إستراتيجية إيران الإقليمية :إعادة تنظيم دفاعاتها الجوية لفصل أمريكا عن حلفائها الخليجيين
-المركز الديمقراطي العربي
تمكنت القوات الجوية الإيرانية في السنوات الأخيرة من تأمين ما يكفي من التمويل وحسب لإصلاح بعض الطائرات العسكرية التي لا تزال صالحة للقيام بعمليات جوية وتحديثها، بيد أنه لطالما تم انتظار استبدالها الكامل نظراً إلى عمر هذه الطائرات وتردي وضعها.
وقد رزحت “القوات الجوية” تحت ضغط أولئك الذين يشككون في قدرتها على البقاء لمدة من الزمن، وخسرت جميع أصول الدفاع الجوي التي كانت تمتلكها لصالح فرع الجيش الجديد في عام 2009.
وفي الوقت نفسه، يتمتع «الحرس الثوري» الإيراني بمكانة أفضل مع المرشد الأعلى علي خامنئي، ويجذب حصة أكبر بكثير من ميزانية الدفاع السنوية المباشرة ومن الأموال غير المباشرة، كما حوّل نفسه بشكل مستمر إلى قوة اقتصادية مهيمنة.
كما تمكّن من إقناع المرشد الأعلى بأن امتلاك برنامج صاروخي دينامي سيعزز الردع بشكل أكثر فعالية مما تمكّنت “القوات الجوية الإيرانية” من فعله على الإطلاق.
وفي حين يصب الوضع الراهن في صالح «الحرس الثوري» الإيراني، الذي لا يزال يهيمن على ميزانية الدفاع الإيرانية وعلى عمليات التخطيط للمعارك مع صواريخه السرية وبرامجه البحرية النشطة، فإن “القوة الجوية الوطنية” تأمل أن تتم إعادة إدخال الموردين الدوليين في النهاية مما سيساعدها على الوقوف على قدميها.
في 28 كانون الأول/ديسمبر، أختتمت إيران مناورات دفاع جوي استمرت ثلاثة أيام وهدفت إلى شحذ قدرتها على الدفاع عن محطة بوشهر النووية ومنشآت النفط الجنوبية.
وجرت المناورات تحت إشراف “مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي”، وهو فرع مستقل ضمن القوات المسلحة الوطنية الإيرانية التي تتولى تنسيق أصول وأنشطة الدفاع الجوي لكافة فروع القوات المسلحة، بما فيها «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني ومنظمة «الباسيج» شبه العسكرية.
وقد انبثق “مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي” عن قيادة الدفاع الجوي الخاصة بـ “القوات الجوية الإيرانية” في شباط/فبراير 2009، إذ تردّد أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي منح الدفاع الجوي “الأولوية القصوى” لمواجهة أي ضربات إسرائيلية أو أمريكية محتملة تستهدف برنامج البلاد النووي.
وخلال اجتماع جرى في آب/أغسطس 2016 مع قادة “مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي”، وصف الدفاع الجوي الإيراني بـ “خط المقاومة الأول ضد أي عدوان”.
كما أن “مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي” قد طالب بحصة لا تقل عن 120 مليون دولار من الإيرادات السنوية التي تحصل عليها إيران من الرحلات الجوية التجارية.
يقول الباحث “فرزين نديمي” وهو محلل متخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية المتعلقة بإيران ومنطقة الخليج في تحليل نشر في معهد واشنطن أنه أقدمت إيران بشكل كبير على إعادة تنظيم دفاعاتها الجوية وتوسيعها خلال السنوات القليلة الماضية.
- أولاً : عبر إقامة مقرّ مستقل للدفاعات الجوية هو “مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي”.
- ثانياً : عبر تطوير مجموعة كاملة من منظومات الرقابة والدفاع الجوي العاملة على ارتفاعات منخفضة إلى عالية.
- وفي ظل مواجهتها قوات جوية أجنبية هائلة وغياب قوة جوية فاعلة خاصة بها، كانت إيران قد اختارت تقويض قدرة أعدائها على التفوّق جوياً من خلال لجوئها إلى دفاعاتها الجوية على الأرض، التي تكمّل قدرة الجمهورية الإسلامية على الردع من خلال العقاب باستخدام الصواريخ البالستية.
- غير أن صواريخ “أس-300” وغيرها من الأصول الإيرانية الطويلة المدى المضادة للطائرات التي تغطي مضيق هرمز ومسارات الشحن في الخليج قد تؤدّي إلى اعتماد سياسات مناهضة للوضع الراهن أو اتخاذ خطوات هجومية عبر تهديد طائرات العدو التي تحلّق فوق الخليج، أو حتى ضمن مجالها الجوي الخاص، ما يقوّض بالتالي تحصينات الحماية التي تقيمها هذه الدول – وهذا تماماً ما كانت الصين تحاول تحقيقه في مضيق تايوان – ويغيّر التوازن العسكري في المنطقة.
- إن ذلك يمكن أن يفرض تكاليف عسكرية على الولايات المتحدة على المدى الطويل ويدعم مساعي الجمهورية الإسلامية الرامية إلى السيطرة على المنطقة وفصل واشنطن عن حلفائها الخليجيين.
ويضطلع “مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي” بدور مركز عمليات الدفاع الجوي الوطني حيث يضم أكثر من سبعة [فروع] من مراكز عمليات القطاع تشرف على أجزاء مختلفة من البلاد. ويقوم كل مركز لعمليات القطاع بربط وإدارة الدفاعات الجوية ضمن نطاق مسؤوليته، وبتنسيق أنشطته مع القطاعات المجاورة.
ثم يقوم مركز عمليات الدفاع الجوي الوطني بمشاركة ودمج كافة المعلومات الخاصة بالهدف مع المقر الرئيسي لـ «فيلق ثار الله» التابع لـ «الحرس الثوري» الإيراني لرسم صورة شاملة للتهديد [الذي تواجهه البلاد] لاستخدامها من قبل القادة وكبار صناع القرار. وبالفعل، يُعتبر الدفاع الجوي أحد المجالات القليلة التي تتعاون فيها القوات المسلحة الوطنية والثورية.
كما أن جميع قادة القطاعات، نزولاً إلى الأصول من الأفراد، يتمتعون بصلاحية اتخاذ الإجراءات الملائمة في حال انقطاع اتصالاتهم مع مركز عمليات الدفاع الجوي الوطني.
ومنذ تعيين الجنرال الديناميكي فرزاد إسماعيلي قائداً لـ “مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي” في عام 2011، ازدادت قدرة إيران في مجال الدفاع الجوي بشكل كبير، بفضل التطوير المحلي لعدد هائل من أنظمة الرادار، والقيادة والتحكم، وصواريخ أرض جو والأسلحة التي تمّ نشر الكثير منها في مختلف أنحاء البلاد.
وقد قامت إيران بتنصيب ما لا يقل عن أربعة أنواع من رادارات “كشف ما وراء الأفق”(OTH) التي يمكن أن تغطي نطاقاً يفوق ألف كيلومتر. وتتمتع رادارات المراقبة والاستهداف الأرضية ذات الصفوف المرحلية هذه بترددات تشغيل متعددة وأنظمة دعم الدفاعات الجوية على غرار أنظمة الصواريخ أرض جو من نوع “رعد” و”مرصاد” و”تلاش”، التي يصل مداها إلى 150 كيلومتراً عند ارتفاعات متوسطة إلى عالية.
ومن غير المعروف كيف سيكون أداء هذه الصواريخ في حالة القتال، لكن العديد منها متحركة، وبالتالي يمكن إعادة نشرها بسرعة في غضون فترة قصيرة لتحقيق مستوى معين من المفاجأة. وتحظى بدعم من صفوف أجهزة استشعار مختلفة تدّعي إيران أنها قادرة على رصد وحتى تعقّب الطائرات التي لا يمكن كشفها بسهولة من مسافة كبيرة.
ومؤخراً، حصلت إيران أيضاً على عدد من أنظمة الدفاع الجوي “أس-300” من روسيا، حيث يتمتع كل منها بالقدرة على تعقّب مائة هدف في آن واحد والاشتباك مع ستة منها بصواريخ يصل مداها إلى 200 كيلومتر. ولم يتم بعد نشر النظام واختباره في إيران، كما هو الحال مع نظام محلي آخر يُزعم أنه يتمتع بقدرات مماثلة ويحمل اسم “باور 373”.
وتتوقّع إيران أن يبدأ تشغيل نظام “أس-300” قبل نيسان/أبريل 2017. ومنذ عام 2010، برزت اقتراحات متّسقة في إيران بأن “مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي” يعمل أيضاً على تطوير قدرات الصواريخ الدفاعية البالستية.
وإلى جانب توفير نظام تحذير مبكر متقدّم للدفاع الجوي، بإمكان مشاريع إيران المتعددة المرتبطة بنظام رادار “كشف ما وراء الأفق” العالي التردد واستخبارات الإشارات – التي يديرها «الحرس الثوري» الإيراني و”مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي” على السواء – أن توفر معلومات مستهدفة للصواريخ البالستية المضادة لسفن الشحن، نظراً إلى أنه من المتوقّع أن تطوّر إيران نسخاً ذات مدى أطول من هذه الصواريخ. وقد زُعم أن مدى رادارات “كشف ما وراء الأفق” للمراقبة المحتملة قد يصل إلى 3 آلاف كيلومتر.
- الإمكانيات الهجومية للدفاعات الجوية الايرانية:
في غياب قوة جوية كبيرة وقادرة، بإمكان إيران تعويض هذا النقص عبر استعمال دفاعاتها الجوية الجديدة المتحركة المتوسطة إلى الطويلة المدى من أجل تقويض قدرة العدو على تحقيق تفوّق جوي في سماء الخليج خلال زمن الحرب، مستخدمةً دفاعاتها الجوية وصواريخها البالستية من أجل مهاجمة طائرات العدو، ومطاراته وحاملات طائراته. ومن شأن هذه الخطوة أن تعزّز حرية تحرّك قواتها الجوية والبحرية الخاصة وكذلك قدراتها الهجومية.
وفي المقابل، في فترات السلام أو خلال الأزمات، بإمكان إيران استخدام دفاعاتها الجوية من أجل تهديد إقامة مناطق حظر بحرية أو جوية في الخليج، ومضيق هرمز وخليج عُمان، مما سيعقّد الدخول إلى هذه المناطق وعبورها أمام الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين ويمنح الجمهورية الإسلامية امتيازاً على خصومها.
في صيف عام 2012، أعلنت إيران عن إستراتيجية ردعية شملت سيطرة انتقائية أو “ذكية” على حركة الشحن البحري عبر مضيق هرمز. ومع ذلك، فإن القليل جداً قد تغيّر في الواقع منذ ذلك الحين، باستثناء بعض المضايقات في بعض الأحيان، حيث حصل الحادث الأخير في 9 كانون الثاني/يناير.
بيد، إن نشر صواريخ “أس-300” في الخليج يمكن أن يغطي الأسطول الخامس التابع لسلاح البحرية الأمريكية وقاعدة “إتش إم إس الجفير” التابعة للبحرية الملكية البريطانية في “ميناء سلمان” البحريني، و”حقل غاز الشمال” القطري، ومضيق هرمز بأكمله.
ومن المرجّح زيادة عدد بطاريات منظومة “أس-300” الإيرانية والدفاع عنها من خلال أنظمة صواريخ أرض جو قصيرة إلى متوسطة المدى على غرار نظام “Tor-M1“، ونظام “خرداد 3″ (24 أيار/مايو)، و”رعد” و”مرصاد”.
وكما أُشير حتى الآن، فإن قدرات إيران المتزايدة على صعيد الدفاع الجوي والصواريخ قد تسمح للجمهورية الإسلامية في نهاية المطاف بزيادة الخطر على، وتقييد حركة القوات الجوية الأمريكية وتلك الشريكة لها العاملة فوق الخليج ومضيق هرمز وخليج عُمان، وكذلك جعل قواعد العدو الجوية في كامل المنطقة عرضةً لخطر أكبر.
وبالفعل، يخوض الطيارون الأمريكيون ومشغلو الدفاعات الجوية الإيرانية لعبة القط والفأر فوق الخليج، حيث أصدر المشغلون عدداً متزايداً من التحذيرات للطائرات الأمريكية التي تقوم بمهام استطلاع بالقرب من المجال الجوي الإيراني أو مناطق المناورات. وحتى الآن، لا يبدو أن مثل هذه الألاعيب قد أثّرت في قدرة الولايات المتحدة على القيام بمهامها الروتينية.
غير أن هذا الوضع قد يتغيّر يوماً ما إذا ازداد نشر الدفاعات الجوية الإيرانية وتقلّص الوجود الأمريكي في الخليج.
بعد انتهاء الحرب العراقية -الإيرانية في عام 1988، اتجهت طهران إلى موسكو لتجديد سلاحها الجوي القديم. وقد وصلت الطائرة الأولى من بين خمسة وثلاثين طائرة من طراز “ميغ 29” في أيلول/ سبتمبر 1990، تلاها سرب من طائرات الهجوم “سوخوي سو 24” بعيدة المدى.
وعلى الرغم من تسليم هذه الطائرات مع التزام بدعم لمدة عشرين عاماً، برز نقصاً في الوثائق التقنية الروسية والمساعدة الموعودة، مما أدى في النهاية إلى تقويض التحسن في القدرات الذي توفرها الطائرات الجديدة.
وفي الوقت الحالي، لا يزال أسطول “القوات الجوية الإيرانية” متخلفاً عن الأساطيل الغربية المشابهة من حيث الاستعداد والأداء على حد سواء. حتى إنه توجب على سلاح الجو جلب فنيين من ذوي الخبرة بعد أن أحيلوا على التقاعد للتعامل مع التحدي المتزايد الذي يطرحه الإبقاء على الطائرات قادرة على الطيران [والقيام بمهامها].
المصدر:معهد واشنطن +المركز الديمقراطي العربي