اصلاحات الصدر ومسار التغيير السياسي في العراق
أعداد : د. حسن سعد عبد الحميد
العراق \ بغداد \ جامعة النهرين \ كلية العلوم السياسية
يكاد يتفق العراقيين على وجود اشكالات عديدة ونقاط ضعف حقيقية يعاني منها بنية النظام السياسي العراقي والمسار السياسي المتبع فيه على اختلاف طرق تشخيص هذا الضعف وطرق معالجته . وأثر الاتفاق على وجود تلك الاشكالات انطلقت حركة الاحتجاجات العراقية المطالبة بالاصلاح بالتزامن مع معطيات الأزمة المالية التي شهدها العراق آبان تراجع اسعار النفط وضياع المليارات التي توفرت للعراق جراء الطفرة التي شهدتها اسعار النفط في الاعوام السابقة ، وكانت الشرارة الأولى التظاهر للمطالبة بتحسين الخدمات من (كهرباء ، ماء ، صحة) تلك الخدمات التي كفلها الدستور العراقي بتوفيرها للمواطن العراقي . وعلى الرغم من أن حجم المظاهرات كانت كبيرة إلاَ أنها لم تجد استجابة حقيقية من قبل الحكومة العراقية باتخاذ قرارات حاسمة تلبي احتياجات المواطنين ، ومن هنا تحولت المظاهرات العراقية من مطلب توفير الخدمات إلى تحقيق الاصلاح السياسي وتوفرت للحكومة العراقية فرصة تاريخية لتحقيق الاصلاح بعد تفويض الشعب والمرجعية والبرلمان للعبادي بالتحرك لأجل الاصلاح ، إلاَ أن مشاريع الاصلاح التي قدمها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لم تكن ذا أثر ملموس ولم يرى المواطن العراقي أي نتيجة لها على أرض الواقع ، وأصبحت عبارات الاصلاح في خطب العبادي مجرد حبر على ورق ، هذا الأمر دفع بنخبة المجتمع العراقي بأصدار ورقة اصلاح سياسي والمتمثلة بورقة اصلاح ( مقتدى الصدر ) صاحب الشعبية الكبيرة في العراق ، حيث قدم ورقته الاصلاحية للحكومة هي الأولى من نوعها على مسرح الحدث السياسي العراقي والتي بدأت بكتلته السياسية ( الاحرار ) بأعلان البرائة من المفسدين منهم ورفع عنهم غطاء التأييد السياسي فاسحاً المجال للحكومة بأتخاذ تدابير جريئة بحق كل مفسد ، في ظل ضعف الأداء القضائي العراقي بهذا المجال .
هذه الخطوة اكسبت التظاهرات العراقية زخماً معنوياً هاماً في الاستمرار بالتظاهرات ونقلها إلى مستوى آخر من ساحة التحرير إلى المنطقة الخضراء ، في ظل تهديد السيد الصدر بالدخول للمنطقة الخضراء المعقل الأمن للمفسدين ، وتقديمهم للمحاكم ما لم تتوفر الجدية الصادقة من قبل الحكومة لتشكيل حكومة تكنوقراط تؤمن بالوطن كل الوطن قافزة للحواجز الطائفية شرط أن لا تكون من الوجوه المألوفة منذُ عام (2003م) .
أن ما يميز ورقة السيد (مقتدى الصدر) الاصلاحية بمساراتها السياسية والأمنية والاقتصادية والقضائية انها:-
- شكلت لجنة تحت مسمى (لجنة الاصلاحات) والتي مثلت ضربة قاصمة للمحاصصة الطائفية ، فأعضاء هذه اللجنة من الاختصاصيون الاكاديميون البعيدون عن المحاصصة ، وهي بذلك توجه رسالة للعبادي بضرورة تشكيل حكومة مهنية من الاكاديميين الاختصاص .
- جاءت هذه الخطوة بالتزامن مع اعتزال المرجعية الدينية عن القاء الخطب السياسية بعد يأسها من الحكومة العراقية في مكافحة الفساد وتقديم الخدمات تاركة للموطن العراقي الحرية في اتباع خيار التغيير .
- تنازلت هذه الورقة عن كافة المناصب السياسية لكتلة الاحرار من أجل الخروج بنتائج ايجابية لخدمة العراق ، وهي دلالة واضحة نحو تجاوز المحاصصة وتحقيق مصلحة الجماهير .
- أن هذه الورقة جاءت استجابة لرغبات العراقيين ، وهي مؤشر ايجابي يوازي بين القول والفعل ، وجاءت بلغة واضحة يفهمها العامة والخاصة وحاسمة وأبرز عناوينها ( الشفافية ، تشكيل حكومة تكنوقراط ، تقديم المفسدين للمحاكمة ، مبدأ المواطنة في التعامل مع أبناء الشعب ، التداول السلمي للسلطة ، أسقاط المحاصصة السياسية ) .
- أن هذه الورقة الاصلاحية أكثر جدية وشمولية من مشاريع الاصلاح السياسية السابقة ، حيث منحت العبادي مدة (45) يوماً لتقديم برنامج حكومي سليم يصغي لصوت الشعب العراقي أو سحب الثقة منه.
- أن هذه الورقة حددت بما لا يدعو للشك أن مشكلة العراق في من تولى السلطة وأكتنز الأموال له ولحزبه ولعائلته وسرقة أموال الشعب ، والذين تخلوا عن مهامهم الوطنية ومسؤولياتهم الحكومية.
أن المواطن العراقي اليوم قد عرف صديقه من عدوه وعرف النزيه من الفاسد في ظل الردود التي صدرت من اقطاب الحركة السياسية في العراق أزاء اصلاحات الصدر ، وقد عرف أن صوته الثمين لم يحترمه الساسة الذين قدموا مصالحهم اولاً ، ومعرفة مصير ورقة الاصلاحات السياسية هذه متروك للايام القادمة وما ستؤول اليه الاحداث .