عاجلمقالات

مبدأ ترامب في العلاقات الدولية

بقلم/ أ. منصور أبو كريم – باحث في الشؤون السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

 

أصبح يتداول في حقل العلاقات الدولية مبدأ جديد، أطلق عليه مبدأ ترامب، وهو مبدأ جديد في حقل العلاقات الدولية يوضح طبيعة النظام الدولي فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأبرز خصائص وسمات هذا المبدأ هو أن السياسة الدولية في عهد ترامب صبغت بطابع اقتصادي، وأنها سوف تكون محكومة إلى حد بعيد بالصفقات الاقتصادية والتجارية، نظراً لأن ترامب رجل أعمال وليس رجل سياسة يرغب في الوصول لصفقات سياسية ذات طابع اقتصادي بشكل سريع، كما حدث خلال القمة الإسلامية الأمريكية في الرياض. بالإضافة السمة العامة أو النزعة الأساسية التي يعمل من خلالها ترامب تعتمد على عقلية قومية بخلاف العقلية العالمية التي كان يستند إليها أوباما، فترامب يمجد الدولة القومية ويعتبرها أساس التحرك في سياسته وأن المصالح القومية فوق كل اعتبار.

ويتبنى ترامب في سياسته الخارجية مبدأ “أمريكا أولا” كالهدف العام من سياسته الخارجية بمعنى أنه لا يجب على أمريكا أن تؤَّمن مصالح غيرها أو تضعها في اعتبارها بالقدر الحالي، مع ضرورة الالتزام بالمصالح الأمريكية والتعامل معها على أساس أنها الدافع الأساسي لأي تحرك على مستوي السياسة الخارجية. فأمريكا ليس عليها أن تتحمل عبء حماية أو دفاع عن دول أخرى دون مقابل.

وتعتبر زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة والصفقات التي وقعها تجسيداً عملياً لهذا المبدأ الجديد، فالزيارة تعتبر نقطة تحول كبيرة في تاريخ منطقة الشرق الأوسط، لأنها دشنت لمرحلة جديدة من تاريخ العلاقات الدولية؛ وبداية لمرحلة تعود فيها سياسة أمريكا تجاه المنطقة إلى سياستها التقليدية، عبر إعادة بناء تحالفاتها مع حلفائها التقليدين، فهذه الزيارة التي بدأها الرئيس ترامب بعقد اجتماعات قمة مع الدول العربية والإسلامية في الرياض، وأكد خلالها في بخطاب قوى وصريح، على موجهة الإرهاب والقوى الداعمة له، ووقع خلالها العديد من الصفقات الاقتصادية والعسكرية، أظهرت بشكل كبير دخول العلاقات الدولية مبدأ جديد، أصبح يطلق عليه مبدأ ترامب.

ورغم أن هناك أفـكار ونظريات كثيرة حاولـت تفسـر السياسـة الدولية بمنطـق “البيزنـس”، Business as Politics ، فقد ظهـر فـي وقـت مـا مجـال بحثـي لـم يحـظ بتمويـل جيـد اسـمه “خصخصـة السياسـة الخارجيـة”، كمـا أن قضايـا مركبـة تتعلـق بعلاقة البيزنـس بالسياسـة، طالمـا طرحـت فـي الشـرق الأوسـط. وعلـى الرغـم مـن ذلـك، فـإن مسـألة الصفقـات قـد تتحـول إلـى “مبـدأ” يسـتند إلـى نظريـة وتطبيـق، بسبب أن ترامـب هـو رئيـس الولايات المتحـدة الأمريكية، وهـي قـوة سياسة واقتصادية كبيرة، وسلوكها السياسي يؤثر على الأوضاع في العالم كله، وهذا ما تؤكده نظرية النسق العقيدي الذي يعطي لمعتقدات الرئيس وتوجهاته السياسية عامل مؤثر في التأثير على توجهات السياسة الخارجية الأمريكية، وهذا ما حدث مع جورج بوش الأبن، الذي كان ينتمى للمحافظين الجديد، والذي تبنى القوة الخشنة أو الصلبة في تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية، والتي أدت لسقوط دول وانهار أنظمة، مما ساعد على انتشار التنظيمات الإرهابية بسبب حالة الفراغ السياسي والأمني التي نتجت عن انهيار مؤسسات الدولة الوطنية في المنطقة.

وظهور المبادئ في حقل العلاقات الدولية ليست ظاهرة جديدة، فكل رئيس جديد يدخل البيت الأبيض يحمل من الأفكار والمعتقدات السياسية والاقتصادية، ما يجعل علماء السياسة يطلقون على سياسته الداخلية أو الخارجية مبدأ يحمل أسمه، البداية كانت مع مبدأ مُونرْو، وهو بيان أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو في رسالة سلّمها للكونغرس الأمريكي في 2 ديسمبر 1823م. نادى مبدأ مونرو بضمان استقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي بغرض اضطهادهم، أو التّدخّل في تقرير مصيرهم. ويشير مبدأ مونرو أيضاً إلى أن الأوروبيين الأمريكييّن لا يجوز اعتبارهم رعايا مستعمرات لأي قُوى أوروبية في المستقبل. والقصد من هذا البيان هو أن الولايات المتحدة لن تسمَح بتكوين مستعمرات جديدة في الأمريكيتين، بالإضافة إلى عدم السماح للمستعمرات التي كانت قائمة بالتوسع في حدودها.

جاء بعد مبدأ مونرو مبدأ “وودرو ويلسون”(1913-1917) ويعتبر مبدأ ويلسون نقطة التحول حاسمة، غيرت معها الولايات المتحدة الأمريكية سياساتها بعدم التدخل، ففي عام 1917 دخلت الولايات المتحدة الحرب إلى جانب دول الحلفاء ضد الألمان والنمساويين والأتراك تحت شعار “منح حق تقرير المصير للشعوب والقوميات التي كانت تحت سيطرة هذه الإمبراطوريات القديمة”.

مبدأ ” فرانكلين روزفلت”(1933– 1945) وجدت الأوساط السياسية الأمريكية، أن التطورات الجديدة لا تنسجم مع التمسك الظاهري بمبدأ مونرو، وأنه لا بد من تحديد خط جديد للسياسية الخارجية، لذلك برز اتجاهان في السياسة الأمريكية. الأول: ينادى بضرورة الابتعاد عن (فكرة الحرب لإنهاء الحرب)، ويدعو الولايات المتحدة لأن تمارس دورها في القيادة الدولية على أساس قانوني دولي يتولى مهمة الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين. والثاني: يرى أن الولايات المتحدة من أجل أن تمارس دورها في قيادة العالم، لا بد من أن تنتهج خطاً عسكرياً مؤثراً على الأحداث الدولية، بالشكل الذي يؤهلها لمواجهه أية مشكلة تهدد الأمن القومي.

جاء بعد ذلك مبدأ “هاري ترومان”(1945– 1953) وكان ترومان مقتنعاً بما بدأه روزفلت، والذي أعطى أهمية للقوة العسكرية بوصفها وسيلة الهيمنة الأمريكية على السياسة الدولية. وقد استفاد ترومان من تجربة روزفلت، واضعاً في اعتباره الأوضاع التي كانت تشهدها الساحة الأوروبية، والمتمثلة بمشاكل اقتصادية خطيرة، وتهديد سوفيتي يهدف إلى إدخالها ضمن الدائرة الشيوعية، مع عجزها عن مواجهة هذه التحديات بعد أن أرهقتها سنوات الحرب. وعلى ضوء هذا الواقع أطلق ترومان سياسته المعروفة بـ “مبدأ ترومان”

وخلال العقود الماضية ظهرت في السياسة الدولية مبادئ جديد، حددت توجهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، من أهم تلك المبادئ مبدأ “كلينتون” (1993-2001) في عام 1995 وضعت الإدارة الأمريكية تحت رئاسة “بيل كلنتون” استراتيجياتها للأمن القومي، والتي تتحدد من خلالها أهم معالم سياستها الخارجية، فبعد مضي عامين على توليه منصب الرئاسة، تفطن “كلنتون” إلى ضرورة وضع استراتيجية، يحدد من خلالها السياسة الخارجية، خاصة وأنه قد أعلن منذ توليه الرئاسة أن الرقم واحد في أولوياته هو الأوضاع الداخلية. ومن خلال دراسة الاستراتيجية التي وضعها “كلنتون”، نجد أنه اختار أن يتبع سياسة خارجية براغماتية، يحكمها المنطق الانتقائي في الانخراط في القضايا الدولية، حيث أن أي انخراط يجب أن يكون في القضايا ذات الصلة المباشرة بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية

مبدأ “جورج دبليو بوش الابن”(2001 -2009) أدت أحدث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إلى إحداث تغيير جوهري في السياسة الدولية، فقد فرضت على الولايات المتحدة الأمريكية تبني استراتيجية جديدة تتماشى مع التحديات الغير مسبوقة التي تعترض لها أمريكا، تلخصت في مقولة (مصالح قومية ومسؤوليات كونية)، في ظل هيمنة المحافظين الجدد على مفاصل إدارة بوش الأبن، وحدد الرئيس بوش استراتيجية جديدة للأمن القومي الأمريكي تُقدم تصوراً لحماية الأمة ترتكز على  استخدام القوة الصلبة في تنفيذ السياسية الخارجية الأمريكية والدفاع عن السلام من خلال التصدي للعنف الصادر عن الإرهابيين والأنظمة الخارجة عن القانون، وتوسيع دائرة السلام بالسعي إلى توسيع نطاق تعم فيه الحرية والازدهار في كوكب الأرض من خلال تفكيك شبكات الإرهاب ومحاسبة الدول التي تأوي الإرهابيين ومجابهة الطغاة العدوانيين. ونتج عن هذه السياسة تدخل في شؤون الدول واسقاط بعض الأنظمة العربية، مثل النظام العراقي، ونظام طالبان في أفغانستان.

مبدأ “باراك أوباما”(2009-2016) حاول الرئيس أوباما تحسين صورة بلاده التي تآكلت بسبب سياسة بوش الأب في العالم، والتي أعطت أولوية للخيار العسكري على نظيره الدبلوماسي في التعامل مع القضايا الخارجية، حيث تم اعتماد القوة الناعمة بدل القوة الصلبة في تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية، عبر تحويل سياسة واشنطن الخارجية إلى سياسة المتفرج أو المتدخل عن بعد، بدلاً من الانسياق المتسرع والمتهور وراء الأحداث مثلما كان ذلك حاصلاً خلال فترة حكم جورج بوش الابن. فكانت أولى مهامه التي أعلن عنها مع بداية فترته الأولى الرئاسية، إنهاء حربي العراق وأفغانستان والتواصل مع العالم الإسلامي، وأعتبر أوباما الشرق الأوسط منطقة محورية في سياسته الخارجية، من حيث الالتزامات الملحة التي تواجهها الولايات المتحدة وصورة أمريكا العامة في العالم، والتي تحتاج إلى تحسينها.

على الرغم أن المبادئ في السياسة الدولية ليست بالظاهرة جديدة، فهي قديمة ومعروفة لدى علماء السياسة والعلاقات الدولية، فهناك العديد من المبادئ التي حملت أسماء رؤساء سابقين للولايات المتحدة الأمريكية كما وضحنا سابقاً، إلا أن مبدأ ترامب يعتبر من المبادئ الفريدة في حقل العلاقات الدولية، فهو أول مبدأ يعطي السياسة الدولية صبغة اقتصادية وتجارية أكتر من الصبغات الأمنية والعسكرية، باعتبار أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رجل أعمال وليس رجل سياسة.

منصور أبو كريم
منصور أبو كريم
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى