دور الدين في العلاقات الدولية “المنظور الحضاري نموذجاً”
إعداد الباحث : د. محمد عز الدين مصطفى حمدان
-المركز الديمقراطي العربي
المقدمة:
يعتبر موضوع العلاقة بين الدين والعلاقات الدولية من أهم الموضوعات التي تطرح على الساحة الفكرية والثقافية، إذ يكتفي النظر على حجم الكتابات المتعلقة بجدلية الدين والعلاقات الدولية حتى تظهر مدى أهمية توضيح هذه العلاقة، ومن خلال التتبع لوجود الدين في العلاقات الدولية يتضح بأنه لا توجد حضارة في التاريخ بلا دين وقيم وتقاليد، ويتضح أيضاً بأن الدين انتقل من مساحات التغييب والتجاهل في نظريات العلاقات الدولية إلى اعتباره متغير رئيسي في تفسير العلاقات الدولية، وفي هذا الإطار تسعى هذا الورقة البحثية إلى إلقاء الضوء على دور الدين في المنظور الحضاري، بالتطرق لبدايات المنظور الحضاري وماهيته، والمنظور الحضاري بين الفكر العربي والفكر الغربي، والافتراضات الأساسية لهذا المنظور، وأين يقع الدين في المنظور الحضاري، أخيراً اشكاليات مفاهيم الدين في المنظور الحضاري.
أولاً: بدايات المنظور الحضاري.
عاد الدين ليحتل مكانته في دراسة العلاقات الدولية حتى قبل انهيار الاتحاد السوفيتي وإنتهاء الحرب الباردة، حيث برزت العديد من الدلائل على تعاظم دور الدين في العلاقات الدولية برغم سيطرة المدرسة الواقعية والسلوكية ومنها، الثورة الإسلامية الإيرانية 1978-1979م، والحرب الأهلية بين الاسلاميين والشيوعيين في أفغانستان في بداية عام 1978م، وحرب الخليج الثانية 1990-1991م التي اعتبرها الكثير من المسلمين شكلاً معاصراً من الحروب الصليبية، والحروب الأهلية التي حدثت في أوروبا ويوغوسلافيا السابقة، وبين البوسنة والهرسك، والكروات والصرب، وكوسوفو وصربيا، وكذلك بروز دور الكنيسة سياسياً، مثل الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا والكنيسة الكاثوليكية في بولندا، وكذلك تعدد الجماعات والتيارات الدينية العابرة للقوميات.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، برزت فيها الأصولية المسيحية وتعاظم الدور السياسي للأصوليين المسيحيين، فالكنيسة الأنجليكانية لها 70 مليون تابع وبدونها ما كان يمكن للمحافظين الجدد وعلى رأسهم جورج بوش الأبن الوصول للحكم، من خلال تحالف سياسي اجتماعي حكم الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في الفترة الأولى لإدارة جورج بوش الابن.
وقد تزايد تأثير الدين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، واتبعت سياسات خارجية أكثر تأثيراً بالاعتبارات الدينية، وبدأ مواطنو الولايات المتحدة الأمريكية يضغطون بشكل مباشر لإدخال الدين في العلاقات الدولية بعد هذه الأحداث مباشرة، وبالتالي فإن تأثير الدين في العلاقات الدولية صار أكثر وضوحاً نظراً لأن الدولة الأعظم في العالم أضحى الدين يلعب دوراً محورياً في التأثير على سياساتها[1].
وفي نفس الوقت زاد تأثير الأصولية اليهودية التي أضحت تؤثر على صياغة السياسة الخارجية الاسرائيلية، وعلى توجهات الدولة العبرية نحو السلام بصورة غير مسبوقة، وإزداد أدوار جماعات إسلامية تصنف بأنها أصولية، مثل حركة حماس وحزب الله اللبناني وتنظيم القاعدة، وإذا أضيف إلى ذلك التكوين الطائفي الديني والذي انعكس على التشكيلة الحكومية في العراق وأفغانستان وباكستان واسرائيل والحالة الايرانية، وتأثير ذلك على السياسات الخارجية لتلك الدول[2].
وبعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي لم يعد الصراع بين الدول القومية، بل أصبح هناك نمطاً جديداً من الصراعات الإثنية والطائفية والدينية تتم في الغالب بين فواعل من غير الدول، وذلك على مستوى أدنى من مستوى الدولة الوطنية، مثل حركة حماس وحزب الله، أو على مستوى أعلى من الدولة، مثل الكنيسة الكاثوليكية وجماعة الإخوان المسلمين، وفي الدول الغربية المسيحية نجد أن سفير الفاتيكان هو عميد السلك الدبلوماسي “السفير العميد”، وهذا له دلالة رمزية حيث يعني هذا أنه أصبح لاعباً دولياً مهماً جداً عابراً للحدود الوطنية، ويوثر بقوة على حركة العلاقات الدولية[3].
ومن ثم تحول الصراع الأيدلوجي بين الشرق والغرب إلى صراع دون وطني على أساس ديني عرقي أثني، يتركز في نقاط الاتصال بين الجماعات الدينية والعرقية المختلفة القائمة في العالم، حيث الأهمية السياسية للدين عادت لتحتل موقعاً هاماً في التفاعلات السياسية العالمية منذ أواخر القرن العشرين مدعومة في ذلك بعمليات العولمة وما صاحبها من تطورات في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
فقد ارتبط تحليل البعد الديني في مرحلة من مراحل تطور العلاقات الدولية بدراسة وتحليل القيم، حيث أشار عدد من الباحثين والمحللين إلى أن فكرة القيم في العلاقات الدولية في الأدبيات الغربية تنازعتها مدرستان:
الأولى: ترى أنه من العبث التمسك بقيم في عالم السياسة الدولية الذي لا يعرف إلا المصلحة، وأن تمسك دولة بالأخلاق يعني استسلامها في موقف ما للطرف الآخر الذي لن يتبع نفس قواعد السلوك، وفي هذا الإطار يعتقد مورجنثو أن الأخلاق ضرورية في العلاقات الدولية ولكنه يناهض المبرر الأخلاقي للسياسة الدولية وهو ما يسميه بأيدلوجية الأخلاق، أي أن المبادئ الأخلاقية تخفي وراءها المصالح الخاصة، كما يدين الإطلاقية الأخلاقية ويسميها بالنزعة العاطفية لأنها تغطي طبيعة السياسي وتركز فقط على القيمة الأخلاقية على حساب القيم الأخرى.
أما المدرسة الثانية: ترى أن الحديث عن القيم لا يعني تجاهل الواقع، بل ترشيده حتى لا ينغمس العاملون في المجال السياسي في الحسابات البرجماتية الوقتية، وينتمي إلى هذه المدرسة عدد من الباحثين الغربيين الذين يوضحون أهمية دور القيم في التفاعلات الدولية، ومن بينهم ستانلي هوفمان الذي رأى أن مسألة القيم في السلوك الخارجي تكمن أهميتها في حجم الواجبات والحقوق أو المسئولية التي تقع على الفرد، وناي وشلزنجر طرحا قضية العلاقة بين الأخلاق والجماعة الدولية، ويريان أنه من الخطورة قياس الأخلاق الدولية على الأخلاق الفردية، وأيضاً آرنست هاس الذي رأى أن الدول لن تتصرف كأفراد وقياس السلوك الدولي على السلوك الفردي ليس مجدياً ولكن هذا لا يعني أن نطرح مسألة الأخلاق جانباً.
في مجمل ما سبق، فإن الدين يؤدي وظائف مهمة وحيوية في العملية السياسية من خلال توظيفه في التعبئة السياسية، وكونه مصدراً من مصادر الشرعية السياسية ودوره في تبرير الخصاب السياسي والاجتماعي، واستخدامه كأداة في التغيرات السياسية الواسعة النطاق، وتحقيق التوازن السياسي بين الجماعات المختلفة واستخدام الدين كإطار أيديلوجي واداة لبعث الحيوية السياسية والاجتماعية للشعوب في إطار مناهضة التحلل والتفكك والفساد والانهيار، كما تزايدت عمليات توظيف الدين ورموزه وتفسيراته وتأويلاته في العلاقات الدولية، لاسيما النزاعات حول الهوية والمصالح والحدود وفي بناء التحالفات الدولية، كذلك لا يمكن القول إنه ليس للبعد الديني أثر في العلاقات الدولية رغم أنها تعتمد على المصالح والصراعات التي لا تأخذ بالبعد الديني، وما يمكننا قوله هو إن للدين دوراً بسيطاً وهامشياً مع أنه قد يكون رئيسياً في بعض تفسيرات وتوجهات العلاقات الدوية وذلك لأن دور الدين يختلف من فترة إلى أخرى ولكنه ليس بمعدوم وإن كان أثره ضعيف.
ثانياً: ماهية المنظور الحضاري.
المنظور الحضاري هو مفهوم غامض غير محدد المعالم وذلك لندرة التعريفات التي قدمت له ولعدم دقتها، فتتسم الفكرة الاساسية للباحثين بشأن المنظور الحضاري بأنها فكرة تحمل العديد من الدلالات ومنها، أنه محاولة لإنهاء احتكار الغرب لانتاج العلم وبناء المناهج، ولكسر الحلقة المغلقة وإسقاط النظريات والمناهج والقوانين والتعميمات التابعة للمدارس الغربية في العلوم الاجتماعية والانسانية، ولفتح المجال أما الباحثين العرب والمسلمين لانتاج العلم عن طريق الاستعانة بمفاهيم وأدوات التراث العلمي العربي الإسلامي أو من خلال ابتكار مفاهيم وأدوات تخدم الظواهر الاجتماعية وتقدم تفسيرات جديدة ومبررة وغير متأثرة بالأفكار الغربية.
يمكن وصف المنظور الحضاري بأنه: “رؤية أو اقتراب من المشكلة البحثية يقوم بالتركيز على خصوصيتها الحضارية، ويرى أن تفسير الظواهر ينبع من تعميمات وقواعد ومفاهيم يتم استخلاصها (رأسياً) من رصد وتحليل تطور الظاهرة وعلاقتها مع كل من البيئة التاريخية والمكانية لتلك الحضارة أكثر من كونها مجرد تطبيق لتعميمات وقوانين عالمية تم استخلاصها من وقائع وظواهر متشابهة في بيئات حضارية أخرى”[4].
ويتضح من ذلك ما يلي:
- المنظور الحضاري لا يصنف كنموذج معرفي “بارادايم” من حيث موقعه في عملية بناء العلم، ولا يمكن اعتباره منهجاً ولا أداة منهجية، ولا يمكن اعتباره اقتراب أو تعريف محدد للمشكلة البحثية –أي يدخل في مرحلة ما قبل المنهج.
- المنظور الحضاري ينظر للمشكلة البحثية ككائن حي له صلات عضوية وحيوية، وهذا يخالف ما ساد في العلوم الاجتماعية والانسانية عند تعريفها للمشكلة البحثية حيث قاموا بتعريف المشكلة البحثية تعريفاً ميكانيكياً يجعل من هذه الظاهرة مجرد تطبيق آلي لقواعد عامة قابلة للتطبيق في كل الظروف والحالات المشابهة.
بصفة عامة، يقصد بالحضاري، الكلية في الأبعاد السياسية والاقتصادية وغيرها، والشمول في الرؤية بين التاريخ والراهن والمستقبل، والتعدد في المستويات ما بين الجزئي والكلي، والجمع بين وليس التضاد بين الثنائيات –الوحي والعقل، القيمة والواقع، الثابت والمتغير.
“فهو تجسيد للرؤية الكونية الإسلامية، فهذه الرؤية هي مدخل مجمع للمجالات المعرفية، وهي رؤية تعارفية حضارية عكستها رؤى ومنظومة أفكار العديد من مفكري ورموز الاسلام في عصور مختلفة، فإبن خلدون من أبرز من قدمو هذه الرؤية الحضارية العمرانية”[5].
ثالثاً: المنظور الحضاري بين الفكر العربي والفكر الغربي.
قدم الفكر العربي إسهاماً واضحاً وملموساً وأصيلاً لتأسيس المنظور الحضاري –كاقتراب بحثي- لدراسة العلوم الانسانية والاجتماعية، فجاء هذا الاسهام لتأكيد الخصوصية والهوية الذاتية العربية لمواجهة التشويه الحضاري المنبعث من قبل الغرب تجاه العرب، ولذلك عملت مدرستين عربيتين على تطوير هذا المفهوم، وهما:
- المدرسة الفكرية للمنظور الحضاري.
ترجع لكتابات مالك بن نبي، حيث رأى أن الأزمة الرئيسية لسائر الأزمات الجزئية –سياسية، اقتصادية- في العالم العربي الاسلامي هي أزمة حضارية وسبل الخروج منها هو منظور حضاري.
- المدرسة الأكاديمية لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة[6].
ظهرت في كتابات الدكتور حامد ربيع، حيث اهتم بالبعد الحضاري في الدراسات السياسية من خلال اسهاماته المتعلقة بنظرية القيم وأنماطها الثلاث الكبرى –مدرسة الحرية ومدرسة المساواة ومدرسة العدالة- باعتبار المدارس الثلاث هي تعبير عن توجهات معرفية كبرى انتجت ضمن ما انتجت نظرياتها السياسية والاجتماعية، واستمرت هذه الاسهامات على يد الدكتور منى أبو الفضل وغيرها، فهم يعملون على المنظور الحضاري في مجالين متواصلين بشدة، الأول يتمثل في تحديد أبعاد ومنهجيات هذا المنظور من خلال عمليات متوازية من التواصل والنقد مع كل من التراث العلمي الاسلامي والتراث الغربي، أما الثاني فهو تطبيقي من خلال توظيف هذا المنظور لدراسة مشكلات واقعية.
أما “صموئيل هنتجتون”[7] يفسر استخدامه للمنظور الحضاري في بحث العلاقات والصراعات الدولية بأنه يستند إلى تنامي واقعي للوعي بالهويات الحضارية لدى الشعوب والنخب السياسية على السواء ما بعد الحرب الباردة، فمع انخفاض القدرة على تحريك الدعم وتشكيل التحالفات على أسس أيدلوجية، كان لجوء الحكومات والجماعات بشكل متزايد لتعبئة التأييد من خلال خطاب يقوم على المشترك الديني والهوية الحضارية.[8]
مما سبق، يتضح أن تنامي الرؤى والشعور بالهويات الحضارية في الواقع السياسي سواء على مستوى الشعوب أو الفاعلين السياسيين وصانعي القرارات قد فرض بالضرورة تبني منظور في التحليل يستوعب تلك المتغيرات، وبهذا فإن استخدام المنظور الحضاري في البحث والتفسير والتحليل والتنبؤ في الفكر الغربي قد تأسس وتنامى فعلياً في إدراك ودوافع الشعوب وصانعي القرارات.
رابعاً: الافتراضات الأساسية للمنظور الحضاري.
- خصوصية الخبرات الانسانية الجماعية.
- تتشكل هذه الخصوصية من تداخل عديد من العوامل –سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية- يعبر عنها بالحضارة.
- الكيانات الحضارية لها العديد من السمات المشتركة والخبرات التاريخية التي تميزها عن غيرها.
- “رغم وحدة العناصر الانسانية الأولية –إنسان وتراب (أو موارد) ووقت (أو زمن)- بحسب مالك بن بني، فإن معادلات التفاعل بين تلك العناصر التي تنتج الظواهر والتطورات الاجتماعية والانسانية تختلف من خبرة حضارية لأخرى، ومن ثم فإن عناصر فهم وتفسير وتحليل تلك الظواهر والتطورات ينبغي أن تنبع من خصوصية تلك الخبرات الحضارية، أي أن كل خبرة حضارية لها قوانينها وتعميماتها الخاصة.
- لا ينفي هذا المنظور وجود مشترك إنساني –قوانين عامة- لكنه يفسح المجال أمام خصوصية الخبرات الانسانية وقوانينها المحلية، كما يرفض انتحال أي خبرة حضارية حق الهيمنة وفرض قوانينها وسماتها من خلال تعميم قواعد خبرتها الحضارية على الآخرين وفرضها باسم عمومية قوانين التطور الانساني”[9].
خامساً: موقع الدين في المنظور الحضاري.
عمد كثيرون ممن تبنوا المنظور الحضاري إلى اتخاذ الدين سمة لوصف الحضارات مثل الحضارة الاسلامية أو الحضارة المسيحية أو الحضارة الكونفشوسية، وذلك لا يعني أنهم اختزلوا هذه الحضارات في مكون الدين ولغو المكونات الثقافية الأخرى، ولكن يرجع ذلك للرغبة في البحث عن وصف مميز لتلك الحضارات ونسبها للدين باعتباره أكثر البنى أو النظم الثقافية تماسكاً واتساقاً، “فهذا المكون الثقافي حتى وإن ضعف تأثيره في الواقع يبقى له دوره المهم في نباء جزء حيوي من التاريخ والذاكرة الجماعية لهذه الحضارة”[10].
يظهر الدين في تشكيل المنظور الحضاري وفقاً لاتجاهين، هما:
الاتجاه الأول: لدى الباحثين الغربيين.
يغلب هذا الاتجاه النظر إلى الدين في وظيفته السياسية والاجتماعية، أي باعتباره منظومة قيم تؤثر بشكل كبير في ثقافة جماعة ما تبرز لها نوع من الرؤية المشتركة، فقد أشار هنتجتون إلى نهوض الدين ليسد الفراغ الذي ترتب على ضعف الدولة القومية كمصدر للهوية.
الاتجاه الثاني: لدى الباحثين العرب المسلمين.
يعطي هذا الاتجاه دوراً مهم وأعمق للدين وأكثر خطورة في بناء المنظور الحضاري، فهو يمثل مصدر لبناء جانب مهم من المفاهيم الأساسية في التحليل ويرجع ذلك إلى خصوصية مميزة للحضارة الاسلامية على اعتبار أن الدين يمثل مصدر لانتاج جانب مهم من الثقافة –الشعبية والتراث الفكري والعلمي، فقد اعتبر مالك بن نبي الدين بأنه المركب الضروري للقيم الحضارية، وهو العامل الأساسي الذي دفع بكل من الحضارتين المسيحية والاسلامية إلى مسرح التاريخ.
يعتبر مفهوم الأمة وفقاً للرؤية الاسلامية المجال الحيوي لإرساء قواعد المثالية الاسلامية، ويتكامل هذا المفهوم بالعناصر التالية:
- أنها جماعة تمتلك إدراكاً ومرجعية تتخذ الإيمان –بمعناه العقيدي أو الحضاري الثقافي- بكل ما له من صله بالمقومات الاساسية للدين الاسلامي.
- تعتبر الأمة في المنظور الحضاري هي وحدة التحليل في دراسة العلاقات الدولية، فقد تجسد الشريعة باعتبارها نظام متكامل للسلوك الفردي والجماعي.
- تسود بين تلك الجماعة مبدأ التضامن بجميع أشكاله.
- تعتبر الدعوة هي الوظيفة الحضارية لتلك الجماعة.
سادساً: اشكاليات المنظور الحضاري.
بالرغم من أهمية وضخامة الاشكاليات التي تواجه المنظور الحضاري إلا أنها لن تقلل من أهميته، بل تحفز على الإكثار من العمل الجاد على المنظور، ومن أبرز هذه الاشكاليات:
- حتمية الأنماط التاريخية.
يبحث المنظور الحضاري عن أنماط تاريخية حضارية للتطور كبديل –أو مكمل- للقوانين والتعميمات العلمية وذلك وفقاً للتقاليد العلمية في ظل برادايم الحداثة، ثم يقوم باستخدام تلك الأنماط في عمليات التفسير والتحليل والتنبؤ، مما يوجد إشكالية فكرية ومعرفية للمنظور الحضاري ينجم عنها تحديد امكانياته التفسيرية في الأمد الوسيط.
- الانحياز.
يجب على الباحث في المنظور الحضاري أن يتمتع بقدر كبير من الإخلاص لقيم النزاهة والموضوعية البحثية حتى يستطيع أن ينأى بنفسه عن هذه الإشكالية لأن الانحياز ينبع عند تطبيق المنظور الحضاري من مصادر عديدة، ويعود ذلك لعدم قدرة المنظور الحضاري على استيعاب مختلف المكونات الثقافية وتعقيداتها.
سابعاً: اشكاليات مفاهيم الدين في المنظور الحضاري.
- الأمة التي تعتبر وحدة تحليل مركزية في المنظور الحضاري تتجاوز واقع العلاقات الدولية القائم.
- عدم وجود حالة من التضامن المثالية التي يفترضها المنظور الحضاري، حيث أن واقع العالم الاسلامي ذاته قائم على تفاعلات مصلحية.
- يتسم المنظور الحضاري بالانغلاق على الذات ومن ثم لا يتسم بالعالمية.
- يقدم المنظور الحضاري تفسيرات قابلة للتعميم أو نماذج للتنبؤ بأنماط التفاعلات الدولية وذلك لاستخدامه المثالية التقيمية في العلاقات الدولية، مما ينفي عنه صفة المنظور ويجعله أقرب لرؤية قيمية لواقع العلاقات الدولية.
[1] Jeffrey Haynes, “Religion and Internaional relations after 11/9”, Democratization, Vol.12, Issue 3, June 2005, P. 398-413.
[2] Glenn W. Olsen, “The Role Of Religion in the Twenty–First Century: Epoch of Secularization or Cosmos Regained?”, www.catholicsocialsciensts.org/CSSR/Archival/…/Olsen%2520article.pdf
[3]Jeffrey Haynes, “Causes and Consequences of Transnational Religious Soft Powe”, www.psa.ac.uk/2010/UploadedPaperPDFs/1006_1183.pdf
[4] أماني صالح، المنظور الحضاري: المفهوم والإشكاليات، ورقة مقدمة إلى ندوة مفهوم الحضاري ومعالم منظور جديد في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 24-26 اكتوبر 2010، ص 1.
[5] نادية مصطفى، العلاقات الدولية نحو تأصيل من منظور الفقه الحضاري، مجلة المسلم المعاصر، العدد 134، 2009، ص 6.
[6] أماني صالح، المنظور الحضاري: المفهوم والإشكاليات، ورقة مقدمة إلى ندوة مفهوم الحضاري ومعالم منظور جديد في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 24-26 اكتوبر 2010، ص 2-3.
[7] هو الذي ربط رواج المنظور الحضاري في الدراسات الاجتماعية والسياسية الغربية بكتاباته.
[8] نادية مصطفى، العلاقات الدولية نحو تأصيل من منظور الفقه الحضاري، مجلة المسلم المعاصر، العدد 134، 2009، ص 7.
[9] أماني صالح، المنظور الحضاري: المفهوم والإشكاليات، ورقة مقدمة إلى ندوة مفهوم الحضاري ومعالم منظور جديد في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 24-26 اكتوبر 2010، ص 4-5.
[10] أماني صالح، المنظور الحضاري: المفهوم والإشكاليات، ورقة مقدمة إلى ندوة مفهوم الحضاري ومعالم منظور جديد في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 24-26 اكتوبر 2010، ص 4.