الأهمية الإستراتيجية للدبلوماسية الاقتصادية في العلاقات المغربية الإفريقية
العدد الثاني مارس لسنة “2017 ” من مجلة العلوم السياسية والقانون
احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي
اعداد : د.محسن الندوي – رئيس المركز المغربي للابحاث والدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية
ملخص:
لقد عمل المغرب على تعزيز شراكة تضامنية مع إفريقيا – نتيجة الروابط الثقافية والانتماء الجغرافي – من خلال عمل زيارات متبادلة، هدفها دفع قاطرة الاقتصاد والتنمية، واحتلت إفريقيا أولوية السياسة الاقتصادية الخارجية المغربية، مع الأخذ في الحسبان البعد التنموي، وليس الاقتصادي فقط، على الرغم من أن المغرب بات عضواً في الاتحاد الإفريقي. وعمل على تشجيع الاستثمار الخاص في إفريقيا، والانفتاح الاقتصادي عليه، مما جعل المغرب ثاني أكبر بلد إفريقي مستثمر في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا.
واستطاع المغرب فرض نفسه كقوة اقتصادية قادرة على الترويج للتقدم الملموس في القطاع الاقتصادي
ان الدينامية الاقتصادية المغربية في افريقيا من شأنها ان تحل كثير من المشاكل التي تعاني منها إفريقيا ويوقف تسونامي الهجرة التي تعرفها القارة نحو “الشمال المتقدم” .انما هناك تحديات استراتيجية للدبلوماسية الاقتصادية المغربية في افريقيا من بين اهمها ان أفريقيا تعاني من تدني مستوى البنى التحتية بل وانعدامها في العديد من المناطق .ولذلك سيحاول المغرب لعب دور مركز التقاء للعلاقات الاقتصادية بين القارة والشركاء الأوروبيين والشركاء العرب خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، وربما أيضًا مع بعض الشركاء في الشرق الآسيوي.
لقد أصبح المغرب بفضل السياسة الخارجية والدبلوماسية الملكية بعد الزيارات المهمة للملك إلى عدد من الدول الإفريقية و التي همت ما يفوق العشرين دولة، الشيء الذي يعطي إشارات سياسية و واضحة و قوية على أن المغرب دائما و أبدا يراهن على دوره استراتجيي في مد جسور التواصل مع باقي الدول الإفريقية و فتح بوابة أساسية نحوها، الشيء الذي يحتم على المملكة التفكير في إعادة التموقع داخل المجال الإفريقي.
Abstract
Morocco was able to impose the same economic force able to promote tangible progress in the economic sector.
The economic dynamism of Morocco in Africa that will solve many of the problems afflicting Africa and stop the tsunami of migration defined by the continent towards the “developed North” .anma there are challenges strategy Moroccan economic diplomacy in Africa are among the most important that Africa suffers from low level of infrastructure, but and the lack of it in many areas. Therefore Morocco will try to play the role of the confluence of economic relations between the continent and the European partners, especially in the Gulf cooperation Council (GCC) and the Arab Center partners, and probably also with some partners in the Asia-Middle East.
It has become Morocco thanks to the Royal foreign policy and diplomacy after the mission visits the king to a number of African countries, which Hemmat more than twenty state, the thing that gives a political signal and a clear and strong that Morocco has always and never bet on his role Astratjaa to build bridges with the rest of African countries and open a key towards the gate, the thing that makes it imperative for the Kingdom of thinking in re-positioning within the African area.
مقدمة
لم يعد مفهوم الدبلوماسية يقتصر على إدارة العلاقات السياسية بين الدول فحسب، بل اتسع ليشمل مجالات عدة. ففي ظل التغير في بيئة النظام العالمي، وتوحيد العولمة للجسد الدولي، من خلال انفتاح الأسواق الوطنية على الأسواق الحرة الدولية، بحيث باتت قوة الدول تقاس بقوة اقتصاداتها، تخلت الدول عن المفهوم التقليدي في إدارة العلاقات بينها، وأصبح من المستحيل فصل السياسة عن الاقتصاد، حتى أضحى الاقتصاد سبباً رئيسياً في نشوء العلاقات الدبلوماسية بين الدول.
إن الأمة العربية يجب أن تعيد النظر في فلسفتها الخاصة بالدبلوماسية التقليدية، والنظر من كافة المحاور والزوايا في العلاقات بين الدول، مثل المصالح الاقتصادية، وهو ما يطلق عليه حالياً الدبلوماسية الاقتصادية، التي فرضتها العولمة، من خلال وضع أسس ومعايير تتجاوز من خلالها الدول الصعوبات لتحقيق مصالح اقتصادية مشتركة. وقد قال رئيس الوزراء البريطاني الشهير وينستون تشيرتشل ذات مرة: “ليس هناك عداوات دائمة ولا صداقات دائمة بين الدول بل هناك مصالح”.
وحيث يطرح ذلك تساؤلاً حول كيفية استغلال الدبلوماسية الاقتصادية في التعامل مع الشأن الإفريقي بما يضمن الوصول للمواطن الإفريقي ذاته.
لذا، لا بد من جعل السياسة والاقتصاد أمرين متوازيين، ويمكن الاستفادة في ذلك من تجارب دول عديدة حشدت الطاقات لإعطاء الدبلوماسية الاقتصادية باعاً طويلاً، أبرزها الصين التي وصلت لكل دول العالم من خلال الدبلوماسية الاقتصادية.
المحور الأول : مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية:
أولا : الدبلوماسية الاقتصادية٬ النشأة والتطور
إذا كانت الدبلوماسية هي فن تمثيل الحكومة ورعاية مصالح الدول لدى بلد أجنبي ويتضمن هذا السهر على احترام حقوق ومصالح الدولة وإدارة العلاقات الخارجية طبقا للتعليمات المرسلة والقيام بالمفاوضات الدبلوماسية[1] ، فإن الدبلوماسية الاقتصادية يقصد بها تلك النشاطات الدبلوماسية التي تستخدم العامل الاقتصادي في التعامل السياسي. وذلك بعد أن تبين للدول المتقدمة مدى قوة تأثير هذا العامل في التحركات السياسية على المسرح الدولي. وفي هذا الصدد قال باولو بورتاس، النائب الأسبق لرئيس مجلس الوزراء البرتغالي :”على سفراء الدول القيام بمهمة الخبير الاقتصادي وتحري المنفعة، لأننا بحاجة لممارسات عملية تصب في مصلحتنا جميعاً عند إبرام الاتفاقيات الثنائية مع الدول الأخرى”[2]
نشأت الدبلوماسية في البداية كنوع من الرسائل التي ينقلها الدبلوماسي من الدولة المضيفة لدولته، ثم تطورت مع تطور العلاقات الدولية، وأصبحت وسيلة للتفاوض بين الدول، ثم التمثيل الدبلوماسي التبادلي، نتيجة تعمق المصالح، ثم حدثت تغيرات وطرأت تحديات تاريخية جعلت الدبلوماسية تغير مسارها، وتهتم بتعميق العلاقات بين الدول، وفقاً لمصالحها الاقتصادية.
ويقصد بالدبلوماسية الاقتصادية النشاطات الدبلوماسية التي تستخدم العامل الاقتصادي في التعامل السياسي. وعادة ما يتم ذلك من قبل الدول المتقدمة أو الغنية في مقابل الدول النامية.
وقد نشأت الدبلوماسية الاقتصادية في الولايات المتحدة في فترة الرئيس الأمريكي روزفلت، وسميت آنذاك بدبلوماسية الدولار – أي تحقيق المصالح الأمريكية من خلال الدولار – وكانت وزارة الخارجية هي الأداة الرئيسية في تحقيق هذه المصالح، من خلال تمويل رجال الأعمال الأمريكيين في الخارج لتسيير أعمالهم الاقتصادية. ومن هنا، تم تعريف الدبلوماسية الاقتصادية بأنها استخدام الأدوات الاقتصادية للدولة لتحقيق المصالح القومية، وبمعنى آخر استخدام الثقل السياسي للدولة لخدمة مصالحها الاقتصادية.ومن بين هذه الادوات الاقتصادية (المعونات والمساعدات….)وهناك مجالات جديدة ستشكل العالم في المرحلة القادمة، مثل البيئة، والصحة، والطاقة، والتكنولوجيا، فكلها مجالات دخلت في صميم العمل الاقتصادي، وبالتالي صميم العمل الدبلوماسي.
ثانيا : الجوانب القانونية للدبلوماسية الاقتصادية:
ركز النظام الاقتصادي العالمي على مأسسة الدبلوماسية الاقتصادية في العلاقات الدولية بين الدول الرأسمالية المتقدمة والدول النامية. ويتضح ذلك في ضوء التنظيمات الاقتصادية التي أقيمت في محيط الدبلوماسية الاقتصادية وهي: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والتي صممت أساساً لتحقيق مصالح الدول الرأسمالية المتقدمة، وتكريس سيطرتها، مما اضطر الدول النامية إلى الدخول معها في صراع تسلحت له بالتكتل في مجموعة الـ 77. لكن هذا الاتجاه سرعان ما انتكس، وعادت الدول المتقدمة إلى الهيمنة المطلقة على النظام الاقتصادي، وكان إنشاء منظمة التجارة العالمية أكبر تجسيد لهذه الحقيقة.
ثالثا:تجربة المغرب في الدبلوماسية الاقتصادية:
إن المغرب عمل على تعزيز شراكة تضامنية مع إفريقيا – نتيجة الروابط الثقافية والانتماء الجغرافي – من خلال عمل زيارات متبادلة، هدفها دفع قاطرة الاقتصاد والتنمية، واحتلت إفريقيا أولوية السياسة الاقتصادية الخارجية المغربية، مع الأخذ في الحسبان البعد التنموي، وليس الاقتصادي فقط، على الرغم من أن المغرب بات عضواً في الاتحاد الإفريقي. كما ً، ونشير أيضا إلى الإجراء الهام الذي أعلنه العاهل المغربي والمتعلق بإلغاء وشطب ديون الدول الإفريقية الأقل نموا (PMA)، وجعل صادراتها تلج السوق المغربية دون قيود جمركية[3].
وعمل على تشجيع الاستثمار الخاص في إفريقيا، والانفتاح الاقتصادي عليه، مما جعل المغرب ثاني أكبر بلد إفريقي مستثمر في إفريقيا بعد جنوب إفريقيا.
كما تبنى المغرب استراتيجية اقتصادية تهدف إلى عمل مشاريع مشتركة ذات طابع إقليمي فيما يتعلق بالماء، والكهرباء، والأمن الغذائي، واستطاع المغرب فرض نفسه كقوة اقتصادية قادرة على الترويج للتقدم الملموس في القطاع الاقتصادي، خاصة البنوك، والصناعة، والتجارة ، والعمل كحلقة وصل يربط بين الشمال والجنوب. وقد ركز الملك محمد السادس في الرسالة التي وجهها إلى ندوة السفراء المنعقدة بالرباط بتاريخ 30 غشت 2013 على ضرورة تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية في العمل الدبلوماسي حين قال[4]: “(…) يجب على حكومتنا إعطاء الأولوية لدبلوماسية اقتصادية مقدامة قادرة على تعبئة الطاقات بغية تطوير الشراكات وجلب الاستثمارات وتعزيز جاذبية البلاد وكسب مواقع جديدة وتنمية المبادلات الخارجية. كما ندعوها للتنسيق والتشاور مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين في القطاعين العام والخاص للتعريف بالمؤهلات الاقتصادية التي تزخر بها بلادنا وخاصة في القطاعات الإنتاجية الواعدة بهدف المساهمة في تنميتها ولإرساء تعاون مؤسسي بين القطاعات الوزارية التي لها نشاط دولي في المجال الاقتصادي. وإننا نعتبر سفراءنا بمثابة جنود يجب أن يسخروا كل جهودهم لخدمة القضايا الاقتصادية لبلادهم.”
ولا شك في أن طموح المغرب غدا أكبر في ريادة اقتصادية بالقارة السمراء وهو ما جاء في الرسالة الملكية التاريخية إلى القمة الـ27 للاتحاد الإفريقي في يوليوز 2015 حين قالها الملك صراحة[5]: “(..) وإن الانخراط المكثف للفاعلين الاقتصاديين المغاربة، وحضورهم القوي في مجالات الأبناك والتأمين والنقل الجوي والاتصالات والسكن، يجعل من المغرب، في الوقت الحالي، أول مستثمر إفريقي في إفريقيا الغربية. وهو أيضا ثاني مستثمر في إفريقيا كلها. ولكن ليس لوقت طويل، لأنه عبر عن إرادته القوية في أن يكون الأول”.
ففي مجال الاستثمار ، أصبح المغرب أول مستثمر أفريقي في منطقة المجموعة الاقتصادية والنقدية لدول وسط أفريقيا CEMAC ومنطقة الاتحاد الاقتصادي والنقدي للغرب الأفريقي UEMOA.
اذن فالبعد التأسيسي في خارطة الطريق الملكية هو إعادة الاعتبار للبعد الاقتصادي في العلاقات بين الدول الإفريقية –في اطار علاقة جنوب جنوب- ذلك ان العلاقات الدبلوماسية وحدها أصبحت متجاوزة ولا تلبي تطلعات الشعوب الافريقة نحو التقدم والتنمية والازدهار. فالمقاربة الدبلوماسية وحدها تحرم بلدان إفريقيا من استثمار إمكاناتها الاقتصادية فيما بينها في إطار تكتلات إقليمية وقارية .ان هذه الدينامية الاقتصادية من شأنها ان تحل كثير من المشاكل التي تعاني منها إفريقيا ويوقف تسونامي الهجرة التي تعرفها القارة نحو “الشمال المتقدم” وذلك بإنعاش التشغيل والدورة الاقتصادية من خلال المشاريع الكبرى عامة ، ولكن أيضا وخصوصا المشاريع الصغرى والمتوسطة لدورها الكبير في امتصاص البطالة وخلق الثروة مع الاعتماد الكلي على الكفاءات الوطنية في جميع مراحل انجاز المشاريع ،ويمكن الاستئناس في هذا المجال بالتجربة المغربية.
المحور الثاني: مسار الدبلوماسية الاقتصادية المغربية في افريقيا:
أولا : إفريقيا بإيجاز
ان إفريقيا قارة ضخمة بكل المقاييس؛ بجغرافيتها المترامية الأطراف، بساكنتها المتنوعة الأعراق واللغات والديانات والثقافات، بمناجمها ومعادنها وثرواتها الطبيعية الهائلة، بموقعها الجيو/إستراتيجي الذي يجعل منها معبرا لتيارات السلع والرساميل والخدمات.
ان أفريقيا هي القارة التي تتوسط قارات العالم القديم، وهى ثاني قارات العالم مساحة إذ تبلغ مساحتها حوالي 30 مليون كم2 . وتملك دولها التي يصل عددها إلى 54 دولة خصائص مشتركة إلا أنها تختلف اختلافا بينا في المساحة وعدد السكان والموارد الاقتصادية. فنيجيريا هي أكبر دولة من حيث عدد السكان الذين يقدر عددهم بحوالي 111.5 مليون نسمة (عام 2000) بينما يوجد سبع دول مستقلة في القارة لا يتجاوز عدد سكان كل منها مليون نسمة وتعد سيشيل هي الدولة الأصغر من حيث عدد السكان الذين قدروا بحوالي 77 ألف نسمة. أما إجمالي عدد سكان القارة فيصل إلى حوالي 783.5 مليون نسمةعام 2000.[6]
وتقدر المعطيات الإحصائية سوق افريقيا الداخلي بأكثر من ملياري نسمة في أفق العام 2050.
حيث ستشكل % 22 من سكان العالم .
وتقدر الأراضي غير المزروعة في أفريقيا بنحو 600 مليون هكتار، أي نصف الأراضي الخصبة غير المستغلة دوليا، كما أن الغابات تغطي أكثر من 23 بالمئة من مساحة القارة.
كما تحتوي القارة على 30 في المائة من الاحتياطي العالمي للمعادن وضمنها 80 في المائة من المعادن النفيسة من فصيلة الكروم والبلاتين، و12 في المائة من الاحتياطي العالمي للمحروقات، 24 في المائة من الاحتياطي العالمي للذهب الخام، و11 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستغلة، ومعها 18 في المائة مما يُستَغل في الفلاحة، في الوقت الذي تستحوذ فيه القارة على 51 في المائة من الاحتياطي العالمي من الفوسفات، 11 في المائة منها توجد في المغرب.هذا في قارة تعاني من خطر الفقر والجوع وعدم الاستقرار.
ويؤكد خبراء صندوق النقد الدولي أن احتياجات القارة إلى تمويل مشاريع البنية التحتية تقدر بحوالي 540 مليار دولار في أفق 2020.
وقد عرفت القارة الإفريقية ، بين سنتي 1960 و2001، أكثر من 100 انقلاب عسكري، سواء في الصومال أو ليبيريا أو سيراليون أو رواندا أو بوروندي أو الكونغو وقبل تلك الدول في ليبيا القذافي وغيرها… دون الحديث عن الحروب الأهلية والنزاعات حول الحدود بين أكثر من دولة إفريقية، وهنا لنا أمثلة في الصراع بين الصومال وبين إثيوبيا حول منطقة الأوجادين؛ أو الصراعات على الحدود الموروثة عن الاستعمار التي لم تأخذ بعين الاعتبار الخصائص المشتركة والطابع القبلي والعرقية للعديد من المناطق الإفريقية.
وربما ميثاق الاتحاد الافريقي قد وضع حدا للانقلابات، حيث ينص في فصله الـ30 عن توقيف عضوية كل دولة تستعمل طرقا غير ديمقراطية للوصول إلى السلطة، وهو المضمون نفسه للفصل الـ3 من ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية.
ولذلك، فليس من المتعذر حقا فهم خلفيات التسابق الدولي على أفريقيا، إن لم يكن لضمان موطئ قدم بنقط تمركز هذه الثروات، فعلى الأقل لفتح الطريق أمام الشركات التجارية الكبرى لتحصيل حصص معتبرة بسوق داخلي يتزايد بوتيرة متسارعة، نتيجة التمدن الكثيف الذي تعرفه القارة، وانبعاث طبقات متوسطة متماهية قلبا وقالبا مع نموذج الاستهلاك الغربي.
هذا الفضاء الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والبشري الواسع والواعد لم يكن ليترك بعض البلدان “الصاعدة”، وضمنها المغرب، في وضعية حياد أو لامبالاة، بل دفعها إلى بناء توجهات دبلوماسية واقتصادية وسياسية باستحضار هذا الواقع وبالارتكاز على معطياته والمغرب كبلد إفريقي بموقعه الاستراتيجي الهام وبإمكانياته المتطورة وبتراكماته التاريخية العديدة مع دول القارة، أصبح ملزما بتفعيل هذه العلاقات وتسجيل حضور متميز في علاقاته الدولية فيما يتعلق بقضايا دول إفريقيا. ولعل التحركات الدبلوماسية والأمنية الجديدة التي أصبح يضطلع بها المغرب على المستوى الإفريقي تعكس هذا التوجه الجديد في علاقاته الخارجية.
ثانيا: لماذا الدبلوماسية الاقتصادية للمغرب في افريقيا؟
نهج المغرب بعد 1984 سياسة تعتمد تطوير العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف بالاعتماد على التعاون الاقتصادي والثقافي أساسا مع الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية في غرب ووسط إفريقيا والمجالات المسلمة، والمنظمات الجهوية: المجموعة الاقتصادية والمالية لغرب إفريقيا والمجموعة الاقتصادية والمالية لوسط إفريقيا وتجمع دول الساحل والصحراء. ويساهم المغرب بعدد من القوات العسكرية لحفظ الأمن تحت المظلة الأممية بعدد من المناطق الحساسة في سبع عمليات،كأول دولة عربية من الشمال الإفريقي تساهم من حيث العدد والمهمات في قوات حفظ الأمن الأممية،كما يشكل المغرب حاليًا ثاني مستثمر اقتصادي داخلي بالسوق الإفريقية بعد جمهورية جنوب إفريقيا.
فالبعد الإفريقي للمغرب بدأ يتشكل بوضوح في بداية الألفية الثالثة باعتباره إحدى التوجهات المركزية في سياسة المغرب الخارجية.
ويمكن إبراز مظاهر هذا التوجه في مشاركة الملك محمد السادس بنفسه في العديد من المؤتمرات والزيارات إلى البلدان الإفريقية، منها مشاركته في القمة الإفريقية الفرنسية الثانية والعشرون المنعقدة بباريس عام 2003 حيث ألقى خطابا يقول في مقتطفات منه: “وبينما تقدر الاحتياجات السنوية لإفريقيا من الاستثمارات العمومية بعشرة ملايير أورو، إلا أن البلدان الإفريقية جنوب الصحراء لا تمثل سوى 5 في المائة من مجموع المبلغ الذي رصده البنك الدولي للاستثمار في قطاع الماء.. هذا الواقع المؤلم يطرح علينا تساؤلات عدة…”[7] ، هذه الكلمات تظهر رغبة المغرب في الحفاظ على المبادئ الخاصة لعلاقته بدول الجنوب، ونخص بالذكر إفريقيا التي تحظى بتضامن ملحوظ يعكس مدى دفاع المملكة عن إفريقيا في المنتديات الدولية، كما هو الحال في القمة الأروبية-الإفريقية المنعقدة بمصر وقمم ومنتديات اخرى…
فلو كان المغرب في هذا التاريخ واقصد 2003 بدأ بالتغلغل في إفريقيا اقتصاديا وأيضا سياسيا لكنا اليوم نجني ثمار ما زرعناه بالأمس؟
ثانيا : الأدوات الاقتصادية
احتلت الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية مكانة هامة في العلاقات الدولية المعاصرة. وهذه الأهمية للأدوات الاقتصادية جاءت من عاملين:
الأول، احتلال الرفاهية الاقتصادية لشعوب المجتمع الدولي مكانة بارزة في سلم أولويات الأهداف القومية للحكومات المعاصرة. لقد أصبحت المشاكل الاقتصادية مثل البطالة، والتضخم، ونقص المواد الغذائية قضايا هامة تشغل بال الحكومات المعاصرة، إذ أن بقاءها في السلطة يعتمد على قدرتها في حل هذه المشاكل.
أما العامل الثاني، فهو زيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول وما يترتب على هذا الاعتماد من زيادة في أهمية وأولوية الأدوات الاقتصادية كوسيلة للسياسة الخارجية.
تعتبر التعريفات الجمركية Tariffs من أهم وأقدم الأدوات الاقتصادية. وتفرض التعريفات الجمركية لأهداف مختلفة.
ومن خلال تحليل الأرقام الاقتصادية، يمكن أن نلاحظ انتقالًا مهمًّا في حجم المبادلات التجارية بين المغرب وإفريقيا، من مليار دولار سنة 2004 إلى حوالي 7.4 مليارات دولار سنة 2014، ووصل حجم الصادرات المغربية نحو إفريقيا جنوب الصحراء حوالي 1.7 مليار دولار سنة 2013 مقابل 220 مليون دولار سنة 2003[8]وهو ما يعني أن المغرب قد ضاعف حجم مبادلاته التجارية مع إفريقيا ست مرات خلال السنوات العشر الماضية، الأمر الذي يعكس اهتمامًا متزايدًا من المغرب نحو التعاون الاقتصادي جنوب-جنوب خاصة مع البلدان الإفريقية.
بيد أن هذا الطموح المتزايد للمغرب في أفريقيا، يجب ألا يخفي حقيقة أن مستوى تبادلاته التجارية معها لا يرقى الى المستوى المطلوب، فبمقياس التوزيع الجغرافي للتيارات التجارية للمغرب مع الخارج، فإن أفريقيا تعتبر الحليف التجاري الإقليمي الرابع فقط، بما نسبته 6.5 بالمائة من حجم التجارة الخارجية العامة للمغرب، إذ تبقى أوروبا الحليف التجاري الأول بأكثر من 62 بالمائة من مجموع التبادلات، ثم آسيا بـ 19 بالمائة، ثم أميركا بـ 12 بالمائة.
أما على مستوى بنية هذه المبادلات، فالملاحظ أن طبيعة العلاقات هي نفسها التي كانت سائدة تقليديا بين أفريقيا ومستعمريها الغربيين. إذ يستورد المغرب من أفريقيا حوالي نصف حاجياته من الغاز وباقي المشتقات النفطية، ويصدر إليها سلعا صناعية أو نصف مصنعة، مكونة أساسا من “مصبرات” السمك والأسمدة الطبيعة والكيميائية وما شابه، وهي كلها مبادلات حصرا على دول فرنكفونية بعينها، حيث تمثل المبادلات التجارية بين المغرب من جهة، والسنغال وموريتانيا وغينيا وساحل العاج والغابون وغامبيا ومالي من جهة أخرى، حوالي ثلث صادرات المغرب لبلدان أفريقيا ككل.
وتشمل الاستثمارات المغربية بافريقيا قطاعات متنوعة ذات قيمة مضافة كبيرة مثل القطاع البنكي، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والبناء والأشغال العمومية، إضافة إلى قطاعات أخرى رئيسية مثل الزراعة والصناعة والمعادن…إلخ.[9]
وقام المغرب بتوقيع حوالي 500 اتفاقية منذ سنة 2000، مع عدد من البلدان الإفريقية تتضمن اتفاقيات مع القطاع الخاص والحكومات الإفريقية المختلفة، تشمل التجارة والاستثمار والتعاون. وقد بلغ حجم هذه الاستثمارات في بلدان القارة ما يزيد على 11 مليار دولار في 2015، بزيادة 12 في المئة عن عام 2014، و75 في المئة مقارنة بالعام 2013.
ومن خلال المعطيات الرقمية التي أوردتها “مديرية الدراسات والتوقعات)DEPF/ماي 2010)[10]”، نسجل أن حوالي 51% من الاستثمارات المباشرة المغربية اتجاه الخارج كانت في اتجاه إفريقيا جنوب الصحراء ما بين 2003/2013، ومن جهة أخرى سجلت المبادلات التجارية المغربية مع دول المنطقة تطورا مهما خلال نفس الفترة حيث قاربت7% ، تمثل صادرات تجارة المغرب منها 2,6% وهي نسبة ضعيفة مقارنة مع الإمكانيات، نظرا لاستمرار العديد من المعوقات المختلفة التي تحد من تطور هذه العلاقات بين الطرفين.
وفي الصف الأول من هذه الدبلوماسية التجارية الجديدة، شركات مهمة في القطاع الخاص تشارك في بعضها بما فيها الشركة القابضة للأسرة الملكية “الشركة الوطنية للاستثمار” كمساهم.
وتشير تقديرات تقرير المراقبة المصرفية للأسواق الناشئة لسنة 2014 إلى أن أكبر 3 بنوك مغربية وهي التجاري وفا بنك والبنك الشعبي والبنك المغربي للتجارة الخارجية، تمكنت من خلال عمليات الاستحواذ وافتتاح فروع واسعة، مضاهاة نظيراتها الفرنسية الفاعل التاريخي الأساسي في البلدان الأعضاء في البنك المركزي لدول غرب أفريقيا .كما يعتمد المغرب على شركته العامة مثل “المكتب الشريف للفوسفات” أحد أهم المجموعات المنتجة للأسمدة في العالم وينوي استثمار 15 مليار دولار في إفريقيا في السنوات ال15 المقبلة.ومع ذلك، تبقى العلاقات الاقتصادية بين المغرب وإفريقيا ضعيفة جدًّا إذا ما قورنت بحجم العلاقات الاقتصادية مع الشركاء التقليديين في بقية العالم وعلى رأسهم دول الاتحاد الأوربي.
ثانيا : الدبلوماسية الاقتصادية في عهد الملك محمد السادس:
بعد تولي الملك محمد السادس الحكم سنة 1999، شهدت العلاقات المغربية الإفريقية دينامية جديدة تجلت في الجولة الإفريقية الرسمية التي قام بها العاهل المغربي لعدد من الدول الإفريقية في سنة 2001 و2004 و 2005 كدولة بوركينافاسو وموريتانيا والسنغال والغابون، إضافة إلى الجولة التي قام بها سنة 2006 إلى العديد من الدول الإفريقية من بينها دولة الغابون والكونكو وجمهورية الكونكو الديمقراطية وكامبيا، هذا دون الحديث عن الزيارة التضامنية التي قام بها العاهل المغربي لدولة النيجر باعتبارها بلدا صديقا في محنته أمام الأزمة الغذائية بسبب الجفاف الذي ضرب البلاد.
فالانخراط الملكي في السياسة الخارجية للمغرب على المستوى الإفريقي يظهر من خلال الزيارة التضامنية التي قام بها لدولة مالي لحضور مراسيم تنصيب الرئيس “إبراهيم بو بكر كيتا” بعد الأزمة التي شهدتها البلاد، والتي كادت أن تنتهي بتمزيق البلاد لولا التدخل الفرنسي الذي وضع حدا للتحركات المتطرفة التي كانت تهدف إلى إقامة دولة إسلامية، هذه الزيارة تترجم إرادة الطرف المغربي في الدفاع عن وحدة البلد الترابية، وكذلك المساهمة في إعادة بناء الدولة المالية.
وكذلك حين أعلن خلال أشغال القمة الاورو- افريقية الأولى بالقاهرة في ابريل 2000 عن إلغاء ديون المغرب المستحقة على الدول الإفريقية الأقل نموا و إعفاء منتجاتها الواردة إلى المغرب من الرسوم الجمركية.[11]
هذه التحركات الدبلوماسية الملكية تترجم الاهتمام الكبير من طرف المغرب بقضايا ومشاكل القارة السمراء، فالأمر لا يتعلق فقط بزيارات ولقاءات من أجل توقيع اتفاقيات، بقدر ما يترجم روحا جديدة زرعها العاهل المغربي في العلاقات الدولية الإفريقية، والتي ركزت على المقاربة الاجتماعية عبر المساعدات المختلفة المقدمة للعديد من الدول الإفريقية[12] وهو ما يدخل في باب الدبلوماسية الاقتصادية.
كما تظهر أيضا الدينامية الجديدة في العلاقات المغربية الإفريقية من خلال التوقيع على حوالي 500 اتفاقية وبروتوكول في العديد من الميادين الحيوية، كالفلاحة والتأهيل الحضري والتربية والبنية التحتية مقارنة مع 88 اتفاقية تعاون في الفترة الممتدة ما بين 1972/1985[13]
وتعتبر سنة 2014م سنة جد متميزة في علاقات المغرب الدولية، إذ أقدم المغرب على تغيير شركائه التاريخيين وأدار ظهره لأول مرة لفرنسا باعتبارها الشريك التاريخي الأوربي الأول للبلاد لاعتبارات تاريخية، وسيظهر المغرب على الساحة الدولية حينما غير وجهته نحو شركاء جدد، حيث أصبح الشريك الإفريقي الأول لدولة روسيا(تصدير الطماطم والبرتقال)، وهنا يظهر توجه جديد في السياسة الخارجية للمغرب، يتجلى ذلك في إقحام الآلية الاقتصادية باعتبارها إحدى الآليات الفعالة في العلاقات الدولية، هذا التوجه الذي يهدف من ورائه المغرب إلى الحصول على مساندين جدد من الناحية السياسية لقضيته الوطنية، خاصة إذا أخذنا في الحسبان أن روسيا إحدى الدول الدائمة العضوية في الأمم المتحدة وبالتالي بإمكانها الدفاع عن مصالحه بهذه الهيأة الدولية.[14]
كما تأتي الزيارات الأخيرة التي قام بها عاهل البلاد خلال من 20 مايو 2015 إلى 12 يونيو 2015 إلى عدد من الدول الإفريقية كالسنغال وساحل العاج والغابون وغينيا بيساو في إطار الخيار الاستراتيجي الجديد للمغرب القائم على تعزيز التعاون مع دول القارة والمبني على المصالح المشتركة.
لقد حققت الدبلوماسية الاقتصادية المغربية نجاحات وقفزة تاريخية بعد الزيارات التي قادها الملك محمد السادس لكل من رواندا، تنزانيا، الغابون، السنغال، إثيوبيا، مدغشقر، ونيجيريا، وكرست حقيقة كون المغرب المستثمر الاول في غرب القارة، والثاني بالنسبةلعموم إفريقيا. توجت هذه الزيارات بمجموعة من الاتفاقيات والمشاريع شملت مختلف المجالات والقطاعات الحيوية ، وفي الإجمال بلغ عدد الاتفاقيات الموقعة بين المغرب والعديد من البلدان الافريقية أكثر من 590 اتفاقية، ساعدت المغرب من توسيع نفوذه الاقتصادي والمالي في القارة.
ومن أبرز الاتفاقيات والمشاريع المبرمة، إطلاق مشروع إنجاز خط أنابيب للغاز الذي سيربط موارد الغاز الطبيعي لأكبر بلد افريقي وهو نيجيريا بالمغرب، مرورا بدول غرب افريقيا، هذا الأمر سيكون له عدة تداعيات إيجابية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، أولها، منح المغرب مكانة استراتيجية دولية بتحوله إلى وسيط تجاري أساسي بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب، ومفاوض رئيسي في المنطقة. ثانيا، استفادة المغرب بشكل مباشر من الاستثمارات الضخمة والاكيدة التي ستواكب هذا المشروع والتي تعد بملايير الدولارات، ومما لا شك فيه فإن غالبية الشركات المغربية ستجد متسعا وملجئا في هذا المشروع الكبير مما يساعدها على امتصاص البطالة وذلك بإحداث مناصب شغل دائمة وبأجور جيدة. ثالثا، سيتحول المغرب إلى مركز طاقي يربط دول غرب افريقيا بسوق الطاقة الاوروبي، وسيمكن من تصدير الغاز إلى البلدان الأوروبية، وهذا الأمر سينشط التجارة الخارجية المغربية وسيعبأ خزينة الدولة المغربية بالعملة الصعبة وسيعيد الاعتدال إلى الميزان التجاري، رابعا، هذا المشروع سيَفُك ارتباط المغرب الطاقي وسيخفض الفاتورة الطاقية وبالتالي سيساعد الدولة على تقليص الدين الخارجي وبنسب مهمة.
علاوة على ذلك، سيستفيد المغرب من الاستثمارات التي سيَضُخها في تنزانيا والتي تقدر ب2 مليار دولار، وباستثمار ما قيمته 3.7 مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة لإقامة مجمع ضخم لإنتاج الأسمدة الزراعية بإثيوبيا. بهذا المشروع سيُحقق المغرب عدة منافع، أبرزها: أولا، تمكين مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط ومعها مجموعة من الشركات المغربية من التَّمَوقع افريقيا. ثانيا، سيحول المغرب إلى شريك أساسي لدعم أفريقيا في التنمية الزراعية عبر توفير الأسمدة الأقل تكلفة وأكثر قدرة على التكيف مع المحاصيل والتربة الأفريقية. ثالثا، سيقوي صادرات المغرب وسينعش المبادلات التجارية وسيدفع بعجلة التنمية الاقتصادية وبتطور مؤشر النمو وبنسب مهمة.
إذن، فإعلان المغرب في عهده الجديد عن تقوية علاقات “جنوب-جنوب” كان مناسبة سانحة لاستثمار إمكانياته وخبرته بإفريقيا ، سواء على المستوى الثنائي أو المؤسساتي أو عبر إشراك القطاع الخاص. وقال أمين ضفير، الأستاذ في جامعة الحسن الثاني بالمحمدية والخبير في “الدبلوماسية الاقتصادية” إن “الرؤية المغربية تقضي بجعل هذه الشركات الوطنية سفراء حقيقيين في إفريقيا”.
المحور الثالث: التحديات الإستراتيجية للدبلوماسية الاقتصادية المغربية في افريقيا
يبدو ان هناك صراع النماذج في افريقيا بحيث هناك مواجهة بين نموذج الحكامة والتنمية والنموذج الاقتصادي الريعي وهنا أجاب الخطاب الملكي باديس ابابا على خصوم المغرب بوضوح من خلال القول ” وعلى الرغم من عدم توفره على موارد طبيعية، استطاع المغرب أن يصبح بلدا صاعدا، بفضل خبرته المشهود بها. وقد أضحى اليوم من بين الدول الأكثر ازدهارا في إفريقيا”. انه بخلاصة صراع بين نموذج دول تتوفر على الموارد ولا تستطيع تدبيرها لخدمة مواطنيها ونموذج مغربي لا يتوفر على نفس الموارد لكن منظومة تدبيره تمكنه من تفعيل المتاح لتحقيق الممكن.
فالتحول الذي تشهده القارة الإفريقية يتطلب تطوير بنيات تحتية ذات جودة، مشيرا إلى أن تمويل هذه البنيات يشكل حقلا للفرص بالنسبة للقطاع البنكي بالمغرب .
- كما ان القطاع الخاص الإفريقي ، أدرك أن إفريقيا يجب أن تعول على مواردها ووسائلها الخاصة من أجل تحقيق نموها، مبرزا الدور الذي يمكن أن تضطلع به الدول عبر رؤى إستراتيجية على المدى البعيد من أجل تشجيع الاستثمارات ويمكن هنا للقطاع الخاص المغربي التعاون والافادة انطلاقا من تجربته في مختلف المجالات والمشاريع.
هذا، ولا يشكل التبادل الاقتصادي المغربي الإفريقي سوى 10 في المائة من مجموع النشاط الاقتصادي المغربي مع الخارج في انتظار التوقعات التي قد تصل إلى 20 في المائة عام 2018 عمومًا، كما يعرف التبادل البيني الإفريقي ضعفًا شديدًا حيث لا يتجاوز 10 في المائة من مجموع تجارته الخارجية، وبنسبة أضعف بين دول المغرب العربي لا تتجاوز 3 في المائة.
ومع ذلك تبرز قطاعات اقتصادية يستثمر فيها المغرب إفريقيًا تتمثل في قطاع المعادن، البنوك، التأمين، الاتصالات،المنتجات الزراعية، البناء، المنشآت، المواصلات، الماء، الكهرباء، الموانئ.
– عدم مقدرة المغرب “منفردا” على تنفيذ المشاريع الكبرى في افريقيا لحاجة تلك المشاريع لرؤوس أموال ضخمة .
– أن معظم تجارة أفريقيا موجهة نحو الدول الصناعية وليست موجهة لزيادة التعاون التجاري والاقتصادي على المستوى الإقليمي.
– تعاني أفريقيا من تدني مستوى البنى التحتية بل وانعدامها في العديد من المناطق ما يؤدي إلى صعوبة النقل والشحن للبضائع وارتفاع تكلفته. وقد أكد – على سبيل المثال – أحد تقارير الأمم المتحدة المتخصصة أن وجود شبكة بنية تحتية في إفريقيا أهم بكثير من إزالة القيود على التجارة.
– عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بطبيعة التشريعات المشجعة للاستثمار وحوافز وضمانات ذلك الاستثمار وبخاصة في الدول الأفريقية .
– قلة البيانات والمعلومات المتاحة عن فرص الاستثمار في أفريقيا.
– صعوبة التحويلات النقدية والمالية عبر بعض دول افريقيا, وعدم وجود سياسات مالية واقتصادية ثابتة تبعث على الاطمئنان, بالإضافة الى معاناة بعض الدول الأفريقية من حالة عدم الاستقرار السياسي.
وعليه، فالتوجه الاقتصادي نحو إفريقيا تمليه أسباب موضوعية بالأساس، بالضرورة تشترك مع السياسي في ما يخص عودة المغرب للكيان الإفريقي والعمل على بناء حضور متميز تمليه المصلحة المشتركة، وهو ما يجد قبولاً من لدن السوق الإفريقية؛ وذلك بالنظر إلى حجم المشاريع المشتركة التي أُنجزت في بلدان القارة من لدن القطاع الخاص والعام المغربي في السنوات الأخيرة بالمساهمة أو الاقتناء: 21 بنكًا إفريقيًا، 4 شركات للاتصالات بالقارة الافريقية، بما يقارب 30 مليون مستعمِل للهاتف النقال، الحضور في 13 دولة في قطاع التأمين، الحضور في 6 دول في قطاع استخراج المعادن: الذهب والنحاس والكوبالت، إلى غير ذلك. عمومًا هناك 930 مقاولة مغربية حاضرة في السوق الإفريقية، وثلثا الاستثمارات الخارجية المغربية تتجه نحو القارة؛ مما يجعل المغرب أول مستثمر إفريقي في غرب ووسط افريقيا.[15]
ويندرج هذا الحضور الاقتصادي المغربي بالقارة في أفق بناء علاقات استراتيجية بينية إفريقية، من أهم مميزاتها الارتكاز على العلاقات الثلاثية والتي تحاول في المستقبل القريب وآنيًا جعل المغرب مركز التقاء/محورًا للعلاقات الاقتصادية بين القارة والشركاء الأوروبيين والشركاء العرب خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، وربما أيضًا مع بعض الشركاء في الشرق الآسيوي.
كما تتجه هذه السياسة إلى ملء الفراغ والضعف الذي تعرفه بنية التبادل بين الدول العربية بالشمال الإفريقي خاصة دول اتحاد المغرب العربي الجامد بفعل النزاع بين المغرب والجزائر حول قضية الصحراء
لذلك لا يشكل هذا العمل أية تنافسية مع الجزائر مثلاً بحكم ان هناك تكامل اقتصاد البلدين وليس تنافس بينهما؛ حيث تعتمد الجزائر بنسبة 90 في المائة على تجارة واستخراج المحروقات؛ الشيء الذي لا يتوفر عليه المغرب. بل بالعكس بإمكان هذا النموذج من التعاون إن انفتح على الجزائر، افتراضيًا، أن يمثل قوة اقتصادية كبرى على الأقل لو تم التفكير في شراكة استراتيجية موضوعية بين هرم الاقتصاد في الجزائر )سوناطراك للمحروقات( وهرم الاقتصاد في المغرب المكتب الشريف للفوسفات.
خلاصة القول، إن التحركات الدبلوماسية الجديدة للمغرب على المستوى الإفريقي تنم على الفاعلية الأساسية للمؤسسة الملكية، بل تعتبر محددا أساسيا لاختيارات الدولة الخارجية. إن دور « المؤسسة الملكية في الدبلوماسية المغربية إزاء إفريقيا أصبحت اليوم عاملا مركزيا لتحقيق الأهداف المرسومة، نظرا لعنصر استمرارية المؤسسة الملكية وما راكمته من روابط سياسية وروحية واجتماعية مع دوائر القرار والنفوذ في الكثير من دول غرب إفريقيا [16]
خاتمة:
لقد أصبح المغرب بفضل السياسة الخارجية والدبلوماسية الملكية بعد الزيارات المهمة للملك إلى عدد من الدول الإفريقية و التي همت ما يفوق العشرين دولة، الشيء الذي يعطي إشارات سياسية و واضحة وقوية على أن المغرب دائما و أبدا يراهن على دوره استراتجيي في مد جسور التواصل مع باقي الدول الإفريقية و فتح بوابة أساسية نحوها، الشيء الذي يحتم على المملكة التفكير في إعادة التموقع داخل المجال الإفريقي جنوب الصحراء خاصة بعد التجاوب الذي لقيه الدعم القوي الذي قدمه المغرب لمالي وعلى الدور الذي يلعبه الملك و تدخله شخصيا في حماية الاستقرار بالشمال الإفريقي وغربه عبر خطة بعيدة المدى في مكافحة الإرهاب.
قائمة المراجع:
الكتب:
- غازي حسن صباريني، الدبلوماسية المعاصرة(دراسة قانونية ،) ط 3 .عمان: دار الثقافة،2011 .ص:12
الدوريات:
-المبادلات التجارية والاستثمارات المباشرة المغربية في إفريقيا”، مجلة المالية لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية، العدد 28، أغسطس/آب 2015، ص 14-17.
– مجلة مغرب اليوم، ملك إفريقيا، العدد221(السلسلة الجديدة)، من4/10 أكتوبر 2013، ص: 23.
– Omar Kabaj, le modèle marocain de coopération Sud-sud, le matin 17 mars 2008. op-cit, page 11.-
– Jeune Afrique, Que cherche le Maroc en l’Afrique ?53èannée, n° 2731 du 12 au mai 2013, p.p : 25-27-28.
-Jeune Afrique, l’Afrique en 2015, 55é année, Hors-séries N°39, p : 129.
مواقع الكترونية :
-http://www.maroc.ma/ar – موقع وكالة المغرب العربي للانباء -http://www.aljazeera.net- موقع الجزيرة نت http://www.maec.gov.ma/arabe– موقع وزارة الخارجية المغربية -د.العربي بن رمضان، المقاربة الجيوسياسية الجديدة للدبلوماسية المغربية في افريقيا جنوب الصحراء، موقع افريكا عربي ،2016،
http://afrikaar.com
التقارير :
محاضرة نظمتها «أكاديمية الإمارات» بالسياسة الخارجية للدولة، حول الدبلوماسية الاقتصادية بعنوان «الدبلوماسية الاقتصادية: محور العلاقات الدولية الجديدة»، جريدة الاتحاد الاماراتية 23 ماي 2016
– د.خالد الشكراوي، السياسة المغربية في افريقيا، مركز الجزيرة للدراسات ، قطر،2014
Ministry of Economy & Finance Report. 2014. Moroccan-African relations. (visited 6 February 2017)
المراجع الاجنبية:
-Alin Antil, le royaume du Maroc et sa politique envers l’Afrique subsaharienne, étude réalisée par l’institut Française des relations Internationales(IFRI) en novembre 2003.
[1]– غازي حسن صباريني، الدبلوماسية المعاصرة(دراسة قانونية ،) ط 3 .عمان: دار الثقافة،2011 .ص:12
[2]– محاضرة نظمتها «أكاديمية الإمارات» بالسياسة الخارجية للدولة، حول الدبلوماسية الاقتصادية بعنوان «الدبلوماسية الاقتصادية: محور العلاقات الدولية الجديدة»، جريدة الاتحاد الاماراتية 23 ماي 2016
[3] – Omar Kabaj, le modèle marocain de coopération Sud-sud, le matin 17 mars 2008. op-cit, page 11.
– وفي هذا الصدد يقول جلالة الملك، في خطابه الذي وجهه إلى قمة منتدى التعاون الصيني الإفريقي ببكين يوم 5/11/2006، ما يلي: “وقد قررنا في هذا الإطار منذ سنة 2002، إلغاء جميع الديون المستحقة للمملكة على الدول الإفريقية الأقل نموا، وكذا إفساح المجال لصادراتها لولوج السوق المغربية بدون قيود”، عودة إلى:
http://www.maec.gov.ma/arabe/F-com-ar.asp?num=3583&typ=dr 07/06/2007.
[4] – http://www.maroc.ma/ar موقع وكالة المغرب العربي للانباء
[5] – http://www.mapnews.ma/ar/activites-royales موقع وكالة المغرب العربي للانباء
[6]– راوية توفيق، القارة الافريقية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة ، المصدر: موقع الجزيرة نت
http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/326D650F-9484-4782-814E-AA813ACF8754
[7] – خطاب جلالة الملك محمد السادس أمام القمة الإفريقية الفرنسية الثانية والعشرين بباريس، 20/02/2003، عودة إلى موقع وزارة الخارجية على الشبكة العنكبوتية:
http://www.maec.gov.ma/arabe/F-com-ar.asp?num=2761&typ=dr. 7/6/2007.
[8] Ministry of Economy & Finance Report. 2014. Moroccan-African relations. (visited 6 February 2017)
[9] – المبادلات التجارية والاستثمارات المباشرة المغربية في إفريقيا”، مجلة المالية لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية، العدد 28، أغسطس/آب 2015، ص 14-17.
[10] – د.العربي بن رمضان، المقاربة الجيوسياسية الجديدة للدبلوماسية المغربية في افريقيا جنوب الصحراء، موقع افريكا عربي ،2016،
http://afrikaar.com
[11] – وكالة الأنباء القطرية،01 فبراير 2017
[12] – Jeune Afrique, Que cherche le Maroc en l’Afrique ?53èannée, n° 2731 du 12 au mai 2013, p.p : 25-27-28.
[13] Alin Antil, le royaume du Maroc et sa politique envers l’Afrique subsaharienne, étude réalisée par l’institut Française des relations Internationales(IFRI) en novembre 2003.
[14] Jeune Afrique, l’Afrique en 2015, 55é année, Hors-séries N°39, p : 129.
[15] – د.خالد الشكراوي، السياسة المغربية في افريقيا، مركز الجزيرة للدراسات ، قطر،2014
[16] مجلة مغرب اليوم، ملك إفريقيا، العدد221(السلسلة الجديدة)، من4/10 أكتوبر 2013، ص: 23.