الدراسات المستقبلية : تأصيل تاريخي٬ مفاهيمي ومنهجي
Future Studies:Historical, Conceptual and Methodological Framework
العدد الأول لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون
احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي
اعداد: أ.د رابح عبد الناصر جندلي – أستاذ التعليم العالي بقسم العلوم السياسية – جامعة باتنة 1 (الجزائر)
ملخـص:
تسعى الورقة البحثية لمعالجة مسألة التحقيب الزمني للدراسات المستقبلية، وضبط وتدقيق نسقها المفاهيمي وكيفية توظيفها لمناهجها وتقنياتها وأساليبها.وذلك من خلال معالجتها الإشكالية التالية:
كيف يمكن التأصيل للدراسات المستقبلية تاريخيا، وضبط منظومتها المفاهيمية، وتوظيف مناهجها وتقنياتها وأساليبها البحثية في مجالات استعمالاتها الميدانية المتنوعة؟
وقد توصلت الدراسة من حيث التأصيل التاريخي للدراسات المستقبلية إلى أن البوادر التاريخية الأولى الدراسات المستقبلية تعود إلى دراسة العالم الفرنسي دو كوندورسيه.أما مفاهيميا؛ سجلت الدراسة وجود تعدد وتنوع في التعاريف المتصلة بالدراسات المستقبلية. فهناك من يضفي عليها الصبغة العلمية، كما أن هناك من يقر بفنيتها، ولكن الكثير ممن يفضل مصطلح الدراسات المستقبلية ومرادفاته،لأنها تخضع للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية،ما يترتب عنه اختلافات مفاهيمية كالتخطيط بشتى أنواعه (قصير الأجل-متوسط الأجل-طويل الأجل)، التنبؤات، الإسقاطات، الاستشراف.وتنظيريا؛ تسجل الدراسة وجود قصور على مستوى التنظير بسبب غياب بناء نظري ممنهج جاهز يرقى إلى مصاف النظرية، ناهيك عن ندرة التأطير الأكاديمي وقلة المؤسسات المتخصصة بهذا الحقل المعرفي، ولاسيما في الدول المتخلفة.
Abstract.
This paper seeks to treat the question of future studies historically, conceptually and methodologically.In so doing, the paper attempts to answer the following problematic :
How can future studies be implemented both historically and conceptually as well as methodologically in various fields?
The study reaches certain results.Historecally speaking ;future studies are originted in De Condorcet leterature of 1793.Conceptually speaking ; there is various definitions of future studies and differentiations between the latter and such connecting terms as pannification, forecasing and prediction. Theoretically speaking; future studies suffer from the absence of a theoretical framework which can be lead to a specific theory due to the lack of supervision in this field of knowledge, especially in the Underdeveloped World.
* أستاذ التعليم العالي بقسم العلوم السياسية – جامعة باتنة 1 (الجزائر)
مقـدمـة.
لا يختلف اثنان أن الحديث عن المستقبل يعني الحديث عن وحدة زمنية ناتجة عن عملية تفاعلية تمازجية بين خبرة الماضي ومعطيات الحاضر.ما يعني أن الباحث المستقبلي إذا ما أريد له دراسة وتحليل مثلا أية ظاهرة اجتماعية أو سياسية معينة،يجب أن يضعها في سياقها الزمن المتواصل للوقوف عند كينونتها؛ أي كيف كانت الظاهرة في الماضي، وكيف أصبحت في الحاضر، وكيف ستكون في المستقبل. فالظاهرة السياسية ليست سجينة ماضيها، وليست رهينة حاضرها فحسب، وإنما مستقبلها أيضا، لأنها ظاهرة تتميز بالتغير الزمكاني المستمر.فقد يسلم الباحث بطبيعتها اليوم، ولكنها قد تتغير في المستقبل المنظور، وبالتالي لم تعد تلك المسلمة قائمة. ومن هنا تتجلى أهمية الدراسات المستقبلية في العلوم السياسية بصفة خاصة، والعلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى بصفة عامة.
تأسيسا على ذلك، ومن أجل ترجمة تلك الأهمية إلى واقع ملموس، لجأت العديد من الدول، ولا سيما منها المتقدمة إلى إنشاء كليات ومراكز دراسات وبحوث لمأسسة الدراسات المستقبلية، بغية توفير الحلول الممكنة لهكذا مشاكل، قد تبرز على السطح في الآجال القريبة والمتوسطة والبعيدة، في إطار التخطيط الإستراتيجي الشامل.فالدراسات المستقبلية،كونها فرع مرن متعدد التخصصات، تتكفل بتحليل المعطيات بالاستناد إلى الواقع وتوجهات الأحداث لتحقيق الأهداف المنشودة.إذ تسعى ورقتنا البحثية لمعالجة مسألة التحقيب الزمني للدراسات المستقبلية، وضبط وتدقيق نسقها المفاهيمي وكيفية توظيفها لمناهجها وتقنياتها وأساليبها.وعليه، فإن ورقتنا البحثية تسعى لمعالجة الإشكالية التالية:
كيف يمكن التأصيل للدراسات المستقبلية تاريخيا، وضبط منظومتها المفاهيمية، وتوظيف مناهجها وتقنياتها وأساليبها البحثية في مجالات استعمالاتها الميدانية المتنوعة؟
أولا: السياق التاريخي لتطور الدراسات المستقبلية.
يشكل إدراك البعد الزمني للظاهرة الإنسانية في كينونتها بوصلة استيعاب الحقل المعرفي للدراسات المستقبلية. فالزمن يتضمن ثالوث ظرفي، يتمثل في الماضي والحاضر والمستقبل. فالماضي هو كل ما يتصل بما سبق، والحاضر هو تعبير عن الوضع القائم في حالة حركية أو ديناميكية.أما المستقبل؛ فيعبر عما هو قادم بعد الحاضر. ويكمن الفرق بين هذا الثالوث الظرفي في أن الماضي يعبر عن حقيقة قائمة بذاتها لا يمكن تغييرها تماما.في حين يمثل الحاضر عملية صيرورة ديناميكية قيد التشكل ولم تكتمل معالمها بعد. بينما يشكل المستقبل السياق الزمني الوحيد أمام الإرادة الإنسانية للتدخل فيه مع الأخذ بعين الاعتبار كافة الاحتمالات بشأن الظاهرة محل الدراسة والتحليل من خلال توفير وتوظيف مناهج وأساليب وتقنيات الدراسات المستقبلية.
ثمة جدال واسع من لدن الباحثين والمحللين حول مسألة التحقيب الزمني لبروز الدراسات المستقبلية أو بالأحرى الضبط الدقيق للفترة الزمنية التي ظهر فيها الاهتمام بالدراسات المستقبلية. لإماطة اللثام على هذه المسألة،أجمع المحللون ومن أبرزهم الدكتور/ وليد عبد الحي على تحديد ثلاث مراحل تاريخية متسلسلة كرونولوجيا، مر بها حقل الدراسات المستقبلية، وهي على النحو التالي:
1)- مرحلة اليوتوبيا،
2)-مرحلة التخطيط،
3)- مرحلة النماذج العالمية.[1]
1– مرحلة اليوتوبيا:
تنطلق بوصلة الفكر السياسي خصوصا، والدراسات المستقبلية عموما من محطة مرحلة اليوتوبيا،[2] وتحديدا في العهد الإغريقي. فأفلاطون في نظرته لما يجب أن يكون عليه المجتمع مستقبلا، كان أول من تناول حقل الدراسات المستقبلية، حينما تصور جمهورية من ثلاث طبقات، وهي: طبقة الفلاسفة الحكام، وطبقة الجنود المحاربين، وطبقة عامة الشعب، جمهورية تقوم أساسا على العدالة. وهذه الأخيرة تتحقق – في نظره- عندما تؤدي كل طبقة وظيفتها، فيحدث نوع من الانسجام والتناغم. ورؤيته للمستقبل تتمثل في شيء ما، قد يحدث في المستقبل، لكنه ليس بالحاضر في زمانه.[3] أما القديس أوغسطين؛ فقد تصور صراعا بين مدينة الله، التي تقوم أساسا على الفضيلة ومدينة الإنسان، التي تقوم على الغرور والشر، مفترضا أن النصر حليف المدينة الأولى، وعلى الناس أن يسعوا لترجمتها إلى واقع ملموس. ومع نهاية القرن الخامس عشر، تصور توماس مور Thomas Moor في كتابه الموسوم بـ:”اليوتبيا”، فكرة تحقيق المجتمع المثالي الخالي من كافة أساليب العنف والظلم والاضطهاد. وفي أواخر القرن السادس عشر، أصدر الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون Francis Bacon كتاب بعنوان ” أطلنطا الجديدة” New Atlantic، وفيه يتصور أفكار مستقبلية عن العالم، يرسم من خلالها معالم مجتمع علماني أفضل للبشرية.[4]
غير أن البدايات المنهجية للدراسات المستقبلية تعود إلى القرن التاسع عشر، وتحديدا مع القس الإنجليزي توماس مالتوس Thomas Malthus في مقاله عن الكثافة السكانية Population Growth، عرض فيه رؤيته التشاؤمية للنمو الديمغرافي لتسوية التناقض الاجتماعي، جراء الثورة الصناعية، والمتمثلة في التمايز الطبقي في ظل سيطرة الرأسمالية في المجتمع البريطاني آنذاك.[5] وهناك من يرجعها إلى المفكر الفرنسي المركيز دو كوندورسيه De Condorcet في مؤلفه الموسوم بـ:”مخطط لصورة تاريخية لتقدم العقل البشري” Sketch for a Historical Picture of the Progress of the Human Mind،الصادر في سنة 1793، موظفا فيه أسلوبين منهجيين في التنبؤ، دأب المحللون على توظيفهما بشكل مكثف في عهدنا المعاصر،ألا وهما أسلوب التنبؤ الاستقرائي Induction Forecasting، وأسلوب التنبؤ الشرطي Conditional Forecasting. وقد نتج عن الجدال حول التحقيب الزمني للدراسات المستقبلية بين المفكرين خلال هذه المرحلة بروز ثلاثة أبعاد لشتى مسارات الظاهرة الاجتماعية أو السياسية محل الدراسة والتحليل،يمكن التمييز فيما بينها، وهي:[6]
- الممكن Possible؛ أي الاحتمال المعقول الذي يمكن أن تأخذه الظاهرة، انطلاقا من مؤشرات قائمة لبلوغه.
- المحتملProbable؛وهو إحدى احتمالات تطور الظاهرة، التي مؤشراتها غير متوفرة في الواقع.
- المفضل أو المرغوب Preferable؛ وهو الاحتمال المرغوب تحقيقه بشأن الظاهرة محل الدراسة والتحليل مع محدودية المؤشرات الموضوعية لبلوغه.
2- مرحلة التخطيط:
وهي المرحلة التي تنظر للمستقبل من زاوية دولة معينة أو إقليم معين، وشهدت تأسيس الحكومة السوفيتية في عام1921م للجنة أوكلت لها مهمة تصميم خطة حكومية لتعميم الكهرباء في مختلف أنحاء الإتحاد السوفيتي خلال خمس سنوات. وهي الخطة التي شكلت منعطفا في ميدان الدراسات المستقبلية. مما فسح المجال واسعا أمام دراسة التغير والتكيف وكيفية التفاعل بينهما. وكان لهذا التحول انعكاسه الإيجابي على المحللين الغربيين، وتزامن ذلك مع صدور مجلة الغد في بريطانيا عام 1938م، وهي المجلة التي ألحت على ضرورة تأسيس وزارة للمستقبل في بريطانيا. وقد ألقت النتائج المأساوية للحرب العالمية الثانية بظلالها القاتمة على الدراسات المستقبلية، لكن الفيلسوف الفرنسي غاستون بيرغر Gaston Berger تحدى هذه الرؤية التشاؤمية وأسس عام1957م المركز الدولي للاستشراف Centre International de Prospective، بهدف حث الباحثين على رؤية الغد بنظرة أكثر تفاؤلية،[7] حيث تمحورت أبحاثه حول جانبين:
الجانب الأول؛ يكمن في عدم الفصل بين الظاهرة الاجتماعية من جهة، والتطور التكنولوجي من جهة أخرى. من هنا بدأ الاهتمام بطبيعة العلائقية بين الميدانين من خلال دراسة أثر التطور التكنولوجي على الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة والتحليل. وما لهذه العلاقة من انعكاس ايجابي على الثورة المنهجية التي أحدثتها، فباتت العلاقة الترابطية بين ما هو تقني، وما هو اجتماعي، والتفاعل بينهما من بين مبادئ الدراسات المستقبلية، وصارت بؤرة اهتمام تقنيات الدراسات المستقبلية تدور حول سبل بحثية تجمع بين التطور التقني، والتطور الاجتماعي المستقبلي.
الجانب الثاني؛ يتمحور حول توجيه التحليل المستقبلي صوب الآثار الطويلة المدى والاتجاهات، وليس على الأحداث والوقائع.ولتحديد الفترة الزمنية للمدى الطويل للدراسات المستقبلية، قام تصنيف مينوسوتا بالإشارة إلى خمسة أبعاد:[8]
- المستقبل المباشر؛ ويمتد لسنتين.
- المستقبل القريب؛ ويمتد من سنتين إلى خمس سنوات.
- المستقبل المتوسط؛ ويمتد ما بين خمس إلى عشرين سنة.
- المستقبل البعيد؛ ويمتد ما بين عشرين سنة إلى خمسين سنة.
- المستقبل غير المنظور؛ويمتد إلى أكثر من خمسين سنة.
عرفت الدراسات المستقبلية قفزة نوعية إثر تأسيس بيرغر لمركزه بفضل ما قام به العالم الفرنسي بيرتراند دو جوفنيل Bertrand De Jouvenel بمساهمة مؤسسة فورد الأمريكية، واستطاع إعداد مشروع المستقبلات الممكنة Futuribles، يقر فيه أن المستقبل ليس قدرا، بل مجال لممارسة الحرية من خلال التدخل الواعي في بنية الواقع القائم باتجاه “المفضل”، ما يعني أنه يجب النظر إلى المستقبل كمتعدد، وليس مفردا. ويعد مؤلفه “فن التنبؤ” بمثابة ثورة منهجية في ميدان الدراسات المستقبلية،[9] إذ فسر فيه طريقة عمل هيئات التنبؤForum Provisionnel ، التي تتكفل بإعداد الدراسات المستقبلية لدولة ما.
لقد أرتبط ظهور الدراسات المستقبلية، والحاجة إلى استشراف المستقبل ومعرفة آفاقه بالضرورات العسكرية والإستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، لتقتحم الدراسات المستقبلية بعد ذلك ميادين مدنية ذات توجهات تجارية وتكنولوجية وتعليمية وفكرية كالمؤسسات أو المراكز الفكرية Think Tanks التي تضم عددا من المفكرين الاستراتيجيين والخبراء في العلاقات الدولية، وهي مؤسسات في خدمة المراكز الثلاثة الكبرى لصنع القرار الأمريكي: البيت الأبيض، الكونغرس، والبنتاغون.[10] هذا الأخير الذي تفطن لأهمية الدراسات المستقبلية في توظيفها لخدمة الأمن القومي الأمريكي.
واضطلعت مؤسسة راند Rand بدور بارز في توظيفها لتقنية دلفي Technique Delphi. وكان للعالم الأمريكي هيرمان كان Herman Kahn الفضل الكبير في تطوير تقنية السيناريو .Scenario Techniqueثم انتقلت الدراسات المستقبلية إلى الجامعات والمراكز البحثية المتخصصة بفضل جون ماكهيل في مركز الدراسات التكاملية بجامعة هيوستن وهاولد لينستون في بورتلاند وجيمس دايتور في هاواي.وطغى على توجهاتهم الطابع التكنولوجي والاجتماعي والعلمي.[11]
وعلى غرار الولايات المتحدة الأمريكية،بادرت بريطانيا عبر جامعة ساسكس Sussex University بإنجاز وحدة للدراسات المستقبلية بشأن تطوير توظيف التكامل المنهجي Interdisciplinary ونقد النماذج العالمية. في حين، تمحورت جهود الدول الاشتراكية سابقا في ميدان الدراسات المستقبلية حول المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية، ومدى تأثيرها على مستقبل الظاهرة الاجتماعية في قالب علمي دقيق.[12]
3- مرحلة النماذج العالمية:
أدى بروز موضوعات دولية كأسلحة الدمار الشامل والإرهاب الدولي والتدخل الإنساني والبيئة إلى ظهور مرحلة النماذج العالمية. ومن أبرز مفكري النماذج العالمية في إطار اللعبة العالمية الكبرى Great Logistic Gameالعالم الأمريكي بكمنستر فولر Buckminister Fuller، الذي يعد من أهم رواد المدرسة المعيارية في الدراسات المستقبلية. وقد بادر نادي روما بعقد أول اجتماع في روما سنة 1968، بمشاركة زهاء ثلاثين عالما من عشر دول. إذ تمحورت دراساته حول العلاقة الترابطية بين ظاهرة الاعتماد المتبادل المتنامية بين مختلف المجتمعات وتطوير تقنيات الدراسات المستقبلية، للوقوف عند شتى الاحتمالات للظواهر العالمية.وقد كان للتقرير الأول لنادي روما أثره البالغ، نتيجة النظرة التشاؤمية لمستقبل العالم.
ومن بين المبادئ التي ترتكز عليها الدراسات المستقبلية في النماذج العالمية، ما يلي:
- ضبط المقومات المتسببة في انهيار النظام الدولي أو بقائه في حالة توازن. وهو ما تطرق إليه العالم بروغوجين Progogine فيما يسمى بفلسفة عدم الاستقرار Philosophy of Instability، والتي كان لها الفضل في بلورة مفهوم النظام في الدراسات المستقبلية.
- ضبط ميكانيزمات التكيف المتاحة للنظام الدولي لمجابهة التحولات المتوقعة.
- ضبط قدرة الوحدات السياسية، ومواردها من القوة لمجابهة التغيرات الممكنة.
- ضبط شرعنة تدخل القوى الخارجية للحفاظ على توازن النظام، والحيلولة دون اختلاله.
- جعل عملية التغير هي القاعدة، وليست الاستثناء.
ومهما يكن، فإن تطور الدراسات المستقبلية مر باتجاهين رئيسيين:
- اتجاه المؤسسات ومراكز الأبحاث والدوريات العلمية نحو دراسات مستقبلية ذات توجه عالمي أكثر منها إقليمي أو لدول معينة، وذات طابع شمولي أكثر منها التخصص في قطاع معين دون غيره؛ حيث تتضمن أوروبا حاليا 124 هيئة تعمل في مجال الدراسات المستقبلية،67% منها تقوم بها الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات العسكرية. وتنفق الدول المتقدمة ما يقارب عن97% على الدراسات المستقبلية. وتعد الجمعية العلمية World Future Society، والتي تصدر مجلة The Futurist، والفيدرالية العالمية للدراسات المستقبلية World Future Studies Federation، التي تصدر نشرة ربع سنوية بعنوان:Futures Bulletin من أهم الجمعيات العلمية في مجال الدراسات المستقبلية التي تعمل على تشجيع تعددية الأطروحات المستقبلية من خلال استقراء وتحقيق التوازن بين الخيارات المستقبلية المتاحة والحلول المستقبلية المفضلة.[13]
- الاتجاه المنهجي في الدراسات المستقبلية؛فهناك من يفترض بأن البوادر الأولى للدراسات المستقبلية على أسس منهجية علمية تقوم على تطوير المناهج الكمية والاستقرائية والإسقاطية، والتطور التدريجي للنظر للعلاقات الدولية كلعبة صفرية Zero Sum Game بدلا من لعبة غير صفريةNon Zero Sum Game ، تعود إلى دراسة العالم الفرنسي دو كوندورسيه الموسومة بـ: “مخطط لصورة تاريخية لتقدم العقل البشري” Sketch for a Historical Picture of the Progress of the Human Mind، الصادرة سنة 1793.
ثـانيـا: النسق المفاهيمي للدراسات المستقبلية.
لقد تعددت التعاريف وتنوعت بشأن مفهوم الدراسات المستقبلية نظرا لحداثتها وتعقدها في آن واحد. فلكل مجتمع معياره في تصنيف العلوم في الوقت الذي تخضع فيه الدراسات المستقبلية لقوانين مستمدة من علوم الرياضيات والاحتمالات والإحصاء، والتي يتوصل من خلالها الباحث المستقبلي إلى نتائج تتسم بالدقة واليقينية.
تعرف الجمعية الدولية للمستقبلات الدراسات المستقبلية بأنها:” أوسع من حدود العلم وتتعامل مع مجموعة من المستقبلات في فترات زمنية تتراوح بين خمس سنوات إلى خمسين عاما”.[14] يبرز هذا التعريف أن حقل الدراسات المستقبلية هو حقل عابر التخصصات يساير الظاهرة الاجتماعية في تنقلاتها مكانا وتعاقباتها زمانا، إذ أنه أشمل وأوسع من العلم في حد ذاته.
ويعرف إدوارد كورنيش الدراسات المستقبلية بأنها: “العلم الذي يرصد التغير في ظاهرة معينة ويسعى لتحديد الاحتمالات المختلفة لتطورها في المستقبل، وتوصيف ما يساعد على ترجيح احتمال على غيره”.[15] وهو تعريف يبدو أنه ضيق لأنه يقرن الدراسات المستقبلية بالعلم وانتقاء احتمال أرجح من بين جملة من الاحتمالات.
وهناك من يعرفها بأنها:”مجموعة من البحوث والدراسات التي تهدف إلى الكشف عن المشكلات ذات الطبيعة المستقبلية، والعمل على إيجاد حلول عملية لها، كما تهدف إلى تحديد اتجاهات الأحداث وتحليل المتغيرات المتعددة للموقف المستقبلي،والتي يمكن أن يكون لها تأثير على مسار الأحداث في المستقبل”.[16] وثمة من يعرفها بأنها:”التنبؤ المشروط من منظور احتمالي وعلمي نسبي”.[17] كما أنها عبارة عن:”تخصص علمي يهتم بصقل البيانات وتحسين العمليات التي على أساسها تتخذ القرارات والسياسات في مختلف مجالات السلوك الإنساني،مثل الأعمال التجارية والحكومية والتعليمية،والغرض من هذا التخصص مساعدة متخذي القرارات أن يختاروا بحكمة من بين المناهج البديلة المتاحة للفعل في زمن معين”.[18]
ولعل أدق تعريف للمستقبلية هو ما تناولته مجلة “World Future Society ” والقائل بأن المستقبلية هي: ” دراسات تستهدف تحديد وتحليل وتقويم كل التطورات المستقبلية في حياة البشر في العالم أجمع بطريقة عقلانية موضوعية…وإن كانت تفسح مجالا للخلق والإبداع الإنساني وللتجارب العلمية ما دامت هذه الأنشطة تساهم في تحقيق هذه الأهداف”.[19]
وفضلا عن ذلك، فإن الدراسات المستقبلية تخضع للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية ما يترتب عنه اختلافات مفاهيمية كالتخطيط بشتى أنواعه(قصير الأجل-متوسط الأجل-طويل الأجل)، التنبؤات،الإسقاطات،الاستشراف.[20] أما التخطيط Planification؛ فهو تلك العملية التي تعيد من خلالها السلطة المركزية صياغة هياكلها الاقتصادية والاجتماعية بواسطة مجموعة من السياسات المتكاملة والمتاحة لها والتي تحرص على تنفيذها الفعلي ومتابعتها.[21] كما يعرف التخطيط بأنه مجموعة من الخيارات التي تمثل القناة المركزية لإحداث تغيرات في التوجه الإنمائي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي باتخاذ الوسائل والآليات المنوطة بتمويلها.[22] وللتخطيط ثلاث طرق رئيسية، وهي:[23]
- التخطيط المتتالي؛ ويتمثل استقلالية كل مستوى من التخطيط على المستوى الذي يليه وهكذا دواليك. وتستعمل هذه الطريقة عند توافر الوقت المطلوب.
- التخطيط المتوازي؛ ويتضمن التخطيط لمستويين أو أكثر في توقيت متزامن،ويتوقف مدى نجاعة هذه الطريقة عند تحقيق تنسيق دقيق بين شتى المستويات وتوافر زمن محدود للتخطيط.
- التخطيط المختلط؛ هو حصيلة ومزيج بين الطريقتين السابقتين. فيبدأ التخطيط على المستوى الأعلى ثم يتبع ذلك التخطيط المتوازي لبقية المستويات في توقيت متزامن ثم التنسيق والإشراف والمتابعة. وكنه هذه الطريقة يفسح المجال لانتهاج الطريقة المتوازية لجميع أجزاء الخطة مع الاحتفاظ بالسرية لتخطيطها بالطرق المتتالية.
وتمر عملية التخطيط بخمس مراحل، وهي: مرحلة تحديد الأهداف بمختلف أبعادها القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى، ومرحلة تجميع الحقائق والبيانات وتقويم الإمكانات المتيسرة، ومرحلة استخدام الأسلوب العلمي للتنبؤ، ومرحلة تحديد البدائل وتقويمها، وأخيرا مرحلة التنفيذ والتقويم.[24]
وهناك من يقرن التخطيط بمصطلح الإستراتيجية؛ أي التخطيط الإستراتيجي. وهنا تجب الإشارة إلى أن الدراسة المستقبلية تتباين عن الدراسة الإستراتيجية. إذ تهتم الدراسة المستقبلية بالإحاطة المعرفية حول احتمالات ما سوف تتحقق في المستقبل؛أي نتائجها متعددة الاحتمالات مع محاولة ترجيح الاحتمال الأقرب لإلى الواقعية دون الحاجة إلى التوصل إلى نتيجة بعينها. بينما يرتبط التخطيط الاستراتيجي بهدف ما مسبق مع الإصرار على ترجمته إلى واقع ملموس. والعلاقة بينهما علاقة تلازم، لأن الدراسة المستقبلية تساعد بكثير في توجيه بوصلة التخطيط الاستراتيجي.[25]
بينما تنبثق التنبؤات Predictions عن الفكرة التي مفادها أن المستقبل موضوع معطى مسبق، وما هو مطلوب هنا إماطة اللثام عنه فحسب.وترسم التنبؤات صورة تفصيلية لمستقبل التشابكات المختلفة،[26] وبالتالي يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه الظاهرة الاجتماعية في المستقبل المنظور انطلاقا من المعطيات المحيطة بها حاضرا وكينونتها ماضيا. في حين يتمثل الإسقاط في ذلك المفهوم، الذي يستعمل في تحليل الدراسات قصيرة المدى لاستنباط التوجهات العامة والعلاقات الكمية المستشفة من مسايرة ماضي الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة والتحليل.[27]
أما الاستشراف Prospectivity؛ فهو عبارة عن عملية علمية منظمة لمجموعة من التنبؤات المشروطة، التي تتضمن المعالم الرئيسية لمجتمع معين أو مجموعة من المجتمعات لحقبة زمنية لا تتجاوز عشرين سنة. والاستشراف هو عملية بعيدة عن أمور التكهن والاعتبارات الشخصية، ويخضع للأساليب العلمية، التي تحلل الماضي وتفسر الحاضر، ويدرس العلاقة السببية بين العوامل والمتغيرات المؤثرة. ما يعني أن الاستشراف يستند إلى قاعدة صلبة من البيانات العلمية والمعلومات الدقيقة كميا ونوعيا بشأن الظاهرة الآنية حاضرا وأصولها التاريخية ماضيا، باعتبارها جزءا مهما في التنبؤ بالمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المستقبل. كما تضبط قائمة بالأولويات والأهداف الاجتماعية للمجتمع مستقبلا، والتي من خلالها يستشرف أحداث المستقبل، مستهدفا مدى احتمال وقوعها.[28]
ولكن الجدل مازال محتدما حول علمية أم فنية الدراسات المستقبلية، أم كليهما معا.إذ تباينت الآراء بين من يراها “علما”، ومن يراها “فنا”، ورأي ثالث توليفي بين العلم والفن.
التيار الأول:الدراسات المستقبلية علـم
يعد هربرت جورج ويلز أول من وظف مصطلح “علم المستقبل”عام 1902 في أبحاثه، وقدم إضافات عميقة في تأصيل الاهتمام العلمي بالدراسات المستقبلية. وهناك إجماع على أن أوسيب فلختهايم Ossip Flechtheim هو أول من تطرق إلى مصطلح “علم المستقبل” سنة 1943.[29] ويعتبر فلختهايم “علم المستقبل” فرعا من علم الاجتماع، وأقرب إلى علم الاجتماع التاريخي، رغم ما بينهما من اختلافات أساسية؛ فبينما يهتم الأخير بأحداث الماضي، يستشرف “علم المستقبل” أحداث الزمن القادم، باحثا في احتمالات وقوعها.[30]
التيار الثاني: الدراسات المستقبلية فـن
ينتقد فراد بولاك Fred Polak فلختهايم في مؤلفه تصورات المستقبل أن المستقبل مجهول، فكيف نرسي علما على المجهول.[31] وتسمية “علم المستقبل” تسمية مبالغ فيها، توشك أن توحي بأن المستقبلية تدرك بوضوح غايتها، وقادرة على بلوغ نتائج مضمونة حقا، وهو أمر مخالف للحقيقة.[32]
ويؤكد برتراند دي جوفنال في مؤلفه “فن التكهن” الصادر سنة 1967 أن الدراسة العلمية للمستقبل “فن” من الفنون، ولا يمكن أن تكون علما، بل وينفي دي جوفنال ظهور علم المستقبل. فالمستقبل حسبه ليس عالم اليقين،وإنما عالم الاحتمالات، والمستقبل ليس محددا يقينا، فكيف يكون موضوع علم من العلوم.[33]
التيار الثالث:الدراسة المستقبلية علم وفن في آن واحد
يدرج التيار الثالث الدراسة المستقبلية ضمن “الدراسات البينية” كفرع جديد ناتج عن حدوث تفاعل بين تخصص أو أكثر مترابطين أو غير مترابطين. وفي هذا الصدد، يقر المفكر مهدي المنجرة: “أن الدراسة العلمية للمستقبل تسلك دوما سبيلا مفتوحا يعتمد التفكير فيه على دراسة خيارات وبدائل،كما أنها شاملة ومنهجها متعدد التخصصات”.[34] وهي في نظر البعض الآخر نتاج لعملية تفاعلية بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية، وهي ليست علما، وإنما تبني رؤاها على العلوم المختلفة. إنها مجال معرفي بينيInterdiscipline متداخل وعابر للتخصصات وتقنياته كل المعارف والمناهج العلمية، ومفتوح على الإبداعات البشرية التي لا تتوقف على الفنون والآداب والعلوم.[35] مما يعني أن الدراسات المستقبلية حقل شامل ومتعدد التخصصات العلمية والفنية على حد سواء.
وحسب توجهات استطلاع الرأي العام التي تبنتها الجمعية الأمريكية لمستقبل العالم حول الاسم الذي ينبغي أن يطلق على هذا النوع من الدراسات، والمنشور في مجلتها الشهرية المستقبلي Futurist في شهر فيفري1977،أن أغلب الآراء؛ أي بنسبة 72% تتجه صوب تفضيل مصطلح الدراسات المستقبلية ومرادفاته، بينما صوت بنسبة 14% فقط لصالح مصطلح “علم المستقبل”.[36] ما يدل أنها حقل بيني وليس علم قائم بذاته أو فن قائم بذاته.
خصائص الدراسات المستقبلية:
من خلال تحديد ماهية الدراسات المستقبلية،يمكن استخلاص مميزاتها على النحو التالي:[37]
- أنها الدراسات التي تعتمد الأساليب العلمية في دراسة وتحليل الظواهر الخفية.
- تتضمن الدراسات المستقبلية المساهمات الفلسفية والفنية جنبا إلى جنب مع الجهود العلمية.
- أنها الدراسات التي تعالج المستقبل في آجال زمنية تتراوح بين 5 سنوات و50 سنة.
- تتميز الدراسات المستقبلية بتحليل المعطيات بالاستناد إلى الواقع واتجاهات الأحداث.
وفضلا عن تلك الخصائص، ثمة خصائص منهجية أخرى يراعى توافرها في الدراسات المستقبلية، نذكر أهمها فيما يلي:[38]
- الشمول والنظرة الكلية للظاهرة محل الدراسة والتحليل.
- مراعاة التعقيد؛ وهو ما يتطلب النظر إلى الظاهرة المركبة في مجملها من خلال منهج عابر التخصصات.
- القراءة الجيدة للماضي.
- المزج بين الأساليب الكمية والأساليب الكيفية في العمل المستقبلي.
- الحياد العلمي والموضوعية والأمانة العلمية.
- العمل المشترك والإبداع الجماعي عن طريق فريق عمل متفاهم ومتعاون ومتكامل.
- التعلم الذاتي والتصحيح المتتابع للتحليلات والنتائج؛فالدراسة المستقبلية لا تعد دفعة واحدة وإنما عبر عملية متعددة المراحل يتم فيها إنضاج التحليلات وتعميق الفهم وتدقيق النتائج من خلال دورات متتابعة للتعلم الذاتي والنقد الذاتي وتلقي تصورات أطراف وقوى مختلفة وانتقاداتهم واقتراحاتهم والتفاعل معها من خلال اللقاءات المباشرة والأدوات غير المباشرة لإشراك الناس في تصور وتصميم المستقبلات.
ثـالثـا: أهمية الدراسات المستقبلية
تكمن القيمة العلمية للدراسات المستقبلية في كونها متعددة التخصصات هدفها الدراسة المنظمة للمستقبل كما يعترف بذلك سلوتر R. Slaughter في مؤلفه الموسوم بـ: “تفكير جديد لألفية جديدة”، « New Thinking for a New Milleniumالصادر سنة 1996.[39] وفي هذا الصدد، يرصد لنا كورنيش تغيرين جوهريين في نظرة الناس إلى المستقبل: أولهما؛ أن الناس أصبحوا على قناعة بإمكانية دراسة المستقبل. وثانيهما؛ هو الاعتراف بأن المستقبل عالم قابل للتشكيل، وليس شيئا معدا سلفا أو معطى مسبق.[40] ويبرز هارولد شان Harold Shan الهدف من الدراسات المستقبلية كتخصص علمي جديد هو أنها تمكن متخذي القرارات وصانعي السياسات على الاختيار الرشيد أو العقلاني والمرغوب من بين مجموعة من الخيارات المطروحة.[41]
يمكن إجمال أهمية الدراسات المستقبلية في النقاط التالية:[42]
- باتت الدراسات المستقبلية ضرورة حتمية وأمرا واقعا للدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء للتكيف مع معطيات التطور التكنولوجي ومختلف التحولات التي أفرزتها نهاية الحرب الباردة. وهنا تجب الإشارة إلى أن الدول المتقدمة تنفق 97% من إجمالي الإنفاق العالمي على الدراسات المستقبلية، بينما تنفق الدول المتخلفة ما تبقى من تلك النسبة المئوية؛أي 03% .
- تسعى الدراسات المستقبلية – في طابعها المستقبلي على أنماط التفكير كعلامة من علامات النضج العقلي والمعرفي- إلى رسم خريطة شاملة للمستقبل.
- تطرح الدراسات المستقبلية الخيارات الممكنة وتعمل على تقييمها في سبيل إيجاد الخيار الرشيد
- تعمل الدراسات المستقبلية على التقليل من حدة الأزمات من خلال التنبؤ بها قبل حدوثها والاستعداد لمجابهتها.
- الدراسات المستقبلية مدخلا ضروريا في تطوير التخطيط الاستراتيجي الذي يعتمد على الصور المستقبلية.
- تبرز أهمية الاستشراف المستقبلي في الطابع الجماعي للتأثيرات المعقدة الناجمة عن التهديد النووي والتغيرات المناخية وإعادة رسم الخرائط السياسية والجيوبوليتكية على أسس إثنية وعرقية وثقافية ناهيك عن تهديدات نقص الطاقة والمياه والغذاء.
- وفي ميدان العلوم السياسية ترمي الدراسات المستقبلية إلى صياغة قالب فكري ممنهج يتكفل بتحديد وتفسير طبيعة المشاكل والتحديات التي تعترض سبيل التطور الإنساني في المستقبل، لأن ما تم تحقيقه حاليا لا يتجاوز مجال مستوى ما قبل النظرية Pre-Theory من جهة، وترشيد عملية صنع القرار السياسي عن طريق إتاحة فرص مرجعيات مستقبلية لصانع القرار، واقتراح مجموعة متنوعة من البدائل المعقولة للوصول إلى اختيار البديل الأنسب لحل المشكلات القائمة من جهة أخرى.
- تكثيف المشاركة السياسية في صنع المستقبل ورسم سيناريوهاته والتخطيط له لأن الدراسات المستقبلية مفتوحة أمام تخصصات متنوعة ومجال استخدام الأساليب التشاركية Participatory Methods، المستمدة من التصور المستقبلي لآراء الخبراء والمتخصصين. ومن بين هذه الأساليب لإعداد الدراسات المستقبلية، نجد: جلسات العاصفة الفكرية Brainstorming ولجنة الخبراء ونموذج سيغما واستبيان دلفي Delphi Technique ودولاب المستقبلاتFutures Wheel لبيتر واجشال Peter Wagaschall،[43] وغيرها من أساليب وتقنيات العمل الجماعي التشاركي.
بيد أن الأهمية المأمولة على الدراسات المستقبلية في اعتبارها ثقافة مجتمعية متجذرة وأسلوب تفكير ونمط حياة معهود، تتعدى هذه الميادين بأكملها. حيث أن الغاية الجوهرية لهكذا دراسات تكمن في استجلاء للأغراض والسعي نحو تحقيق الأهداف بغية الاستفادة من القيم الاجتماعية والثقافية بعد ترجمتها إلى دراسات علمية واختيارات متنوعة وممكنة التطبيق.
مهام الدراسات المستقبلية:
يمكن تحديد تسع مهام للدراسات المستقبلية، وهي:
- تسخير الفكر والتصور في دراسة مستقبلات ممكنة Possible Futures .
- دراسة مستقبلات محتملة Probable Futures
- دراسة صور المستقبل Images of the Future
د- دراسة الأسس المعرفية للدراسات المستقبلية.
هـ- دراسة الأسس الأخلاقية للدراسات المستقبلية.
و- تفسير الماضي وتوجيه الحاضر.فالماضي له تأثير على الحاضر وعلى المستقبل.
ز- تكثيف المشاركة السياسية في تخيل وتخطيط المستقبل.
- تبني صورة مستقبلية مفضلة والترويج لها.[44]
رابعـا: مبادئ وفرضيات الدراسات المستقبلية.
- مبادئ الدراسات المستقبلية:
يمكن حصرها في ثلاث مبادئ على النحو التالي:[45]
- مبدأ الاستمرارية Continuity؛أي أن الثالوث الظرفي هو بمثابة حلقات زمنية متواصلة تنطلق من الماضي مرورا بالحاضر وصولا عند المستقبل.
- مبدأ التماثل Analogy؛ أي تكرار بعض أنماط الحوادث على نمط متشابه من فترة زمنية إلى أخرى.
- مبدأ التراكم Accumulation؛ إي تراكم نفس الأحكام على نفس الحوادث مع اختلاف الأفراد لفترات زمنية متعاقبة.
- فرضيات الدراسات المستقبلية:
تعمل الدراسات المستقبلية على صياغة وترجمة الفرضيات التالية إلى واقع ملموس،ومن بينها ما يلي:
- أن التغيرات التي ستحصل في المستقبل، مختلفة عن الماضي.
- أن التغيرات التي ستحصل في المستقبل، سيكون من الصعب التنبؤ بها.
- أن التغيرات التي ستحصل في المستقبل، ستكون أسرع من ذي قبل.
- أن التغيرات التي ستحصل في المستقبل، يمكن معالجتها من خلال توفير المعلومات الدقيقة.
- أن التغيرات التي ستحصل في المستقبل، يمكن معالجتها بأساليب موضوعية بعيدة عن التأثير الشخصي.
غير أن معيار العلمية والمنهجية لا ينحصر في توظيف العلم للفرضيات فقط، وإنما أيضا في مدى منطقية هذه الفرضيات وتناسقها وترابطها فيما بينها وقدرتها على فسح المجال واسعا أمام الأبحاث العلمية الجديدة في مختلف العلوم والفنون. وعليه، إنه من الأهمية بمكان تقديم الفرضيات المنطقية التالية:[46]
- قراءة التاريخ هي بداية التفكير العلمي في المستقبل،مع ملاحظة أن الماضي ليس الهدف، بل الهدف هو المستقبل،وأن الغاية من دراسة الماضي هي مراقبة الحاضر، وتفسير أحداثه وتداعياته، إعدادا للمستقبل.
- التاريخ من منظور وظيفته نوعان؛ تاريخ عبء ويعني الوقوع في وهم استعادة الماضي وأمجاده بأشكاله وصوره، وتاريخ حفر وهو الذي يجعل المرء يحس بمشكلات حاضره إحساسا مدركا دقيقا.
- تغيير عقلية الإنسان جوهر كل إصلاح وتغيير مصداقا لقوله تعالى:”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
- لا يمكن معالجة أي مجتمع بمنأى عن السياق العام الذي ينتمي إليه ويتفاعل معه مع مجتمعات أخرى.
- أن المستقبل ليس مفردا، وإنما مجموعة من المستقبليات.
- يمكن صنع المستقبل وإبداعه وتوفير متطلباته.
- الزمن محور أي تغيير قد يحدث، نظرا لمرونته وقابليته للتوجيه.
- تتطلب دراسة المستقبل بنظرة شاملة توفير أساليب ومناهج وتقنيات علمية قادرة على التحليل والتصور.
- يجب النظر إلى المستقبل على أنه امتداد طبيعي لما كان قائم في الماضي أو ما هو قائم فعلا في الحاضر؛أي أن الرؤية المستقبلية ليست رهينة الأساليب الإسقاطية.
خامسـا: المقاربة المنهجية للدراسات المستقبلية (مناهج وتقنيات وأساليب).
رغم تزايد الاهتمام الذي حظيت به الدراسات المستقبلية في الوقت الراهن نظريا وممارساتيا من لدن الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وغيرهم، إلا أن منهجيتها وأدواتها البحثية غامضة المعالم، وما تزال محل جدال واسع بين شتى مفكري التيارات والمدارس الفكرية. ومهما يكن يمكن تصنيف مجموعة من الاعتبارات المحددة لمنهجية الدراسة المستقبلية بشقيها الكلي والجزئي على النحو التالي:[47]
- تحديد إطار الدراسة المستقبلية؛ ويتحدد وفق مضمون ومنهج وقوانين محددة المعالم.
- توفير القاعدة المعلوماتية في مجال الدراسة؛ أي بنك للمعلومات والبيانات المتوفرة.
- المنحى الزمني للدراسة؛ وذلك بأبعاده الثلاثة القريب، المتوسط والبعيد.
- الدراسات النظرية في منحى الدراسة؛ أي الاستفادة من الدراسات السابقة والقوانين المتحكمة في الظواهر والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والكيفية التي تعمل بها.
- الانتماء الأيديولوجي للباحث في طبيعة الدراسة؛ وما له من انعكاسات في توجيه الأبحاث بالكيفية التي تحقق أيديولوجية انتمائه.
- التقدم العلمي والتقني وتأثيره في منحى الدراسة؛ فكلما استحوذت الظاهرة المدروسة على معلومات أوفر، كلما نالت أكثر استقطاب أنظار الباحثين في الدراسة.
مناهج الدراسات المستقبلية:
تستند الدراسات المستقبلية إلى تعددية منهجية متكاملة تتشكل من المناهج التالية:[48]
- المنهج الحدسي؛ الذي يعتمد على الخبرة الذاتية والتراكمية المعرفية السابقة، ومحاولة التعرف على التفاعلات والتشابكات التي تؤدي إلى صورة معينة يتوقعها الباحث دون أن يدعي إثباتها، وينشأ عن رؤية مستقبلية تعكس ذاتية الفرد وخبراته الخاصة.
- المنهج الاستكشافي؛ والذي يرتبط باستطلاع توجهات الرأي فيما يتعلق بمستقبل علاقات ماضوية بواسطة نموذج من العلاقات والتشابكات.
- المنهج الإستهدافي؛ ويعبر عن ذلك التداخل الواعي والمباشر لتغيير المسارات المستقبلية في إطار أهداف وأحكام محددة مع الاستفادة بمختلف الإضافات المنهجية.
- المنهج الشمولي أو الكلي؛ ويمثل التعبير الدقيق عن الظواهر والحركات والتغيرات والتشابكات والتفاعلات كلها، فلا تتجاهل العلاقات الماضية، ولا تغفل الأسباب الموضوعية، التي ستفرض نفسها لتغيير المسارات المستقبلية. ويعد هذا المنهج مسارا للبحوث المستقبلية المعاصرة.
- المنهج التصوري؛ فهو منهج علمي واسع الاستعمال في الدراسات المستقبلية التي يقوم بها ويركز عليها الخبراء والباحثون وصناع القرار في دراساتهم وقراراتهم الإستراتيجية في الميدان السياسي الدولي، والتي تسمح في الحقل السياسي بمثل هذه الدراسات لضبط وتحديد العلاقات السياسية، التي يفضل انتهاجها في ضوء التوقعات الجيوسياسية البحثة.
ولما بات من الصعوبة بمكان إن لم تكن من الاستحالة بمكان إخضاع العلوم السياسية للتجريب المباشر، فإن التصور أصبح كمنهج علمي للدراسات المستقبلية في حقل العلوم السياسية. ويمكن توظيف هذا المنهج بطريقتين:[49]
- الاستعمال التوقعي للتصور؛ ويوظف لدراسة العديد من السيناريوهات المطروحة واستكشاف نتائجها، ثم اختيار السيناريو المفضي إلى أفضل النتائج.وهو الأسلوب الأكثر شيوعا واستعمالا في الوقت الراهن، ينطلق من المعطيات لإدراك الأهداف. فالخبراء الأمريكيون لجئوا إلى استعمال هذا الأسلوب لتصور خريطة العالم في سنة2020،وتحصلوا من خلالها على معلومات قيمة من لدن عشرات الخبراء والمختصين في حقلي العلاقات الدولية والدراسات المستقبلية.
- الاستعمال التقريري للتصور؛ ويرتبط بطبيعة الهدف المراد بلوغه من خلال الدراسة، ثم إيجاد السيناريو الأفضل لتحقيقه.فهو أسلوب ينطلق من الأهداف لتصور الوسائل، ويسعى للإجابة عن سؤال جوهري، وهو: ماهو السيناريو الواجب انتهاجه لبلوغ الهدف المنشود؟
ولهذا المنهج بطريقتيه خطواته،والمتمثلة في:تحديد الظاهرة محل الدراسة والتحليل، كتابة النموذج، اقتناء المعطيات، إنجاز النموذج، تخطيط التجارب، استعمال النموذج لإجراء التجارب، تحليل نتائج الصوريات، ترجمة النتائج وتفسيرها.
أساليب الدراسات المستقبلية:
لقد تعددت أساليب الدراسات المستقبلية وتنوعت، إلا أن المقام لا يسمح هنا لاسترسالها جميعا، نكتفي بذكر أهمها كما يلي:[50]
- تقنية دلفي؛ سميت بهذا الاسم نسبة إلى معبد يوناني قديم كان مزارا للكهان ورجال الدين والعرافين للتكهن بمستقبل الظواهر الاجتماعية وفقا لما يستحوذون عليه من معلومات دينية واجتماعية تمكنهم من صياغة الآفاق المستقبلية للظاهرة الاجتماعية محل التكهن. وتتمحور هذه التقنية حول عرض كل الاحتمالات لتطور ظاهرة معينة في المستقبل بالاعتماد على طرق الاستبيان ثم الاستبعاد التدريجي عبر خطوات عن بعض الاحتمالات إلى أن تستقر عند احتمال معين. وهي التقنية الأكثر شيوعا لدى المدرسة الأمريكية للدراسات المستقبلية.[51]ولتقنية دلفي في الدراسات المستقبلية مراحل لتطيقها، والتي يمكن حصرها فيما يلي:[52]
المرحلة الأولى؛ وتتمثل في تحديد الظاهرة موضوع الدراسة والتحليل.
المرحلة الثانية؛ ويتم فيها اختيار مجموعة من الخبراء والمختصين من ذوي الخبرة في الجانبين النظري والعملي بشأن الظاهرة المدروسة.
المرحلة الثالثة؛ وتتصل بضبط الظرف الزمني للظاهرة محل الدراسة والتحليل.
المرحلة الرابعة؛ ويتم فيها توجيه سلسلة من الاستبيانات تتضمن مجموعة من الأسئلة والاحتمالات المتوقعة بشأن الظاهرة المدروسة في المستقبل.
المرحلة الخامسة؛هي المرتبطة بالنتائج المتحصل عليها من خلال احتساب عدد الإجابات المتكررة من تلك الاستبيانات.
- دولاب المستقبل؛ تتمركز حول اختيار واقعة معينة، ثم رصد سلسلة الترابط بين هذه الواقعة وتداعياتها المباشرة وغير المباشرة.
- أسلوب السلاسل الزمنية Time Series Methods؛ وهي الطرق التي لا تعتمد على نماذج سببية تعبر عن سلوك المتغير أو المتغيرات موضوع الدراسة وفق نظرية ما، وإنما تتضمن طرق ونماذج من بينها نموذج الخطوة العشوائية وطرق إسقاط الاتجاه العام.
- أسلوب الإسقاطات السكانية والتنبؤ الاستقرائي؛ ومن أبرزها طريقة الأفواج والمكونات، إذ يحتسب النمو الديمغرافي من مكونات دقيقة كالمواليد والوفيات والهجرة إلى الدولة والهجرة من الدولة.
هـ- أسلوب النماذج السببية Causal Models؛ من أشهرها نماذج الاقتصاد السياسي Econometric Models ونماذج المدخلات والمخرجات Input-Output Models، ونماذج البرمجة Pogramming Models أو الأمثلية Optimization، ونموذج المحاكاة Simulation Models، ونماذج ديناميات الأنساق Systems Dynamics.
- أسلوب الألعاب أو المباريات Gaming؛ وهي طريقة تقوم بالمحاكاة بإشراك الناس فيها كلاعبين يقومون بأدوارRole Playing، يتخذون من خلالها قرارات ويستجيبون لقرارات غيرهم، ويبدون رد فعلهم بشأن حادثة ما.وتستخرج الصور المستقبلية البديلة باستخدام نماذج رياضية أو محاكاة فعلية.
ز- أسلوب تحليل الآثار المقطعية Cross Impact Analysis؛ وهو أسلوب لاستيعاب حركية نسق معين وإماطة اللثام على القوى الفاعلة المحركة له.
ح- الأساليب التشاركية Participatory Methods؛ ومن بينها نجد طريقة الممارسة المستقبلية بالمشاركة وطريقة البحث التشاركي الموجه للفعل الاجتماعي وطريقة ورش عمل المستقبليات وطرق إجراء التجارب الاجتماعية والبحوث المستقبلية الاثنوجرافية .
ط- أساليب التنبؤ من خلال التناظر والإسقاط بالقرينة؛ وتعتمد أساليب التناظر أو المشابهة على استخراج بعض جوانب الصور المستقبلية وفق أحداث أو سوابق تاريخية معينة والقياس على ما فعلته دول معينة في مرحلة ما من تطورها لانجاز معدل ما للنمو الاقتصادي مثلا. أما أساليب الإسقاط بالقرينة؛ فهي تفترض أن هناك ارتباط زمني بين حدثين. ومن أبرز هذه الطرق، نذكر طريقة السلاسل الزمنية القائدة Leading Series التي عادة ما توظف بخصوص التنبؤ بالدورات الاقتصادية، حيث يؤخذ بطء النمو في متغيرات اقتصادية معينة قرينة على إبطاء حركة النشاط الاقتصادي في مجموعه.
- أساليب تتبع وتعقب الظواهرMonitoring وتحليل المضمونContent Analysis؛ ويقصد بأسلوب تتبع الظواهر توظيف قنوات متنوعة للمعلومات بغية ضبط التوجهات العامة لشتى التغيرات والتي يفترض أن تسود في المستقبل. وكان الباحث المستقبلي نيسبيت Naisbitt أول من توصل إلى التوجهات العامة الكبرى في أبحاثه المستقبلية. أما أسلوب أو تقنية تحليل المضمون؛ فهو الذي يعتمد على تفسير محتوى الرسائل التي تتضمنها مختلف وسائل الإعلام والاتصال والمراجع والمصادر الأخرى،لتدوين تكرار عبارات أو كلمات تحتوي في طياتها على قيم ذات توجهات معينة،وبناء على ضوئها استنتاجات مستقبلية.
- أساليب تحليل آراء ذوي الشأن والخبرة؛ ومن بينها أسلوب المسوح Surveys ، الذي يعتمد على استطلاع توجهات الرأي العام أو عينة من الأفراد بواسطة استبيان أو مقابلة شخصية أو الاتصال الهاتفي.ومن بين أساليبه أيضا أسلوب ندوة الخبراء Panel Discussion أو أسلوب الاستشارة الفكرية Brain Storming، وأسلوب دلفي Delphi Method. هذا الأخير الذي يركز في تصوره للمستقبل على تنبؤ مجموعة من الخبراء. واللجوء إلى استخدام مثل هذا الأسلوب في حالات استطلاع آراء الخبراء. بيد أن ما يعاب على أسلوب دلفي هو استهلاكه لوقت طويل من الباحث في توزيع الاستبيانات للوصول إلى الرأي الجامع.
- أسلوب السيناريوهات Scenarios؛ ظهر هذا الأسلوب في منتصف السبعينيات من القرن العشرين مع المفكر جودت، والسيناريو هو وصف لوضع مستقبلي ممكن الوقوع أو محتمل أو مرغوب انطلاقا من الوضع القائم أو وضع ابتدائي مفترض. فالسيناريوهات تصف إمكانات بديلة للمستقبل، وتعرض مجموعة من الخيارات أمام الباحث المستقبلي وتبين له له نتائجها المتوقعة طيبة كانت أو سيئة،[53] ولكنها لا تضبط بشكل دقيق متى وكيف تحدث ظاهرة معينة في المستقبل، وإنما تحاول ضبط السياقات العامة للظواهر الاجتماعية والمتغيرات المتحكمة في كل سياق على حدى، مثل التساؤل حول ما إذا كانت ظاهرة الصراع في تزايد أم في تراجع، وهل أن العالم يتجه صوب التكامل أم التفكك؟ وعليه، فإن تقنية السيناريو هي عبارة عن طريقة تحليلية احتمالية، تمكن من تتبع أو ترصد عملية تطور الأحداث والظواهر الدولية، انطلاقا من وضعها وحالتها الراهنة، وصولا عند تتبع سلسلة من التوقعات المستقبلية لهذه الأحداث والظواهر.[54]
يمر السيناريو بأربع مراحل،وهي على النحو التالي:[55]
المرحلة الأولى؛ تتعلق بتحديد الظاهرة محل الدراسة والتحليل.
المرحلة الثانية؛ تتمثل في عملية جمع المعلومات والبيانات المتصلة بالظاهرة المدروسة. المرحلة الثالثة؛ تنحصر في ضبط شتى سياقات تطور الظاهرة المدروسة وفقا للمعلومات والمعطيات المتوفرة. وفيها يتم ضبط مختلف المتغيرات التي تؤثر في تطور الظاهرة المدروسة، ويتم ترتيبها بما يتماشى وأهميتها إلى متغيرات أساسية ومتغيرات هامشية،وقد تتخللها متغيرات غير متوقعة، والتي قد يسير سياق تطور الظاهرة الدولية على هديها. ولذلك، فإنه من الضرورة بمكان هنا تحديد سياق تطور الظاهرة مستقبلا خطيا أو إصلاحيا أو راديكاليا.
المرحلة الرابعة والأخيرة؛ تتصل بالنتائج والآثار المترتبة عن انتهاج إحدى سياقات تطور الظاهرة مستقبلا.
تجمع أهم التيارات الفكرية للدراسات المستقبلية على تصنيف سيناريوهاتها إلى ثلاثة أنواع، كما يلي:[56]
- السيناريو الإتجاهي أو الخطي؛ وهو الذي يقر بالمحافظة على الوضع القائم للظاهرة الدولية في المستقبل، مما يتطلب إسقاط خطي للصورة الراهنة للظاهرة على المستقبل.
- السيناريو الإصلاحي؛ وهو عكس السيناريو السابق،لأنه يركز على فكرة إحداث بعض الإصلاحات على الظاهرة الدولية المدروسة كميا ونوعيا.مما قد ينجم عن تلك الإصلاحات إعادة ترتيب في الهرمية السلمية للمتغيرات المتحكمة في سياقات تطور الظاهرة محل الدراسة والتحليل، بما ينبئ بتحسنها في المستقبل المنظور.
- السيناريو التحولي أو الراديكالي؛ وهو السيناريو الذي يريد إحداث قطيعة مع السياقات التي تتضمنها السيناريوهين الآنفتي الذكر. إذ يرفض البقاء على الوضع القائم أو إدخال بعض التعديلات أو الإصلاحات على الظاهرة المدروسة، بل يذهب إلى أبعد من ذلك تماما. حيث يركز على فكرة التغيير الجذري العميق للظاهرة المدروسة داخليا وخارجيا من خلال أخذه بعين الاعتبار المتغيرات القليلة الاحتمال، والتي بإمكانها أن تغير جذريا السياق العام للظاهرة محل الدراسة في حالة حدوثها.
سادسا: مجالات التوظيف العملي للدراسات المستقبلية
لقد تزايد الاهتمام بالدراسات المستقبلية، وأصبح من الضروريات، التي لا يمكن، بأي حال من الأحوال، الاستغناء عنها، ولم تعد ترفا، بل قناعة راسخة لدى مختلف الفئات الجماهيرية، ومراكز صناعة القرار السياسي في الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء. وهو ما يركز عليه ألفين تافلر Alvin Toffler في مؤلفه “خرائط المستقبل” أن الدراسات المستقبلية كانت وراءها بواعث براغماتية.[57] فقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية نقطة البداية في استخدام الدراسات المستقبلية لأغراض عسكرية عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، قبل أن تسخرها في قطاعات تجارية وتعليمية وتكنولوجية واسعة.[58] وقد نجم عن هذا الاهتمام المتزايد عدة مؤشرات، أبرزها: تنامي أعداد العلماء والباحثين في حقل الدراسات المستقبلية في مختلف الجامعات، ومراكز البحوث والهيئات العلمية والمعاهد المتخصصة، وكذا الجمعيات المعنية بالدراسات المستقبلية كرابطة المستقبلات الدولية، التي أسسها جوفنيل وجمعية المستقبل العالمية، التي أسسها إدوارد كورنيش سنة 1966، ولجنة سنة 2000، التي يترأسها دانيال بيلDaniel Bell ، وأضفت عليها طابعا علميا وأكاديميا.
وقد انتشرت مجالات استخدام الدراسات المستقبلية وتعددت،نذكر أهمها ما يلي:[59]
- النمو الديمغرافي العالمي والغداء والجوع العالمي ومصادر الطاقة والتلوث البيئي.
- السلام والصراع العالمي والحروب.
- نظام الأمم المتحدة وتسييس العولمة.
- الفجوة والعلاقات بين الشمال الغني والجنوب الفقير.
- التكتلات الاقتصادية العالمية والإقليمية.
- اتجاهات العولمة الاقتصادية.
- اتجاهات العولمة السياسية.
- التفكك وتشرذم القوى المجتمعية.
- التكنولوجيا الجديدة والبناء المجتمعي.
- تغيير النماذج الثقافية.
- اتجاهات التعليم والتعلم.
سابعا: تقييم الدراسات المستقبلية.
1- معوقات وصعوبات الدراسات المستقبلية:
تعترض سبيل الدراسات المستقبلية معوقات وصعوبات جمة في العالم قاطبة أكاديميا وممارساتيا، من أهمها نذكر:
– قصور في التنظير وغياب بناء نظري ممنهج وندرة التأطير الأكاديمي أو المؤسسات المتخصصة بهذا الحقل المعرفي وعدم الاهتمام به من قبل الدول المتخلفة بسبب قلة مواردها المادية وقدراتها البشرية التي ترتبط أساسا بالمنظومة القيمية لهذه الدول، التي تهيمن عليها الأمور القدرية.[60] وهي صعوبات ناتجة عن غياب الإدراك المستقبلي في التركيبة البنيوية للعقل العربي وغياب دمقرطة البحث العلمي نظريا وعمليا. وبالتالي، فإن ثقافة الدراسات المستقبلية في العالم العربي ستظل تراوح مكانها إلى أن يتم إعادة صياغة العقل العربي وتحريره من أي سياسة تعصب، والتأسيس من ثم إلى بلورة مدرسة عربية موحدة للدراسات المستقبلية ويروج لتقنياتها وأساليبها، بدلا من مراكز بحثية متناثرة هنا وهناك،لا تعدو أن تكون مجرد هياكل بدون أرواح.
– أن المستقبل ليس معطى مسبقا ومستقلا، بل هو مجرد أفكار ومشاهد افتراضية لصعوبة وتعقد موضوع الرئيس فيه، ألا وهو الظاهرة الاجتماعية التي هي في تغير زمكاني مستمر من جهة، وعدم وجود مستقبل واحد،وإنما مجموعة مستقبلات تتفاوت فيما بينها بين المحتمل والممكن والمرغوب، وما يحيط بها من علاقة تفاعلية بين متغيرات مجتمعية وحضارية وقيمية، لا يمكن إهمال إحداها أو اعتبارها أهم من بقية المتغيرات الأخرى.[61]
– التغير السريع للأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية في ظل التقدم التكنولوجي الراهن، يؤدي بالباحث “المستقبلي” إلى مواجهته العديد من العقبات، التي تحول دون وصوله إلى نتائج دقيقة بشأن الظاهرة الاجتماعية المدروسة.[62]
– عدم تحلي الباحثين في حقل الدراسات المستقبلية بالموضوعية والحيادية والعلمية في دراسة الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة والتحليل للوصول إلى نتائج دقيقة.[63]
– باستعماله الأساليب والنماذج الرياضية لقياس بعض الظواهر الاجتماعية بشكل دقيق، يواجه الباحث مشكلة إخضاع الظاهرة للقياس حركة بعض مكوناتها ومتغيراتها.[64]
مزايا الدراسات المستقبلية:
رغم تلك الصعوبات والمعوقات التي تعترض سبيل الدراسة المستقبلية في كافة العلوم الإنسانية، إلا أنها لن تحد من قيمتها العلمية ومزاياها المتعددة، التي يمكن إدراجها في النقاط التالية:[65]
– تقوم الدراسة المستقبلية بالإلمام بمختلف متغيرات الظاهرة الاجتماعية محل الدراسة والعوامل المحيطة بها.
– تميط اللثام على مواطن الضعف الكامنة في الظاهرة المدروسة.
– تعمل على التزام الباحث بأخذ الحيطة واليقظة لما قد يطرأ من مستجدات على الظاهرة المدروسة في المستقبل المنظور.
– تمكننا الدراسة المستقبلية للظاهرة المدروسة من التوصل إلى السيناريو الأرجح والمتوقع الوقوع.
– تزود الدراسات المستقبلية، ومن خلال المراكز البحثية المتخصصة، مخططو البرامج والاستراتيجيات وصناع ومتخذي القرار في كل من الدول المتقدمة والدول المتخلفة بالمعلومات اللازمة والكافية، وفقا لمعطيات الحاضر وخبرة الماضي.
خـاتمـة:
باتت الدراسات المستقبلية ضرورة حتمية لأي تقدم أو تطور.كما أنها لا تنتمي إلى علم بعينه أو أي فن من الفنون، وإنما هي متعددة التخصصات. فهي نتاج للتفاعل بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية،كما أنها ليست علما أو فنا، وإنما تبني رؤاها على العلوم المختلفة. إنها مجال معرفي بيني متداخل وعابر للتخصصات وتقنياته من كل المعارف والمناهج العلمية، ومفتوح على الإبداعات البشرية التي لا تتوقف في الفنون والآداب والعلوم، وسيظل مفتوحا للإبداع والابتكار. وهي تعددية نتجت عنها إشكالية تحقيبها، وأزمة تحديد مفهومها وصياغة تعريف دقيق بشأنها، وتوظيف المقاربة المنهجية المناسبة، ومن ثم بلورتها قي قالب منهجي نظري متماسك كفيل بمعالجة الظاهرة الإنسانية بكافة جوانبها، وفي سياقها الزمني المتواصل مع التركيز هنا على البعد المستقبلي للظاهرة من خلال اختيار صناع القرار للبديل الأنجح والأنجع ضمن مجموعة من البدائل المطروحة.
من حيث التأصيل التاريخي للدراسات المستقبلية وبالنظر إلى تلك المراحل الثلاثة التي رصدناه،يمكن القول أن بوادرها التاريخية الأولى تعود إلى دراسة العالم الفرنسي دو كوندورسيه. أما مفاهيميا؛ فلقد تعددت التعاريف المتصلة بالدراسات المستقبلية وتنوعت. فهناك من يضفي عليها الصبغة العلمية، كما أن هناك من يقر بفنيتها، ولكن الكثير ممن يفضل مصطلح الدراسات المستقبلية ومرادفاته، لأنها تخضع للقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية،ما يترتب عنه اختلافات مفاهيمية كالتخطيط بشتى أنواعه (قصير الأجل-متوسط الأجل-طويل الأجل)، التنبؤات،الإسقاطات،الاستشراف.
ورغم تزايد الاهتمام بالدراسات المستقبلية في الوقت الراهن نظريا وممارساتيا من لدن الباحثين الاقتصاديين والاجتماعيين والسياسيين وغيرهم،إلا أن منهجيتها المتعددة وأدواتها البحثية المتنوعة ما تزال غامضة المعالم، ومحل جدال واسع بين شتى مفكري التيارات والمدارس الفكرية. وتنظيريا؛ يمكن أن نسجل وجود قصور على مستوى التنظير بسبب غياب بناء نظري ممنهج جاهز يرقى إلى مصاف النظرية، ناهيك عن ندرة التأطير الأكاديمي وقلة المؤسسات المتخصصة بهذا الحقل المعرفي، ولاسيما في الدول المتخلفة. هذه الأخيرة التي ستظل فيها ثقافة الدراسات المستقبلية تراوح مكانها ما لم يتم إعادة صياغة عقل إنسان العالم الثالث وتحريره من أي سياسة تعصب، والتأسيس من ثم إلى بلورة مدرسة عالم ثالثية موحدة للدراسات المستقبلية، ويروج لتقنياتها وأساليبها،بدلا من مراكز بحثية متناثرة هنا وهناك،لا تعدو أن تكون مجرد هياكل بدون أرواح.
قـائـمــة المـراجــع
الكـتـب:
1- العيسوي إبراهيم،الدراسات المستقبلية ومشروع مصر 2020م،القاهرة:معهد التخطيط القومي، 2000م.
2- النعيري محمد بن أحمد حسن ،أسس دراسة المستقبل المنظور الإسلامي”،دمشق،دار الفكر،2009م.
3- بن أحمد الرشيد محمد،رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة العربية السعودية،20003
4- بندي جيروم وآخرون،مفاتيح القرن الحادي والعشرين،ترجمة حمادي الساحل،(تونس:المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون،بيت الحكمة، 2003م).
5- تافلر ألفين ،خرائط المستقبل،ترجمة:أسعد صقر،(دمشق:منشورات اتحاد الكتاب العرب،1987م.
6- زاهر ضياء الدين، مقدمة في الدراسات المستقبلية:مفاهيم-أساليب-تطبيقات،القاهرة:مركز الكتاب للنشر،2004م.
7- عبد الحي وليد،الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية،الجزائر،باتنة،شركة الشهاب للنشر والتوزيع، 1991م.
8- عبد الحي وليد، مناهج الدراسات المستقبلية وتطبيقاتها في العالم العربي، أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية،2007م.
9- فلية فاروق عبده ،وأحمد عبد الفتاح،الدراسات المستقبلية:منظور تربوي،عمان دار المشيرة، 2003م.
الـدوريـات:
10- بوقارة حسين،”الاستشراف في العلاقات الدولية:مقاربة منهجية”،مجلة العلوم الإنسانية،الجزائر، جامعة منتوري، قسنطينة،عدد 21، جوان 2004 م.
11- محمد إبراهيم منصور محمد إبراهيم، “الدراسات المستقبلية:ماهيتها وأهمية توطينها عربيا”،مجلة المستقبل العربي، عدد 416، أكتوبر2013
12- محمد إسماعيل وائل، “التخطيط العلمي لصنع المستقبل:رؤى نظرية”،مجلة دراسات دولية،جامعة بغداد، عدد47، 2011م.
13- محمد جبر دينا، “تفعيل منهج التصور المستقبلي في دراسة العلاقات الدولية من الوجود الترفي إلى الضرورة الإستراتيجية”، مجلة العلوم السياسية، العراق، العددان 38-39
التظاهـرات العلميـة:
14- عبد الزعبوط سمية ،”استشراف المستقبل في البحوث العربية”، المؤتمر العربي حول البحث العلمي بين الطموح والواقع، الأردن، عمان 25-27/10/ 2015.
روابـط الأنترنيـت:
15- الجميل أمينة ، “ماهية الدراسات المستقبلية..التطور التاريخي للتفكير نحو المستقبل”،على الموقع التالي:
www.http://birutme.com/?p=2201
16- الجهني محمد فالح ،”الدراسات المستقبلية:شغف العلم وإشكالات المنهج”،مجلة كلية التربية،السعودية،جامعة طيبة، عدد 175
http://www.almareth.org/news.php?action=show&id=4309
17- ” المستقبل والاقتصاد في الدراسات المستقبلية” ،على الموقع التالي:
www.http://ust.edu/open/library/mang/19/19.pdf
سعيد حبيب سامي ،”دور الدراسات الاستشرافية في صناعة المستقبل”،11/01/2014 18-
www.http://al.madina.com/node/504205?risala
19 – عبد الحي وليد ، “الدراسات المستقبلية:النشأة والتطور والأهمية”، على الموقع التالي http://alexandriamedia.blogspot.com/2014/05/blog-post_27.html
20- علي بشار أغوان،”الدراسات المستقبلية:ضرورة ملحة أم ترف فكري؟”، 18/08/2011،على الموقع التالي:
www.http://nashiri.net/articles/…/4929–v15-4929.htm
21- نصحى إبراهيم محمد،”الدراسات المستقبلية (نشأتها،مفهومها،أهميتها)”،على الموقع التالي:
www.http://kenanaonline.com/users/drnoshy/posts/269417
22- نزيهة أحمد التركي،”مستقبلنا هو حاضرنا وماضينا:علم المستقبل وأهمية الدراسات الاستشرافية”،على الموقع التالي: www.http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=204775
BOOKS :
23- Cornish Edward,the Study of the Future,World future Society,Washington,1977.
24- Dupont Louis, la Planification du Développement à l’Epreuve des Faits,Paris : édition Published, 1995.
25- James Morrison (Ed),Applying Methods and Teaching of Future Research,San Francisco : Jossey – Bass Inc Publishers,1983.
26- Polak Fred,the Images of the Future,(Amesterdam:London and New York: Elsevier, 1973).
27- Sergiev .A,« La Prévision en Politique »,URSS ,Edition du Progrés,1978.
28- Slaughter Richard,New Thinking for a New Millenium (New York :Routledge, 1996).
INTERNET LINKS :
29- Groff Linda & Smoker Paul, «Introduction to Future Studies», www.csudh.edu/global_options/introFS.HTML
1 وليد عبد الحي، “الدراسات المستقبلية:النشأة والتطور والأهمية”، على الموقع التالي: http://alexandriamedia.blogspot.com/2014/05/blog-post_27.html
اليوتوبيا هي لفظ يوناني معناه “لا مكان” حيث تعبر عن أفكار متعالية تتجاوز نطاق الوجود المادي والملموس للمكان. [2]
أمينة الجميل، “ماهية الدراسات المستقبلية..التطور التاريخي للتفكير نحو المستقبل”،على الموقع التالي:[3]
www.http://birutme.com/?p=2201
” المستقبل والاقتصاد في الدراسات المستقبلية”، على الموقع التالي:[4]
www.http://ust.edu/open/library/mang/19/19.pdf
أمينة الجميل، مرجع سبق ذكره. وأيضا: ” المستقبل والاقتصاد في الدراسات المستقبلية” ،مرجع سبق ذكره.[5]
ضياء الدين زاهر، مقدمة في الدراسات المستقبلية:مفاهيم-أساليب-تطبيقات، القاهرة:مركز الكتاب للنشر،2004،ص 59،وأيضا: [6]
Linda Groff & Paul Smoker, «Introduction to Future Studies», www.csudh.edu/global_options/introFS.HTML
أمينة الجميل، مرجع سبق ذكره.[7]
[8] Linda Groff & Paul Smoker, Op.Cit.
أمينة الجميل، مرجع سبق ذكره.[9]
مصطفى الديماني،مرجع سبق ذكره.[10]
أمينة الجميل، مرجع سبق ذكره.[11]
محمد إبراهيم منصور،”الدراسات المستقبلية:ماهيتها وأهمية توطينها عربيا”،مجلة المستقبل العربي،عدد416،أكتوبر 2013،ص35[12]
أمينة الجميل،مرجع سبق ذكره.[13]
محمد بن أحمد حسن النعيري،أسس دراسة المستقبل المنظور الإسلامي”،دمشق،دار الفكر،2009،ص31 [14]
[15] Edward Cornish,the Study of the Future,World future Society,Washington,1977,PP.83-92
فاروق عبده فلية،وأحمد عبد الفتاح،الدراسات المستقبلية:منظور تربوي،عمان دار المشيرة،2003،ص 67 [16]
ضياء الدين زاهر، مرجع سبق ذكره، 2004، ص 51.[17]
[19] Edward Cornish,Op.Cit.,P.85
” المستقبل والاقتصاد في الدراسات المستقبلية”،مرجع سبق ذكره.[20]
[22] Louis Dupont,la Planification du Développement à l’Epreuve des Faits,Paris:édition Published,1995, P.2
وليد عبد الحي،الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية،الجزائر،باتنة،شركة الشهاب للنشر والتوزيع،1991،ص 29[23]
لمزيد من العلومات بشأن هذه المراحل،راجع:وليد عبد الحي،الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية،مرجع سبق ذكره،ص 48[24]
سامي سعيد حبيب،”دور الدراسات الاستشرافية في صناعة المستقبل”،11/01/2014[25]
www.http://al.madina.com/node/504205?risala
وأيضا: وليد عبد الحي، “الدراسات المستقبلية:النشأة والتطور والأهمية”،على الموقع التالي:
www.http://bohothe.blogspot.com/2010/03/blog-post_5969.html
” الدراسات المستقبلية (نشأتها-مفهومها-أهميتها)” على الموقع التالي:[28]
www.http://kenanaonline.com/users/drnoshy/posts/269417
[29] Edward Cornish ,Op.Cit , P.396
محمد إبراهيم منصور، مرجع سبق ذكره، ص 36.[30]
[31] Fred Polak,the Images of the Future,(Amesterdam:London and New York:Elsevier,1973),P.27
محمد إبراهيم منصور، مرجع سبق ذكره، ص 36. [32]
1 جيروم بندي وآخرون،مفاتيح القرن الحادي والعشرين،ترجمة حمادي الساحل،(تونس:المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون، بيت الحكمة، 2003)،ص43. أنظر أيضا: مصطفى الديماني،مرجع سبق ذكره.
محمد إبراهيم منصور، مرجع سبق ذكره، ص 37.[34]
Linda Groff & Paul Smoker, Op.Cit. ضياء الدين زاهر، مرجع سبق ذكره، ص52 راجع أيضا[37]
[38] وائل محمد إسماعيل،”التخطيط العلمي لصنع المستقبل:رؤى نظرية”، مجلة دراسات دولية،جامعة بغداد،عدد 47،2011،ص 81
[39] Richard Slaughter,New Thinking for a New Millenium (New York :Routledge,1996),P.7
[40] محمد إبراهيم منصور،”الدراسات المستقبلية:ماهيتها وأهمية توطينها عربيا”، مجلة المستقبل العربي،عدد416،أكتوبر 2013، ص ص 34-35
محمد إبراهيم منصور، مرجع سبق ذكره، ص38.[41]
[42] سامي سعيد حبيب،”دور الدراسات الاستشرافية في صناعة المستقبل” على الموقع التالي:
www.http://al.madina.com/node/504205?risala
[43] Morrison James (Ed),Applying Methods and Teaching of Future Research,San Francisco :Jossey-Bass Inc Publishers, 1983,P.44
إبراهيم العيسوي،الدراسات المستقبلية ومشروع مصر 2020م،القاهرة:معهد التخطيط القومي،2000م،ص 25[44]
سمية عبد الزعبوط،”استشراف المستقبل في البحوث العربية”، المؤتمر العربي حول البحث العلمي بين الطموح والواقع، الأردن،[45]
عمان 25-27/10/ 2015، أنظر أيضا: محمد صالح أحمد نبيه، مرجع سبق ذكره، ص 10.
محمد بن أحمد الرشيد،رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة العربية السعودية،2000،ص ص 28-35[46]
” المستقبل والاقتصاد في الدراسات المستقبلية”، على الموقع التالي: [47]
www.http://ust.edu/open/library/mang/19/19.pdf
دينا محمد جبر، “تفعيل منهج التصور المستقبلي في دراسة العلاقات الدولية من الوجود الترفي إلى الضرورة الإستراتيجية”،[48]
مجلة العلوم السياسية، العراق، العددان 38-39،ص 356
انظر أيضا: وليد عبد الحي، مناهج الدراسات المستقبلية وتطبيقاتها في العالم العربي، أبو ظبي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2007، ص7، وأيضا: وائل محمد إسماعيل، مرجع سبق ذكره، ص ص 77-78
Linda Groff & Paul Smoker, Op.Citوراجع كذلك:
دينا محمد جبر،مرجع سبق ذكره،ص 357[49]
Linda Groff & Paul Smoker, Op.Cit ، راجع أيضا:79 وائل محمد إسماعيل،مرجع سبق ذكره، ص ص78-[50]
[51] A. Sergiev,« La Prévision en Politique »,URSS ,Edition du Progrés,1978,PP.79-80
2 حسين بوقارة،”الاستشراف في العلاقات الدولية:مقاربة منهجية”،مجلة العلوم الإنسانية،الجزائر،جامعة منتوري،قسنطينة،عدد 21
جوان 2004،ص ص 195-196.
محمد فالح الجهني،”الدراسات المستقبلية:شغف العلم وإشكالات المنهج”، مجلة كلية التربية،السعودية،جامعة طيبة،عدد 175[53]
http://www.almareth.org/news.php?action=show&id=4309
[54] A.Sergiev, Op.cit., P.78
في: حسين بوقارة،مرجع سبق ذكره،ص ص 193-194.
حسين بوقارة،مرجع سبق ذكره،ص 194[55]
وليد عبد الحي، الدراسات المستقبلية في العلاقات الدولية،مرجع سبق ذكره،ص ص 16-23[56]
ألفين تافلر،خرائط المستقبل،ترجمة:أسعد صقر،(دمشق:منشورات اتحاد الكتاب العرب،1987، ص227.[57]
[58] Edward Cornish,Op.Cit, P.171
Linda Groff & Paul Smoker, Op.Cit محمد صالح نبيه،مرجع سبق ذكره، ص11. وراجع أيضا: [59]
علي بشار أغوان،” الدراسات المستقبلية:ضرورة ملحة أم ترف فكري؟”، 18/08/2011،على الموقع التالي:[60]
www.http://nashiri.net/articles/…/4929–v15-4929.htm
[61] نزيهة أحمد التركي،”مستقبلنا هو حاضرنا وماضينا:علم المستقبل وأهمية الدراسات الاستشرافية”،على الموقع التالي: www.http://ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=204775
وأيضا: محمد فالح الجهني،مرجع سبق ذكره.
نزيهة أحمد التركي،مرجع سبق ذكره. [62]
علي بشار أغوان، مرجع سبق ذكره.[63]
نزيهة أحمد التركي،مرجع سبق ذكره. [64]
علي بشار أغوان، مرجع سبق ذكره.وأيضا: نزيهة أحمد التركي،مرجع سبق ذكره.[65]