-المركز الديمقراطي العربي
بينما تعمل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما على تعزيز إنجازها البارز في السياسة الخارجية، تباطأت وتيرة العقوبات ضد إيران في ظل السلطات المتبقية.
وعلى الرغم من التأكيدات بأن الولايات المتحدة سوف “تفرض العقوبات بقوة ضد الأنشطة الإيرانية التي تتم خارج نطاق «خطة العمل المشتركة الشاملة»، من بينها تلك المتعلقة بدعم إيران للإرهاب، وزعزعة الاستقرار الإقليمي، وانتهاكات حقوق الإنسان، وبرنامج الصواريخ الباليستية”، إلا أن واشنطن لم تتخذ الإجراءات ضد هذه التحركات سوى ثلاث مرات منذ “يوم التنفيذ” في 16 كانون الثاني/ يناير، وما مجموعه ست مرات خلال العام الماضي.
في السياسة الخارجية نادراً ما يمكن التنبؤ بكارثة قبل عقدٍ من حدوثها. ولكن هذا ما حدث فعلياً الشهر الماضي حين أعدّت وكالة “أسوشيتد برس” تقريراً عن وثيقة لم يتم نشرها سابقاً تصف كيف تخطط إيران لتوسيع برنامجها النووي اعتباراً من كانون الثاني/يناير 2027، عن طريق تركيب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي القادرة على تخصيب اليورانيوم بصورة أسرع من نماذجها الحالية.
ومن المعروف جيداً أن الاتفاق النووي الإيراني ما هو إلا تسوية مؤقتة، إذ أنّ إيران ستُعتق من قيودها بعد أقل من عقدٍ الزمن.
ويطرح الباحث “مايكل سينغ” وهو زميل “لين سوينغ” الأقدم والمدير الإداري في معهد واشنطن في مقال نشر على مدونة “ثينك تانك” على موقع الـ “وول ستريت جورنال” ما الذي يمكن فعله الآن استعداداً لهذا الاحتمال ؟.
ويقول “مايكل سينغ” إنّ الاتفاق الّذي توصّلت إليه القوى العالمية الستّ مع إيران في شهر تموز/يوليو الماضي دقيقٌ في وصف القيود المفروضة على أنشطة طهران النووية على مدى العقد القادم كخطوات طوعيّة متوافقة مع خطّة إيران الخاصة. والأمر الذي ساعد النظام الإيراني على ما يبدو، على حفظ ماء الوجه هو عدم وضع الأمور في إطار قيودٍ فرضتها القوى الخارجية.
ويكمن التحدي هنا في أنّ “التخصيب وخطة التخصيب والأبحاث والتطوير” الإيرانية لا تصف ما يجب على إيران الإمتناع عن فعله في السنوات العشر الأولى من الاتفاق فحسب بل أيضاً كيف تتوقّع توسيع برنامجها النووي بعد ذلك.
ووضيف “سواء رأى مسؤولون في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تلك الوثيقة أم لا، فقد بدا أنهم على علم بنوايا إيران وبالتداعيات السياسية”.
وقد قال الرئيس أوباما لإذاعة “ناشيونل پابليك راديو” الأمريكية في نيسان/أبريل 2015، بعد أن تمّ التوصل إلى وضع إطار الإتفاق النووي، أنّه “[سيكون] لإيران في العام الـ 13 و14 و 15 آجهزة طرد مركزي تقوم بتخصيب اليورانيوم بشكل سريعٍ إلى حدّ ما وفي تلك المرحلة قد تتقلص فترة تجاوز العتبة النوويّة لتصل إلى الصفر تقريباً”.
وبحسب “مايكل سينغ” لا يتّفق المحلّلون وغيرهم من الخبراء على ميزات الاتفاق، لكنهم يقرّون بمشكلة “إنتهاء مدة” الاتفاق النووي الّذي سيكون بعد السنة العاشرة من [توقيعه]. وحتّى أن الرئيس أوباما قال العام الماضي أنّ الاتفاق هو فعلياً “شراء ضمانات لمدّة 13 و14 و15 عامٍ مفادها أنّ فترة العتبة النووية هي على الأقلّ سنة واحدة … وفي نهاية تلك الفترة ربما يكون قد حصل تغيير [في تفكير الإيرانيين]، وربما لا”. وبعبارة أخرى، وصل إلى المماطلة في مواجهة المسألة.
إنّ توسّع البرنامج النووي الإيراني قد يزعزع استقرار الشرق الأوسط بصورة عميقة. وهناك شكوك واسعة الانتشار في المنطقة حول نوايا إيران. ومن المرجح أن يسعى منافسو إيران إلى تطوير وسائل ردع خاصّة بهم، سواء كانت نووية أم لا، وخصوصاً إذا يعتقدون أنّ الولايات المتحدة لا تأخذ الموضوع على محمل الجد.
لقد اقترح الرئيس الأمريكي أنه قد يكون للرئيس المستقبلي للولايات المتّحدة خيارات أفضل، إذا ما اختارت إيران متابعة مسيرتها نحو تطوير الأسلحة النووية. وقد يكون لخلفه “معرفة أكبر حول قدرات [إيران]” وذلك اقتراضاً نتيجة عمليات التفتيش التي ينص عليها الاتفاق النووي.
ويؤكد الباحث على انه بالطبع هناك مخاطرتكمن في مقاربة “الانتظار والترقّب”. فالمفتشون النوويون سيكونون مضطرين إلى تفسير أنشطة إيران النووية إذا ما توسعت بسرعة، كما أن حيازة أجهزة الطرد المركزي المتطورة يمكن أن تساعد إيران على إخفاء أعمالها.
وسيعتمد فرض أي عقوبات مجددة على القيادة السياسية الأمريكية والأوروبية، وذلك عامل غير مؤكّد، كما قد يواجه معارضة قوية من أصحابالأعمال التجارية التّي عادت إلى إيران. وتستطيع إيران أن تستفيد من هذا الوقت لتطوير قدراتها العسكرية التقليدية بشكلٍ أفضل لردع أي هجوم – تلك القدرات المتاحة لها من تخفيف العقوبات المفروضة على أسلحتها وصواريخها.
ولمواجهة كل ذلك، بحسب “مايكل سينغ” يمكن اتخاذ خطوات أخرى الآن لردع إيران من توسيع برنامجها النووي عند انتهاء الاتفاق في عام 2015. أوّلاً، تستطيع الإدارة الأمريكية القادمة أن توضح أنّ معرفة خطط إيران لا تعني الرضوخ لها وأنّه يحقّ لواشنطن أن تعارض التوسع النووي الايراني. كما يجب على الولايات المتّحدة أن تعيد تأكيد معارضتها لقيام إيران في تطوير القدرة على صنع أسلحة نووية فضلاً عن الانتشار العام لتكنولوجيا الأسلحة النووية.
وستكسب هذه السياسة مصداقيّة من خلال ردع الولايات المتحدة بفعالية لاستفزازات إيران في المنطقة وأي خرق للاتفاق النووي والرد عليها. ويجب ألا تستبعد هذه السياسة استخدام العقوبات أو القوة إذا ما سعت إيران إلى تطوير سلاح نووي، كما لا يجب أن تستثني التفاوض على اتفاق ملحق يبادِل المزيد من الحوافز بالمزيد من القيود النووية.
وفي موازاة ذلك، تستطيع الولايات المتحدة أن تقود جهداً لمنع انتشار التخصيب وتقنية إعادة المعالجة بشكلٍ عام. وهذا من شأنه أن يوفر أسساً سياسية ثابتة تجمع المعارضة الدولية ضد توسيع إيران لقدراتها النووية. ومثل هذه المنهجية يمكن أن تجعل نظام حظر الانتشار العالمي (“النظام”) أكثر تقييداً؛بحسب “مايكل سينغ”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه وفقاً لما أشار إليه جورج بيركوفيتش من “مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي”، يسمح هذا “النظام” حاليّاً لدول غير نووية بالإنخراط في أي نشاط نووي تقريباً باستثناء تطوير الأسلحة إذا ما أثبتت وجود هدف مدني معقول لهذا النشاط. كما يمكن لهذا الجهد أن يجعل أنشطة دورة الوقود النووية متعدّدة الأطراف، على سبيل المثال من خلال إنشاء “مصارف وقود” نووية لتفادي حاجة الدول إلى السعي إلى تنمية قدرات التخصيب الخاصة بها.
وعلى الأرجح، تتطلب أي سياسة ناجحة قيام الولايات المتحدة بمتابعة جميع هذه الخطوات، وليس الاختيار من بينها. إن عدم فعل إي شئ من أجل تفادي هذه الأزمة التي بدأت تتشكّل حالياً لا يضمن سوى أنّها ستكون أكبر وأسوء حين تحدث فعلياً.
كان من المقرر أن يجتمع مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية مع المسؤولين عن البنك المركزي الإيراني والبنوك العالمية التي تتخذ من لندن مقراً لها لمناقشة كيفية العمل في ظل القيود المستمرة على التجارة مع إيران.
يُذكر أنه في غضون أسابيع من تنفيذ الاتفاق النووي في كانون الثاني/ يناير 2016، دعا المسؤولون الإيرانيون واشنطن إلى طمأنة البنوك الأوروبية بأنه أصبح بإمكانها أن تعاود التعاون مع إيران. وفي 4 شباط/ يناير، شدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على الفكرة التالية أمام جمهور “معهد تشاتام هاوس” في لندن قائلاً: “نحن بحاجة إلى ضمانات واضحة ودقيقة بأنه يمكن للبنوك إجراء أعمال تجارية مع إيران.
وآمل أن نحصل عليها بسرعة لأنه إذا لم يتم ذلك فسنواجه مشكلة على صعيد التنفيذ”.
ورغم أن إيران لم تخفف من سلوكها الاستفزازي في العام الماضي، إلا أنه لم يتم تصنيف سوى حوالي عشرين شخصاً جديداً مرتبطين بإيران، مقارنة مع “أكثر من مائة” تصنيفات خلال فترة الاتفاق المؤقت التي امتدت على فترة دامت ثمانية عشر شهراً.
وتوصي الباحثة”كاثرين باور” وهي زميلة أقدم في معهد واشنطن ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية ضمن سلسلة مقالات تحليلة ينشرها المعهد حول «خطة العمل المشتركة الشاملة» بالتالي .
- إن مقاربة العقوبات ذات الشقين التي تلي «خطة العمل المشتركة الشاملة»، أي القائمة على تعزيز عملية تخفيف العقوبات من جهة ومواصلة تنفيذ العقوبات المتبقية من جهة أخرى، ستستمر في طرح تحدٍ لصانعي السياسات.
- إذ إن توضيح استراتيجية العقوبات ما بعد «خطة العمل المشتركة الشاملة» وتنفيذها، بما في ذلك استهداف الدعم الإيراني للإرهاب، ومشتريات الصواريخ البالستية، وانتهاكات حقوق الإنسان، لن تبيّن فقط استمرار التركيز على معاقبة السلوك غير المشروع صراحة بل ستخفف أيضاً من بعض أوجه حالة عدم اليقين التي تواجه المؤسسات المالية.
- ويمكن لهذه الإجراءات أن تعزز من الوضوح للبنوك التي تحاول العمل في بيئة مقيدة. فإدراجات كانون الثاني/ يناير الخاصة بالصواريخ الباليستية وآذار/ مارس الخاصة بشركة «ماهان للطيران» خير مثال على الكيفية التي يمكن للعقوبات الهادفة أن تكشف استخدام إيران لشركات وهمية وتعطيل هذا الاستخدام الذي يهدف إلى إخفاء المستخدمين النهائيين، فضلاً عن تحديد الانتماءات غير العلنية السابقة، وتوفير أنماط النشاط المالي الإيراني غير المشروع.
- ويمكن أن تشمل الإجراءات المستقبلية عمليات التعرف الإضافية على الكيانات التجارية التابعة لـ «الحرس الثوري الإسلامي».
- يمكن للتدابير الهادفة الإضافية في إطار السلطات التنفيذية القائمة، لاسيما ضد شبكات المشتريات المتعلقة بالصواريخ الباليستية، أن تساعد على تجنب الضغط على الكونغرس الأمريكي لفرض عقوبات قانونية جديدة، التي يمكن أن تشكل خطراً أكبر على بقاء سلطة «خطة العمل المشتركة الشاملة».
- من المرجح أن يؤدي تجنب الإجراءات الجديدة خوفاً من تقويض «خطة العمل المشتركة الشاملة» إلى تشجيع إيران ليس فقط على طلب تنازلات إضافية، بل أيضاً في اعتقادها بأن اعتراضاتها يمكن أن تردع الخطوات الأمريكية بغض النظر عن سلوكياتها الأخرى.
- وبالتالي، فإن اعتماد الولايات المتحدة موقفاً متشدداً بشأن فرض عقوبات إضافية يوفر على الأقل فرصاً جيدة للحفاظ على «خطة العمل المشتركة الشاملة» بقدر الفرص التي توفرها منهجية الاستيعاب، من دون التخلي عن أدوات قيمة لمواجهة النشاط الإيراني المستمر.