هل تعكس سياسة الصين تجاه الازمة السورية “تحولات إستراتيجية جديدة في المنطقة”؟
اعداد : د.سنية الحسيني –باحثة وأكاديمية فلسطينية، أستاذ محاضر بجامعة القدس
– المركز الديمقراطي العربي
لمحة عن الباحثة :د.سنية الحسيني – باحثة وأكاديمية فلسطينية، أستاذ محاضر بجامعة القدس- أبو ديس، وهي متخصصة بالشؤون الإسلامية وإيران. لها العديد من الأبحاث والدراسات في قضايا عديدة.
إتسم موقف الصين تجاه الازمة السورية الحالية آبان عهد الثورة بالاختلاف عن موقف الولايات المتحدة تجاهها، وهو تباين في المواقف ليس جديد. فطالما تناقضت التوجهات السياسية للصين مع مثيلاتها الامريكية خلال الحقبة الاخيرة، في ظل سياسة خارجية صينية براجماتية تحكمها تقاطعات الايديولوجيا بالمصالح. إلا أن الجديد في موقف الصين تجاه الازمة السورية بأنه تعدى حدود الاختلاف الموقفي المعهود مع سياسات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط ووصل حد التصادم والمواجهة السياسية في سابقة تعد الاولى من نوعها في هذه المنطقة. ويساهم تدخل الصين في واقع توازنات معادلة القوى في الشرق الاوسط إلى جانب كل من روسيا وإيران في مواجهة الولايات المتحدة والدول الغربية، في إحداث تطور جديد على تلك المعادلة، خصوصاً في ظل تصاعد أزمات المنطقة حداً وصل إلى نزاعات مسلحة تعكس واقع تلك التوازنات.
فإستعملت الصين الفيتو أربعة مرات لاحباط صدور قرارات عن مجلس الامن، إثنين منها دعت إلى تنحي الرئيس السوري (بشار الاسد) وثالث طالب بتطبيق الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة على النظام السوري، الذي ينص على فرض عقوبات، والرابع سعي إلى إحالة الملف السوري إلى محكمة الجنايات الدولية. فعارضت الصين أي تدخّل عسكري في سوريا، حتى وإن جاء لمحاربة التنظيمات الإرهابية فيها. جاء ذلك الاستخدام الصيني المتكرر لحق النقض في مجلس الامن، على الرغم من أن الصين تعتبر الدولة التي لم تستخدم هذا الحق إلا نادراً من بين دوله الدائمة الخمس، كما أنها لم تلجأ إلى إستخدامه لتقويض إصدار قرارين مشابهين وجها ضد النظام الليبي في عهد الرئيس السابق (معمر القذافي) خلال فترة الثورة الليبية، رغم إعتراضها على صدورهما. فهل يعد الموقف الصيني المتقدم من الازمة السورية صياغة جديدة لدورها في منطقة الشرق الاوسط، أم أنه مجرد موقف يتعلق بمصالح الصين المباشرة في سوريا؟ تحاول هذه الورقة دراسة توجهات السياسة الخارجية الصينية تجاه سورية، من خلال تحليل محددات هذه السياسة، في محاولة لاستشراف حدود تطور سياسة الصين تجاه الازمة السورية.
تقوم السياسة الخارجية الصينية على عدد من المحددات التي تساعد على إستشراف توجهاتها تجاه قضايا دولية محددة، فتلعب إعتبارات الإيديولوجيا وتحقيق المصالح دوراً رئيسياً في تحديدها في سياسة خارجية توصف عموماً بالبراغماتية. كما أن هناك علاقة وثيقة تربط بين سياسة الصين الخارجية وبين فكرها السياسي القائم على أساس رؤيتها لمكانتها وإيمانها بعقيدتها وإستفادتها من تجربتها التاريخيه. بالاضافة إلى ذلك باتت الصين تتعامل وفق سياسة خارجية تتناسب مع دورها المتصاعد كأحد الاقطاب المؤثرة في المنظومة الكونية.
وتشكل العقيدة الكونفوشيوسية مرتكز رئيس للفكر الصيني ومحدد مهم لهوية الصينية، وتقوم السياسة الخارجية الصينية على أساس عدد من مبادئ تلك العقيدة. فساهم إعتزاز الصينيين بهويتهم، ونظرتهم باستعلاء إلى الآخرين، على أساس أنّ الصين هي مركز الأرض بينما باقي شعوب الارض برابرة حسب المبادئ الكنفوشية، معززين تلك الفكرة بالعامل السكاني الكبير الذي تمتلكه الصين، في إبراز تمايز الشخصية الصينية. فيؤمن الصينيون بأن جميع المذاهب الفكرية والسياسية التي دخلت الصين على مرّ العصور، ذابت في إطار الفكر الصيني، وشكلت رؤى جديدة صينية النكهة. يأتي ذلك منسجماً مع المثل الصيني “البحر يغيّر طعم ألف نهر”، فالصينيون يعتقدون أن البوذية التي دخلت إلى الصين قادمةً من الهند باتت بنكهة صينية تختلف عن الأصل من حيث الطقوس والعادات، تماماً مثلها مثل الدين الإسلامي الذي دخل إلى الصين وبات بثوب صيني، في حين لم تنجح الديانة المسيحية القادمة من أوروبا في أن تجد لها مكاناً في الصين، وحتى المذهب الشيوعي الذي أخذت به الصين نقلاً عن الاتحاد السوفيتي تلون بالطابع الصيني باعتماده على الفلاحين وليس على العمال.
1. تحثّ العقيدة الكونفوشيوسية على التآخي والسلام وفعل الخير الامر الذي يفسر سيادة طابع التعامل بالقوة الناعمة بدلاً من الصلبة في سياسة الصين الخارجية عموماً. كما تعتمد الصين في سياستها الخارجية على المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، التي أقرّها الحزب الشيوعي الصيني منذ نشأة جمهورية الصين الشعبية عام 1949، والتي تتقاطع تقاطع تام مع تلك المبادئ الكنفوشية. فاعتمد الفكر السياسي الصيني منذ قيام جمهورية الصين بقيادة )ماو تسي تونج( بشكل أساسي على الأيدولوجية الشيوعية، التي تركت أثراً واضحاً على سياستها الخارجية. وتتمثل المبادئ الخمسة التي تقوم عليها السياسة الخارجية الصينية على الاحترام المتبادل للسيادة، وسلامة الأراضي، وعدم الاعتداء والتدخل في شؤون الغير، والمساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمي.
فإنتهجت الصين سياسة خارجية محايدة، معترضة على نظام الأحلاف العسكرية وسباق التسلح، وكان من بين أهم أسباب الخلافات بينها وبين الاتحاد السوفيتي ما بين عامي 1961ـ 1976 إعتراضها على سياسته التوسعية. ومنذ إستقلالها وقفت الصين في وجه الإمبريالية الغربية، وساندت نضال الشعوب في كفاحها ضد الاستعمار. فأيدت الصين حركات التحرر في الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، وإعتبرت إسرائيل الأداة الغربية لتمزيق الدول العربية. ومع أنَّ إسرائيل قد سبقت الدول العربية في الاعتراف بالصين وذلك عام 1950، إلا أن الصين أيدت المواقف العربية، وشجبت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. فشكل تأييد الصين للموقف العربي خلال العدوان الثلاثي على مصر بداية التقارب الصيني العربي في العصر الحديث.
ورغم سياسة العزلة التي كانت تعيشها الصين خلال النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، إعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل للشعب الفلسطيني، وعرضت السلاح والمقاتلين لتحرير فلسطين. كما أدانت الصين الاعتداء الإسرائيلي على الدول العربية في حرب عام 1967، وإستهجنت دور الولايات المتحدة في هذه الحرب، وإنتقدت الاتحاد السوفيتي لتخلفه عن مساعدة العرب. في ذلك الوقت تعهدت الصين بتقديم مائة وخمسين ألف طن من القمح وعشرة ملايين دولار بدون شروط للدول العربية، كما عرضت على سوريا تقديم أسلحة نووية لمساعدتها في إستعادة أراضيها المحتلة، وحشدت عشرة آلاف جندي لنصرة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. ودعمت الصين مصر في حرب عام 1973، وصوتت ثمانِ مرات في مجلس الامن لصالح قرارات تدين إسرائيل ما بين عامي1971ـ 1974. وخلال عقد الثمانيات من القرن العشرين دعمت الصين عملية السلام العربية الإسرائيلية، في إطار مساعي الدول العربية وإسرائيل لحلّ الصراع بينهما بالطرق السلمية.
وبعد إنتهاء الحرب الباردة رفضت الصين الهيمنة الدولية المفروضة من القطب الواحد، وأعلنت صراحة رفضها لتدخل الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط. فرغم الانقسام العربي حول حرب الخليج الثانية (1990ـ1991)، عارضت الصين الهجوم العراقي على الكويت ورفضت محاولة الولايات المتحدة حلّ الأزمة العراقية الكويتية بالقوة، وأكدت على ضرورة حلّها وفقاً للقرار العربي المشترك، وهو الموقف الذي توافق مع الموقف السوري في حينه. ورغم تأييد الصين لحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالطرق السلمية، إنسجاماً مع ما جاء به مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، بقيت الصين تدافع عن الحق العربي في إستقلال الجولان وإقامة الدولة الفلسطينية.
وترفض الصين المبدأ الذي تتبناه الولايات المتحدة والدول الغربية والذي يقوم على فرض العقوبات على الدول التي تتعارض مع سياساتها كالعراق وإيران وسوريا وكوريا الشمالية. ففي أواسط التسعينات في القرن الماضي قامت الصين بتزويد سوريا بمائة وخمسين صاروخ أرض ـ أرض مضادة للدبابات، متمردة على قرار الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة على الدول العربية وخاصة سوريا لشراء الأسلحة، وقد ساعد ذلك على تطوير العلاقات العسكرية بين الصين وسوريا. وهو نفس الموقف الذي إتخذته الصين تجاه إيران متحدية قرار العقوبات الاقتصادية عليها. وإتجهت سوريا إلى إقامة علاقات وطيدة مع الصين بعد إتهامها من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية بالدولة الداعمة للإرهاب، حيث حظروا بيع الأسلحة لها في ظلّ علاقاتها مع حزب الله في لبنان. تجسدت تلك المساعي بزيارة الرئيس السوري (بشار الاسد) لأول مرة إلى الصين عام 2004، وعكست تلك الزيارة إتفاق الطرفين الصيني وسوري على رفض الحرب الأمريكية على العراق في إطار حرب الوطلايات المتحدة على الارهاب. فبقي الموقف الصيني من العرب متوازناً، وحافظت الصين على إلتزامها بدعم حقوقهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
وخلال عهد الثورات العربية رفضت الصين التدخل الخارجي لتقويض الانظمة كما حصل في ليبيا وسوريا والضربة العربية الموجهة ضد الحوثيين في اليمن، معتبرة أنَّ التدخل الخارجي في أفغانستان والعراق ومن بعدها ليبيا وسوريا واليمن لتغيير الأنظمة بالقوة ألحق مخاطر ومعاناة بالشعوب. وتنظر الصين إلى الثورات العربية على أنها إضطرابات، ترجع إلى عوامل داخلية إجتماعية وإقتصادية في الاساس وليس لأسباب سياسية. وترفض الصين أي تدخل خارجي في تلك الثورات، معتبرة أنه يعكس التدخل في الشؤون الداخلية للدول. يأتي ذلك الموقف الصيني تأكيداً على حق العرب في تقرير الشكل الديمقراطي الذي ينسابهم وطبيعة التنمية التي يحتاجونها، وليست تلك المفروضة عليهم من الخارج.
وترى الصين أن الثورة السورية تحوّلت إلى نزاع مسلّح بين الدولة ومسلّحين معارضين بعضهم متطرف، فرحبت بجهود حلّ الأزمة السورية بشكل سلمي ضمن إطار مؤتمر جنيف. وكان مؤتمر جنيف الأول قد طرح ضرورة إلتزام الدول المشاركة فيه بسيادة سوريا وإستقلالها ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها، والتحرك السياسي بقيادة الدولة السورية باتجاه الترتيب لعملية إنتقالية تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، والعمل على وضع حدّ للعنف وإنتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن الصين عارضت مؤتمر جنيف الثاني التوجه لعزل إيران عن المشاركة في المؤتمر. كما وافقت الصين على أول قرار أصدره مجلس الأمن بخصوص الأزمة السورية والذي نص على مهام رقابية لتجاوزها وذلك بموجب الفصل السادس من الميثاق. بالاضافة إلى ذلك عارضت الصين إستخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، وسعّت إلى دعم الجهود الأمريكية الروسية للتخلص منها. فشاركت الصين في حماية السفينة الأمريكية التي وجهت لتدمير ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118.
إلا أن الصين لا تثق بنوايا واشنطن الراغبة في إسقاط النظام السوري، وتعتبر التدخل العسكري الغربي في سوريا مقدمة للسيطرة الغربية عليها. يأتي ذلك الموقف الصيني في إطار إتهامها الصريح لواشنطن بالسعي لبسط هيمنتها على سوريا كما تبسطها على معظم مناطق الشرق الاوسط. فإستخدمت الصين الفيتو أربعة مرات لاسقاط مشاريع قرارات تبنتها الولايات المتحدة في مجلس الامن تهدف إلى تقويض النظام السوري، متحججة بأن نصوص تلك المشاريع تتنافى مع مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والذي يعد أحد المبادئ الخمسة الثابتة التي تؤمن بها الصين في تحقيق سياستها الخارجية. كما قاطعت الصين المشاركة في عدد من مؤتمرات أصدقاء سوريا، بعد أن إتهمتها بالسعي لحلّ الأزمة السورية عسكرياً. رفضت الصين كذلك الاشتراك في الحرب على التنظيمات الإرهابية في سوريا والتي أعلنت عنها الولايات المتحدة.
وتتفق كل من الصين وسوريا في عدد من القضايا أهمها إحلال السلام في الشرق الأوسط وفقاً لمبادئ الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، ويرفضا الهيمنة الأمريكية. ويتفق الطرفان على ضرورة عدم ربط الإرهاب بدين أو قومية أو بشعب معين، كما يميز الطرفان بين الإرهاب المدان وبين النضال المشروع للشعوب من أجل الحرية والاستقلال، وكلها مبادئ أيديولوجية أخلاقية سامية. ويقوم دعم الصين لسوريا بناء على معطيات أيديولوجية يقوم الفكر السياسي الصيني على أساسها، بالاضافة إلى إعتبارات أخرى.
2. عكست المعاناة التي عاشتها الصين بسبب التدخل الاستعماري منذ أواسط القرن التاسع عشر وحتى ظهور جمهورية الصين الشعبية، نظرة صينية سلبية إزاء تدخلات الأجانب، وبقي ذلك محدد رئيس من المحددات التي تحكم سياستها الخارجية. فشكلت الحروب الاستعمارية أول إتصال للصينيين مع العالم الغربي، تبعت بحرب الأفيون الأولى ومقايضة البريطانيين الأفيون بالفضة الصينية، والتي إنتهت بمعاهدة مذلّة تفرض على الصين دفع تعويضات وفتح الأسواق وإقامة مستعمرات للبريطانيين. كما يجسد الإحتلال الياباني للصين وما لحقه من تنكيل بالشعب الصيني عام 1894 صفحة من صفحات المعاناة الصينية من التدخل الاجنبي. ويصعب على الصينيين إغفال التأثير السلبي للعقوبات التي فُرضت على بلادهم بقيادة الولايات المتحدة لسنوات طويلة خلال فترة الحرب الباردة، كأحد فصول المعاناة التي لحقت بالشعب الصيني.
بقيت الصين تشكك في نوايا الطرف الآخر خصوصاً الغربي منها، فظل مفهوم الامن القومي الصيني مركزاً على حماية الحدود. وترفض الصين أية تدخلات خارجية في سياستها، وتتحسس لأي تحركات عسكرية ضمن محيطها الاستراتيجي. وفضل الصينيون الدخول في سياسة من العزلّة التامّة عن العالم لقرون طويلة مضت كنتيجة مباشرة لمعاناتهم من التدخل الاجنبي، وكأحد الاستراتيجيات التي تبنتها الدولة الصينية في تعاملاتها الخارجية. ولم تتردد الصين في العودة إلى تلك الاستراتيجية خلال العصر الحديث، فانتهجت إستراتيجية خارجية تقوم على العزلة بعد قيامها بالثورة الثقافية الكبرى ما بين عامي 1966ـ 1976، وذلك عملاً بنظرية أطلق عليها “سور الصين العظيم”، الامر الذي يفسر تقوقعها داخل حدودها وامتناعها عن لعب أي دور حيوي خارج تلك الحدود. فقلصت الصين حجم التمثيل الدبلوماسي مع دول العالم، ومالت إلى سياسة النأي بالنفس وعدم الانخراط في الشؤون العالمية. ورغم تراجعها عن سياسة العزلة وتبنيها سياسة خارجية منفتحة على العالم بعد إنتهاء الثورة الثقافية، بقي الهاجس من خطر التدخل الغربي حاضراً في رؤيتها الخارجية. فلم تنجح الصين في التخلص من التهديدات الخارجية لأمنها وإستقرارها خصوصاً من قبل الولايات المتحدة.
وتنبهت الولايات المتحدة لخطر الصعود الصيني منذ نشأه الجمهورية الصينية عام 1949، فدعمت تايوان للإنفصال عن الصين، كما ساندت عسكرياً كل من اليابان والهند، بما إعتبرته الصين موجه ضدها لتحجيم دورها الإقليمي والعالمي. وفي فترة الحرب الباردة رغم تلاقي أهداف الطرفين الامريكي والصيني، في السعي للحد من النفوذ السوفيتي في آسيا، لم تتخل الولايات الولايات المتحدة عن قلقها من الصعود الصيني، فعانت الصين من الاثار السلبية للعقوبات الامريكية التي فرضت عليها.
توسعت حدة الصراع بين الدولتين الامريكية والصينية بعد إنتهاء الحرب الباردة، بعد إعتقاد الولايات المتحدة بأن الصعود الصيني بات يهدد مصالحها الحيوية وأمنها القومي. يأتي ذلك في ظل رفض الصين هيمنة القطب الواحد ودعوتها لقيام عالم متوازن متعدد الأقطاب. فسعت الولايات المتحدة الأمريكية للتواجد عسكرياً في آسيا وفي مناطق تمثل مجالاً حيوياً للصين، وذلك بهدف تطويق الصين وردعها وتحقق توازناً إقليمياً في آسيا. واعتبرت الصين أن تمدد الناتو شرقاً وعملياته العسكرية في كسوفو والانتشار الصاروخي الدفاعي الامريكي في مناطق عديدة من العالم، وتقوية التحالف الامني الامريكي الياباني، وتصاعد مبيعات الاسلحة الامريكية لتايوان، يشكل تهديداً مباشراً لامنها.
ووصلت العلاقات الامريكية الصينية لذروة سلبيتها عندما أرسلت الولايات المتحدة إثنين من حاملات الطائرات إلى منطقة تايوان، فتقابل الطرفان لأول مرة منذ حرب فيتنام في مواجهات عسكرية مباشرة وذلك عام 1996. ورغم المساعي لتطوير العلاقات إيجابياً بين الطرفين، بقى التشكك وعدم الثقة بالنوايا حاكماً للعلاقة بينهما. فرغم تحسن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة بعد زيارة الرئيس الصيني (زيانج زيمين) للولايات المتحدة عام 1997، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصين، وباعت مقاتلات إف ستة عشر لتايوان في العام التالي. وعكست تفاعلات حادثة إسقاط الصين لطائرة التجسسّ الامريكية عام 2001 تعقيدات تلك العلاقة.
بعد توجه إدارة الرئيس (بوش) الابن لكسب الصين إلى جانب التحالف الدولي في الحرب على الارهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث عكست زيارات الرئيس (بوش) إلى الصين خلال عامي 2001 و2002 ذلك التوجه، تعاونت الصين مع الولايات المتحدة في حربها على الارهاب. ورغم ذلك التعاون لم ينه الصراع بين الدولتين، خصوصاً مع تصاعد مكانة الصين كقطب عالمي مؤثر ومنافس للولايات المتحدة، ولم تخف الولايات المتحدة قلقها من ذلك الصعود الصيني، فقامت بإعادة تمركز قواعدها العسكرية في مناطق آسيوية قريبة من الحدود الصينية، في حين عارضت الصين إقامة نظام الدفاع الصاروخي الامريكي في مناطق نفوذها، وبقي جوهر الصراع على حاله.
تزامن عهد الثورات العربية مع إعلان الولايات المتحدة عن تمركز إستراتيجيتها الخارجية خلال القرن الحادي والعشرين على الاستثمار الدبلوماسي والاقتصادي في منطقة المحيط الهادئ بما يعتبر تهديداً مباشر للصين في منطقة نفوذها. فدعا الرئيس (باراك أوباما) عام 2012 الولايات المتحدة لمراجعة منظومتها الدفاعية المتركزة في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ. وإعتبرت الصين أن المناورات العسكرية الأمريكية المشتركة مع اليابان وكوريا الجنوبية تشكل تهديداً يهدف إلى تطوقها أمنياً، كما لم تخف الصين قلقها من بيع الولايات المتحدة أسلحة لتايوان في صفقة قيمتها ستة مليارات دولار. وساهم وضع الدرع الصاروخي للناتو في تركيا في تزايد ضرورة تدخل الصين ضمن معادلات منطقة الشرق الاوسط، في ظل الدور التركي الصاعد فيها، وحساسية العلاقات التركية الصينية، بسبب الامتداد الديموغرافي التركي داخل الصين في إقليم سينكيانج المسلم، حيث يوجد في الصين حوالي خمسة وعشرين مليون مسلم.
وتخشى الصين من وصول صدى الثورات العربية إلى أراضيها وكذلك من سيطرة الأحزاب الدينية في دول الشرق الأوسط، خوفاً من أن يشكل ذلك إمتداداً لحراك عدد من الحركات الانفصالية في الصين والتي تطالب بالانفصال على رأسها المسلمين. ويحارب بعض أفراد من الأقليات الصينية المسلحة الموجودة في الصين إلى جانب المعارضة في سوريا، ومنهم متشددين صينيين من قومية الأغور تلقوا تدريباً على يدّ مسلحي الدولة الإسلامية في العراق والشام لتنفيذ أعمال إرهابية في الداخل الصيني. وتعتقد الصين أن إستقبال الولايات المتحدة (الدلاي لاما) زعيم الأقلية البوذية عام 2011 يعتبر بمثابة تشجيع للجماعات الانفصالية، بما لا ينفصل عن توجّهها للمصالحة مع الإسلام السياسي، وشكلاً من أشكال التدخل في سياستها الداخلية. وتعتبر الصين أن إنتقادات الولايات المتحدة لها بزيادة إنفاقها العسكري، ومطالبتها برفع أسعار عملتها وبإصلاحات داخلية، وإتهامها بانتهاك حقوق الاقليات وحقوق الانسان والحريات العامة، تدخل في شؤونها الداخلية.
وتعتبر الصين أن محاولات الولايات المتحدة لزعزعة إستقرار المنطقة العربية يأتي لسدّ الطريق أمام إمدادات النفط التي تصّل إليها، خصوصاً وأن ذلك جاء بعد تراجع إهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط وسعيها للخروج منها، بعد إكتشاف كميات هائلة من النفط في كندا والبرازيل وتطوير العديد من التقنيات لاستخدام الطاقة البديلة والطاقة الكامنة في باطن الأرض كبديل مستقبلي للنفط. في حين تعتقد الصين أنَ التعاون الاقتصادي يحتاج إلى توفر الأمن والسلم في العالم الامر الذي يفسر مساعيها للتهدئة وحلّ الإشكاليات الدوليّة بطرق دبلوماسية من خلال إستراتيجية تقوم على أساس علاقة صفر مشاكل مع العالم الخارجي. فسعت الصين للمحافظة على علاقتها التجارية مع الحكومات الجديدة في الدول التي إجتاحتها الثورات الشعبية. و تخشى الصين من أن يؤدي سقوط النظام السوري إلى صعود نظام جديد يكون أقرب إلى الغرب، فتفقد الصين حليفاً مهماً لها في منطقة الشرق الاوسط. كما أن التدخل الغربي في سوريا لتقويض نظامها أو حتى لمحاربة التنظيمات الارهابية فيها من شأنه أن يؤدي إلى رفع أسعار النفط في المنطقة أو يعيق وصوله بأسعار معقولة. كما أن أي تدخل غربي في سوريا من شأنه أن يمتد ليصل إلى العراق التي تشكّل مورد نفطي مهم للصّين.
شكلت التطورات الدولية خصوصاً تلك الحاصلة في الشرق الاوسط، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما لحقها بعد إنطلاق حقبة الثورات العربية إلى فرض التدخل الصيني في معادلة الصراع في تلك المنطقة، خصوصاً وأن إنهيار تلك المنطقة أمنياً بات يشكل خطورة محتملة على الامن القومي الصيني مباشرة، وليس فقط على مصالحها الاقتصادية. ولا تخرج تلك التحولات الامنية الخطيرة في الشرق الاوسط عن التدخلات والترتيبات الامريكية فيها والتي تعد منطقة لنفوذها منذ ما يقرب من قرن من الزمان. ولا تستطيع الصين أن تفصل تلك الاوضاع الامنية المتدهورة في منطقة الشرق الاوسط، عن إعلان الولايات المتحدة بتحويل مناطق إهتمامها إلى مناطق النفوذ الصيني المباشرة في أسيا والمحيط الهادئ.
3. تعد المرونة السياسية لتحقيق المصالح ركيزة من ركائز الفكر السياسي الصيني، والتي تظهر في العديد من الروايات الصينية التقليدية. فشبه (لاو تزي) الفيلسوف الصيني ومؤسس الديانة الطاوية في كتابه التاو المرونة السياسية بحركة التنين المتناسق. ويرى العديد من المحللين أنَّ جذور البراجماتية السياسية جاءت من الصين. ويُطلق مصطلح الدولة البراغماتية على الدولة التي تنتهج سياسة خارجية تضع المصلحة الوطنية أساساً لعملها، دون إلتزام بتوجه أو سلوك معين، ودون الاعتبار لمبادئ أو مثل محدده كحقوق الإنسان أو مصلحة الدول الأخرى. ورغم ذلك التناقض بين مبادئ الدعوة للتآخي والسلام وفعل الخير وبين البراجماتية السياسية إستطاعت الصين الموازنة بينها في سياستها الخارجية في تناغم غريب عكس الطبيعة المميزة للهوية الصينية. فتعتمد السياسة الخارجية الصينية إستراتيجية التغيير بهدف تحقيق مصالحها دون وضع إعتبار لتحالف معين أو مبدأ محدد، الامر الذي يسمح لها بتبديل تحالفاتها بسهولة، وبمعارضة السلوك السياسي لدولة معينة من جهة وبإقامة علاقات إقتصادية معها من جهة أخرى.
ويمكن تتبع مسار الاستراتيجية المتغيرة للسياسة الخارجية الصينية، فبعد نشأتها إنتقلت الصين في سياستها الخارجية من الاعتماد على الاتحاد السوفيتي كشريك استراتيجي، إلى الاعتماد على النفس من أجل إعادة البناء ومتطلبات النهضة، وذلك خلال عهد الثورة الثقافية في إطار عهد من العزلة التامّة عن المجتمع الدولي. وبعد عام 1975 إنتقلت السياسة الخارجية الصينية من إسترتيجية العزلة إلى الانفتاح مع دول العالم خصوصاً النفطية منها، بعد توجهها نحو التطور الاقتصادي والتصنيع. بعد إنتهاء الحرب الباردة باتت الصين تبحث عن دور ونفوذ سياسي، ينسجم مع مكانتها الاقتصادية التي نجحت في تحقيقها. وبعد دخول الالفية الجديدة إعتمدت الصين سياسة تتناسب مع مكانتها الدولية الجديدة، بعد أن باتت أحد الاقطاب العالمية على خريطة السياسة الدولية، فالانخراط في القضايا الدولية، وقاومت هيمنة القطب الواحد، ودافعت بقوة عن مناطق نفوذها.
ولا تتواني الصين عن تبديل تحالفاتها تحقيقاً لمصالحها، فبعد أن وصلت علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي إلى تحالف متين بعد إنتصار الثورة الشيوعية في الصين، تخلت الصين عن ذلك التحالف إثر تباينات أيديولوجية ومشاكل حدودية ما بين عامي 1959ـ 1966، ثم عادت وطورت الصين علاقاتها إيجابياً مع روسيا بعد إنتهاء الحرب الباردة. فحلت مشكلة الحدود بشكل نهائي بين البلدين، ووقع البلدان إتفاقية أمنية مشتركة، وأعيد العمل بتبادل الزيارات على أعلى مستوى. وأيدت الصين السياسة الروسـية في الشيشـان، ودعمت روسيا وحـدة الصيـن وحقها في اسـترجاع تايوان، وناهضت المطالب الانفصـالية في إقليم التبت. وأسس البلدان مـنظمة شنغهاي، الامر الذي عكس توافقهما حول الاهداف في المنطقة الاسيوية.
وتعارض الصين السلوك السياسي لدولة معينة صراحة من جهة، وتحتفظ بعلاقات سياسية وإقتصادية وحتى عسكرية معها من جهة أخرى. فرغم سيطرة حالة من الشك وعدم الثقة على العلاقات الصينية الأمريكية، خصوصاً بسبب توطيد العلاقات العسكرية الأمريكية مع تايون منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، إستمرت الزيارات المتبادلة بين البلدين، وإستأنف التعاون العسكري، وشهد التعاون الاقتصادي وحجم التبادل التجاري تطوراً متصاعداً. فلم تعاكس الصين سياسات الولايات المتحدة أو عملت على التصادم معها، ويرجع ذلك لتقاطع المصالح الإستراتيجية الصينية بين البلدين.
وتتجسد براغماتية السياسة الخارجية الصينية في تناقض مواقفها تجاه قضايا بعينها. فرفضت الصين توجيه الاتهامات الأمريكية للعرب والمسلمين على أنهّم أطراف في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كما رفضت أي تدخّل عسكري أمريكي في المناطق التي وصفتها الولايات المتحدة بأنها معقل للارهابيين، دون تقديم أدلة على ذلك. في حين تعاونت الصين مع واشنطن في الحرب على الارهاب، فدعمت جميع قرارات الامم المتحدة ضد الارهاب، وأصدرت منظمة شنغهاي التي تعتبر الصين أحد أعضائها قرار يدعو إلى مقاومته، شبيه بذلك الذي صدر عن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. كما ساهمت الصين في إستهداف تمويل الانشطة “الارهابية”، وتبادلت مع واشنطن المعلومات المخابراتية لصالح ذلك الهدف.
ورغم معارضة الصين لحرب الولايات المتحدة على العراق، إعترفت بنتائج الحرب وساهمت في مشاريع إعادة إعمار العراق. كما إستجابت الصين للضغوط الغربية بخصوص إيران، وبعد أن كانت شريكها النووي الرئيس، قللت إعتمادها على النفط الايراني لصالح زيادة واردتها من نفط دول الخليج. كما إستفادت الصين من عروض تكنولوجية إسرائيلية في إطار صفقات متبادلة بينها وبين إسرائيل، مقابل تعهد صيني بالحدّ من بيع السلاح إلى الدولة السورية وإيران، ورغم ذلك لم تفقد الصين علاقاتها بهذين البلدين. ورغم مواقفها المؤيدة للحق الفلسطيني والعربي في الاراضي المحتلة عام 1967، رفضت الصين الاعتراف بحكومة حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2007، أو إعتبار القدس عاصمة الدولة الفلسطينية في مؤتمر التعاون العربي الصيني عام 2010. ويتناقض موقف الصين المؤيد للوجود الامريكي والعمليات العسكرية في أفغانستان مع موقفها المعارض للتدخل الاجنبي في ليبيا وسوريا واليمن آبان حقبة الثورات العربية، ومع دعواتها عموماً بعدم التدخل في سياسات الدول الخارجية.
4. عبرت الصين صراحة عن الهدف الرئيس لسياستها الخارجية والممتد حتى أواسط القرن الحادي والعشرين، بالسعي لتحقيق القوة والازدهار للبلاد والرفاهية للشعب الصيني، خصوصاً وأن الصين ترى نفسها دولة في طور النمو. فدخلت الصين إلى مرحلة الانفتاح الاقتصادي متجهة نحو التصنيع، بعد دعوة الرئيس (دنغ شياو بينغ) عام 1978 للتوجه نحو الإصلاح الإقتصادي بهدف تدارك التخلف الذي لحق بالصين خلال عهد الثورة الثقافية. ويقوم أساس مصالح الصين على توفير سبل تطوير إقتصادها، وضمان علاقات سياسية ودبلوماسية مع دول العالم لتحقيق ذلك. فاهتمت الصين بتوفير موطئ قدم وجني تحالفات في المناطق ذات الطبيعة الاستراتيجية. ويعد العامل الجيوسياسي من بين أهم المتغيرات المتحكمة في سياسة الصين الخارجية، إذ لم يفقد ذلك المتغير أهميته لدى الصين. فرغم أن إزالة الحدود التقليدية بين الجغرافيا الاقتصادية والجغرافيا السياسية قد برز بوضوح مطلع القرن الحادي والعشرين، إلا أن الصين تعتبر من الدول السباقة التي وصلت إلى تلك النتيجة مبكراً منذ خمسينيات القرن الماضي، ومن الملاحظ أن أهمية العامل الجيوسياسي تطور طردياً مع تصاعد مكانة الصين عالمياً.
بعد التوجه نحو تطوير الإقتصاد في منتصف عقد السبعينيات، تبوأت القضايا الاقتصادية مقدمة قضايا سياستها الخارجية، فشرعت الصين في تطوير رؤيتها لامنها القومي لاشباع مصالحها خارج حدودها. فأعادت علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع دول العالم، وسعت للحصول على الموارد النفطية بعد أن أصبح إنتاجها من النفط لا يغطي حاجتها وتصريف إنتاجها. وبرز الاهتمام الصيني بأمن الطاقة، كأحد مرتكزات أمنها القومي الذي يضمن إستمرار دوران عجلة إقتصادها. وإهتمت الصين بتطوير علاقاتها مع منطقة الخليج العربي وآسيا الوسطى وإفريقيا لضمان تنوع مصادرها النفطية. فجاء إهتمام الصين بمنطقة الشرق الاوسط إنطلاقاً من أهميتها كأهم مصدر من مصادر الطاقة في العالم، ناهيك عن كونها أحد أهم الاسواق الاستهلاكية للمنتجات الصينية.
وتعتبر الصين منطقة الشرق الأوسط عامة وسوريا خاصة منطقة ذات أهمية إقتصادية وإستراتيجية وأمنية لها. ويعود تاريخ العلاقات الصينية السورية إلى مئات السنين، فهي نقطة إلتقاء لثلاث قارات عبر عدد من الممرات البرّية والبحرية والجوية. وشكلت سوريا الطريق التجاري الذي ربط بلاد الصين ببلاد العرب والذي عُرف بطريق الحرير قديماً. وخلال العصر الحديث إهتمت الصين بسوريا منذ نشأة جمهورية الصين الشعبية منتصف القرن الماضي. فشكلت سوريا النقطة الأضعف للنفوذ الغربي في منطقة الشرق الاوسط، وخط الدفاع الأول عن مصالح الصين في آسيا الوسطى والقوقاز، والجسر الموصل للبترول من روسيا الاتحادية إلى الصين، وبلد العبور لمعظم النفط العراقي ما بين عامي 1934ـ1982 والكثير من النفط السعودي ما بين عامي 1973ـ1982. كما تعتبر سوريا الرابط الأساسي للبحار الخمسة وفقاً للنظرية الاقتصادية للرئيس السوري (بشار الأسد)، المتوافقة مع مطامع الصين المستقبلية في بناء حزام إقتصادي مبني على مفهوم طريق حرير جديد.
إهتمت الصين بمد نفوذها السياسي إلى سوريا عبر إقامة علاقات مبكرة معها، فوقع الطرفان على إتفاقية دفع التجارة عام 1955، قبل قيام أية علاقات دبلوماسية بينهما. وما بين العقد الخامس والسادس من القرن الماضي، وقعت الصين مع سوريا حوالي ستة عشر إتفاقية ومعاهدة. كما دعمت الصين صمود سوريا في التصدي للأسطول السابع الذي أرسلته تركيا لتهديدها بتحريض أمريكي. وعلى الرغم من إضطراب العلاقات الصينية السوفيتية منذ بداية النصف الاول من العقد السادس في القرن الماضي، وتحالف عدد من الدول العربية مع الاتحاد السوفيتي على رأسها مصر وسوريا، حرصت الصين على إستمرار تواصلها السياسي مع سوريا، فإرتبطت معها بمجموعة من الاتفاقيات منها إتفاقية لزيادة التعاون التجاري جرى توقيعها عام 1963، وأخرى للتعاون الثقافي عام 1965 شكلت أول تعاون ثقافي بين الدولتين.
وتطورت العلاقات بين البلدين بعد توجه النظام المصري للتحالف مع الغرب خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي، وخصوصاً بعد توقيع مصر على معاهدة كامب ديفيد في نهايته، بعد أن باتت سوريا نقطة التوازن الوحيدة في منطقة الشرق الاوسط في وجه السيطرة الغربية. وساهم تلاقي سياسة الطرفين في دعم إيران، طوال فترة حرب الخليج الأولى (العراقية ـ الإيرانية) والتي إمتدت ما بين عامي 1980ـ 1988، في صقل تلك العلاقات الايجابية. فوقعت الصين مع سوريا عام 1982 إتفاق تجاري طويل الأجل حلّ محل إتفاقية عام 1963. كما قدمت الصين لسوريا عام 1985 مساعدة عسكرية وصفقات شراء أسلحة، كما أرسلت مفاعلات نووية لأغراض سلمية، ودربت الخبراء السوريين على كيفية إستخدامها، وساعدت الحكومة السورية لبناء مصانع لإنتاج الصواريخ في مدينتي حلب وحماة.
وشهد العقد التاسع من القرن الماضي إهتمام كبير من قبل السياسة الخارجية الصينية بالدولة السورية. فوقعت الصين مع سوريا العديد من الاتفاقيات منها إتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات المتبادلة، والإتفاق على تقديم قرض بقيمة مائة مليون يوان لمدة عشر سنوات، لاستخدامه في تمويل مشاريع بترولية ومعامل إنتاج الغزل في مدينة حماة السورية عام 1996. كما قدمت الحكومة الصينية عدة منح لسوريا بقيمة عشرين مليون يوان على شكل هبات لا ترد خلال عام 1999. ووقعت الصين وسوريا إتفاقية بقيمة أربعة وخمسين مليون دولار في بداية الألفية الثانية. وشهد التبادل التجاري بين البلدين تطوراً ملحوظاً خلال تلك الفترة، فإرتفع حجم التبادل من سبعين مليون دولار أمريكي عام 1989 إلى مائة وخمسين مليون دولار أمريكي في عام 2000.
بعد إنضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، وما ترتبت على ذلك من حدوث لقفزتها الاقتصادية الثانية، في ظل الأزمة المالية التي واجهت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، تصاعدت حدة المنافسة الصينية للدول الصناعية الأخرى، خصوصاً بعد الاقرار الغربي بمكانة الصين. فسعت الصين إلى ترسيخ نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، مراعاة لمصالحها النفطية وسوق منتجاتها الصناعية. وإلتقت أهداف السياسة الخارجية السورية، مع المساعي الصينية الهادفة إلى زيادة نشاطها الاقتصادي في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، بعد طرح الرئيس (بشار الاسد) عام 2002 إستراتيجية تسعى لتحويل سوريا إلى قاعدة لنقل الغاز، ومنطقة تجارة حرّة تصل بين الشرق والغرب، عبر ربط البحار الخمسة (البحر المتوسط، بحر قزوين، البحر الأحمر، البحر الأسود والخليج العربي) من خلال سوريا. وبينما لم تتحمس الولايات المتحدة والدول الغربية، رأت الصين في إستراتيجية الرئيس (الاسد) مشروعاً لاحياء طريق الحرير، يمكن أن يساهم في بناء منطقة جديدة للتنمية الاقتصادية في غرب الصين، تكون بمثابة جسر يربط آسيا والمحيط الهادئ شرقاً مع المنطقة العربية في الوسط ومناطق أوروبية أخرى غرباً، وتشكل بذلك أطول ممرّ إقتصادي رئيسي في العالم، ونمطاً جديداً للانفتاح الصيني. وخلال تلك الفترة وقع الطرفان الصيني والسوري على إتفاقات للتعاون في مجالات النفط والغاز والزراعة والصحة والعلوم الطبية والسياحة والتعليم والثقافة والموسيقى والمسرح ما بين عامي 2004 و2005. كما منحت الصين قروض ميسرة لسوريا. وفتحت سوريا المجال أمام الشركات الصينية للاستثمار في مجال النفط والإسمنت. كما تمَّ إنشاء مدينة صناعية في سوريا بمساعدة صينية. وقفز حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى تسعمائة مليون دولار أمريكي عام 2005.
وجاء إهتمام الصين بتداعيات الثورات العربية إنطلاقاً من تأثيراتها السلبية على مصالحها الاقتصادية، خصوصاً وأن الدول العربية تشكل سادس أكبر شريك إقتصادي للصين من خلال إتفاقات ثنائية، وتمثل دول الخليج حوالي 70٪ من تلك الشراكة، وعلى رأسها السعودية. وبالاضافة إلى أهمية سوريا الاستراتيجية بالنسبة للصين، تخشى الصين أن يؤثر سقوط النظام السوري الحالي على مكانة إيران الاقليمية كحليف إستراتيجي لسوريا. وتحتل إيران المرتبة الرابعة في الاستثمارات الصينية، فإرتفع عدد الشركات الصينية العاملة في إيران من مائة شركة عام 2010 إلى مائة وسته وستين شركة عام 2011، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين إثنين وخمسين مليار دولار عام 2014، الأمر الذي يعني أنَّ الشركات الصينية إستثمرت الانسحاب الغربي من السوق الإيرانية لصالحها. وتشكل إيران مورد نفطي هاماً للصين، كما تعد شريكاً شرساً في رفض الهيمنة الأمريكية.
وبدأت العلاقات الرسمية بين الصين وإيران رسمياً عام 1917، وبرز التعاون العسكري الواضح خلال الحرب العراقية الايرانية، حيث زودت الصين إيران بالسلاح الذي كانت بحاجة إليه خلال تلك الحرب في حين رفض الغرب ذلك. ويقوم أساس سياسة الصين تجاه منطقة الخليج ومنها إيران على مبدأ تم إرساؤه في عام 1973، حيث صدقت الصين على مقترح إيران بان الشؤون الامنية للخليج ينبغي معالجتها من قبل دول المنطقة وليس من قبل القوى الكبرى. ورغم تغير الظروف السياسية بعد ذلك بقي هذا المبدأ ركيزة أساسية تحكم توجهات السياسة الصينية تجاه إيران. ووفر ذلك المبدأ قاعدة للصين لمعارضة أي تدخل عسكري أمريكي في الخليج بعد قيام الثورة الاسلامية في إيران، كما شكل أساساً لدعم الصين لإيران خلال سنوات مواجهتها مع الولايات المتحدة بحجة برنامجها النووي. ويرتبط ذلك المبدأ برؤية كل من الطرف الصيني والايراني لعصر ما بعد الهيمنة الامريكية الذي يعتقد أن تلعب به الدول غير الغربية أدوار بارزة. فبقى مبدأ التعاون ثابت بين الطرفين والموجه ضد الخصم الاستراتيجي الامريكي في إطار سعي الطرفين لتحصيل القوة والنفوذ.
فرغم رفض الصين المعلن لامتلاك إيران للسلاح النووي، إلتزمت بالدفاع عن الملف النووي الايراني في مجلس الامن والمنظمات الدولية مشددة على سلميته، ونجحت أكثر من مرة في الحيلولة دون إحالته إلى مجلس الامن، وإبقائه في حدود الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لكن دون أن تضطر لإستخدام حقها بالنقض في مجلس الامن في سبيل ذلك. فتتمسك الصين بحل للملف النووي الايراني عبر المفاوضات، وترفض التصعيد العسكري أو عقوبات مرتفعة السقف ضد إيران.
كما تراعي الصين في تدخلها في الأزمة السورية، علاقتها الوطيدة مع روسيا، فالبلدان يشتركان في حدود يصل طولها إلى نحو 3500 كيلومتر. ويتفق الطرفان حول العديد من المبادئ الاستراتيجية الحاكمة لعلاقاتهما الدولية على رأسها رفض الهيمنة الأمريكية كقطب أوحد في العالم والتشكّيك بنوايا الولايات المتحدة، وتكريس مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كما تعدّ الصين شريك تجاري رئيس لروسيا، فوصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى سبعين مليار دولار عام 2010، مع توقعات وصوله إلى مائة مليار دولار عام 2015، وتضاعفه عام 2020. كما تجمع الدولتان أُطرّ تنظيمية موّحدة، حيث يشارك الطرفان في منظمة شنغهاي ومنظمة الآسيان، إضافةً إلى كونهما عضوان في اللجنة السداسية الخاصة بالملف الكوري، ودول البركس ومجلس الأمن.
وتقلق روسيا من خطط تمدد قوات الناتو ونشر ترسانة ردعها الصاروخي على مصالحها الاقليمية والدولية، تماماً كما تقلق تلك التحركات الصين. وتسوق روسيا حجة سعي حلف الناتو لتطويق الحضارات السلافية التي تنتمي إليها روسيا والكنفوشيوسية التي تنمي إليها الصين والهندوسية التي تنتمي إليها الهند بالاضافة إلى الحضارة العربية والاسلامية، وذلك لبناء تحالف رادع لتوسعاته في تلك المنطقة. فاهتمت روسيا بعد صعود (بوتين) إلى حكمها مطلع الالفية الجديدة بعمل تحالفات إستراتيجية مع القوى الاسيوية الكبرى على رأسها الصين والهند واليابان وكوريا الشمالية وإيران، كما دعت إلى تكوين مثلث إستراتيجي يضم بالاضافة إليها كل من الصين والهند، لمواجهة الهيمنة الامريكية.
وتقوم روسيا بمحاولات لاستعادة نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري في منطقة الشرق الاوسط، ومزاحمة الولايات المتحدة تدريجيا. فبدأت في التفاعل السياسي النشط في المنطقة، وسعت للانضمام الى منظمة المؤتمر الاسلامي، وتحالفت مع الدول المعارضة لسياسة الولايات المتحدة كسوريا وإيران، وإقتربت من دول حليفة للولايات المتحدة كمصر. كما أعادت روسيا تواجدها العسكري في سوريا وإيران وليبيا، والمياة الدولية والاقليمية القريبة بتحريك أسطولها البحري في تلك المنطقة. ونجحت روسيا في فتح أسواق جديدة في الشرق الاوسط للاسلحة والبضائع الروسية باسعار تنافسية خصوصا مع السعودية وإيران وسوريا وحتى مع إسرائيل. ووقفت روسيا إلى جانب النظام السوري في حربه ضد التنظيمات الإرهابية، من أجل تأمين مصالحها في ميناء طرطوس السوري. وتقاربت العلاقات الروسية الصينية في أعقاب الازمة الروسية ـ الجورجية الاخيرة، بعد أن حولت روسيا تجارتها في مجال الطاقة إلى الشرق وتحديداً باتجاه الصين، عقاباً لدول الغربية، وقدرت الصين جدية الموقف الروسي في مواجهة التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة.
رغم تجاذب العلاقات الصينية السورية خلال ستة عقود ما بين المد والجزر، لم تقدم الصين على خسارة علاقاتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية مع سوريا حتى في وقت الازمات. فلعبت الصين في الغالب دور الحليف المتعاون والمساند للدولة السورية. ومن الملاحظ أنه كلما تصاعدت مكانة الصين الدولية، كلما تصاعد إهتمام الصين بسوريا كنقطة إرتكاز لها في المنطقة. وبعد الثورات العربية أضحت الصين في حاجة ملحة لاخذ زمام المبادرة لتشكيل نمط سياسي ودبلوماسي جديد يكفل الانتقال من الاستجابة الدبلوماسية السلبية وسياسة الانتظار في الشرق الوسط إلى إستجابة أكثر إيجابية. فرغبة الصين في الاحتفاظ بعلاقتها التجارية مع الحكومات الجديدة في الدول التي تجتاحها تلك الثورات لا تكفي لضمان مصالحها في تلك المنطقة.
5. تعتبر الصين قطب صاعد بين أقطاب عالمية متعددة، إلا أنها حققت تمايزاً واضحاً خلال عدد محدود من العقود. وتمثل الصين ثالث أكبر دول العالم مساحةً، وأكثرها تعداداً للسكان. ويتوقع أنَّ يتجاوز ناتجها المحلي الإجمالي نظيره الأمريكي في عام 2021. كما أن لدى الصين مكانة سياسية متميزة لامتلاكها حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن كواحدة من بين خمس دول في العالم فقط تمتلك هذا الحق. بالاضافة إلى ذلك جعلت القدرات العسكرية المميزة للصين من جيشها ثالث أقوى جيوش دول العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا، كما تمتلك السلاح النووي منذ ستينات القرن الماضي.
بعد صعوده إلى الحكم إعتبر (جورج بوش) الابن الرئيس الامريكي السابق الصين منافساً دولياً محتملاً، رافضاً الاستفادة من توصيات الإدارة السابقة والتابعة للرئيس (بيل كلينتون) وإعتبارها شريك إستراتيجي. وإعتبرت الصين أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ما هي إلا مساعي أمريكية لتكريس مسار النظام الاحادي القطبية، بتعديلها مفهوم الأمن القومي لتكريس هيمنتها في مناطق العالم والشرق الأوسط. فاتبعت الصين إستراتيجية خارجية تتناسب مع دورها ومكانتها المتصاعدة، لمواجهة الاستراتيجية الامريكية بعد أحداث سبتمبر. ويمكن تحديد بعض معالم الاستراتيجية التي سلكتها السياسة الخارجية الصينية بعد أحداث سبتمبر، والتي تتطابق مع إجراءات حددها (شين باي) أستاذ علم الإجتماع بجامعة بكين في كتابة “الصين ستقود العالم” أهمها:
-ـ السعي للسيطرة على النفط الآسيوي والتوسع في النشاط الإقتصادي.
ـ العمل على إنشاء تكتلات سياسية حول الصين، تشكل الصين محورها.
ـ التحرك العسكري الصيني في أنحاء العالم، خصوصاً في الممرات المائية الهامة، والسعي للسيطرة على بعضها.
ـ تقوية التواجد الصيني في منطقة الشرق الأوسط عبر استراتيجية منظمة وطويلة الأمد.
ـ تقديم السلاح والتدريب الصيني لدول منطقة الشرق الاوسط.
ـ إظهار الاثار السلبية لسياسة الولايات المتحدة الخارجية.
فتزايد إهتمام الصين بالقضايا الدولية، كمكافحة الارهاب ومنع إنتشار السلاح النووي والجريمة الدولية والتدهور البيئي والدفئ الكوني وتأمين الطاقة وحفظ السلام الدولي والصحة العامة وإستقرار النظام المالي الدولي. وإنضمت الصين إلى عدد من المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية في عام 2001، وشاركت في تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون، وإستضافت الألعاب الأولمبية. كما عينت الصين مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط، وطرحت رؤية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، رفضتها إسرائيل. وطورت الصين علاقاتها الاقليمية الاسيوية والعربية، وركزت على زيادة مشاريعها ومعوناتها الموجهة للدول الحليفة، كما إهتمت بالدفاع عن العدالة وحقوق الشعوب في المحافل الدولية، في مواجهة المواقف الأمريكية المنتهكة لتلك المبادئ والحقوق.
ولعبت القدرة العسكرية الصينية دوراً مؤثراً في سياسة الصين الخارجية، وبرز ذلك الدور في ردع الولايات المتـحدة من التدخـل في الحالة الـتايوانية، وساهم التسلح العسكري الصيني في منع تايوان من إتخاذ أي سياسات إنفصالية. وبعد أن كان الوجود العسكري الامني الصيني معدوم في منطقة الشرق الاوسط، بدأت الصين في خلق تواجد أمني لها فيها، فقامت بتمويل بناء قاعدة بحرية في ميناء غوادر الباكستاني المطل على بحر العرب القريب من مدخل الخليج العربي ومضيق هرمز، لاستخدامه في مراقبة وتأمين الملاحة خاصة الواردات النفطية. كما أعلنت الصين نهاية عام 2009 عن نيتها اقامة قاعدة بحرية في خليج عدن لحماية سفنها من القرصنة الصومالية. وأرسلت الصين مدمرات حربية إلى الخليج العربي في أكبر وجود بحري صيني في المنطقة. وفي سياق تطوير الصين لانتشار قوتها البحرية، تمكنت لاول مرة من إرسال أساطيلها بعيداً لحماية خطوط النفط المستورد من أفريقيا ومنطقة الخليج. كما نجحت الصين في زيادة التعاون العسكري ومبيعات السلاح لتونس وقطر والكويت وعمان والاردن وسوريا والامارات ومصر والسعودية.
لم يتغير واقع علاقة الصراع بين الطرفين الامريكي والصين عندما أعلنت الولايات المتحدة عن تمركز إستراتيجيتها الخارجية خلال القرن الحادي والعشرين على الاستثمار الدبلوماسي والاقتصادي في إطار منطقة النفوذ الصيني خلال السنوات الاخيرة، وتماديها بدعم تايوان وإنتقاداتها لسياسات داخلية صينية، تتعلق باتهاكات حقوق الانسان. إلا أن موقع الصين على الخريطة السياسية الدولية وتوجهات سياستها الخارجية هو الذي تغير. فمنذ مطلع الالفية الجديدة، باتت الصين من بين أهم الاقطاب العالمية الصاعدة، كما باتت سياستها الخارجية أكثر تحدياً وصلابة في الدفاع عن مصالحها كدولة قطبية في هذا العالم المتغير. ويعتبر موقف الصين تجاه الازمة السورية الحالية إنعكاساً لرؤيتها لمكانتها المتصاعدة في المنظومة الدولية، وترجمة لواقع باتت فيه الصين أحد أطراف المعادلة السياسية في منطقة الشرق الاوسط. فتعدى ذلك الموقف حدود الاختلاف الموقفي المعهود مع سياسات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط ووصل حد التصادم والمواجهة السياسية في سابقة تعد الاولى من نوعها في هذه المنطقة.
طالما دعمت الصين الدولة السورية إنطلاقاً من تحقيق مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية، وطالما إمتلكت الصين المبرر الايديولوجي الذي تؤمن به لاضفاء الشرعية على مواقفها الداعمة والمساندة لسوريا. إلا أنه بعد أن باتت الصين منافس رئيس للولايات المتحدة في العالم وليس في منطقة الشرق الاوسط فقط، كما أصبحت الولايات المتحدة تتجه صراحة للتصدي للنفوذ الصيني حتى في مناطق نفوذها، في ظل تشكيك الصين بنوايا الغرب نتيجة تجربتها التاريخية، من الممكن إعتبار أن الجبهة السورية تشكل اليوم نقطة توازن هامة للنظام الصيني في منطقة الشرق الاوسط لا يمكن للصين التخلي عنها بسهولة.
الخاتمة:
تطورت السياسة الخارجية الصينية تجاه سوريا إعتماداً على محددي المصلحة والايديولوجيا، وهما محددين أصيلين في الفكر السياسي الصيني. فما بين أهمية سوريا الاستراتيجية والامنية والاقتصادية للصين، وما بين دعم الصين لسوريا على أساس تحقيق العدالة وإرجاع الحقوق والدفاع عن المظلوم، إستطاعت الصين أن ترسم سياستها الخارجية تجاه سوريا بانسجام تام ما بين تحقيق مصالحها والدفاع عن المبادئ التي تؤمن بها. إلا أن الدعم الصيني لسوريا خلال هذه الحقبة يستند بالاضافة إلى إعتبارات المصلحة والايديولوجيا إلى إعتبار حفظ الصين لنفوذها في معادلة توازن قوى منطقة الشرق الاوسط، في ظل كونها باتت أحد الأقطاب الرئيسية لهذا الكون. فتطور السياسة الخارجية الصينية تجاه سوريا جاء موازياً لتصاعد مكانة وقوة الصين.