المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية في القانون الدولي
اعداد : د .صديقي سامية – أستاذة جامعية – الجزائر- صحافية ومحللة في القانون الدولي والعلاقات الدولية
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
ليس ثمة شك في أن حماية البيئة يعد من الموضوعات الهامة باعتبار أن البيئة تؤثر و تتأثر بطبيعة البشرية لأنها تلازم حياة الإنسان، لذا يتوجب علينا حمايتها من كل تلوث يمكن أن يهددها في زمن تفاقمت فيه الأخطار التي تحدق بالبيئة نتيجة تطور الأدوات و الاختراعات التي ابتكرها الإنسان لتحقيق تنميته و تحسين مستواه المعيشي، فأصبحت أدوات لتخريب وتدمير البيئة بشكل ملحوظ وتحولت من مصدر نفع إلى مصدر ضرر يهدد البيئة بشكل مستمر، وعلى هذا الأساس شغلت حماية البيئة حيزا واسعا من الاهتمام سواء على الصعيد الوطني أو الدولي وبات أمر حمايتها واجبا في زمن السلم و الحرب،وكذا مساءلة كل من قام بمخالفة الإلتزمات المتعلقة بحماية البيئة، وإلزامه بإصلاح الضرر الذي ترتب عن هذه المخالفة، ومن هنا تطرح الإشكالية التالية:
فيما تتمثل الآثار المترتبة عن إلحاق أضرار بالبيئة؟.
وللإجابة على هذه الإشكالية نعالج الموضع في ثلاث مباحث حيث نتناول في المبحث الأول المبادئ التي تحكم حماية البيئة، أما المبحث الثاني فقد خصصناه للحديث عن الأسس التي تحكم المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية، أما في المبحث الثالث نتطرق فيه إلى أنواع التعويض المترتب عن المسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية.
المبحث الأول: المبادئ التي تحكم حماية البيئة
تستند مصادر التزامات حماية البيئة في المجال الدولي على مبادئ العامة للقانون و القانون العرفي الدولي، و الاتفاقيات التي تحمي البيئة، وتلتزم الدول عند استغلال مواردها واستخدام أراضها باعتبارها صاحبة السيادة المطلقة بالقيام بذلك بعدم تسبب أنشطتها بأضرار تهدد البيئة للدول الأخرى وفقا لمبدأ عدم التعسف في استعمال السلطة (المطلب الأول)،وكذا على أساس قيام العلاقات بين الدول المجاورة على مبدأ حسن الجوار احتراما لسيادة الدول وعدم إلحاق أضرار بالأقاليم المجاورة( المطلب الثاني)، كما تتكفل الدول التي تتسبب أنشطتها بتلوث البيئي بتكاليف الوقاية منه أو على أقل الحد منه وفقا لمبدأ الملوث الدافع(المطلب الثالث)،وحتى لا تتسبب الدول أثناء قيامها بأنشطتها المختلفة بتلويث البيئة عليها أخذ الحيطة والحذر حتى لا تقع هذه الأضرار التي تكون طويلة الأمد(المطلب الرابع)
المطلب الأول: مبدأ التعسف في استعمال الحق
يعتبر التعسف في استعمال الحق أحد المبادئ الأساسية لقانون الداخلي والقانون الدولي ويقصد به تجاوز حدود التي يمنحها القانون للحق باعتبار أن لكل حق مضمون معين يتحدد بالسلطات التي يجعله القانون لصاحبه، ويختلف التعسف في استعمال الحق على هذا الوجه عن الإساءة في استعمال الثقة التي تكون عن سوء نية لأنه ينظر إليها من باب الغش و التدليس،كما يختلف التعسف في استعمال الحق عن الاحتيال عن القانون على أساس أن التعسف في استعمال الحق ينتج عن انحراف عن مصلحة المشروعة المقررة على أساس الحق [1]، في حين أن الاحتيال عن القانون يكون الهدف من وراءه التهرب من تطبيق القاعدة القانونية الآمرة عن طريق القيام بتصرف قانوني بصورة تؤدي إلى أن يكون ظاهرها مطابقا لقانون مع استهدافها الغاية التي تخالف هذه القاعدة.
و باعتبار أن المبادئ العامة تعد مصدرا للقانون الدولي وفقا للمادة 38 من نظام محكمة العدل الدولية فإن مبدأ التعسف في استعمال الحق قد دخل في عداد قواعد القانون الدولي وذلك لما يحققه هذا المبدأ من عدالة حيث يقيم توازنا بين مصالح الأطراف على أساس أن كل حق يقابله التزام وعليه يتوجب على كل دولة أن لا تمارس أي حق من حقوقها خولها لها القانون الدولي بشكل يلحق ضرر لشخص الدولي أخر.
وقد تناولت عدة مواثيق دولية الخاصة بالبيئة مبدأ التعسف في استعمال الحق حيث أكد مؤتمر استوكهولم المنعقد بتاريخ 5 جوان 1972 على أنه يقع على الدولة واجب التأكد من أن النشاطات التي تمارسها داخل حدود أي دولة أو تحت إشرافها لا تحدث أضرار بيئية بالدول أخرى،وكذا المناطق غير خاضعة لأية سلطة وطنية[2].
كما أن اتفاقية التنوع الحيوي لسنة 1992 التي أبرمت عقب مؤتمر ريودي جانيرو
ووقعت أكثر من مئة دولة تناولت مشكلة بيئية هامة في مواجهة انخفاض وتدهور التنوع البيولوجي بفعل أنشطة بشرية معينة على نحو يهدد بعدم قابلية الاستمرار في استخدام و إخلال بالتوازن الأيكولوجي اللازم لاستمرار الحياة في المحيط الحيوي حيث أشارت إلى مبدأ عدم التعسف في استعمال الحق بشكل ضمني في المادة 03 منها التي أكدت على أنه للدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي حق سيادة استغلال مواردها وفقا لسياستها الخاصة و تتحمل مسؤولية ضمان أن الأنشطة المضطلع بها داخل حدودها أو تحت سيطرتها لا تلحق أضرارا بالدول الأخرى أو بيئة مناطق خارج حدود الولاية الوطنية.
أما فيما يخص اتفاقية استوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة التي دخلت حيز النفاذ في 17 ماي 2004 قد أكدت في ديباجتها على ضرورة أن تكفل الدول مسؤولية كفالة عدم تسبب الأنشطة التي تقوم بها بضرر للبيئة أو تنمية دول أو مناطق أخرى خارج حدود ولايتها الوطنية[3].عليه نرى أن مبدأ التعسف في استعمال الحق قد استقر في العرف البيئي وكرسته الاتفاقيات و الإعلانات الدولية الخاصة بحماية البيئة من أجل تحقيق معادلة تكاملية بين مقتضيات التنمية و الحفاظ على البيئة و الموازنة بين حقها في القيام بأنشطة تدخل تحت سيادتها واحترام السلامة الإقليمية للدول الأخرى، وفي حالة تجاوز حقها بإلحاق أضرار بالدول أخرى تتحمل مسؤولية إلحاق أضرار ببيئتها باعتبار أن حق في بيئة نظيفة كرسته اتفاقيات دولية لحقوق الإنسان مضمون لكل الدول دون استثناء.
المطلب الثاني: مبدأ حسن الجوار:
تقوم العلاقات بن الدول المجاورة على مبدأ حسن الجوار بإعتباره من أهم المبادئ التي تقوم عليها العلاقات الدولية بين الدول، وأي إخلال بهذا المبدأ ينعكس سلبا على استقرار المنطقة كلها.
ولبناء علاقات حسن الجوار لابد من احترام مبدأ السيادة بشكل كلي لأنه جزء لا يتجزأ من بدأ حسن الجوار[4]، وعليه يترتب على الدول عند ممارسة اختصاصها الإقليمي ضرورة عدم إلحاق الضرر بالأقاليم المجاورة.
وقد أكد الدكتور صلاح الدين عامر على أن هذا المبدأ وجد دفعات قوية له في ميثاق الأمم المتحدة لسنة 1945 حيث تضمنت ديباجته على ضرورة العزم بأن تأخذ أنفسنا بالتسامح و العيش معا في سلام وحسن الجوار،مما جعل حسن الجوار ذو قيمة قانونية كاملة، وأزال عنه أي شبهة في قوته كمبدأ من مبادئ القانون الدولي المعاصر[5] .
إن مبدأ حس الجوار يعد من أهم المبادئ البارزة في حل المشاكل البيئية باعتباره وضع كمبدأ من مبادئ القانون الدولي،وهده النقطة متعلقة بالتطور التدريجي لنظام المسؤولية الدولية عن النتائج الضارة لأفعال لا يحظرها القانون الدولي، وقد تم الإشارة إلى مبدأ حسن الجوار في الإتفاقية الأوروبية لحماية المياه العذبة من التلوث لسنة 1969 حيث أكدت على أن مبدأ حسن الجوار من المبادئ العامة للقانون الدولي ولا يحق لأي دولة استغلال مواردها الطبيعية بطريقة يمكن أن تسبب ضررا كبيرا في دولة مجاورة.
ومن النصوص الدولية الهامة التي أكدت مبدأ حسن الجوار نجد المبدأ 21 من اعلان البيئة استوكهولم لسنة 1972، والذي جعله ملازما لمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق حيث أقر وفقا لميثاق الأمم المتحدة و مبادئ القانون الدولي للدول حق سيادي في استغلال مواردها الطبيعية شريطة عدم تسبب هذه الأنشطة أضرارا في أقاليم الدول الأخرى[6] .
كما أن مبدأ حسن الجوار يلعب دورا أساسيا في حماية البيئة البحرية بحيث تكون الدولة المنسوب إليها الأضرار الناتجة عن التلوث مسؤولة دوليا باعتبارها قد خالفت التزام قانوني دولي، وفي هذا الصدد تبنت المادة 194 من اتفاقية قانون البحار لسنة 1982 مبدأ حسن الجوار حيث أكدت على أن تجري الدول الأنشطة الواقعة تحت ولايتها أو رقابتها بشرط أن لا تؤدي إلى إلحاق أضرار عن طريق التلوث بدول أخرى وبيئتها و أن لا ينتشر التلوث الناتج أحداث أو أنشطة تقع تحت ولايتها أو رقابتها خارج المناطق التي تمارس فيها حقوقا سيادية، وهو ما تم تأكيده من قبل مجمع القانون الدولي لسنة 1911 أثناء دورته في مدريد حيث أقر توصيه للدول تتعلق بحق الدول بممارسة سيادية على المياه الإقليمية شريطة عدم إضرار بالدول المجاورة وهي ما تشكل قيود على السلطات الإقليمية المطلقة و الواقع أن القانون الدولي كان في توصيته تلك متوافقا مع ما كان عليه العمل الدولي.
هكذا نرى أن مبدأ حسن الجوار يفرض على الدول التزام بمنع الأضرار و الأثار الضارة بدول الجوار أثناء ممارسة نشاطاتها في مجالها السيادي لاسيما و أن التطور العلمي والتكنولوجي سمح بإيجاد حالات جديدة لاستعمال الإقليم إلا أنه لا يكفي لتأصيل مسؤولية الدولة التي سببت أضرار لدولة أخرى ليست من جيرانها المباشرين خصوصا وأن لتلوث يمتد لمسافات بعيدة متجاوزا حدود الدولة الواحدة إذا ما تعلق الأمر بمجال الأضرار الناجمة عن النفايات الخطيرة.
المطلب الثالث: مبدأ الملوث الدافع:
ما هو معترف به أن مبدأ الملوث الدافع من مفاهيم الاقتصادية يقوم على قاعدة تكمن في أن الملوث الذي يتسبب في حادث عليه تحمل تكاليف الوقاية منه أو الحد من إزالته[7]، وظهر مبدأ الملوث الدافع لأول مرة في إطار منظمة التعاون و التنمية الإقتصادية من خلال التوصية التي أدرتها في 26 ماي 1972 المتعلقة بالمبادئ التوجيهية المتعلقة بالجوانب الإقتصادية والسياسية للبيئة على المستوى الدولي التي أكدت على أن وضع مبدأ التلوث الدافع هو تخصيص تكاليف تدابير منع ومكافحة التلوث مع تجنب التوتر في التجارة و الاستثمارات المالية على أن يتحمل المتلوث المصاريف المتعلقة بالتدابير التي تحددها السلطات العامة من أجل المحافظة على البيئة، وعلى هذا الأساس يقوم الملوث بتخصيص مصاريف المتعلقة بالتدابير التي تحددها السلطات العامة لكي تبقى البيئة سليمة وبالتالي تنعكس تكاليف هذه التدابير على تكلفة السلع والخدمات التي هي مصدر التلوث بسبب انتاجها أو استهلاكها.
ومبدأ التلوث الدافع باعتباره مفهوم اقتصادي لا يبحث في تطبيقه عن المسؤول المباشر عن التلوث باعتباره يضع الأعباء المالية بطريقة موضوعية وليست شخصية على مجموع النشاطات التي من المحتمل أن تأثر على البيئة وتحدث تلوثا بها وذلك بإدراج تكلفة الموارد البيئية ضمن السلع و الخدمات المعروضة في السوق عى أساس أن إلقاء النفيات و الفضلات الملوثة في الهواء أو الماء أو التربة هو نوع من استعمال لهذه الموارد ضمن عوامل الإنتاج[8].
تبنى اعلان ريو ديجانيرو الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة و التنمية لسنة 1992 مبدأ التلوث الدافع حيث نص المبدأ 16 منه على أنه ( على السلطات الوطنية أن تسعى إلى تشجيع إدخال التكاليف البيئية واستخدام الآليات الإقتصادية في ذاتية الفرد وسلوكه أخذة في اعتبار المبدأ القائل بأن المتسبب في التلوث يجب عليه تحمل نفقات التلوث مع احترام ومراعاة المصلحة العامة وبدون الإخلال بالإستثمار و التجارة الدولية)، ما يلاحظ على نص هذا المبدأ أن عباراته جاءت غامضة، وهذا التعريف يفتقد إلى مضمون معياري محدد لاسيما و أنه يرتبط بالصعوبات الإقتصادية، كما أن مبدأ التلوث الدافع مازال لم يرقى إلى قاعدة قانونية حقيقية إلى يومنا هذا أين يبقى مجرد من أي قوة إلزامية خصوصا أن اعلان ريو ديجانيروا لم يقر أي تدابير إلزامية للدول رغم أنه أكد في المبدأ 13 منه على ضرورة التوصل إلى إرساء قانون دولي لتحديد المسؤوليات و التعويضات عن الأضرار التي تلحق البيئة.
وفي هذا الصدد أكدت اتفاقية فينا لحماية طبقة الأزون لسنة 1985 على مسؤولية الدول التي تباشر أنشطة مشروعة في الحاضر أو في المستقبل ثم ثبتت التطورات العلمية و التكنولوجية بعد ذلك أن الأنشطة تنطوي على خطورة الإضرار بطبقة الأزون أو أضرت بها فإنه يمكن إلزام الدول التي باشرت هذه الأنشطة رغم مشروعيتها وقت ممارستها بدفع تعويض اللازم على أساس مبدأ الملوث الدافع[9].
كما أن مبدأ الملوث الدافع تم اعتماده في اتفاقية حماية البحر المتوسط من التلوث لسنة 1978 و التي أدخلت عليها تعديلات بتاريخ 10 جوان 1995 حيث أكدت المادة 04 منها على واجب الدول على حماية البيئة و المساهمة في التنمية المستدامة لمنطقة البحر المتوسط تطبيق مبدأ الغرم أو الملوث الدافع الذ يستند على تكاليف منع التلوث وتدابير مكافحة و التخفيف منه يتحملها الملوث مع إيلاء العناية للمصلحة العامة.
يرى الأستاذ جون فليب برد (Jean Philippe Barde ) أن مبدأ الملوث الدافع لا يشكل مبدأ قانوني منصف على أساس أنه ليس بالضرورة أن يكون الملوث هو الذي يدفع تكاليف الأضرار لأن الدافع هنا لا يعني الأخذ بعين الإعتبار و إنما يعني أخذ بالحسبان[10]، و لكن لا ننكر أنه يمكن الإسناد إلى مبدأ الملوث الدافع لإقامة دعوى المسؤولية الدولية حيث يحقق هذا المبدأ توازن متكامل بين الاتجاه الوقائي الذي يرى أن مبدأ الملوث الدافع يقوم على أساس تشجيع الملوث في حد ذاته على إتخاذ التدابير الضرورية لخفض التلوث، و كذا الإتجاه العلاجي الذي يرى أنه مهما تكن نوعية التدابير المتخذة كإجراء وقائي تكون دائما هناك أضرار تختلف درجاتها.
المطلب الرابع: مبدأ الحيطة:
إن مبدأ الحيطة والحذر يعد بمثابة واقي قانوني الأجدر لحماية الدولية للبيئة باعتبار أن الضرر البيئي غير قابل للاسترجاع لذا يفترض الحيطة و الحذر قبل وقوعه، ويهدف مبدأ الحيطة و الحذر إلى محو الأخطار من الوجود لأن هذه الأخطار تلازم كثيرا الأنشطة البشرية بل تلازم الوجود الإنساني ذاته خصوصا أن مبدأ الحيطة هو ضمانة للإنسان قدر المستطاع في الحصول على حقه في الحياة في بيئة أمنة ونقية، وعدم الإضرار بمصالح الأجيال القادمة و الاهتمام بالمستقبل وطموح بعدم ترك للأجيال القادمة أرضا ملوثة مما عليه هي اليوم من أجل تحقيق العدالة بين الأجيال[11] .
رغم الطابع المجرد الذي يتسم به مبدأ الحيطة باعتباره مزيج من قاعدة مرنة وقاعدة ذات قيمة قانونية إلا أن ذلك لا يمنع من اكتسابه قيمة متزايدة في المجال القانوني من خلال الآثار المترتبة عنه حيث أن تطبيق مبدأ الإحتياط يبرر إتخاذ التدابير الإحترازية من خطر معين وهذا ما يمكنه من احتلال مكانة متميزة في القانون البيئ الدولي و الداخلي أين أصبحت القوانين تستند عليه أكثر من المبادئ الأخرى نظرا لما وصل إليه من ازدهار[12].
عرف مبدأ الحيطة تكريسا دوليا من خلال الاتفاقيات و الإعلانات الخاصة بالبيئة حيث أشارت اتفاقية التنوع البيولوجي المبرمة بتاريخ 5 جوان 1992 في ديباجتها على ضرورة توقع واستدراك أسباب انخفاض التنوع حتى في حالة غياب اليقين العلمي المطلق و على الدول البحث عن تأكيد الاستعمال الدائم للتنوع البيولوجي وتجنب افتقاره على المدى الطويل، كما أن اعلان ريودي جانيرو لسنة 1992 أكد على مبدأ الحيطة كأساس للمسؤولية الدولية في مجال البيئة في مبدأ 15[13]، و اكتفى بسرد أهم عناصر مبدأ الحيطة من احتمال وقوع ضرر خطير و غير رجعي و غياب اليقين العلمي و ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لذا تتخذ تدابير الإحتياط من طرف الدول حسب إمكانيتها وقدرتها، إضافة إلى هذا تم الإشارة إلى مبدأ الحيطة بشكل صريح في المادة 16 من بروتوكول قرطاجنة بشأن سلامة الإحيائية التابع للإتفاقية المتعلقة بالتنوع البيولوجي لسنة 2000 التي ألزمت الدول باتخاذ آليات و تدابير واستراتجيات ملائمة لتنظيم وغدارة و مراقبة المخاطر بشأن السلامة الإحيائية عند نقل و مناولة استخدام الكائنات الحي، وباعتبار أن مبدأ الحيطة مكرس في القانون الدولي للبيئة يجب أن ينعكس في قانون النزاع المسلح وقد أكدت القاعدة 44 من الإعلان ادر من جمعية الصليب الأحمر سنة 2005 على أنه تتخذ كل الاحتياطات الممكنة أثناء سير العمليات العسكرية لتجنب الأضرار العارضة للبيئة والتقليل منه مهما كان الحال إلى أدنى الحد[14].
ومن أجل تطبيق مبدأ الحيطة في مجال المسؤولية الدولية عن تلوث البيئة يستوجب توافر شرط غياب اليقين العلمي ثابت حول العلاقة السببية العلمية لحجم وطبيعة احتمال حدوث الخطر وحجم الأضرار الناجمة عنه، لذلك يقع خارج نطاق المخاطر المعروفة خصوصا و أن التطور العلمي جعل نتائج المتوصل إليها تتسم بغياب اليقين العلمي مما جعل عنصر الشك جوهري يستلزم أخذه في الحسبان في أغلب الأنشطة وهذا ماجعل الشرط يفرض نفسه ويطبق عندما تكون هناك شكوك كثيرة[15]، وعليه يمكن القول أن اليقين على وجود أثار ضارة لنشاط ما يسمح بتبني إجراءات وتدابير وقائية من أجل الحد أو حتى تفادي الآثار الضارة للبيئة.
وفيما يخص الشرط الثاني من أجل تطبيق مبدأ الحيطة يتمثل في وجود خطر الذي تثبت فيه العلاقة السببية بين حادث ما و الضرر الذي يلحقه هذا الأخير عن طريق أدلة وهناك أخطار مؤكدة الخاضعة لمبدأ الوقاية و أخطار الثانوية و التي لا داعي لإبعادها بتبني تدابر احترازية، و أخطار غير مؤكدة التي هي من اختصاص مبدأ الحيطة[16]، وعليه لا تخضع الأخطار التي تثبت فيها العلاقة السببية بين الحادث و الضرر الذي ينتج عن هذا الحادث بأي حال من الأحوال إلى مبدأ الحيطة مدام أن تقدير احتمال وقوعه مؤكد.
أما الشرط الثالث لتطبيق مبدأ الحيطة يتمثل في خطورة وجسامة الضرر لأن الخطورة هي التي تبرر اتخاذ التدابير اللازمة دون انتظار الحصول على اليقين بأن النشاط المزمع القيام به لن يخلق أضرارا على البيئة و الصحة الإنسانية، وهذا الشرط ضروري جدا لأنه يسمح بتحديد الدرجة اللازمة التي تسمح للمبدأ بتأكيد محتواه و ليس فقط لإدراك المبدأ على أساس أنه معرقل للنشاط الإقتصادي و غياب النشاط الذي يمكن أن تفرضه الحيطة مؤسس على وجود تهديد محتمل ونوعا ما خطير ودرجة الخطورة هذه تسمح بالأخذ بعين الاعتبار خطر وجود الضرر على مستوى مقبول.
المبحث الثاني: أساس المسؤولية المدنية عن الأضرار التي تلحق بالبيئة
إن قيام المسؤولية المدنية للدول في المجال البيئي تستلزم توافر أركان لانعقادها و التي تجد مصدر في القانون الدولي،حيث يشترط صدور فعل غير مشروع من الدول الذي يشكل انتهاكا جسيما للقواعد الدولية التي تحمي البيئة، وإسناد هذا الفعل غير مشروع للدول باعتبارها أحد أشخاص القانون الدولي، أما الشرط الأخر فيتمثل في أن يتسبب هذا العمل غير مشروع بأضرار للبيئة بمختلف مجالاتها حتى تقوم مسؤولية الدولة في التعويض عن هذه الأضرار، إما الأسس التي يتم استناد عليها لقيام المسؤولية المدنية للدولة عن أضرار البيئية فتكون غما على أساس الخطأ أو العمل غير مشروع أو على أساس المخاطر بغض النظر عن وجود تقصير أو خطأ من قبل الدول، وعليه نقسم هذا المبحث وفق الخطة التالية:
- المطلب الأول: نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية
- المطلب الثاني: نظرية العمل غير المشروع كأساس لتعويض عن الأضرار البيئية
- المطلب الثالث: نظرية المخاطر كأساس لقيام مسؤولية الدولة عن تلوث البيئة
المطلب الأول: نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية عن الأضرار البيئية:
يرجع أصل نظرية الخطأ إلى بداية العصور الوسطى حيث عرفت هذه الحقبة الزمنية ظهور الدولة بمفهومها الحديث، وقد كانت نظرية المسؤولية الجماعية هي سائدة وتقوم على أساس التضامن المطلق بين أفراد الجماعة أبرز ملامحه ظهور الشخص صاحب السيادة في الدولة وهو الأمير حيث أصبحت الدولة تتجسد في إدارته مما ترتب عنه مسؤولية الدولة عن عن فعل خطأ يرتكبه الأمير إذا لم يتخد الإجراءات لمنع وقوع الخطأ أو لم يعاقب المرتكب[17].
أوضح جروسيوس نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية في كتابه قانون الحرب والسلم حيث تبنى مسؤولية الدولة على أساس توافر الخطأ من جانب الأمير وحدد الحالات التي يمكن للخطأ أن يتحقق فيها وتتمثل في :
– عدم اتخاذ الأمير الإجراءات اللازمة لمنع وقوع هذه الأعمال و بذلك يصبح شريك فيها.
– عدم اتخاذ الأمير التدابير الكفيلة لمعاقبة من قاموا بالتصرف وبذلك يكون قد أجاز تصرفاتهم.
وفقا لنظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية لا يمكن أن تقوم مسؤولية الدولة ما لم يصدر منها فعل خطأ يضر بغيرها من الدول، وهذا الخطأ إما أن يكون متعمد أو يكون إهمالا غير متعمد، و الخطأ المقصود في هذه النظرية هو الخطأ المفترض من الأمير، ومن الفقهاء الذين تناولوا نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية نجد الفقيه جورج سل الذي يرى أن مخالفة قاعدة من قواعد القانون الدولي يعتبر تجاوز في السلطة أو تعسف السلطة أو عدم القيام باختصاص معين بكل بساطة أو وجود خطأ لأحد الأعوان في أداء وظيفته، ويضيف أنه لا يمكن أن نعرف المعنى القانوني لكلمة الخطأ إذا لم تكن تصرفا مخالف للقانون، أما الفقيه جولدي يرى بأن المسؤولية على أساس الخطأ تدل على ارتباطها بعامل تسبب الضرر عمدا أو بالإهمال و أن الإهمال يحصل عندما يتجاوز الفاعل الإلتزام الملقى على عاتقه و الذي يتطلب العناية[18].
كما أن الفقيه لويس لوفير قد يرى أن من تسبب في ضرر للغير يوجل صاحبه إصلاح الخطأ المرتكب شريطة وقوع ضرر يمس بحق دولة أخرى وكذا عمل غير مشروع منسوب للدولة التي يفترض وجود الخطأ في مواجهتها، ويشمل هذا الخطأ في تقصير الدولة في اختيار الموظف أو وجود سوء إشراف على الموظف انحرف عن استعمال السلطة الممنوحة له، إضافة إلى امتناع الدولة عن القيام بالتزام يفرضه عليها القانون الدولي.
إن تطبيق نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية عن الأضرار التي تلحق بالبيئة نجده في عدد محدود من الاتفاقيات الدولية البيئية كاتفاقية الفضاء الخارجي لسنة 1967،كما أن المبدأ 22 من إعلان ستوكهولم لسنة 1972 أكد على تعاون الدول في زيادة تطوير القانون الدولي فيما يتعلق بالمسؤولية و بتعويض ضحايا التلوث و الأضرار البيئية الأخرى التي تتسبب فيها الأنشطة ويضطلع بها داخل حدود سلطة هذه الدول أو تحت رقابتها لمناطق واقعة خارج حدود سلطتها،وكذلك المبدأ 2 من إعلان ريو ديجانيروا لسنة 1992،وجاء فيهما تأكد على مسؤولية الدولة عن الأضرار التي يمكن أن تلحقها بالبيئة لدول أخرى، وباستثناء هذه النظريات قليلا ما نجد نصا يقرر مسؤولية الدول على أساس الخطأ في مجال البيئة، وذلك لصعوبة إثبات الخطأ وقيامه على عناصر تقنية يصعب تحليلها، وكذلك في النزعات المسلحة إذا سلمنا بالخطأ كأساس للمسؤولية في مواجهة أحد أطراف النزاع المسلح عما قد يصيب البيئة من تلوث فإذا كان لابد من إثبات الضرر فإن ذلك لا يحقق أي نتيجة لأنه غالبا ما يحتج الطرف المتنازع بالضرورة العسكرية كمانع من موانع تحمل مسؤولية الضرر الذي ألحقه بالبيئة مما يطفي المشروعية على عمله،كما أنه يمكن أن يصدر من الدولة نشاط مشروع ولا يشكل خطأ في السلوك وأحدث أضرار في البيئة، وبالتالي إذا طبقت نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية فإنه لا يترتب أي مسؤولية للدولة عن الأضرار التي ألحقتها.
سادت نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية ردحا من الزمن إلا أنها تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل العديد من فقهاء القانون الدولي على رأسهم ليون ديجي الذي يرى في مبدأ المساواة الذي ينظم العلاقات العامة بين المواطنين وكل مخالفة تحدث ضررا تلزم صاحبها بتعويض[19]، كما أن الفقيه بريتش يرفض أن يكون الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية و يعتبر فقط مخالفة القواعد الدولية الأساس الوحيد للمسؤولية الدولية.
إن التقدم الحاصل في المجال علمي و التقدم الصناعي وتوسع شبكة التبادل التجاري أدى إلى عدم مسايرة نظرية الخطأ كأساس للمسؤولية الدولية لهذا التطور حيث أن هناك العديد من المشكلات التي لا تجد النظرية لها حلا مما زاد من تعقيد العلاقات الدولية و صعوبة إثبات الخطأ في مجال القانون الدولي البيئي.
المطلب الثاني: نظرية العمل غير المشروع كأساس لتعويض عن الأضرار البيئية:
ظهرت نظرية الفعل غير مشروع كأساس للمسؤولية الدولية على أنقاض الانتقادات الموجه إلى النظرية التقليدية المتمثلة في نظرية الخطأ حيث ترفض هذه النظرية الخطأ كأساس لمسؤولية الدولة لما يتضمنه من اعتبارات نفسية وشخصية يصعب تقديرها، وتقرر أن العبرة هي بالصفة غير المشروعة للتصرف المخالف للقانون الدولي، ويعتبر الفقيه أنزيلوتي أول من تبنى نظرية الفعل غير المشروع[20]، الذي يرى أنه من حق الدولة المضرورة المطالبة بإصلاح الضرر وتقديم ضمانات للمستقبل و أن العلاقة القانونية التي تنشأ بها الروابط بين الدولة نتيجة الإخلال بالحقوق نفس الملامح الرئيسية التي تتسم بها الروابط في قانون الإلتزمات وتظهر في أعقاب تصرف غير مشروع هو بصورة عامة انتهاك لالتزام دولي ينشأ علاقة قانونية جديدة بين الدولة صاحبة التصرف و الدولة التي وقع الإخلال في مواجهتها فتلتزم بالتعويض و يحق للثانية أن تقتضي هذا التعويض تلك هي النتيجة الوحيدة التي يمكن أن تلصقها القواعد الدولية المعبرة عن الالتزامات المتبادلة بين الدول بالعمل المخالف للقانون، كما نجد الفقيه بول روتر يعتبر أيضا العمل غير مشروع أساس للمسؤولية الدولية بل الشرط الأهم لقيامها[21].
إن نظرية الفعل غير المشروع أقرها معهد القانون الدولي في أحد قراراته المتخذة بمدينة لوزان السويسرية بشأن المسؤولية، و أكدت عليها اللجنة الثالثة المنبثقة عن مؤتمر تقنين قواعد القانون الدولي سنة 1930 حيث أكدت المادة الأولى منه على أن كل إخلال بالتزام دولي من قبل دولة ما يستوجب مسؤولية هذه الدولة سواء كان هذا الإخلال صادر من سلطتها التشريعية أو التنفيذية أو القضائية و ألحق ضررابأحد الأجانب في شخصه أو أمواله وكان متواجدا بأراضيها.
وعليه فإن الدولة التي تقوم بعمل غير مشروع يترتب عنه إلحاق أضرار ببيئة دول أخرى يترتب عليه مسؤولية التعويض عن هذه الأضرار التي لحقتها وقد اخذ بهذا المبدأ في اتفاقية حظر استخدام تقنيات تغيير البيئة لسنة 1976 حيث أكدت في المادة الأولى منها على أنه يكفي وجود معيار واحد حتى تقوم المسؤولية الدولية عن انتهاكات قواعد تلك الاتفاقية في حق الدول المتعاقدة، كما أن المادة 235 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 أكدت على أن العمل غير المشروع يعتبر أساس لنشوء مسؤولية الدولية تلقى على عاتق الدول التزاما يقضي بإصلاح الأضرار الناجمة عنها[22].
كما أن القضاء الدولي أخذ بنظرية الفعل غير المشروع في قضية التي رفعتها استراليا و نيوزيلاندا ضد فرنسا أمام محكمة العدل الدولية بشأن التجارب الذرية في جنوب المحيط الهادي سنة 1933 حيث طالبت استراليا ونيوزيلاندا من محكمة العدل الدولية بعدم مشروعية استمرار هذه التجارب الفرنسية لمخالفتها لقواعد القانون الدولي المعمول به وطالبت باتخاذ الإجراءات التحفظية للكف عن إجراء التجارب حتى الفصل فيه من قبل محكمة العدل الدولية،وكان الحكم الذي أصدرته المحكمة يقضي بوقف الحكومة الفرنسية التجارب الذرية التي تسببت في تساقط الغبار على إقليم الأسترالي و النيوزيلاندي مستندة إلى أن التجارب الذرية الفرنسية تسببت في إعاقة السفن و الطائرات في البحر العالي و المجال الجوي الذي يعلوه من تلويث بالغبار الذري المشع يعتبر عملا غير مشروع لأنه يشكل خرقا لقاعدة دولية تتمثل في حرية البحر العالي، وأن أي تسريب للمواد المشعة يشكل خطرا على إقليم و يصيبه بأضرار لا يمكن إصلاحها[23].
و في الرأي الاستشاري للمحكمة العدل الدولية لسنة 1996 حول مدى مشروعية التهديد باستعمال الأسلحة النووية أكدت على أنه يوجد التزام عام على الدول بأن تكفل احترام الأنشطة الواقعة تحت ولايتها و رقبتها لبيئة الدول الأخرى أو لمجالات خارجة عن الرقابة الوطنية هي الأن جزء من مجموعة القانون الدولي المتعلقة بالبيئة[24].
وعليه نجد أن المسؤولية الدولية عن العمل غير المشروع في مجال البيئة قد استقر في القانون الدولي العرفي و المعاهدات الدولية يقضي من الدول ببذل العناية اللازمة في تنفيذ التزاماتها الدولية فيما يخص ما يتعلق بالبيئة وذلك عند قيامها بنشاطاتها في حدود ولايتها شريطة عدم إلحاق الأضرار بالآخرين، وهو ما يجسد المبدأ لا ضرر ولا إضرار، وفي منظور القانون الدولي حتى نكون أمام عمل غير مشروع لابد من توافر عنصر شخصي يتمثل في وجود سلوك من دولة يتمثل في القيام أو الامتناع عن العمل، وكذا عنصر موضوعي المتمثل في إسناد ذلك العمل غير مشروع المخالف للالتزام الدولي للدولة.
وقد وجهت لنظرية العمل غير المشروع انتقادات على أساس أنها لم تتمكن من مسايرة التطورات العلمية و التقنية التي شهدها العالم في مجالات عدة منها استخدام الفضاء و الطاقة الذرية و أسلحة الدمار الشامل التي أدت إلى ظهور أخطار استثنائية تلحق أضرارا مدمرة بالدول الأخرى أثبتت عجزها في تحديد الأساس القانوني عن مثل هذه الأضرار التي تعد من وجهة نظر القانون الدولي أعمالا مشروعة[25]، مما استلزم ضرورة البحث في اتجاهات فقهية حديثة على أساس أخر يكفل حماية حقيقية للبيئة.
المطلب الثالث: نظرية المخاطر كأساس لقيام مسؤولية الدولة عن تلوث البيئة
جاءت هذه النظرية الحديثة نتيجة الانتقادات التي وجهت لنظرية الخطأ ونظرية الفعل غير المشروع تقوم على أساس أن المسؤولية التي تترتب على عاتق الدولة بسبب أضرار الناشئة عن أنشطة مشروعة ولكنها تنطوي على مخاطر بغض النظر عن وجود تقصير أو إهمال أو خطأ من جانب الدولة أو مشغل الجهاز الخطر، ويؤكد أنصار هذه النظرية على أن المخاطر تقوم على فكرة تحمل نتائج التي تترتب عن النشاطات الخطرة وليس على أساس الخطأ[26]، و بالتالي يمكن مساءلة الشخص القانوني الدولي إذا مارس نشاطا في درجة من الخطورة بحيث ينتج عنه أضرارا للدولة المجاورة فالعبرة بحدوث الضرر لأنه وحده من يرتب المسؤولية الدولية في حق الدولة التي تباشر نشاطا دوليا مشروعا.
وفيما يخص تطبيق هذه النظرية في المجال البيئي فيمكن القول أن أغلب الأضرار النادمة عن التلوث البيئي هي أضرار ترتبت نتيجة أعمال غي مشروعة للدول المتسببة فيها أو عن أنشطة مشروعة وفقا لمعايير القانون الدولي، ورغم ذلك يتعذر إثبات عدم مشروعيتها أو يتعذر إثباتها بصفة عامة لذلك أقيمت المسؤولية على أساس توفر ركن الضرر و العلاقة السببية بين الضرر و بين النشاط الذي تقوم به الدولة، ولكن لا يمكن الإستناد إلى هذه النظرية كأساس للمسؤولية الدولة عن الأضرار التي تلحق بالبيئة زمن النزعات المسلحة بحجة أن الحرب في حد ذاتها عمل غير مشروع دوليا ومحرم، وهذه النظرية لا تدخل في إثبات المسؤولية الدولية للدولة عن انتهاكات البيئة الطبيعية لأن مفهوم النظرية يقوم على شرط عدم وجود اللامشروعية، ولكن يمكن تطبيقها في زمن السلم خاصة في مجال المتعلق بالتلوث العابر للحدود الناشئ عن الأنشطة الخطرة الذي ير بالبيئة.
من أهم الاتفاقيات الدولية التي أخذت بنظرية المخاطر نجد الإتفاقيات الخاصة بالطاقة الذرية التي تلزم الدولة التي تقوم بأي نشاط ذري وقت السلم بتعويض الأضرار الناجمة عن هذه النشاط على أساس المسؤولية المطلقة المتجردة عن نسبة أي خطأ للدولة كإتفاقية باريس المتعلقة بالمسؤولية الدولية قبل الغير في ميدان الطاقة النووية لسنة 1960 التي وازنت بين المصالح بما يضمن تطوير الإستخدمات السلمية للطاقة النووية، و المسؤولية بموجب هذه الاتفاقية مطلقة تقع على عاتق المشغل القائم بإدارة المنشأة النووية فهو المسؤول عن أي خسارة أو ضرر للأشخاص أو الممتلكات، وعما يقع خارج المنشأة و لا تنتفي المسؤولية إلا في حالة وقوع حادث إبان النزعات المسلحة أو كارثة طبيعية أو غزو وإلا عليه أن يدفع تعويض اللازم[27].
كما اتفاقية بروكسل المتعلقة بمسؤولية مشغلي السفن النووية لسنة 1963 أكدت في مادة 02 على تحمل مشغل السفينة النووية المسؤولية المطلقة عن أي ضرر نووي رهنا بإثبات وقوع هذه الأضرار عن حادثة نووية، وتشمل الوقود النووي لهذه السفينة أو المنتوجات و الفضلات المشعة الناتجة عن هذه السفينة، أما اتفاقية المتعلقة عن الأضرار الناتجة عن إطلاق الأجسام الفضائية لسنة 1976 فقد أقرت في مادة 2 منها على تحمل الدولة باعتبارها شخص من أشخاص القانون الدولي مسؤولية المطلقة عن دفع التعويض الضرر الذي يحدثه جسمها الفضائي على سطح الأرض أو الطائرات أثناء تحليقه.
أما في المجال العمل الدولي نجد الإدعاء الكندي ضد الإتحاد السوفياتي فيما يخص القمر الصناعي المعروف باسم كوزموس الذي تم إطلاقه من قبل الإتحاد السوفياتي في 18 سبتمبر 1977، وحدث ان دخل هذا القمر في المجال الجوي لكندا و أدى إلى تناثر أجزاء منه ونفايات على الإقليم الكندي خصوصا و أن هذا القمر يحمل مفاعلا ذريا، ولم يخطر الإتحاد السوفياتي كندا على احتمال دخول القمر في أجوائها، واعتبرت كندا أن هذا التصرف يشكل مساسا بسيادتها، ويعد خطرا على البيئة و الأموال و الأشخاص و طلبت من الإتحاد السوفياتي بتاريخ 23 جانفي 1979 تعويض استنادا إلى الاتفاقيات الدولية وعلى وجه الخصوص اتفاقية 1976 المتعلقة بالمسؤولية عن الأضرار التي تسببها الأجسام الفضائية، وقد أبدى الإتحاد السوفياتي استعداده لإرسال خبراء للمساعدة على التقليل الأضرار الناجمة عن ذلك ولكن لم يقدم إجابات شافية بشأن طلبات كندا وتساؤلاتها[28].
وعليه نرى أن الدولة التي تتسبب بنشاطاتها المشروعة في إحداث الضرر عليها أن تتعهد أو تضمن عدم حصول ضرر في حالة الإستمرار بالنشاط بإتخاذ التدابير و الإجراءات الإحتياطية لمنع الضرر في حالة استمرار بالنشاط بإتخاذ تدابير استنادا إلى أحكام وقواعد القانون الدولي العام، ونستشهد بهذا الصدد بقرار محكمة التحكيم الصادر بشأن قضية مصهر ترايل سنة 1941 بين الولايات المتحدة و كندا المتعلقة بمسألة تلويث الهواء بدخان ثاني أكسيد الكربون المنبعث من المصنع المنشأ في الأراضي الكندية على حدود سبعة أميال من الحدود الدولية مما تسبب في إحداث إضرار بالمحاصيل الزراعية بولاية واشنطن حيث وازنت محكمة التحكيم بين حق الدولة في استعمال إقليمها بما لها من سيادة عليه والتزاماتها بعدم الإضرار بالدول الأخرى مقررة أنه وفقا لقواعد القانون الدولي وقانون الولايات المتحدة الأمريكية لا يحق لأية دولة أن تستعمل إقليمها أو تسمح باستعماله بطريقة ضارة ينتج عنها وصول أبخرة إلى إقليم دولة أجنبية أو ممتلكات أشخاص في هذه الدول الأجنبية وذلك بشرط أن تكون المسألة على جانب من الجسامة بحيث يمكن إثبات الضرر بطريقة واضحة ومقنعة[29].
ما يمكن قوله أن نظرية المخاطر كأساس للمسؤولية الدولية لاقت تطبيقا سواء في المجال الدولي أو الداخلي ويرجع ذلك إلى الأساس الذي اعتمدت عليه هذه النظرية المتمثل في مبدأ العدالة التعويضية أو التبعية سواء كان مصدرها العدالة أو الغرم بالغنم أو الخطر المستحدث، لكنها لم تسلم من الانتقادات على أساس قيام مسؤولية الدولة على الأضرار التي تقوم بها نتيجة قيامها بعمل مشروع ولا يمكن الإعتماد عليها في حالة وجود عمل غير مشروع رغم إلحاقه أضرار بالدول الأخرى.
المبحث الثالث: الإلتزام بالتعويض عن الأضرار البيئة:
مما لاشك فيه أن قيام المسؤولية المدنية للدولة عن الأضرار التي تلحق بالبيئة نتيجة قيامها بأنشطتها يتوجب عليها منح المضرور تعويضا كاملا عما لحقه من أضرار و الذي يأخذ صورة تعويض العيني باعتباره وسيلة إصلاح الضرر و المحو الكلي و التام للضرر الذي وقع و إعادة الحال إلى ما كان عليه (المطلب الأول)، وفي حالة استحالة التعويض العيني يقوم مقامه التعويض النقدي للأضرار البيئية ويتضمن في طيته كافة الأضرار الحاصلة في الموارد الطبيعية ( المطلب الثاني).
المطلب الأول: التعويض العيني للأضرار البيئية:
يعتبر الهدف الأساسي للتعويض العيني هو إصلاح الشيء المتضرر وليس المحو الكلي للضرر الواقع، وكذا محاولة إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الضرر بالنسبة لبعض الأشياء، وقد أكدت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في مشروع مسؤولية الدول هذا الالتزام و أن القانون الدولي العرفي ينص كقاعدة عامة على إلزامية تقديم تعويض عيني في كل مرة يكون فيها ذلك ممكن من الناحية المادية، وعليه فإن كل دولة تسبب أضرارا بالبيئة للدول أخرى يقع على عاتقها التزام تقديم للمتضرر تعويض عيني وفي هذا الصدد أكدت المادة 5 من اتفاقية ولنغتون لسنة 1988 المتعلقة بتنظيم النشاطات الخاصة بالمواد المعدنية بالمواد المعدنية في القطب الجنوبي على أنه يكون القائم بالنشاط مسؤولا عن الأضرار التي تلحق بالبيئة أو بالأنظمة المشاعة المترتبة عن الأنشطة المتعلقة بالمواد المعدنية في القطب الجنوبي، ويكون القائم بالنشاط مسؤولا عن التعويض عندما لا يرجع الوضع إلى ما كان عليه[30]، و بالتالي فإن الاتفاقية توجب التعويض العيني بإعادة الحال إلى ما كان عليه في المقام الأول قبل اللجوء إلى التعويض النقدي، و التعويض العيني يكون إما في صورة وقف العمل غير مشروع وهو وسيلة وقائية بالنسبة للمستقبل بشأن المصالح المتضررة وليس محوا للضرر للحادث الذي وقع نتيجة هذا النشاط، وفي هذه الحالة ينبغي على الدولة التي قامت بنشاطات معينة و ألحقت أضرارا بالبيئة أن تبادر على وجه السرعة إلى إلى وقف هذا النشاط إما بصفة نهائية و اتخاذ كافة التدابير الكفيلة لمنع تسرب المواد الخطيرة التي من شأنها إحداث أضرارا بالبيئة، ولكن يمكن يكون وقف ممارسة لنشاط الذي تسبب بإلحاق أضرار بالبيئة مؤقتا إلى حين اتخاذ الإحتياطات الضرورية التي تتطلبها ممارسة بعض النشاطات كالإصلاحات التي تتطلبها بعض المنشآت المصنفة حتى يتم تفادي وقوع أضرار بيئية مستقبلية أو تفادي كارثة بيئية وشيك الوقوع لو استمرت هذه الأنشطة الملوثة في عملها، تماشيا مع ذلك نجد أن اتفاقية لوجانو 1993 المتعلقة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار الناتجة عن ممارسة الأنشطة الخطرة بالنسبة للبيئة أقرت بحق التجمعات المختصة في المجال البيئي بمطالبة القضائية سواء بمنع ممارسة النشاط غير المشروع و الذي يشكل تهديد فعلي للبيئة أو أن تطلب من القاضي أن يأمر مستغل المنشأة بإتخاذ كافة الوسائل و الإحتياطات اللازمة لمنع تكرار أي عمل قد يرتب ضررا للبيئة[31].
كما يأخذ التعويض العيني صورة إعادة الشيء إلى ما كان عليه هو أفضل صور التعويض العيني قبولا لدى الدول طالما كان ممكنا حيث أنه يزيل كل أثر للسلوك الضار خاصة في مجال الأضرار البيئية بصورة غير مشروعة، لاسيما وأن ما يهم الدول المتضررة هو التخلص من تلك الأضرار التي باتت تهدد مجال الطبيعي و الحيوي خصوصا أن هذه الأضرار التي تلحق بالبيئة يمتد تأثيرها أيضا على صحة الإنسان و الكائنات الحية الأخرى وطالما كان الرد العين ممكن فهو الأفضل في جبر الضرر، وقد أكدت التوجيهات الأوروبية في الكتاب الأخضر في مجال الأنشطة البيئية على أن مبدأ إعادة الحال إلى ما كان عليه قبل وقوع الحادث كتعويض عيني يمثل العلاج البيئي الوحيد الأكثر ملائمة، وهو بمثابة عقوبة تكميلية للمسؤول عن الضرر إلى جانب العقوبة الأصلية التي تسلط عليه.كما أن التعليمة الأوربية الصادرة من المجلس الأوربي في 21 أفريل 2004 المتعلقة بتعويض عن الأضرار البيئية أشارت إلى أساليب و إمكانيات تعويض الأضرار البيئية ومن بينها التعويض في صورة إعادة الحال إلى ما كانت عليه واستبعاد المالي متى كان التعويض العيني ممكنا[32].
يكون التعويض بإعادة الحال إلى ما كان عليه إما بإصلاح وترميم الوسط البيئي الذي أصابه التلوث أو بإعادة إنشاء شروط معيشية مناسبة للأماكن التي يهددها الخطر، وفي حالة استحالة إعادة الحال إلى ما كان عليه بالنسبة لنفس المكان المتضرر فهنا يتم إنشاء مكان أخر تتوافر فيه نفس الشروط المعيشية للمكان المضرور في موضع أخر قريب أو بعيد بعض الشيء في الوسط الذي أصابه التلف و التلوث، ولكن هذا لا يعد حلا مجديا لأنه من غير المعقول أن يتم إنشاء وسط بيئي مماثل بشكل تام في مكان تم إفساده.
وقد أكدت على التعويض عن طريق إعادة الحال إلى ما كان عليه الإتفاقية الأوروبية المتعلقة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار التي تنتج أثناء نقل البضائع الخطرة لسنة 1989 على أن التعويضات التي يحكم بها فيما يخص الأضرار البيئية تكون حسب قيمة الوسائل المعقولة التي تم اتخاذها لإعادة الحال إلى ما كانت عليه بالنسبة للمكان الذي لحقه ضرر، كم أن اتفاقية لوجانو 1993 اعتبرت أن إعادة الحال إلى ما كان عليه هو كل وسيلة معقولة يكون الغرض منها إعادة تهيئة أو إصلاح المكونات البيئية المتضررة ن وكذلك الوسائل التي يكون القصد منها إنشاء حالة من التعادل إذا كان ذلك ممكنا للعناصر المكونة للبيئة[33].
رغم أن التعويض العيني عن طريق إعادة الشيء إلى ما كان عليه يعتبر وسيلة ناجعة لتعويض عن الأضرار البيئية فإنه لا يمكن أن ننكر بأن إعادة الحال إلى ما كان عليهر يتطلب أموال باهضة مما يؤدي إلى إثقال كاهل المتسبب في الأضرار البيئية ومنه لا يجوز إنفاق أموال طائلة من أجل إزالة التلوث من مكان قد لا تقدر قيمته لقيمة الأموال المصروفة لإزالة التلوث[34]، كما أن إعادة الحال إلى ما كان عليه قد يكون مستحيلا إذا تعلق الأمر بحريق كلي أدى إلى إتلاف الآلاف من الممتلكات و الغابات وتدمير كلي لبعض الطبيعة الاصطناعية أو تلك أضرار التي تصيب الفصائل الحيوانية و النباتية نتيجة إلقاء المواد السامة أو تدفق المواد البترولية في البحار، وكذا الأضرار الناجمة عن التجارب النووية التي تكون أضرارها طويلة الأمد.
المطلب الثاني:الإلتزام بالتعويض النقدي:
التعويض المالي هو أحد صور إصلاح الضرر الناجم عن الفعل غير المشروع دوليا ويقوم بسد الثغرات التي تعتري التعويض العيني لذلك فهو أكثر أنماط إصلاح الضرر شيوعا
لأنه يجبر الضرر بصورة كاملة باعتباره نتيجة طبيعية لثبوت المسؤولية الدولية، ويقصد به دفع مبلغ مالي إلى أحد أشخاص القانون الدولي الذي لحقه ضرر واستحال إصلاحه عينيا و بما انه يزيل كافة أثار السلوك الضار أو غير المشروع فيجب أن تكون التعويضات عما لحق الدولة من أضرار وما فاتها من كسب، و التعويض المالي في المجال البيئي يتضمن كافة الأضرار الحاصلة للموارد الطبيعة وهي المبالغ اللازمة لإصلاح ما أصاب البيئة من ضرر وتدمير و إتلاف وخسارة بسبب الإستعمال غير العقلاني بالإضافة للمصروفات اللازمة لتقدير هذه الأضرار ومصاريف تنفيذ الإجراءات اللازمة أيضا لإستفادة وإحياء المصادر الطبيعية و استبدالها واكتساب مصادر أخرى مماثلة و بديلة.
و بالنسبة لشكل الذي ينبغي أن يتخذه التعويض فإن القاعدة العامة هي أن الدفع النقدي للضرر البيئي هو الأساس و هذا ما أكده البروتوكول الملحق باتفاقية الشمال حول حماية البيئة المبرمة بين الدانمارك و السويد و فنلندا و النرويج لسنة 1974 في ستوكهولم حيث يسمح للطرف الذي يدعي الضرر من التلوث عبر الحدود الطلب بشراء أملاكه الحقيقية، و تسمح معاهدة الحدود الفنلندية و الروسية للطرفين بإجراء التعويض النقدي عن أي خسارة إو ضرر تسبب بالضمان للطرف الذي يعاني من خسارة أو ضرر[35] .
إن تطبيق القواعد العامة في المجال التعويض المالي التي تلحق البيئة تطرح مشكلة مدى معرفة الحدود التي تصبح بموجبها الدوة القائمة بالتلوث غير ملزمة بالدفع، كما أن معيار تحديد التعويض الحقيقي لأغراض دفع التعويض النقدي أمر بالغ التعقيد ويعتمد بالأساس على الجهة التي سيقدم إليها الطلب و الموقف المعين الذي سيواجههن وقد يكون من الصعب جدا تقديم قيمة العديد من الموارد و المصالح كالسمك غير المستثمر ومناطق البراري التي غاليا ما تتأثر بالتلوث بحيث من الصعب تحديد مبلغ مالي يقابل درجة الضرر الفعلي الحاصل.
عموما إن التعويض النقدي عن الأضرار التي تلحق بالبيئة تشمل كل المبالغ استعادة وإحياء و استبدال مصادر أخرى للمصادر المتضررة ، كما يتمن المبالغ المالية التي تفي بإنقاص من قيمة المصادر المكونة للبيئة لاستعادة وضعها السابق، قبل وقوع الضرر، كما يضاف إليه التكاليف و المصروفات الضرورية التي بذلت بهدف تقدير هذه الأضرار.
الخاتمة:
صفوة القول أن حق الإنسان بالعيش بيئة سليمة يستلزم حماية البيئة من كل الأضرار التي يمكن أن تلحق بها لاسيما أن البيئة من القيم الاجتماعية التي تحقق استمرارية الحياة حاضرا ومستقبلا لأن الجنس البشري هو جزء لا يتجزأ من البيئة، وهذا ما يستتبع وجود أحكام قانونية سواء على المستوى الدولي أو الداخلي تتعلق بتقرير المسؤولية عن انتهاك حماية البيئة، وإصلاح ما نشأ عن ذلك من أضرار،و باعتبار التعويض هو الأنسب إلى زوال الضرر سواء الذي أصاب المتضرر أو البيئة ذاتها وإعادة الحال إلى ما كان عليه، فهو يعتبر الوسيلة الأنجع لإصلاح الأضرار التي تصيب الأشخاص و الممتلكات الخاصة إلا أنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب في إصلاح الأضرار البيئية لأن البيئة ملكا مشتركا بين أفراد المجتمع، لذا من الضروري تبني فكرة الدعوى الجماعية أو الشعبية للمطالبة عن الأضرار البيئية الخالصة سواء من قبل الأشخاص أو الهيئات الدولية المهتمة بحماية البيئة، من أجل تحقيق المصلحة العامة للبشرية جمعاء،وللحد من الأضرار التي يمكن أن تلحق بالبيئة لا بدا من إنشاء أجهزة دولية باتفاق الدول يعهد لها مهمة لرصد الملوثات البيئية داخل الدول بصفة مستقلة، وذلك لتفعيل مبدأ الملوث الدافع، وكذا فرض غرامات مالية على المشروعات الضخمة التي تتسبب في أضرار بيئية بغية ضمان وجود مبالغ مالية يتم تخصيصها لحالة وقوع الأضرار البيئية،كما يتوجب إعادة صياغة قوانين بيئية على المستوى الدولي لحماية البيئة، وانضمام الدول إلى اتفاقيات الخاصة بحماية البيئة ليتسنى لجميع الدول تحمل مسؤولياتها في مجال حماية البيئة.
قائمة المراجع:
أولا:المراجع باللغة العربية:
- الكتب:
- سه نكه رداود محمد، التنظيم القانوني الدولي لحماية البيئة من التلوث، دار شتات للنشر و البرمجيات، مصر، 2012.
- صلاح الدين عامر، القانون الدولي للبيئة، محاضرات ألقيت على طلبة دبلوم الدراسات العليا، كلية الحقوق، القاهرة، 1984.
- صباح العشـاوي، المسؤولية الدولية عن حماية البيئة، دار الخلدونيـة للنشـر و التوزيـع، الجزائـر، الطبعة الأولـى،2010.
- عبد العزيز العيشاوي، محاضرات في المسؤولية الدولية،دار هومة للنشر والتوزيع، الجزائر 2007
- علي عدنان الفيل، التشريع الدولي لحماية البيئة، دار حامد للنشر و التوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2011.
- محسن أفكريين، قانون المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، مصر، 2010.
2- المقالات:
_ بن قو أمال، التعويض العيني عن الضرر البيئي، مجلة البحوث العلمية في التشريعات البيئية، مخبر البحث في تشريعات حماية النظام البيئي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة ابن خلدون، تيارت، العدد السابع، جوان 2015.
_ محمد بواط، المجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية و الإنسانية، العدد 15، جانفي 2016.
3- الملتقيات:
_ نزار عبدلي، المسؤولية عن أضرار التلوث البيئي في إطار النظام القانوني الدولي،الملتقى الدولي حو النظام القانوني لحماية البيئة في ظل القانون الدولي و التشريع الجزائري، يومي 9 و 10 ديسمبر 2013، مخبر الدراسات القانونية و البيئية، جامعة 8 ماي 1945، قالمة
4- المواثيق الدولية:
- اعلان ريو دي جانيرو سنة 1992.
- اتفاقية لوجانو الصاردة بتاريخ 21 جوان 1993.
4- مراجع الكترونية:
– سلمان كامل سلمان الجبوري،التعسف في استعمال الحق في القوانين و المواثيق الدولية، دراسات و أبحاث قانونية، الحوار المتمدن، العدد 4169،30 جويلية 2013،الرابط المباشر:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=370970.
ثانيا:المراجع باللغة الأجنبية
1-Ovrages :
– Jean. Philippe Barde, économie et politique de l’environnement , presse universitaire de France,2em édition, Paris, 1992.
2- Articles:
– Laurent Lucchini, Le principe de précaution en droit international de l’environnement, ombres plus que lumières , Annuaire français de droit international, vol 45,N0 01, 1999.
– Michael Bothe and others, International law protecting the environment during armed conflict: gaps and opportunities, Review of the red cross, Vol 92,N0 879,September 2010.
– Pascale MARTIN-BIDOU, Le principe de précaution en droit international de l’environnement, Revue Générale de Droit International Public, Tome 103,N0 03 , 1999.
[1] سلمان كامل سلمان الجبوري،التعسف في استعمال الحق في القوانين و المواثيق الدولية، دراسات و أبحاث قانونية، الحوار المتمدن، العدد 4169، 30 جويلية 2013،الرابط المباشر:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=370970.
محسن أفكريين، قانون المنظمات الدولية، دار النهضة العربية، مصر، 2010،ص 442.[2]
[3]علي عدنان الفيل، التشريع الدولي لحماية البيئة، دار حامد للنشر و التوزيع، الأردن، الطبعة الأولى، 2011،ص 11.
[4] نشأت فكرة حسن الجوار منذ القدم بحكم الضرورة ، وبدأت كعرف قبل أن تصبح كمبدأ قانوني ملزما في القانون الداخلي، الذي عرف فيه باسم ( مضار الجوار غير المألوفة ) بحيث تقاس عدم مألوفية المضار بمعيار جسامة المضار باعتبار أن هناك تجاوز في نطاق المضار المألوفة، إضافة إلى معيار استمرارية المضار غير المألوفة لأنه يستلزم تكرار المضار بصفة دورية و لفترات منتظمة.
[5] صلاح الدين عامر، القانون الدولي للبيئة، محاضرات ألقيت على طلبة دبلوم الدراسات العليا، كلية الحقوق، القاهرة، 1984،ص 51.
محسن أفكيرين، المرجع السابق، ص ص 442،443. [6]
[7] يهدف هذا المبدأ إلى تشجيع استخدام العقلاني للموارد الطبيعية تحتويها البيئة و التي في حقيقتها محدودة، ويؤدي استخدامها عن طريق الإنتاج أو الاستهلاك إلى تدهورها و الإقلال منها.
[8] Jean. Philippe Barde , économie et politique de l’environnement , presse universitaire de France 2em édition , Paris , 1992 , P 210
علي عدنان الفيل، المرجع السابق، ص 81.[9]
[10] Jean. Philippe Barde,Op.cit,p211.
[11] Laurent Lucchini, Le principe de précaution en droit international de l’environnement, , ombres plus que lumieres , Annuaire français de droit international, vol 45,N0 01, 1999, p 713.
[12] Pascale MARTIN-BIDOU, Le principe de précaution en droit international de l’environnement, Revue Générale de Droit International Public, Tome 103,N0 03 , 1999,p 645.
[13] المبدأ 15 من اعلان ريو دي جانيرو سنة 1992 ( من اجل حماية البيئة تتخذ الدول في نطاق واسع تدابير احتياطية حسب قدرتها، وفي حال ظهور أخطار ضرر جسيم أو أخطار ضرر لا سبيل إلى عكس اتجاهه لا يستخدم الافتقار إلى اليقين العلمي الكامل سببا لتأجيل اتخاذ تدابير تتسم بفعالية التكاليف لمنع تدهور البيئة).
[14]Michael Bothe and others, International law protecting the environment during armed conflict: gaps and opportunities, Review of the red cross, Vol 92,N0 879,September 2010,p 575
[15] Pascale MARTIN-BIDOU,Op.cit,p 632.
[16] Laurent Lucchini ,Op.cit,pp 227.228.
عبد العزيز العيشاوي، محاضرات في المسؤولية الدولية،دار هومة للنشر والتوزيع، الجزائر 2007، ص 18.[17]
[18] سه نكه رداود محمد، التنظيم القانوني الدولي لحماية البيئة من التلوث، دار شتات للنشر و البرمجيات، مصر، 2012، ص 185.
عبد العزيز العيشاوي، المرجع السابق، ص 19.[19]
سه نكه رداود محمد، المرجع السابق،ص 186.[20]
[21] العمل غير المشروع هو كل سلوك ينسب إلى الدولة وفقا للقانون الدولي الذي يتمثل كل فعل مخالف لأحد التزاماتها الدولية النابعة من قواعد الدولية الاتفاقية أو العرفية أو مبادئ العامة للقانون، و العمل غير المشروع إما يكون انتهاك لالتزام يعني القيام بعمل معين أو انتهاك دولي يتطلب تحقيق نتيجة محددة أو انتهاك التزام دولي يتطلب من الدولة منع وقوع حدث معين.
[22] نزار عبدلي، المسؤولية عن أضرار التلوث البيئي في إطار النظام القانوني الدولي،الملتقى الدولي حو النظام القانوني لحماية البيئة في ظل القانون الدولي و التشريع الجزائري، يومي 9 و 10 ديسمبر 2013، مخبر الدراسات القانونية و البيئية، جامعة 8 ماي 1945، قالمة، ص 04.
[23] صباح العشـاوي، المسؤولية الدولية عن حماية البيئة، دار الخلدونيـة للنشـر و التوزيـع، الجزائـر، الطبعة الأولـى،2010
ص 179.
[24] Michael Bothe and others, Op.cit.p 586.
محمد بواط، المجلة الأكاديمية للدراسات الاجتماعية و الإنسانية، العدد 15، جانفي 2016، ص171.[25]
[26] تناول الفقه نظرية المخاطر كأساس للمسؤولية الدولية بمسميات مختلفة عديدة هناك من أطلق عليها اسم نظرية المسؤولية بدون خطأ أو نظرية الموضوعية، وكذا نظرية التبعية.
صباح العشاوي، المرجع السابق، ص 174.[27]
نزار عبدلي، المرجع السابق، ص 10.[28]
سه نكه رداود محمد، المرجع السابق، ص 191.[29]
سه نكه رداود محمد، المرجع السابق، ص 199.[30]
الفقرة أ من المادة 8 من اتفاقية لوجانو الصاردة بتاريخ 21 جوان 1993.[31]
[32] بن قو أمال، التعويض العيني عن الضرر البيئي، مجلة البحوث العلمية في التشريعات البيئية، مخبر البحث في تشريعات حماية النظام البيئي، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة ابن خلدون، تيارت، العدد السابع، جوان 2015، ص119.
الفقرة 2 من المادة 8 من اتفاقية لوجانو 1993.[33]