قطر بين ضلال الساسة وتطبيقات نظرية المؤامرة
اعداد السفير: بلال المصري – سـفـيـر مصر السابق لدي ألأنجولا وساوتومي والنيجر
- المركز الديمقراطي العربي
قطعت السعودية والإمارات العربية والبحرين ومصر واليمن والجزء من ليبيا الذي بيد دعي والمالديف , علاقاتهم الدبلوماسية مع قطر الدولة العربية ” الشقيقة ” في صباح يوم الأثنين 5 يونيو 2017 , ومن المصادفات الكاشفة عن طبيعة ومآل هذا القرار أنه ومنذ خمسين عاماً وفي يوم الأثنين الموافق 5 يونيو 1967 قطعت الهزيمة العسكرية والسياسية والأخلاقية التي مُنيت بها ثلاث دول عربية , الشك باليقين في أهلية الزعامات التي تولت السلطة في مصر والأردن وسوريا , وهي الزعامات التي إستمرت تحكم بعد هذه الهزيمة العار بإسناد من وسائل الإعلام والنخب السياسية من خلال حملات تضليل مُعدة مُسبقاً , وكان بقاء هذه الزعامات المهزومة التي إفتقدت الشعور بالخجل أو العار الذي لحق بالأمة العربية , في حد ذاته هو الأساس المنطقي لما يحدث الآن لقطر تلك الدولة العربية التي لا تتعدي مساحاتها 11,000 كم مربع .
تأسس قرار السعودية والإمارات واليمن ومصر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر علي إدلاء أميرها بتصريحات في مايو 2017 وضعها قراصنة علي موقع وكالة الأنباء الرسمية القطرية مضمونها يتعلق بإنتقاد معاداة إيران وإبداء التعاطف مع ثلاث جماعات إسلامية خاصة جماعة الأخوان المسلمين وحماس وإتهام السعودية بتبني نهج متطرف يرعى الإرهاب والتلميح بأن دونالد ترامب قد لا يبقى رئيسا للولايات المتحدة لفترة طويلة كان من شأنها إغضاب دول الخليج , ومما يثير الدهشة وأحياناً الخجل أن الدول التي قطعت العلاقات مع قطر تتهمها بتمويل الإرهاب وبينهم دولة كبري سعت للحصول علي وديعة تُوضع بمصرفها المركزي دعماً لإحتياطيها النقدي المُتناقص وأخري رقص ملكها مع مُستقبليه القطريين وهو في غاية الرضي والحبور وآخر قال علناً للدكتور يوسف القرضاوي إمام الأمة وهو يسلمه جائزة أميرية أن يصحح لهم أخطائهم إن هم أخطأوا , والتفاصيل مُتعددة عن إضطراب منطق من قطعوا علاقاتهم مع قطر .
لكن السؤال لماذا هذا الإلتفاف العلني المُهين لهؤلاء ؟
وهل الأمر يستحق أن يُري هؤلاء وهم يصطنعوا الأدلة إصطناعاً بدون أن يدركوا أن هذه الأدلة المُصطنعة تغطي مدي زمني ممتد حدثت خلاله الرقصة الملكية والدعم المالي لمصر وطلب النصح من أمام وضعته دولة أخري علي لائحة الإرهاب التي يعلنونها وكأنها كُتبت علي ألواح مُقدسة , فيما هي أفكار صبيانية لإلحاق الضرر برجال هم ذخيرة أي أمة مُحترمة ؟
إذن نحن لسنا أما لغز مُشفر ولا نحن أمام معادلة رياضية مُعقدة نحن أمام منظر عام ينطق بالخراب خراب الذمم وخراب بنيان أمة العرب بيد عرب , وقد أوجز القرآن الكريم هذا المنظر الكئيب مُثبط الهمم بقوله تعالي في الآية بسورة “فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ” .
لم تكتف الدول الأربع المُشار إليها بقطع العلاقات بل إنها علقت رحلاتها الجوية (فيما عدا سلطنة عُمان حتي الآن) من وإلي الدوحة وأغلقت مجالاتها الجوية أمام الخطوط الجوية القطرية وهو ما لم تفعله في أزمة 2014 عندما أستدعت سفراؤها للتشاور حنقاً منها علي السياسة القطرية التي تضمنت أداء دور سياسي نشط والقيام بوساطات فعالة وحركية مثالها في قضيتي جنوب السودان ودارفور وغيرهما , والأداء المُنفتح والذي يحترم عقلية المواطن العربي ويعمل علي تنميتها وتوسيع إدراكها للواقع السياسي والإقتصادي بل والحضاري لأمة العرب اليوم بالإضافة إلي إستضافتها معارضين إسلاميين معظمهم ينتمون لمصر وبعض دول الخليج العربي , وهو ما لم تتوقف قطر عن القيام به فما كان من هذه الدول التي لم تتحمل ببلدانها معارضيها فلجأوا إلي قطر وتركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهم من الدول الغربية إلا وثارت ثورتها علي قطر ثانية , في الوقت الذي تتعرض فيه وتبتلع جرعات من الإنتقاد المر وأحياناً المهين من أعضاء بمجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين وساسة أوروبيين كثر تتحملهم سريرة حكام العرب ولا تتحمل كلمة معارضة من أبناء جلدتهم .
- لكن لماذا إتسعت دائرة غضب السعودية والإمارات والبحرين ومصر من قطر هذه المرة لتصل إلي هذا المدي غير المسبوق ؟
هناك مؤامرة تحاك للعرب مُعدة بعناية في واشنطن وتل أبيب وهي مؤامرة ذات شقين , وقد وزعت نسخ منها علي عواصم عربية معنية بالتنفيذ الأمين لها إذ أن لديها بالفعل بعض أدوات تنفيذها , وهذه المؤامرة تستهدف في الأساس في شقها الأول والأهم تصفية القضية الفلسطينية مقابل تثبيت عروش الطغاة المبتذلين هذه هو الثمن ولا غيره , فالعلاقة بين هؤلاء الطغاة مقاولي الهدم مع كفلاءهم في واشنطن وتل أبيب علاقة آمر ومأمور ولا تتعدي ذلك , ولما كانت قطر تمثل بسياستها والجزيرة منصتها الإعلامية ذات النفوذ والتأثير المُتنامي في الوطن العربي – وهو تعبير تكرهه الولايات المتحدة وإسرائيل معاً – فإن الهجوم المُباغت عليها وتصعيده بدرجة غير مسبوقة تعني بلا شك أن حذفها من معادلة دعم المقاومة في غزة التي تمثلها حماس هي الخطوة الضرورية السابقة لخنق حماس والإستيلاء علي قطاع غزة وتنصيب حكومة كالحكومات الوهمية المُحيطة توطئة لتنفيذ إلحاق جزء من سيناء جغرافياً لغزة وتوطين فلسطينيين بهما وطي الصراع الإسرائيلي / العربي نهائياً , في إطار ما عبر عنه أحد هؤلاء بوصف هذه التصفية بأنها “صفقة القرن ” وهي في الحقيقة صفعة القرن” صفعة للحق وللقيم , لكن ألأمثال هؤلاء علاقة ولو مزيفة بالقيم ؟
- وهذه الصفقة الصفعة تتكون من جزئين مُتداخلين مرتبطين ببعضهما البعض :
الجزء الأول :
مسرح تنفيذه أرض سيناء فعلي إمتداد هذه الأرض بالجانب المقابل من الحدود المصرية / الفلسطينية تربض “حماس” في عرينها بغزة بعد أن تسلمت الحكم في الأراضي المُحتلة بعد فوزها بإنتخابات شفافة ونزيهة لكن ذلك لم يرض النظم غير المنتخبة والتي يسمونها تحقيراً لها بأنها مُعتدلة فبدأ تجميد إتفاق المعابر بين غزة وكل من مصر وإسرائيل لخنقها وشنت إسرائيل حروباً وغارات مُتقطعة علي سكانها لعل ذلك يضغط علي سلطة “حماس” فيتم التخلص منها شعبياً , فلما أعيتهم الحيل بحثوا عن داعمي حماس وأهمهم قطر فحاولوا الضغط عليها فأخفقوا وتناقصت وتيرة الضغوط خاصة وأن أنظمة سقوط الأندلس تلك إستهلكتها ثورات الربيع العربي لكنها مازالت قلقة ففي بقاء حماس حية فعالة ما يبعث علي خشية هذه الأنظمة فبقاء نموذج مُشرق للمقاومة يجدد الأمل في نفوس الشعوب العربية خاصة وأنهم يحكمون بنظم تمت بصلة وثيقة لحفريات ما قبل التاريخ , لكن جد جديد عندما تولت إدارة الرئيس Donald Trump والتي هي وفقاً لأوصافهم التي يخلعونها علي التيار الإسلامي ” إدارة مُتطرفة ” تسعي إلي إحكام تنفيذ نظرية الأمن القومي الإسرائيلي بمساعدة فعالة ومباشرة من فريق من الحكام العرب هم في حقيقتهم نسخة جينية Genetic copy من ملوك الطوائف زمن سقوط الإندلس ولا مهمة يمكن أن توكل إليهم غير مهام الخيانة , ويقتضي تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية إزالة حماس من الوجود بغزة تمهيداً لدمج غزة في جزء من الوطن البديل بسيناء التي تردد – بدون أي تأكيد رسمي حتي الآن فقط إستناداً علي قرائن أهمها وقف مصر للمشروع القومي لتنمية سيناء وتحويل تمويله عام 1996 إلي مشروع توشكي الذي إستقر الآن في لائحة المشروعات الدعائية لفراعنة مصر وتفريغ الشريط الحدودي مع غزة وبعمق ما من سكانه – وربما كانت هناك ثمة رابطة فكرية بين مشروع الملك حسين عن الإتحاد الفيدرالي بين الضفة الغربية والأردن والتي رفضته طويلاً منظمة التحرير الفلسطينية إلي ان أعلن الأردن في يوليو 1987 عن قراره بفض الروابط بينه وبين الضفة الغربية , لكن الذي يبعث علي الدهشة أن إسرائيل في ذروة إنتصارها عقب حرب 5 يونيو 1967 طرح ساستها وعسكرييها وأحزابها للنقاش 3 نماذج لتسوية ( تصفية ) القضية الفلسطينية هي (1) نموذج خطة Dyan Plan وهي لم تكن خطة مكتوبة لكنها جماع سياسات وزارة الدفاع الإسرائيلية في الأراضي المُحتلة أو المُدارة في عهد وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق Dyan وكانت قائمة علي خمس مبادئ لم تكن ذات صلة بسيناء , (2) خطة إيجال ألون أو The Yigal Allon Plan والتي أُتبع فيها التخطيط طويل وقصير الأمد وهي الأخري قامت علي خمسة مبادئ ليس لها صلة بسيناء , ومن بين هذه المبادئ حق إسرائيل التاريخي في إقامة دولة والمحافظة علي الشخصية اليهودية لهذه الدولة (3) خطة A .Eliav السكرتير العام الأسبق لحزب العمل الإسرائيلي وهي الأخري لم يكن لها أية صلة بسيناء , فما هو الذي طرأ علي بنيان القضية الفلسطينية حتي تُختزل في إذابتها في جزء من سيناء ؟ وما هو إذن بناء علي هذا مستقبل السلطة الفلسطينية والضفة الغربية ؟ والإجابة بإختصار عن السؤالين أنه لم تعد هناك قيادات عربية بأي معيار , خاصة وأن الطريقة التي بدأت بها تسوية الصراع في إتفاقيتي الفصل الأول والثاني للإشتباك في مصر وسوريا وبعدهما معاهدة السلام الإسرائيلية / المصرية في 26 مارس 1979لم تكن من مدخل تاريخي أي بين العرب واليهود بل جغرافي بحت ولذلك كانت القضية إعلاميا يُروج لها أنها نزاع في الشرق الأوسط أي أن مدخل التسوية جغرافي بحت لا ديني ولا حتي إيدولوجي أي أنه مُتعلق بالأراضي فحسب , ومن هنا إنبثق مفهوم تبادل الأراضي الذي علي أساسه يتصور من ينفذون المؤامرة المُرتقبة أن جزءاً من سيناء مُتاخم لغزة يُلحق بها ليستوعب السكان الفلسطينيين من شأنه أن يمثل “صفقة القرن ” , ومن هنا كان لابد من إزالة غزة كما أشرت ولإزالتها يجب قطع خطوط الإمداد من قطر وأنقرة لاحقاً والأتراك يعلمون أن دورهم في ممارسة ضغوط أقوي ومختلفة عليهم آتية لاريب فيها , ولذلك بادر البرلمان التركي و صادق 7 يونيو 2017على مشروع قانون يتيح نشر قوات في قاعدة عسكرية تركية بقطر في تحرك يهدف – وفقاً لتوقيت هذا التحرك التركي السريع – لدعمها في مواجهة عزلة دبلوماسية وتجارية من بعض من أكبر القوى في الشرق الأوسط , وفي معرض رده على أسئلة نواب البرلمان قال نائب رئيس الوزراء التركي ويسي قيناق ، إنه ” ليس من الصائب والسهل القول لدولة معينة أنتم دولة إرهابية بسبب قطع ستة أو سبعة دول علاقاتها بها فقط ” ، وذلك في إشارة إلى قطر التي إستجابت إلي تحركات إيجابية روسية بإتجاهها لا تخلو من دلالات رمزية خاصة مع الوضع في الإعتبار أن تركيا عضو مهم في حلف شمال الأطلنطي لا يجب أن تُوضع في ركن في وضع الدفاع وإلا سجلت روسيا تقدماً أكثر في الشرق الاوسط بعد وضح نفوذها في سوريا التي بلا زعيم يُعتد به في دمشق .
الجزء الثاني :
التخلي عن جزيرتي تيران وصنافير بمدخل خليج العقبة هو الجزء الذي تنفذه إسرائيل وله علاقة بتصفية القضية الفلسطينية , إذ أن نزع هاتين الجزيرتين من يد مصر التي كان من المُفترض حيازتها لقدرة مميزة علي شل الحركة البحرية لإسرائيل من خليج العقبة ومنه إلي البحر الأحمر , بإيلولتها للسعودية التي لم يتبن جيشها عقيدة عسكرية إسرائيل تمثل فيها العدو سيعمل علي تقارب سعودي / إسرائيلي جغرافياً وأمنيا ومن أجل ذلك كان التحرك الامريكي مبكراً جداً في هذا الشأن , إذ أن وثائق الولايات المتحدة تثبت ضرورة فصل خطر جزيرة تيران بمضيقها عن يد عسكرية مصرية نزيهة إحترافية بالإيعاز إلي السعودية بإدعاء حق أي حق فيها للتخلص من سيطرة مصرية علي الملاحة الإسرائيلية بخليج العقبة الرئة الإسرائيلية البحرية الثانية الموصولة بأفريقيا الشرقية , وهناك وثيقتين تثبتان أن نزع تيران من جسد مصر إستراتيجية أمريكية من أجل إحكام أمن إسرائيل وهما :
(1) الوثيقة الأولي :
وهي عبارة عن خطاب من الرئيس الأمريكي Dwight David Eisenhower للملك عبد العزيز آل سعود مُؤرخة في 14 فبراير 1957(حُذفت حالياً من موقع الخارجية الأمريكية) محفوظ بأوراق الرئيس Eisenhower تحت رقم 38 , ويُلاحظ أن السعودية عممت مذكرتها علي البعثات الدبلوماسية بالسعودية في 31 مارس 1957 ثم أرسلت مذكرة أخري لأمين عام الأمم المتحدة وُزعت علي ممثلي الدول أعضاء الأمم المتحدة في أبريل 1957 وكلاهما بشأن بيان تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية لا لمصر , وكان توقيت المذكرتين تالياً لزيارة ولقاء الملك عبد العزيز آل سعود بالرئيس الأمريكي Eisenhower بواشنطن في فبراير 1957 وحديثهما عن مضايق تيران وغزة , ونص الخطاب التالي كاشف عن القوة الدافعة والمنشأة للطلب السعودي للحصول علي جزيرتي تيران وصنافير ألا وهي الولايات المتحدة وذلك نص جزء مهم منه :
” جلالة الملك : خلال زيارتكم الأخيرة لواشنطن ناقشنا سلسلة من الموضوعات تتعلق بالشرق الأوسط . وإتفقنا أيضاًعلي أنه ووفقاً لما قد تتطلبه الظروف في المستقبل علي الإتصال فيما بيننا للنظر في الموضوعات ذات الأهمية , وأحد هذه الموضوعات مسألة الإنسحاب الإسرائيلي من غزة ومنطقة مضايق العقبة (يعني مضايق جزيرة تيران) التي تصدرت إهتمامات الأمم المتحدة منذ مغادرتكم , ووفقاً لذلك فقد أعطينا إهتماماً جديداً لهذا الموضوع الهام , إن أفكارنا نُوقشت مع الأمين العام للأمم المتحدة وهي معروفة من قبل ممثلي مصر وإسرائيل , إن الموضوع نُوقش أيضاً مُؤخراً مع نائب وزير خارجيتكم وسفير جلالتكم , هناك دوائر صحفية قد قامت بالتضليل , ولتجنب أي سوء فهم فإني أريد أن أُعيد التأكيد علي جلالتكم ما يتعلق بموقفنا , إننا نقف أولاً وقبل كل شيئ مع إنسحاب إسرائيلي عاجل من غزة ومضايق العقبة , وجهودنا مُوجهة لتحقيق هذا وبصفة عاجلة , كما أننا لا نعتقد أن إسرائيل ينبغي لها أن تجني مميزات من غزوها أو أن علي مصر أن تبذل وعوداً جديدة لإسرائيل لتؤمن إنسحاباً إسرائيلياً , وفي نفس الوقت , وكما أشرنا لجلالتكم في واشنطن فإننا نعتقد ونظل نعتقد دائماً أن المياه بخليج العقبة لها صفة دولية . ونحن نفهم أن هذه النظرة نشارك مصر فيها كما أشارت إلي ذلك مذكرة من الجكومة المصرية عام 1950 سُلمت للسفير الأمريكي والتي نُص فيها بأن الإحتلال المصري للجزيرتين تيران وصنافير بمدخل خليج العقبة فقط لحماية الجزر نفسها ضد أي ضرر أو إنتهاك , وأن ” هذا الإحتلال ” لا يكون علي أي وجه من الأوجه إنطلاقاً من روح عرقلة وإعتراض المرور البرئ عبر مدي المياه الفاصلة ما بين هاتين الجزيرتين والساحل المصري بسيناء, وتابعت المذكرة بالقول أن هذا الممر هو الممر العملي الوحيد وأن مصر تقر بمبادئ قانون الأمم “.
(2) الوثيقة الثانية :
هذه الوثيقة هي الأكثر إيضاحاً للإستراتيجية الأمريكية / الإسرائيلي لتحقيق أقصي درجات الأمن البحري التجاري والعسكري لإسرائيل , وفي هذه الوثيقة ينحصر الدور السعودي في طلب الجزيرتين أو إنتزاعهما من يد مصر بعون إعلامي أمريكي / إسرائيلي , أُضيف إليه مؤخراً إعلام مصر هانت عليه وطنيته ونصها:
وهي عبارة عن برقية مُفرج عنها تعلقت بأزمة مضيق تيران مؤرخة في 17 يناير 1968 مُرسلة من وزير الخارجية الأمريكية Dean Rusk للسفارة الأمريكية في إسرائيل سلم السفير الأمريكي محتواها لوزير الخارجية الإسرائيلي آبا إيبان , أشار فيها وزير الخارجية الأمريكي لنظيره الإسرائيلي إلي ” أن وجود القوات الإسرائيلية المُستمر في جزيرة تيران كان من المسائل التي نوقشت خلال المناقشات الودية التي جرت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي Eshkol في Texas , ولقد لاحظنا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تحدوه الرغبة في إظهار بلاده لمؤشرات علنية بشأن ترحيبها بالتوصل إلي تفاهم مع العرب وأقترحت أن يكون إنسحاب قواتكم من تيران مثالاً علي ما يدور في خلدنا , ولقد عبر رئيس الوزراء عن تفهمه لوجهة النظر تلك , لكنه أشار إلي أنه سيكون من الصعوبة بمكان التفكير ملياً في موضوع الإنسحاب من تيران في غيبة تأكيدات بالنسبة لنتائج هذا التصرف علي إسرائيل , وحيث أن تبادل وجهات النظر في هذا الشأن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي Levi Eshkol كان مُشجعاً فقد وجهت سفير الولايات المتحدة لدي المملكة العربية السعودية بإستكشاف أكثر لهذه المسألة مع الملك فيصل , وبالفعل أجري سفيرنا نقاشاً صريحاً عن هذا الموضوع مع جلالته في 13 يناير (1968) , وكان تعليق الملك علي ذلك أن قال بوضوح أنه ينظر إلي جزيرة تيران علي أنها (1) جزء من المملكة العربية السعودية , وأن حكومته منحت إمتياز يغطي الجزيرة (لم تشر الوثيقة لمن أعطي هذا الإمتياز) و (2) أنه ليس لديه خطة لعسكرة تيران أو إستخدامها لعرقلة حرية الملاحة في مضيق تيران .” , ومضي وزير الخارجية الأمريكي ليشير لوزير الخارجية الإسرائيلي إلي ” أنه شعر بتشجيع كبير من واقع موقف ملك السعودية حيال هذا الأمر , وأنه بناء علي تأكيداته لسفيرنا , فإني أعتقد أن المشاكل التي يتوقعها الجانب الإسرائيلي إذا ما أنسحبت حكومتكم (القوات الإسرائيلية) سوف لا تنشأ , كما أنني وبصفة محددة أتوقع ألا يتغير الموقف السعودي بشأن هذا الجزء من الأراضي السعودية ولا أتوقع أيضاً العسكرة أو إستخدامها (تيران) في أي نوع من التدخل في حرية الملاحة عبر مضايق تيران , ولهذا يحدوني الأمل في أن حكومتكم ستنظر الآن في إمكانية إنسحاب قواتكم من الجزيرة بدون تكبد أية نتائج وخيمة علي إسرائيل , وكما أشرت لحكومتكم في وقت مبكر فإن من شأن هذا التصرف (الإنسحاب الإسرائيلي من جزيرة تيران) أن يزيل مشاكل خطيرة عالقة في علاقتكم مع السلطات السعودية , ولذلك فإني أتطلع لتلقي رداً مواتياً من حكومتكم , وسيتم إبلاغه في الحال بالطبع للملك فيصل وإني لمتأكد من الأثر العملي المفيد لذلك ” . وقد ذيل وزير الخارجية الأمريكي خطابه لنظيره الإسرائيلي في شأن إقتراح إنسحاب القوات الإسرائيلية من جزيرة تيران بملاحظة مفادها إبقاء الأمر سرياً .
لكن الطلب (الإقتراح) الأمريكي وُوجه ببعض العقبات فقد طلب وزير الخارجية الإسرائيلية آبا إيبان أنه وقبل عرض الأمر علي مجلس الوزراء الإسرائيلي فهو بحاجة لبعض التوضيحات منها إن كان يمكن للولايات المتحدة أن تحصل من المملكة العربية السعودية علي إعتراف بأن مضايق تيران ممر مائي دولي , وما إذا كان يمكنها الحصول من المملكة علي تعهد خطي مكتوب بأن جزيرة تيران ستظل غير مأهولة بالسكان بصفة دائمة , وما إذا كانت الولايات المتحدة تقبل مثل هذه التعهدات السعودية بحيث تجعلها مسئولية وإلتزاماً من قبل الولايات المتحدة قبل إسرائيل ( برقية برقم 111432 للسفارة الأمريكية بتل أبيب عام 1967 – الأرشيف الوطني – الملفات المركزية الأمريكية 1967-1969 ) , وفي برقية من القنصلية الأمريكية بجدة تحت رقم 27766 أشارت إلي أن ” السفير Eilts في جدة لدي إسرائيل إقترح شروطاً سوف لا يمكن للملك فيصل أن يقبلها , وأن من شأن طرح هذه الشروط الإسرائيلية أن تثير مسألة أخري وهي ما إذا كانت إسرائيل لديها أي نية لترك تيران ما لم تكن مُجبرة علي ذلك .
أما الشق الثاني من المؤامرة التي تتكشف وله علاقة بقطر وضرورة التخلص منها فهو ما يتعلق بتكوين ما يُعرف التحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط Arab Middle East Strategic Alliance أو التحالف السني في قول آخر حلف الشرق الأوسط نشرت وكالة Anadolu التركية في13 مارس 2017 أن هناك حديث عن أن الرئيس الأمريكي Donald Trump يبحث عن تكوين تحالف بين دول عربية وإسرائيل لمواجهة جماعة داعش الإرهابية وإيران وأن هذا التحالف سيشمل دول مثل مصر والأردن والتي بينها وبين إسرائيل معاهدتي سلام , والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المُتحدة واللتان لا تربطهما علاقات دبلوماسية بإسرائيل , وأحالت الوكالة علي الإعلام الأجنبي إشارته إلي أن هذا التحالف الذي علي نمط منظمة حلف شمال الأطلنطي NATO سيُركز علي تقاسم مُنتظم للمعلومات الإستخباراتية والسماح للشركات العسكرية الإسرائيلية بالعمل في العالم العربي , وهذا الموضوع تم بحثه بتعمق في زيارة الرئيس الأمريكي TRUMP للسعودية في 21 مايو 2017 , وفي تقديري أن أزمة السعودية والإمارات والبحرين (التي بها مقر القيادة العسكرية الأمريكية) ومصر لا تنحصر فقط في دعم حماس ومنصة الجزيرة الإعلامية الكاشفة لنواقص النظام العربي والنظم العربية , بل إن هناك أزمة أخري موازية وهي وتكوين الحلف السني ( وهو إصطلاح مُفارق للحقيقة إذ أن دوله في حرب مع الإسلام إلي أن يعتدل علي الخط المنحرف لبغاة الشرق الأوسط المدعومين من الديموقراطية الأمريكية) , وهذا التكوين لابد وأنه مُتعثر إذ لم يعلن عنه رسمياً للآن , كما أن هناك تقدير بأن الإعلان عنه سيكون عام 2018 , ومن أهم ما يواجه تكوينه مشاكل رئيسية يجب الوصول لحل لها قبل كل ذلك من أهمها :
أولاً / وضع الهيكل التنظيمي للتحالف المُرتبط بحلف شمال الأطلنطي NATO وهو الهيكل الذي تكتنفه مسائل معقدة جاري حلها مثل:
(1) قيادة هذا التحالف ستؤول لمن ؟ للسعودية أم لمصر ؟
(2) مقر التحالف وهل سيكون مقر مركزي أم يجري وضعه بشكل لا مركزي؟
(3) عضوية الحلف وهي من أدق المشاكل إذ أن موضوع قطر – كما أشرت – وثيق الصلة بهذه المسألة , فهل يمكن أن يقبل السعوديون والمصريون والإماراتيون عضوية قطر به والحالة هذه , خاصة وأن قيادة التحالف العربي الذي يقوم بعملية “عاصفة الحزم” في اليمن أعلنت في 6 يونيو 2017 في بيان لها ما نصه ” تعلن قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن أنها قررت إنهاء مشاركة دولة قطر في التحالف بسبب ممارساتها التي تعزز الإرهاب، ودعمها تنظيماته في اليمن ومنها ” القاعدة ” و” داعش” وتعاملها مع المليشيات الانقلابية في اليمن مما يتناقض مع أهداف التحالف التي من أهمها محاربة الإرهاب ” , وما هو موقف العراق وعضويته في التحالف السني أم هو مُستثني أو لديه إعفاء أمريكي عن قتل شيعة العراق بإعتبار أن قتلهم عمل سني بحت ؟
ما هذا العبث وهذا التدني الأخلاقي ؟ ؟ ؟ , فيما أعلنت أشار موقع ahramonline في11 يونيو 2017 أحال علي مصدر مصري لم يسمه قوله ” أن لدي مصر أدلة علي أن قطر تقوض الأمن المصري في ليبيا والسودان وغزة ” , إذن فكيف يتأتي تشكيل هذا التحالف وفي عضويته قطر؟ لابد من حذفها أو إخضاعها , إذ أن الدول الثلاث التي لا تدعم الإرهاب في المنطقة وهي السعودية ومصر والإمارات أعلنت جهاراً عن إتهامها لقطر بدعم الإرهاب أما هم ففي عهدة الولايات المتحدة التي لم تقتل في العراق وتؤجج الصراع الطائفي بين السنة والشيعة وإذ بأبواقها الإعلامية مع إسرائيل تصف هذا التحالف بأنه سني والسنة بقضها وقضيضها منه براء ولنا في آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الأكرم نبراس لليقين , لذا فهو تحالف لن يري النور لأنه تحالف ظلامي , وفي تقديري أنه تحالف يديره ضابط برتبة صغيرة في البنتاجون وهو تحالف يتدثر بعنوان الدين بنعته بأنه تحالف الهلال السني مقابل الهلال الشيعي لأن مهمته الأولي محاربة هذا الدين وهذه السنة , إن صدق من يدعون عليه هذه التسمية .
ثانياً / التمويل من سيمول هذا التحالف وما هي الأنصبة أو المساهمات التمويلية ؟ أم هل ستراعي الدواعي المالية التي تميز وضع مالي / إقتصادي مُتداع كالذي في مصر فتوضع الأنصبة علي أنها أنصبة مالية محضة وانصبة مساهمة مُقومة بالموارد البشرية كما يُتصور أن تكون عليه حصة مصر ؟
وهل هناك دعم أمريكي أو دولي أما أن التحالف سيذهب ليقتل الشيعة وهم مسلمون والسنة المتطرفون ( وكلاهما قد يشكل حسابياً علي الأقل 50% من كتلة مُسلمي العالم ) لمجرد أن الولايات المتحدة حددت الهدف المُقدس للتحالف بأنه لمحاربة إيران والإرهاب , مع العلم أن العالم لم يستقر بعد لا علي تعريفه ولا عن النواحي القانونية لدي التعامل معه .
ثالثاً المتابعة والرقابة والسيطرة / هل سيتم إدارة هذا التحالف من مقر القيادة العسكرية المركزية الأمريكية بالمنامة ؟ أم أنها ستتم من المركز بالبنتاجون , وما هو دور القواعد الأمريكية الموجودة بالفعل في قطر (قاعدة العيديد) ودول التحالف السني أو الإسلامي المنوط به مواجهة الإسلام المتطرف بمقاييس أتباع كنيسة PRESBYTERIAN ؟ .
الوضع بدول الشرق الأوسط وعلاقتها بالولايت المتحدة لا يمكن وصفه إلا بالمسخرة .
الــســفــيــر :بـــلال الــمــصــري – سـفـيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر
القاهرة . تحريراً في 11 يونيو 2017