الدراسات البحثيةالمتخصصة

تأثير المشاكل الأمنية على السياحة والاستثمار السياحي

اعداد : جارش عادل – باحث دكتوراه تخصص دراسات استراتيجية

المدرسة العليا للعلوم السياسية (NGSPS) – مختص في القضايا المتعلقة بالاستراتيجية والأمن والصراع

  • المركز الديمقراطي العربي

الملخص

تستهدف هذه الدراسة رصد أبرز تأثيرات المشاكل والمخاطر الأمنية على قطاع السياحة بالتركيز على الاستثمار السياحي كأحد الأنشطة السياحية التي تساهم في دفع عجلة التنمية في هذا القطاع سواء كان ذلك على المستوى الكمي أو النوعي.

وتركز هذه الورقة البحثية على الحالة العربية من خلال الاستدلال ببعض الأمثلة عن الدول التي شهدت حالة انفلات أمني منذ أواخر 2010 نتيجة لإفرازات الحراك الاجتماعي والسياسي، كما تحاول التطرق إلى أبرز الإجراءات والتدابير التي يُمكن من خلالها حماية الاستثمار السياحي وقطاع السياحة وكيفية الوقاية من المخاطر الأمنية المستقبلية التي تحدق بهذا القطاع.

الكلمات المفتاحية: السياحة، الاستثمار السياحي، الأمن السياحي، صناعة السياحة، المشاكل الأمنية، تأثير.

The impact of problems and security risks on tourism investment

Abstract

This study aimed at monitoring the effects of the problems and security risks on the tourism sector by focusing on tourism investment as one of the tourist activities that contribute to advancing development in this sector, whether it be quantitative or qualitative level.

This paper focuses on the Arab situation through exposure to some examples of Arabic states that saw a security loose since late 2010 as a result of social and political movement, it is also trying to address the most prominent actions and measures by which to tourism investment and the tourism sector and how to prevent future security risks Protection besetting this sector.
Keywords:Tourism, Tourism Investment, Tourism Security, The tourism Industry, Security problems, effect.

مقدمة  :

تعتبر السياحة(The Tourism) أحد القطاعات الاقتصادية الحركية التي يزداد الاهتمام بها والحاجة إليها في عالم اليوم،خاصة في تلك الدول التي تعتبر هذا القطاع أحد الروافد الأساسية في عملية التنمية نظراً لما تدره من عوائد للبلدان المستقبلة، فوجود صناعة سياحية ( Tourism Industry) متكاملة تتضمن عدة عناصر متفاعلة كالتخطيط والتشييد وحسن توظيف الإمكانات وتسيير الخدمات، واختيار الموقع المُناسب يساهم بشكل كبير في استقطاب السياح باستمرار لتوفير مداخيل العملة الصعبة وتشغيل العمالة البسيطة والمؤهلة، إضافة إلى دفع عجلة التنمية ليس فقط في القطاع السياحي، بل يشمل ذلك القطاعات الأخرى.

ولضمان ما يدعى “بالسياحة المستديمة” Sustainable Tourismلا بد من وجود عنصر “الاستثمار”Investment في الثروة السياحية والتجهيزات والتسهيلات السياحية التي تراعي متطلبات السياح، وتوفر لهم المناخ المناسب للراحة والترفيه، وتنطبق هذه الحالة على الكثير من الدول الرائدة في هذا المجال كالولايات المتحدة(USA) وكندا وفرنسا وماليزيا وتركيا، لكن إن تواجدت عدة صعوبات وتحديات تهدد استقرار القطاع السياحي والاستثمار فيه، فإن ذلك يعتبر عائقاً أمام فاعلية هذا القطاع واستدامته، لاسيما إذا تعلق الأمر بالجانب الأمني الذي يُعتبر القاعدة الأساسية (Base) لجلب الاستثمار باعتبار أن الرأسمال يستثمر في مناطق الاستقرار.

فشعور المُستثمر والسائح بالاطمئنان والاستقرار في الدولة المستقبلة (The receiving State)، إضافة إلى توفر الخدمات يجعل منهما يتوجهان نحوها، في حين إذا لم يتوفر المعطى الأمني وكثرت فيه التهديدات والمخاطر الأمنية كعمليات خطف السياح، واستهدافهم وتهديدهم وترصدهم، فإن المستثمر لن ينجذب إلى الدولة أو المنطقة المستقبلةنظراً لغياب البعد الأمني.

وعلى هذا الأساس فإن هذه الورقة البحثية تحاول الكشف عن مدى تأثير المشاكل والمخاطر الأمنية على الاستثمار السياحي انطلاقاً من التساؤل التالي:

  • ما مدى تأثير المشاكل والأحداث الأمنية على الاستثمار السياحي؟ وكيف يُمكن تحقيق الأمن السياحي؟

واستناداًإلى هذا السؤال، سيتم دراسة الموضوع وفقاً للعناصر التالية:

  • أولاً: لمحة عامة حول أبرز المفاهيم
  • ثانياً: تأثير المشاكل الأمنية على الاستثمار السياحي
  • ثالثاً: التدابير والإجراءات اللازمة لحماية الاستثمار السياحي من المخاطر الأمنية

أولاً: لمحة عامة حول أبرز المفاهيم: الأمن، السياحة، الأمن السياحي، الاستثمار السياحي

يرى باسرون Passeron أن دور العلم يتمثل في ضبط الكلمات بطريقة رمزية سطحية، ومحاولة تحويل المسميات المنطوقة مُسبقا إلى مفاهيم دالة حتى يسهل معرفتها، لكن المُعضلة هنا عندما نجد مفهوم مُعقد اختلف المفكرين والخبراء في ضبطه نظراً لتفاعل مجموعة من الأسباب، وتنطبق هذه الحالة على مفهوم الأمن(Security)، في حين يبدو أن مفاهيم السياحة(Tourism)وصناعة السياحة (Tourism Industry) والاستثمار السياحي هي مفاهيم اقتصادية تحتاج إلى نوع الدقة لفهمها وحسن توظيفها في الدراسة، فسر نجاعة البحث وإيصال الفكرة يكمن في كيفية توضيح المفاهيم والتحكم بها،  كما يقول “فولتير” Voltair إذا أردت أفهمك، فلا بُد لك من تحديد مصطلحاتك”.

  1. الأمن(Security):بالرغم من وجود عدة جهود بحثية لمحاولة تحديد مفهوم “الأمن”، إلا أنه لم يتم الوصول إلى رؤية أو تصور فكري شامل حول هذا المفهوم، نظراُ لحركية ونسبيته من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو مفهوم مركب يتسم بالطابع الخلافي والتوسعي مما ولد صعوبة في تحديد تعريف محدد له، لذلك يعتبره “باري بوزان” Barry Buzan على أنه ” مفهوم خلافي أو متنازع حوله Contestable”1.

فمن الناحية اللغوية فالأمن بتسكين الميم وفتحها وكسرها هو الاطمئنان، وهو ضد الخوف، ويقال: اطمئن الرجل أي أمن ولم يخف2.

             أما عند البحث عن أصول كلمة “الأمن”لدى الإغريقيين فلقد اشتقت هذه الكلمة من لفظ”Securitas” المتكونة من”Sine ” بمعنى “غير أو بدون” “sans”بالفرنسية، ولفظ”cura”الذييعني بالفرنسية “sion” أي السلامة، وعموماً فإن هذا المصطلح يعني غياب السلامة والأمن على عكس ما تم تداوله فيما بعد، حيث أصبح هذا المصطلح يأخذ معنى الاطمئنان والثقة والاستقرار الناتج عن الوثوق بالغير، فلقد اعتبره “شيشرون”Ciceron  بأنه “غياب القلق الذي تستلزمه الحياة السعيدة” أي حالة من الطمأنينة والهدوء3.

في حين أن هناك إجماع نسبي من الناحية الاصطلاحيةعلى أن الأمن هو “التحرر من الخوف والتهديد”، لكن السابق افترض مختلف المفكرين أن الدولة هي التي يجب حمايتها من أي تهديد عسكري خارجي، وهو طرح ساد بقوة مع هيمنة البارديغم الواقعي في فترة الحرب الباردة(The Cold War) فكانت مواضيع الأمن ترتكز كلها تقريباً على المسائل العسكرية والدفاع كمراقبة التسلح وانتشار الأسلحة ومسألة الحروب واستخدام القوة العسكرية والمعضلة الأمنية (Security Diellmma) بين الدول، وكان الأمن أيضاً حبيساً للمؤسسة العسكرية والجهاز الاستخباراتي نظراً لحساسيته من أجل الحفاظ على الاستقرار والوضع القائم (Stability & status quo)، لذلك فإن الأمن هنا كان ضمن دوامة المؤسسة العسكرية واتسم بالصلابة(Hard Security)وأصبح الأمن يتطابق مع مفهوم الدفاع(Defense).

لكن منذ فترة الثمانينيات برزت العديد من التيارات الفكرية التي تدعو إلى توسيع مفهوم الأمن ليشمل عدة قطاعات جديدة كالبيئة، والاقتصاد، الثقافة4، وحتى السياحة كأحد الأنشطة الاقتصادية، وتعميقه ليشمل عدة فواعل أخرى كالفرد، والجماعة…، وغيرها. وعموماً فإن مفهوم الأمن يُقصد به مدى حاجة الفاعل للاستقرار والاطمئنان لضمان بقاءه واستمراريته،

ويتعلق ذلك بتحرره من التهديد والحوف.

  1. السياحة(The Tourism): من الناحية اللغوية اشتق لفظ السياحة من الفعل ساح، ويقال ساح في الأرض بمعنى سار وذهب5 ، ولقد ورد في قاموس أكسفورد (Oxford) على أن السياحة هي:”نشاط تجاري مرتبط بتوفير خدمات الإقامة والترفيه بالنسبة للأشخاص الذين يبحثون عن متعة المكان” 6.

أما من الناحية الاصطلاحية فلقد وردت عدة تعاريف حول السياحة، اختلفت حسب توجه ورؤى الباحثين والمختصين، والهيئات الدولية، إلى أنه يُمكن بناء تصور حول هذا المصطلح من خلال عرض العديد من التعريفات على النحو التالي:

  • تعريف “هرمان فون شلترون” Herman Von Sholteron يركز على البعد الاقتصادي، والسياحية حسبه هي:”مصطلح يُطلق على كل العمليات المتداخلة وخاصة العمليات الاقتصادية التي تتعلق بدخول الأجانب، وإقامتهم المؤقتة، وانتشارهم داخل وخارج حدود منطقة دولة معينة” 7.
  • عرف الألماني ” جويير فولر” Guyer Freulerعام 1905 السياحة بأنها : “ظاهرة من ظواهر العصر الذي نحن فيه، ينبثق عن حاجة الأفراد للراحة وتغيير الأجواء، وإلى إحساسهم المتزايد بجمال الطبيعة، والشعور بالبهجة والمتعة في المناطق التي يتوجهون إليها، وهي عامل مساهم في تعزيز التواصل والتثاقف بين الشعوب” 8.
  • تُشكل السياحة الدولية حسبالتعريف المؤسساتي لمنظمةالسياحةالعالمية(UNWTO)9،نشاطاتالأفرادالذينيسافرونإلىويقيمونفيأماكنخارجالمكانالدائم(البيئة المعتادةUsual Character)10لإقامتهملفترةلاتتجاوزالسنةلأجلالترفيه،والأعمالوأداءمهامأخرى.

“Tourism comprises the activities of persons traveling to and staying in places outside their usual environment for not more than one consecutive year for leisure, business and other purposes.”

وفي السياق ذاته حاولت منظمة السياحة العالمية تحديد ثلاث معايير يمكن من خلالها الحكم على الفرد بأنه سائح أم لا؟ وذلك وفقاًلما يلي:

  • الانتقال من المكان العادي الروتيني إلى المكان الآخر (displacement outside the usual environment)
  • نوع الغرض(Type of purpose)أن يكون هدفه المتعة والترفيه، سواء كان ذلك بزيارة مناطق مخصصة للسياحة كالفنادق، الشواطئ، والمناظر الطبيعية وغيرها، أو بزيارة الأقارب
  • المدة(Duration)أن يكون ماكثا في الجهة المستقبلة على الأقل 24 ساعة11.

ويُستثنى من فئة السياح أصحاب عقود العمل، اللاجئون، المقيمون، الدائمون والدبلوماسيين، وأفراد القوات المسلحة، والعاملون الدائمون12.

وكنتيجة نخلص من خلال التعريفات المقدمة سلفاً بأن السياحة هي عبارة عن:

نشاط إنساني ينتج لرغبة الأفراد البحث عن الراحة والترفيه والمتعة من خلال زيارة مكان ما بغض النظر عن طبيعة هذه السياحة (داخلية/خارجيةForeign Tourism/Domestic tourism)، وهي عامل جد مساهم في تحقيق التعايش والتواصل والتقارب بين المجتمعات، ولها منافع اقتصادية واجتماعية وثقافية.

3.الأمن السياحي(Tourism Security):هو مفهوم مركب من كلمتين الأمن والسياحة، ويعني الأمن السياحي توفير الأمن لكل من السائح(the tourist)وموضوع السياحة(The subject of tourismبحيث يشمل أمن السائح أمنه في نفسه وماله وعرضه وحمايته من الجرائم والمضايقات التي يمكن أن تقع عليه، بينما أمن موضوع الساحة يقصد به أمن المنشآت السياحية والمواقع الأثرية والثقافية والدينية والتاريخية…، وغيرها (أنظر الشكل: 01).

ويندرج الأمن السياحي ضمن البعد الاقتصادي باعتباره أحد المجالات الاقتصادية المهمة، ويرتبط تحقيق الأمن السياحي بالأنماط الأخرى للأمن (الأمن الاجتماعي، الأمن السياسي، الأمن العسكري، الأمن الثقافي، الأمن البيئي…إلخ) نظراً لأن هناك تفاعل تعاضدي بين مجالات الأمن المختلفة13.

4– الاستثمار السياحي(Tourism Investment): يعني الاستثمار عند الاقتصاديين توظيف المدخرات في إقامة مشروعات عن طريق توظيف المدخرات في شراء أو انتاج معدات وآلات وأجهزة…، بغرض زيادة الطاقة الانتاجية التي تهدف إلى توفير الخدمات لأفراد المجتمع والدولة.

أما الاستثمار عند دارسي اقتصاديات السياحة، فيشمل تقييم المشروعات أو دراسات الجدوى للمشروعات من حيث التوقعات لكل من النفقات والايرادات، وتقدير الأرباح المتوقعة أو مُعدل العائد على الأموال المستثمرة، ثم مقارنتها بسعر الفائدة السائد، وفي هذا الإطار يجب التأكيد على أن دراسة الجدوى أمر ضروري ومهم عند الرغبة في استثمار الأموال في إقامة مشاريع سياحية.

ويرى “آشلي” Ashe  أن مفهوم الاستثمار السياحي هو:“الاستثمار في أحد المجالات التي يُغطيها قطاع السياحة، فالمجالات التي يُغطيها الاستثمار في القطاع السياحي متعددة ومتنوعة، وهي تشمل الاستثمار في المقومات والإمكانات الرئيسية لصناعة السياحة”14، والتي يمكن إجمالها في محورين أساسيين؛ الأول يتعلق بالاستثمار في التجهيزات والتسهيلات السياحية(Tourism Infrastructur Facilities)، حيث يشمل  ثلاث قطاعات أساسية هي: خدمات الإقامة والإعاشة والترفيه، خدمات النقل، وخدمات الاتصال، أما الثاني فيتعلق بالثروة السياحية (Wealth Tourism)، وتشمل مواقع التراث الثقافي والتاريخي ومواقع التراث الطبيعي15.

ثانياً: تأثير المشاكل الأمنية على الاستثمار السياحي

          انطلاقاً من استقراء احصاءات المنظمات الدولية التي تُعنى بالسياحة خلال العقود الماضية يتضح لنا أن نمو السياحة يتصاعد سنة بعد أخرى، فلقد أفاد تقرير المنظمة العالمية للسياحة (United Nation World Tourism Organization) لعام 2016 أن هناك ارتفاع في عدد الوافدين من السياح الدوليين في عام 2015 بنسبة 4.6%  ليصل إلى ما مجموعه 1186000000 بزيادة قدرها 25 مليون عن العام السابق، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.8 مليار سائح بحلول عام 2030، وفقاً لإحصاءات ودراسات طويلة الأجل16، ولكن المشكلة حينما نكون في اتجاه عكسي أي أن يحدث انخفاض أو تباطؤ في هذا النمو بسبب زيادة معدلات الحوادث الأمنية، بحيث تختلف هذه الأخيرة في طريقة تأثيرها على السائح، فبينما يمكن أن يتفهم السائح إمكانية وقوع كارثة طبيعية في وجهة سياحية معينة، مثل حدوث زلزال أو بركان، أو مد بحري، أو أمطار شديدة، أو عواصف وأعاصير باعتبارها ليست من ارتكاب البشر،  وإن احتمال حدوثها يمكن التنبؤ به، ومنه يمكن تجنب القيام بالسياحة وقت الحدوث، وبعد زوال تلك الكارثة الطبيعية وآثارها يستطيع السياح التوجه إلى الوجهة السياحية، وهو على قدر من كبير من الاطمئنان واليقين، لكن المشكلة إن كانت هناك اختلالات أمنية من صنع البشر، فعدم الاستقرار السياسي والارهاب والجرائم الجنائية، والمعاملة السيئة للسائح ونقص الرقابة الأمنية كلها تجعل السائح يلغي فكرة التوجه لهذا المكان الذي تحدث فيه الاختلالات الأمنية.

ومن الأمثلة المشهورة لتأثير الأعمال الإرهابية على السياحة آثار الاعتداء على برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 ستمبر 2001، حيث انخفض الطلب العالمي على السياحة في الولايات المتحدة بنسبة 7.4% في عام 2001 و 2002، وتسبب في بطالة أكثر من 10 ملايين موظف في مجال السياحة على مستوى العالم، وانخفضت نسبة الأشغال في الفنادق الأمريكية بنسبة أكبر من 50% رغم تخفيض نسبة الأسعار بـــــــ 40% ، وهو ما أدى إلى تراجع في الاستثمارات السياحية نظراُ لتراجع نسبة الفوائد17 .

ونجد أيضاً منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) التي تُعتبر منذ أمد طويل نقطة جذب رئيسية للسياح، حيث تُشكل السياحة فيها مصدراً هاماً للدخل والنمو، ففي عام 2011 ساهم قطاع السياحة بما يقدر ب 107.3 مليار دولار، أي ما يُمثل 4.5 %من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وهو ما يُوفر 4.5 مليون وظيفة، وما يُعادل 7 % من إجمالي العمالة حسب تقارير البنك الدولي لعام 2013، لكن نتيجة للتحركات الاجتماعية الحاصلة في المنطقة و حالة عدم الاستقرار الاقتصادي في أوروبا جعل السياحة تُعاني كثيراً، فلدى التحركات الاجتماعية القدرة على التأثير سلبا على تصورات السائح فيما يتعلق بالسلامة الشخصية، وتوافر أماكن الإقامة، واحتمال استهدافها، وتعطل خطط السفر، حيث  تُثبت التقارير بأن عدد السياح القادمين إلى المنطقة انخفض بنسبة 9 % إلى 72 مليون في عام 2011 ، أي بانخفاض قدره 6.6 مليون خلال عام 2010.18

ففي تونس مثلا التي يمثل فيها قطاع السياحة دور حيوي في الاقتصاد والمجالات الأخرى، بحيث تبلغ نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي نسبة 18.6% ، عانى فيها هذا القطاع أشد الآثار السلبية للتحركات الاجتماعية في عام 2011، فانخفض السياح الدوليين إلى 5.1 مليون أي بما يُقدر- 34.2 %، وكان هذا الرقم أقل حتى من عدد الوافدين عام 2000، وانخفضت عائدات السياحة في تونس بنسبة -27.3 %أي بما يقدر ب 2.4 مليار دولار19.

ومعظم الوجهات في الشرق الأوسط عانت بشكل مباشر أو غير مباشر من تطورات الأوضاع والتغيرات الاجتماعية والسياسية في المنطقة سوريا -14%  مصر -32% لبنان -24%  فلسطين-15% الأردن -13%20.

وتؤثر المشاكل الأمنية والعنف الساسي والحروب والانقلابات والإرهاب والقلاقل والتهديدات الامنية بشكل كبير على السياحة، فالسياحة صناعة حساسة للأزمات الدولية والإقليمية من حروب وأعمال عنف وإرهاب، مثلما هي حساسة بالجريمة والفساد والأمراض الفتاكة وغيرها من عناصر الأمن الوطني، فمثلاً تعد الحرب أمراً مأسوياً بالنسبة إلى السياحة، فالنشاط العسكري يُمكن أن يُدمر البنية التحتية ويشل الاستثمار السياحي، فالحرب الأهلية الموجودة في العراق ولبنان وسوريا أدت إلى ّإلحاق الضرر الكبير بصناعة السياحة وشلت حركة الاستثمار الداخلي والخارجي التي كانت مزدهرة في هذه البلدان.

كما أن اللاستقرار السياسي له آثار على الاقتصاد المحلي وعلى العمالة في وقت يحتاج البلد إلى للعملات الأجنبية، وفوائد التنمية الاقتصادية الناتجة عن السياحة، ويؤثر للاستقرار السياحي في التنمية السياحية عن طريق انخفاض مرجح في الاستثمار المحلي والأجنبي في مجال البنية التحتية السياحية، وعن طريق زيادة التكاليف تأمين هذه الاستثمارات وانخفاض حركة السياحة الدولية ، فعلى سبيل المثال منطقة الشرق الأوسط بسبب الحروب والصراعات المتعددة مثل الصراع العربي الإسرائيلي مثل: الصراع العربي الإسرائيلي، الحرب الخليجية الأولى والثانية، العدوانالإسرائيلي في جنوب لبنان 2006.

  كما أن المشاكل الأمنية تحدث عن تذبذب في عائدات السياحة والاستثمار السياحي لعدة نقاط أبرزها:

  • وقوع الأحداث الإرهابية والأمنية ستنعكس بالسلب على ذوي العلاقة بالاستثمار السياحي كرجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال لأنهم يتخوفون من الاثار السلبية الناجمة عن الأحداث الأمنية وتداعياتها المختلفة على أموالهم ومشروعاتهم السياحية لمخاطر جسيمة، مما يدفعهم إلى ترك هذا النشاط والتوجه إلى أنشطة أخرى أكثر أمناً وربحيةً، وهو ما يؤثر بالسلب على الاستثمار السياحي.
  • انتشار وزيادة المشاكل والمخاطر الأمنية يعني زيادة تكلفة أمننة (Securitization) التجهيزات السياحية والسياح، فبدل أن توجه عائدات السياحية إلى الاستثمار في منشآت وتجهيزات جديدة بمقاييس عالمية لجذب عدد أكبر للسياح، تٌوجه هذه الأموال لأمننة السياحة.
  • التحذير المتواصل لعدة بلدان مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا وبريطانيا مواطنيها عدم السفر إلى البلدان التي تعاني من المشاكل الأمنية حتى لا يتعرض هؤلاء للمخاطر كالتعرض للقتل والإصابة والخطف، وهو ما يؤثر بالسلب على عائدات السياحة، ويؤدي إلى تراجع في الاستثمار السياحي21.
  • نتيجة للقفزات المتنوعة في الجانب الاحترافي للفواعل المهددة للسياحة كالإرهاب، فلقد رصد خلال ثلاث العقود الأخيرة احترافيه في توجيه الهجمات إلى عناصر الاستثمار السياحي كالفنادق، والمنشآت السياحية ووسائل النقل بغرض تحقيق أكبر قدر لها من الدعاية والإعلام من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه الهجمات تؤدي إلى أضرار جسيمة بالاستثمارات السياحية، وتقوم بشله22.
  • يمتد هذا التأثير في كل الأنشطة المتعلقةبالاستثمار السياحي فقط، ففي حال حدوث انفلات أمني، سيتوقف المستثمرون عن سداد القروض التي حصلوا عليها من البنوك، وكذلك فوائدها بالإضافة إلى التوقف عن استعمال المنشآت السياحية أو القيام بافتتاحات جديدة، وهو ما يؤدي إلى بطء في مُعدلات الاستثمار23.

وكنتيجة نخلص في هذا العنصر أن الاستثمار السياحي لا ينمو إلا في بيئة آمنة باعتبار أن الأمن هو عصب الاستثمار السياحي، وأن كل العناصر التي تشملها السياحة كالصناعة السياحية والاستثمار السياحي مترابطة في كل واحد ، وأن المساس بأمن أحد هذه العناصر سيؤثر على العناصر الأخرى.

ثالثا: التدابير والإجراءات اللازمة لحماية الاستثمار السياحي من المخاطر الأمنية  

          يتطلب تحقيق أمن الاستثمار السياحي تأمين السياحة بشكل عام، ومواجهة مختلف الأخطار الأمنية التي تواجههما، حتى يتم تنشيط حركة الاستثمار السياحي، وإضفاء الإحساس بالطمأنينة والشعور بالأمن على كافة مشتملات عناصر السياحة.

ويتوزع هذا التأمين على ثلاث مستويات:

  • المستوى الأول:يتعلق بالجانب الأمني،فلا بُد من الجهاز الأمني بتفرعاته حماية الأنشطة السياحية من أي مخاطر وجعلها في مقدمة أهدافه الاستراتيجية الأمنية، ولا بُد من حشد كل الإمكانات المادية والبشرية لتحقيق مخطط أمني فعال يقوم بإجراءات وقائية ردعية قبل حدوث التهديد أو المشكل الأمني ومواجهته بطريقة سريعة في حالة الحدوث، ولقد قامت بعض الدول كمصر مثلاً بإنشاء وحدات متخصصة في هذا المجال لوقاية السائح والمُستثمر بالتنسيق مع أجهزة أمنية أخرى، ومن بين الأجهزة الأمنية المتخصصة في الأمن السياحي مثل: شرطة السياحة، والآثار، وشرطة المسطحات المائية، وشرطة الرقابة وغيرها .

وتشمل أنشطة هذه الأجهزة الأمنية ما يلي:

  • تأمين حركة المستثمرين والمشاريع والمنشآت والتجهيزات السياحية ووسائل النقل وكل ما يتعلق بنشاطاتهم المختلفة.
  • مراقبة السوق السياحية، والتأكد من المواصفات اللازمة للبيع والشراء والتعامل مع السائحين، والرقابة على التنافسية السياحية بين المستثمرين طبقاً لأطر قانونية مُعينة.
  • تلقي الشكاوى والبلاغات من السياح والمستثمرين.
  • مكافحة الإجرام السياحي من خلال عدة إجراءات عملية ذات بُعد وقائي كالتفتيش الدوري، وتعزيز نقاط الملاحظة بالمناطق السياحية والأثرية والقيام بحملات تفتيش.
  • مراجعة وجود تراخيص مزاولة المهن المتصلة بالأنشطة السياحية لدى المستثمر والتعامل معها بشكل محترف، للتمييز بين المستثمر السياحي وبين الذي يحاول الاستثمار أو يرتكب مخالفات في قطاع، وهو أمر إيجابي لأنه يزرع الثقة في تعاملات السياح مع المستثمرين24.
  • المستوى الثاني: يتعلق بالجهاز الإداري؛ وهو جهاز تعاوني لأمننة السياحة من خلال مجموعة من الشروط التي تؤطر أنشطة القطاع السياحي بما فيه الاستثمار وتؤمنه وتحفز المستثمر من خلال مجموعة من الضمانات، كما تقوم بتسهيل العمليات الإدارية والمالية للمستثمر بالتنسيق مع مؤسسات أخرى تابعة للقطاع الحكومي والخاص25.
  • المستوى الثالث: وهو مستوى تعاوني بين الدول يهدف للتصدي لمختلف الهجمات والتهديدات الأمنية التي تستهدف التجهيزات والمنشآت السياحية في ظل تصاعد حدتها في الكثير من الدول السياحية، ويتم ذلك عبر تبادل المعلومات، وتسريع تسليم المجرمين الهاربين، ورفض منحهم حق اللجوء السياسي، والتعاون الدولي لمواجهة حوادث وخطف الطائرات والسياح26.

الخاتمة

          يُمكن أن نخلص من هذه الورقة البحثية بأن السياحة في عالم اليوم ضرورة، ولنجاعتها لا بُد من أمننتها ووضع خطط واستراتيجيات تركز على كيفية جذب الاستثمارات المحلية والخارجية وحمايتها .

ولا يخفى على أحد أن الأمن هو عصب الاستثمار فرجال الأعمال واصحاب رؤوس الأموال يستثمرون إلا في المناطق الآمنة التي تكفل لهم عائدات وفوائد مالية، فالافتقار إلى عنصر الأمن والاستقرار سيظل عائق رئيسي أمام تدفق السياح وتشجيع عملية الاستثمار.

الهوامش

  1. حسام حمزة ، “الدوائر الجيوسياسية للأمن القومي الجزائري” ، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية ، جامعة باتنة : كلية الحقوق والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية ، 2011، ص 18.
  2. فهد بن محمد الشقحاء، الأمن الوطني : تصور شامل”، جامعة نايف للعلوم الأمنية، العدد 338، (الرياض : 2004) ، ص 13.
  3. سليم قسوم، “الاتجاهات الجديدة في الدراسات الأمنية دراسة في تطور مفهوم الأمن عبر منظارات العلاقات الدولية”، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، (جامعة الجزائر3: كلية العلوم السياسية والإعلام، قسم العلوم السياسية، 2010) ، ص22.
  4. Barry Buzan, and Lene Hansen, “The Evolution of International Security Studies, )Cambridge ,Cambridge University Press.2009(,pp 29-31.
  5. كواش خالد، السياحة، مفهومها، أركانها، أنواعها، الجزائر: دار التنوير، 2007، ص 12.
  6. Oxford Advanced Leaner’s Dictionary”, International Students Edition, New York: Oxford University press, 2006, p1565.
  7. عوينان عبد القادر، السياحة في الجزائر الإمكانيات والمعوقات (2000-2025) في ظل الاستراتيجية السياسية الجزائرية للمخطط التوجيهي للتهيئة السياحية“،أطروحة دكتوراه مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه، جامعة الجزائر -03-، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير والعلوم التجارية، قسم العلوم الاقتصادية، تخصص نقود ومالية، 2013، ص 9.
  8. أحمد الجلاد، “دراسات في جغرافيا السياحة”، القاهرة : عالم الكتب للنشر، 1998، ص25.
  9. تأسست المنظمة العالمية للسياحة عام 1925 في لاهاي، وتعتبر أحد أبرز المؤسسات الدولية الرائدة التي تهتم بجمع ونشر وتحليل مختلف البيانات المأخوذة من أكثر 180بلداً ومقاطعة، يعتمد هذا المركز على خبراء وباحثون ذوا مستوى عالي لقياس مدى نجاعة هذا القطاع وتطوره من خلال عدة معايير متفق عليها دولياً.
  10. البيئة المعتادة (Usual Character): المقصود بها البيئة الروتينية (Routine Character)أو المناطق المعتادة التي يزورها الأفراد بصفة متكررة بغرض الدراسة أو العمل، وغيرها من رحلات الأفراد الأخرى.
  11. Definition of Tourism (UNWTO Definition of Tourism) / What Is Tourism ?”, Look at :http://www.tugberkugurlu.com/archive/definintion-of-tourism-unwto-definition-of-tourism-what-is-tourism(17/12/2016).
  12. دليلة طالب، عبد الكريم وهراني، السياحة كأحد محركات التنمية المستدامة: نحو تنمية مستدامة“، مجمع مداخلات الملتقى الدولي الثاني حول الأداء المتميز للمنظمات والحكومات، نمو المؤسسات والاقتصاديات بين تحقيق الأداء المالي وتحديات الأداء البيئي ، جامعة ورقلة يومي 22 و23 نوفمبر2011، ص572.
  13. علي بن فايز الجنحي وآخرون، “الأمن السياحي”، الرياض: جامعة نايف للعلوم الأمنية، 2004، ص11.
  14. عبد الناصر بن عبد الرحمان الزهراني، كباشي حسين قسيمة، “الاستثمار السياحي في محافظة العلا“، الرياض: مركز المعلومات والابحاث السياحية (TIRC)، 2008، ص 16.
  15. عبد الناصر بن عبد الرحمان الزهراني، كباشي حسين قسيمة، “الاستثمار السياحي في محافظة العلا”، الرياض: مركز المعلومات والابحاث السياحية (TIRC)، 2008، ص 15-16.
  16. United Nation World Tourism Organization Tourism Highlights 2016″, Edition 2016, p03.
  17. علي بن فايز الجنحي وآخرون، مرجع سابق، ص 178.
  18. صافاشألباي، محرر، “السياحة الدولية في البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، الآفاق والتحديات، 2013″، منظمة التعاون الإسلامي، مركز الأبحاث الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية (SERIC)، 2013، ص21.
  19. المرجع نفسه، ص24.
  20. United Nation World Tourism Organization Tourism Highlights 2012″, Edition 2012,p12.
  21. مصطفى يوسف كافي، “صناعة السياحة والأمن السياحي: الجرائم لسياحية ، الإرهاب، العولمة“، دمشق: دار مؤسسة راسلان، 2009، ص 273-288.
  22. مدحت الشنواتي، “أمن المنشآت الفندقية“، الرياض: المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، 1992، ص 201-210.
  23. مصطفى يوسف كافي، مرجع سابق، ص291.
  24. علي بن فايز الجنحي وآخرون، مرجع سابق، ص 136-142 .
  25. المرجع نفسه، ص131-132.
  26. المرجع نفسه، ص171-173.
5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى