الشرق الأوسطعاجل

الاصلاحات الحكومية والسياسات العامة في العراق

اعداد : علي حسين سفيح – باحث بالشأن السياسي

ان جوهر السياسة العامة التي ترسمها وتنفذها الحكومة هي حل لمشكلات المجتمع وتلبيةً لمتطلباته وتنظيم حياته, اي انها استجابة حكومية لحل الازمات والمشكلات التي تواجه المجتمع او الدولة, سواء كانت أمنية أو اقتصادية أو سياسية وغيرها,اذ تتمثل هذه الاستجابة بتشريع عدد من القوانين او اصدار قرارات حكومية او مراسيم جمهورية او تبني برنامج حكومي جديد يوضح من خلاله نية الحكومة وقدرتها على حل المشكلات في المجتمع,وهذا ما يميزها “السياسة العامة” بالتنوع والشمول والتغلغل في كافة جوانب الحياة بالمجتمع وليس الجانب السياسي فقط, وإن عملية رسم السياسة العامة تختلف من دولة إلى أخرى, وهذا الاختلاف ناتج عن اختلاف الأنظمة السياسية التي تحكم هذه الدول .

وبقدر تعلق الامر بالعراق اذ اشار الدستور العراقي الدائم لسنة 2005, الى الأسس التي من خلالها تتم عملية رسم وتنفيذ السياسة العامة في العراق,وبالتحديد رئيس مجلس الوزراء الذي يعّد المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة, وذلك وفقاً لنص المادة (78) من الدستور, ويمارس صلاحيته الدستورية في تخطيط وتنفيذ هذه السياسة والخطط العامة والأشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة, وفقاً للمادة (80/إولاً) من الدستور .

في ظل التحديات والمشكلات التي عصفت بالبلاد خصوصا في ظل الحكومة الحالية والتي تمثلت بـ” تدهور الوضع الامني والاقتصادي وبروز ظاهرة الفساد والترهل في الجهاز الحكومي ” والتي احرجت صانع القرار السياسي على حل اغلبها, والقت هذه التحديات بظلالها على الشعب العراقي بكافة اطيافه ومكوناته, لذا فقد عبر رئيس وزراء العراق (حيدر العبادي) عن تبني سياسات عامة جديدة من خلال عدد من حزم الاصلاحات كونه المسؤول التنفيذي دستوريا عن رسم السياسة العامة للبلاد,الا انها لم تكن بالمستوى المطلوب ولم تلبي احتياجات الشعب .

وكما ذكرنا اعلاه بان احدى مظاهر او مخرجات السياسات العامة هي طرح برنامج حكومي يعبر من خلاله رئيس الحكومة على ما سيفعله مستقبلا, وهذا ما طرحه السيد العبادي في حزم الاصلاحات السابقة كـ(إجراءات الترشيق في المناصب العليا، وإلغاء عدد من الوزارات ودمج أخرى، وتقليص أعداد الحمايات، وتخفيض رواتب المسؤولين في الدرجات العليا بنسب كبيرة، وإخضاع عقارات الدولة المشغولة من قبل الكوادر العليا والوظيفية إلى الضوابط المعتمدة قانونياً(. الا أن اغلب هذه الاصلاحات لم تتحقق .
وما زال رئيس الحكومة السيد (حيدر العبادي) يسعى الى التغلب على المشكلات التي تواجه البلاد اقتصاديا وسياسيا وامنيا, ولم يكتفي بالإصلاحات السابقة التي كانت مخيبة للآمال , اذ طرح العبادي خطوط عريضةللإصلاحاتالجديدة بتاريخ 9/2/2016, والكل مترقب لتنفيذ وتطبيق هذه الاصلاحات التي تعبر عن رؤية المسؤول عن رسم السياسات العامة “رئيس الوزراء” ومن بين هذه الاصلاحات هي كالاتي :
1- الاصلاحات السياسية : من خلال كيفية اختيار السادة الوزراء في الحكومة الحالية على أساس اختيار الكتل السياسية في مجلس النواب كما ينص الدستور على ذلك وضمن التمثيل السياسي وحجم الكتل السياسية في مجلس النواب، وقد اقرها البرلمان على هذا الاساس، غير انني “العبادي” ومن منطلق المسؤولية والمصلحة العليا، ومن مستلزمات المرحلة لقيادة البلد الى بر الامان ادعو الى تغيير وزاري جوهري، ليضم شخصيّات مهنية وتكنوقراط وأكاديميين، وأدعو في هذا الاطار مجلس النواب الموقر وجميع الكتل السياسية للتعاون معنا في هذه المرحلة الخطيرة, لقد انتهينا “العبادي” تواً من وضع معايير مهنية نموذجية لاختيار الكوادر المتقدمة لرئاسات الهيئات المستقلة، ووكلاء الوزارات، والمستشارين، والمدراء العامين، وستصبح هذه المواقع متاحة وبشكل مباشر لكل من يمتلك الكفاءة ويجد في نفسه المقدرة على تحمل مسؤولياتها .

2- الاصلاحات الاقتصادية : من خلال وضع إطار رؤية واضحة للبناء الاقتصادي والتنمويّ وتم الاتفاق مع عدد من الدول برفد العراق بالمستشارين والخبراء والمهنيين والمتخصصين، ليكونوا الى جانب المستشارين والخبراء العراقيين من اجل تقديم رؤية شاملة باتجاه تنويع الانشطة الاقتصادية واستثمار مواردنا البشرية والطبيعية بشكل صحيح ومتوازن وسليم, وكذلك الإصلاح الضريبي والكمركيّ، فقد حددت الحكومة التزامات مهمة على المؤسسات المعنية، ليس لزيادة الإيرادات غير النفطية فحسب، بل لمحاربة الفساد والفاسدين، وتوفير الحماية والتشجيع للمنتجات الصناعية والزراعية, فضلا عن حصول الحكومة على اتفاق مع البنك المركزي العراقي على إقراض المشاريع الصناعية والزراعية والسكنية، وكذلك المشاريع الصغيرة والحرفية وخصوصا شريحة الشباب والذين يحتاجون الى دعم خاص لإيجاد فرص عمل لهم .

3- مكافحة الفساد :تطرق السيد العبادي الى مباشرة مجلس مكافحة الفساد في العمل وتبنيه قرارات مهمة لمعالجة ضعف الاداء خلال المرحلة الماضية، والكشف عن مفاصل الفساد في جميع مرافق الدولة، ولابد لنا “العبادي” من الاستعانة بالخبراء والاستشاريين واساتذة الجامعات لتقويم إدارة الدولة وتحسين ادائها ضمن منظومة الاصلاح الشامل (الاصلاح الاداري والاصلاح المالي والاصلاح الاقتصادي).

وبعد ان استعرضنا الخطوط العريضة للإصلاحات التي قدمها السيد العبادي والتي تعد بمثابة السياسات العامة التي تكون استجابة حكومية للمشكلات والتحديات التي واجهت البلاد واضرت بالعباد, ونحن لا نعول على نجاح هذه السياسات ولا نحكم على فشلها الان, الا بعد الاعلان عنها رسميا و بشكل مفصل, ومدى استجابة شركاء العملية السياسية وتناغمهم وتفاعلهم معها او الوقوف ضدها داخل قبة البرلمان, ومدى قناعة الشارع العراقي بها ومطالبته بالإصلاحات والتغيير في الكابينة الوزارية, جميع هذه المتغيرات لا نستطيع تحديد اتجاهاتها الان , لأننا بانتظار مخرجات السياسات العامة العراقية ” الاصلاحات الحكومية ” ونأمل أن تكون بالمستوى المطلوب وتحقيق أغلب أهدافها .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى