اعداد : د. بلال الصباح – باحث في الشؤون الإفريقية – عضو نقابة الصحافة في جنوب إفريقيا
وُصفت القمة “الإسلامية الأمريكية” التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض بين الدول العربية والإسلامية وبحضور الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بأنها قمة “تاريخية”. وأتفق تماماً مع هذا الوصف؛ ولكن كيف نقرأ هذه “التاريخية” بما يتسق مع التاريخ العربي المُوثق؟!.
لنتفق أولاً على أن “الصراع الإنساني” قد بدأ منذ خلق البشرية، وأنه لن ينتهي إلا بقيام الساعة على شرار الخلق، كما أن للصراع الكثير من الأوجه والمفاهيم التي تدور حول الهوية العرقية والدينية.
ولكن عادة ما يكون للصراع “إدارة إنسانية” التي تكون بمثابة صمام الأمان في حفظ العرق والدين من الصراعات الدموية داخل المجموعة ذاتها.
وبالعودة إلى التاريخ القديم والمُوثق، نجد أن الإدارة العربية لشؤون العرب والمسلمين أخذت بالإندثار التدريجي بعد أن استعان “العباسيون” بالفرس والعجم للتخلص من حكم “الأمويين” ذو الصبغة العربية، واستمر حكم العجم حتى نهاية الدولة التركية.
وعلى الرغم من بعض الإيجابيات من حكم العجم لبلادنا، إلا أنهم حَرصوا على عسكرة المنطقة العربية بما يُفيد مصالحهم في التوسع الجغرافي أكثر منه الدعوي، حيث بلغ الفقر والجهل ذروته في بلاد العرب، والجميع يُدرك مدى الفروقات الحضارية بين تركيا والجزيرة العربية وبلاد الشام آنذاك، حيث كانت الحضارة بأنواعها حكراً على الأتراك فقط دون العرب.
ولهذا الجهل دور كبير في تشرذم العرب على مجموعات من الأفكار السياسية المُتضادة، وهذه الأضداد لا يُمكن أن تلتقي عند نقطة معينة وخاصة أصول الدين الإسلامي.
حيث كان لإيران الحظ الأوفر في رعاية تلك الأفكار وإدارتها وفق منهجية قائمة على فكرة تقديم الأرض على الدين؛ أي بمعنى تقديس الأرض على حساب الدين، وهنا التقت جميع التيارات الإسلامية والشيوعية واليسارية والإشتراكية والبعثية والقومية على أبواب فلسطين برعاية إيرانية.
إذاً الشاهد هنا بأن وصف القمة “الإسلامية الأمريكية” بالتاريخية لم يكن من أجل إلتقاء العرب والمسلمين بالرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”؛ فالعلاقات العربية والإسلامية مع واشنطن تمتاز بالقوة منذ زمن بعيد، كما أن اللقاءات العربية مع الدول الإسلامية تنعقد سنوياً، ولا غرابة أو جديد في ذلك.
ولكن ما حدث في قمة الرياض هو بمثابة الفرصة للبدء في عملية إعادة مفاتيح زمام القيادة للعرب؛ حيث التوافق العربي مع جميع مسلمي العالم ومع حضور القوة الأمريكية العظمى؛ هي رسالة مفادها بأن المملكة العربية السعودية وبحكم موقعها الجغرافي والديني والدور الذي قدمته منذ تأسيسها هي دولة ذات إستطاعة إيجابية على تمثيل جميع العرب والمسلمين أمام العالم، وخاصة في مجال مكافحة “التطرف الديني” الذي انتعش على الأفكار التي انتشرت جهلاً بين العرب والمسلمين تحت إدارة الفرس للصراعات في العالم الإسلامي تحت مُسميات الجهاد والموت.
ولقولي خلاصة؛ بأن إستثناء إيران والنظام السوري من حضور القمة “الإسلامية الأمريكية” لا يعني نهاية الصراع في المنطقة؛ ولكن يُمكن القول بأن المملكة العربية السعودية استطاعت خلخلة إدارة إيران للصراع الذي استولى عليه الفرس قبل ألف ومائتي عام بعد سقوط الأمويين.
وهو حقاً ما يستحق بوصفه بالتاريخي، فالتفاهم العربي والإسلامي أمام القوى العظمى هو أجمل صورة سوف يُدونها التاريخ خيراً ونفعاً على الجميع. ومقالي هذا عند قوله صلى الله عليه وسلم بأنه لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى؛ ولكن أستشهد أيضاً بأن نجاح المؤسسات الأمريكية العابرة للقارات لم يتحقق إلا بعد تدريب وتعيين مدراء لهذه المؤسسات من أبناء الدول التي تتوجه لها الشركات الأمريكية.
فالتسويق والإدارة لا تنجح إلا من خلال المرور من ثقافة مجتمع ما، وهكذا إدارة الصراعات في المنطقة العربية لا يمكن كبحها والتقليل منها إلا بالإدارة العربية فقط.