التجسس الألكتروني : ما الذي يفسّر اهتمام إيران بالوسائل “السيبرانية” المتنامية ؟
-المركز الديمقراطي العربي
أن أوّل عملية ذات طابعٍ سياسي تعود إلى العام 2010، عندما تم اكتشاف برمجيّة خبيثة نشرت على أجهزة كمبيوتر ايرانية، وذلك لإلحاق الضرر بأجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في بعض المنشآت النووية الإيرانية، ويعتقد الخبراء أنها من صنع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
لأكثر من عقدٍ من الزمن، تشنّ الجمهورية الإسلامية حملة مستمرة من التجسس الألكتروني تستهدف المعارضين الإيرانيين. فبعد اكتشافها هجمات “ستكسنت” السيبرانية على برنامجها النووي في عام 2010 وفرضها عقوبات جديدة على النفط والقطاعات المالية الإيرانية ابتداءً من عام 2011، ردّت إيران على ذلك بشنها هجمات سيبرانية ضد أهداف من القطاع النفطي في المملكة العربية السعودية والقطاع المالي الأمريكي.
وفي غضون ذلك، ضاعفت إلى حد كبير جهود التجسس الإلكتروني ضد المسؤولين الأجانب المنخرطين في السياسة الإيرانية، خاصةً في الولايات المتحدة، وأنشطة الاستطلاع السيبراني ضد بنى تحتية هامة في الولايات المتحدة وغيرها.
وتسلط هذه الأحداث الضوء على الأهمية المتنامية التي تمنحها إيران لقدراتها السيبرانية، التي من المرجح أن تضطلع بدور أكبر في السنوات المقبلة.
نشر “سايفر بريف” مقال للباحث “مايكل آيزنشتات” وهو زميل “كاهن” ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن حيث يتساءل “ما الذي يفسّر اهتمام إيران بالوسائل السيبرانية”؟
ويرى “مايكل آيزنشتات” أنه :
أولاً: يناسب هذا الاهتمام جيداً بعض عناصر الثقافة الاستراتيجية الايرانية… أي تفضيل الغموض والفتور والمراوغة عند تنفيذ أنشطة قد تكون عالية المخاطر، مما يخولها إدارة هذه المخاطر بشكلٍ أفضل.
ثانياً: بسبب صعوبة تحميل المسؤولية لهجوم سيبراني بسرعة وبشكلٍ مقنع – حيث لا تعتمد التحاليل الجنائية السيبرانية على الأدلة الحسية بالمعنى التقليدي – فقد تستطيع طهران أن تنكر ذلك إلى حد ما.
ثالثاً: ما زالت القواعد السيبرانية الدولية غير مكتملة، وتأمل إيران صياغتها لكي تبقى عمليات هجومها وتجسسها السيبرانية سلوكاً مسموحاً به، تماماً كما يتقبل الكثيرون استخدامها للإرهاب.
رابعاً: تدعم أنشطة إيران السيبرانية مزاعم النظام في كون البلاد قوة علمية وتكنولوجية صاعدة. وبالفعل، تتمتع إيران بموارد بشرية من بين الأفضل عالمياً في هذا المجال؛ فطالما تصدّر طلابها السباقات الأولمبية الأخيرة في العلم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، على الرغم من أن الظروف السياسية والاقتصادية في الداخل والفرص المغرية في الخارج غالباً ما تدفع الكثيرين إلى البحث عن العمل خارج البلاد.
أخيراً : إن الوسائل السيبرانية تسمح لإيران بمهاجمة خصومها عالمياً وبشكل آني وعلى أساس مستدام، كما تمكّنها من تحقيق آثار استراتيجية بأشكالٍ لا تستطيع اتباعها في المجال الحسي.
غير أن خطر الهجمات السيبرانية ضد إيران له علاقة بمخاوف طهران الأعمق. فبما أن الجمهورية الإسلامية تبوأت السلطة من خلال الثورة، يُعتبَر الصمود هاجسها الرئيسي وتُعتبر الثورة المضادة كابوسها الأساسي.
فهي تعتقد أن الحرب الناعمة التي تشنها الولايات المتحدة – أي الجهود الرامية إلى غرس الأفكار والقيم والإيديولوجيات الأجنبية لتقويض الجمهورية الإسلامية، التي غالباً ما تتم عبر وسائل سيبرانية كمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت – تشكّل خطراً على صمود النظام، أكبر من خطر الهجوم أو الاجتياح العسكري.
لذلك، تعتقد طهران أن الوسيلة السيبرانية تُمكّن تنظيم خصومها المحليين، وتهيئ أعداءها الأجانب لإضعاف النظام عبر حرب ناعمة. لكنها توفّر أيضاً وسائل غير مسبوقة للنظام لمراقبة سكان البلاد، وحماية نفسه من التهديدات المحلية والأجنبية، ومهاجمة أعدائه.
في العقد الماضي، تطوّرت عدّة إيران السيبرانية من وسائل ضعيفة التقنية تمثلت في التهجم على أعدائها عبر تشويه المواقع وشن هجمات بهدف الحرمان من الخدمات، إلى ركيزة أساسية لأمنها الوطني.
وفي الواقع، قد تكون الوسيلة السيبرانية هي الجزء الرابع الذي يُضاف إلى ثالوث القتال والردع الحالي في إيران. وحالياً، يتشكل هذا الثالوث من قدرة تعطيل حركة النقل البحري في مضيق هرمز؛ وممارسة إرهاب أحادي الطرف وبالوكالة على عدة قارات؛ وإطلاق قذائف وصواريخ طويلة المدى ضد أهدافٍ في جميع أنحاء المنطقة.
إلا أن إيران لا تستطيع إغلاق مضيق هرمز دون الإضرار بمصالحها الخاصة إلى حد كبير لأن جميع صادراتها تقريباً من النفط والغاز وكل وارداتها تقريباً تعبر هذه النقطة الضيقة. بالإضافة إلى ذلك، ضعفت قدرتها على ممارسة الإرهاب في السنوات الأخيرة، فيما عزز خصومها قدرتهم على إعاقة أنشطتها الإرهابية إلى حد كبير منذ حوادث 9/11.
وعلى الرغم من أن ترسانتها الصاروخية – وهي العمود الفقري لقوة ردعها الاستراتيجية – توفّر قدرات هامة، فقد يعرّض استخدامها إيران إلى الرد المماثل لأنه يمكن التحقق بسهولة من مصادر الصواريخ.
وتنطوي العمليات السيبرانية على مخاطر أقل وتوفّر لطهران خيارات لا توفّرها الأجزاء الأخرى من ثالوثها الحالي. وبالتالي، تنظر إيران بشكلٍ مؤكد تقريباً نحو استخدام الوسيلة السيبرانية على أرض المعركة لتعطيل الدفاعات الصاروخية للعدو، وقدرته الخاصة بالقيادة والتحكم، وأنظمته الجوية والبحرية غير المأهولة، وخدماته اللوجستية – التي تُخزَّن في الولايات المتحدة على شبكات حاسوبية غير سرية.
ويبدو أن أنشطة استطلاعها الشبكية تشير إلى أنها تُطور خطط طوارئ لمهاجمة البنى التحتية الحيوية الخاصة بأعدائها. كما قد تستهدف كيانات تعتقد أنها تُمكّن أنشطة الولايات المتحدة الخاصة بـ”الحرب الناعمة”:
كوسائل الإعلام، وناشري الثقافة الشعبية، ومراكز التفكير التي تُعتبَر معادية لإيران، والجامعات، والوكالات الحكومية الأمريكية التي تُعتبَر أنها تقود هذه الجهود. ويمكن أن تلجأ أيضاً إلى استهداف الثقافة ووسائل الإعلام التي تعتقد أنها سَخرت من حساسية قيادة البلاد أو أهانتها.
وتُظهر أنشطة إيران السيبرانية أن قوةً سيبرانية من الدرجة الثالثة قد تسبب إزعاج كبير وتستطيع أن تنفذ هجمات مكلفة، مع أنها لم تُثبت بعد قدرةً على شن هجمات استراتيجية على بنى تحتية هامة.
وعلاوةً على ذلك، تُظهر تجربة الولايات المتحدة مع “ستكسنت” أنه حتى القوى السيبرانية المتقدمة قد تواجه تحديات في تحقيق آثار استراتيجية، نظراً لتعقيد الهدف، والقيود – المفروضة ذاتياً أو غير ذلك – على سير العمليات السيبرانية الهجومية. ومع ذلك، قد لا ينطبق هذا التقييم على جميع أنواع أهداف البنى التحتية، ويمكن أن يتغيّر في الوقت الذي تصبح فيه أدوات الهجوم والاستطلاع السيبرانية أكثر تطوراً.
لقد أظهرت إيران أنها تفضّل الرد المشابه على الهجمات السيبرانية، على الرغم من أنه إذا تم إحباطه، فليس من الواضح ما إذا كانت سترد في المجال الحسي. ومع ذلك، فبما أن أداء الاقتصاد والبنية التحتية الأساسية والقوات العسكرية في الولايات المتحدة يعتمد على شبكات حاسوبية هشة نسبياً، من المرجح أن تجد إيران دائماً طريقةً للرد المماثل، وإن كان ذلك رمزياً.
وبما أن أمريكا تعيش في “بيتٍ سيبراني من زجاج”، فقد تكون الطريقة الأكثر فعالية لردع أعداءٍ في المجال السيبراني كإيران هي من خلال التهديد بعمل عسكري في المجال الحسي.
بيد، ما زالت الولايات المتحدة تعاني منذ وقتٍ طويل من ثغرة في المصداقية قد تعقّد مثل هذه الجهود. فردة فعلها الصامتة على تفجيري “ثكنات المارينز في بيروت” في عام 1983 و”أبراج الخبر” في عام 1996، وعلى دعم إيران لجماعات شيعية متطرفة هاجمت القوات الأمريكية في العراق بعد اجتياحها البلاد في عام 2003، علّمت إيران أنها تستطيع شن حرب بالوكالة ضد الولايات المتحدة من دون خطر تلقي رد عسكري أو دفع ثمن غير مقبول.
وربما أدى تبني واشنطن لـ”ستكسنت” من أجل تفادي ضربة عسكرية إسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني إلى تعزيز التصور المتمثل في كونها غير مستعدة لمواجهة طهران في المجال الحسي.
ويختم “مايكل آيزنشتات” القول أنه وما يتناقض مع ما سبق، هو أن الاستخدام الأساسي للهجوم السيبراني ربما قد أضعف قوة الردع السيبرانية من دون قصد. وسيكون ردم هوة المصداقية مفتاح الجهود المستقبلية لردع إيران في المجالين السيبراني والحسي.
والجدير في الذكر أن كلمة “سيبيرية” أو “سايبورغ” فهي كلمة بدأ استخدامها عام 1960 والتي اطلقها مانفريد كلاينس وناثان كلاين في مقال لهما ويعني المصطلح: المزج بين الاليكترونيات والأنسان.
يطلق على الحرب الإلكترونية “الحرب السيبيرية” لأنها شبيهه بالحرب, حيث يهاجم القراصنة “Hackers” الملفات والمواقع وغيرها التي تخص الاخرين وبذات الوقت يدافع الناس عن معلوماتهم من القراصنة عن طريق برامج وطرق متعددة.
وتعبير “الحرب السيبرانية” يُستخدم من قبل فئات عديدة من الناس للإشارة إلى أشياء مختلفة. ويُستخدَم المصطلح هنا للإشارة إلى وسائل وأساليب القتال التي تتألف من عمليات في الفضاء الإلكتروني ترقى إلى مستوى النزاع المسلح أو تُجرى في سياقه، ضمن المعني المقصود في القانون الدولي الإنساني.
ويساور اللجنة الدولية قلق بشأن الحرب السيبرانية بسبب ضعف الشبكات الالكترونية والتكلفة الإنسانية المحتملة من جراء الهجمات السيبرانية. فعندما تتعرض الحواسيب أو الشبكات التابعة لدولة ما لهجوم أو اختراق أو إعاقة، قد يجعل هذا الأمر المدنيين عرضة لخطر الحرمان من الاحتياجات الأساسية مثل مياه الشرب والرعاية الطبية والكهرباء.
وإذا تعطلت أنظمة تحديد المواقع GPS عن العمل، قد تحدث إصابات في صفوف المدنيين من خلال تعطيل عمليات إقلاع مروحيات الإنقاذ على سبيل المثال.
ويمكن أن تتعرض السدود والمحطات النووية وأنظمة التحكم في الطائرات لهجمات سيبرانية نظرًا لاعتمادها على الحواسيب. وتكون الشبكات مترابطة إلى حد يجعل من الصعب الحد من آثار هجوم سيبراني ضد جزء من المنظومة دون الإضرار بأجزاء أخرى أو تعطيل المنظومة بأكملها. وقد يتضرر صالح مئات الآلاف من الناس، وصحتهم وحتى حياتهم.
وتذكر اللجنة الدولية جميع أطراف النزاع بتوخي الحرص بشكل مستمر من أجل حقن دماء المدنيين، وهو أحد أهم الأدوار التي تقوم بها، فالحروب لها قواعد وحدود تنطبق على اللجوء إلى الحرب السيبرانية بنفس القدر الذي تنطبق به على استخدام البنادق والمدفعية والصواريخ.