الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

الانتخابات البرلمانية 2017 بالجزائر: لا تغيير في المشهد السياسي

بقلم: د. عبد المجيد رمضان  – أستاذ باحث في العلوم السياسية – الجزائر

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

أفضت الانتخابات البرلمانية في الجزائر، بداية شهر مايو الجاري، إلى إعادة تأهيل حزبي السلطة بأغلبية مريحة في البرلمان القادم، وأسفرت عن معارضة فسيفسائية متنافرة، تتشكل من أحزاب إسلامية وأعضاء مستقلين، وأحزاب صغيرة تتقاسم بينها بقية المقاعد بمقعد واحد أو بمقعدين.

ولم تحمل هذه الانتخابات أي مفاجأة، حيث حافظ حزب جبهة التحرير الوطني على الصدارة، وكسب حليفه في الحكم التجمع الوطني الديمقراطي مزيدا من المقاعد قياسا مع تشريعيات عام 2012، ما سيمكنه من تعزيز حضوره في الحكومة القادمة، التي ستظل نسخة لسابقتها دون إحداث تغيير في المشهد السياسي بالجزائر، في ظل حديث أحزاب معارضة عن التزوير في نتائج الانتخابات.

لكن البارز في هذا الموعد الانتخابي، ارتفاع عدد الممتنعين عن التصويت إلى أزيد من 15 مليون جزائري، بنسبة تقترب من 65 بالمائة من مجموع الهيئة الناخبة، إلى جانب ارتفاع حجم الأوراق الملغاة والبيضاء إلى رقم قياسي بلغ مليونا و750 ألف ورقة.

صورة فسيفسائية للهيئة التشريعية:

تصدر حزب جبهة التحرير الوطني “الأفلان” الحاكم نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة في الجزائر، إذ حصل على 164 مقعدا، إلا أنه فقد 53 مقعدا قياسا مع الانتخابات السابقة، بينما كسب حليفه في الحكم التجمع الوطني الديمقراطي “الأرندي”100 مقعد، متبوعا بتحالف حركة مجتمع السلم “حمس” المحسوب على التيار المعارض الحائز على 33 مقعدا.

وتضع التشكيلة البرلمانية الجديدة النظام الحاكم في وضعية مريحة، ولن تعيق عمل الحكومة، باعتبار بقاء الهيمنة بين أيدي حزبي السلطة الحائزين على الأغلبية بنسبة تفوق 57 بالمائة من أصل 462 مقعدا بالغرفة السفلى للبرلمان الجزائري.

وقد تمكن 32 حزبا زيادة على المستقلين من دخول البرلمان، ما منح صورة فسيفسائية للهيئة التشريعية،وأفرز وضعا لا يتيح أي فرصة لهذه الأحزاب للمناورة وتشكيل قوة ضاغطة داخل البرلمان، باعتبار أن القانون الداخلي للمجلس الشعبي الوطني لا يمنح حق تكوين كتلة برلمانية إلا للحزب الذي تحصل على 10 مقاعد، ولا يحق لحزب تقديم مقترح مشروع قانون إلا في حال حصوله على 20 مقعدا، ويعني ذلك أن هذا الحق سيظل محصورا بين ثلاثة أحزاب فقط لا غير، هي “الأفلان” و”الأرندي” و”حمس”.

حزب “العزوف السياسي” :

لم تؤت الحملات الدعائية التي انتهجتها السلطة من أجل المشاركة الواسعة في الانتخابات التشريعية أكلها، رغم الميزانية الضخمة التي صرفتها، ورغم مساهمة عدة أطراف في هذه الحملات للدعوة إلى المشاركة، سواء من جانب أحزاب الموالاة أو المعارضة وحتى أئمة المساجد وبعض الفنانين والرياضيين. وسجلت الانتخابات واحدة من أدنى نسب المشاركة منذ إقرار التعددية السياسية في الجزائر منذ نحو ثلاثين سنة، ما أدى إلى ظهور حزب افتراضي جديد على أرض الواقع، أخذ تسمية حزب “العزوف السياسي”.

وأثارت النسبة الضعيفة للمشاركة وامتناع 15 مليون جزائري عن الإدلاء بأصواتهم، كثيرا من التحليلات، أجمعت على أنهذه الظاهرة تحمل رسالة رفض واضحة لمنظومة الحكم في الجزائر، وتعبر عن تذمر صريح للسياسة الحكومية المطبقة في معالجة مختلف الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تتقدمها غياب مبادئ الديمقراطية والضمانات بتحقيق انتخابات حرة ونزيهة، واستشراء الفساد وطغيان الرشوة والتعسف. كما يعبر هذا الامتناع عن قناعة راسخة لدى المواطن الجزائري، أن هذه الانتخابات وغيرها باتت لا تقدم ولا تؤخر شيئا في ممارسات السلطة، ولا تساهم في تحسين أوضاعه الاجتماعية.

وأبرزت بعض التحليلات، أن العزوف السياسي بكل أشكاله، هو الفائز الوحيد خلال هذا الاستحقاق بالمقام الأول، يليه حزب الأوراق الملغاة التي تحمل هي الأخرى رسائل غضب متعددة، بعدما أضحت في مخيال الناخبين في الجزائر أن صورة النائب المنتخب في البرلمان مرادفة للراتب المالي الباهظ الذي يتقاضاه والامتيازات المادية المفرطة التي يستفيد منها، وأن العضوية في البرلمان مرادفة أيضا لخدمة المصالح الخاصة والانتفاع من المزايا على حساب الانشغال بقضايا المواطن، إلى جانب النعوت التي التصقت خلال السنوات الأخيرة بالنائب البرلماني المرتبطة بالمال الفاسد وشراء الذمم والنفاق السياسي.

اتهامات بالتزوير والتلاعب بأصوات الناخبين:

لم تتحفظ الأحزاب المعارضة من توجيه اتهامات للسلطة بتزوير هذه الانتخابات التشريعية، ولم تختف التصريحات المفعمة بالتلاعب بنتائج الانتخابات من القاموس السياسي، على الرغم من إسناد مهمة الإشراف على العملية الانتخابية إلى هيئة عليا مستقلة، تم استحداثها بموجب الدستور المعدل في 2016.

وقد اتهم رئيس حركة مجتمع السلم، الإدارة بتوظيف أدواتها ونفوذها لمنح أصواتها لحزبي السلطة، وتحدث عن ممارسات فوضوية للتأثير على سير العملية الانتخابية. وطالبت الأمينة العامة لحزب العمال، التي تحصلت على 11 مقعدا، بإعادة تنظيم العملية الانتخابية وإلغاء نتائج الانتخابات بالولايات التي شهدت، حسبها، عمليات التزوير. ودخل رئيسا حزب الجبهة الوطنية الجزائرية، والجبهة الوطنية للعدالة الاجتماعية في إضراب عن الطعام بعد أن خرج حزبهما خاليا الوفاض من الانتخابات.

بالمقابل، أكدت الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات أنها قامت بما يلزم من أجل الحفاظ على نزاهة الانتخابات، في حدود الإمكانيات والصلاحيات التي وضعت تحت تصرفها بموجب الدستور. وألقت باللائمة على الأحزاب التي لم تضطلع بمسؤوليتها كاملة لتأمين مصالحها الانتخابية.

كما أكد وزير العدل عن فتح تحقيق في الإخطارات وعددها 38 التي رفعتها هيئة مراقبة الانتخابات للنواب العامين، بالإضافة إلى الشكاوى التي رفعتها بعض الأحزاب المشاركة بخصوص تجاوزات تم تسجيلها خلال هذه الانتخابات. وأعلن المجلس الدستوري عن حق كل مترشح أو حزب سياسي مشارك في الانتخابات التشريعية الاعتراض على صحة عمليات التصويت، طبقا للمادة 171 من القانون العضوي المتعلق بنظام الانتخابات.

ومهما كانت طبيعة القرارات التي ستصدرها الجهات القضائية، فإن النتائج التي ستتمخض عنها لن تغير التركيبة العامة للبرلمان التي ستبقى الغلبة فيها للأحزاب الموالية للسلطة.

تركيبة البرلمان ترسم تشكيلة الحكومة القادمة:

بغض النظر عن النتائج الحقيقية للانتخابات في الجزائر، من كونها حسب أحزاب الموالاة نتائج طبيعية ومتوقعة أفرزتها إدارة الشعب، أو من كونها حسب الأحزاب المعارضة نتائج غير واقعية ومزوَّرة، فإن هذه المواقف المتباينة لا تغير من المشهد السياسي القائم على أرض الواقع، الذي يُبقى الغلبة للأحزاب الموالية للسلطة، ويجعل الأحزاب الإسلامية قوة سياسية رمزية لا تمتلك القدرة على رسم معالم الخريطة السياسية أو اقتراح برامج بديلة، ويضع الأحزاب المعارضة في موقف ضعيف ولا تستطيع تأسيس كتلة برلمانية قوية قادرة على قول كلمتها وفرض مواقفها وتمرير مشاريعها.

ولا ينتظر المراقبون الكثير من برلمان انتخبه 35 بالمائة فقط من الجزائريين، حيث يفتقد للمصداقية والثقة. لكن من المؤكد أن السيطرة ستبقى لصالح نواب حزبي السلطة والأحزاب التي تدور في فلكها مثل تجمع أمل الجزائر (19 مقعدا)، وجبهة المستقبل (14 مقعدا)، والحركة الشعبية الجزائرية (13 مقعدا)، مع احتمال انضمام ممثلي التيار الإسلامي والنواب الأحرار (28 مقعدا) لتشكيل تحالف حكومي شرعت السلطة في إعداده بفتح مجال الاتصال بقيادات الأحزاب الفائزة في التشريعيات، ودخلت في سلسلة مشاورات معهم، بغرض إقناعهم بضرورة المشاركة في الحكومة المقبلة.

ويُنتظر برأي الكثير، أن تُمنح فيها بشكل رمزي بعض المناصب الوزارية لأطياف سياسية أخرى خارج إطار الموالاة، من أجل تقاسم الأعباء في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الجزائر، جراء تراجع أسعار النفط وتقلص إيرادات الدولة.

ويظل انسحاب الوزير الأول الحالي من المشهد الحكومي أو بقائه، محل تساؤلات وتخمينات. فمن الناحية الدستورية، فإن الوزير الأول الحالي عبد المالك سلال ممثل حزب جبهة التحرير الوطني، وأحمد أويحي الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي الحزب الثاني في البرلمان، يمتلكان أكبر الحظوظ  للظفر بهذا الموقع القيادي في الجهاز التنفيذي، طبقا للفقرة الخامسة من المادة 91 من دستور 2016، حيث تمنح رئيس الجمهورية “حق تعيين الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية، كما ينهي مهامه”.

ويرغب كل طرف في استخدام هذه القاعدة الدستورية لمصلحته الحزبية، ذلك أن حزب جبهة التحرير الوطني يعتبر نفسه القوة البرلمانية الأولى، ما يؤهله لافتكاك الوزارة الأولى، بينما يعد التجمع الوطني الديمقراطي جزء أساسيا في الأغلبية البرلمانية، على أساس أن غريمه لا يمتلك الأغلبية المطلقة منفردا. ومن ثم، فإن رئيس الجمهورية يحق له، من الناحية الدستورية، أن يختار أي شخصية من هذه الكتلة الائتلافية.

الخاتمة:

لم تسفر الانتخابات البرلمانية السادسة في تاريخ التعددية السياسية بالجزائر، عن ميلاد خارطة سياسية جديدة، بعد احتفاظ حزبي “الأفلان” و”الأرندي” باحتكار المنافسة على الصدارة المتداولة بينهما منذ الانتخابات البرلمانية سنة 1997. ولن يشهد المشهد السياسي، على ضوء ذلك، أي تغيير. ولن تتمكن الأحزاب المعارضة خصوصا جبهة القوى الاشتراكية، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وحزب العمال من استبدال مجهريتها الانتخابية بالاندماج الشامل لتصبح قوة سياسية لها ثقلها السياسي، بل إن بعض الأحزاب الصغيرة ستزول نهائيا عن الساحة السياسية بعد أن فشلت في ضمان مقعد وحيد على الأقل في هذا البرلمان.

في المحصلة، لم تؤد الانتخابات البرلمانية الأخيرة إلى التغيير الذي ينشده المواطن الجزائري في العمل السياسي والحزبي وفي إدارة الانتخابات التي شابتها تجاوزات، ما يترجمه العزوف الانتخابي القياسي والمرتقب تفاقمها في الاستحقاقات القادمة مع استمرار نفس الأوضاع.

نتيجة لذلك، سيبقى الوضع السيـاسي بالجـزائر على حاله، وستحسم السلطة الحاكمة لعبة الانتخابات وفق خططها لتمهد الطريق لأحزاب السلطة فتحقق سيطرتها مجددا على المجالس المحلية في الانتخابات القادمة قبل نهاية العام الجاري 2017، وتواصل إحكام قبضتها على ثلثي مقاعد مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) التي ستنبثق عن تلك الانتخابات المحلية تحديدا.

وتتم جميع هذه الترتيبات من طرف النظام الحاكم من أجل تعبيد طريق آمن في الانتخابات الرئاسية الحاسمة عام 2019، تحفظ نتائجُها مصالحَه، وتضمن استمراره.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى