الأمن الفكري في مواجهة الفكر المتطرف
بقلم : الدكتور عادل عامر – دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
إن الجهد الأمني ليس كافياً وحده للحد من ظواهر الانحراف في الفكر، والحاجة قائمة لتضافر الجهود في مختلف المجالات عبر خطط وطنية شاملة تراعي العوامل والأوضاع والظروف الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في أحداث ظواهر الانحراف. بل إن إشاعة الفكر الآمن عامل أساس لتعزيز الوحدة الوطنية».
ومن هنا تزايد الاهتمام بما يسمى الأمن الفكري، سعياً إلى حماية الفكر من أي انحراف قد يتحول إلى سلوك إجرامي يهدد الأمن. إن تحقيق الأمن بمعناه الجامع الشامل لا يمكن أن يكون مسؤولية الجهات الأمنية فقط، مهما بلغت كفايتها وقدرتها، وذلك لأن كل جريمة أو انحراف سلوكي، يسبقه نوع من الانحراف الفكري، أو خلل في التفكير، أو قصور في التربية. ومن هنا تزايد الاهتمام بما يسمّى الأمن الفكري، سعياً إلى حماية الفكر من أيّ انحراف قد يتحوّل إلى سلوك إجرامي يهدّد الأمن.
ينطلق مفهوم الأمن الشامل من مفهومه التقليدي أي أنه أمن حماية المجتمع من كل أصناف وأنواع الجريمة التي بالطبع يرتكبها المجرمون ، وهي جرائم لا تخرج عن كونها جرائم قتل وتخريب وسرقة وما شاكلها من ذلك ، ومن هذا المنطلق للأمن دوره في الاستقرار ويساعد المجتمع للقيام بدوره بصورة مأمنه ويحقق أهدافه وينفّذ خططه التي ظل يخطط لها خلال حياته التي يعيشها… وهو دور مهم جداً لا تقوم الحياة طيبة الاّ به.
لكن للأمن مفهوم آخر أكثر شمولاً وأوسع معناً من المفهوم التقليدي للأمن… فالمجتمع عبارة عن نسيج مهني يرتبط بعضه ببعض بداية في الأمن الجسدي الذي توفره المصحات الطبية والمستشفيات وملحقاتها من صيدليات ومعامل مختبريه ، وكذلك المؤسسات الأخرى كل في مجاله ، هذا ينعكس إيجاباً علي منظومة العملية الأمنية برمتها وهذا هو مفهوم الأمن الشامل ولكن حتى تكتمل العملية الأمنية يتحتم علي الأجهزة الإعلامية ان تقوم بالدور الأساسي في عكس هذه الثقافة الأمنية وتوعية الشخصية والفرد وتنميتها وهي التي توجه الفكر وتكّون وجهات النظر الفردية والرأي العام… إنّ الحاجة ماسّة إلى التذكير بقضيّة الأمنِ الفكريّ، لاسيما في هذا العصرِ الذي هبَّت فيه رياحُ الجنوحِ عن منهجِ الوسطيّة والاعتدال وتعدَّدت فيه أسبابُ الانحراف ووسائلُ الانحلال ، خاصّةً في تلك الحقبةِ العصيبة والمنعَطف الخطير الذي تمرّ به مجتمعاتُنا وأمّتُنا ويُكادُ فيه لأجيالِنا ناشئتِنا وشبابنا، مما يحتِّم المسؤوليةَ العظمى على جميع شرائحِ المجتمع وأطيافِ الأمّة في الحفاظِ على أمنِ الأمة الفكرِي .
ومن دوافع الأمن الفكري ذلك الزّخَم الهائل من وسائلِ الغزوِ الفكريّ والثقافيّ ممن يبثون سمومهم القاتلة في عقول الناشئة ولا سيما من ذوي الاستِلابِ الثّقافيّ وضحايا الغزوِ الفكريّ من بني جِلدةِ المسلمين ومَن يتكلَّمون بألسنتهم . لقد أوجَدَ الغزوُ الثقافيّ مناخًا يتَّسِم بالصراع الفكريّ الذي يجرّ إلى نتائجَ خطيرةٍ وعواقبَ وخيمة على مقوِّمات الأمّة وحضارتها، وكان من نتيجةِ ذلك أن تُسمَع أصوات تتَعالى عبرَ منابرَ إعلاميّةٍ متعدّدة تدعو وبكلِّ بجاحةٍ إلى التخلّي عن كثيرٍ من الأمور الشرعية والثوابِتِ المرعيّة والمعلومَةِ من دين الإسلامِ بالضّرورة ، خاصّةً في قضايا المرأة . ولا يخفي الدور التربوي الذي تقوم به الأجهزة الإعلامية في الجانب التربوي ، وهي تقوم بدور الأبوين في تربية النشء وكل هذه المؤسسات هي التي تقوم بمفهوم الأمن الشامل وهي التي تعمل في خندق واحد مع المؤسسات الأمنية التقليدية.
يعتبر الأمن الفكري البعد الإستراتيجي للأمن الوطني حيث يُعد الأخير من أغمض المفردات في الفهم إذا ما ارتبط بالسياسة خاصة وأن مفهوم الأمن أرتبط بمدارس فكرية همها الأول والأخير توضيح معناه وتفسير دوره في عملية تحقيق الأمن الوطني وهو مفهوم لا يخرج عن كيفية صيانة الأمن وتجنب الحروب. وتفسير الأمن حسب وروده في الموسوعة البريطانية بأنه حماية الأمة من خطر القهر علي يد قوة أجنبية…كما يعرّفه البعض بأنه أي تصرفات تسعي المجتمعات لحفظ حقها في البقاء. وأبرز التعريفات للأمن ما ورد في بعضها أنه التطور والتنمية سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة…
ويذهب التعريف لأبعد من ذلك حيث يقول أن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في كافة المجالات في الحاضر والمستقبل استناداً علي ما فات من الماضي.
الأمن الفكري كموضوع أبعد من كونه مواجهة موجة إرهابية هو مشروع تنموي وطني بعيد المدى عبارة عن عملية لتجديد الفكر وتقويمه، بالنسبة لبناء الإستراتيجية الفكرية فهي تتكون من كثير من الخطوات والمهام الدقيقة.
ولكن قبل ذلك ومن خلال الأدبيات التي تحدثت عن الكيفية التي يتم بها بناء الاستراتيجيات يمكننا القول إن أبرز مقومات الإستراتيجية هي تحديد أهدافها من خلال تجارب سابقة ومن خلال الأنظمة والقوانين القائمة وكذلك من خلال اللقاءات واجتماعات العصف الذهني.
كل هذه المقدمات تتحول بعد ذلك إلى مبادرات تشمل برامج وأنظمة وسياسات يمكن بناؤها من خلال خطط عمل وبرامج تتحول إلى خطط تطبيقية يتم تطبيقها على الواقع ومن ثم مراقبة أدائها وقياس مدى تحقيقها الأهداف. مع التأكيد أن صياغة الإستراتيجية الوطنية الشاملة للأمن الفكري تتقاطع مع أدق التفاصيل في الثقافة والحياة الاجتماعية.
الامن الفكري دعائم يقوم عليها، ومقومات تسهم في تكوينه والمحافظة عليه. ومن أهم تلك المقومات التعليم الإسلامي الصحيح واللغة العربية، فإنه المقوم الأول لحماية الهوية الدينية واللغوية للأمة من الضياع والاستلاب. فمن الضروري أن يكون في كل بلد من بلاد الإسلام، جهات متخصصة تولي التعليم الإسلامي اهتماماً خاصاً، بالقدر الذي يحتاج إليه أبناء الأمة من الناشئة والشباب، سواء بإدخاله في مناهج التعليم العام، أو بإنشاء المعاهد والكليات، التي تهدف إلى تخريج المتخصصين في الفتوى وتدريس علوم الشرع، والإمامة والخطابة والدعوة العامة. وقد أنعم الله تعالى علينا في المملكة العربية السعودية، بولاة أمر جمعوا بين حب الدين وحب الوطن وحب شعبهم، وأدركوا قوة تأثير الدين في تعزيز القيم الوطنية والسلم الاجتماعي، والأمن الفكري، فرفعوا راية التوحيد، واتبعوا الكتاب والسنة، وأكرموا العلماء وشجعوا نشر العلم، ومكنوا للدين فجعلوا تعليمه جزءاً أساسياً في مناهج التعليم العام، يكفل لأبناء المملكة تربية سليمة مستقيمة بعيدة عن الملوثات الفكرية والانحرافات السلوكية.
وبذلك تَحققَ في شعب المملكة ولاء وطني صلب، وتماسك اجتماعي متين. وهذا المسلك الذي يسير عليه ولاة الأمر في المملكة وشعبها، ولا يبغون عنه عوجاً، يستوجب على جميع أبنائها أن يدركوا قيمته ويشكروا نعمة الله عليهم فيه، ويؤازروهم بالوفاء بما تقتضيه البيعة الصادقة من السمع والطاعة والنصح، ولزوم الجماعة، والوقوف في وجه كل ما يمس بالأمن والاستقرار والوحدة الثقافية والوطنية. وعلى العلماء مسؤولية كبيرة في صيانة فكر الأمة من الاختلال والاحتلال، بنشر العلم بين الناس، وتصحيح الأخطاء في المفاهيم الشرعية، وإرشاد الشباب وإزالة الإشكالات من أذهانهم، والرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام حول بعض أحكامه وتشريعاته في مجال الأسرة والمرأة، وحرية العقيدة، وحقوق الإنسان، والعلاقات بين المسلمين وبين غيرهم.
ومن مهمة العلماء في حفظ دين الأمة، من التحريفات الناشئة عن القصور في الفهم، الرد على ما ينشره أهل البدع من أباطيل وتأويلات للنصوص بتحكيم الأهواء والأذواق والآراء، والرد على ما تَلْبِس به على الناس الفئاتُ المنحرفة عن النهج الصحيح في فهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، المتأثرة بنهج أهل البغي والخوارج الذين كفروا المسلمين واستحلوا حرماتهم، وأرهقوا الأمة بشقاقهم، نتيجة اعتمادهم في فهم معاني نصوص الكتاب والسنة، على أنفسهم مع جهلهم وقصور أفهامهم، واستنكفوا أن يرجعوا إلى أهل العلم، فوقعوا فيما وقعوا فيه من سوء الفهم، والقراءة التجزيئية للنصوص فأوردتهم موارد الهلاك. ومن مقومات الأمن الفكري السمع والطاعة لولاة الأمر، وبيعتهم على ذلك في المعروف وفيما يستطاع، وبذل النصح لهم والتناصح بالائتلاف عليهم، وحسن الظن بهم، والحذر من مشاقتهم أو إبداء ما يشجع على مشاقتهم، فإن ولاة الأمر هم الذين يجمعون الأمة ويحافظون على وحدتها، وبهم ترتبط الجماعة ويقوم أمر الدين والدنيا، ويستتب الأمن في الأوطان وتحمى المصالح العامة والخاصة.
إن قدرة الدولة على حماية معتقدات وسلوكيات شعبها وموروثها التاريخي وخصائصها الثقافية تكون قد حمت وحققت أمنها الفكري. ولكن هناك مصادر تهدد الأمن الفكري منها: 1- الغزو الفكري الخارجي: إن الرصاصة تقتل شخصاً واحداً ولكن الكلمة تقتل جيلاً كاملاً؛ فالغزو الفكري هو مجموعة من المصطلحات للاستيلاء على أهمية أخرى والتأثير عليها حتى تتجه وجهة معينة وهو أخطر من الغزو العسكري فالأمن الفكري هو الحفاظ على المكونات البسيطة وهو حماية وتحصين الثقافة والهوية والحفاظ على العقل من التأثير والاختراق من الخارج وهي مسؤولية الجميع ويهتم بها الحاكم والمحكوم.
إن هناك بعض الشباب تأثر بعد ظهور أناس بفتاوى وخرجوا بعد ذلك على رجال الدين والأمن.
2- الفهم الخاطئ للبعض بان الأمن الفكري ما هو إلا أساليب وإجراءات أمنية فقط
3- رؤية البعض أن المقصود بالأمن الفكري لا يتعدى الأمن العقدي فقط، بينما ينظر إليه آخرون باعتباره حالة نفسية ناتجة من اتخاذ جملة من التدابير والإجراءات التي يمكن من خلالها تحقيق الأمن الفكري والمحافظة عليه.
4- الفهم الخاطئ لبعض الباحثين بان الأمن الفكري “نوع من الحجر على العقل البشري”، وهذا التصور لا مبرر له على الإطلاق، فالأمن الفكري لا يقوم على الحجر الفكري بأي حال من الأحوال، ولا يمنع من الاطلاع على العلوم والمعارف والثقافات المختلفة، وإنما يهدف إلى حماية العقل البشري مما قد يؤدي به إلى الانحراف الفكري والعقدي.
5- الانحراف أو الخروج عن الوسطية والاعتدال من قبل بعض أفراد المجتمع. والذي يشكِّل تهديداً للأمن الوطني أو أحد مقوماته الفكرية والعقدية والثقافية والأخلاقية والأمنية.
6- انتشار بعض القنوات الفضائية التي تروج لأمور تؤثر سلباً على سلامة كل من المعتقد والثقافة والأخلاق الفردية والاجتماعية.
7- عدم التركيز على دور الأسرة والمدرسة والمسجد في التوعية بأهمية الأمن الفكري.
8- بعض المؤسسات التي تعنى بالشباب ساهمت في إنتاج بعض الشباب المتطرف وهناك مؤسسات عكسها وأصبح لدينا نقيضان والأمن الفكري هو الذي يخالف أمننا وديننا.
9- عدم السعي إلى بقاء كل فرد في هذا المجتمع في دائرة الوسطحتى لا يتشدد ويتنطع في آرائه وينجرف حتى يصل إلى مرحلة التكفير التي تقود إلى استخدام العنف وقتل الأبرياء دون وجه حق وبالمقابل لا يترك له الحبل على الغارب فيشطح جهة اليسار والتحرر بلا حسيب ولا رقيب حتى يصل إلى احتقار مبادئ المجتمع ومعتقداته وتسفيه المتمسكين بها
10- الإرهاب الاقتصادي: فانهيار الأسهم غير المعروف حتى الآن أسبابه وكذلك ما أصاب العالم وتعرض شركات لخسائر كبيرة وغير معروف من يقف خلفها؟! طبعاً أنا أصنفه بأنه إرهاب اقتصادي دمر العالم وغير معروفة أسبابه.
11- القيود على رجال الصحافة: يجب على رجال الصحافة أن يكون لديهم هامش حرية على أن لا يمس العقيدة والرموز الوطنية والنظام والخصائص الثقافية والنسيج الاجتماعي.
12- عدم السعي الجميع لتصحيح أفكار بعض الشباب قبل تضليله باعتقاد وقناعات تجدهم بصدد عمل تفجير ويعلموا أنهم سوف يموتون وتتمزق أجسادهم ولكن هذا قناعات لدى هؤلاء يصعب تغييرها
13- الإعلام الدخيل: وهو المحرك الأول لتشتيت أفكار الشباب ونحن نعلم أن للمملكة أعداء كثيرون ويجب الوقوف ضدهم بكل عزم وقوة.
14- الفراغ: ويجب علينا أن نجد للناس ما يسد فراغهم ويعود عليهم بالنفع والفائدة وبخاصة النساء لا يجدن مكاناً لممارسة الرياضة وبعض الألعاب التي تناسب وضعها.
15- التسطيح الفكري: بعض القنوات الفضائية تمارس التسطيح الفكري ويصل لحد الإسفاف وهو للأسف برؤوس أموال سعودية من برامج وأغان هابطة، ويجب التصدي لها.
16- التعصب في الرؤى الفكرية:تكمن المشكلة في التعصب لهذا الرأي أو ذاك، ومحاولة فرضه على الآخرين بالقوة والعنف والترهيب، بل قد تجد بين الفئة الواحدة أو الطائفة الواحدة أو حتى الأسرة الواحدة تبايناً واختلافاً في وجهات النظر تجاه كثير من القضايا الفكرية المعاصرة، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك، ولا مشاحنة في ذلك طالما أنه لم يتحول إلى صراع وإقصاء للآخرين، ومصادرة لحريتهم في التفكير والتعبير، مع الأخذ في الحسبان أنه لا توجد حرية مطلقة، وإنما هناك حرية محكومة بضوابط دينية ووطنية ونظامية وأخلاقية.
17- القنوات الفضائية التي تساهم في هدم الثقافة والدين وإثارة النعرات الطائفية والقبيلة والمناطقية.
18- حالة الانقسام التي تشهدها الساحة المحلية بين المثقفين والمفكرين: غير مريحة، وتنبئ بما هو أسوأ من ذلك، ولا سيما مع وجود بعض العناصر التي تعمل كل ما في وسعها لإذكاء الانقسام وتأجيج الصراع لأتفه الأسباب، الأمر الذي يؤدي إلى انقسام المجتمع ، بما قد يترتب عليه مخاطر أمنية واجتماعية.
19- المحاولات التي ترمي إلى المساس بالثوابت الإسلامية، أو تهديد الوحدة الوطنية، ومن ذلك تصنيف المجتمع وتقسيمه إلى طوائف وتيارات، وتقديمها على أنها متصارعة ومن ثم ضرورة الانتصار لأحدها على الآخر.
20- الخواء الفكري: إن الخواء الفكري يأتي من الأسرة ثم المدرسة وكذلك المجتمع وليس العلاج عن طريق الوسائل الإعلامية وهناك ثقافة مجتمع ترغب في الاستماع لوسائل اللهو وغيره، حيث إن 85% من البرامج التي تعرض عبر القنوات الفضائية العربية هي لهو وترفيه ولها تأثير سلبي على الفرد والمجتمع.
21- الغرب يزرع الثقة في الشباب أما لدينا كعرب فنحن نمارس نزع الثقة من الشباب.
22- بعض المؤسسات المسئولة عن الشباب مغيبة نفسها ولدينا أزمة فكرية.
23- التأخر في سد ثغرات ومصادر الفكر المتطرف المنحرف.