فوز حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات التشريعية المغربية اختبارٌ لعملية الإصلاح
-المركز الديمقراطي العربي
تتنافس أكثر من 30 حزباً في الانتخابات الراهنة، ولكن هناك ثلاثة أحزاب فقط – هي «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الأصالة والمعاصرة» الموالي للبلاط الملكي و«حزب الاستقلال» – لديها مرشحين في كافة الدوائر الانتخابية البالغ عددها 92 دائرة.
فاز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الانتخابات البرلمانية التي جرت الجمعة في المغرب متصدرا النتائج النهائية المعلنة السبت، بحصوله على 125 مقعدا من أًصل 395، ما يمكنه من البقاء على رأس الحكومة لولاية ثانية.
وتنقسم مقاعد البرلمان ال395 إلى 305 مقاعد محلية و90 مقعدا يتم التصويت عليها على المستوى الوطني، “وتظل النتائج الخاصة بالدائرة الانتخابية الوطنية مؤقتة إلى حين المصادقة عليها من طرف اللجنة الوطنية للإحصاء، طبقا للمقتضيات القانونية الجاري بـها العمل” حسب وزارة الداخلية.
وبذلك يكون الحزب الذي يتميز بالانضباط والتنظيم، قد احتفظ بشعبيته رغم خمس سنوات قضاها في السلطة. وان كان منتقدوه يتهمونه باخفاء برنامج اسلامي متشدد، الا ان الحزب حرص حتى الان على حصر عمله في المجال الاقتصادي والاجتماعي، متبنيا نمطا يميل الى الليبرالية في ظروف صعبة تشهدها البلاد، ومتفاديا التدخل الرسمي في مسائل التقاليد والآداب.
وبحسب هذه النتائج المعلنة يكون حزب العدالة والتنمية قد زاد عدد مقاعده من 107 تم تحقيقها خلال انتخابات 2011 إلى 125 سنة 2016، لكن الأصالة والمعاصرة حقق أكثر من الضعف مقارنة مع انتخابات 2011 حيث انتقل من 48 إلى 102 مقعدين.
وفيما يخص نسبة المشاركة بلغت حسب وزارة الداخلية 43% “من خلال مشاركة حوالي 6.752.114 ناخبة وناخب” من أصل قرابة 16 مليون مسجل، فيما بلغت سنة 2011 45% لكن عدد المسجلين حينها كان 13 مليونا و600 ألف فقط.
أرجع الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي، عبد الإله ابن كيران، فوز حزبه بالانتخابات البرلمانية أمس الجمعة، إلى “جعل مصلحة البلد فوق كل مصلحة”، وذلك في أول تصريح له عقب تصدر حزبه النتائج وحصوله على 129مقعداً برلمانيا.
وقال “بنكيران” في كلمته أمام وسائل الإعلام، بمقر حزبه فجر اليوم السبت، إن الحزب “أثبت أن الجدية والصدق والصراحة مع المواطن، والحرص على استقرار الوطن، وجعل مصالح البلد فوق كل مصلحة أخرى، والوفاء للمؤسسات وعلى رأسها المؤسسة الملكية، كلها عملة تعطي إيجابية ولله الحمد، وهو ما بيّنته هذه الانتخابات”.
وأضاف بالقول “إن هذه الاستحقاقات، أظهرت أن حبل المناورات والمكر والخداع والادّعاء والكذب، قصير”، مشددا على أن “هذه الاستحقاقات ستكون لها عواقب إيجابية على الوسط السياسي المغربي، من أجل أن يرى فيها كل حزب نفسه في المرآة ويحاول أن يصحح مساره”.
ودعا بنكيران إلى “الخروج من منطق أن الشعب المغربي ما زال يثق في المناورات، أو ينفع معه بضع دراهم، أو يمكن أن يُضغط عليه بطريقة”، مؤكداً أن تلك (الوسائل) “أصبحت كلها اليوم وراء ظهرنا”.
وحول تداعيات الانتخابات تقول “سارة فوير” وهي زميلة “سوريف” في معهد واشنطن “سيتمثّل التأثير الفوري الأكبر للانتخابات في تحديد هوية رئيس الحكومة المقبل في المغرب”.
فمن شأن فوز «حزب الأصالة والمعاصرة» أن يقلل من قوة زخم الحزب الإسلامي الحاكم في البلاد، في تطوّر سيلقى على الأرجح ترحيباً من البلاط الملكي.
وتضيف الباحثة “ومع ذلك، تشير تجربة السنوات الخمس الماضية إلى أن فوز «حزب العدالة والتنمية» لن يتسبّب بانتشار الفوضى أو حتى بنزاع مع العائلة المالكة، إذ يبقى كلا الطرفيْن حريصاً على حماية المغرب من الاضطرابات التي تشهدها المنطقة وعلى إبقاء المملكة على مسار الإصلاح التدريجي”.
وتقول “سارة فوير” حول خلفية الانتخابات :
رداً على احتجاجات عام 2011، دعا الملك محمد السادس إلى اعتماد دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية. ومن بين التغييرات التي أدخلها الدستور الجديد توسيع صلاحيات البرلمان الثنائي المجلس واشتراط أن يعيّن الملك رئيس الحكومة من الحزب الذي يفوز بالعدد الأكبر من المقاعد. وفي الوقت نفسه، احتفظ الملك بسلطةٍ على قرارات الحكومة وبصلاحية مطلقة على الأمن القومي والسياسة الخارجية والشؤون الدينية، ليضطلع بدور رئيس الدولة و”أمير المؤمنين” على حد سواء، وهذا الأخير هو السلطة الدينية العليا في البلاد.
غير أن بعض الجماعات المنضوية تحت «حركة شباب 20 فبراير» لم تكن راضية عن الدستور الجديد وقاطعت الانتخابات التي تلت ذلك، شأنها شأن «جماعة العدل والإحسان» – التنظيم الإسلامي الأكبر المعادي للنظام الملكي – التي تقاطع الانتخابات مرة أخرى هذا العام. بيد، اعتبر العديد من المغاربة أن مسودّة الدستور تشكل خطوة مهمة، وإن كانت تدريجية، لدفع عجلة الإصلاح الديمقراطي. يُذكر أن نحو 45% من الناخبين المؤهلين شاركوا في الانتخابات الأولى، حيث اختاروا برلماناً يهيمن عليه «حزب العدالة والتنمية» الإسلامي المعتدل الذي حصل على 27% من الأصوات و107 مقاعد من أصل 395 (وانقسمت المقاعد المتبقية التي يبلغ عددها 288 بين سبعة عشر حزباً).
وانسجاماً مع الإجراءات الدستورية الجديدة، قام الملك بتعيين زعيم «حزب العدالة والتنمية» عبد الإله بنكيران (إبن كيران) رئيساً للوزراء.
وبعد ذلك، شكّل الحزب تحالفاً حاكماً مع «حزب الاستقلال» اليميني – الوسطي و«الحركة الشعبية» ذات التوجه البربري و«حزب التقدم والاشتراكية» اليساري. وعندما انسحب «حزب الاستقلال» في عام 2013، حلّ محله الحزب الليبرالي الجديد المعروف بـ «حزب التجمع الوطني للأحرار»، وصمدت حكومة ابن كيران خلال الفترة المتبقية من ولايتها التي أمدها خمس سنوات.