المثلث الاستراتيجي : الجزائر، الطاقة و الولايات المتحدة الأميركية
بقلم الباحث : بن عائشة محمد الأمين – باحث في المركز الديمقراطي العربي
مع اعادة انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي أعطى دفعة جديدة للعلاقات الجزائرية الأمريكية التي شهدت تحسن خلال السنوات الأخيرة حيث اجتمعت معطيات متعددة عززت فرص توسيع التعاون الثنائي لا سيما في المجالين الأمني والاقتصادي.
دفعت التغيرات الهيكلية التي شهدها النظام الدولي لما بعد الحرب الباردة وانهيار الإتحاد السوفياتي بصانعي القرار في الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة تقويم و ترتيب منظومة مصالحهم وأولوياتهم القومية، حيث أن تزايد تهميش القارة الإفريقية ومنطقة المغرب العربي في منظومة التفاعلات الدولية، قد سمح لبعض دوائر صنع القرار في الإدارة الأمريكية الملتزمة بنشر القيم والمبادئ الأمريكية بطرح رؤية أمريكية جديدة اتجاه إفريقيا.
ومن الجلي أنه قبل عام 1989 ، استحوذت اعتبارات الحرب الباردة على اهتمامات صانعي القرار الأمريكي حتى أنها غطت على غيرها من الأهداف والمصالح الأخرى أما و قد تغيرت الأوضاع الدولية والإقليمية بزوال مناخ الحرب الباردة وظهور الولايات المتحدة كقوة عظمى تحاول بسط هيمنتها على النظام الدولي الجديد أفضت إلى إعادة توجيه السياسة الأمريكية نحو إفريقيا و المغرب العربي وظهرت خطوات جادة نحو زيادة الاهتمام بهذه المنطقة من قبل الرؤساء المتعاقبين على الإدارة الأمريكية، ولعل أوضحها هو تشكيل القاعدة العسكرية أفريكوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في إفريقيا هدفها حسب المزاعم الأمريكية حفظ السلام في القارة ، من هنا بدأت كل الدلالات تشير إلى المكانة الإستراتيجية التي أصبحت تحظى بها القارة الإفريقية في أجندة السياسة الأمريكية والتي تزايدت أكثر بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 .
العلاقات الجزائرية الأمريكية ليست وليدة اليوم حيث تم التوقيع على أول معاهدة صداقة بين البلدين سنة 1795 في عهد الرئيس جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، وظلت العلاقات السياسية بين البلدين منذ ذلك الوقت جيدة وهو ما تجلى في المسار التاريخي الذي ميز هذه العلاقات حتى في عز النهج الاشتراكي الذي اختارته الجزائر كنظام سياسي لها بعد الاستقلال، والذي أملته عليها ظروف تاريخية مرتبطة بالواقع الاستعماري وموجة حركات التحرر التي اجتاحت دول العالم الثالث خلال القرن الماضي، ولا يزال الأمريكيون يشيدون بالأدوار الدبلوماسية التي قامت بها الجزائر من أجل تسوية الأزمات سلميا كما حدث مع الإفراج عن الرهائن الأمريكيين الذين احتجزوا في طهران عام 1979،حيث لعبت الجزائر دورا رائدا من أجل الإفراج عنهم في 20 جانفي 1981.
وإذا كان الظرف الاستعماري الذي مرت به الجزائر لم يسهم في إعطاء البعد الكافي لتعميق علاقات التعاون الثنائية خلال فترات الرئاسة للجمهوريين في عهد الرئيس رونالد ريغان والديمقراطيين في عهد بيل كلينتون، فإن التطورات الدولية الراهنة التي فرضها النظام الدولي الجديد بعد سقوط المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي) سابقا قدم مفاهيم جديدة في العلاقات الدولية لم تعد معها الجزائر في بمنأى عن هذه المتغيرات، ما دفعها إلى تبني رؤية جديدة تساير هذه التطورات من خلال تنويع علاقات التعاون مع مختلف الشركاء وفق مبدأ تكريس براغماتية التعاون تخدم المصالح المشتركة، فبعد أن انحصرت مستويات التعاون في المجال المحروقاتي خلال عقود طويلة، تغير الاتجاه إلى التعاون الأمني في عهد الجمهوريين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة الأمريكية، التي أدركت حينها أن ظاهرة الإرهاب عابرة للحدود وأنها مشكلة عالمية. الجزائر في قلب الاستراتيجية الأميركية يشير الكاتب والصحفي الأمريكي “بوب ودورد” المشهور بفضيحة واترغيت في كتابه “خطة الهجوم” إلى أن صانعي القرار الأمريكي وضعوا الجزائر من بين الدول ذات الأهمية الاستراتيجية في مكافحة الإرهاب بعد هذه الأحداث، وأكد هذا الرأي التصريحات الأمريكية الرسمية المختلفة المنصبة في هذا الاتجاه من بينها ما ذهب إليه الرئيس جورج ولكر بوش في الرسائل التي بعث بها إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، إذ يحرص فيها ويشيد بالتعاون القائم بين البلدين في مجالات متعددة مثل مكافحة الإرهاب والتكوين القضائي والإصلاحات الاقتصادية، وهي التصريحات التي رددها السفراء الأمريكيون بالجزائر بدءا من ريتشارد ريدمان إلى السفير الجديد ديفيد بيرس بالقول أن “الجزائر تعد من بين شركائنا الأوائل في مكافحة الإرهاب”.
أهمية الجزائر الإستراتيجية والأمنية بالنسبة لواشنطن تكمن في المحاور المتعددة والمتقاطعة التي تقودها بلادنا على مستويات إقليمية متنوعة، وتعاملها مع الظاهرة بشكليها الأمني والسياسي، حيث انتقلت من مرحلة المأساة الوطنية إلى مرحلة السلم والمصالحة الوطنية إلى جانب احتضانها للمركز الإفريقي للدراسات والبحوث حول ظاهرة الإرهاب -ما جعل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أحد المرشحين لجائزة نوبل للسلام-، ما جعلها تكون محل تقارب أمني لفهم الظاهرة بالدراسات والتشاور المشترك، إلى جانب دورها المتميز داخل منظمة المؤتمر الإسلامي بفضل تجربة دبلوماسيتها الهادئة والمتوازنة، التي تمتد ما بين الوساطة في الحرب العراقية-الإيرانية في السبعينيات إلى الوساطة لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين بطهران مثلما ذكرنا سابقا، مرورا بالحل السلمي لقضية الطائرة الكويتية المختطفة التي حطت بمطار الجزائر في منتصف الثمانينيات، وكلها تجارب تأمل الكثير من القوى استغلالها في أزماتها الدولية، خصوصا مع الملف النووي الإيراني، الأزمة العراقية والقضية الفلسطينية التي أعلن عن قيام دولتها بالجزائر، كما يمكن أن يراهن صانعو القرار الأمريكيين على الجزائر للعب أدوار الوساطة بين القوى الإقليمية والدولية، فمتوسطيا تعد الجزائر شريكا استراتيجيا هاما مع الحلف الأطلسي، لامتداداتها البحرية على البحر المتوسط وكحلقة بين جنوب أوروبا وشمال إفريقيا وباعتبارها أيضا بوابة إستراتيجية نحو دول الساحل الأفريقي التي تهتم بها واشنطن في إطار مبادرة “البان-ساحل”.
شهدت العلاقات الجزائرية-الأمريكية سنة 2006 حركية سياسية ونشاطات دبلوماسية وأمنية مكثفة بين البلدين بداية بزيارة روبرت مولير رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي وشارل ف.وولد نائب قائد القوات الأمريكية في أوروبا، ودونالد رامسفيلد كاتب الدولة للدفاع، وقبلهم جميعا كانت زيارة وفد من الكونغرس بقيادة بيتر هويكسترا رئيس اللجنة الدائمة للاستعلامات، في جولة للتنسيق الأمني والاستخباراتي.
ولا بد من التذكير في هذا الصدد بالزيارة التي قامت بها كاتبة الدولة الأمريكية للشؤون الخارجية السيدة كوندوليزا رايس للجزائر في إطار جولة مغاربية التي رغم أنها جاءت في آخر أيام نهاية عهدة الرئيس الجمهوري جورج بوش، إلا أنها حملت رسائل تؤكد على الاهتمام الذي باتت توليه واشنطن للمنطقة المغاربية التي تنتمي إليها الجزائر.
تميزت العلاقات بين الجزائر و الولايات المتحدة الأمريكية خلال سنة 2011-2012 بتحقيق تقدم نوعي يشهد على توازن الروابط المتميزة التي تجمع البلدين، و تجسدت ديناميكية هذا التقارب في العلاقات الثنائية التي تعرف تزايدا مستمرا في الزيارات التي أصبحت منتظمة من قبل المسؤولين الأمريكيين إلى الجزائر، حيث أكد سفير الجزائر بواشنطن السيد عبد الله بعلي أن “العلاقات تعرف متانة و قوة أكثر على الصعيد الثنائي بالنسبة للمسائل السياسية و الاقتصادية و العسكرية و الأمنية وتوسعت لتشمل التشاور بشأن القضايا الإقليمية و الدولية”.
أهمية العلاقات الإستراتيجية مع الجزائر أكدها السيد “ديفيد بيرس” السفير الاميركي بالجزائر الذي أشار مؤخرا إلى أن “استقرار الجزائر وازدهارها مهم جدا لاستقرار المنطقة بأكملها” مضيفا أن الولايات المتحدة تتعاون” مع الجزائر في محاربة الإرهاب والتطرف وكذا في ترسيخ ثقافة التسامح والاعتدال”.
معربا عن أمله في أن تكون العلاقات الثنائية بين البلدين بمثابة “شراكة ديمقراطية تخدم السلام والازدهار ولاستقرار العلاقات الثنائية” وتجدر الاشارة إلى أن حجم المبادلات التجارية بين البلدين يبلغ 20 مليار دولار سنويا مما يجعل الجزائر الشريك الثاني للولايات المتحدة الأمريكية في العالم العربي.
دبلوماسية الطاقة تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية المستهلك النفطي الأول في العالم، فإنها تدرك أهمية النفط الإفريقي في إطار سياستها الطاقوية القائمة على تنويع مصادر الإمدادات، خصوصا لتجنب الصدامات النفطية المستقبلية في الشرق الأوسط، وهذا ما جعل “ج.فان ديك ، الرئيس المدير العام للشركة الأمريكية للنفط”فانكو إنرجي”يؤكد في سنة 2000على أنه:
“سيكون في المستقبل القريب الإنتاج اليومي من النفط في الخليج الغيني أكثر من الإنتاج النفطي اليومي في المملكة العربية السعودية”،ربما الإدراك الأمريكي لأهمية النفط الإفريقي، وخصوصا مع الاكتشافات الضخمة في إطارoffshore،جعل الشركات الأمريكية تستثمر بقوة في جنوب الصحراء بدعم من الإدارة الأمريكية، خصوصا وأن مناطق الإنتاج النفطي ومنها مناطق offshore تتميز ببعدها عن خطر اللاستقرار السياسي، مقارنة بالخليج العربي التي تعد براميل نفطية مشتعلة وسريعة الالتهاب بفعل الصراع العربي-الإسرائيلي وتنامي التيارات الجهادية السلفية المناهضة للمصالح الأمريكية.
وهنا قد نفهم التصريح الأخير للرئيس الأمريكي لماذا يصر على تخلي الولايات المتحدة الأمريكية على نفط الخليج بنسبة 75بالمائة مع مطلع سنة 2020. كما ترتقب وزارة الطاقة الأمريكية في إطار دراساتها الاستشرافية أن تصل الإمدادات الأمريكية من النفط الإفريقي إلى25بالمائة من النفط الذي تستهلكه الولايات المتحدة الأمريكية مقابل15بالمائة في الوقت الراهن، وستصل الاستثمارات الأمريكية في قطاع المحروقات في إفريقيا الغربية إلى35مليار دولار في الفترة ما بين-2003-2008،وهذا ما يوضحه التواجد الفعال للشركات النفطية الأمريكية في أنغولا ونيجيريا، وفي غينيا الاستوائية، حيث تتواجد مجموعة اكسون موبيل التي تستغل حقل زافيرو، وهي تعد أول متعامل نفطي في غينيا الاستوائية، كما تقوم الشركة النفطية شفرون بالبحث والاستكشاف، كما نجد الاستغلال الجماعي في حقل دوبا بالتشاد القائم بين شركتين أمريكيتين اكسون موبيلالتي تستحوذ على 40بالمائة وشفرون التي تملك25بالمائة والشركة الماليزية بيترناس التي تملك35بالمائة، ومن بين الشركات الثلاثة الأولى التي أبرمت عقود الاستكشاف في حقول ساوتومي نجد شركتين أمريكيتين وهما اكسون موبيل وكروم إنرجي. وفي هذا الإطار العام، تتوطد العلاقات الاقتصادية والتجارية بين واشنطن والجزائر حيث تحتل المحروقات صدارة المبادلات التجارية، حيث تمثل95بالمائة من قيمة الصادرات الجزائرية للولايات المتحدة الأمريكية، وتحولت واشنطن إلى أول شريك تجاري للجزائر بعدما كانت فرنسا تعتبر الشريك التجاري الأول للجزائر.