مأساة مليون يمني محاصرون في تعز مع تفاقم الأوضاع الإنسانية
-المركز الديمقراطي العربي
تفاقمت الأوضاع الإنسانية لسكان المدينة بشكل ملحوظ في كافة مناحي الحياة، لكن الضرر الأكبر طال المرضى الذين يعجزون في ظل تلك الأوضاع عن الحصول على علاجٍ.
على وقع حصار جديد فرضه مسلحو جماعة “أنصار الله”(الحوثي)، وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، على آخر منفذ لمحافظة تعز وسط البلاد، تفاقمت الأوضاع الإنسانية لسكان المدينة بشكل ملحوظ في كافة مناحي الحياة، لكن الضرر الأكبر طال المرضى الذين يعجزون في ظل تلك الأوضاع عن الحصول على علاجٍ يداوون به آلامًا وأمراضًا سكنت أجسادهم.
وبسبب الحصار وتداعياته لم يعد بوسع “مصطفى عبدالجليل” الذي يسكن في حي الباب الكبير، وسط تعز، أن يعثر على الدواء المخصص لمرضى السكري، بعد أن أعلنت صيدليات المدينة، انعدامه في الأسواق، وعدم دخول كميات أخرى منه.
يتحدث خريج كلية اللغات عن همّه اليومي، للأناضول، ويقول “كل يوم نلاحق (نتابع) عشان (كي) نحصل على العلاج الخاص بالوالد المسن، ونجلس نتّبّعه (نلاحقه) من صيدلية إلى أخرى، وبعض الأحيان ما نحصلوش (لا نجده)”، ويُوضح بأن الصيادلة يتحدثون بأن الدواء معدوم، بالإضافة لأدوية أخرى.
وخلال حديثه الذي سيطرت عليه نبرة غاضبة، يطلق “مصطفى” تنهيدة عميقة وبأسى يستطرد قائلًا “يا أخي تعبنا من هذا الحصار وهذا الحال، هولاء الحوثيين اتعبونا”.
واستفاق المدنيون في محافظة تعز، الثلاثاء الماضي على وقع حصار آخر، فرضه مسلحو الحوثي، وقوات صالح، على طريق “هيجة العبد”، جنوبي المحافظة، وهو شريان الحياة الذي يصلها بمحافظتي لحج وعدن على التوالي، جنوبي البلاد، بعد أن فجر موالون للحوثيين عبّارة مياه (جسر صغير) في الطريق، لتتوقف الحركة بشكل رئيسي، وقصفوا مواقع في الطريق، بعد أن باتوا على مقربة منها، بسيطرتهم على منطقة “الأكبوش” في مديرية “الأحكوم” بالمحافظة.
ويقطن مدينة تعز (مركز المحافظة)، نحو مليون نسمة، فيما يتوزع نحو مليون ونصف، في مديريات وبلدات المحافظة الأكثر ازدحاماً بالسكان، في البلاد، حسب آخر تعداد سكاني أجرته الحكومة عام 2004.
وفي اتصال هاتفي مع الأناضول، قال “عبدالله الشرعبي”، قائد ميداني في المقاومة الشعبية، الموالية للرئيس، عبدربه منصور هادي بتعز، إن “الحوثيين أغلقوا الطريق (هيجة العبد)، ويحاصرون المدينة بشكل كامل الآن، لأنهم بهذا الحصار قطعوا شريان الحياة لآلاف المدنيين، ما يترتب عليه فقد آخر منفذ لنا، وبذلك لن تصلنا الإمدادات العسكرية والمحروقات والوقود من مدينة عدن”.
وذكر أن “الحوثيين يقصفون الطريق، رغم انتشار وحدات من قوات الرئيس هادي، في عدد من المواقع، بُغية تأمينه”.
وحسبما قال “أحمد شوقي أحمد”، أحد سكان المنطقة للأناضول، فإن العشرات من الناقلات التي تحمل المواد الغذائية والتموينية، توقفت في الطريق، بعد أن دُمرت عبّارة المياه”.
وأضاف أن “مخاوف كبيرة تعتري الأهالي في ريف المدينة الجنوبي، في حال استمر الوضع على حاله”، مشيراً أن “العشرات من المدنيين بدأوا يتزاحمون على المتاجر من أجل شراء الحاجات الأساسية تحسبًا للأسوأ”.
ويلجأ المدنيون في كل مرة تضيق قوات (الحوثيين-صالح) الخناق على تعز، إلى سلك طرق وعرة في جبل “صبر” (جنوبي تعز)، مُستعينين بالحمير وسيارات الدفع الرباعي، لما من شأنه الإيفاء بإدخال المواد الأساسية والأدوية، لكن مع إغلاق طريق “هيجة العبد”، بات ذلك غير ممكن.
من جهته قال “نشوان الحسام”، أحد نشطاء الإغاثة في تعز، بأن “متطلبات الحياة الأساسية للمدنيين في المدينة مهددة بشكل كبير، بفعل حصار الحوثيين للأحياء الخاضعة لسيطرة القوات الموالية للرئيس هادي”، وقال “معبر غراب يُفتح وفق مزاج الانقلابيين (في إشارة للحوثيين وقوات صالح)”.
وأضاف في تصريحه للأناضول، أن “سيطرة الحوثيين على طريق (هيجة العبد)، يُضاعف من تداعيات الحصار، التي ستؤثر على آلاف المدنيين بشكل مضاعف، حيث سيكون من الصعب إدخال أي مساعدات أو مواد غذائية، فضلاً عن أن المدينة ستنعزل عن كل المناطق والمدن الخاضعة لسيطرة الحكومة، لذلك فإن المدنيين شرعوا في محاولة الحصول على مواد أساسية تضمن استمرار حياتهم اليومية، تحسباً لأزمة إنسانية ربما تطول.
وذكر “نشوان” أن مستشفيات المدينة تفتقر إلى الإمكانيات الأساسية للإسعاف والعلاج، وكذلك أنابيب الأكسجين والأدوية ما تزال تدخل عبر طريق “طالوق” في جبل صبر، مطالبًا “القوات الحكومية والتحالف العربي الذي تقوده السعودية، بشن عملية عسكرية على الحوثيين في الأحكوم والصلو وحيفان جنوبي المدينة، لتأمين الطريق الرئيسي، والمنطقة الجنوبية”.
كما شهدت المدينة، انعداماً في مياه الشرب، حيث لجأ السكان خلال الفترة الماضية، لشرب مياه الأمطار، بحسب الناشط الإغاثي.
وتقود السعودية تحالفاً عربياً ضد مسلحي جماعة “أنصار الله” (الحوثي)، وقوات موالية للرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، منذ 26 مارس/آذار 2015، تقول الرياض إنه “جاء تلبية لطلب الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، لإنهاء الانقلاب وعودة الشرعية” في بلاده.
وللمدينة تجربة إنسانية مريرة، إذ حاصرها الحوثيون وقوات صالح، عبر معبر “الدحي” (غرب)، لأشهر، خلال عام 2015، وأجبروا المدنيين على إدخال المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية عبر الحمير والجمال، غير مكترثين لدعوات المجتمع الدولي بفك الحصار، وذلك قبل أن تشن المقاومة الشعبية عملية عسكرية، تمكنت من تحرير عدد من المواقع في غرب المدينة، وكسر الحصار.
ولا يتوقف الأمر على الحصار، وانهيار الخدمات الصحية، وسوء الأحوال الإنسانية، فقط، بل تعرضت البنية التحتية لدمار غير مسبوق، نتيجة القصف الذي يشنه الحوثيون وقوات صالح من جهة، والغارات التي ينفذها طيران التحالف العربي ضد هذين الطرفين، من جهة أخرى.
وتصاعدت المعارك في معظم الجبهات اليمنية، منذ 6 أغسطس/ آب الماضي، بالتزامن مع تعليق مشاورات السلام التي أقيمت في الكويت، بين الحكومة، من جهة، والحوثيين، وحزب المؤتمر الشعبي (جناح الرئيس السابق، علي عبد الله صالح)، من جهة أخرى، بعد استمرارها لأكثر من ثلاثة أشهر، دون اختراق جدار الأزمة، وإيقاف النزاع المتصاعد في البلاد منذ الربع الأخير لعام 2014، وكذلك تشكيل “الحوثيين” وحزب “صالح”، المجلس السياسي الأعلى لإدارة شؤون البلاد.المصدر:الاناضول