التعبئة السياسيّة: السياق، المفهوم، والتأثير
Political mobilization: Context, concept, and influence
العدد الأول يناير لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون
احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي
اعداد : محمود عبد العال – باحث ماجستير بمعهد الدوحة للدراسات العليا (قطر)
ملخص:
تتناول الدراسة مفهوم التعبئة السياسيّة بأبعاده المختلفة سواءً جذور نشأة المفهوم أو تطور النظريات المصاحبة له واستخداماته وتطور هذه الاستخدامات وتأثيرات العولمة على ذلك. تتطرق الورقة إلى جذور المفهوم وارتباطه بالأنظمة الفاشية والنازية من أجل استثارة وحشد الجماهير مُستغِلة في ذلك الحس الوطني والهوياتي، وتربط الورقة بين هذا المفهوم وصعود التيارات الشعبويّة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا.
Abstract:
The Paper studying the concept of political mobilization with its different dimensions, whether the roots of the emergence of the concept or the evolution of the related theories and the effects of globalization on it. The paper statements the roots of the concept and its association with Nazi and fascist regimes in order to mobilize the masses, exploiting Identity and nationalism aspects. The paper links between mobilization concept and the rise of populist movements.
مقدمة:
ظهر مفهوم التعبئة Mass movement بشكله الحاليّ في إطار سياق بزوغ الحركات الاجتماعية، حيث مثلَّت التعبئة صميم نشاط هذه الحركات سواءً بما تحمل من تعبئة بشريّة أو ماديّة. وارتبط المفهوم بعمليّات الانتقال الديمقراطي ولا سيما تلك التي تتعلق بنمط الانتقال الثوري، الذي تلعب فيه حركة الجماهير دورًا حاسمًا لإنجاحه مثل إطاحة ثورتي مصر وتونس بنظامي مبارك وبن عليّ، أو حتى تحريك عمليّة الانتقال في ذاتها كحال المملكة المغربيّة بعد 2011.
فيرى أنصار هذا الاتجاه أن الطغاة لا يتنازلون عن الحكم ولا يقودون بلادهم نحو الديمقراطية دون حدوث نوعًا من الضغط والتعبئة ضدهم بطريقة أو بأخرى(1). تنجح عمليّة التعبئة في ذاتها حال توافر الظروف السياسية والاقتصاديّة والاجتماعيّة المواتية كتدهور في أحوال الناس وظروف معيشتهم مثلًا، وهو ما يضمن استجابة أعلى من الجماهير للاستجابة التعبويّة.
من ناحية أخرى، تعود فاعليّة المفهوم قبل تطويره لما عليه الآن إلى منتصف القرن الماضي، حيث ارتبط باستثارة حماسة الشعوب لتحقيق ما سُمي بـ “الأهداف الوطنيّة والقوميّة” عن طريق تنظيم الجماهير وتعبئتها([1]). ويُعد ذلك جليًّا في حالات كمصر الناصريّة أو ألمانيا النازيّة. ويطرح ذلك على الباحثين في حقل التحول الديمقراطي تساؤلًا حول مدى إسهام المفهوم بمداخل الانتقال الديمقراطي، وهو ما يرتبط بتساؤلٍ حول ما إذا كانت كل تعبئة تقود إلى ديمقراطيّة، أم أن هناك نوع من التعبئة قد يقود إلى حكم غير ديمقراطي. فيرى العديد من الباحثين في هذا الصدد مثل (Jeff Haynes) أن التغيير من خلال التعبئة الشاملة لا يقود بالضرورة إلى ديمقراطية ليبرالية بل أحيانا إلى نوع جديد من السلطوية(2). وهذا ما حدث في مصر إلى حد كبير بعد 30 يونيو/حزيران 2013، وثورات أمريكا اللاتينيّة التي أخذت المنحى الشيوعيّ. وذلك يُلزِمنا إلى حد بعيد بضرورة تفكيك بنية هذه المفاهيم في إطار نظرية التحول الديمقراطي.
على صعيد آخر،ألفت الباحث (Scott Mainwaring) أهميّة التعبئة الجماهيريّة كأحد أنماط التغيير السياسي، حيث قدَّم نقدًا يتعلق بتركيز الباحثين في حقل التحول الديمقراطي على الأطر التقليديّة للانتقال التي تركزت حول النخبة السياسيّة، المؤسسات التقليدية والأحزاب(3). والمتتبع للحراك السياسي في العالم العربي يتجلى له أهميّة هذا الطرح، حيث جاء التغيير خارج الأُطر التقليديّة التي كان يُعوَل عليها في إحداث الانتقال السياسي.
والملاحظ لتطورات المفهوم وديناميكيَّات عمله يلحظ أنه من المفاهيم غير القائمة بذاتها ولكنه ظهر في إطار مفاهيم ونظريّات أخرى أعم وأشمل. وبهذا يصعب الاعتماد عليه منفردًا في تفسير هذا الضرب من أنماط الانتقال السياسي. وبناء على ما سبق ستتعرض الورقة لتفكيك المفهوم في إطار سياقات ظهوره، تطوره، تحولاته، وما يرتبط به من مفاهيم مُفسِرة وداعِمة في إطار نظرية التحول الديمقراطيّ ومحاورها المختلفة. بالتالي سيكون السؤال الرئيس للدراسة حول مفهوم التعبئة السياسيّة وتطوراته وتأثيراته في سياق الربيع العربي؟
أهداف الدراسة:
تهدف الورقة إلى محاولة تفكيك مفهوم التعبئة السياسيّة في سياق تطورات الربيع العربي ومآلاته، وكذلك محاولات التفريق بين المفهوم في سياقات الثورات الاجتماعيّة والمفهوم في سياقات الأنظمة الشيوعيّة الشعبويّة لا سيما مع صعوها في الولايات المتحدة الأمريكيّة وأوربا.
أولًا: مفهوم التعبئة السياسيّة
تُعد التعبئة نوعًا من السلوك الجماعي (Collective action)، الذي يرتبط بدرجة أو بأخرى على مدى الانفتاح السياسي الذي تسمح به الأنظمة. فكلما كان النظام السياسي مُنفتِحًا كلما سهَّل ذلك من عمليّة التعبئة. ويعتبر البعض استراتيجيّة التعبئة نوعًا من قنوات الديمقراطيّة المباشرة(1)، فتسمح للناس بالتعبير عن أنفسهم بصورة مباشرة دون وسطاء.
وارتبطت نشأة المفهوم بعددٍ من المفكرين مثل، جون ستيورت مل وماركس، وتطور على يد المفكر السياسي تشارلز تللي، الذي انتقل به من كينونته كمفهوم إلى ميكانيزمات نجاحه في سياقالحركات السياسيّة (الحركات الطلابيّة والعماليّة على سبيل المثال) باستخدام التعبئة لتحقيق مكاسب معينة. ويرفض نموذج التعبئة النظريّات التقليديَّة ويركز بصورة أكثر على حركة الجماهير (Movement’s Mass) كفاعل رئيس لضمان تحقيق الأهداف(1). يُضاف إلى ذلك أن النموذج يعتمد على تجديد نفسه وفقًا لحركة الجماهير، فمثلًا أضافت أحداث الربيع العربي 2011 بُعدًا جديدًا لعمليّة التعبئة تتعلق باستخدام وسائل الإعلام الجديد كأدوات فاعلة لعمليّة الحشد والتعبئة فيما سُمي بـ “التعبئة الإلكترونيّة”.
________
- Hanspeter Kriesi, Social Movements, In: Daniele Caramani (Editor), Comparative Politics, 3rd edition (USA: Oxford University Press, 2011), Pp.271-272.
عند اسقاط النظام السابق، بل قد يمتد ليكون دورًا ضاغطًا ومراقبًا لأداء نُخب المرحلة الانتقالية لضمان سلامة عمليَّة الانتقال نفسها(2)، وهذا ما حدث إلى حد بعيد في حالات مصر وتونس بعد 2011. وإذ تُعَد التعبئة فاعلة في عمليّة الانتقال الديمقراطيّ لا سيما خلال المراحل الانتقاليّة، إلّا أن المبالغة في استخدامها قد يفقدها قيمتها وبالتالي تتحول إلى عبء. وفي هذا السياق، تُعَد الحالة المصريّة بعد أحداث 25 يناير/كانون الثاني 2011 نموذجًا لذلك، حيث فقدت التعبئة قيمتها كاستراتيجيّة للضغط السياسي وبالتالي تحولت إلى أداة باهتة، بعكس الحالة التونسية التي لجأت إلى التعبئة كأداة ضغط في مراحل بعينها.
قوة المفهوم التفسيريّة
على الرغم من فاعليّة مفهوم التعبئة السياسيّة كنمط من استراتيجيّات التغيير الديمقراطيّ، إلا أنه من أكثر المفاهيم ضعفًا، بمعنى أنه لا يستطيع الاعتماد على ذاته كقوة تفسيريّة للظواهر، لكنه يتصل بالعديد من
_____________
(1) Ibid، P. 279.
(2) ماضي، مرجع سابق، ص 75-76.
المفاهيم والظواهر المُفسِرة لسياقاته وظروفه. وهذا الضعف ليس عيبًا في المفهوم بقدر ما أنه يعكس جانب المرونة والانفتاح على النظريّات والمفاهيم الأخرى بما يضمن له تجديد نفسه ومجاراة التجديد الذي يفرضه الواقع السياسي نفسه. ويرتبط المفهوم بنظريات ومفاهيم أخرى مثل؛الحركات الاجتماعيّة، المشاركة السياسيّة، وسياسات الشارع (المظاهرات)، فتُعَد الأخيرة أحد أهم ماكيناته، فالجماهير أحد أهم أدوات نجاح عمليّة التعبئة. وسنتعرض بإيجاز لكل ذلك في نطاق مساءلة المفهوم وأشكلته وفق سياقات الانتقال الديمقراطي.
ثانيًا: المفاهيم والنظريّات المرتبطة
الحركات الاجتماعيّة
يرى تللي أن الحركات الاجتماعية “سلسلة مُستمِرة من التفاعلات بين أصحاب السلطة وأشخاص ينصبون أنفسهم كَمُتَحدِثين عن قاعدة شعبية تفتقد للتمثيل الرسمي وقد تلجأ هذه الحركات إلى الشارع لدعم هذه المطالب“(1).فركَّز تللي بصورة أعمق على الجانب السلوكي حيث اعتبر التعبئة عملًا جمعيًا يستخدم أدوات مختلفة بغرض الوصول للأهداف المحددة، وهو ما يظهر جليًا في نماذج الحركات العماليّة والطلابيّة على سبيل المثال. وتنقسم عمليّة التعبئة لدى هذه الحركات إلى أنواع مختلفة تتعلق بطبيعة المطالب ذاتها، فمنها تعبئة لأهدافٍ سياسيّة، اجتماعيّة، أو اقتصاديّة(2).
في هذا الإطار برزت صعوبة التمييز بين ما هو سياسي وغير سياسي، ويُعد ذلك جوهر عمليّة التعبئة التي تسعى لحشد عددي كبير بغرض خلق حالة رأي عام تضمن الضغط الكافي لتحقيق المطالب. فعلى سبيل المثال تعمد التعبئة ذات مطالب التغيير السياسي إلى تبني مطالب اقتصاديّة واجتماعيّة بهدف توسيع شعبيتها سيما أن عملها يعتمد بصورة أكبر على المظاهرات وسياسات الشارع.وفي إطار السياق الذي تطور فيه مفهوم التعبئة، برزت العديد من النظريّات التي تُفسِر الحركات الاجتماعيّة وفقًّا لمفهوم التعبئة، وسنذكر منها ما يلي:
_____
- تشارلز تللي، الحركات الاجتماعية 1768-2004، ربيع وهبة (ترجمة وتقديم)، الطبعة الأولى (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة،2005)، ص15.
- عليّ الدين هلال، النظام السياسي المصري بين إرث الماضي وآفاق المستقبل، الطبعة الأولى (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، يناير2010)، ص454.
نظرية السلوك الجماعي (Collective behavior theory)
تُركز النظريّة بالأساس على سلوك الفاعلين (الحركة) في عملية التعبئة، فترى أن سلوك الجماهير يسعى دائمًا للخروج عن المألوف مثل الهبّات الجماهيرية والمظاهرات وبروز ما يُسمى بسياسات الشارع(1). وتُنتقَد هذه النظريّة في إطار التخوفاتالتي تتعلق بتحولها لأداة خطرة على الديمقراطية مثل الحركات النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، ومصر مؤخرًا إبان 30 يونيو/حزيران 2013. من ناحية أخرى ترتبط عمليّات تعبئة الحركات بصورة أكبر بالمجتمعات المُغلَقة سياسيًا مقارنة بالمجتمعات الصحيّة ديمقراطيًّا(2). فالمجتمعات الصحيّة تُمارس هذا الدور بصورةٍ رسميّة مُمَثَلة في المُشارَكة السياسيّة والاجتماعيّة، سواء من خلال الأحزاب، النقابات أو الانتخابات العامة، وذلك بعكس المجتمعات غير الديمقراطية، حيث تعاني من انسداد القنوات الشرعيّة داخل العملية السياسية كفرصة لممارسة النشاط وتوصيل المطالب، وبالتالي تلجأ مضطرًة إلى سياسات التعبئة خارج الأُطر التنظيميّة والقانونيّة للدولة.
نظرية تعبئة المواردResources mobilization theory))
تتجاوز هذه النظرية السؤال الذي يتعلق بنشوء هذه الحركات وتُركز بصورة أكبر على ما تمتلكه هذه الحركات من موارد في مجال العمل السياسي(3)، وعلى وجه الخصوص الموارد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وكذلك التكنولوجية (خاصة مع ولوج عصر الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات). وتُعد القدرة على استغلال هذه الموارد وتوظيفها لتحقيق أهداف عمليّة التعبئة سواءً كأداة للضغط أو حتى التغيير الجذري بمثابة التحدي الأكبر. ويؤخذ على هذه النظرية أنها ركزت بصورة أكبر على الركن المادي في عملية التعبئة مما يعني تهميش/إهمال العنصر البشري.لذا برزت ضرورة التفاعل بين هاتين النظريتين (نظريّة السلوك الجماعي ونظريّة تعبئة الموارد) بحيث تجمع بين الحوافز الفردية للانضمام لهذه الحركات وكذلك الموارد المُتاحة لها.
_______
- سامح فوزي، الحركات “المطلبية” والحركات “السياسية” في مصر: قراءة نقدية مُقارنة، في: سامح فوزي وآخرون، عودة السياسة: الحركات الاحتجاجية الجديدة في مصر، دينا شحاتة(مُحرراً) (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية،2010)، ص25.
- تشارلز تللي، الحركات الاجتماعية 1768-2004، مرجع سابق، ص17.
- سامح فوزي، مرجع سابق، ص26.
وتم التوصل إلى اقتراب ثالث أُطلِق عليه”العملية السياسية” وقد ظهر هذا الاقتراب في مواجهة نظرية تعبئة الموارد بغرض البحث في الشروط السياسية التي تسمح أو تعوق الفعل السياسي للحركة ذاتها(1).
ومع ذلك يجب أن نأخذ في الاعتبار عاملًا يتعلق بمدى قوة الحكومة وتأثير ذلك على نشاط هذه التعبئة وفاعليّتها، حيث إذا كانت هُناك حكومة قوية،وقررت قمع هذه الحركات فإن عملية التعبئة عادة ما تفشل. وفي هذا الصدد ترى إحدى مقولات نظرية الفرصة السياسية Political opportunity structure “أنه كلما كان النظام مُنغلقًا ازدادت فرصة قمعه للمظاهرات وكلما كان أكثر انفتاحًا زادت درجة استيعابه لها واحتوائها”(2)، حيث لا تتناسب مع مراحل ما بعد الثورات التي تتسم بالانفتاح في المجال العام وانهيار الأجهزة الأمنية التي كانت أحد أهم أدوات السلطة للقمع لذا لم يبقَ أمام إدارات ما بعد الثورات/ التغيير العنيف سوى التفاعل مع هذه التعبئة؛ سواء عن طريق الاستجابة المباشرة لها أو الالتفاف عليها بغرض تهدئتها.
نظرية الجمهور المُحتَج لشارلز تللي
تنطوي هذه النظرية على ما يُمكِن تسميته بـ “العزم الثوري” لإحداث التغيير في النظام السياسي القائم أو كسره. وهو ما يرتبط بالسلوك العنفوي (Violent behavior) والذي يصل إلى ذروته في حالة المواجهة مع الحكومة، ويرى تللي أن هذه الأمر يتبلور من خلال أربعة مراحل أهمها: توفر التنظيم الحركي الذي يبدأ باحتشاد تلقائي نتيجة أزمة سياسية أو اقتصادية.. إلخ، ومن ثمّ تتحول هذه الحركة إلى نُواة لحركة مُنظَمة، يُضاف لذلك القدرة على الحشد والتعبئة بغرض استقطاب مناصرين جدد، وكل ذلك في إطار توفر الفرصة السياسية والأهداف المشتركة للمنخرطين أنفسهم(3).
________
(1) المرجع السابق، ص27.
(2) Pamela E. Oliver and others, Emerging Trends in the Study of Protest and Social Movements, Political Sociology, Vol. 11, 2003, P.p218-220. Available at: https://goo.gl/M8FSRZ Accessed: 8/12/2016
(3) معن خليل العُمر، الحركات الاجتماعية، الطبعة الأولى (رام الله: دار الشروق للنشر والتوزيع،2010)، ص ص102-103.
المظاهرات (سياسات الشارع)
يُعتَبر التظاهر أهم مخرجات عمليّة التعبئة، وهو يعني بخلق حالة عامة ترتبط بنزول الجماهير إلى الشارع للتعبير عن تفضيلاتها المختلفة. فالتظاهر يعني لُغويًا بجملة من المعاني أهمها؛ التعاون مثل ظهير أي نصير أو إظهار الشيء أي إبرازه(1). وتعني اصطلاحاً بأنها تجمع عفوي أو تعبوي (مُنَظَم) لمجموعة من الناس للتعبير عن مطالبهم في المجال العام بهدف إحقاق الحق، دفع ظلم أو حتى التعبير عن تفضيلات بعينها، ومن ثّم الخروج للشارع والميادين عن طريق الاحتجاج بالوجود الجسدي، ويمثل ذلك خروجًا على القوانين والشرعيّة السياسيّة القائمة نتيجة انسداد الأفق والحلول داخل المؤسسات والمجال الخاص (2). ويعود هذا المفهوم إلى منتصف القرن التاسع عشر حيث تناوله المفكر الأمريكي هنري ثورو في مقال له من العام 1849 بعنوان “العصيان المدني” وتطورت بعد ذلك هذه الدراسات في إطار حقل دراسات الرأي العام (3(.وتتعدد تكتيكات هذا النوع من التعبئة الجماهيريّة (التظاهر) مثل الاكتفاء برفع الشعارات أو إتباع أساليب غير تقليدية مثل ما اتبعته الثورة المصرية وهو التجمع في الميادين العامة عن طريق التعبئة والحشد المُنظَم خلال وسائل التواصل الاجتماعي (4) التي شملت تحديد أماكن التجمعات والشعارات وإرشادات التظاهر التي انعكست بدرجة كبيرة عن خبرة تجربة الثورة التونسية (5).
_________
- إسماعيل محمد البريشي، المظاهرات السلمية بين المشروعية والابتداع: دراسة مقارنة، مجلة علوم الشريعة والقانون، المجلد (41)، العدد (1)، 2014، ص141.
- عزمي بشارة، في الثورة والقابلية للثورة، الطبعة الأولى (بيروت: الدار العربية للعلوم،2012)، ص ص14-15، أنظر أيضًا: أشرف عبد العزيز عبد القادر، المحتجون: كيف تؤثر المظاهرات والاعتصامات في سياسات الدول؟، السياسة الدوليّة (ملحق اتجاهات نظريّة)، المجلد (47)، العدد (187)، يناير 2012، ص 11.
- Gareth Dale, Protest Waves in Western Europe: a Critique of New Social Movement Theory, Critical Sociology, Vol. 24 Issue No. 1-2, April 1998,p.74.
- Marina Ottaway and Amr Hamzawy ,Protest Movements and Political Change in the Arab World, policy outlook, Carnegie endowment,28th January 2011,P.p10-11. available at: https://goo.gl/FdGfkU Accessed: 2016/12/1
- دينا شحاتة، حركة الشباب وثورة25 كانون الثاني/يناير، في: بهجت قُرني(مُحرراً)، الربيع العربي في مصر: الثورة وما بعدها، ا لطبعة الأولى (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، تشرين الثاني/أكتوبر2012)، ص ص139-142.
تختلف اتجاهات تحليل تأثير التعبئة في شكل التظاهر، حيث يرى الاتجاه الأول أنها محدودة التأثير ويجب تجنبها لضمان الاستقرار. ويرى الاتجاه الثاني أنها بمثابة استفتاء مستمر على سياسة الحكومات كأحد تجليات الديمقراطية المباشرة التي ظهرت في دولة المدينة في أثينا. وينطلق الاتجاه الثالث من كونها ترتبط أكثر بمدى فاعلية النظام السياسي القائم وقدرته على استيعاب هذا النوع من التعبئة(1). وأرى إلى حد بعيد أن هذه كلها نظرات حديّة لمفهوم التعبئة في حد ذاته، فمن الضروري استخدام التعبئة لضمان الانتقال ولكن السؤال يكمن في الظروف والأدوات، فعلى الرغم من دور المظاهرات البارز والإيجابي في إسقاط الأنظمة الاستبداديّة؛ إلاّ أن استمرارها والتوسع فيها فيما بعد يحولها إلى أداة ذات تأثير سلبي لا سيّما خلال مراحل البناء الديمقراطي.
خاتمة:
ختامًا لا نستطيع فك الارتباط بين مفهوم التعبئة والمشاركة السياسيّة، باعتبار الأول جوهر مؤشرات الأخير، فهي عمليّة طوعيّة يقوم بها مجموعة من الأفراد بغرض التأثير على سياسة ما سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ونظرًا لمرونة المفهوم وتفاعله مع تطورات الواقع السياسي، تبرز أشكال متعددة من التعبئة وذلك حسب التطورات نفسها. فهناك ما يتعلق بالتعبئة الشارعيّة (المظاهرات) التي عبَّرت عنها أحداث الربيع العربي بطريقة أو بأخرى (2)، أو التعبئة الصناديقيّة (الانتخابات) (3)، وصولًا إلى التعبئة الإلكترونيّة التي تنشط حاليًا في الفضاء الافتراضي بغرض إثارة الرأي العام وتوجيهه نحو قضية ما.
______
- أشرف عبد العزيز عبد القادر، مرجع سابق، ص12.
- تعني بحشد الناس في الميادين والشوارع لإملاء مطالب معينة مثلما حدث في ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني في مص، وقد يكون هذا الحشد ضد النظام القائم أو قد يكون حشدا للتأثير وإملاء المطالب.
- وهي دعوة جماهير الناخبين للتصويت لصالح مرشح معين مثلما دعت حركة شباب 6أبريل للتصويت لصالح الرئيس الأسبق محمد مرسي، أو الحشد للتصويت بالرأي كما حدث في استفتاء مارس2011، وقد تكون التعبئة الصناديقية بالسلب كالدعوة إلى إبطال الصوت أو المقاطعة.
قائمة المراجع
- المراجع العربيّة
الكتب
بشارة، عزمي، في الثورة والقابلية للثورة، الطبعة الأولى (بيروت: الدار العربية للعلوم،2012).
تللي، تشارلز، الحركات الاجتماعية 1768-2004، ربيع وهبة (ترجمة وتقديم)، الطبعة الأولى (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة،2005).
خليل العُمر، مُعن، الحركات الاجتماعية، الطبعة الأولى (رام الله: دار الشروق للنشر والتوزيع،2010).
شحاتة، دينا، حركة الشباب وثورة25 كانون الثاني/يناير، في: بهجت قُرني(مُحرراً)، الربيع العربي في مصر: الثورة وما بعدها، ا لطبعة الأولى (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، تشرين الثاني/أكتوبر2012).
فوزي، سامح، الحركات “المطلبية” والحركات “السياسية” في مصر: قراءة نقدية مُقارنة، في: سامح فوزي وآخرون، عودة السياسة: الحركات الاحتجاجية الجديدة في مصر، دينا شحاتة(مُحرراً) (القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية،2010).
ماضي، عبد الفتاح، مداخل الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطيّة، في: امحمد مالكي وآخرون، لماذا انتقل الآخرون إلى الديمقراطيّ وتأخرّ العرب: دراسة مقارنة لدول عربيَّة مع دولٍ أخرى، علي خليفة الكواريّ وعبد الفتاح ماضي (محرران)، الطبعة الأولى (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، آيار/مايو 2009).
هلال، عليّ الدين، النظام السياسي المصري بين إرث الماضي وآفاق المستقبل، الطبعة الأولى (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، يناير2010).
الدوريّات
البريشي، إسماعيل محمد، المظاهرات السلمية بين المشروعية والابتداع: دراسة مقارنة، مجلة علوم الشريعة والقانون، المجلد (41)، العدد (1)، 2014.
عبد العزيز عبد القادر، أشرف، المحتجون: كيف تؤثر المظاهرات والاعتصامات في سياسات الدول؟، السياسة الدوليّة (ملحق اتجاهات نظريّة)، المجلد (47)، العدد (187)، يناير 2012.
- المراجع الانجليزيّة
Books
Jeff, Haynes, Democracy in the Developing World: Africa, Asia, Latin America and the Middle East, 1st edition (USA: Blackwell publishers Inc., 2001).
Kriesi, Hanspeter, Social Movements, In: Daniele Caramani (Editor), Comparative Politics, 3rd edition (USA: Oxford University Press, 2011).
Mainwaring, Scott, Transitions to democracy and democratic consolidation: Theoretical and comparative issues (Working paper), The Helen Kellogg Institute for international Studies, November 1989.
Scientific Journals
Dale, Gareth, Protest Waves in Western Europe: a Critique of New Social Movement Theory, Critical Sociology, Vol. 24 Issue No. 1-2, April 1998.
Tilly, Charles, “Social Movements as Historically Specific Clusters of Political Performances”. Berkeley Journal of Sociology 38. Regents of the University of California, 1993.
- عبد الفتاح ماضي، مداخل الانتقال إلى نظم حكم ديمقراطيّة، في: امحمد مالكي وآخرون، لماذا انتقل الآخرون إلى الديمقراطيّ وتأخرّ العرب: دراسة مقارنة لدول عربيَّة مع دولٍ أخرى، علي خليفة الكواريّ وعبد الفتاح ماضي (محرران)، الطبعة الأولى (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، آيار/مايو 2009)، ص83.
- عبد الغني أحمد، التعبئة السياسيّة، المجلد (8)، العدد(93)، (دار المنظومة: 1968)، ص 33-34، على الرابط: https://search.mandumah.com/Record/257030
تاريخ الدخول: 10/12/2016
- Scott Mainwaring, Transitions to democracy and democratic consolidation: Theoretical and comparative issues (Working paper), The Helen Kellogg Institute for international Studies, November 1989, Pp. 9-13.