هل تمثّل شبكات التواصل الإجتماعية وحتى الصحافيين خطرا على الديمقراطية المباشرة؟
-المركز الديمقراطي العربي
هل تمثّل شبكات التواصل الإجتماعية وحتى الصحافيين خطرا على الديمقراطية المباشرة؟
قومي يميني شعبوي رئيساً للولايات المتحدة، خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي (بريكزيت)، رفض إتفاقية السلام في كولومبيا: إن حصيلة عام 2016 من الديمقراطية لتتميز بالقرارات الشعبية وبالشعبوية.
بل أن هذه الحصيلة من الديمقراطية تبين دفع المواطنين بصورة متزايدة بعيداً عن وسائل الإعلام التقليدية ذات الجودة العالية، في اتجاه شبكات التواصل الإجتماعي وفقاعات المرشح (Filterbubbles) الخاصة بها.
فقد شارك في القمة السادسة للديمقراطية والتي انعقدت الأسبوع الماضي في سان سيباستيان 200 مختص من أكثر من 30 دولة، وقد تناولوا بالنقاش وسائل كبح هذه الهجمات التي وجهت لقلب الديمقراطية التشاركية. وفيما يلي تقييم للقمة في صورة إجابات.
صبيحة الثالث والعشرين من يوليو 2016: أصبح خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي حقيقة. الثامن من نوفمبر 2016: دونالد ترامب الحقيقي @realDonaldTrump، وهذا هو اسم حسابه على تويتر، أصبح هو الرئيس “الحقيقي” للولايات المتحدة الأمريكية. اختياران شعبيان يمثلان خبرين سيئين للديمقراطية، ذلك بإن بموجبهما خنقت الشعبوية القومية ذاك الحوار الموضوعي في مهده.
“دونالد ترامب: فوزه يُعَرِّض الديمقراطية للخطر”، هكذا عنونت مجلة “دير شبيغل Der Spiegel ” الألمانية غلافها بعد ثلاثة أيام من إعلان نتيجة الإنتخابات. كيف يمكن التغلب على هذا الخطر؟ لقد كان هذا هو أحد ثلاثة موضوعات أساسية، دار حولها النقاش بين الخبراء والمختصين والسياسيين والنشطاء وكذلك الباحثين المجتمعين في إقليم الباسك.
“يُنظر اليوم إلى الديمقراطية باعتبارها شيء سيء، أو حتى خطير”، كما تُقرر السويدية آنيت فتح ـ لكيك من منظمة “أيديا العالمية International IDEA”، أو “فكرة عالمية” إحدى المنظمات الدولية، التي تدعم الديمقراطية في العالم.
“لقد كان عام 2016 أكثر الأعوام كثافة بالنسبة للديمقراطية المباشرة، منذ أن بدأنا في وضع الإحصائيات بهذا الشأن. ولكن هل كان هذا العام جيداً أيضاً بالنسبة للديمقراطية؟”، يتسائل دافيد ألتمان، الذي يقوم بتدريس السياسة المقارنة بسانتياغو/ تشيلي.
“لقد كان عام 2016 أكثر الأعوام كثافة بالنسبة للديمقراطية المباشرة، منذ أن بدأنا في وضع الإحصائيات بهذا الشأن. ولكن هل كان هذا العام جيداً أيضاً بالنسبة للديمقراطية؟”، يتسائل دافيد ألتمان، الذي يقوم بتدريس السياسة المقارنة بسانتياغو/ تشيلي.
– القرار الشعبي لا يعني الديمقراطية:
وجاءت إجابة السويسري أندرياس غروس، المختص في شؤون الديمقراطية: “لقد كان عام 2016 هو عام الإستفتاءات”. وعلى المرء أن ينبته للمصطلحات المختلفة. ذلك أن هذه تعد في مجال السياسة أكثر بكثير من المعنى الحرفي للكلمات. وقد أشار علماء اللغة إلى هذا الأمر مراراً وتكراراً.
لقد عرض دافيد أويغسترس نظريته مؤخراً على منصة #Dear Democracy: إذ أن بعض الشعبويين من أمثال كريستوف بلوخر أو دونالد ترامب قد تمكنوا من السيطرة على احتكار التأويل في النقاشات السياسية عن طريق صياغة مصطلحات ومجازات بلاغية من أمثلة: “الطبقة السياسية”، “يساريون وطيبون”، “المواطنون الشرفاء”، “اللاجئون الظاهريون”، “الطعانون بالسكين”، أو “المكسيكيون مروجو مخدرات ومغتصبون ولصوص”. وبهذا لم يعد هناك مكان للنقاش المتمايز والقائم على الحقائق.
الإجابة الأولى: إن الدفاع عن الديمقراطية يبدأ بالمصطلحات. بهذا أثبت دافيد ألتمان وجهة نظره. “لابد لنا من وضع مصطلحات دقيقة وأن نوضح دائماً وبصورة متكررة، أن الإقتراع حول خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي أو حول خطة السلام في كولومبيا كانت قرارات شعبية لا علاقة لها بالإقتراع الديمقراطي”.
ولقد صاغ بول جاكوب، الصحفي وقائد إحدى الحملات في الولايات المتحدة، هذه الفكرة في التعبير الموجز: “إن الإقتراع الشعبي أمر إيجابي، أما القرار الشعبي فهو أمر سلبي”.
أما ما دفع بالشعبويين للصعود، فإنه عزوف الحكومات المنتخبة ديمقراطياً عن إجراء حواراً حقيقياً وجاداً مع المواطنين. وكانت النتائج هي نشأة هُوَّة بين الشعب وممثليه، والتي انتهزها الشعبويون بمنتهى السعادة وزادوا في تعميقها.
التنظيم الرقمي والسياسة الواقعية
الإجابة الثانية: قدمتها سالفور نوردال، المختصة في علم الأخلاق من مدينة ريكيافيك: “إن الديمقراطية المباشرة، خاصة عن طريق المبادرات الشعبية، لهي الطريق لعبور مثل هذه الهُوًّة”. وللأسف فقد فوتت أيسلنده هذه الفرصة في انتخابات نهاية أكتوبر الماضي.
وجاءت نبرة الحديث لدى مشاركين من أسبانيا وإيطاليا مغايرة، حيث أدت الحركات الإحتجاجية إلى تحطيم الأنظمة القديمة الفاسدة داخل الأحزاب ومكنت من تحقيق قفزة نحو المكاتب التنفيذية والبرلمانات المحلية. ذلك أن كل من “حركة النجوم الخمسة Movimento Cinque” الإيطالية وحركة “قادرون Podemos” اليسارية الإسبانية تدعم بناء مشاركة سياسية حديثة تبدأ من القاعدة. وليس عجباً أن يراهن الإثنان على الديمقراطية الرقمية. وقد أوضح هذا كل من مُطَوِّر البرمجيات بابلو سوتو (عضو حكومة مدريد) وكذلك الإيطاليان ريكاردو فراكارو ودافيده كاساليجيو من “حركة النجوم الخمسة Movimento Cinque”. وجاءت إجابتهم الثالثةالمشتركة: أنه ينبغي تطوير الديمقراطيات في بلادهم عن طريق الديمقراطية المباشرة وخاصة الرقمية. ويشمل هذا بخلاف الحملات، الحوار الداخلي والخارجي خاصة عن طريق التمويل التشاركي.
أما كاساليجيو فقد قدم مشروعاً جديداً تماماً، حيث كانت “حركة النجوم الخمسة” إزاء تحدٍ كبير، إذ تحتم عليها أن تجد بأي وسيلة أكثر من 2000 شخص، ليحتلوا المقاعد التي فازت بها الحركة في المكتب التنفيذي المحلي وكذلك في البرلمانات المحلية في البلاد. وكانت الإجابة الرابعة هي “منصة روسو Rousseau”، وهي بوابة إلكترونية، تقدم دورات تعليمية في الممارسة السياسية الديمقراطية الجيدة للأعضاء الجدد في البرلمانات. ومن شأن الدورة المكثفة الخاصة بالديمقراطية التشاركية أن تساعد في ترسيخ النجاح الإنتخابي الذي حالف “حركة النجوم الخمسة”.
– التشمير عن السواعد :
وتم تناول الموضوع الأساسي الثاني: المدن كمحركات للديمقراطية المحلية. فكي تتمكن الديمقراطية المباشرة من النجاح بصورة مستدامة على متسوىً أعلى، أي على المستوى القومي، فلابد من أن تتمكن من التطور من أسفل إلى أعلى. وكان هذا الجزء من البرنامج هو الأقرب إلى الممارسة العملية.
“فالمواطنون يرغبون في المشاركة في الحوار والصياغة. لذلك فإننا نذهب إليهم ونسألهم حول الإحتياجات التي لديهم”، هكذا عرضت السيدة ماريا فاسيلكو، نائبة محافظ مدينة فيينا، منهجها العملي. ويعني هذا تحديداً: وضع حاوية ومنضدة ومقاعد، فتح الأبواب، سؤال المارين والإنصات لهم. وجاءت نتيجة هذه الإستراتيجية بدون مخاوف إجتماعية: أن حقق مواطنو العاصمة النمساوية أكثر من 120 مشروعاً يخدم مناطقهم السكنية. وقد حصلوا على ما يقارب الـ 8000 يورو لإقامة حدائق، وزوايا للعب ومقاعد وغيرها من سلطة العاصمة المسؤولة عنها السيدة فاسيلكو.
ويمكن قياس النجاح أيضاً بحضور العديد من ممثلي سلطات المدن الأخرى إلى فيينا، لدراسة مشاركة المواطنين. “حتى اليوم جاء حوالي 200 وفد، بعضهم من باريس”، طبقاً لتصريحات السيدة فاسيلكو، تلك السياسية الممثلة لحزب الخضر.
– سكان الأحياء والمشاركة في تغيير الواقع:
كذلك فإن مدينة لوس آنجلس على الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية تراهن على المشاركة السياسية المصغرة للمواطنين. وأُطلق على البرنامج الذي أعدته حكومة المدينة والذي قدمته قائدته السيدة غريس ليو، اسم “تمكين لوس آنجلس Empower LA”. و في بؤرة هذا البرنامج توجد 96 لجنة تمثل الأحياء المختلفة، موزعة على كامل المدينة، وتضم حوالي 1800 متطوع. وتقوم السلطات التي ترأسها السيدة ليو بمساندة ودعم هذه اللجان في الجهود التي تبذلها، إذ تتلقى طلبات السكان وتعمل على تحقيقها. “إن مشروع “تمكين لوس آنجلس Empower LA” يعد أكبر حركة شعبية تدعمها المدينة في مجال المشاركة السياسية للمواطنين”، كما تقول ليو. في هذا المشروع يعد سكان الأحياء هم أصحاب المصلحة، لكنهم لا يعرضون فقط مصالحهم، بل يجب عليهم أيضاً تَحَمُّل المسؤولية. وهذا بأن يرشحوا أنفسهم للعمل في اللجان المحلية كمتطوعين.
أما الموضوع الأساسي الثالث على جدول أعمال سان سيباستيان فكان يدور حول: دور وسائل الإعلام الرقمية في الديمقراطية المباشرة. هل تمثل هذه خطراً لا يدَّعيه فقط الإعلاميون؟ وفي الحقيقة: إن شبكات التواصل الإعلامي العملاقة، خاصة فايسبوك، بخوارزمياتها السرية، لديها إمكانية للتأثير على آراء المستخدمين. ويحدث هذا عن طريق ما يسمى بغرف صدى الصوت (Echokammern) أو فقاعات المرشح (Filterbubbles). وهناك يتم تجميع الآراء وتوجيهها في إتجاه بعينه. والنتيجة: هي حجب جميع الآراء التي لا يتبناها المستخدمون والمستخدمات عنهم. وبعبارة أكثر إيجابية: فإن هؤلاء المستخدمين لا يطَّلعون إلا على محتويات، تتلائم مع آرائهم. بهذا يُمتنع التدبر، أو النقاش كعملية بحث عن الحجة الأفضل.
ثقة في النموذج السويسري
أما السويسري ستيفان كلاوزر، والذي يجري أبحاثه حول الرقمية والمجتمع في المعهد العالي التقني (ETH) بجامعة زيورخ، فإنه حاول أن يُبدد الحيرة التي سادت المناسبة، حتى بين صفوف الصحفيين المخضرمين وهذا بإشارته إلى أن أية تقنية جديدة لا تكاد تكون ملحوظة في بدايتها، ثم ما تلبث أن تحدث صخباً، بل وذعراً كذلك. “إن أفضل الفرص تكون من نصيب هؤلاء الذين يمحصون التقنيات الجديدة بدقة، ثم يعرفون كيف يستخدمونها لأنفسهم”، على حد قول السيد كلاوزر. ويعني هذا تحديداً: “علينا خلق غرفاً جديدة، أو ما يطلق عليه منصات تفكير إلكترونية ضخمة. وهناك يمكن للناس أن يتحاوروا مع بعضهم البعض بصورة مغايرة، عن تلك التي تحدث اليوم على مواقع التواصل الإجتماعي”.
وهذه الغرف الجديدة تكون ذات قيادة، ويكون لديها قواعد محددة. كذلك يمكنها عن طريق الذكاء الإصطناعي تحديد البوتاتBots (التي تقوم بمهام تلقائية على الإنترنت) أو متصيدات الإنترنت Trolls. وطبقاً لتصريحات كلاوزر فإن هذه المنصات الجديدة نفسها تعمل بنظام الخوارزميات. إلا أن هذه لا تعزز المشاعر، وبالتالي لا تكافيء رسائل الكراهية. وإنما هي تكافيء على العكس القدرة على التوجه نحو حجج الآخر، بل وتقبلها.
“بهذا يمكن كسر فقاعات المرشح هذه”، على حد قناعة الباحث السويسري الشاب. ويختم قوله بالملاحظة: إن هذه الغرف الجديدة عليها أن تنفتح كذلك على وسائل الإعلام التقليدية ذات الجودة العالية. المصدر:”swissinfo.ch” للحوار حول الديمقراطية المباشرة.