الدولة العميقة في الخبرة التركية
إعداد: د. كامل فتحي كامل
-المركز الديمقراطي العربي
ملخص:
تشير الخبرة السياسية إلى تكرار نموذج الدولة العميقة في العديد من الدول خصوصاً في قارتي أوربا وأمريكا اللاتينية فمصطلح الدولة العميقة ليس حكراً على التجربة التركية، إلا أن المصطلح أصبح أكثر ارتباطاً بتركيا دون غيرها من الدول التي نشأ فيها، وعلى الرغم من أن الواقع السياسي التركي قبل وصول حزب العدالة والتنمية كان يبرهن على وجود تلك الدولة العميقة إلا أن دراسة أركانها كان يعد امراً بالغ الصعوبة دون انكشاف عناصرها وفك الألغاز التي تحيط بالكثير من ممارستها.
وتعتبر دراسة التجربة التركية بالغة الأهمية وذلك لقوة ترابط العناصر التي شكلت الدولة العميقة ففي الجانب الرسمي نجد الجيش وأجهزة الأمن والقضاء والإعلام والتنظيم البيروقراطي للدولة، وفي الجاني غير الرسمي نجد رجال أعمال وفنانون وأدباء أصحاب نفوذ وأساتذة جامعيون..الخ.
ومن أهم الخصائص المميزة للتجربة التركية حضور العامل الإسلامي، فعلى الرغم من هيمنة القوى العلمانية على الدولة واسئصال أي مظهر من مظاهر الدين ساوء في العمل السياسي او الاجتماعي إلا أن مواجهة تلك الدولة العميقة تجسد في أحزاب ذات مرجعيات إسلامية حاولت العمل بشكل شرعي من خلال الإنتخابات، وعادة ما كانت تحظى بالدعم الشعبي، ومع كل محاولة للدولة العميقة لتقويض تلك الأحزاب يزاداد الدعم الشعبي لها عن ذي قبل.
وبعد نضال طويل وصراع مع المؤسسة العسكرية القوى العلمانية في تركيا استطاع حزب العدالة والتنمية أن يفك رموز تلك الدولة وأن يكشف عن الكثير من عناصرها ويتغلب عليها وذلك من خلال كشف منظمة الأرجنكون وفضح الكثير من ممارساتها ومؤامراتها وكذلك تقنين أوضاع الجيش وتقليص دور ه بالإضافة إلى تصحيح أوضاع الاقتصاد التركي وتحقيق المزيد من الخطوات الجيدة التي رفعت مستوى المعيشة وحولت تركيا إلى دولة واعدة اقتصادياً، ومازال هناك سعي متواصل نحو للتخلص من بقايا الدولة العميقة.
الكلمات المفتاحية
الدولة العميقة – الأرجنكون – حزب العدالة والتنمية – انقلاب عسكري – أردوجان – انقلاب حداثي.
مقدمة
يحاط مفهوم الدولة العميقة بهالة من الغموض، وينتابه الكثير من الألغاز والأسرار، ويتوقف نجاح تلك الدولة في تحقيق أهدافها وإحكام قبضتها على قدرتها على خلق شبكة هائلة من المنتفعين والعملاء ينتشرون في مفاصل الدولة ويشكلون دولة داخل الدولة، ولا يوجد ما يمنعهم من استخدام كافة الأساليب المتاحة وغير المتاحة المشروعة منها والمحرمة، وتعمل دائماً على تحقيق الموت البطيء للديمقراطية.
وتعتبر التجربة التركية من أشهر التجارب في هذا الصدد وذلك لأنها من التجارب المعاصرة التي ما زالت حية، إلى جانب الاهتمام الكبير بتلك التجربة من الرآي العام العالمي لما حققته الدولة التركية من تقدم في فترة لم تتجاوز عقد من الزمان، كما أنها من التجارب التي انكشفت فيها غالبية العناصر المشكلة لما يعرف بالدولة العميقة.
وتأتي أهمية الدراسة إلى جانب ذلك إلى ظهور المفهوم في الخبرة العربية ووضع النموذج التركي عادة في مقام المقارنة، إما للقرب الجغرافي للتجربة التركية أو لتشابه البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين الواقع التركي وكثير من الدول العربية.
وتحاول الدراسة الإجابة عن مجموعة من التساؤلات عن تحديد مفهوم الدولة العميقة وكيف نشأت في تركيا؟ وأهم عناصرها؟ وكيف تم مواجهتها ومدى النجاح في ذلك؟
1- مفهوم الدولة العميقة
يعتبر مفهوم الدولة العميقة من المفاهيم المتداولة في دول أمريكا اللاتينية، وفي خبرة بعض الدول الأوربية كايطاليا وروسيا، ولكن المفهوم تمتع بشهرة كبيرة في الأوساط السياسية التركية خصوصاً بعد تفجير قضية تنظيم الأرجنكون، ويتم التعبير عن الدولة العميقة بمجموعة من المصطلحات منها الدولة الحارسة، الدولة الظل، الدولة الخفية، أو الدولة المتغلغلة.
ومن أهم تعريفات الدولة العميقة طبقاً للخبرة التركية أنها عبارة عن ” شبكة من العملاء الذين ينتمون إلى تنظيم غير رسمي، له مصالحه الواسعة وامتداداته في الداخل والخارج، وتمثل نقطة القوة فيه أن عناصره الأساسية لها وجودها في مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة، المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية، الأمر الذي يوفر لتلك العناصر فرصة توجيه أنشطة مؤسسات الدولة الرسمية والتأثير في القرار السياسي، وللدولة العميقة وجهان، أحدهما معلن وظاهر يتمثل في رجالها الذين يتولون مواقع متقدمة في مؤسسات الدولة والجيش والبرلمان والنقابات إلى جانب مؤسسات الإعلام ونجوم الفن والرياضة، والوجه الآخر خفي غير معلن يتولى تحريك الأطراف المعنية في مؤسسات الدولة لتنفيذ المخططات المرسومة”. ([1])
وكذلك تعرف الدولة العميقة على أنها ” سلطة موازية لسلطة الدولة القانونية تتحداها أحياناً وتتعامل معها أحياناً أخرى، فهي شبكة من المصالح الاقتصادية، يربط بين أعضائها عقيدة سياسية يتشاركون فيها جميعاً، لهم انتماءات وتوجهات سياسية، أعضاءها عناصر تنتشر في مؤسسات دولة القانون نفسها، قد يكون أستاذ أكاديمي أو نائب برلماني، أو قاض أو وزير أو محافظ، أو إعلامي كبير، فهم بمثابة خلايا سرطانية قد لا يعرفون بعضهم بعضاً، لكنهم يعتبرون أنفسهم قادة التغيير ودعاة المدنية، لا تملك مرجعية أخلاقية تستند إليها، فقد تلجأ إلى الاغتيالات، وتوظف الإعلام لخلق إشاعات تسمم الرأي العام”. ([2])
ويذهب البعض إلى أنها عبارة عن وجود عناصر ودوائر غير معروفة تلعب دورا محوريا فى توجيه مسار الأحداث فى البلاد من تحت الطاولة، مستخدمة كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لمصلحة جهات داخلية وخارجية، بدعوى حماية النظام العلماني، وهى الدولة التى ترتكز على تحالف يضم رموز عسكرية عاملة وسابقة، فضلا عن كتاب وصحافيين ورجال قضاء وأصحاب أعمال، علاوة على عملاء للمافيا، الذين يوكل إليهم القيام بالأعمال القذرة كتصفية وإختطاف بعض الشخصيات السياسية و الرموز الوطنية أو إشاعة الفوضى والإضطرابات الأمنية فى البلاد. ([3])
وتعرف كذلك الدولة العميقة في تركيا على أنها مجموعة من التحالفات النافذة والمناهضة للديمقراطية داخل النظام السياسي التركي، تتكون هذه التحالفات من عناصر رفيعة المستوى داخل أجهزة المخابرات المحلية والأجنبية والقوات المسلحة التركية والأمن والقضاء والمافيا، وهي تعبر عن دولة داخل الدولة، فالأجندة السياسية للدولة العميقة تتضمن الولاء للقومية ومصالح الدولة، ولكنها توظف العنف ووسائل الضغط الأخرى تاريخيا بطريقة خفية في الأغلب للتأثير على النخب السياسية والاقتصادية لضمان تحقق مصالح معينة ضمن الإطار الديمقراطي ظاهريا لخريطة القوى السياسية، من خلال ترسيخ اعتقاد بأن البلد دوما “على حافة الهاوية”.([4])
وبالتالي يمكن تحديد عناصر الدولة العميقية طبقاً للخبرة التركية فيما يلي:
- شبكة من العملاء (الإخطبوط)
- تنشر في كافة مفاصل الدولة (السرطان)
- تشكل سلطة موازية لسلطة الدولة (دولة داخل الدولة)
- يرتبط أعضائها بشبكه من المصالح الاقتصادية وعقيدة سياسية واحدة (التنين)
- لا تمتلك مرجعية أخلاقية (الأرجنكون)
- جزء منها خفي وجزء ظاهر (جبل الثلج)
- تدعي حماية النظام العلماني ( دولة على حافة الهاوية)
2- نشأة الدولة العميقة في تركيا:
يعتبر ظهور الحركة القومية الطورانية ([5]) التي تأثرت بالنظريات القومية في أوروبا، وكانت اسطنبول وسالونيك هما مركزا نشاطها، مدعومة بالأقليات غير المسلمة خصوصاً يهود الدونمة، المحرك الأساسي لزوال الدولة العثمانية، فقد نجح مصطفى كمال أتاتورك في 29 أكتوبر1923 في تأسيس دولة قومية تركية بديله عن الخلافة الإسلامية، وكان يسعى لأن تكون دولة عصرية حديثة على غرار الدول الغربية حيث كان يرى أن الوقت قد حان لأن ينظر الأتراك إلى مصالحهم ويقطعون صلتهم بالشعوب الإسلامية فأحل مبدأ القومية محل الخلافة. ([6])
وقام بحملة على المجتمع التقليدي في تركيا والمظاهر الدينية التي كانت تمثل أبرز معالمه وحارب ممارسات المجتمع وقمع رموزه وقام بإلغاء الخلافة الإسلامية في مارس 1924 وكل المؤسسات المرتبطة بها، وكذلك ألغى المحاكم الشرعية الدينية وبدأ منذ عام 1925 في تغريب تركيا ثقافة وحضارة وممارسات، كما قام بتكريس دور الجيش كحارس للنظام الجديد. ([7])
ومنذ ذلك الحين (أى منذ قيام الجمهورية التركية) ظهرت قوى كبيرة تتحكم فى تركيا منها: وسائل الإعلام القوية من صحف ومجلات وإذاعات، والقنوات التلفزيونية المتعددة، والمحاكم بمختلف مستوياتها ودرجاتها حتى الوصول إلى المحكمة الدستورية التى هى أعلى محكمة فى تركيا، والتى أصبحت من أدوات القمع فى يد العلمانيين المتطرفين، وكذلك المؤسسة العسكرية التى قامت بعدة انقلابات منذ عام 1960م، وأعدمت رئيس الوزراء “عدنان مندريس”، وظلت قوية ومهيأة للانقضاض على كل حزب تراه خطرا على العلمانية فى تركيا، حسب تقديرها واجتهادها، وإن خسرت بعض قوتها فى السنوات الأخيرة بفضل جهود أردوغان، وهناك الجامعات ورؤساء الجامعات وعمداؤها, ومؤسسة التعليم العالى التى تشرف على ما يقارب مائة جامعة, حيث تقوم بتصفية الأساتذة الذين يحملون اتجاهات إسلامية، وهناك المؤسسات المدنية القوية المعادية لكل اتجاه إسلامى، والنقابات اليسارية، والمؤسسة العسكرية السرية (الأرجنكون)([8])
3- المؤسسة العسكرية في تركيا :
تتمتع المؤسسة العسكرية التركية باستقلالية واضحة, وصلاحيات رقابية وتنفيذية واسعة, إذ يرأسها رئاسة الأركان، التي لا ترتبط بوزارة الدفاع؛ بل برئيس الوزراء من الناحية الشكلية والنظرية فقط، وتقوم باتخاذ جميع القرارات المتعلقة بالجيش (شراء أسلحة، تعيينات، ترقيات، إقالات) من دون أن يكون لوزير الدفاع أو لرئيس الوزراء أية علاقة أو تأثير فى هذه القرارات، ولقد طرد الجيش قرابة ألف ضابط من أكفأ الضباط بسبب ميولهم الإسلامية، وكون زوجاتهم محجبات، فى إطار عمليات التطهير السنوية التى تجريها المؤسسة العسكرية ضد ما يسمى بالرجعيين من العسكريين، ومع أن دستور البلاد والنظام الداخلى للجيش يمنعان العسكريين من التدخل فى السياسة، إلا أن شيئا من هذا لا يطبق عمليا، حيث يستند العسكريون على تفسير خاص من جانبهم لبعض مواد فى الدستور يزعمون أن ها قد خولتها لهم مهمة الدفاع عن الأمن الخارجى والداخلى للبلد وعن العلمانية والمبادئ “الأتاتوركية”, إذ تقرر المادة الثانية من الجزء الأول من الدستور بوضوح، وهى من المواد الدستورية الثلاث المحظور تغييرها أو تقديم مقترح بتغييرها، على أن تركيا جمهورية علمانية تدين بالولاء للقومية “الأتاتوركية”، وأن الجيش هو المسئول عن الدفاع عن أمن البلاد ضد الأخطار الخارجية، كما يقوم بالتصدى لأية حركة عصيان مسلحة داخلية. وقد وسعت المؤسسة العسكرية مفهوم “الأمن الداخلى”، وجعلته يشمل تقويض جميع الحركات السياسية التى تحمل أفكارا وأهدافا تعدها خطرا على “العلمانية” وعلى “الكمالية”.([9])
ويمثل الجيش منذ السبعينيات مؤسسة مكتفية ذاتياً تحظى بسيطرة مطلقة على نشاطاتها وعمليات تجنيد متطوعيها ومهنها وعمليات التطهير الذاتي التي تجري عدة مرات في العام، وقرارته لا ترد على كافة المستويات، حيث كان العسكر يتصرفون في أكثر من 16% من الميزانية الوطنية، إلى جانب سيطرته على صندوق دعم الصناعات الدفاعية والذي يعد إمبراطورية اقتصادية قائمة بذاتها حيث كان الصندوق يحصل على 5% من الضرائب المهنية، و10% من الضرائب المفروضة على المشروبات الكحولية والوقود وكذلك نسبة متغيرة من أرباح أوراق اليانصيب، والمبالغ المحصلة من شرائء الإستثناء من الخدمة العسكرية، كما أن جميع الصناعات الادفاعية كانت مراقبة بالكامل من قبل الجيش، ولم ينحصر انخراط الجيش في الاقتصاد على الصناعات الدفاعية وحدهال فقد مثل الجيش فاعلاً اقتصادياً مهماً في تركيا حيث كانت مؤسسته التامينية القوة الاقتصادية الثالثة في تركيا (بلغت أعمالها عام 2000 حوالي خمسة مليارات دولار) كما امتلكت العديد من محطات التوزيع والوكالات العقارية ومصانع المعلبات والأسمنت والصناعات الغذائية والزراعية والسيارات ونشطت أيضاً في قطاعات المصارف والتأمين والبناء. ([10])
ولقد عمل الجيش التركي منذ فترة مبكرة على توطيد دوره في حماية النظام ووصايته، من خلال مجموعة من الآليات الدستورية والقانونية التي تجيز تدخله في السياسية، وتتيح له في حالات استلام المدنين للسلطة ممارسة تأثيره الكامل، وأسس حزب الشعب الجمهوري وهو حزب شمولي لا منافس له يقوده أتاتورك ورفاقة، الذي ظل معبراً عن نظام الحزب الواحد حتى عام 1945 وكان الحزب هو وسيلة حماية دور الجيش وتأثيره في الحياه السياسية، وقد لجأ الجيش عام 1960 بعدما تعرض نفوذه للإهتزاز في عهد عدنان مندريس في الخمسينات إلى وسيلة الإنقلابات العسكرية المباشرة إلا أنه حصن دوره السياسي من خلال إقامة مؤسسات جديدة نص عليها دستور عام 1961 وهي مجلس الامن القومي الذي يضم قادة القوات المسلحة والوزراء الأساسيين في الحكومة وهذا المجلس يناقش القضايا المتصلة بالامن القومي للبلاد ولا يقتصر حدود نقاشاته عند الأساسية منها بل يتعداها إلى الشئون الاقتصادية والتربوية وحتى المواصلات، واستخدم الجيس المادة 35 من المهمات الداخلية له السلاح القانوني الوحيد لتبرير انقلاباته العسكرية التي تنص على حق القوات المسلحة بالتدخل لاستلام السلطة في حال وجدت أن الجمهورية والديمقراطية معرضتان للأخطار([11])
وبالتالي دأب العسكريون على التدخل في الحياة السياسية وتوجيه أو تغيير دفتها، وتجلت هذه التدخلات العسكرية في صور مختلفة وكان الإنقلاب العسكري أبرز هذه الصور وأكثرها تأثيراً في مجريات الحياة السياسية والاجتماعية، وهناك عادة نظرية جاهزة دائماً لتفسير تدخل الجيش وهي نظرية المسلك الطبيعي التي صاغها روستو والتي ترى أن تدخل الجيش يكون دائماً لوضع حد نهائي للفوضى الاجتماعية والسياسية وتضع النظرية ثلاثة إفتراضات الإفتراض الأول هو جود أزمة إنتقال لا يمكن تخطيها إلا عن طريق الإنقلاب لتغيير البناء الاجتماعي والنظام السياسي، ويتضمن الإفتراض الثاني أنه ليست هناك قوة قادرة على إحداث التغيير المطلوب بإستثناء الجيش، أما اللإفتراض الثالث فمفاده أن الجيش لديه القدرة على إحداث التغيير وبالتالي فإن الجيش يتدخل في ظروف وجود أزمة – مأزق، وغياب أو ضعف القوى الأخرى في المجتمع التي يمكنها إحداث التغيير، وقدرة الجيش وحده على إحداث هذا التغيير. ([12])
ولقد قامت المؤسسة العسكرية خلال عهد الجمهورية منذعام 1923 بأربعة إنقلابات، الثلاثة الأولى منها كانت إنقلابات عسكرية مباشرة وكانت أعوام 1960 ، 1971، 1980 أما الإنقلاب الأخير عام 1997 كان مختلفاً عن سابقيه حيث لم يكن إنقلاباً عسكرياً مباشراً وإنما كان إنقلاباً ناعماً أو كما اصطلح الأتراك على تسميته بالإنقلاب (مابعد الحداثي). ([13])
ويعد الإنقلاب العسكري الثالث عام 1980 هو الأكثر جذرية في تاريخ تركيا حيث لم يكتفي الجيش بحل البرلمان وإغلاق الأحزاب السياسية وحل العمد وأعضاء المجالس المحلية، ولكن ركز السلطة في قبضة مجلس الأمن القومي الذي كان يتكون طبقاً لدستور 1961 من عسكريين ومدنيين فنص دستور 1982 على زيادة عدد العسكرين. ([14])
ومنذ قيام الإنقلاب تولى إدارة البلاد مجلس عسكري وتم إغلاق الصحف المحلية بما فيها صحيفة ” جمهورييت” التي أسسها أتاتورك نفسه وتم إعتقال ما يزيد عن مائة وعشرون ألف شخص وتم فصل ثلاثمائة من أساتذة الجامعات كما تم إصدار أحكام بالإعدام في حق ثلاثة آلاف وستمائة شخص، ولم يعود الجيش إلى ثكناته إلا بعد إنتخاب الجنرال كنعان إيفرين – قائد الإنقلاب – رئيساً للجمهورية عام 1982، وكان من نتائج الإنقلاب تكريس دور الجيش في السياسة التركية بإعتباره الحارس للنظام الجمهوري الاتاتوركي العلماني والحامي للاستقرار السياسي والمنقذ من فساد النخبة السياسية. ([15])
وبالتالي فقد عززت المؤسسة العسكرية من وضعيته الدستورية ومنحت لنفسها العديد من صلاحيات التدخل المباشر وغير المباشر في كافة مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وهو ما دفع رجال القانون والسياسة الأتراك إلى وصف دستور 1982 بانه عسكره للدولة والمجتمع([16])
وفيما يلي أهم المكاسب التي حصل عليها الجيش بعد الإنقلاب: ([17])
- تعيين المؤسسة العسكرية جنرالات داخل عدد كبير من مجلس إدارات مؤسسات الدولة مثل المجلس الأعلى للتعليم واتحاد الإذاعة والتليفزيون ليكونوا رقباء على هذه المؤسسات.
- توسيع مجال إعلان حالة الطواريء والاحكام العرفية بما يحقق للمؤسسة العسكرية هيمنة كاملة على الحياة السياسية وإيجاد المبرر الدائم لاي تدخل عسكري بدعوى تحقيق الأمن والحيلولة دون قيام حركات العنف والإرهاب.
- تعديل سلطان مجلس الأامن القومي طبقاً لنص المادة 118 من الدستور بزيادة عدد العسكريين وذلك بإضافة قادة قوات أفرع القوات المسلحة بغية زيادة ثقل العسكري على المدني داخل المجلس، كما تم تغيير صفة قرارات المجلس من كونها توصيات يدفع بها إلى مجلس الوزراء إلى قرارات يعلن بها مجلس الوزاء.
- النص على تشكيل الامانة العامة لمجلس الامن القومي حيث يتولى رئاستها فريق أول ترشحه رئاسة الأركان العامة وتشمل مهامها جميع شئون الدولة التركية العسركية والسياسية والأمنة والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومسئوليتها عن حماية المباديئ الكمالية، كما أنها مخولة برقابة الجهاز التنفيذي وتوجيه فعالياته وللأمانة الحق الصريح في الحصول على المعلومات والوثائق السرية من المؤسسات والهيئات والأفراد.
4- إنقلاب عام 1997 ( مابعد الحداثي ) ودور القضاء:
لقد اطلق على إنقلاب 1997 بالإنقلاب ما بعد الحداثي وذلك لما تعبر عنه ما بعد الحداثة من ” نزعة عدمية تجزيئية تنزع للشرذمة، تفكيكية عبثية لا تعبأ بإعادة تركيب أو حتي ترميم ما فككته، وبهذا المعني تكون ما بعد الحداثة في السياسة فعلا انقلابيا مناهضا لفعل الحداثة الثوري، فالحداثة تعبر عن فعل ثوري شعبي، وحركة اجتماعية تتطلع نحو مستقبل جديد، كفاح تجميعي ينزع للتماسك وشد أواصر اللحمة الوطنية، أما ما بعد الحداثة فهي رد فعل انقلابي، وردة إلي الخلف، هو فعل تجزيئي لا يبالي بأن تئول حركته إلي العدم والتشظي, أو تئول إلي تآكل كل الأبنية والمؤسسات; لأن فاعليه يؤمنون بنسبية القيم والأخلاقيات في كل شيء”. ([18]) وهذا ما حدث بالفعل فقد مثل الإنقلاب رده إلى الخلف ولم يعبأ بما قد تقدمه الحكومة الوطنية المنتخبة آنذاك من تقدم لصالح تركيا.
فقد استطاع حزب الرفاه في عام 1995م أن يحقق مفاجأة كبرى بفوزه بأغلب المقاعد في الانتخابات البرلمانية في تركيا (158 مقعدًا من أصل 550 مقعدًا)، واستطاع نجم الدين أربكان أن يصعد إلى منصب رئيس الوزراء من خلال تشكيل حكومة (الرفاه- الطريق المستقيم) الإئتلافية عام 1996م، ويصبح أول رئيس وزراء إسلامي في تركيا منذ سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924م.
وأحدث ذلك أزمة كبرى داخل الجيش التركي، وداخل المؤسسة العلمانية، وكان من رأي بعض قادة الجيش أن يتركوا أربكان في منصبه حيث كانوا يتوقعون فشله، وعدم نجاح مشروعه الإسلامي، وبذلك تصل رسالة سلبية إلى الرأي العام في تركيا، لكن حدث عكس ذلك، ونجح أربكان خلال عام واحد في خفض ديون تركيا من 38 مليار دولار إلى 15 مليون دولار، واقترب من حل المشكلة الكردية المستعية، واستطاع إقامة علاقات دبلوماسية قوية على الساحة العالمية، وتقدم الاقتصاد التركي خطوات واسعة.([19])
شكل نجاح أربكان صدمة للدولة العميقة التي بدأت ترصد الذرائع التي تستطيع من خلالها القضاء عليه، وكانت البداية حينما دعا أربكان إلى حفل إفطار رمضاني في يناير 1997 فاعتبر ذلك انتهاكاً لدستور البلاد وقوانين الثورة، ثم عزم على إقامة جامع في محيط القصر الجمهوري في أنقرة وآخر في منطقة تقسيم الراقية في اسطنبول، بالإضافة إلى السماح للموظفات بارتداء الحجاب في الدوائر الرسمية وترك الحرية للمواطنين في توزيع جلود الذبائح خلال عيد الأضحى، والسماح للحجاج بالتوجه لاداء مناسك الحج براً عبر الأراضي السورية توفيراً للنفقات بدلاً من إلزامهم بالتوجه جواً، وكان الاحتفال بيوم القدس في مدينة سينجان بالقرب من أنقرة مع بداية فبراير 1997 هو لحظة انفجار المواجهة العلنية بين الجيش وأربكان. ([20])
فبدأت تظهر الدبابات في مدينة سينجان في 4 فبراير 1997 تلويحاً باحتمالية قيام انقلاب عسكري، وفي يونيو 1997 اضطر أربكان للاستقالة تحسباً لقيام الجيش بإنقلاب عسكري قد تكون عواقبه وخيمة على الدولة التركية. ([21])
وكانت المؤسسة العسكرية قد اعتبرت أن التطور الحادث في صعود الإسلاميين مؤشراً على وجود خطر متزايد على مباديء الجمهورية الأتاتوركية ونظامها العلماني، فقامت رئاسة الأركان العامة بتشكيل وحدة خاصة داخل مركزها لمتابعة هذه التطورات، واطلق على هذه الوحدة مجموعة العمل الغربية، وكانت مهام هذه الوحدة جمع المعلومات بكل دقة وسرية بشأن كافة الجمعيات الأهلية والاوقاف والنقابات المهنية والمعالية ومؤسسات التعليم العالي مثل الكليات والمعاهد العليا ومقار إقامة الطلاب للدولة والخاصة على حد سواء وجمع المعلومات بشأن التوجهات الفكرية لذوي المناصب الرسمية العليا في الدولة في مختلف المحافظات والمدن ومتابعة المؤسسات الإعلامية المحلية. ([22])
وما إن فرغت المؤسسة العسيكرية من إجراء بحوثها الأمنية وإعداد تقاريرها بشأن الحالة الإسلامية في البلاد ومظاهرها الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية وحاولة تغلغلها في أجهزة الدولة الرسمية حتى دفعت بهذه التقارير إلى الأمانة العامة لمجلس الامن القومي، وانعقد اجتماع مجلس الأمن القومي في 28 فبراير 1997 في جلسة استمرت تسع ساعات وخلص الإجتماع إلى توصيات قدمت إلى الحكومة الإئتلافية في شكل قرارات واجبة التنفيذ شكلت في مجملها خطة للقضاء على نمو الحركة الإسلامية. ([23])
وبالنسبة لدور القضاء في ذلك الإنقلاب فإنه على الرغم من أن الدستور التركي أقر باستقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإن واقع الحال يشير إلى أن هذه السلطة خاضعة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لنفوذ وتأثير الأوساط العلمانية وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية التي تعد نفسها حارسة للعلمانية الكمالية في البلاد، فبعد ستة أشهر من وصول حزب الرفاه إلى السلطة، أي في منتصف يناير 1997، بات من الواضح أن حزب الرفاه قد خطا خطوات واسعة في طريق النجاح، مما يجعل احتمالية تفوقه في أول انتخابات تشريعية قادمة عاليه، وخطورة ذلك هي إمكانية تشكيله حكومة بمفرده، فكانت أولى الخطوات العملية تعيين أورال سواش رئيسا جديدا للادعاء العام، بعد أن وعد بأنه إذا ما تم اختياره لهذا المنصب فإنه سينفذ سياسة إقصاء حزب الرفاه ليس من السلطة فحسب بل من الحياة السياسية برمتها. ([24])
وفي 15 فبراير 1997 دعت جمعية رجال الأعمال التركية إلى لقاءٍ حضره سواش وعدد من القانونيين والأساتذة الجامعيين للتباحث في أفضل الإجراءات القانونية لحل حزب الرفاه، وكانت المادة (103) من الدستور لا تسمح بحل الحزب، ومن ثم فإن أي إجراء قانوني للحل يجب أن يأتي بعد إلغاء هذه المادة، فتم الإيعاز للمحكمة الدستورية بالانعقاد ونقض المادة، الأمر الذي مهد الطريق لرفع دعوى قضائية ضد الرفاه ومن ثم إصدار قرار بحله. ([25])
وبالفعل ففي 16 يناير 1998 صدر قرار بحل حزب الرفاه ومصادرة ممتلكاته ومنع زعيمه نجم الدين أربكان من ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات، وأعقب ذلك صدور قرار بمنع الطالبات المحجبات من التعليم وصادق على القرار حكومة بولنت أجاويد بإيعاز من المجلس القومي ، كما صدر قانون التعليم المستمر لمدة ثماني سنوات في المرحلة التعليمية الأساسية الذي كان غرضه محاصرة الأئمة والخطباء وتقليل عدد خريجيها، كما صدرت تهديدات لموظفي بعض وزارات الدولة بالطرد إذا علم أن لهم أي ارتباطات بالتيار الإسلامي ويكتفى في ذلك بشهادة اثنين من مفتشي وزارة الداخلية لفصل أي موظف من وظيفته، كما تم إغلاق العديد من الشركات والمصانع التي لها علاقة بالإسلاميين. ([26])
ومما سبق يتضح أن الإنقلابات عادة كانت تقوم على تحالف الجيش مع القضاء والبيروقراطية، ذلك ان الجيش يتولى المهمة السياسية والدور العسكري، لكن ذلك لم يكن يكتمل ويحقق مراده من دون اسهام القضاء وتجاوب أجهزة الإدارة البيروقراطية، إن شئت فقل إن القضاء والبيروقراطية ظلا طوال العقود الخالية من الأدوات التي استخدمها الجيش في تسويغ ممارساته وبسط سلطاته، وخير دليل على ذلك أنه في تسع حالات استخدم الجيش المحكمة الدستورية في حل ٩ أحزاب إسلامية وكردية في الفترة ما بين عامي ١٩٧١ و٢٠٠٩. ([27])
وبالتالي يمكن القول أن مصطفى كمال اتاتورك قد دشن سياسة الإنكار والإقصاء مع تأسيس الجمهورية التركية عام 1923عندما بنى دعائم جمهوريته (العلمانية) على إقصاء الهوية الدينية (الإسلام) والتعدد القومي (الكردي) من البنية السياسية العامة للبلاد، وصنفهما في مرتبة العدو الداخلي، وانطلاقا من هذا الواقع كان الإقصاء مصير كل من حاول تغيير هذه السياسة، على الأقل هذا ما جرى مع عدنان مندريس وتورغوت أوزال ونجم الدين أربكان. وفي الأصل أيضا أن حزب العمال الكردستاني الذي تأسس عام 1979 ولجأ إلى إشهار العنف عام 1984 كان بسبب هذا الواقع الذي يفتقر إلى إمكانية الحراك السياسي السلمي، فكانت المسيرة دماءً ودموعا وتدميرا لآلاف القرى ومقتل أكثر من أربعين ألف شخص، فضلا عن ميزانيات هائلة تجاوزت حسب التقارير التركية 500 مليار دولار، مع أن مثل هذا الرقم كان كافيا لإحداث نهضة حقيقية شاملة في مناطق جنوب شرق تركيا التي تتسم بالفقر وتشكل تربة حقيقية للعنف حيث الأغلبية الكردية. ([28])
5- منظمة الأرجنكون:
عكف حلف الناتو منذ نشأته عام 1949 على تأسيس منظمات سرية شبه عسكرية لممارسة إرهاب الدولة تحت غطاء محاربة الشيوعية في أوروبا، ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما عرف بمنظمة الكلاديو التي أنشأها الحلف في إيطاليا تحت إشراف المخابرات الأمريكية عام 1956، وتعد الكلاديو ثمرة للتعاون الوثيق بين الحلف والمخابرات العسكرية الايطالية، تمثلت المهمة الأولى للكلاديو في محاربة الشيوعية والحيلولة دون وصول الحزب الشيوعي الإيطالي إلى الحكم مهما كلف الثمن، ولو تطلب ذلك القيام بكل الأعمال الإرهابية القذرة في إيطاليا كالاغتيالات وتفجير القنابل وإثارة الفزع وغيرها من الأساليب المرهبة، وبقيت حقيقة منظمة الـ كلاديو سرية منذ تأسيسها وحتى3 أغسطس 1990 عندما مثل رئيس وزراء ايطاليا الأسبق جوليان اندريوتي أمام لجنة التحقيق في الجرائم التي شكلها البرلمان الايطالي، حيث اعترف بوجود منظمة سرية تم تشكيلها في إيطاليا بطلب من حلف الناتو لمقاومة الحركات الشيوعية، وكذلك قام الناتو كذلك بإنشاء منظمات شبيهه للكلاديو في جميع الدول الأعضاء ولكن تحت مسميات مختلفة، ففي ايطاليا سميت كلاديو التي تعني (السكين القاطع)، وفي بلجيكا سميت (SDRA-8)، وفي فرنسا سميت زهرة الريح (Rose des vents)، وفي اليونان عرفت بجلد الغنم (Sheep skin)، وفي ألمانيا عرفت بالشبكة الصامتة (réseau Schwert) ، وفي هولندا (Nato Command)، وفي انكلترا (Secret British Network)، وفي استراليا (Schwert)، وفي سويسرا ( P.26)، وفي اسبانيا (Stay behind)، وأخيراً وفي تركيا سيمت بالذئاب الرمادية (Bozkurtlar) وعرفت فيما بعد بالأرجنكون. ([29])
ولقد ظلت الساحة التركية تتفاجيء بعدد من الاحداث الكبيرة او الغامضة، التى ظلت تهز البلاد وتصدم الرأي العام بين الحين والآخر، من الانقلابات العسكرية الى الاغتيالات والتصفيات، مرورا بزرع المتفجرات واطلاق المظاهرات، واشاعة عمليات التخريب والفوضى، ولقد تم تفسير ذلك بوجود تنظيم قوي وسري، حتى تم إكتشاف تنظيم الارجنكون عام 2007.
ويعود مسمى أرجنكون في الذاكرة الشعبية التركية إلى أسطورة قديمة([30]) تحكي أن الأتراك (الكوك تورك) كانوا يعيشون في وسط آسيا وكانوا يخُضغون جميع الأراضي المجاورة لحكمهم، مما دفع الصينيين إلى مهاجمتهم وهزيمتهم وأعملوا فيهم القتل والدمار ونهبوا واستولوا على أملاكهم، ولم ينج من القتل سوى ابن ملك الأتراك (إيلهان) وابن أخته سقطا في الأسر ولكنهما استطاعا الهرب بعد تحرير زوجتيهما والعودة إلى ديارهم، وبعد عودتهم وجدوا أنهم محاطين بالأعداء فعبروا الجبال حتى وصلوا إلى وادي خصب مليء بالجداول والينابيع فاستقروا فيها وأطلقوا عليها اسم (أرگه ناقون) وتحصنوا فيه وظلوا مختفين بين جنباته سنين عددا، وبمضي الوقت تكاثروا وضاق بهم المكان ولم يعرفوا كيف يخرجون منه، وحين ظهر في حياتهم الذئب الأغبر (البوزقورت) دلهم على طريق الخروج من الوادي، ومن ثم أتيح لهم أن ينفتحوا على العالم ويقيموا دولتهم الكبرى. لذلك أصبح الذئب الأغبر رمزا للقوميين الأتراك، وغدت كلمة أرجنكون رمزا للحفاظ على الهوية وبقاء الجنس، إذ لولاه لاندثر الأتراك ولم يعد لهم وجود. وحين حملت المنظمة ذلك الاسم فإنها أرادت أن توحي للجميع أن رسالتها هي الدفاع عن تركيا ضد كل ما يهددها. ([31])
ومن حيث نشأة منظمة الارجنكون فهناك من يربط بينها وبين إنشاء لجنة الإتحاد والترقي عام 1908 التي كانت سبباً في القضاء على الخلافة العثمانية، فالتنظيمات السرية ليست جديدة على تركيا ولكنها تعود إلى عهد الدولة العثمانية، ومع انضمام تركيا لحلف الناتو مع بداية الخمسينات اندمجت تلك المنظمات في عملياته، وأصبحت ذراعا للحلف وكانت ضمن المنظمات التي شكلتها المخابرات المركزية في أوروبا لمكافحة الشيوعيين في مرحلة الحرب الباردة،([32]) حيث تأسست دائرة الحرب الخاصة ( أُحد ÖHD) التي تأسست في 27 سبتمبر 1952 بقرار من المجلس الأعلى للدفاع الوطني وكانت تعمل تحت مظلة هيئة الاركان العامة التركية، وكان الهدف الأساسي من إنشائها أن تكون نواة لمقاومة حلف وارسو في حالة وقوع غزو أو محاولة لإحتلال تركيا وكان هناك سرية كبيرة على أعمالها واختيار الضباط العسكريين العاملين فيها. ([33])
وعلى الرغم من أن المنظمات العسكرية السرية قد ألغيت فى بلدان الناتو بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، إلا أنها بقيت موجودة ونشطة فى تركيا، وكثيرا ما تقوم بعمليات “إرهابية” وباغتيال أشخاص معينين، وتنسب هذه العمليات للمسلمين. مثلا تقوم باغتيال كاتب أو صحفى ملحد أو شيوعى، وتثور الصحافة معلنة أن خطر “الإرهاب الإسلامى” موجود فى تركيا، وأنه يريد جر تركيا إلى ظلام القرون الوسطى, لذا يجب تصفية النشاطات الإسلامية لأنها المنبع الذى يفرخ هذا التعصب والإرهاب. ([34])
وبالتالي فإن بروز دور الإرجنكون جاء نتيجة التقاطع التالي:([35])
- دور الجيش في السياسة التركية كضامن للديمقراطية والعلمانية.
- إنشاء شبكات الدولة العميقة التي تعمل تحت غطاء رسمي
- انضمام تركيا لحلف شمال الاطلنطي عام 1950 وفتح فرع للناتو في تركيا ومن ثم إنشاء جيوش سرية وشبكات تابعة للجهاز الأمني للدولة.
بينما يرى فريق آخر أن بصمات أرجينكون بدأت تظهر على الحياة التركية بوضوح مع صعود القوي ذات التوجهات الإسلامية في الحياة السياسية التركية، وبالتحديد مع ظهور حزب السلامة الوطني عام 1972 وحصوله على 48 مقعد في البرلمان مكنته من المشاركة في الحكومة وتولى نجم الدين أربكان منصب نائب رئيس الوزراء ([36])، فاستنفر العلمانيون المتطرفون قواهم وأصبح شغلهم الشاغل كيفية قطع الطريق عليهم وإفشال تجربتهم، باعتبارهم يمثلون تهديدا مباشرا للعلمانية والتراث الكمالي. وأصبحت هذه المهمة أحد أهداف منظمة ارجنكون، وأصبحت وراء أغلب القلاقل والاضطرابات التي شهدتها تركيا منذ ذلك الحين حيث انتشرت في مختلف مفاصل الدولة حتى قدر أحد الخبراء أعضاءها بنحو40 ألف شخص.([37])
– الأرجنكون وحكومة أربكان.
يمكن القول إن منظمة أرجنكون بغض النظر عن تاريخ نشأتها ظلت على خصومة مستمرة مع الهوية الإسلامية في تركيا ومارست أنشطة عديدة غير مشروعة، مثل غسيل الأموال والاتجار في السلاح والمخدرات، وتذرعت المنظمة بالدفاع عن العلمانية، التي يعتبرها الكماليون قدس الأقداس في تركيا، ونشط دور المنظمة بتولى أربكان رئاسة الوزراء عام 1996، حيث استنفرت عناصر التطرف العلماني، فبدأت حملات موجهة في بعض الصحف، وأطلقت مظاهرات الدفاع عن العلمانية، والقيت قنبلتان على فناء صحيفة الجمهورية العلمانية المتطرفة (مدير تحريرها اتهم بعضوية منظمة أرجنكون) وقتل أحد المحامين قاضيا في المحكمة العليا، وفي التحقيق قال المحامي إن القاضي كان يعارض السماح للمحجبات بالدراسة في الجامعات، هذه المقدمات لم تكن كلها مصادفات، ولكنها كانت من قبيل التسخين وتهيئة الأجواء لنزول الجيش إلى الشوارع، ودعوة مجلس الأمن القومي للاجتماع وتم إصدار قائمة من القرارات التي استهدفت كلها قمع الإسلاميين وإقصاءهم من أجهزة الدولة وحصار التدين، الأمر الذى انتهى باستقالة أربكان من منصبه وبإغلاق حزب الرفاة الذى يرأسه. ([38])
– فضيحة سوسورلوك
في 5 نوفمبر 1996 حادث سير على طريق قرب مدينة سوسورلوك، قتل فيه ثلاثة أشخاص وجرح واحد، وكان أحدهم عبدالله جاتلي أحد قادة المافيا وقاتل مأجور ومهرّب مخدرات، ومن أكثر المطلوبين للدولة، والثاني عشيقته عارضة الأزياء غونجا أوس، والثالث حسين كوجداغ ضابط شرطة بارز ومدير مركز تعليم الشرطة في أسطنبول، الذي ترأس عمليات اغتيال مئات الشخصيات الكردية، ورجال الأعمال المتعاطفين مع حزب العمال الكردستاني، أما الرابع والأخير وهو الناجي الوحيد سيدات بوجاك، أحد لوردات الحرب في مدينة أورفا الكردية، وزعيم قبيلة بوجاك، لعب دوراً كبيراً مع الدولة التركية في مكافحة عناصر حزب العمال الكردستاني، وكان عضواً في البرلمان التركي عن حزب الطريق القويم . وبهذا الحادث تم كشف أسرار أكثر من عقد من العمليات السرية والأفعال الإجرامية إلى الرأي العام، الذي كشف العلاقة بين الجريمة المنظمة والدولة في ذروة الصراع مع حزب العمال الكردستاني، ودافعت تانسو شيلر عن القاتل المأجور عبدالله جاتلي- الذي لم يكن يهمه شيء سوى ما يدفعه له الضابط لزهق أرواح شخصيات تعارض سياسة الدولة- ووصفته بأنه من الشرفاء، وظهرت صوره على الجرائد على أنه من فرق مكافحة الإرهاب، ولقد أكد مسعود يلمظ رئيس الوزراء الأسبق في سبتمبر 1997 التحقيق في الفضيحة، خاصة بعد كشف العديد من الشبكات الإجرامية، وتعرض حينها مسعود يلمظ لمحاولة اغتيال، في عام 1997 في بودابست. ([39])
– الأرجنكون وحكومة أردوغان:
في صيف 2007 اكتشف وكيل نيابة بمدينة اسطنبول مخزن سلاح وذخائر في منزل يعود لضابط تركي بإحدى ضواحي المدينة، وذلك أثناء التحقيق في قضية اغتيال ذات طابع سياسي غامض، وكان تصميم وكيل النيابة على كشف حادثة الاغتيال ومخزن السلاح الغريب، قد أوصل الأمور إلى ملف أرجنكون التي تم التحقيق بشأن نشاطاتها، وأوصلت التحقيقات في غضون شهور قليلة وكلاء النيابة العاملين في القضية إلى تورط ضباط عاملين في الجيش وإلى قلب المؤسسة العسكرية، واستدعى استمرار التحقيقات أن يطلب رئيس الوزراء من رئيس الأركان السماح لوكلاء النيابة بدخول ما يعرف بالغرفة الكونية في قيادة أركان الجيش، الغرفة التي يحفظ فيها أكثر أسرار المؤسسة العسكرية حساسية، ولم يحدث أن دخلها مسؤول مدني قط من قبل. ([40])
وكان من أهم نتائج البحث في غرفة أسرار الجيش كشف خطة انقلاب عسكري، أعدها فريق من الضباط بعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات نهاية 2002، وتضمنت الخطة بعضاً من الخطوات التي كان الضباط الانقلابيون سيتخذونها للتمهيد للانقلاب، بما في ذلك التسبب في اشتباكات عسكرية محدودة مع القوات اليونانية في منطقة بحر مرمرة، وتفجير عبوات في المصلين عقب صلاة الجمعة في بعض أكبر مساجد اسطنبول وأكثرها اكتظاظاً، وأدى اكتشاف هذه الخطة في مقر مركزي لقيادة الأركان، إلى موجة جديدة من الاعتقالات، التي طالت بعضاً من أبرز الضباط السابقين، بما في ذلك قادة أسلحة الجو والبحرية والجيش التركي الأول، وبعضاً من الضباط العاملين أبرزهم الجنرال سالدياري بيرك، وتم استقدم عدد من الضباط المتقاعدين للتحقيق، وقدم بعضهم للمحاكمة، ولم يتحمل بعض الضباط المتهمين ضغوط التحقيق والرأي العام وأقدموا على الانتحار، بينما تعرضت صورة المؤسسة العسكرية، التي يحتفظ لها الشعب التركي بتقدير وولاء، للخدش والشكوك أمام الرأي العام الذي صدمته الحقائق البشعة التي كشفها وكلاء نيابة مثابرون. ([41])
6- دور الإعلام :
شكل الجيش ومجلس الامن القومي والمجلس الدستوري طيلة عقدي الثمانينات والتسعينيات ما اصطلح على تسميته (حزب الدولة) فبعد تدخلات العسكر التي تبلورت في شكل إنقلابات عسكرية (1960-1971-1980) جاءت التدخلات أكثر كتماناً ولكنها مؤسسية وفاعلة، وكان أبرز صورهارفع الحصانة البرلمانية عن نواب أكراد وإسلاميين 1994، والإطاحة بحزب الرفاة من السلطة عام 1997، وعلى الرغم من تأسيس وزارة مكلفة بحقوق الإنسان إلا أن الدولة العميقة واصلت قمع الأصوات المعارضة وصرتها على انها خيانة للأمة، كما اصبح التلاعب بالإعلام تقنية شرعية لتشويه سمعة جمعيات حقوق الإنسان والصحفيين الليبراليين، وتم تسمية القوميين الاكراد والإسلاميين على أنهم أعداء استراتيجيين للبلاد، كما تم التشهير بالمثقفين واستخدام إعلاميون وأساتذة جامعيون لحشد الرأي العام في بعض الأحداث التي تتعلق بحزب العمال الكردستاني او الإسلاميين لحشد وذلك للترويج بانهم يعملون على تدمير الوطن. ([42])
ولقد قامت سائل الإعلام التركية – وثيقة الصلة بمنظمة أرجنكون – بتلفيق العديد من القصص التي تشوِّه صورة الإسلاميين وتحاول إقناع الناس بأنهم ليسوا منحرفين سياسيا فحسب، ولكن منحطين أخلاقيا أيضا، وكان للمشايخ حظهم الأوفر من التشهير الذي تعمد تقديمهم بحسبانهم أفاقين وشهوانيين ولا هم لهم سوى ممارسة الجنس والاتجار في الأعراض، وكذلك حملات التشويه التي تخوف الأتراك من عودة الخلافة، ومن شبح الشريعة، وربطها بالتطرف والإرهاب. ([43])
ومن الامثلة على ذلك ما نشرت صحيفة “أكيب” لصورة لسيدة ترتدي خمارا وإلى جوارها صور لثلاثة أشخاص وكان ذلك ضمن تقرير تحدث عن ممارسة السيدة لأعمال منافية للآداب، اعترف بها الأشخاص الثلاثة، ولقد تعرف على الصورة أحد الصحفيين الأتراك الذين درسوا في مصر ويتابع المجلات العربية على صاحبة الصورة، وهي الممثلة المصرية آثار الحكيم، وتوصل إلى أن الصورة كانت على غلاف مجلة “سيدتي” (عدد 18 يناير1997) وحين رجع إلى المجلة وجد أن صور الأشخاص الثلاثة هي لمصريين نشرت صورهم في العدد ذاته، في سياق مختلف تماما، كما نشرت إحدى الصحف كذلك صورة للسيدة زينب الغزالي، الشخصية الإسلامية المعروفة في مصر وإلى جوارها صورة شبه عارية لفتاة وسط تقرير ادعت الصحيفة فيه أن الفتاة زوجة ابنها وأنها تبيع جسدها للراغبين. ([44])
7- أردوغان ومواجهة الدولة العميقة :
هناك مجموعة من العوامل ساعدت أردوغان في التعامل مع الدولة العميقة وفضحها أمام الرأي العام التركي والعالمي نذكر منها ما يلي:
– التحصن بالدعم الشعبي:
يعتبر أن الخطوة الأولى لمواجهة الدولة العميقة هو وجود مساندة شعبية كبيرة لحكومة منتخبة، تثق الأغلبية في تستطيع تحقيق انجازات ملموسة على الأرض في حالة التمكين لها، وهو ما يسميه د.إبراهيم البيومي غانم بالتئام الشرعية الشعبية مع الشرعية الرسمية القانونية وقد تم هذا الالتئام بين الشرعيتين بوصول حزب العدالة والتنمية للحكم بانتخابات حرة جرت سنة 2002. ([45])
وكانت خطوات أردوغان سريعة في البرهنة على أن حكومته تقف في جانب هذه الأغلبية التي تراهن على تحقيق مالك تحققه الحكومات السابقة فتم توزيع 1.5 مليون طن من الفحم مجاناً على العائلات الفقيرة واستمر ذلك سنويا ولاسيما فى المناطق الباردة, حيث كانت هذه العوائل تقضى الشتاء من دون تدفئة كافية، وقد استفاد من هذه المعونة 4 ملايين شخص سنويا. كما تم بناء 280 ألف شقة خصصها للعوائل الفقيرة بأقساط سهلة وميسرة، وهى أقل من الإيجار الشهرى، وتم فتح أبواب جميع المستشفيات أمام جماهير الشعب حتى المستشفيات الخاصة, حيث يقوم المريض بدفع نسبة قليلة من تكلفة العلاج وتتولى الحكومة دفع الباقى. كما أنشأ 39 جامعة جديدة.([46])
– تعديل مسار الاقتصاد:
كان للإنجازات الاقتصادية دور كبير في مساعدة أروجان على مواجهة الدولة العميقة فاستطاع في الفترة الاولى لرئاسته الحكومة (2002-2007م) تقوية الاقتصاد التركى, ورفع مستوى رفاهية الشعب التركى، وزيادة الدخل القومى التركى، فقد وصلت حكومة العدالة والتنمية إلى الحكم والبلاد تعاني من أزمة اقتصادية حادة، فقامت الحكومة بتغيير مجموعة من الافتراضات والمبادئ الأساسية التي اعتمد عليها صندوق النقد الدولي في وصْفته لعلاج الاقتصاد التركي، ووضعت نصب عينيها هدفًا يتمثل في أنْ تتجاوز معدّلات الاستثمار نسبة 30% من الناتج القومي الإجمالي، وحدّدت العديد من الإجراءات التي يتعين اتّخاذها لتحقيق هذا الهدف، منها: ([47])
- زيادة التقشف وخفض النفقات.
- جذب رؤوس الأموال الخارجية بشكل مباشر.
- تأمين الطاقة وضمانها بأسعار اقتصادية على المستوى البعيد.
- إصلاح التعليم المهني وحل مشكلة نقص الأيدي الماهرة، وتحسين بيئة العمل.
- إصلاح الجهاز الإداري للدولة وضمان الشفافية والمراقبة والمحاسبة.
ونجحت حكومة العدالة والتنمية في تخفيض نسبة التضخم من 37% إلى 9% تقريبا وكذلك تخفيض نسبة الفائدة الحقيقية من 65% إلى 15% تقريبا، وارتفعت قيمة الليرة التركية, حيث راهنت حكومة حزب العدالة والتنمية على ذلك من خلال حذف ستة أصفار من الليرة التركية وادعت جميع الأحزاب الأخرى وجميع الصحف المساندة لها أن حزب العدالة لن ينجح في ذلك، ولكنه نجح وأصبحت الليرة التركية قريبة من الدولار الأمريكى ، كما كان متوسط دخل الفرد التركى عند مجىء الحزب إلى السلطة 2500 دولار تقريبا، وارتفع نتيجة التحسن الاقتصادى إلى 5500 دولار تقريبا، وزادت الصادرات التركية من 36 مليار دولار عند تسلمه الحكم إلى 95 مليارا، كما تم تخفيض ديون تركيا لدى صندوق النقد الدولى من 23 مليار دولار، إلى 9 مليارات فقط. ([48])
– محاربة الفساد:
شهدت الفترة التي سبقت وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة أعمال فساد كبيرة في تركيا حيث قام العديد من السياسيين ورجال الأعمال بنهب البنوك الرسمية الحكومية, وفي بعض التقديرات يصل ما تم نهبه ما يزيد على 46 مليار دولار, تم تهريب معظمها للخارج, فجاء أردوغان ووضع يد الدولة على أملاك هؤلاء, وعلى بيوتهم ومصانعهم ويخوتهم وسياراتهم الفارهة وقدمهم للمحاكمة. ([49])
وقد شملت عمليات التطهير مسؤولين رفيعي المستوى في الدولة، من أبرزهم تانسو تشيللر ومسعود يلماظ – وهما من رؤساء الوزراء السابقين- حيث تم التحقيق معهم، يؤكد توجهها نحو الإصلاح، وخفضت الحكومة نفقاتها إلى أبعد مدى، فخفضت عدد الوزارات، وباعت الآلاف من السيارات الحكومية والبيوت الفاخرة التي كانت مخصّصة للنوّاب. وشكّلت لجانًا برلمانية لتعقّب الفاسدين الذين سرقوا البنوك الحكومية والخاصّة، وأصدرت قانونًا يسمح لها بوضع اليد على أموال أصحاب هذه البنوك ومديريها، وأموال أقاربهم من الدرجة الأولى والثانية، واسترداد قيمة ما نُهب من هذه الأموال وتحويلها إلى خزينة الدولة.([50])
– التدرج وتجنب أسلوب الصدمات العنيفة:
استفاد حزب العدالة التركي من أخطاء الأحزاب الإسلامية التي سبقته، فتجنب الاصطدام بخصومه من العسكر والقوميين والعلمانيين والقضاء، فلم يتعرض في بداية عهده لقضايا خلافية شائكة كالهوية أو الحجاب أو العلمانية أو دور الجيش في السياسة، وإنما بدأ الحزب بتحقيق إنجازات تنموية أوجدت بدورها له شعبية جارفة ساندته في صراعه لاحقا مع أولئك الخصوم. ([51])
ولأن أركان الفساد والاستبداد تتشكل من مركب ولاءات يضم رجال أعمال، ومؤسسات إعلامية، وأصحاب مناصب رفيعة فى الإدارة المدنية والأمنية، وبعض قيادات المؤسسة العسكرية، فكان من الصعب أن تشن حكومة أردوغان هجوم كاسح وشامل وخاطف لضرب كل تلك الولاءات دفعة واحدة؛ ولكنها اتبعت نموذج الثورة الديمقراطية الصامتة حيث بدأت بتجفيف منابع الفساد ومحاكمة رموزه أولا بأول، ثم اجتذبت أغلبية جمعيات رجال الأعمال الوطنيين وكسبت ثقتهم بضمان مصالحهم فى إطار القانون، ثم أفسحت المجال أمام القوى الإسلامية والوطنية الصاعدة للمنافسة فى قطاع الأعمال الخاص وفى السوق الإعلامية بكل وسائلها وكسرت احتكار وكالات الأنباء والصحف والمحطات الفضائية ودور النشر التى كانت تغطى على سياسات الفساد والاستبداد والفشل، واتبعت الحكومة سياسة الإحلال ثم الإزاحة؛ خطوة خطوة، من أجل إصلاح المؤسسات الأمنية والعسكرية. ([52])
– الإصلاحات الدستورية والقضائية:
عملت حكومة العدالة والتنمية على إدخال مجموعة كبيرة من الإصلاحات الدستورية لتدعيم الديمقراطية والتخلص من المود التي أدخلها الجيش في دستور 1983 بعد الإنقلاب العسكري، والتي كانت تسبب عقبة في سبيلها وتركز التعديلات الدستورية على مسألتين أساسيتين، الأولى: إعادة هيكلة مؤسسات القضاء (زيادة عدد أعضاء المحكمة الدستورية من 11 إلى 17, وعدد أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والمدعين العامين من 7 إلى 22), فضلا عن تغير آليات انتخاب كبار القضاة والمدعين العامين وطريقة تعينهم ( يتم اختيارهم من قبل المجلس الوطني التركي الكبير ورئيس الجمهورية، بدلاً من تعيينهم من قبل المؤسسة العسكرية)، الثانية: محاكمة العسكريين بما في ذلك كبار قادة الجيش أمام المحاكم المدنية بدلا من العسكرية, وهذه مسألة في غاية الأهمية بالنسبة لحزب العدالة في ظل المعركة المستمرة مع شبكة الأرجنكون ومحاكمة الضباط المتورطين في المحاولة الانقلابية – المعروفة بالمطرقة- ضد حكومة رجب طيب أردوغان. ([53])
بالإضافة إلى التعديلات التالية: ([54])
– أن تجرى انتخابات المجلس الوطني التركي الكبير كلّ أربع سنوات بدلاً من خمس سنوات.
-أن ينتخب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرةً، من بين أعضاء المجلس الوطني التركي الكبير ممن أتموا الأربعين من العمر ويحملون شهادةً دراسية عليا، أو من بين المواطنين الأتراك الذين يحملون نفس الصفات والمؤهلين للانتخاب النيابية.
– تكون مدة ولاية رئيس الجمهورية خمس سنوات بدلاً من سبع سنوات، ولمدّتين على الأكثر.
كما تم سن العديد من القوانين التى تزيد من مساحة الحرية الفردية وكرامة الإنسان, فمثلا تم تحريم التعذيب فى السجون وفى مخافر الشرطة، وعوقب كل من لم يلتزم بذلك، وزادت حرية التجمع الجماهيرى والمظاهرة وحرية إبداء الرأى, وسن قانون حق الفرد فى الحصول على المعلومات، وحق الأقليات فى التعلم بلغاتها، فأصبح فى مقدور الأكراد البث التلفزيونى وإصدار المجلات والصحف باللغة الكردية. ([55])
وفور الموافقة على تعديل مواد الدستور في الاستفتاء الشعبي، دخلت التعديلات الدستورية حيز الحياة السياسية والعامة في البلاد، ففي خطوة غير مسبوقة تقدم المئات من أعضاء جمعيات ومنظمات حقوقية (مظلوم در –جمعية حقوق الإنسان –منتدى لا يكفي لكن نعم –جمعيات ونواب أكراد) بطلبات إلى المحاكم المدنية لمحاكمة قادة الانقلاب العسكري عام 1980 وعلى رأسهم قائد الانقلاب الجنرال كنعان أيفرين حيث سمحت التعديلات بإبدال المادة 15 التي كانت تمنع أي شخص من رفع دعاوى قضائية ضد الذين شاركوا في الانقلابات العسكرية. ([56])
– تحجيم هيمنة العسكر
قام حزب العدالة والتنمية بإجراء تعديلات جوهرية في بنية المؤسسة العسكرية، ويمكن الإشارة في هذا السياق لما يلي:
– بالنسبة لمجلس الأمن القومي فقد تم تحويله إلى جهاز استشاري وذلك بتعديل المادّة (4) من القانون الخاص به لتقتصر مهامه على رسم سياسة الأمن الوطني وتطبيقها، وإخبار مجلس الوزراء بآرائه، ثم ينتظر ما يسند إليه من مهامّ ليقوم بتنفيذها ومتابعتها، كما عدلت المادة (5) ليصبح اجتماع المجلس مرة كل شهرين بدلاً من كل شهر، كما سلبت أمانته العامة دورها الرقابي ومبادرتها في إعداد قرارات مجلس الأمن القومي ووضع الخطط والمشروعات للوزارات والهيئات والمؤسّسات وذلك بتعديل المادة (13) لتصبح مهمة أمانته قاصرة على تنفيذ ما يكلفها به المجلس من مهام، كما تم إلغاء الفقرة الخاصّة بوجوب تعيين الأمين العام لمجلس الأمن القومي من أعضاء القوات المسلحة برتبة فريق من المادة (15) لتنص على إمكانية تولِّي شخصية مدنيّة منصب الأمين العام للمجلس، وبالفعل عين محمد البوجان في 17-8-2004، ليكون بذلك أول شخصية مدنية تتولى منصب الأمين العام لمجلس الأمن القومي. ([57])
– أصبحت المؤسّسة العسكرية وكوادرها خاضعين لإشراف الجهاز المركزي للمحاسبات ومراقبته بعد تعديل المادة (30) من قانون الجهاز المحاسبي التي كانت تعفي الكوادر العسكريّة من الخضوع للرّقابة الماليّة.
– جعل المجلس الأعلى للتعليم واتحاد الإذاعة والتليفزيون مؤسستين مدنيتين دون وجود أيّ رقيب عسكري وذلك بإلغاء عضوية الجنرال العسكري داخل كل من مجلس إدارة المجلس الأعلى للتعليم، واتحاد الإذاعة والتلفزيون (المادة 131).
– السماح برفع الدعاوى القضائية لاستجواب الجنرالات القدامى ومقاضاتهم بشأن قضايا الفساد، وإلزام العسكريّين بالإدْلاء بالتّصريحات الإعلاميّة في المجالات التي تتناول الشّأن العسكري والأمني فقط، وتحت إشراف السلطة المدنية. ([58])
– قيام لجان من المجلس الوطني التركي الكبير ووزارة المالية بمراجعة نفقات المؤسّسة العسكرية، وهو ما لم يكن مسموحاً به من قبل، مع بقاء فقرات سرّية تعتبر من أسرار الدولة، وكذلك اختصاص المحاكم المدنية بمحاكمة العسكريين، بمن فيهم رئيس الأركان وقادة صنوف القوات المسلّحة. ([59])
الخاتمة والنتائج:
بعد استعراض التجربة التركية فيما يخص الدولة العميقة نستطيع أن نصل إلى نتيجة مؤداها أن الدولة العميقة حالة يعاني منها كثير من الدول التي تخضع لحكومات سلطوية وتختلف درجة العمق باختلاف حجم الفساد المتوغل داخل أركان الدولة فكلما زاد الفساد أصبحت له هياكل وأطر وارتبطت مصالح الفاسدين وتشابكت وأصبحت المصالح تسير في نفس الإتجاه، مكونة دولة داخل الدولة.
ويرى الباحث من خلال الدراسة أن الدولة العميقة في تركيا بدأت مع نشأة الدولة التركية الحديثة منذ أن تم إطلاق العنان للمؤسسة العسكرية لتصبح المؤسسة المركزية في النظام السياسي التركي، فما كان لمنظمة الأرجنكون أن تنشأ لولا وجود البيئة الخصبة لنشوئها واستمرار عملها تلك الفترة الطويلة.
كما وجد الباحث من خلال الدراسة أن مقاومة تلك الدولة لم تتوقف على مدار تاريخ تركيا الحديث فقدرة حزب العدالة والتنمية على الصمود في وجه مؤسسات الدولة العميقة كان نتاج تاريخ طويل من المقاومة والضغط، حتى وصلنا إلى اللحظة التي استطاعت فيها قوى المقاومة أن تطرح نفسها بقوة من خلال ترجمة المساندة الشعبية الكبيرة إلى واقع يرضي طموح الشعب التركي من خلال زيادة معدلات الاقتصاد وتحسين مكانة تركيا الدولية.
قائمة المراجع:
أولاً المراجع العربية:
1- الكتب:
-حميد بوزرسلان(ترجمة حسين عمر)، تاريخ تركيا المعاصر، (بيروت: المركز الثقافي العربي، 2010).
– رضا هلال، السيف والهلال: تركيا من أتاتورك إلى أربكان- الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي، (القاهرة: دار الشسروق، 1999).
– طارق عبدالجليل، الحركات الإسلامية في تركيا المعاصرة- دراسة في الفكر والممارسة، (القاهرة، جواد الشرق للنشر والتوزيع، 2001).
– طارق عبدالجليل، دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية في تركيا المعاصرة ، (القاهرة: جواد الشرق للنشر والتوزيع، 2001) .
– علي محمد محمد الصلابي، الدولة العثمانية، عوامل النهضة وأسباب السقوط، (دار التوزيع والنشر الإسلامية ، 2001).
– كمال حبيب، الدين والدولة في تركيا المعاصرة: صراع الإسلام والعلمانية، (القاهرة: مكتبة جزيرة الورود، 2010).
– لقاء مكي (تحرير) ، تركيا – صراع الهوية، (الدوحة: مركز الجزيرة للبحوث والدراسات، أكتوبر 2006).
– محمد عبدالعاطي(تحرير)، تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج ، (بيروت: الدار العربية للعلوم، 2010).
– محمد نور الدين، تركيا: الجمهورية الحائرة- مقاربات في الدين والسياسة والعلاقات الخارجية، (بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1998).
2- الدوريات:
– أورخان محمد على، ماذا يريد أردوغان وحزبه، منبر الشرق،، العدد 23، ( القاهرة: المركز العربي للدراسات، 2007).
– إدريس بووانو، تجربة الإسلاميون في تركيا، المتابع الإستراتيجي، العدد 21، القسم الثالث، (بغداد: مركز الكاشف للمتابعة والدراسات الاستراتيجية، ديسمبر 2010)
– معمر الخولي، الإصلاحات الداخلية في تركيا، سلسلة دراسات وأوراق بحثية، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوليو 2011).
3- محاضرات:
– د. إبراهيم البيومي غانم، محاضرة في ندوة “الدولة العميقة – أطراف وتشابكات”، القاهرة: اتحاد الأطباء العرب، 11 يوليو 2011.
4- الصحف
- إبراهيم البيومى غانم، مصر ودروس الثورة التركية الصامتة، جريدة الحرية والعدالة، 13/2/2012.
- ————، جدلية الثورة والانقلاب، جريدة الأهرام، 24 يوينو 2012.
- فهمي هويدي، سؤال الدولة العميقة في مصر، صحيفة الشرق القطريه، 12/6/2012.
- ——-، أستعدنا أتاتورك وليس أردوغان، جريدة الشروق المصرية، 26 يونيو 2012.
- ——–، سؤال الدولة العميقة في مصر، صحيفة الشرق القطريه، 12/6/2012.
5- شبكة المعلومات الدولية:
– أساطير تركية، مدونة إلكترونة، سبتمبر 2012 (http://khatab38.blogspot.com/2010/11/blog-post_8734.html).
– د.بشير عبدالفتاح، الثورة والدولة الخفية فى مصر، موقع العرب نيوز، سبتمبر 2012 العرب، http://www.alarabnews.com/show2.asp?NewId=28512&PageID=12&PartID=1
– بشير عبدالفتاح، الإسلاميون في الحكم ما بين مصر وتركيا، موقع الجزيرة نت، سبتمبر 2012،(http://www.aljazeera.net/analysis/pages/095d9d09-6f6c-4089-a91b-894d19088a76
– تركيا بين خيار الإصلاح أو العودة إلى الخلف، مركز الجزيرة للدراسات، سبتمبر 2012، (http://www.turess.com/alfajrnews/29648)
– خورشيد دلي، تركيا وأكرادها- جدل التصعيد والحل، موقع الجزيرة نت، 2012)http://www.aljazeera.net/analysis/pages/f173fc47-c718-43d1-b61f-12c53ae17830(.
– خورشدي دلي،تركيا ومعركة الاستفتاء، موقع الجزيرة نت،سبتمبر 2012، (http://www.aljazeera.net/analysis/pages/c9ec8e30-9890-43d9-9142-cad95c092516).
– خورشيد دلي، أردوغان وحلم الرئاسة، موقع الجزيرة نت، 3/10/2010، (http://www.aljazeera.net/analysis/pages/c9778088-bfe1-4ef4-8a04-9d4db892773a).
– د.راغب السرجاني، قصة الحركة الإسلامية في تركيا http://islamstory.com/%D9%82%D8%B5%D8%A9_%D8%A7%D9%84% 7(
– لقمان عمر محمود النعيم، القضاء ساحة للصراع- كماشة القانون بديل للانقلابات العسكرية، موقع الجزيرة نت،2012، (http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/ce704f60-9720-4928-bde8-54ba06954c29)
– محمد السالك ولد إبراهيم ، من الكلاديو إلى القاعدة: من يقف وراء الإرهاب؟، الحوار المتمدن، العدد: 3186 ، سبتمبر 2012 ، (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=235287)
– مصطفى فؤاد، عرض كتاب كريم أوكتم، أمة غاضبة: تركيا منذ 1989، سبتمبر 2012 (http://www.aljazeera.net/books/pages/776a5100-8420-412c-b87a-434d02999369).
– محمد طه، مفهوم الدولة العميقة، موقع هسبريس المغربي، سبتمبر 2012، ( http://www.maghress.com/hespress/39132)
– ممدوح الشيخ، ما وراء موقف أردوغان في “دافوس”- فصل مثير من تاريخ “دولة التنظيم السري”: “أرجينكون” الحكومة التركية الخفية في قفص الاتهام، سبتمبر 2012، (http://mamdouhalshikh.elaphblog.com/posts.aspx?U=619&A=18276).
ثانياً”: المراجع الأجنبية:
- Gareth H. Jenkins, Between Fact and Fantasy: Turkey’s Ergenekon Investigation, Washington: Central Asia-Caucasus Institute & Silk Road Studies Program, Silk Road Paper, August 2009.
- Akin Unver, Turkey’s Deep State and The Ergenekon Conundrum, The Middle East Institute Policy Brief, No.3, April 2003.
([1] ) فهمي هويدي، سؤال الدولة العميقة في مصر، صحيفة الشرق القطريه، 12/6/2012.
([2] ) د. إبراهيم البيومي غانم، محاضرة في ندوة “الدولة العميقة – أطراف وتشابكات”، القاهرة: اتحاد الأطباء العرب، 11 يوليو 2011.
([3] ) د.بشير عبدالفتاح، الثورة والدولة الخفية فى مصر، موقع العرب نيوز، سبتمبر 2012 العربhttp://www.alarabnews.com/show2.asp?NewId=28512&PageID=12&PartID=1
([4] ) محمد طه، مفهوم الدولة العميقة، موقع هسبريس المغربي، سبتمبر 2012،
( http://www.maghress.com/hespress/39132)
([5] ) الطورانية تسمية تشير الى وطن الأتراك الأصلي ونسبته الى جبل توران الواقع في المنطقة الشمالية الشرقية في إيران، وتعبر الطورانية عن أن الترك هم من أقدم أمم الأرض وأعرقها مجداً وأسبقها الى الحضارة، وأنهم هم والجنس المغولي واحد في الأصل، وتدعوا الطورانية إلى إحياء عقائد الترك الوثنية السابقة على أسلافهم، كالوثن التركي القديم (بوزقورت) أو الذئب الأبيض -الأسود الذي صوروه على طوابع البريد ووضعوا له الأناشيد وألزما الجيش أن يصطف لإنشادها عند كل غروب، وكأنهم يحلون تحية الذئب محل الصلاة، مبالغة منهم في إقامة الشعور العرقي محل الشعور الاسلامي، انظر، علي محمد محمد الصلابي، الدولة العثمانية، عوامل النهضة وأسباب السقوط، ( القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية ، 2001)، ص 736
([6] ) هاشم الشبيب، المجتمع التركي بين ثقافتين، في لقاء مكي (تحرير) ، تركيا – صراع الهوية، مركز الجزيرة للبحوث والدراسات، أكتوبر 2006، ص 36.
([7] ) فكري شعبان، نشأة العلمانية وقواها في تركيا، في لقاء مكي (تحرير) ، مرجع سابق، ص9 36.
([8] ) أورخان محمد على، ماذا يريد أردوغان وحزبه، منبر الشرق، القاهرة: المركز العربي للدراسات، العدد 23، 2007، ص ص 15-16.
([9] ) حميد بوزرسلان(ترجمة حسين عمر)، تاريخ تركيا المعاصر، ( بيروت: المركز الثقافي العربي، 2010)، ص ص 125
([10] ) حميد بوزرسلان، المرجع السابق، ص ص 125-127
([11] ) محمد نور الدين، تركيا: الجمهورية الحائرة- مقاربات في الدين والسياسة والعلاقات الخارجية، بيروت: مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق، 1998، ص 85
([12] ) رضا هلال، السيف والهلال: تركيا من أتاتورك إلى أربكان- الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي، (القاهرة: دار الشسروق: 1999)، ص ص 8-9.
([13] ) طارق عبدالجليل، الجيش والحياة السياسية- تفكيك القبضة الحديدة، في” تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج” ، (تحرير محمد عبدالعاطي)، ( بيروت: الدار العربية للعلوم، 2010)، ص 70.
([14] ) كمال حبيب، الدين والدولة في تركيا المعاصرة: صراع الإسلام والعلمانية، ( القاهرة: مكتبة جزيرة الورود، 2010)، ص 223.
([15] ) رضا هلال، السيف والهلال: تركيا من أتاتورك إلى أربكان- الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي، ( القاهرة: دار الشروق: 1999)، ص ص 7-8، 20.
([16] ) طارق عبدالجليل، دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية في تركيا المعاصرة ، ( القاهرة: جواد الشرق للنشر والتوزيع، 2001)، ص 217 .
([17] ) طارق عبدالجليل، الجيش والحياة السياسية- تفكيك القبضة الحديدة، مرجع سابق، ص 72- 73.
([18] ) إبراهيم البيومي غانم، جدلية الثورة والانقلاب ، جريدة الأهرام، 24 يوينو 2012.
([19])د.راغب السرجاني، قصة الحركة الإسلامية في تركيا،
(http://islamstory.com/%D9%82%D8%B5%D8%A9_%D8%A7%D9%84% 7)
([20] ) محمد نور الدين، تركيا الجمهورية الحائرة، مرجع سابق، ص 97 .
([21] ) حميد بوزرسلان، مرجع سابق، ص 105 .
([22] ) طارق عبدالجليل، الجيش والحياة السياسية، مرجع سابق، ص 74.
([23] ) طارق عبدالجليل، الحركات الإسلامية في تركيا المعاصرة- دراسة في الفكر والممارسة، ( القاهرة، جواد الشرق للنشر والتوزيع ، 2001)، ص 131.
([24] ) لقمان عمر محمود النعيم، القضاء ساحة للصراع- كماشة القانون بديل للانقلابات العسكرية، موقع الجزيرة نت،2012، (http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/ce704f60-9720-4928-bde8-54ba06954c29)
([25] ) لقمان عمر محمود النعيم، المرجع نفسه.
([26] ) إدريس بووانو، تجربة الإسلاميون في تركيا، المتابع الإستراتيجي، القسم الثالث، العدد 21، (بغداد: مركز الكاشف للمتابعة والدراسات الاستراتيجية، ديسمبر 2010)، ص ص 46-47
([27] ) فهمي هويدي، أستعدنا أتاتورك وليس أردوغان، جريدة الشروق المصرية، 26 يونيو 2012 .
([28] ) خورشيد دلي، تركيا وأكرادها-جدل التصعيد والحل، موقع الجزيرة نت، 2012)http://www.aljazeera.net/analysis/pages/f173fc47-c718-43d1-b61f-12c53ae17830(.
([29] ) محمد السالك ولد إبراهيم ، من الكلاديو إلى القاعدة: من يقف وراء الإرهاب؟، الحوار المتمدن، العدد: 3186 ، سبتمبر 2012 ، (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=235287)
([30] ) هناك روايات أخرى لأسطورة أرجنكون كلها تحكي كيف استطاع الشعب التركي التوالد من جديد في فترة كان فيها على شفى حفرة من الإنقراض، ومن أهم هذه الروايات أن الأتراك كانوا يسكنون على الضفة الغربية من بحر الغرب، وقد هزموا هناك على يد جيشٍ لدولة تدعى لين، فتم القضاء على جميع الأتراك ولم بنجو من تلك المذبحة سوى فتى في العاشرة من عمره، قاموا بتقطيع ذراعيه وساقيه ورموه في أحد المستنقعات، علم فيما بعد ملك دولة لين فأوامر بالبحث عن الطفل وقتله وذلك للتأكد من القضاء على الأتراك بشكلٍ نهائي، وفي هذه الأثناء كانت ذئبة قد وجدت ذلك الفتى وحملته بأنيابها إلى أحد المغاور في جبال الآلتاي حيث البرد القارس والمرتفعات العالية التي يصعب الوصول إليها، وكان هناك سهلٌ فسيح داخل تلك المغارة، حدوده الأربعة موصدة بجبالٍ شاهقة منيعة يصعب تجاوزها، قامت الذئبة بلعق جروح الفتى وعلاجه، وظلت ترعاه حتى كبر، وتزوج من الذئبة، وقد انجب هذا الزواج له عشرة أبناء، كبروا وبدء الأتراك بالتكاثر والإنتشار، وأسسوا جيشاً هاجم دولة لين وقضوا عليها تماماً، واحتراماً لذكرى تلك الذئبة وتقديساً لما فعلته تجاه بقاء نسل الشعب التركي قاموا بوضع ألوية وبيارق تحمل رأس ذئب أمام خيامهم، انظر، أساطير تركية مدونة الكترونية، سبتمبر2012 (http://khatab38.blogspot.com/2010/11/blog-post_8734.html).
([31] ) فهمي هويدي، سؤال الدولة العميقة في مصر، صحيفة الشرق القطريه، 12/6/2012.
)[32] (H.Akin Unver, Turkey’s Deep State and The Ergenekon Conundrum, The Middle East Institute Policy Brief, No.3, April 2003, p 7
)[33] (Gareth H. Jenkins, Between Fact and Fantasy: Turkey’s Ergenekon Investigation, Washington: Central Asia-Caucasus Institute & Silk Road Studies Program, Silk Road Paper, August 2009, p 16
([34] )أورخان محمد علي، مرجع سابق، ص 16.
)[35] (H.Akin Unver, op.cit, p 7
([36] ) كمال السعيد حبيب، الإسلاميون – من الهامش إلى المركز، في محمد عبدالعاطي (تحرير)، تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج، مرجع سابق، ص 114
([37] ) ممدوح الشيخ، ما وراء موقف أردوغان في “دافوس”- فصل مثير من تاريخ “دولة التنظيم السري”: “أرجينكون” الحكومة التركية الخفية في قفص الاتهام، سبتمبر 2012، (http://mamdouhalshikh.elaphblog.com/posts.aspx?U=619&A=18276).
([38] ) فهمي هويدي، سؤال الدولة العميقة في مصر، مرجع سابق.
([39] ) مصطفى فؤاد، عرض كتاب كريم أوكتم، أمة غاضبة: تركيا منذ 1989، سبتمبر 2012 (http://www.aljazeera.net/books/pages/776a5100-8420-412c-b87a-434d02999369).
([40] ) تركيا بين خيار الإصلاح أو العودة إلى الخلف، مركز الجزيرة للدراسات، سبتمبر 2012، (http://www.turess.com/alfajrnews/29648)
([42] ) حميد بوزرسلان(ترجمة حسين عمر)، تاريخ تركيا المعاصر،( بيروت: المركز الثقافي العربي، 2010)، ص ص 129-130
([43] ) ممدوح الشيخ، مرجع سابق.
([45] ) إبراهيم البيومى غانم، مصر ودروس الثورة التركية الصامتة، جريدة الحرية والعدالة، 13/2/2012.
([46] ) معمر الخولي، الإصلاحات الداخلية في تركيا، سلسلة دراسات وأوراق بحثية، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوليو 2011، ص 14.
([47] ) براهيم أوزتورك، التحولات الاقتصادية التركية بين عامي 2002-2008 ، في: محمد عبد العاطي، تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج، مرجع سابق، ص ص 49-52.
([48] )أورخان محمد علي، مرجع سابق، ص ص 18-20.
([49] )أورخان محمد علي، مرجع سابق، ص ص 18-20.
([50] ) معمر الخولي، الإصلاحات الداخلية في تركيا، سلسلة دراسات وأوراق بحثية، الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوليو 2011، ص 14.
([51] ) بشير عبدالفتاح، الإسلاميون في الحكم ما بين مصر وتركيا، موقع الجزيرة نت، سبتمبر 2012،( http://www.aljazeera.net/analysis/pages/095d9d09-6f6c-4089-a91b-894d19088a76) .
([52] ) إبراهيم البيومى غانم، جريدة الحرية والعدالة، 13/2/2012.
([53] ) خورشدي دلي،تركيا ومعركة الاستفتاء، موقع الجزيرة نت،سبتمبر 2012، (http://www.aljazeera.net/analysis/pages/c9ec8e30-9890-43d9-9142-cad95c092516).
([54] ) معمر الخولي، مرجع سابق، ص ص 21-22.
([55] )أورخان محمد علي، مرجع سابق، ص 20.
([56] ) خورشيد دلي، أردوغان وحلم الرئاسة، موقع الجزيرة نت، 3/10/2010، (http://www.aljazeera.net/analysis/pages/c9778088-bfe1-4ef4-8a04-9d4db892773a).
([57] ) معمر الخولي، مرجع سابق، ص 26.
([58] ) طارق عبدالجليل، الجيش والحياة السياسية- تفكيك القبضة الحديدة، مرجع سابق، ص ص 79.