سبل تعزيز مشاركة المواطن في صنع السياسات العامة
اعداد الباحث : إسماعيل زروقي
المركز الديمقراطي العربي
المقدمة :
تعد إدارة الشؤون المحلية نمطا سياسيا وإداريا معروفا منذ اجتماع الناس على مساحة محددة من الأرض على مر التاريخ, إذ شكل النمط اللامركزي وطبيعته عدة أشكال مختلفة, وتطور هذا النظام مع تطور وتوسع دور الدولة و أتساع نطاق عملها و ازدياد مهماتها, فعمدت الكثير من الدول إلى توزيع السلطة السياسية والوظيفة الإدارية بين الحكومة المركزية وبين الهيئات المحلية بشكل منظم, فأصبح التنظيم اللامركزي للدولة يقوم على أساس المزج بين صورتي المركزية واللامركزية, والهدف منه هو تأمين حياة أفضل للمواطنين عن طريق تعزيز المشاركة الجماهيرية في العمل السياسي والإداري من خلال منحهم حق إدارة شؤونهم المحلية, وإشراكهم في عملية صنع القرار السياسي والإداري.وشهدت السنوات الماضية اهتماما متزايدا بموضوع اللامركزية بأبعادها السياسية ، والاقتصادية، والمالية, والإدارية, وقد جاء هذا الاهتمام في إطار الاتجاه إلى توسيع نطاق مشاركة المواطنين ، ودورهم في عملية الحكم، وتقليص ادوار الدولة في الإنتاج، والإدارة المباشرة لمؤسساته، ومنح القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني دورا اكبر في عملية التنمية . وقد عبرت عن ذلك الاهتمام، تقارير البنك الدولي عن التنمية في العالم تحت العديد من العناوين مثل “تحقيق اللامركزية وإعادة التفكير ” وجعل الدولة أكثر قربا من الناس , وهنا نتساءل عن دور المواطنين في رسم السياسة العامة .
1- حق المشاركة في رسم السياسات العامة .
تطور حق المشاركة بتطور تنظيم الدولة ، فحق المشاركة في السياسات العامة يضيق كلما كانت تنظيم الدولة مركزيا ليتسع كلما اتجهت نحو الجهوية السياسية وليصبح أكثر حياة وفعالية في التنظيم الفدرالي للدولة ، وتبرز الدساتير طبيعة تنظيم الدولة من خلال مواقفها تجاه الحقوق الفردية والحقوق الجماعية وكذا من خلال الاختصاصات التي تحتفظ بها للسلطات المركزية والتي تنقلها للسلطات المحلية و الجهوية ومن خلالها يتضح مدى ضمان حق المشاركة في السياسات العامة على المستويين الفردي والجماعي .
وقد أدت التطورات التي حدثت في تنظيم الدول خصوصا بسبب الثورات ( الثورة الفرنسية 1789، والثورة الاشتراكية 1919 ) وتطور الفكر السياسي الليبرالي والاشتراكي و الإلحاح على إقرار السلم بعد مآسي الحربين العالميتين الأولى والثانية مما أدى إلى تشكيل عصبة الأمم ثم الأمم المتحدة واعتماد ميثاق لها وانطلاق مسلسل وضع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب. بعد ذلك تم اعتماد إعلان حقوق الإنسان لسنة 1948 و العديد من الإعلانات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ، وهو ما أثر بشكل مباشر على الدول وسياساتها وأدى ذلك إلى تراجع الاستبداد و أصبح حقالمشاركةفي صنع القرار داخل الدول معيارا لممارسة الديمقراطية داخلها.
أ – في المواثيق الدولية :
خلال الإعلانات والمواثيق الدولية يمكن القول بان حق المشاركة في صنع القرار يستلزم ضمان ممارسة الحقوق الفردية والحقوق الجماعية في نفس الوقت ،ويتعين على أي دستور ديمقراطي احترام الحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب , ولنقدم هنا كمثال للحقوق الفردية حق المشاركة في الحياة الثقافية والسياسية أو حق المشاركة الفردية في صنع السياسات العامة.
فالمادة 21 : من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على ما يلي :
– لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية.
– لكل شخص حق تقلد الوظائف العامة في بلده على قدم المساواة مع الآخرين.
– إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكم.ويجب ان تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.
كما تنص الفقرة الأولي من المادة الأولي للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية على حق جميع الشعوب في تقرير مصيرها , ويشمل هذا الحق في مفهومه العام الحق في صنع السياسات العامة و صنع القرارات , كما نصت المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية على انه ” يتاح لكل مواطن دون أي تمييز بسبب الاعتبارات المنصوص عليها في المادة 2 ودون فرض أي قيد غير معقول : أ ) إن يشارك في إدارة الشؤون العامة أما مباشرة وإما بواسطة ممثلين مختارين بحرية ….” .
وأكدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في التعليق العام رقم 25 الصادر في 1996 ( المادة 6 ) أن المشاركة المباشرة للمواطنين في إدارة الشؤون العامة تشمل المشاركة في صنع السياسات العامة .
ب – حق المشاركة في صنع السياسات من خلال بعض الدساتير :
تشير العديد من الدساتير في دول العالم المختلفة إلى حق المشاركة في الشأن العام , و تتراوح هذه الدساتير بين تلك التي تقصر المشاركة في التصويت و المشاركة في الاستفتاءات كما هو الحال في مصر , وبين الدساتير التي تدعو إلى المشاركة شعبية مباشرة في الشؤون الحكومية , مثل دستور مملكة بوتان 1996 في المادة 22 الفقرة 1 .
تضمن دساتير عديدة في أمريكا اللاتينية حقوق دستورية واسعة في مجال المشاركة , حيث تنص المادة 26 من دستور بوليفيا 2009 ” يحق لجميع المواطنين المشاركة بحرية في التدريب على السلطات السياسية و ممارستها و مراقبتها , مباشرة أو عن طريق ممثلين , بصورة فردية أو جماعية . و تتم المشاركة في ظروف عادلة و متساوية بين الرجل و المرأة ” , و تذكر المادة 100 من دستور الإكوادور تفاصيل : جميع طرق المشاركة و التي تلزم الدولة بتقديم دعم مؤسسي لعملية المشاركة ” يجب أن تؤسس كيانات للمشاركة , على جميع مستويات الحكومة , مكونة من سلطات منتخبة و ممثلين عن الحكومة و ممثلين عن المجتمع , ويتم العمل فيها وفقا للمبادئ الديمقراطية .
تهدف المشاركة في مثل هذه الكيانات إلى :
– صياغة خطط وطنية و محلية و قطاعية بين الحكومة و المواطنين .
– تحسين جودة الاستثمار العام و صياغة أجندات للتنمية .
– إعداد موازنات تشاركيه للحكومات
– تعزيز الديمقراطية باليات دائمة من الشفافية و المساءلة و المراقبة الاجتماعية
– تدريب المواطنين و تقوية عمليات التواصل .
ولتنفيذ هذه المشاركة , يتوجب تنظيم جميع ما يلي : جلسات استماع للجمهور , لجان رقابة , مجالس ضغط شعبي , مجالس استشارية كيانات أخرى تعزز العقلية المدنية .
يستحق الجزء 87 من الدستور التايلاندي لعام 2007 الذكر مفصلا لبيان كيفية تناول حق المشاركة في الشأن العام .
يجب على الدولة متابعة المبادئ التوجيهية لسياسات الدولة فيما يتعلق بالمشاركة في الشأن العام كالتالي :
– تعزيز المشاركة المجتمعية في تحديد السياسات والخطط الخاصة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستويين الوطني والمحلي .
– تعزيز المشاركة المجتمعية ودعمها في اتخاذ القرارات السياسية، التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوفير الخدمات العامة .
– تعزيز المشاركة المجتمعية ودعمها في التدقيق في ممارسة سلطات الدولة على جميع المستويات في إطار تنوع المنظمات المهنية أو الفئات المهنية أو في إطار أشكال أخرى.
– تعزيز القوى السياسية لدى الجمهور، وطرح قانون لإنشاء صندوق مدني للتنمية السياسية لمساعدة إجراءات الأنشطة العامة للمحليات، وتقديم الدعم لإجراءات المجموعات المدنية التي تشكل شبكات في هيئات متنوعة من أجل أن تكون هذه المجموعات قادرة على التعبير عن آرائها واقتراح مطالب المحليات في مناطقهم.
– تعريف المجتمع بالتنمية السياسية ونظام الحكومة الديمقراطي، باعتبار الملك رأس الدولة، وتشجيع التصويت العادل النزيه من قبل الجمهور في الانتخابات .
تضمن العديد من الدول حقوق المواطنين في تقديم التماس للأجهزة التشريعية مثل كينيا (2007، مادة 197)، اليابان (1947، المادة 16) المغرب (2011، المادة 15)، نيكاراجوا (1987، المادة 52)، البرتغال (1976، المادة 52). يسمح دستور البرازيل 1989 للمواطنين ليس فقط بتقديم التماس للحكومة، بل أيضا بتقديم تشريعات لواضعي القوانين لأخذها في الاعتبار.
2- قنوات المشاركة السياسية .
عديدة هي القنوات التي يمكن من خلالها ممارسة النشاط السياسي، وعديدة أيضا الأنشطة التي تدخل في إطار مفهوم المشاركة السياسية، مما يعني أن مجالات المشاركة السياسية متعددة ومختلفة، لذلك لم تعد دراسة المشاركة مقتصرة على دراسة التصويت باعتباره الصورة الأمثل للمشاركة، بل تعداها ليشمل مجالات أخرى سنقتصر على بعض منها، أو بالأحرى أهمها، وتحديدا تلك القائمة في الأنظمة الديمقراطية كالمشاركة من خلال دواليب السلطة، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، المظاهرات والحركات الاحتجاجية وغيرها..
فالسياسة بمعناها الواسع تفيد أن كل شخص فاعل ومؤثر فيها يعتبر مشاركا بغض النظر عن مستواه ومكانته العلمية و الإجتماعية والمادية، وبغض النظر أيضا عن طريقة مشاركته، ومن هنا يمكن أن تكون المشاركة السياسية من خلال المناصب السياسية العليا، وبالتالي فإن مشاركة هؤلاء هي التي تحيل إلى مشاركة المحكومين، حيث أن القرارات الصادرة من طرف أولئك الذين يشغلون هذه المناصب تحظى أو لا تحظى برضى المحكومين وبالتالي يظهر رد الفعل، وما يدل على أن هؤلاء مشاركين سياسيا هو عدم استثنائهم من المشاركة في الإنتخابات و الإستفتاءات. فهؤلاء بالرغم من وظائفهم السامية ومناصبهم السياسية العليا هم ضمن المشاركين في الحياة السياسية.
ويمكن تسمية هذه المشاركة بالمشاركة المؤسساتية أو الرسمية أي أنها تحدث عن طريق السلوكيات والمؤسسات الرسمية للدولة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أولئك الذين يقومون بوظائف سياسية ثابتة كرئيس الدولة، الوزراء والبرلمانيون..
وتعتبر الأحزاب السياسية كذلك قناة من قنوات المشاركة السياسية، وتعد مجالا خصبا لذلك على اعتبار أنها مؤسسات ينظم بداخلها أفراد المجتمع الذين يجمعهم قاسم مشترك، حيث يوحدون معتقداتهم بواسطة العمل، لبلوغ غاية ممارسة السلطة السياسية في الدولة
والجدير بالذكر أن أهم وأبرز أنواع المشاركة السياسية هي التي تمارس في إطار هذه التنظيمات، لأن المشاركة تكون ناتجة عن تنشئة وثقافة سياسية نابعة من المبادئ التي يؤمن بها المشارك السياسي.
وعلى غرار ما سبق، هناك قنوات أخرى للمشاركة السياسية، كالمشاركة من خلال مؤسسات المجتمع المدني والتي تشكل وسيلة ضغط للتأثير في السياسات العامة.
لقد ثار جدل بين مختلف الباحثين والمفكرين حول ما إذا كانت المشاركة في إطار مؤسسات المجتمع المدني هي مشاركة سياسية أم لا، علما أن أنشطة هذه الأخيرة ثقافية واجتماعية أكثر منها سياسية، إلا أنه يمكن إدماج هذا النوع ضمن المشاركة السياسية غير المباشرة، وتختفي خلف القناع الاجتماعي من أجل تحقيق أهداف وبرامج سياسية.
والرأي الراجح في هذا الإطار هو اعتبار تنظيمات المجتمع المدني قناة للمشاركة، وإن كانت لا ترقى إلى مرتبة الأحزاب حيث تعمل على بلورة رأي عام ضاغط على الحكومة، وتصبح هذه تحسب لها ألف حساب عند صياغتها لقراراتها .
والمشاركة من خلال هذا النوع من التنظيمات هي أكثر بروزا في المجتمعات الديمقراطية التي تعتبر مأسسة المجتمع وفعالية المجتمع المدني ركنان أساسيان في بنيتها السياسية .
وحتى لا نغفل جانبا مهما أيضا من مجالات المشاركة السياسية التي تتمثل في الحركات الاحتجاجية، لامناص هنا من ذكر تعريف للاحتجاج، حيث عرفه الأستاذ محمد الساسي بكونه: ” سلوك إنساني ملازم للبشر، فمتى أحس المرء أن هناك مساس بمصالحه المادية أو المعنوية، فمن الطبيعي أن نراه – حسب الأستاذ الساسي – يهرع بحثا عن وسيلة للرد دفاعا عن نفسه ووجوده، وصيانة لكيانه وحماية لاستمراره، وتأكيدا لغريزة حب البقاء فيه، كما أن رصد ظلم واقع على آخرين قد يدفع الإنسان إلى ركوب سبيل الإحتجاج تحت تأثير نوازع إنسانية ومشاعر خيرة”
فالحركات الاحتجاجية تتكتل فيها جميع فئات المجتمع وتنظيماته السياسية بهدف الاحتجاج على قضايا معينة والضغط على الحكومات من أجل اتخاذ المبادرات اللازمة لحل المشاكل العالقة، ومن تجليات ذلك الإضرابات، المظاهرات، العصيان المدني وغيره.
3- متطلبات المشاركة الفعالة .
تتطلب المشاركة ضرورة توافر عدد من العوامل التى تزيد من فاعليتها وتضمن بقاءها واستمرارها، وتساعدها على تحقيق أهدافها بما يدفع بمعدلات التنمية الشاملة واهم هذه المتطلبات :
– ضرورة ضمان توفير المتطلبات والاحتياجات الأساسية للجماهير مثل الغذاء والكساء والمسكن الملائم والصحة والتعليم وفرص العمل وحرية التعبير وغيرها من الاحتياجات التي تحقق الإشباع المادي والنفسي للإنسان، ويتيح له قدراً من الاستعداد للمشاركة في الحياة العامة داخل وطنه.
– ارتفاع مستوى وعى الجماهير بأبعاد الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها المجتمع، ويكتسب هذا الوعي : إما عن طريق سعى الأفراد لبلوغ هذه القدر المطلوب من المعرفة، أو عن طريق الوسائل المختلفة لتكوين الرأي العام داخل المجتمع مثل المؤسسات الحكومية العاملة في مجال الإعلام والثقافة والتعليم أو المؤسسات غير الحكومية، كالنقابات المهنية والعمالية والجمعيات الخاصة، والاتحادات.. بالإضافة إلى الأحزاب السياسية.
– الشعور بالانتماء للوطن، وإحساس المواطنين بأن مشاركتهم فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع تمثل واجباً تفرضه العضوية فى هذا الوطن.
– الإيمان بجدوى المشاركة : فإحساس المواطن بأهمية المشاركة وفاعلية هذه المشاركة وسرعة استجابة المسئولين، يعمق من شعوره بجدوى مشاركته و مردودها المباشر على تحسين صورة حياته وحياة الآخرين داخل المجتمع.
– وضوح السياسات العامة المعلنة وذلك يتأتى من خلال الإعلام الجيد عن الخطط والأهداف ومدى مواءمتها لاحتياجات المواطنين.
– إيمان القيادة السياسية واقتناعها بأهمية مشاركة الجماهير في صنع وتنفيذ السياسات العامة، وإتاحة الفرصة لدعم هذه المشاركة من خلال ضمان الحرية السياسية وإتاحة المجال أمام الجماهير للتعبير عن آمالهم وطموحاتهم ورأيهم في قضايا مجتمعاتهم ومشكلاته ومناقشة تصريحات المسئولين والقوانين العامة سواء داخل البرلمان أو عبر الصحف وفى الندوات العامة، في ظل مناخ امن ودون تعرضهم لأي مساءلة قانونية .
– وجود التشريعات التي تضمن وتؤكد وتحمى المشاركة، وكذلك الوسائل والأساليب المتنوعة لتقديم وعرض الآراء والأفكار والاقتراحات بوضوح تام وحرية كاملة، ومع توافر الأساليب والوسائل والأدوات التي تساعد على توصيل هذه الأفكار والتي تضمن وصول هذه المشاركات لصانع القرار.
– اللامركزية في الإدارة مما يفسح المجال أمام الجماهير لكي تشارك في إدارة شئون حياتها، ويفتح الباب لكل الجهود والمساهمات التي تقدمها الجماهير.
3- أهمية المشاركة في صنع السياسات العامة .
تعتبر المشاركة السياسية روح العملية السياسية لأي نظام يريد أن يستند إلى القاعدة الشعبية وهي الطريقة الوحيدة لمقاومة وتقليل تحكم الصفوة في الحياة السياسية , كما أنها الأداة الفاعلة لتحقيق الإرادة العامة ومصلحة المجموع وتعد من الأركان الأساسية التي تستند عليها النظم السياسية في تحقيق شرعيتها فكلما اتسعت رقعت المشاركة السياسية كلما كان ذلك أدعى للقبول العام في المجتمع وخاصة إذا تأسس النظام السياسي منذ بدايته على الاختيار الشعبي .
الإنسان النشط المشارك إنسان إيجابي بالطبع ويتسم بوعي وبصيرة وزخم فكري والمشاركة تنمي الإحساس باحترام النفس وتنهض بالوعي السياسي وبالنسبة للقائمين على الحكم فإنها تنبههم إلى ما عليهم من واجبات قبل الوطن والمواطنين وتدفع بالحكام للنظر لمطالب شعوبهم والعمل على إقرار العدل والسلام الاجتماعي والتوافق الطبقي والعرقي إضافة إلى ا قرار عدالة توزيع الدخل القومي ذلك شريطة أن تكون هذه المشاركة قائمة على أساس حق الإنسان الطبيعي في الاختيار وإبداء الرأي دون تدخل من السلطة لإقرار سياسة ما تتعارض مع مصلحة الجماهير بمعنى أن تكون المشاركة بهدف صنع ووضع نظام سياسي من قبل الجماهير صاحبة المصلحة وليس تعبيراً عن إرادة أقلية ذات وضع خاص ومع استحالة توحيد المصالح بين أفراد الشعب في أي مجتمع بمعنى أن تكون هناك اختلافات ولو ضئيلة في القيم والمصالح منطبقة لأخرى أو من عرق لآخر ومن ثم التناقض المصلحي ، وبالتالي فإن الامتثال إلى رأي الأغلبية يكون هو الحل الوحيد الممكن لقبول قرار سياسي أو إقرار واقع جديد .
كما يمكننا تناول أهمية المشاركة السياسية من خلال النقاط الآتية:
– زيادة الثقة في الحكومة
أصبح بناء الثقة بين المواطنين والحكومة صعباً في دول العالم الثالث بعد العديد من فترات مختلفة من الصراع السياسي، كان البعض منها عنيف والآخر مسبب للانشقاقات، ولكن هذه الثقة لا تزال ضرورية للنمو الديمقراطي للبلاد؛ وتعد المشاركة في الحياة العامة إحدى الطرق لإعادة هذه الثقة. فقد أثبتت التجارب حول العالم، مع وجود استثناءات، أن انخراط المواطنين بعضهم مع بعض ومع الحكومة يزيل الخوف جانبا ويعمل على إعادة الثقة. فالمشاركة والحوار المفتوح و التشاورات بشأن احتياجات المجتمع تظهر القاعدة المشتركة بين المواطنين وأعضاء المجتمع نحو تحقيق تلك الأهداف المشتركة.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المشاركة ليست الدواء الشافي لجميع التحديات السياسية في دول العالم الثالث . فالمشاركة تستدعي التزام مدني لاحترام آراء الآخر وأفكاره وإدراك وجهات النظر المختلفة سواء التي عبر عنها المواطنون أو مسؤولو الحكومة أو ممثلون عنهما. ويتطلب ذلك اعتراف أن المصالح المشتركة تتلاقى مع المصالح الشخصية وأن مصالح المجتمع قد لا تتلاقى مع الأجندة الوطنية.
– نجاح عملية التنمية والخدمة الاجتماعية .
إن نجاح عملية التنمية والخدمة الاجتماعية في الشعوب رهين بمدى اشتراكها في مختلف خطوات التنمية, لأن الشعوب هي الأقدر على توصيف مشكلاتها وتحديدها ووضع السياسات والبرامج لمعالجتها بالمشاركة في تنفيذها ومتابعتها وتقويمها, وهذه المشاركة تؤدي إلى ترسيخ قيم التعاون والتكافل في المجتمع من اجل تحقيق الخير العام وتنمية روح المبادرة والاعتماد على الذات وتقليل الاعتماد على المعونات الخارجية.
والمشاركة من المجتمع تؤدي إلى الرقابة على المسئولين مما يقلل من مساحة التلاعب والفساد ويكشف للحكومة نقاط الضعف ويشكل لها صمام أمان من الانحرافات.
– ترسيخ المواطنة
كما تؤدي المشاركة من المجتمع إلى تحقيق أعلى درجات المواطنة حيث تنقل المجتمع من دائرة السكان العاديين أو المواطنين المتفرجين الخاملين إلى دائرة المواطنين المشاركين الفاعلين وهي أعلى درجات المواطنة وكلما ازدادت مساحة المشاركة في المجتمع تنموياً واجتماعياً واتسعت رقعة المؤسسات الأهلية والمدنية كلما قوي المجتمع في مقابل الدولة وقوة المجتمع قوة للدولة لأن قوة الأصل قوة للفرع والدولة مهما بلغت قوتها لا تستطيع القيام بجميع الأعمال والخدمات مما تحتاج معه إلى مساندة المجتمع في الإنفاق الحكومي وهذا بدوره يؤدي إلى المشاركة في القرار السياسي.
4- أدوات تعزيز مشاركة المواطن في صنع السياسة العامة .
– تكوين لجنة المشاركة في صياغة السياسات العامة .
يجب على المواطنين النشطاء تكوين لجنة للمشاركة في صياغة السياسات العامة , إذا كان ذلك ممكنا .ويجب ان تكون اللجنة صغيرة , يتراوح عدد 5-7 أعضاء , يمثلون مختلف فئات المجتمع .بإضافة إلى قيام أعضاء لجنة المشاركة في صياغة السياسات العامة بتمثيل المجتمعهم , يفضل ان يكونوا على دراية تامة بالمسائل التنظيمية و التشريعية و القانونية و السياسية , ولا بد ان تتوفر لدى أعضاء اللجنة الرغبة في تكريس جزء كبير من وقتهم للأمور المتعلقة بالمشاركة في صياغة السياسات العامة بصفة منتظمة , بما في ذلك
– حضور الاجتماعات اللجنة
– وضع اطر المشاركة في صياغة السياسات العامة و مراقبة تنفيذها
– قراءة وثائق و مطبوعات الإستراتيجية و اعتمادها .
كما يجب ان يكون للجنة رئيس مسئول عن تنفيذ أنشطتها و ضمان تحقيق أهدافها .و بالإضافة الى المؤهلات التي يجب توفرها في أعضاء اللجنة من :
– المهارات اللازمة لتكوين فريق العمل و المهارات القيادية
– الفهم التام لبيئة صنع السياسات
– العلاقات المفيدة مع المعنيين مع صناع السياسات
تقوية علاقة الحكومة بالمواطنين .
علاقات الحكومة بالمواطن تعني التفاعلات بين الحكومة و المواطنين في مناخ ديمقراطي , و العلاقات بين الحكومة و المواطنين تشمل نطاقا واسعا من المجالات و النواحي , ابتداء من صنع السياسات إلى تقديم الخدمات العامة و استهلاكها . ولما كانت الحكومات تعمل على مستويات مختلفة : محلية و إقليمية و قومية و دولية .
وتركز الديمقراطية على رضا المواطنين , و حتي يمكن ضمان هذا الرضا فان الديمقراطية النيابية تقدم نفسها على أساس مجموعة من المبادئ و القواعد التقليدية الرسمية , ومثل الانتخابات و الحملات المصاحبة لها . كما تقوم الديمقراطية النيابية أيضا على أساس التفاعلات المستمرة بين الحكومة و الموطنين في فترة ما بين الانتخابات .
إن تقوية علاقات الحكومة بالمواطنين هي في حد ذاتها سياسة وتمثل دعما مفيدا لعملية اتخاذ القرارات الحكومية و للعملية الديمقراطية , وليست بديلا عن مسئولية الحكومة في اتخاذ القرارات . كما أنها ليست بديلا عن المؤسسات الرسمية الموجودة وعن عمليات الديمقراطية – مثل المناقشات البرلمانية و التصويت – بل إنها مكمل شديد الأهمية لكل ذلك , وقد تستخدم كثيرا بهذا المعني .
– إتاحة المعلومات .
تقوم الحكومة من جانبها – و بمبادرة منها – بنشر المعلومات عن صنع السياسات ’ أو تمكين المواطنين من الحصول عليها عند طلبهم إياها . وفي كلتا الحالتين , تتدفق المعلومات أساسا في اتجاه واحد , من الحكومة إلى المواطنين , وفي علاقة ذات اتجاه واحد . و أمثلة ذلك : تسهيل الوصول إلى السجلات العامة , و الجرائد الرسمية و المواقع على شبكة الانترنت .
– التشاور
تقوم الحكومة بطرح الأسئلة و تتلقى ردود المواطنين حول صنع السياسات . و حتي يمكن للحكومة إن تتلقي رد فعل المواطنين , فان عليها أن تحدد من هم الذين تسعي للحصول على أرائهم , وحول أي الموضوعات , و أثناء عملية صنع السياسات .كما أن تلقي ردود أفعال المواطنين يتطلب من الحكومة , و أيضا توفير المعلومات للمواطنين مسبقا .وهكذا فان التشاور يخلق علاقة محدودة ذات اتجاهين بين الحكومة و المواطنين , ومثال ذلك التعليق على مشروعات القوانين , و عمليات المسح لاستطلاع الآراء .
الخاتمة :
إذا كان من الشائع أثناء صنع السياسات العامة , إغفال دور المواطن كمؤثر فاعل في عملية الصنع , وان مشاركة المواطن تبقي محدودة في ممارسة العمل السياسي وفي السياسات العامة , حتي في أكثر الدول الديمقراطية , غير أن هذا لا يعني تغييبا مطلقا لدور المواطن في السياسة العامة , أو عدم اهتمامه بها , ففي ولاية كاليفورنيا الأمريكية وفي دولة سويسرا يشارك الفرد فعليا في التصويت وفي مناقشات السياسة العامة .ويؤخذ رأيه في إجراء التعديلات اللازمة على الدستور , وفي التصويت على مقترحات متعلقة بالضرائب قبل إقرار مبالغها رسميا , كما وان المواطنين خاصة في النظم الديمقراطية وخلال عملية اختيارهم لصناع السياسة العامة عبر الانتخابات , فإنهم بذلك يعززون دورهم الفاعل في تقرير السياسة العامة , وإذ أن اختيارهم لممثليهم في الانتخابات , يعني منحهم التخويل المطلوب للتوجه و اختيار سياسات عامة دون غيرها , و بذلك تكون رغبة المواطنين القاعدة التي يتم من خلالها بلورة و صنع السياسة العامة من قبل صناعها الممثلين عن أولئك المواطنين وعن احتياجاتهم و رغباتهم .