروه على العمل الجماعي في داخل منظومة الامم المتحدة، بمعنى منح الإجازة للجماعة الدولية بالتدخل واتخاذ جميع التدابير المناسبة شريطة موافقة مجلس الأمن على ذلك، ودعم أصحاب هذا التوجه ذلك بالإشارة إلى أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة قد أعطى مجلس الأمن الدولي صلاحية اتخاذ تدابير واجراءات عقابية إذ أرتأى أن وضعية ما تشكل تهديداً للسلام والأمن الدوليين.
الفرع الثاني: إجازة التدخل الانساني خارج إطار الامم المتحدة.
أصحاب هذا التوجه، وسعوا مجال التدخل الإنساني، “فقد أجازوا أي عمل جماعي -حتى لو خارج المنظومة الأممية- لوقف أعمال الاضطهاد الوحشية التي ترتكب في حق الأفراد والمجموعات ، في حين أجاز Keith Hindell التدخل لأغراض إنسانية دون الحاجة إلى الحصول على رضا حكومة الدولة المعنية ويعود ذلك إلى محاولة تفادي تكرار كارثة رواندا ، “فإن كل الدول ملزمة بإيجاد آليات لمعالجة خروقات حقوق الإنسان” .
أما Michael Glennon أوجب التفرقة بين تحدي القانون وتحدي حكم القانون، فتحدي قانون غير عادل، وذلك مثلما فعل الناتو بتدخله في كوسوفو دون الالتزام بالمرجعية الأممية سوف يساهم في تعزيز العدالة وذلك لأن خرق القانون بشكل علني لإحقاق العدالة أقل خطراً من الإذعان له، طالما أن الخروقات سوف تقوض النقاش حول فرض إصلاح النظام القانوني، ومن ذلك التعدي على حقوق الانسان التي اعتبرت النقطة التي لم يوضح ميثاق الأمم المتحدة كيفية التعامل معها، وفضلاً عن ذلك فإن التدخل يبدوا بمثابة الملاذ الأخير إذا ما تبين أن تكاليف عدم التدخل مرتفعة جداً على الصعيد الإنساني.
أما الحجج التي يستند إليها هذا الاتجاه المؤيد لمشروعية التدخل الإنساني، هي كالتالي:
التدخل العسكري لاعتبارات إنسانية لا يتعارض مع منطوق نص المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة، فنصت على “حظر التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة”، وبمفهوم المخالفة فإنه يحق للدول منفردة أو مجتمعة استخدام القوة ضد دولة أخرى إذا لم يترتب على ذلك المساس بسيادتها الاقليمية أو باستقلالها السياسي، ولذا فالتدخل العسكري لاعتبارات انسانية لا يخل بأحكام المادة (2/4) لأنه لا يهدف إلى تغيير حدود الدولة المتدخلة في شئونها أو اكتساب إقليمها جزء منه، كما انه ليس فيه مساس باستقلالها السياسي لأنه لا يسعى إلى فرض هيمنة سياسية عليها، وأخيراً فإنه لا يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة التي تكرس ضرورة احترام حقوق الانسان والتي يتعين على جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة كفالة احترامها، وبناءً على ذلك، فإن التدخل العسكري لاعتبارات انسانية لا يدخل في نطاق الحظر الوارد في نص المادة (2/4).
الالتزام بنص المادة (2/4) مشروط بفاعلية الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين، فإذا عجزت المنظمة الدولية عن تحقيق هذا الهدف فإن الدول تسترد حقها في استخدام القوة وفقاً لقواعد القانون الدولي التقليدي التي كان معمول بها قبل إقرار ميثاق الأمم المتحدة والتي كانت تجيز للدول التدخل العسكري ضد الدول الأخرى لحماية المواطنين في الخارج أو حماية الأقليات أو لأي سبب آخر.
التدخل من أجل حماية حقوق الانسان لا يتعارض مع هدف حفظ السلم والأمن الدوليين، بل على العكس فهو يدعم هذا الهدف الأساسي لأن الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان هي التي تؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين، فضلاً عن أن حق التدخل الانساني يعتبر استثناء من الحظر العام لمبدأ عدم استخدام القوة في العلاقات الدولية، انطلاقاً من أولوية حقوق الانسان على ما عداها من حقوق تتعلق بسيادة الدولة، وعلى هذا الأساس فإن استخدام القوة المسلحة إنما يتم لتفعيل أحد المبادئ الاساسية للأمم المتحدة وهو الارتقاء بحقوق الانسان وتنميتها.
مفهوم السيادة الوطنية الذي يركز على مبدأ عدم جواز التدخل في الشئون الداخلية للدول هو ليس مفهوم قانوني مجرد، بل هو مفهوم متغير يستجيب لواقع تطور البيئة الدولية، ولاشك أن القانون الدولي قد تطور كثيراً في اتجاه حماية حقوق الانسان تلبية لمقتضيات تطور البيئة الدولية، فقد نشأت قواعد دولية موضوعية وقامت آليات تنفيذية تفرض قيوداً على ممارسة الدول لسيادتها، وبعبارة أخرى، سيادة الدول لا يمكن تفسيرها على أنها غير متسقة مع قضية حقوق الانسان باعتبار أن هذه السيادة مقيدة بتلك الحقوق، ولذلك فإن حدوث انتهاكات لحقوق الانسان على نطاق واسع سواء كان ذلك نتيجة التصرفات الحكومية أو ظروف الصراعات الداخلية يجعل حماية هذه الحقوق مبرراً.
أصبحت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بمقتضى أحكام القانون الدولي الانساني جرائم دولية يترتب عليها المسئولية الوطنية والدولية، ولهذا لم تعد حقوق الانسان من نطاق الاختصاص الداخلي للدول بل أصبحت قضية دولية لأنها تمثل جزء أساسي من قيم المجتمع الدولي المعاصر، فإذا تعارضت هذه القيم مع مبدأ السيادة الاقليمية التقليدي فتكون الأولوية لنفاذ تلك القيم الجديدة، فعملية الدفاع عن المقهورين ينبغي أن يتجاوز جمود صياغة القواعد القانونية والتخلي عن أسلوب التفسير الحرفي لها، ولهذا فالتدخل الانساني لم يعد أمراً ممكناً فحسب بل أصبح أمراً لازماً.
المطلب الثاني:
الفقه الدولي الرافض لمشروعية التدخل
أشار Ian Brownlie بعدم وجود سند قانوني سواء في ميثاق الأمم المتحدة أو المبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول يقدم غطاء شرعياً للتدخل الإنساني ، حيث استند أصحاب هذا الاتجاه إلى المادة (2/1) من ميثاق الأمم المتحدة في رفضهم للتدخل الإنساني، وشددوا على وجوب التمسك بعدم جواز استخدام القوة ضد دولة أخرى أياً كانت المبررات فيما عدا حالة الدفاع الشرعي عن النفس ونظام الأمن الجماعي.
أما الحجج التي يستند إليها هذا الاتجاه الرافض لمشروعية التدخل الإنساني، هي كالتالي:
التدخل العسكري استناداً إلى الاعتبارات الانسانية هو عمل غير مشروع، لأنه يتعارض صراحة مع القاعدة الآمرة المنصوص عليها في المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة والتي تمنع التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، فبمجرد عبور قوت أجنبية حدود دولة معينة دون موافقتها يعتبر ذلك انتهاكاً جسيماً لسلامتها الاقليمية، حتى إذا لم يكن الهدف منه هو استقطاع جزء من إقليم تلك الدولة أو الاستيلاء عليه كلية.
ينتهك التدخل العسكري بحجة الاعتبارات الانسانية استقلال الدول المتدخل في شئونها لأنه يحرم السلطة العليا فيها من حرية إدارة شئون الحكم حتى مع افتراض أن هذا التدخل لا يسعى إلى فرض هيمنة سياسية كاملة ودائمة على إرادة تلك الدول.
لا توجد علاقة سببية مباشرة بين الطبيعة التسلطية لنظام حكم معين ينتهك حقوق الانسان في الداخل وإتباعه سياسة عدوانية في تعامله مع الدول الأخرى بما يؤدي إلى تهديد السلم والأمن الدوليين، وعلى افتراض أن انتهاكات حقوق الانسان داخلياً لها مردودات دولية تهدد السلم والأمن الدوليين فهذا يثير مسئولية المنظمات الدولية المكلفة بتحقيق الأمن الجماعي، وذلك لا يشرع التدخل العسكري إلا إذا منحت تلك المنظمات تفويض صريح بذلك.
إن من أهم أهدف الأمم المتحدة هو تحقيق السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما ، ولا شك أن استخدام القوة المسلحة يتعارض مع هذا الهدف حتى إن تم من أجل كفالة احترام حقوق الانسان ومن ثم فعدالة الهدف لا تكفل مشروعية استخدام القوة لتحقيقه.
أكد واضعوا ميثاق الأمم المتحدة على أهمية مبدأ الامتناع عن استخدام القوة في العلاقات بين الدول واعتبروه مبدأ أساسي من مبادئ الأمم المتحدة ولم يعلقوا عليه التزام الدول بفعالية آلية الأمن الجماعي، وهذا ينفي فكرة إسقاط المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة بحجة عدم فعالية آلية الأمن الجماعي.
تتبنى الدول الدوافع الانسانية للتغطية على السعي لتحقيق أهدافها الاستراتيجية ومصالحها الوطنية، فالواقع أن لا حقوق الإنسان ولا القيم الأخلاقية هي المحرك الحقيقي لسلوكيات الدول بل إن منطق المصلحة هو الغالب على هذه التحركات، ففي ظل غياب آلية محايدة تحدد متى وكيف يسمح بالتدخل الإنساني تترسخ فكرة أن الدول القوية تستعمل التدخل الانساني دائماً كسلاح ضد الدول الضعيفة.
المطلب الثالث:
الفقه الدولي المتحفظ على مشروعية التدخل
وضع أصحاب هذا الاتجاه بعض الشروط الموضوعية والإجرائية لضمان عدم اساءة استخدام القوة المسلحة لاغراض انسانية، فهم بذلك لم يعارضوا استخدام القوة المسلحة بصورة مطلقة لحماية حقوق الانسان، ويمكننا تلخيص بعد هذه الشروط فيما يلي:
اثبات أن هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان من دولة ضد مواطنيها تبرر التدخل من جانب الدول أو المنظمة الدولية لحماية هذه الجماعات أو الأقليات، بمعنى أوضح، يجب أن يكون الهدف من التدخل هو هدف إنساني بحث لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان دون غيره من الأهداف التي يكون للدول المتدخلة مصلحة في تحقيقها ودون إحداث أي تغيير في نظام الحكم في الدولة المستهدفة، وإضافة لذلك “فقد يكون التدخل العسكري مشروعاً ليس فقط لوقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان القائمة بالفعل، ولكن أيضاً في حالة وجود احتمال قوي أو خطر داهم بانتهاك حقوق الانسان” ، بمعنى الاقرار بمشروعية التدخل الانساني الوقائي أو الاستباقي.
استنفاذ جميع الخطوات والجهود الدبلوماسية وتجاهل التحذيرات والانذارات وبقاء الاستمرار في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، فلا يجب التدخل دون القيام بهذه الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية التي تؤثر على الدولة المعنية، بمعنى آخر، التدخل العسكري لا يكون مشروعاً إلا بعد ثبوت فشل جميع الوسائل السلمية لوضع نهاية لانتهاكات حقوق الانسان.
موافقة مجلس الأمن الدولي، فهو الوحيد الذي يملك ويقرر الشروع في تطبيق المعايير الضرورية لإحلال السلام والأمن الدوليين، بمعنى أخر، التدخل العسكري لا يكون مشروعاً إلا بعد حصوله على ترخيص من مجلس الأمن الدولي.
يجب أن تتناسب التدخلات الانسانية مع الأهداف الموضوعة، وتطبيقاً لقاعدة التناسب فإن استخدام القوة يجب أن يكون بالقدر الذي يحقق الهدف المنشود، وهذا المعيار له حدين:
الأول: أن القوة العسكرية لا يتم اللجوء إليها إلا من أجل إيقاف استمرار المجازر الانسانية، ومن أجل وقف انتهاكات حقوق الانسان، وبمجرد بلوغ هذا الهدف يجب أن تتوقف، أما إذا كانت هناك ضرورة لبقائها، فالأولى استدعاء قوات متعددة الجنسية للمحافظة على السلم والأمن الدوليين.
الثاني: أن التدخل الإنساني يجب أن يحترم ما جاء ونصت عليه اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م.
المبحث الثاني:
استخدام القوة المسلحة للأغراض الانسانية في الممارسة الدولية
يتأسس نظام التدخل الدولي من أجل الإنسانية في جزء كبير منه على نصوص عامة كميثاق الأمم المتحدة وبعض النصوص المستقاة من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان وإلى مبادئ القانون الدولي والقرارات الدولية، حيث أصدرت الأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة ومجلس الأمن العديد من القرارات الدولية التي تتعلق بالتدخل الإنساني.
أكدت الأمم المتحدة على ضرورة احترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية، وأشارت إلى أنه “ليس في هذا الميثاق ما لا يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع” .
رأت الأمم المتحدة -فيما بعد- أن تزايد النزاعات المسلحة الداخلية منحها الحق في التدخل في هذه النزاعات معتبرة هذه التصرفات مشروعة على عكس ما كان عليه موقفها خلال الحرب الباردة لأنها تعمل على تهديد السلم والأمن الدوليين.
تدخل الأمم المتحدة خلال فترة الحرب الباردة اقتصر على إصدار القرارات والتوصيات دون أن تتدخل بشكل فعلي في شئون الدول على أساس إعمال قواعد حقوق الانسان، مع ضرورة موافقة الدولة المعنية من المشاركة في التدخل الانساني، أما في فترة ما بعد الحرب الباردة تعدت إلى حد استخدام أحكام الفصل السابع من الميثاق.
يتضح من ذلك، أن نظرة الممارسة الدولية إلى مسألة التدخل الدولي الإنساني كانت ليست على وتيرة واحدة، وسنتناول فيما يلي موقف كلاً من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من مسألة التدخل الدولي الإنساني في مطلبين منفصلين:
المطلب الأول: موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة من التدخل الإنساني.
المطلب الثاني: موقف مجلس الأمن الدولي من التدخل الإنساني.
المطلب الأول:
موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة من التدخل الإنساني:
دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم (131/43) الصادر بتاريخ 8 ديسمبر 1988، لتقديم المساعدات الانسانية لضحايا الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ المماثلة، ومن الواضح من القرار أن الجمعية العامة مصممة على ايجاد دور للأمم المتحدة في حل المشكلات الدولية ذات الصبغة الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الانسانية، وأكدت على سيادة الدول وسلامتها الاقليمية ووحدتها الوطنية لأنها ترى أن ترك الضحايا بلا مساعدة يمثل تهديد للسلم والأمن الدوليين.
أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم (100/45) الصادر بتاريخ 14 ديسمبر 1990، أكدت فيه مرة أخرى على ضرورة احترام سيادة الدول وسلامتها الاقليمية ووحدتها الوطنية، وشددت على ضرورة استجابة المجتمع الدولي إلى نداءات تقديم المساعدة الإنسانية العاجلة ولا سيما أن مصائر الاشخاص قد أصبحت في حالة مزرية للغاية وأن ترك الضحايا بلا مساعدة إنسانية يمثل خطر وإهانة لكرامة الانسان، وقد دعت في هذا القرار إلى ضرورة إنشاء قنوات طوارئ خاصة أو ما يسمى بالممرات الآمنة.
يلاحظ على القرارين السابقين أنهما يقتصران على حث الدول المتضررة والدول المجاورة لها فقط على استضافة المنظمات الانسانية ومساعدتها في أداء أعمالها، فهما لا يعطيان هذه المنظمات حقاً واضحاً بالتدخل وتقديم المساعدة في الحالات التي تستوجب ذلك، فهل يمكن اعتبارهما تجسيداً واضحاً لحق التدخل الدولي الانساني أم أن قرارات مجلس الأمن الدولي هي فقط التي يمكن اعتبارها تجسيداً لحق التدخل من أجل الانسانية خصوصا انها تتسم بصفة الالزام القانوني بخلاف أغلب القرارات الصادرة من الجمعية العامة التي تتصف بصفة الالزام الأدبي والأخلاقي.
المطلب الثاني:
موقف مجلس الأمن الدولي من التدخل الإنساني:
أصدر مجلس الأمن الدولي مجموعة من القرارات التي تؤسس لنوع جديد من المقاربات التي تمهد لتجاوز المفاهيم التقليدية لمبدأ عدم التدخل، بحيث قام في بداية التسعينات بإصدار مجموعة من القرارات التي تجسد في مجملها تعاملاً جديداً من المشاكل والأزمات الدولية في علاقتها بمبدأ عدم التدخل، بحيث تركزت هذه القرارات على دول تشهد أزمات إنسانية طارئة، “وقد تمحورت هذه القرارات حول ضرورة تقديم المساعدة الإنسانية للضحايا أو مواجهة الانتهاكات الضارخة لحقوق الانسان، عبر فكرة التدخل الدولي الإنساني” .
فقد أصدر مجلس الأمن قراره رقم (688) الصادر بتاريخ 5 أبريل 1991م، الذي يتطرق فيه لمعاناة الأكراد في شمال العراق، والقرار رقم (794) الصادر بتاريخ 3 ديسمبر 1992م، الذي بموجبه تم ارسال قوات عسكرية إلى الصومال من أجل خلق أجواء آمنة لوصول المساعدات الانسانية إلى مستحقيها، والقرار رقم (745) الصادر بتاريخ 28 فبراير 1992م، الذي بموجبه تم تشكيل هيئة موقتة للأمم المتحدة في كامبودج مهمتها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والقرار رقم (940) الصادر بتاريخ 31 يوليو 1994م، الذي يمنح تفويض بالتدخل العسكري في هايتي، والقرار رقم (929) الصادر بتاريخ 22 يونيو 1994م، الذي أوجد قوات دولية متعددة الجنسيات للتدخل الانساني في رواندا.
يمكن القول بأن التدخل الانساني ليس بجديد في الممارسة الدولية، ولكن الجديد هو كثافة هذه التدخلات وانتقاله من مجرد تقديم مساعدات إلى التدخل بصفة مباشرة بناء على قرارت أممية أو حتى خارجها، ولابد من الإشارة إلى أن التدخلات الدولية التي كانت تحدث بموجب قرارات مجلس الأمن لا تأخد بعين الاعتبار موافقة الدول التي تكون مسرحاً لهذه الأحداث، كل ذلك أثار تخوفات الدول الضعيفة وكرد فعل على هذه التخوفات طلب الأمين العام “كوفي عنان” من أعضاء المنظمة الدولية تصور مشترك بين كافة الدول حول التدخل الانساني، حيث شكلت لجنة أصدرت تقريرها بتاريخ 18 ديسمبر 2001، أكدت فيه على ثلاثة مبادئ أساسية، هي:
الأول: استخدام مفهوم “المسئولية الدولية للحماية” بدلاً من مفهوم “التدخل الانساني” لتجنب ما يثيره هذا المفهوم من مخاوف السيطرة والهيمنة.
الثاني: وضع مسئولية الحماية على المستوى الوطني بيد الدولة، أما مسئولية الحماية على المستوى الدولي بيد مجلس الأمن.
الثالث: أن تتم عملية التدخل لأغراض الحماية الإنسانية بجدية وكفاءة وفعالية وبناءً على سلطة مباشرة مسئولة.
وختاماً فكانت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة تدور حول الدعوة إلى تسهيل عمل المنظمات الدولية غير الحكومية والمنظمات الانسانية الأخرى، فهي لا تفرض إلزاماً قانونياً على عاتق الدولة المعنية بالموضوع، أما قرارات مجلس الأمن فهي أمراً ملزماً لا تقف على الحث والترغيب فقط وإنما تمتد إلى الإلزام القانوني الذي لا مفر من الانصياع له وتطبيقه خاصة إذا كانت تستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي يعني أننا قد خطونا خطوة واسعة في مجال التدخل الإنساني.
الخاتمة:
يفرض علينا الحديث عن التدخل الانساني أن نوضح أن من مقاصد الأمم المتحدة هو احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية، ولكن هل يحق للمجتمع الدولي المنظم التدخل قسراً ضد دولة تنتهك بشكل منظم وعلى نطاق واسع حقوق مواطنيها، ولهذا يجب أولاً أن نوضح التفرقة بين التدخل الانفرادي –الذي تقوم به مجموعة من الدول، أو قوات تحالف دولي- والتدخل الجماعي –الذي تقوم به المنظمات الدولية- بحجة التصدي للانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وثانياً محاولة فك الاشتباك بين مبادئ قانونية متعارضة، فإن
التدخل الدولي الجماعي يتعارض مع كل من مبدأ عدم التدخل وحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية إلا في حالة الدفاع الشرعي عن النفس وفقاً للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، أو في إطار آلية الأمن الجماعي التي أقرت في الفصل السابع من نفس الميثاق.
وبتفحص وتدقيق قرارات الأمم المتحدة التي شرعت وأجاوت التدخل العسكري وفقاً للاعتبارات الانسانية يتضح أنها أكدت على إيجاد علاقة سببية بين الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان والإخلال بالسلم والأمن الدوليين، فمجلس الأمن له صلاحية تحديد ما إذا كانت هذه الانتهاكات تهدد السلم أو تخل به ثم يقدم توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من تدابير عسكرية أو غير عسكرية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى نصابهما وفقاً لما جاء بنص المادة (39) من ميثاق الأمم المتحدة.
ومن جانب آخر، يسجل الواقع حالات تدخل عسكري من جانب بعض الدول منفردة أو مجتمعة في شئون الدول الأخرى استناداً على الاعتبارات الانسانية دون أن تحصل على تفويض صريح من مجلس الأمن بذلك، ولعل أبرز الأمثلة التدخلات العسكرية المتكررة ضد العراق منذ حرب تحرير الكويت، وتدخل قوات الناتو في كوسوفو، وأيضاً يعتبر التدخل العسكري من قبل المنظمات الدولية الإقليمية غير مشروع لمخالفته للمادة (53) من ميثاق الأمم المتحدة إلا إذا حصلت تلك المنظمات على إذن من مجلس الأمن بالتدخل.
وفيما يتعلق بمشروعية التدخل العسكري في شئون الدول الأخرى بهدف الإغاثة الانسانية وتقديم المساعدات الانسانية فإن النصوص القانونية ذات الصلة تؤكد بوضوح تام على أن تقديم المساعدات الانسانية بمشروط بوجوب القبول على موافقة الدولة المعنية صوناً لسيادتها، حيث عالجت النصوص موضوع الاغاثة الانسانية من منظور التعاون السلمي بين جميع الدول لتسهيل وصول المساعدات الانسانية إلى المحتاجين إليها، واستبعدت تماماً التدخل العسكري القسري كأداة لتحقيق هذا الهدف.
قائمة المراجع:
المراجع باللغة العربية:
1. ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945م.
2. إعلان فينا لحقوق الإنسان لعام 1993م.
3. محمد شوقي عبد العال، العولمة والتدخل الإنساني “مع إشارة لبعض نماذج التدخل الدولي في افريقيا”، سلسلة الدراسات المصرية الأفريقية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، العدد 30، 2003.
4. صدفة محمد محمود، موقف الفقه والعمل الدوليين من استخدام القوة المسلحة لأغراض إنسانية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، مابو 2010.
5. سمعان بطرس فرج الله، جدلية القوة والقانون في العلاقات الدولية المعاصرة، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، الطبعة الأولي، 2008.
6. فتح الرحمن عبد الله الشيخ، مشروعية العقوبات والتدخل الدولي، الدورحة، 1998.
7. الأمم المتحدة ومحاولة تحقيق السلم والأمن الدوليين من خلال التدخل الانساني، مجلة الحقوق، جامعة الكويت، العدد 4، السنة 28، ديسمبر 2004.
English References:
1. Sandoz Sves, Christophe Swinarski & Bruno Zimmerman, Commentary on the Additional Protocols to the Geneva Conventions of 12 August 1949, 1987.
2. Schindler Dietrich & Jiri Toman,“eds.”, The Laws of Armed Conflicts: A Collection of Conventions Resolutions and Other Documents, 1988.
3. Lillich Richard,”ed.”, Humanitarian Intervention and the United Nations, Charlottesville, University Press of Virginia, 1973.
4. Lassa F.L. Oppenheim, International Law, London, Longmans, Green and Co., 1955.
5. Hindell Keith, An Interventionist Manifesto, International Relations, Vol.13, No.2, 1996.
6. Michael J. Glennon, The New Interventionism: The Search for a Just International Law, Foreign Affairs, May/June 1999.
7. Bowett (W.D.), Reprisals Involving Recourse to Armed Force, American Journal of International Law, Vol.66, No.1, January 1927.
8. Francis Kofi Abiew, Sovereignty Intervention and Reconstruction: What Can Outsiders Do?, Presented at Conference on “ECOWAS”, Conflict Prevention and Human Security in West Africa- A Response to NEPAD, Accra, Ghana, October 23-25, 2002.
9. Brownlie Ian, International Law and the Use of Force by States, Oxford, Clarendon Press, 1963.
10. Teson (Fernando R.), Humanitarian Intervention: An Inquiry into Law and Morality, New York, Transnational Publisher, 1988.
11. Lawrence (T. J.), The Principles of International Law, London, Macmillan & Co., Ltd., 1929.
12. M.A. Fitzmaurice, Netherland Yearbook of International Law, Cambridge University Press, 2000.
13. Security Council, “Security Council Resolutions”, www.un.org/documents/scres.htm