الدراسات البحثيةالعلاقات الدولية

السياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا: التطورات والمحددات

Algeria's foreign policy in Africa: Developments and determinants

 

العدد الأول لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون

احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي

اعداد : قط سمير – أستاذ محاضر بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولة٬ جامعة محمد خيضر (الجزائر)

 

ملخص:

منذ السنوات الأولى لاستقلال الجزائر عملت الأخيرة على الحضور القوي في القارة الإفريقية لا سيما دبلوماسيا، وقد عرفت هذه السياسة تحولات من فترة إلى أخرى، ففي فترة الحرب الباردة كان العامل الأيدولوجي هو من حدد العلاقات الجزائرية بدول القارة الإفريقية، وفي منتصف السبعينيات شكلت قضية الصحراء الغربية عاملا جديدا تجندت لها لدبلوماسية الجزائرية في القارة الإفريقية لكسب التأييد لموقفها بشان هذه القضية. ثم دخلت السياسة الخارجية الجزائرية في حالة من الأفول عالميا وبالخصوص في إفريقيا سيما في سنوات التسعينيات، بفعل عوامل عديدة. ثم عاودت البروز من جديد في عهد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، تحت ثوب جديد هذه المرة عنوانه الأساسي الأمن.

Abstract:

Africa is a very important geostrategically and vulnerable to Algerian foreign policy, as discovered by Algerian decision makers since the early years of independence. That’s why they emphasized the Algerian presence innnn this regard on all levels. However, its foreign policy in Africa witnessed changes through times, so, it was ideologically marked by the very acute global strategic polarization between the east and the west. While in the middle of 1970s, it was characterized by the breakout of Western Sahara issue, which was a new turning point in the Algerian foreign policy at African level, Algeria got mobilized to gain the African support to its stance regarding that issue, then, it knew declining line in its foreign policy in 1990s, especially in Africa due to many factors.

أستاذ محاضر بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولة٬ جامعة محمد خيضر (الجزائر)

مقدمة:

تشكل إفريقيا فضاء جيوسياسيا بالغ الأهمية والحساسية بالنسبة للسياسة الخارجية الجزائرية. وقد اكتشف صناع القرار الجزائريين ذلك منذ السنوات الأولى للاستقلال. لذلك فقد شددوا على حضور الجزائر في هذا المجال على جميع الصعد. غير أن السياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا عرفت تحولات من حقبة لأخرى، فقد ميزها في فترة الستينيات والسبعينيات البعد الأيديولوجي في إطار الاستقطاب الاستراتيجي العالمي شديد الحدة بين الشرق والغرب. وفي منتصف السبعينيات تميزت هذه المرحلة بانفجار قضية الصحراء الغربية، والتي مثلت متغيرا جديدا يحكم السياسة الخارجية الجزائرية في مجالها الإفريقي. فقد عرفت تجند الجزائر من أجل كسب الدعم الإفريقي لموقفها بشان هذه القضية. ثم دخلت السياسة الخارجية الجزائرية في حالة من الأفول عالميا وبالخصوص في إفريقيا سيما في سنوات التسعينيات، بفعل عوامل عديدة.

لكن مع وصول نخبة جديدة للحكم بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر عمل جاهدا على بعث الحضور الجزائري في القارة من جديد على أسس جديدة وبسبب متغيرات وعوامل مختلفة سيما الأمنية منها، وقد نجح الرئيس في الكثير من مساعيه تلك. ضمن هذا المنظور، تسعى هذه المقالة إلى تحليل عدة تساؤلات مرتبطة بالموضوع: ما هي أهم التطورات التي عرفتها السياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا؟ ما هي أهم المتغيرات التي حكمت السياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا في كل مرحلة؟ كيف تعاملت الجزائر مع التحولات الأمنية في جوارها الإقليمي المباشر؟

مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية: ثبات في ظل التحولات

تبنت الجزائر ومنذ استقلالها سنة 1962، سياسة خارجية قائمة على عدة مبادئ رسختها الثورة الجزائرية. التي ألهمت صناع القرار آنذاك صياغة هذه المبادئ. وقد حافظت الجزائر على هذه المبادئ رغم التطورات التي حصلت في النظام الدولي من حقبة إلى أخرى. ولعل أكبر وأخطر هذه التطورات، ما يعرفه المحيط الجيوسياسي للجزائر سواء المغاربي أو الساحلي الصحراوي في الوقت الراهن، إلا أن الجزائر لا تزال تصر على إدارة كل هذه التحولات والأزمات بنفس العقيدة والمبادئ التي أفرزتها الثورة الجزائرية بداية الستينات.

تتلخص مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية في: دعم حق الشعوب في تقرير مصيرها، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، التسوية السلمية للنزاعات. تبلورت هذه المبادئ في إطار برنامج طرابلس في جوان 1962، المقترح غداة الاستقلال من طرف المجلس الوطني للثورة، الذي كرس التزام الدولة الجزائرية في سياستها الخارجية بمهمة الكفاح ضد الامبريالية، ومساندة الحركات التحررية في العالم. فبخصوص مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها؛ فقد ساهمت الثورة الجزائرية، في إصدار القرار الأممي رقم 1514، المتعلق بحق الشعوب في تقرير المصير والاستقلال،  وذلك في 14 ديسمبر 1960. وكان ذلك بفضل عاملين أساسيين وهما؛ أولا: جهود دبلوماسية مناضلي الخارج الذين خاضوا معارك كبيرة كان لها صدى واسعا في اجتماعات اللجنة السياسية للأمم المتحدة، في دورتها الخامسة عشرة، التي تزامنت مع أحداث 11 ديسمبر 1960، التي أكدت للعالم إصرار الشعب الجزائري على تقرير المصير، وقد وصل هذا الإصرار أروقة الأمم المتحدة.([1])

كما ضمَن بعد ذلك، كل من دستور 1976 ثم دستور 1986، مبدأي عدم الانحياز وعدم المشاركة في أي تدخل عسكري خارج الحدود الجزائرية. فالمادة 90 من دستور 1976 تنص على: “وفقا لمبادئ عدم الانحياز وأهدافه، تناضل الجزائر من أجل السلم، التعايش السلمي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.” وتنص المادة 89 الخاصة على عدم مشاركة الجيش الجزائري خارج الحدود الجزائرية فورد فيها ما يلي: “تمتنع الجمهورية الجزائرية، طبقا لمواثيق الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية، والجامعة العربية، عن الإلتجاء للحرب قصد المساس بالسيادة المشروعة للشعوب الأخرى وحريتها…”)[2](

ظلت هذه المبادئ توجه السياسة الخارجية الجزائرية، طيلة عقود بعد الإستقلال. وبفضل من مثلوا الدبلوماسية الجزائرية في ذلك الوقت، خاصة في عهد الرئيس بومدين، جعلت من الجزائر أحد أقطاب العالم الثالث بفعل خطابها الثوري، ما دفع الزعيم الإفريقي الثائر “أميلكال كابرال” إلى التصريح “إذا كانت مكة قبلة المسلمين، والفاتيكان قبلة المسيحيين، فإن الجزائر تبقى قبلة الثوار والأحرار.” لقد كان هذا فعلا، زمن العصر الذهبي للسياسية الخارجية الجزائرية.

غير أن بداية الثمانينات بدأت السياسة الخارجية الجزائرية تتراجع، لتصل إلى حد الإنكفاء على الذات مع نهاية الثمانينات بسبب نهاية الحرب الباردة والحرب الأهلية التي عرفتها. فقد طرأت تطورات على صعيد العلاقات الدولية، خاصة منها انهيار نظام ثنائي القطبية، التي ضيقت من هامش مناورة الجزائر الخارجية. وتقوقع الجزائر على نفسها، بانشغالها بأوضاعها الداخلية السياسية والأمنية. لتزداد الأوضاع تعقيدا في الوقت الراهن، خاصة ما تعلق بجوار الجزائر المضطرب، مع تبعات الربيع العربي والساحل الافريقي بأزماته المتعددة، والتزام الجزائر بشراكات استراتيجية وأمنية مع القوى الكبرى.. دفعت البعض إلى الاعتقاد بأن الجزائر قامت/عليها أن تقوم بمراجعة مبادئ سياستها الخارجية([3]) التي لم تعد تتماشى والأوضاع الدولية والإقليمية والمحلية التي تعيش في خضمها الجزائر.

تبدو الجزائر متمسكة بالإطار المرجعي الذي رسمته الثورة الجزائرية في سياستها الخارجية، رغم كل التحولات المذكورة. وذلك ما يؤكده المسؤولون الجزائريون، في كل مناسبة.([4]) فهم يتعاملون مع الأوضاع الحالية بسياسة خارجية ثابتة، ويظهر ذلك جليا فيما يتعلق بالقضيتين الفلسطينية والصحراوية، والتأكيد على الحلول السلمية بخصوص الأزمة الليبية، والتأكيد على عدم التدخل العسكري في المشاكل الأمنية التي يعرفها الجوار، خاصة ما يحدث في مالي من تمرد للطوارق وانتشار للجماعات الإرهابية..

1- أسس السياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا

أهمية البعد الإفريقي للجزائر على كافة الصعد: السياسية، الدبلوماسية، الاقتصادية الإستراتيجية والأمنية، ليست جديدة. فالجزائر أدركت أهمية الدائرة الإفريقية لحركتها الجيوسياسية، منذ الثورة التحريرية. أين شكلت القارة؛ قاعدة خلفية لها في سياق التضامن الثوري، الذي ساد بين دولها. فقد لعبت الدول الإفريقية، دورا مهما في الضغط (الدبلوماسي خاصة) على فرنسا؛ لإجبارها على الاعتراف باستقلال الجزائر.

تجد السياسة الإفريقية للجزائر أساساتها في الجغرافيا والتاريخ. فقد أدرك صناع القرار الجزائريين  أهمية الدعم الإفريقي منذ مؤتمر باندونغ 1955. أين أيدت الدول الإفريقية المطالب الجزائرية الشرعية. فسنوات الستينيات والسبعينيات؛ -والتي شكلت العصر الذهبي للسياسة الخارجية الجزائرية- تميزت بتكثيف حركتها في القارة الإفريقية على الخصوص. وترجمت هذه التصورات، في النصوص الأساسية للدولة والحزب الجزائريين والتي كان بعضها في غمار الثورة الجزائرية كما أشرنا. فمن خلال تحليل كلا من ميثاق طرابلس، دستور 1963، ودستور 1976؛ يمكن استخلاص عدة أسس حكمت هذه العلاقات لخصها “سليمان الشيخ” في أولا: التضامن السياسي في إطار كفاح الدول الإفريقية من أجل التحرر، ومحاربة التمييز العنصري والامبريالية. ثانيا: المتغير الأيديولوجي والسياسي كان المحدد الأساسي الذي دفع الجزائر على التركيز على إفريقيا، في سياستها الخارجية.([5])

فرغم أن النصوص الأساسية -المشار إليها أعلاه- وضعت إفريقيا في المرتبة الثالثة بعد المغرب العربي والعالم العربي، لاعتبارات هوياتية أساسا لتأكيد ارتباطها بالدائرتين الأخيرتين، التي يجمعها بها الدين واللغة.. بيد أن الملاحظ أن الحركة الدبلوماسية الجزائرية، كانت نشطة أكثر على الصعيد الإفريقي. ويمكن تفسير ذلك؛ بأن الجزائر كانت مدركة لضيق مجال حركتها عربيا ومغاربيا بسبب هيمنة مصر عبد الناصر على الشؤون العربية. فكما يلاحظ بهجت قرني، أن الفكر القومي كان مشرقيا أصلا عبر الفكر الناصري والبعثي في سوريا والعراق. فضلا عن الصراعات العربية-العربية، التي دفعت الجزائر نحو إفريقيا كمجال حركة جيوسياسي مفضل.([6]) ثالثا: وظفت الجزائر دورها الريادي في القارة الإفريقية في كثير من الأحيان مطالب اقتصادية؛ خاصة باستكمال دول العالم الثالث لاستقلالها الاقتصادي واستغلال مواردها بنفسها، وإعادة النظر في النظام الاقتصادي العالمي. والتي لاقت تأييد كل دول العالم الثالث سيما الإفريقية. من هنا تأكد للجزائر الدور الدبلوماسي الإفريقي فقد طبقت قاعدة (دولة- صوت).

تجلى النشاط الدبلوماسي الكثيف للجزائر إفريقيا في الكثير من المسائل. فالجزائر كانت من بين الدول الإفريقية القليلة، التي نفذت القرار الوزاري لمنظمة الوحدة الإفريقية الصادر عام 1965. والقاضي بقطع العلاقات مع لندن، في أعقاب إعلان روديسيا الاستقلال من طرف واحد. كما كانت الجزائر مسرحا للعديد من لقاءات منظمة الوحدة الإفريقية على مستوى القمة أو على المستوى الوزاري، وكذلك المؤتمرات الإفريقية غير الحكومية، مثل المهرجان الثقافي الإفريقي في 1969. كما لعبت الجزائر دورا نشيطا في لجنة التحرير بالمنظمة منذ نشأتها، فضلا عن أنها كانت المقر الرئيسي لعدد كبير من حركات التحرير.([7])

العلاقات المتوترة بين الجزائر والمغرب كان لها حضور كذلك في القارة الإفريقية استغلته الجزائر لصالحها. فبعد تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية بأشهر، واجهت النزاع الحدودي بين الجزائر والمملكة المغربية، بسبب توغل القوات المغربية في الأراضي الجزائرية. ومن ثمة أعلنت الجزائر عن رغبتها بأن تتكفل المنظمة، بتسوية النزاع، حيث طلب وزير خارجيتها من أمانة المنظمة في 23 أكتوبر 1963، بعد دورة عاجلة لمجلس وزراء المنظمة للبت في موضوع النزاع. واستطاعت المنظمة من خلال وساطة إمبراطور اثيوبيا “هيلاسي لاسي” أن تتوصل إلى وقف إطلاق النار، وتكوين لجنة عسكرية لمتابعة انسحاب القوات المغربية. كما شكلت المنظمة لجنة خاصة بباماكو لمتابعة النزاع في 15 يناير 1969. انتهى النزاع بتوقيع اتفاقية “ايفران” بين الرئيس الجزائري بومدين وعاهل المغرب الحسن الثاني. وفي القمة الإفريقية الثامنة في الرباط عام 1972، أعلن الملك المغربي على توصل لبلدين إلى تسوية النزاع الحدودي فيما بينهما.

2- قضية الصحراء الغربية وأثرها في السياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا

سنة 1975 والتي ميزها انفجار قضية الصحراء الغربية؛ شكلت متغيرا جديدا في سياسة الجزائر نحو إفريقيا. فقد انقسمت الأخيرة بين دول مؤيدة للموقف المغربي، وأخرى مساندة لمطلب الشعب الصحراوي (الموقف الجزائري) في الاستقلال. ففي قمة “فريتاون” 1980، أصبحت الجمهورية الصحراوية العربية  الديمقراطية، الدولة الواحدة والخمسين في منظمة الوحدة الإفريقية. وهذا ما سبب انسحاب المملكة المغربية من المنظمة عام 1984. فلم تتمكن الرباط من إحداث اختراق إفريقي فما يزال أكثر من ثلاثين بلدا إفريقيا يدعم المطلب الصحراوي وأهمها –ربما- جنوب إفريقيا.([8])

موقف الجزائر من القضية الصحراوية كان موقفا مبدئيا، فقد جاء في الميثاق الوطني لجبهة التحرير الوطني: “الجزائر بلد إفريقي، تندرج سياسته الخارجية في نطاق التضامن الإفريقي من أجل التحرر السياسي للقارة، ونهوضها الاقتصادي والاجتماعي. وهكذا يكون التحرر الكامل لإفريقيا جزء من كفاح الشعب الجزائري، في سبيل استقلاله وكرامته. ويعني هذا بالنسبة إلينا التزاما ايجابيا إلى جانب الشعوب الإفريقية المكافحة ضد الاستعمار والتمييز العنصري“([9])

فبالإضافة إلى الدعم المادي الذي كانت تقدمه الجزائر إلى جبهة البوليزاريو فإنها بدأت في حملتها الدبلوماسية لجلب الاعتراف بحكومة الجمهورية العربية الصحراوية، وعزل المغرب عن العمق الإفريقي، مستخدمة في ذلك نفوذها في إفريقيا والعالم الثالث. وكانت نتيجة هذه الجهود، قبول انضمام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية رسميا خلال القمة العشرين لمنظمة الوحدة الإفريقية، بأديس أبابا يوم 12 نوفمبر 1984. وهو اليوم الذي انسحبت فيه المغرب من المنظمة احتجاجا على ذلك. هكذا استطاعت دبلوماسية الثورة، أن تلعب أدوارا مؤثرة وحاسمة على الساحة الإفريقية، ليأتي بعدها دور الجزائر المستقلة، كفاعل أساسي على الساحة الإفريقية، ووقوفها وراء حركات التحررية ليؤدي ذلك الموقف إلى التوتر بينها وبين جارتها المملكة المغربية، لتتمكن في الأخير من فرض العزلة عليها إفريقيا.([10])

عقد الثمانينيات (عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد 1979-1992). رغم بقاء القضية الصحراوية مركز اهتمام السياسة الخارجية الجزائرية، إلا أن البعد الإفريقي للجزائر قد شهد نوعا من التراجع النسبي في سلم اهتمامات صانع السياسة الخارجية. ويمكن تفسير ذلك بعدة اعتبارات، خاصة بالنسق الدولي عموما والإقليمي المتعلق بإفريقيا وبالجزائر أخيرا. فبفضل الانفراج الذي شهدته العلاقات بين المعسكرين المتصارعين؛ كثير من مواضيع العلاقات الدولية مثل قضايا التحرر، ومكافحة الامبريالية.. تراجعت وفقدت أحيانا مضمونها. والجزائر تكيفت مع هذا الأمر فقد لطفت من حدة خطابها بشان الحوار شمال-جنوب، وعدم الانحياز (التي كانت تمثل جوهر علاقة الجزائر بإفريقيا). فقد قام الرئيس الأسبق بن جديد بأول زيارة رسمية لرئيس جزائري لفرنسا في 1983، والى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1985.[11] التحولات الإقليمية؛ تميزت بتطبيع العلاقات الجزائرية-المغربية، وإرادة الجزائر في بعث مشروع التكامل المغاربي، وسعيها لحل مشكل الصحراء، بشكل ودي مع المملكة، وبالتالي لم يعد الدعم الإفريقي للموقف الجزائري ذا أهمية تذكر. أما بخصوص الجزائر؛ فقد توضح مدى الخلل البنيوي للاقتصاد الريعي الجزائري، وحجم الفشل الذي مني به النموذج الاشتراكي، خاصة بعد الأزمة البترولية، وانهيار أسعار البترول كل هذه التطورات المحلية دفعت الجزائر للانشغال بأزماتها الداخلية أكثر. وكان هذا على حساب سياستها الخارجية.

3- الأزمة الجزائرية وأفول السياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا

فترة التسعينيات عرفت ما يمكن أن نصفه بأفول –تقريبا- الدور الجزائري في إفريقيا. هذه المرحلة شهدت خلالها الجزائر أزمة متعددة الأبعاد، سياسية، اقتصادية، اجتماعية ثم استحالت أمنية، بسبب الحرب الأهلية. تميزت بعزلة شديدة للجزائر على المسرح الدولي، وأضحت الدبلوماسية الجزائرية تعتمد على ما يسميها “سعيد حداد”، الدبلوماسية الدفاعية. أي أن هدفها الرئيسي تحول إلى الدفاع عن النظام الجزائري، وتبييض صورته دوليا. والتي تضررت كثيرا، فقد التصق بالجزائر تهمة إنتاج وتصدير الإرهاب.([12])

هذه الفترة كذلك تميزت بتضخم أهمية البعد المتوسطي للحركة الجيوسياسية للجزائر، والتي تفوقت على البعد الإفريقي. وقد انعكس ذلك في دستور 1996؛ حيث ورد في ديباجته: “إن الجزائر أرض الإسلام، وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي وارض عربية، وبلاد متوسطية وافريقية.”([13]) نلاحظ أن إفريقيا تراجعت لأول مرة منذ الاستقلال، إلى المرتبة الرابعة بعد المتوسط. وذلك بفضل تطور بناء الاتحاد الأوروبي وتوجهه إلى العناية أكثر بتخومه الجنوبية، وتأطير علاقاته بها عبر مشاريع إستراتيجية طموحة؛ الشراكة الأورو-متوسطية، السياسة الأوروبية للجوار، الاتحاد المتوسطي… بمجموعها جعلت الجزائر تولي أهمية أكبر لبعدها المتوسطي، بغية الخروج من عزلتها الدولية، وكسر الحضر المعنوي الذي ضرب عليها طيلة عقد كامل. وبالتالي أصبحت أوروبا وسيط بين الجزائر وعمقها الإفريقي.

قضية الصحراء الغربية، ومنذ تفجرها كانت محل اهتمام من طرف الجزائر. وفي مرحلة تراجع الخارجي الجزائري، ورغم أن الجزائر استطاعت أن تحصل على اعتراف منظمة الوحدة الإفريقية، بالجمهورية الصحراوية، وبالتالي قبول عضويتها وتصنيفها في خانة تصفية الاستعمار، فإن تراجع النشاط الخارجي للجزائر قد أدى إلى تراجع العديد من الدول عن اعترافها بالصحراء الغربية، والتي من بينها بعض الدول الإفريقية، بل وأصبحت تسعى لإنهاء عضويتها في منظمة الوحدة الإفريقية، ومن بين هذه الدول: بوركينافاصو، جمهورية إفريقيا الوسطى، الكامرون، كوت ديفوار، غينيا كوناكري والسنغال..والتي على ما يبدو قائدة هذه المجموعة.([14]) ولا يمكن أن يفسر سعي هذه الدول لإعادة بعث الجدل في هذه المسألة، إلا تحت تأثير الموقف الفرنسي، بسبب العلاقة المتوترة مع الجزائر. لذلك، فهي تدعم المغرب بالسلاح وتضغط على هذه الدول لتدعيم الموقف المغربي، باعتبار أن معظمها من مستعمرات سابقة لها. وبسبب الخدمات التي تقدمها لهذه الدول، كخدمات التدريب، والدعم التقني والعسكري، وكذلك بحكم العلاقات التجارية التي تحتل فيها فرنسا المرتبة الأولى مع هذه البلدان.

ورغم هذه الجهود التي تقوم بها فرنسا، والجهود التي يقوم بها المغرب، في إطار منظمة الساحل والصحراء، والي لم تنظم إليها الجزائر بسبب إنشائها بمبادرة ليبية، وكانت قد نسخت عنها هذه الفكرة، بعد تنظيم الجزائر لندوتين لدول الساحل والصحراء، لإنشاء إطار للتعاون. إضافة إلى تحفظها على السلوك الليبي الذي كان داعما للإرهاب، كما كان داعما لحركات التمرد الطارقية، التي تمثل تهديدا للأمن القومي الجزائري. وهذا ما أراد أن يستغله المغرب، لمراجعة الموقف الإفريقي من القضية الصحراوية. إلا أن الجزائر استطاعت التقرب إلى نظام بريتوريا وإقناعه بالاعتراف بالجمهورية الصحراوية، وعملت سويا مع نيجيريا في إطار مبادرة نيباد والحرص على ثبات موقفها من القضية قد حقق انتصارا آخرا.([15])

قضية الطوارق كذلك، كانت من أبرز محددات الحركة الدبلوماسية الجزائرية في إفريقيا فترة الأزمة. فبعد انفجار الوضع سنة 1990 أدركت الجزائر، أن تطورات في الوضع تنذر بتهديد قوى للأمن القومي الجزائري، فقد صرح الرئيس الراحل “هواري بومدين” “إن المغرب العربي والمنطقة الفاصلة بين القاهرة وداكار تمثل منطقة امن قومي بالنسبة للجزائر وانه لا يمكن أن يحصل أي تغيير في هذه المنطقة دون اتفاق مع الجزائر” ويبدو أن هذه المقولة لا تزال حيوية في وقتنا هذا بل ازدادت تأكيدا.([16]) فالجزائر منذ استقلالها لطالما أكدت أن الدائرة الإفريقية والساحلية الصحراوية بشكل خاص منطقة حيوية في سياستها الخارجية وهذا ما أثبتته كلا من إعلان طرابلس والميثاق الوطني الذي ركز على العالم العربي والمغرب العربي ثم إفريقيا بهذا الترتيب غير انه كما يلاحظ “بهجت قرني” انه يجب التعامل بحذر شديد مع هذا الترتيب فالحقائق العملية تدل على أن صناع القرار الجزائريين أكثر تركيزا على الدائرة الإفريقية والمغاربية وذلك لإدراكهم أن دورهم محدود في المشرق العربي الذي عرف تبلور القومية العربية عبر الفكر الناصري والبعثي

وتربط دول الساحل والصحراء مع الجزائر كذلك روابط تاريخية واقتصادية ودينية وسياسية_أمنية في وقتنا الراهن ففضلا عن العلاقات الحضارية والدينية وذلك بإتباع كثير من شعوب الساحل المسلمة خاصة وسط الصحراء للطرق التيجانية والقادرية التي تحظى باحترام كبير وتجد أصولها في الجزائر عبر الزوايا سيما الزاوية القادرية في “توات” وزاوية عين ماضي و التيجانية وزاوية تلمسان وأخيرا تيماسين التي يتوافد إليها الطلاب من دول الساحل لتلقي تعاليم هذه الطرائق

في العقود الأولى التي تبعت استقلال الجزائر كانت تعتبر منطقة الساحل والصحراء منطقة نفوذ سياسي_اقتصادي ويتبين ذلك من حجم الكبير _نسبيا_ من الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها الجزائر مع دول الساحل والصحراء والبالغ عددها سبع وثلاثين اتفاقية خمسة وعشرون منها في المجال الاقتصادي ورغم عجز الميزان التجاري الجزائري مع هذه البلدان إلا أن الجزائر تستمر في إبرام هذه الاتفاقيات لضمان استمرار الاتصال المباشر مع هذه المنطقة من إفريقيا.([17])

غير انه منذ عقدين تقريبا بات الاهتمام الجزائري بهذه المنطقة يأخذ أبعادا أمنية أكثر فأكثر سيما عقب أحداث سبتمبر 2001 واندلاع الحرب العالمية على الإرهاب الدولي الذي وجد في هذه المنطقة ملاذا لنشاطاته فضلا عن تفاقم النزاع في مالي والنيجر بسبب المطالب الانفصالية للطوارق والذي حتم على الجزائر التحرك الدبلوماسي لإدارة النزاع ودرء أي احتمالات لتعرضها لتداعيات هذا النزاع إدراك الجزائر لأهمية الدائرة الساحلية_الصحراوية لأمنها القومي فرض عليها لعب دور ريادي في المبادرات الأمنية الإفريقية سواء في مجلس السلم والأمن في إفريقيا أو الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الإرهاب.

ولذلك أولت اهتماما شديدا لمنطقة الجنوب. ولأول مرة يجتمع مجلس الحكومة في ولاية أدرار في 12 جانفي 1995. كما تم إنشاء صندوق تنمية الجنوب، وإعداد برنامج للتنمية فيه، وتم تخصيص 35 مليار لتمويل المشاريع السياحية والري…. وبالتوازي مع ذلك، قامت الجزائر بمساعي الوساطة بين حكومتي النيجر ومالي والمتمردين الطوارق، لتسوية النزاع. إلا أن التدخل الفرنسي والليبي القوي، جعل من الوساطة الجزائرية، في موقف ضعف. خصوصا وأن الأزمة الداخلية كانت في أوج اشتعالها. وكذلك، فإن الجزائر لما قدمت وساطتها بين حكومة النيجر والمتمردين، لم تسمح لها فرنسا أن تستحوذ على الملف لوحدها أو تفرض تصورها في الموضوع، وذلك بحكم النفوذ الفرنسي في النيجر. إضافة إلى عدم ترك الجزائر تستحوذ على ملف الوساطة، فإن فرنسا أشركت بوركينافاصو في المسألة، قصد إضعاف الوساطة الجزائرية أكثر، وتمييع جهود التسوية.([18])

أما فيما يخص الوساطة بين المتمردين الطوارق وحكومة مالي، وبحكم العلاقة الممتازة بينهما، فإن الجزائر استطاعت في الجولات الأولى تنظيم المفاوضات على التراب الجزائري (جانيت تمنراست). مع حضور النيجر وليبيا نظرا لأن علاقة الأخير بالقضية قوية. إلا أن فرنسا استطاعت مرة أخرى، أن تميع جهود هذه الوساطة، بمشاركتها في الموضوع، وإقحام موريتانيا كذلك. ولذلك فإن حجم الدور الذي قامت به الجزائر في قضية الطوارق، التي تحمل دلالات تهديد للأمن القومي الجزائري في عمقه الإفريقي، كان ضعيفا، بحكم الوضع الداخلي وما تلاه من تشويه سمعة النظام. إضافة إلى التدخل الخارجي الفرنسي القوي المبني على نفوذها الكبير في المنطقة، وكذلك التدخل المحلي للجار الليبي، لصلته القوية بالقضية ووضعه الداخلي المستقر.([19])

4- السياسة الإفريقية للجزائر في عهد بوتفليقة: الانبعاث من جديد

لقد كان الشغل الشاغل للرئيس بوتفليقة منذ توليه رئاسة الجمهورية في الجزائر، (وهو وزير خارجية سابق في عهد بن بلة وبومدين) يعد بوتفليقة في بدايات عهده، الممثل الوحيد للسياسة الخارجية الجزائرية، فوزراء الخارجية الذين تعاقبوا على هذا المنصب في ذلك الوقت، لم يكن لديهم دور يذكر.  نظمت الجزائر قمة المنظمة الوحدة الإفريقية، في منتصف 1999، وشارك بوتفليقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نفس السنة، كما كان الرئيس كثير الحضور في وسائل الاعلام الدولية..([20]) كل ذلك كان بغية حشد دعم واعتراف دوليين لاسيما من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، بأن الجزائر حليف يمكن الاعتماد عليه في الحرب على الإرهاب وجذب مستثمرين أجانب. فقد أراد إعادة بريق السياسة الخارجية الجزائرية الذي عرفت به في الستينيات والسبعينيات. واستعادت أمجاد الدور الجزائري في عالم الجنوب، وفي إفريقيا تحديدا. فقد استضافت الجزائر القمة السنوية لمنظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي اليوم)، ما جعل منه تلقائيا رئيسا للمنظمة للسنة التالية. وهو أمر ساعد الجزائر على المفاوضة على وقف إطلاق النار خلال الحرب الحدودية بين إثيوبيا واريتريا. وأصبح بوتفليقة على إثرها أحد المحركين البارزين للشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا.([21])

سعي بوتفليقة لإحياء دور الجزائر الريادي في إفريقيا؛ يعزى لعدة أسباب أهمها: أولا: وكما اشرنا رغبة الجزائر في الخروج من القوقعة التي فرضت عليها طيلة عقد التسعينيات. ثانيا: مجابهة التطلعات المصرية، المغربية والليبية في القارة، فقد تجسدت هذه التطلعات -مثلا- في مبادرة ليبيا بإنشائها تجمع دول الساحل والصحراء، الذي تعتبر الجزائر الغائب الأكبر فيه. والذي انضمت إليه المغرب (رغم أنها ليست بلدا ساحليا) أساسا لسعيها لتطويق الجزائر إقليميا. ثالثا: بروز إرهاب من نوع جديد في منطقة الساحل والصحراء، كتهديد للأمن الجزائري، والمصالح الغربية على حد سواء. لذلك فالجزائر تسعى جاهدة لإقناع القوى الكبرى سيما الولايات المتحدة؛ بإمكانية لعبها دور مركزي في مكافحة هذه الظاهرة في الساحل. وقد تجلى سعي الجزائر لبعث دور ريادي في القارة الإفريقية، في استحداثها لأول مرة منذ الاستقلال، لمنصب وزاري للشؤون المغاربية والإفريقية. ودورها كذلك في تسوية العديد من النزاعات في القارة كما أسلفنا.

كانت الجزائر تهدف إلى بعث دورها في إفريقيا من جديد، من خلال محورين؛ الأول: مكافحة الإرهاب. والثاني: الاهتمام بالتحديات والمشاكل التي تعانيها إفريقيا. وكان الاهتمام الأول يدور حول حشد الجهود الإفريقية لمكافحة الظاهرة. أما الثاني، فيتضح من خلال استحداث ولأول مرة منذ الاستقلال منصبا وزاريا للشؤون الإفريقية، لاستغلال هذه القمة لحد أقصى، خصوصا مع الرئيس الجديد. وحتى تكون قرارات المؤتمر ذات مصداقية، لابد أن يكون حضورا مكثفا لرؤساء وملوك إفريقيا. لذلك فإن الرئيس نجح في إقناع 45 رئيس دولة وحكومة من مجموع 53 رئيس دولة إفريقية.([22])

بخصوص مكافحة الإرهاب، فبعد أن استطاعت الجزائر كسب اهتمام الدول الإفريقية لهذه الظاهرة، فقد تمكنت الجزائر من إقناع الدول الإفريقية بالتعاون لمكافحة الارهاب، أين أعدت مشروع اتفاقية مكافحة الإرهاب، وهو المشروع الذي صادق عليه وزراء عدل الدول الإفريقية بالإجماع، وحمل اسم الاتفاقية الإفريقية لمكافحة الإرهاب. المحور الثاني في حركة الجزائر الدبلوماسية في القارة الإفريقية، هو العناية بالجانب التنموي. وقد تجلى ذلك من خلال، دورها المحوري في تأسيس مبادرة النيباد.

5- السياسة الخارجية الجزائرية الراهنة في إفريقيا: هيمنة البعد الأمني

ما يميز السياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا في السنوات الأخيرة، غلبة البعد الأمني عليها. فالجوار المباشر للجزائر سواء المغاربي أو الساحلي الصحراوي، عرف تحولات سياسية واضطرابات أمنية خطيرة، فرضت على الجزائر وضع هذه المنطقة في سلم أولويات أجندت سياستها الخارجية.

6- التحولات السياسية والأزمات الأمنية في الجوار المغاربي: كلفة الربيع العربي

لقد كان الربيع العربي مفاجئا للجزائريين، فقد كان الأخيرون يتوقعون التهديد حصرا من قبل الإسلاميين. لذلك فالسقوط غير المنتظر لبن علي، مبارك ثم القذافي، أذهل صناع القرار في الجزائر، وأدخلهم في حالة من الاضطراب في سلوكهم الخارجي. فقد وجدوا أنفسهم في مواجهة تهديدات جديدة شلت الحكومة في التعامل مع المطالب المجتمعية الداخلية من جهة، وتحديد موقف واضح بخصوص هذه التطورات الإقليمية. ويتضح ذلك بجلاء من خلال الفجوة بين الخطاب والفعل. فغالبا ما عبر النظام الجزائري عن دعمه لخيارات الشعوب، وأنه يؤيد التحول نحو الديمقراطية في أي بلد عربي، غير أن واقع الحال لم يكن كذلك.

تونس:

الثورة التونسية حملت معها جملة من التحديات السياسية والأمنية؛ فقد أفرزت زخما للتيار الإسلامي ممثلا في حزب النهضة، والذي رأى فيه النظام الجزائري تهديدا له فقد وضع في الاعتبار إمكانية عودة هذه الظاهرة (صعود الاسلاموية) في الداخل الجزائري الذي كانت له معها تجربة دموية للغاية في إطار ما عرف بالعشرية السوداء.

التحدي الثاني الذي فرضته التحولات السياسية في تونس هو تحد أمني. فالاضطرابات التي صبغت المرحلة الانتقالية في تونس، وما ترتب عليها من ضعف الأجهزة الأمنية وفي ظل حكم الإسلاميين (الترويكا بزعامة حزب النهضة)، جعلت الحدود الشرقية للجزائر، تشهد انكشافا خطيرا، إذ عرفت الحدود الجزائرية-التونسية انتشار للجماعات الإرهابية (في جبال الشعانبي) وأبرز هذه الحركات المتطرفة/الإرهابية، هي حركة أنصار الشريعة. وهي تنظيم يقوده التونسي سيف الله بن الحسين المعروف بأبو عياض. وهذا التنظيم متهم بارتكاب اغتيالات سياسية، خاصة اغتيال الناشط السياسي اليساري شكري بلعيد. وقد تم حضر نشاط هذا التنظيم وتصنيفه كجماعة إرهابية، أين لجأت قياداته إلى ليبيا([23]). قام تنظيم أنصار الشريعة، بعدة مواجهات مع عناصر الأمن التونسية راح ضحيتها العشرات من أفراد الجيش، والقيام بتفجيرات في المناطق الحدودية مع الجزائر، منها تدمير آليات عسكرية.. فضلا عن ذلك، فقد كان للقاعدة في المغرب الإسلامي حضورا في الساحة التونسية، فقد قامت بهجوم على منزل وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو.([24])

فضلا عن انتشار الارهاب في تونس، فقد انتعش التهريب على الحدود التونسية-الجزائرية، ظاهرة التهريب من الجزائر إلى دول الجوار عبر الحدود؛ ليست ظاهرة جديدة. غير أنها تفاقمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، مع التداعيات السلبية للربيع العربي، وانكشاف الحدود البرية للكثير من الدول المجاورة للجزائر ومنها تونس. فالحدود الجزائرية-التونسية، وبسبب تهالك الجهاز الأمني التونسي، باتت تعرف حركة كثيفة جدا للتهريب، وبكل أشكاله خاصة الوقود ومختلف المواد الغذائية. ولعل السبب الأساسي في ذلك إلى جانب جملة من الأسباب التي ذكرناها؛ ترجع أساسا إلى ضعف التنمية المحلية في المناطق الحدودية سواء بالنسبة للجزائر أو تونس، أين لا يجد الشباب أي سبيل آخر للشغل، وتحصيل رزقه سوى التورط في التهريب عبر الحدود، فمثلا مدينة تبسة الجزائرية، المتاخمة للحدود التونسية، تعرف نسب بطالة عالية في أوساط الشباب، ما يدفعهم للتفكير في الربح السريع عبر التهريب.

ليبيا:

الجزائر رسميا ظلت محايدة بشأن ما كان يحدث في ليبيا من ثورة ضد نظام القذافي، وإن اتهمها البعض بمساندة النظام السابق، على اعتبار أن الجزائر كانت تخشى من وصول الربيع العربي إليها. بعد القضاء على القذافي، واستتباب الأمور إلى حكام جدد، سارعت الجزائر للاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي. ثم في اعقاب النزاع الذي حدث بين مختلف المكونات السياسية في ليبيا، عملت الجزائر جاهدة على البحث عن حلول سياسية عبر حوار شامل بين الفرقاء السياسيين، يكون متراسا أمام أية محاولة لصعود الجهاديين الإسلاميين (العدو اللدود للنظام الجزائري)، وفي وجه كل التدخلات الأجنبية. والمساعدة في إعادة بناء قدرات ليبيا لمراقبة حدودها.

تعد الجزائر من أكثر المتأثرين مباشرة بالأزمة الليبية، خصوصا على الصعيد الأمني، بحكم التماس الجغرافي، فالحدود بين البلدين طويلة جدا وغير متحكم فيها بالشكل المطلوب. هذا ما دفع الجزائر للانخراط بقوة في الملف الليبي، وعرض الوساطة للمساهمة في تسوية سلمية ودرء أي تدخل أجنبي. فعقب القضاء على نظام القذافي والتدخل العسكري الغربي، الذي تم على أبواب الجزائر؛ خلق انعكاسات أمنية وسياسية خطيرة على الجزائر. فعلى الصعيد الأمني، كان للحدود الصحراوية (حوالي 900 كلم)، وصعبة السيطرة، خاصة بعد انهيار الجهاز الأمني الليبي -كما ذكرنا-، أثر كبير في تنامي المخاطر على الجزائر.

فمع انفجار “الثورة” في ليبيا وسقوط نظام القذافي، تفاقمت عمليات التهريب بشتى أنواعها عبر هذه الحدود، من طرف طوارق ليبيا خاصة نحو الجزائر ومالي. فضلا عن ذلك، فقد شهدت المنطقة خاصة إليزي وطاسيلي، تسلل الكثير من العناصر الإرهابية والإجرامية، التي شكلت انشغالا بالغا للجزائريين. ورغم التصريحات المتبادلة من طرف سلطات البلدين على الإتفاق حول تأمين الحدود، غير أن غياب الثقة بدا واضحا بين الجانبين. سيما الطرف الليبي، والسبب في ذلك يعود لغياب قوة واحدة مسيطرة على الوضع في ليبيا، فالأمر رهين صراع ميليشيات.([25])

لكل هذه الأسباب وغيرها، فإن الجزائر قد انخرطت في وساطة بين الفرقاء الليبيين، كما سلف وأشرنا، لحل الأزمة التي استفحلت. بديهي أن الجزائر لا تزال تحتفظ بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لكن ذلك لا يعني إطلاقا وقوفها مكتوفة الأيدي، إزاء “النيران” المشتعلة على أبوابها وإلا احترقت بها. ففي تصريح له، أعلن وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة: “الجزائر تفضل دائما المقاربة التي تعزز الإيخاء، فنحن لا نؤمن بالحلول العسكرية حصريا، القائمة على علاقات القوة والتي تشكل بذور أزمات في المستقبل”.

يبدو أن الليبيين بمختلف تلوناتهم السياسية، مقتنعون بجدوى الدور والوساطة الجزائرية، وذلك لعدة اعتبارات؛ أولا، احترافية الدبلوماسية الجزائرية في مجال الوساطات، في حل النزاعات في المنطقة. فقد كانت الجزائر في وساطة في قلب خلافات سياسية بين كتلتين في تونس، ونجاحها في رعاية المفاوضات السياسية بين باماكو والقوى الأزوادية بشمال مالي. ثانيا، ضعف التأثير الدبلوماسي المصري في المنطقة، بسبب المشاكل المصرية الداخلية، خاصة رفض بعض التشكيلات السياسية الإسلامية في ليبيا، والموالية لجماعة الإخوان المسلمين (ذات البعد الدولي)، لأية وساطة بقيادة الرئيس المصري السيسي. ثالثا، أسبابا أمنية، تتعلق بتخوف الليبيين من تحول ليبيا، إلى ملاذ لتنظيم “داعش” خاصة وأن مؤشرات كثيرة أثبتت ذلك.([26])

الجزائر وكعادتها، تكتمت على فحوى هذه الوساطة وأبعادها، غير أنها قدمت مؤشرا واحدا ووحيدا، وهو أنها لن تقصي أحدا من الحوار إلا من أقصى نفسه (على حد تعبير دبلوماسييها)، وهي تعني هنا الجماعات التي تلجأ للإرهاب والعنف. فسعت الجزائر لإطلاق مبادرة لحل الأزمة الليبية، عبر حوار شامل بين جميع الأطراف، يفضي إلى تسوية سلمية، تضع حدا للإقتتال، وترسي أسس العملية السياسية في البلاد. لكن هناك من يرى أن الجزائر أخطأت لما انخرطت بمفردها في الأزمة الليبية، فيرى مثلا الأستاذ والدبلوماسي عبد العزيز جراد، أن تكفل الجزائر وحدها بالملف الليبي، قد يفتح عليها صراعات مع دول لها مصالح في ليبيا، ويقترح أن تنضوي مبادرتها لحل الأزمة سياسيا، ضمن إطار إقليمي عربي أو إفريقي..([27])

تواجه الوساطة الجزائرية تحديات جمة، خاصة ما تعلق بتعقيدات الوضع الأمني والسياسي الليبي، وصعوبة جمع الفرقاء المتناحرين على طاولة واحدة للحوار، خاصة أن بعض التشكيلات غير متحمسة للدور الجزائري خاصة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والفريق الموالي له. فضلا عن ذلك، الموقف السلبي لبعض دول الجوار كمصر(·) وما يشاع من دعمها للجنرال خليفة حفتر، وبعض دول الخليج. بالإضافة إلى فرنسا، الساعية دوما لإضعاف وإجهاض اوساطة الجزائرية، والتي تلمح دائما إلى إمكانية توجيه ضربة عسكرية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.([28])

7- أزمات الساحل: غموض السياسة الخارجية الجزائرية والبحث عن التموضع

يرى الكثير من المتتبعين، أن الجزائر تسعى للهيمنة على الفضاء الساحلي. تعتمد الجزائر في علاقاتها بدول الساحل على مقاربتين؛ واحدة ثنائية الأطراف، وأخرى متعددة الأطراف. المقاربة الأولى، تعتمد فيها على تطوير علاقاتها بدول المنطقة سياسيا ودبلوماسيا وأمنيا. أما المقاربة متعددة الأطراف، فتعمل من خلالها الجزائر على تشكيل أطر استراتيجية وتنخرط في مبادرات أمنية إقليمية سواء افريقية المنشأ أو المقترحة من طرف القوى الكبرى الغربية.

على الصعيد الاقتصادي، كان هناك حضور لمجمع سوناطراك في شمال مالي بشكل خاص، ورغم أن مالي ليست بلدا نفطيا، إلا أن حوض تاودني يعتبر واعدا. إذ التزمت سوناطراك بالتنقيب عن المواد النفطية، حيث بدأت منذ 2007 بعمليات الحفر والتنقيب في حوض تاوندي الغني بالنفط، والذي يمتد على مساحة اجمالية تقدر بــ 51 مليون كيلومتر مربع.([29]) على المستوى المالي، وسعيا منها لتحسين علاقاتها بجيرانها “الجدد”، قامت الجزائر (قبل الانقلاب على أمادو تومانو توري) بتقديم منحة تقدر بــ 10 مليون دولار لمالي، بغرض المساهمة في تنمية شمالها في 2011. وعقب انهيار نظام بن علي، قدمت الجزائر مساعدات مالية تقدر بــ 100 مليون دولار لتونس على الصيغة التالية، 40 مليون دولار بمعدل فائدة يقدر بـ 1%، و50 مليون دولار بدون فائدة، ومنحة بـ10 مليون دولار. فضلا على ذلك، قامت الجزائر بمسح ديون عدة دول إفريقية(14 دولة)، معظمها من دول الساحل الإفريقي والتي بلغت 902 مليون دولار. أما على الصعيد العسكري، عملت الجزائر في نهاية 2011، بتنفيذ تمارين تكوينية لقوات خاصة مالية ونيجرية، كما أرسلت الجزائر قوات خاصة لتدريب قطاعات من الجيش المالي، غير أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا CEDEAO عرقلت العملية.([30])

أما على المستوى متعدد الأطراف، فبغية المساهمة في أمن المنطقة الساحلية-الصحراوية، تنخرط الجزائر في كل الترتيبات الأمنية المصاغة في هذا الفضاء الجيوسياسي، بل وتقود بعض هذه الترتيبات، خاصة إستراتيجية دول الميدان. هذه الأخيرة، والتي كانت برعاية جزائرية، تضم كلا من مالي النيجر وموريتانيا. وضعت هذه الإستراتيجية كهدف لها التنسيق فيما بين هذه الدول الأربعة لمواجهة التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة خاصة الإرهاب عبر الوطني، مع ربطها بالتنمية كشرط مسبق للأمن في هذا الفضاء. علاوة على انخراط الجزائر في مختلف الأطر الإستراتيجية الموجودة في الساحل والتي تصوغها القوى الكبرى خاصة مبادرة عبر الساحل لمكافحة الإرهاب-TSCTI التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2005، تضم العديد من دول الساحل، من بينها الجزائر. الهدف الأساسي من هذه المبادرة، هو ملاحقة التنظيمات الإرهابية في الساحل الإفريقي، وقد سخرت الولايات المتحدة إمكانيات هامة لهذه الغاية.

تواجه كل هذه الترتيبات الأمنية والأطر الإستراتيجية، صعوبات ميدانية عديدة حدت من فعاليتها. لعل في صدارة هذه الصعوبات، غياب الثقة بين بلدان المنطقة، فضلا عن الضعف الشديد الذي تعاني منه كل دول الساحل باستثناء الجزائر، سيما على الصعيد العسكري، وفشل أجهزتها الأمنية ما يجعل الجزائر مجبرة على بذل مجهودات مضاعفة من أجل تأمين نفسها.

8- الأزمة في شمال مالي: وساطة جزائرية ناجحة في خضم التحديات

يعكس موقف الجزائر من تطورات الأزمة في شمال مالي، مدى تمسك الجزائر بمبادئ سياستها الخارجية. فقد نادت دائما بالحلول السلمية للأزمة، إذ رفضت التدخل الفرنسي وحاولت مقاومته إلى الرمق الأخير. كما رفضت المشاركة في ملاحقة الجماعات الإرهابية المنتشرة في شمال مالي، متذرعة بمبدأ عدم مشاركة الجيش الجزائري في أية عمليات عسكرية خارج التراب الوطني. غير أن هذا الموقف الأخير، نتج عنه ردود أفعال داخلية ودولية، طالبت الجزائر بضرورة مراجعة هذا المبدأ والتخلي عنه، وذلك نظير التطورات التي شهدتها الساحة الإقليمية المغاربية والساحلية، وانتشار الإرهاب والتهريب على حدودهاـ والذي لم تعد تكفي معه الحلول الوطنية المنفردة بقدر ما يتطلب تعددية الأطراف والتعاون الإقليمي.

الأزمة في شمال مالي شديدة التعقيد، فقد بدأت الأزمة بتمرد الطوارق في الشمال على الحكم المركزي، ثم تطورت إلى أبعاد أمنية أخرى بعد تحول هذه المنطقة إلى ملاذ للعديد من الجماعات الإرهابية التي صارت تهديدا إقليميا ودوليا، ولتتعقد أكثر فيما بعد بفل التدخل الأجنبي بقيادة فرنسا التي أخلطت الأمور أكثر.

في بداية الأمر، وبخصوص ما حدث في 2012 من تمرد جديد للطوارق، عبر المسؤولون الجزائريون أنهم يتبنون موقف “الحياد الإيجابي”، ترجع الباحثة لورنس عايدة عمور هذا الموقف، إلى اعتبارات داخلية؛ بحكم أن الجزائر في تلك الفترة كانت تشهد انتخابات تشريعية لسنة 2012 وبصدد التحضير لانتخابات رئاسية في 2014.[31] لذلك فهي لم تولي أهمية بالغة لما حدث في شمال مالي، غير أنها سرعان ما غيرت موقفها جذريا (بعد تعقد الأمور)، أين عرضت وساطة بين الفرقاء السياسيين.

انطلق المسار التفاوضي بين الحكومة المالية ومنسقية الحركات الأزوادية، في جويلية 2014، في الجزائر وبمشاركة دولية مشكلة من، المنظمة الإقتصادية لدول غرب إفريقيا، الإتحاد الإفريقي، الأمم المتحدة، الإتحاد الأوروبي، منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى بوركينافاصو، موريتانيا، النيجر وتشاد، كأعضاء في فريق الوساطة. تهدف خريطة الطريق التي تمت المصادقة عليها من جميع الأطراف، في 24 جويلية 2014 بالجزائر، إلى التوصل إلى اتفاق سلام شامل ومستديم، يفضي إلى حل نهائي للأزمة بين باماكو والطرف الأزوادي.([32]) على طاولة المفاوضات ثلاث نقاط تتعلق بالاعتراف المتبادل بين الحركات الأزوادية والحكومة المالية، بشأن الوحدة الترابية. –مشاركة الطوارق في الحكومة والمؤسسات الرسمية المالية. –مكافحة الإرهاب والتنمية في مناطق شمال مالي.([33])

واجهت الوساطة الجزائرية في الأزمة في شمال مالي، صعوبات وعراقيل عديدة. بعضها شكلية وأخرى في العمق. فقد تم اعتماد وثيقتين مختلفتين في المضمون، فالوثيقة الأولى، جمعت بين الحكومة المالية والحركات الثلاث الموقعة على إعلان الجزائر، في 09 جوان،  وهي (MNLA MAA HCUA). والثانية، أضافت الحركات الثلاث المجتمعة في “أرضية الجزائر العاصمة الأولية”، الموقعة في 14 جوان وهي: التحالف الشعبي من أجل أزواد، تنسيقية الحركات والقوى الوطنية والمقاومة وفرع آخر من MAA هذا ما شتت الجهود التفاوضية بين اتجاهين مختلفين. أما من حيث العمق، فقد كانت هناك خلافات جوهرية بين الأطراف المتخاصمة، إذ أن المتمردين رفهوا السقف المطالب عاليا إذ طالبوا بالفيديرالية، وهذا المطلب قوبل بالرفض الشديد ليس من طرف الحكومة المركزية في مالي فحسب، ولكن أيضا من طرف جوار مالي خاصة الجزائر، وحتى الأطراف الدولية الأخرى المشاركة في الحوار، الأمم المتحدة، الإتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.

لكن برغم كل الصعاب يمكن القول أن الجزائر قد نجحت في مساعيها هذه، إذ توجت وساطتها بتوقيع اتفاق في 2015. فما قامت به الدبلوماسية الجزائرية، يعد نجاحا سياسيا للجزائر، وإيذانا بعودتها إلى الساحة الإفريقية من بابها الواسع.

خاتمة   :                                                                                  

مما سبق يمكن القول أن إفريقيا كانت على مر تاريخ الجزائر المستقلة وإلى يومنا هذا، هي موضع قدم السياسة الخارجية الجزائرية وعمقها الطبيعي وفضائها الجيوسياسي الأنسب لتمارس عليه الجزائر حركتها الدبلوماسية ونشاطها الخارجي. سيما وأن دول القارة السمراء أثبتوا دائما دعمهم لخيارات ومواقف الجزائر الخارجية.

قضية الصحراء الغربية، يبدو أن مواقف الدول الإفريقية بشأنها كانت متذبذبة بين الاعتراف وسحبه، وهذا موقف مصلحي يخضع خاصة إلى الضغوط الفرنسية بالدرجة الأولى. لذلك على الجزائر توطيد علاقاتها أكثر فأكثر بدول القارة اقتصاديا واستراتيجيا وأمنيا لأنه يبدو أن الاعتبارات الأيديولوجية التي كانت تراهن عليها الجزائر سنوات الستينيات والسبعينيات لم يعد لها أثر يذكر في السياسة الدولية الراهنة التي تطبعها المصالح القومية.

الاهتمام الجديد للسياسة الخارجية الجزائرية في إفريقيا بات يركز على البعد الأمني سيما مع انتشار ظاهرة الإرهاب ومختلف التهديدات الأمنية العابرة للحدود والأوطان (جريمة منظمة، تجارة المخدرات..) علاوة على ذلك تزايد الهجرة غير النظامية سيما من الساحل والصحراء الكبرى، وهذا يتطلب دبلوماسية من نوع جديد “الدبلوماسية الأمنية” ويبدو أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد نجح إلى حد ما في هذا الأمر.  لكن إذا أرادت الجزائر فعلا تعزيز أمنها القومي في هذا الفضاء الإفريقي؛ عليها العمل جديا في إطار إقليمي مغاربي، أي الاندماج الحقيقي في اتحاد المغرب العربي والتنسيق مع باقي أعضائه لبناء صرح مغاربي متكامل قادر على مجابهة الأخطار الأمنية المحدقة من جناحه الجنوبي أي من الساحل الإفريقي من جهة، وبإمكانه من جهة أخرى التصدي لمشاريع القوى الكبرى وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة والحلف الأطلسي فضلا عن الصين، والوقوف بندية معها عند التفاوض معها، بما يضمن لها فرصا أكبر للاستفادة من المكاسب وتجنب الضغوط التي تفرضها.

قائمة المراجع

باللغة العربية

– دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. 1976.

-دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. 1996.

-الميثاق الوطني لجبهة التحرير الوطني. الجزائر، مصلحة الطباعة للمعهد التربوي الوطني، 1976.

-بن عنتر عبد النور. البعد المتوسطي للأمن الجزائري. الجزائر أوروبا والأطلسي. المطبعة العصرية، الجزائر، 2005.

-بن شيخنا سيدي عمر. “المفاوضات المالية-الأزوادية في الجزائر: قراءة في وثائق المفاوضات وسيناريوهات المستقبل”. مركز الجزيرة للدراسات، 29 ديسمبر 2014.

-تلمساني رشيد. “الجزائر في عهد بوتفليقة: الفتنة الأهلية والمصالحة الوطنية”. كارنيجي الشرق الأوسط. العدد: 07 10 2008. أفريل متوفر على الرابط:www :llCarnegieEndowment.org.

-قرني بهجت. السياسة الخارجية الجزائرية من الثورية إلى الانكفاء على الذات.في بهجت قرني وعلي الدين هلال. السياسات الخارجية للدول العربية. ترجمة:جابر سعيد عوض،مركز البحوث والدراسات السياسية، القاهرة، 2002.

-عشوي علي. سياسة الجزائر في منطقة الساحل الإفريقي. (رسالة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر، قسم العلوم السياسية والاعلام، 1997).

باللغة الأجنبية:

-Ammour Laurence Aida. “L’Algérie et les crises régionales: entre velléité hégémoniques et repli sur soi.» disponible sur le lien: www.jfcconseilmed.fr/…/13-04—Ammour–L-Algérie-et-les-crisesregio

-Bourrat Flavien. « L’impact de la crise libyenne sur les autres pays du Maghreb ». Dans, Reflexions sur la crise libyenne. Sous la direction de; Pierre razoux. IRSEM, N° 27, 2013.

-chenna Salim. “Le sahara et le sahel dans la politique algerienne ; territoires menacés, espaces menacants”. Recherches internationales, N° 97, octobre-decembre 2013.

-chikh Slimane. “La politique Africaine de l’Algérie”. Annuaire de l’Afrique du nord, Vol.17 ,éditions du CNRS, 1979 .

-chikhaoui Arslan. « Les paradigmes de la politique étrangére de l’algerie ». Friedrich ebert stiftung, 2015.

-Haddad Saïd. “Entre volontarisme et alignement : quelques réflexions autour de la politique africaine de l’Algérie”. Dynamique internationales , No 7, octobre,2012.

-Mernache Amina. « La diplomatie algérienne, la nostalgie d’une gloire perdue.» Dynamiques internationales, N° 7, octobre 2012

-ramtan Lamamra. « Souligne les principes de la diplomatie algerienne ».  Entretien à Afrique Asie.

www.horizons-dz.com/spip.php?article35518

-Internationale crisis groupe. « La tunisie des frontiéres: terrorisme et polarisation regionale». Rapport Moyen-Orient/Afrique du Nord N°41, 21 octobre 2014.

([1]) الميثاق الوطني لجبهة التحرير الوطني. الجزائر، مصلحة الطباعة للمعهد التربوي الوطني، 1976.

([2] ) دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. 1976.

)[3]( Arslan chikhaoui. « Les paradigmes de la politique étrangére de l’algerie ». Friedrich ebert stiftung, 2015. P 64.

)[4](  Lamamra ramtan. « Souligne les principes de la diplomatie algerienne ».  Entretien à Afrique Asie.

www.horizons-dz.com/spip.php?article35518

)[5] (Slimane chikh. “La politique Africaine de l’Algérie”. Annuaire de l’Afrique du nord, Vol.17 ,éditions du CNRS, 1979 . pp 3-5.

([6] ) بهجت قرني. السياسة الخارجية الجزائرية من الثورية إلى الانكفاء على الذات.في بهجت قرني وعلي الدين هلال. السياسات الخارجية للدول العربية. ترجمة:جابر سعيد عوض،مركز البحوث والدراسات السياسية، القاهرة، 2002. ص 215.

)[7]( Saïd Haddad. “Entre volontarisme et alignement : quelques réflexions autour de la politique africaine de l’Algérie”. Dynamique internationales , No 7, octobre,2012. Pp 2-4.

([8] ) عبد النور بن عنتر. البعد المتوسطي للأمن الجزائري. الجزائر أوروبا والأطلسي. المطبعة العصرية، الجزائر، 2005. ص 82.

([9] ) الميثاق الوطني لجبهة التحرير الوطني. الجزائر، مصلحة الطباعة للمعهد التربوي الوطني، 1976.

([10])  عبد النور بن عنتر. مرجع سابق.  ص 86.

)[11]( Saïd Haddad. Op cit. p 06.

)[12]( Said haddad. Ibid.

([13] ) دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية 1996.

([14] ) مبادئ وتطور السياسة الخارجية الجزائرية. الأهرام اليومي. 24/08/2011.

([15] ) المرجع نفسه.

([16] ) عبد النور بن عنتر. مرجع سابق.

([17] ) بهجت قرني. مرجع سابق.

([18] ) علي عشوي. سياسة الجزائر في منطقة الساحل الإفريقي. (رسالة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة الجزائر، 1997) ص ص 72-74.

)[19]( Amina Mernache. « La diplomatie algérienne, la nostalgie d’une gloire perdue.» Dynamiques internationales, N° 7, octobre 2012. P 14.

)[20]( Ibidem.

([21] ) رشيد تلمساني. “الجزائر في عهد بوتفليقة: الفتنة الأهلية والمصالحة الوطنية”. كارنيجي الشرق الأوسط. العدد: 07 10 2008. أفريل متوفر على الرابط:www :CarnegieEndowment.org

([22] ) علي عشوي. مرجع سابق.

) الشرق الأوسط. 23/03/2015.[23](

)[24]( Internationale crisis groupe. « La tunisie des frontiéres: terrorisme et polarisation regionale». Rapport Moyen-Orient/Afrique du Nord N°41, 21 octobre 2014. P 3.

)[25]( Flavien Bourrat. « L’impact de la crise libyenne sur les autres pays du Maghreb ». Dans, Reflexions sur la crise libyenne. Sous la direction de; Pierre razoux. IRSEM, N° 27, 2013.PP 39-41.

)[26]( Le jeune independant. 25/08/2014.

) الشروق 10/10/2014.[27](

(*) إستنكرت الجزائر بشدة الغارات التي قامت بها مصر في مدينة درنة الليبية، ردا على قيام تنظيم داعش بإعدام لـ 21 عاملا مصريا بليبيا، فالجزائر ترفض مطلقا التدخلات العسكرية في حل الأزمات. خاصة بعد طلب الرئيس المصري السيسي، استصدار قرار من الأمم المتحدة يسمح بالتدخل العسكري في ليبيا.

 )الخبر. 18/09/2014.[28](

([29] ) الفجر. 02/03/2016.

)[30]( Salim chenna. “Le sahara et le sahel dans la politique algerienne ; territoires menacés, espaces menacants”. Recherches internationales, N° 97, octobre-decembre 2013. pp 141-142.

)[31]( Laurence Aida Ammour. “L’Algérie et les crises régionales: entre velléité hégémoniques et repli sur soi.» disponible sur le lien: www.jfcconseilmed.fr/…/13-04—Ammour–L-Algérie-et-les-crisesregio

([32] ) سيدي عمر بن شيخنا. “المفاوضات المالية-الأزوادية في الجزائر: قراءة في وثائق المفاوضات وسيناريوهات المستقبل”. مركز الجزيرة للدراسات، 29 ديسمبر 2014.

) من موقع قاة العربية الالكتروني. الجزائر: جولة ثانية من مفاوضات السلام في شمال مالي.[33](

3/5 - (1 صوت واحد)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى