مقالات

لماذا أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر الآن؟

بقلم : بيتر فان بورن

السعوديون يحتجزون النمر منذ عام 2012 وحكموا عليه بالإعدام في عام 2014. كان رجل الدين من أصحاب الأصوات العالية في انتقاد الأسرة الحاكمة في السعودية منذ سنوات وذهب إلى حد التهديد بانفصال الشيعة في موطن هذه الأقلية في شرق البلاد عام 2009.

وأثار إعدام النمر يوم السبت مع 46 آخرين أغلبهم من أعضاء تنظيم القاعدة أزمة مع إيران. وأشعل محتجون في طهران النار في السفارة السعودية وهددت الحكومة الإيرانية “بعقاب إلهي” ضد المملكة. وقطعت الرياض العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع طهران وقدم حلفاء السعودية البحرين والسودان والإمارات العربية المتحدة احتجاجات دبلوماسية.

وفي حين أن هناك عوامل خارجية وراء قرار إعدام النمر الآن لا سيما الصراع السعودي الإيراني الأوسع نطاقا على النفوذ فتلك العوامل ثانوية. فقد كان إعدامه إشارة من الملك الجديد سلمان إلى أنصاره وخصومه في الداخل.

والمذهب الشيعي – مذهب الأقلية في السعودية ومختلف دول العالم الإسلامي وإن كان مذهب الأغلبية في إيران – في حركة دائبة وأكثر ما يتضح ذلك في العراق. ففي أعقاب الغزو الأمريكي عام 2003 تحول العراق من نظام علماني شن حربا على إيران إلى النظام الشيعي الذي أصبح يرحب الآن في بغداد صراحة بالنفوذ الإيراني.

وقد أصبحت الولايات المتحدة أكثر شركاء السعودية ثباتا ميالة لتصرفات شاردة فدخلت بسذاجة العراق عام 2003 مطالبة بتغييرات في النظام هنا وهناك وأصبحت واقعيا شريكة للإيرانيين في مواجهة الدولة الإسلامية في العراق.

وتشهد أسعار النفط تراجعا. وأصبحت أمريكا أكثر استقلالا فيما يتعلق بالطاقة مما كانت عليه قبل عقد من الزمان. وهي تتحرك ببطء صوب علاقة دبلوماسية جديدة مع إيران الأمر الذي كان سببا في تفكك الرباط الذي كان يجعل العلاقة الأمريكية السعودية متماسكة. ويؤيد كثير من السعوديين الساخطين تنظيم الدولة الإسلامية الذي أقسم على إسقاط آل سعود.

وتأتي هذه العناصر المزعزعة للاستقرار في وقت تواجه فيه أسرة آل سعود مشاكل فيما يتعلق بتوارث الحكم. ويبدو أن الزعيم الحالي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود سيكون على الأرجح آخر من يشغل هذا الموقع من أبناء مؤسس الدولة ابن سعود. وعين سلمان ابن أخيه وليا للعهد وابنه هو وليا لولي العهد وهو الأمر الذي سيأتي بجيل جديد تماما إلى السلطة.

وهكذا فإن إعدام النمر يرسل إشارات متعددة داخل المملكة. أبرزها رسالة للجميع عن الحزم في التصرف مقترنة بتأكيد للإيرانيين أن سلمان مسيطر سيطرة تامة على الأمور وقادر على مواصلة الحرب المفتوحة في اليمن.

كذلك فإن إعدامه يعمل أيضا على تهدئة الوهابيين الذي يحتاج إليهم سلمان في صفه ويمنح الحكومة ذريعة جديدة لتضييق الخناق على المعارضة الشيعية. وتشير التقديرات إلى أن الشيعة يمثلون بين عشرة و15 في المئة من سكان السعودية. والخطر حقيقي – فقد أصبح النمر شهيدا له مكانة دولية وربما تثبت الأحداث أن خطورته أكبر في مماته منها في حياته.

وبصرف النظر عن النمر فإن إعدام 43 من أعضاء تنظيم القاعدة (وقد تم إعدام ثلاثة آخرين من الشيعة) ربما كان رسالة للشباب السني الساخط العائد من الجهاد أن الملك لن يتهاون مع دعم القاعدة والدولة الإسلامية في الداخل. وتخشى الملكية السعودية قيام ثورة إسلامية من الداخل أكثر مما تخشي أي تهديد عسكري خارجي.

وقد وصفت الحكومة السعودية جريمة النمر باستخدام ألفاظ تخصص في العادة لوصف جماعات جهادية مثل القاعدة والدولة الإسلامية ومنها الفتنة. وفي منطقة تهتم اهتماما خاصا بالرمزية يعد إعدام النمر بوصفه إرهابيا مثالا جليا على رؤية السلطات السعودية لرجل يرى فيه كثيرون من الشيعة داخل المملكة مناضلا من أجل الحرية.

وفي حال عدم وصول الرسالة إلى أحد ما أضافت الحكومة السعودية إهانة أخيرة فرفضت إعادة جثمان النمر إلى عائلته ودفنته مع أعضاء تنظيم القاعدة الذين أعدموا.

ويجيء إحراق السفارة السعودية في طهران مفيدا في كل ذلك رغم استبعاد كونه متوقعا. لكن هل من وسيلة أفضل لصرف الأنظار عن الحرب في اليمن من مثال آخر على انطلاق الإيرانيين من عقالهم والخطر الذي يمثله الشيعة.

كذلك فلا يضر الاستراتيجية السعودية فيما يخص الولايات المتحدة أن تتعرض سفارة للهجوم مرة أخرى في قلب طهران. فقد طرأ وضع خارجي لشغل السعوديين العاديين – الذين أغضبتهم زيادة بنسبة 40 في المئة في أسعار البنزين نجمت عن عجز في الموازنة بلغ 107 مليارات دولار.

وبالنسبة لسلمان فإن ما يتكشف في إيران ليس أزمة بل فرصة محتملة. وربما تخرج الأمور رغم ذلك عن سيطرة الملك. لكن في الوقت الراهن يبدو أن سلمان تقدم بضع خطوات في نسخة حقيقية من “لعبة العروش”.

لمحة عن الكاتب:بيتر فان بورن الذي عمل في وزارة الخارجية الأمريكية 24 عاما هو مؤلف كتاب “كان مقصدنا نبيلا: كيف ساعدت أنا في خسارة معركة الفوز بقلوب الشعب العراقي وعقوله” الذي بحث فيه في أسباب ضياع جهد إعادة الإعمار في العراق وسوء إدارته.رويترز

 

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى