الاعلاميةالدراسات البحثية

قواعد حماية الصحفيين على ضوء أحكام القانون الدولي

اعداد : شيماء الهواري – أستاذة باحثة في سلك الدكتوراه

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية المحمدية  – جامعة الحسن الثاني الدارالبيضاء

  • المركز الديمقراطي العربي

 

رغم كثرة المواثيق والمعاهدات الدولية التي تنص على حماية حقوق الإنسان والسهر على ضمانها٬ ورغم العقوبات التي تفرض على بعض الدول لعدم إحترامها حقوق الإنسان٬ ورغم النصوص والمواد التي يحتويها القانون الإنساني الدولي إبان النزاع المسلح والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي تدعوا إلى إحترام حقوق الأفراد والجماعات سواء في السلم أو الحرب٬ ورغم كون القانون الإنساني الدولي إبان النزاع المسلح يحمي الصحفيين والإعلاميين في تلك البقاع٬ يبقى إنتهاك هذه الحقوق قائما على قدم وساق بداية في فلسطين التي ما زالت تنتهك حرمة شعبها منذ أكثر من خمسين سنة ويقتل فيها الصحفيون والمراسلون بدماء باردة تحت درائع الاخطاء العسكرية٬ ومرورا بعدد من الشعوب الإفريقية التي تباد باسم القبلية والدين٬ وصولا إلى الشعوب العربية التي يزعم سياسيوها وزعماؤها أنها تمر من ممر ضيق إسمه ” الثورة نحو الديمقراطية “ لذلك فلا بأس أن يموت بعض الأبرياء من أجل الوصول إليها مثلما الحال في سوريا واليمن وليبيا… وعلى هذا الدرب يموت العشرات من الصحفيين والمراسلين الاحرار الأجانب والمحليين مثلما حصل في أحداث ميدان التحرير المصري إبان الثورة أو في سوريا حاليا.

تقديم:

خلال السنوات الفارطة نادت العديد من الحكومات والمنظمات والسياسيين للرجوع إلى القانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان في النزاعات المسلحة. وتشير الأمم المتحدة بانتظام إلى القانون الإنساني وحقوق الإنسان في قرارات مجلس الأمن وفي مناقشات مجلس حقوق الإنسان٬ كما ترد الإشارة إلى ذلك في المناشير السياسية لحركات المعارضة وفي تقارير المنظمات غير الحكومية وفي الدوريات التدريبية للجنود وفي المناقشات الدبلوماسية.

لذلك فإن دراسة أثر هذه القوانين على حماية الصحفيين والإعلاميين في النزاعات المسلحة الدولية والغير الدولية شيء مهم لكون وضعية الصحفي إبان النزاع المسلح مازال يشوبها الغموض رغم المواد القانونية المتوفرة.

الفرع الاول: قواعد حماية الصحفيين على ضوء أحكام القانون الدولي

سنتعرض في هذا الفرع لقواعد حماية الصحفيين من خلال أحكام القانون الدولي وذلك عبر تحديد مفهوم الصحفي في القانون الدولي الإنساني، وعبر تبيان أشكال الحماية الدولية المتوفرة للصحفيين المعتمدين بالقطاعات العسكرية دون أن يكونوا جزءا منها، ثم توضيح كيفية حماية الصحفيين استنادا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الفقرة الأولى: مفهوم وأنواع الصحفيين في القانون الدولي

سنعمل في هذا الفرع على تحديد المقصود من الصحفي في اطار القانون الدولي وتبيان أنواعه.

أولا: مفهوم الصحفي في القانون الدولي

لم تقم الإتفاقيات الدولية التي تهتم بحماية الصحفيين بتحديد تعريف للصحفي سواء في اللوائح الخاصة بالقوانين وأعراف الحروب البرية الملحقة باتفاقيتي لاهاي لسنة 1899 و1907، والتي لم تتطرق هي الأخرى لتعريف مراسلي الصحف الذين يرافقون القوات المسلحة المنصوص عليهم في المادة 13. كما نجد أن المادة 81 من اتفاقية جنيف لسنة 1929 قد نصت على المراسل الصحفي دون أن تعطي أي تعريف له شأنها شأن الإتفاقيتين السابقتين. أما بخصوص إتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 الخاصة بكيفية معاملة الآسرى نصت في المادة 4/أ4 على المراسلين الحربين الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا جزءا منها دون أن تعطي تعريف للصحفي، كذلك الشأن بالنسبة للمادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 والتي لم يرد فيها أيضا بيان مفهوم الصحفيين.[1]

وتجدر الإشارة أن أول تعريف وضع للصحفي أو المراسل الحربي هو الذي تضمنته المادة 2/أ من مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لحماية الصحفيين الذين يقومون بمهام خطرة في مناطق النزاع المسلح والتي لم يكتب لها أن ترى النور؛ حيث جاء فيها «كل مراسل أو مخبر صحافي ومصور تلفزيوني ومصور فوتوغرافي ومساعديهم الفنيين في السينما والإذاعة والتلفزيون الذين يمارسون النشاط المذكور بشكل معتاد بوصفها مهنتهم الأساسية».[2] أما في قاموس القانون الدولي الإنساني فيعرف الصحفي في زمن النزاعات المسلحة بأنه «الشخص الذي يسعى للحصول على معلومات أو يقوم بالتعليق عليها أو يستخدمها لغرض نشرها في الصحافة أو الإذاعة أو على الشاشة أو مساعديهم». ويرى البعض أن المراسل الحربي هو ما عرفه القانون الدولي بأن «كل صحفي متخصص يتواجد في مسرح العمليات بتفويض وحماية من القوات المسلحة لأحد الأطراف المتحاربة وتتمثل مهمته في الإعلام بالأحداث ذات الصلة أثناء وقوع الأعمال العدائية».[3]

ثانيا: أنواع الصحفيين في مناطق الحروب

يعمل خلال النزاعات المسلحة ثلاثة أصناف من الصحفيين يختلفون من حيث مواد ونطاق الحماية.

أ. مراسل حربي ملحق بالقوات المسلحة:

هو صحفي مدني يرافق القطعات دون أن يكون جزءا منها بناءا على تصريح من القطعات التي يرافقها ويتبع تعليمات هذه القوات٬ وهذا النوع يتمتع بوضع أسير حرب إذا تم إلقاء القبض عليه٬ وهذا وفقا لما نصت عليه المادة 13 من اتفاقيات لاهاي1907 والمادة 81 من اتفاقية جنيف لسنة 1929 والمادة 4/أ4 من اتفاقية جنيف الثانية لسنة 1949 والفقرة 2 من المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1979.[4] ونشير في هذا الصدد إلى أن المبادئ التوجيهية لوزارة الدفاع البريطانية فيما يتعلق بالإعلام تكفل للصحفيين الملحقين بالقوات المسلحة وضع أسرى حرب إذا ما وقعوا في الأسر. عكس السلطات العسكرية الفرنسية التي تعتبر أن هذا الصنف هم على غرار المستقلين ليس لهم الحق إلا في وضع المدنيين كما تنص المادة 79 من البروتوكول الأول.[5]

ب. الصحفي المستقل:

هو كل صحفي ينتقل بمعزل عن القطعات العسكرية وليس جزءا منها ويعتبر مدنيا وفق أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 والبروتوكول الإضافي الأول والبرتوكول الثاني لسنة 1977 الخاص بالنزاعات غير ذات الطابع الدولي وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1738 لسنة 2006.

ت. الصحفي العسكري:

هو عسكري يعمل في مجال النشاط الإعلامي للجيش وينطبق عليه ما يقع على أفراد القوات المسلحة وهو لا يتمتع بأية حصانة خاصة.[6]

رغم أن المشرع الدولي لم يغفل التطرق لقواعد حماية الصحفيين في النزاعات الدولية إلا أنه لم يأتي على ذكر للصحفيين في المعاهدات التي تطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية٬ ولكن يعتبر الصحفيين في هذه الأحوال مدنيين أو أشخاصا لا يشاركون مباشرة أو كفوا عن المشاركة في العمليات العدائية٬ وتسري عليهم وعلى طاقمهم كل الحماية المطبقة على المدنيين.[7]

الفقرة الثانية: الحماية الدولية للصحفيين المعتمدين بالقطاعات العسكرية دون أن يكونوا جزءا منها

تطرقت مجموعة من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية لكيفية حماية الصحفيين بالقطاعات العسكرية دون أن يكونوا جزءا منها. ومن بين أهم هذه الإتفاقيات:

أولا: في اتفاقية لاهاي لسنة 1907

نصت اتفاقية لاهاي لسنة 1907 في مادتها الأولى على أن الصحفيين رغم كونهم أشخاصا ملحقين بالقوات العسكرية غير أنهم ليسوا جزءا منها لذلك فهم يعاملون كأسرى حرب إذا تم القبض عليهم٬ لأن الصحفيين الذين يصاحبون الجيش يصبحون بمقتضى القانون جزءا من تلك الهيئة العسكرية سواء رأوا أنفسهم بتلك الصفة أم لا. كما أن المادة 13 اشترطت أن يقدم المراسل الحربي شهادة من السلطات العسكرية التي تثبت أنهم مرافقون للجيش.[8]

ثانيا: في اتفاقية جنيف لسنة 1929

نصت الإتفاقية الخاصة بمعاملة أسرى الحرب التي إنبثقت عن اتفاقية جنيف لسنة 1929 في مادتها 81 من القسم السابع أن «الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا تابعين لها مباشرة كالمراسلين والمخبرين الصحفيين أو المتعهدين، أو المقاولين الذين يقعون في أيدي العدو. ويرى العدو انه من المناسب اعتقالهم، يكون من حقهم أن يعاملوا كأسرى حرب بشرط أن يكون بحوزتهم تصريح من السلطات العسكرية التي كانوا يرافقونها».

لم يكن مضمون هذه المادة بعيدا عن محتوى المادة 13 من اتفاقية لاهاي1907؛ حيث أن للعدو الحق في الإختيار بين إعتقال الصحفيين أو عدمه وتصنيفهم كأسرى حرب، ثم يعود ويشترط أنه يجب على الصحفيين أن يثبتوا هويتهم عن طريق تصريح يحدد صفتهم كمراسلين حربيين يرافقون القطعات العسكرية دون أن يكونوا جزءا منها بإعتبار هذا التصريح قرينة تحدد هويتهم.[9]

ثالثا: في اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949

أكدت الاتفاقية على أن الصحفيين الملحقين بالقوات المسلحة دون أن يكونوا جزءا منها في وضع أسير الحرب شرط حصوله على تصريح من القوات المسلحة التي يرافقها. غير أن هذا الشرط قد تساهل فيه المشرعون نظرا لإمكانية فقدان الصحفيين لهذه البطاقة أو التصريح أثناء الحرب، ولكن المشرع أبقى للعدو أو للقوات العسكرية التي ألقت القبض على الصحفيين ولم تجد معهم أي وثيقة تثبت صفتهم طلبهم أن يعاملوا كأسرى حرب الحق في أن تبقيهم تحت حماية اتفاقية جنيف الثالثة حتى يصدر قرار من المحكمة المختصة بخصوصهم وذلك وفقا للفقرة 2 من المادة 5[10] من الاتفاقية الأخيرة.[11]

الفقرة الثالثة: حماية الصحفيين استنادا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة

من أهم قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بحماية الصحفيين في بؤر النزاعات المسلحة:

  • دعوة الأمين العام للأمم المتحدة للتشاور مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات الدولية المعنية لإتخاذ الخطوات اللازمة لضمان التطبيق الأفضل لقواعد القانون الدولي الإنساني في النزاعات المسلحة؛
  • التأكيد على إضافة إتفاقيات دولية إنسانية ملائمة لضمان حماية المدنيين ولآسرى والقاتلين في كل النزاعات المسلحة٬ والتأكيد على مبدأ أساسي في التمييز بين المقاتلين وغير المنخرطين في الأعمال القتالية؛
  • دور الصحفيين الريادي في الحصول على المعلومات التي تتعلق بالنزاعات المسلحة لتنوير الأمم والشعوب؛
  • يؤكد القرار أن المواد التي تنص عليها اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 لا تغطي بعض أنواع الصحفيين العاملين في مناطق النزاعات المسلحة والمكلفين بمهام خطرة لا تنسجم مع متطلبات عملهم الراهنة؛
  • تأكيد القرار على الحاجة الماسة لإيجاد أدوات إنسانية دولية إضافية لضمان حماية أفضل للصحفيين في مناطق النزاع المسلح، وقد نصت الفقرة الأولى في القرار على:«…
  • التعبير عن الاهتمام البالغ للأخطار الجسيمة التي يتعرض لها المراسلين الصحفيين المكلفين بمهام مهنية خطرة في مناطق النزاع المسلح؛
  • التعبير عن الأسف العميق لان بعض المراسلين الصحفيين دفعوا حياتهم بسبب ضمائرهم الحية لأداء مهمتهم…».
  • الدعوة إلى إحترام وتطبيق اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 إلى الحد القابل للتطبيق وخصوصا على المراسلين الصحفيين الحربين المرافقين للقوات المسلحة دون أن يكونوا جزءا منها حسب نص المادة 13 من القرار.[12]

الفرع الثالث: عدم مشروعية الهجمات التي تستهدف الصحفيين ووسائل الإعلام

شاهدنا في حربي الخليج الأولى والثانية والعدوان الأمريكي على العراق سنة 2003 أن أول من يتضرر على أرض المعركة البنيات التحتية والمؤسسات الإعلامية بذريعة نشرها للخطابات العدائية. لذلك فقد تكفل القانون الدولي بحماية الصحفيين ووسائل الإعلامية من الهجمات العسكرية بمجموعة من النصوص نعرض منها.

الفقرة الأولى: حماية وسائل الإعلام باعتبارها أعيانا مدنية

تعد المحطات الإذاعية والتلفزيون أعيانا ذات طابع مدني وتتمتع بصفتها هذه بحماية عامة، وقد تم التنصيص على عدم مهاجمة الأعيان المدنية في القانون الدولي الإنساني منذ القرن العشرين٬ وأعيد التأكيد عليه في البرتوكولي لسنة 1977 وفي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وينتج عن الالتزام المزدوج الذي نصت عليه المادة 48 من البرتوكول الأول أن تتمتع الأعيان المدنية على غرار السكان المدنيين بحماية عامة حددت أحكامها المادة 52 من البرتوكول الأول.

إذن فكل التجهيزات ومرافق الإعلام التي لا تستخدم إستخداما عسكريا ولا تنطبق عليها الشروط المنصوص عليها في المادة 52 الفقرة 2 تدخل ضمن الأعيان المدنية التي “لا يجب أن تكون محلا للهجوم أو لهجمات الردع..”.[13]

الفقرة الثانية: استهداف وسائل الإعلام إبان الحروب

في كل الحروب التي شهدها العالم لم تستثن أي منها استهداف المواقع المدنية وحتى المناطق الخاصة بانشطة منظمة اليونسكو فما بالك بوسائل الإعلام وتجهيزاتها ومؤسساتها٬ وكان المبرر الذي يتكرر على لسان الناطقين بإسم الجيش أو ما يسمى المتحدث العسكري هو أن هذه الوسائل تستخدم لأغراض عدائية، لذلك كان واجبا أن يتدخل القانون الدولي لحل هذا الإشكال.

أولا: الاستخدام المزدوج لتجهيزات وسائل الإعلام ومرافقها

تستعين الدول في حملاتها العسكرية على الأعيان والموارد فتستخدمها بشكل مزدوج مدني وعسكري، وهو أمر له تبعات وخيمة حيث ان الأعيان المدنية التي تستعمل لهذه الغايات تصبح أهدافا مشروعة للقوات المعادية، وهذا ما أكدت عليه المادة 52 من البرتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لسنة1977: «…

  • لا تكون الأعيان المدنية محلاً للهجوم أو لهجمات الردع. والأعيان المدنية هي كافة الأعيان التي ليست أهدافا عسكرية وفقا لما حددته الفقرة الثانية.
  • تقصر الهجمات على الأهداف العسكرية فحسب. وتنحصر الأهداف العسكرية فيما يتعلق بالأعيان على تلك التي تسهم مساهمة فعالة في العمل العسكري سواء كان ذلك بطبيعتها أم بموقعها أم بغايتها أم باستخدامها، والتي يحقق تدميرها التام أو الجزئي أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها في الظروف السائدة حينذاك ميزة عسكرية أكيدة.
  • إذا ثار الشك حول ما إذا كانت عين ما تكرس عادةً لأغراض مدنية مثل مكان العبادة أو منزل أو أي مسكن آخر أو مدرسة، إنما تستخدم في تقديم مساهمة فعالة للعمل العسكري، فإنه يفترض أنها لا تستخدم كذلك».

ثانيا: استخدام وسائل الإعلام لإغراض دعائية هل يجعلها هدفا عسكريا؟

بحسب المادة 52 من البرتوكول الأول السالفة الذكر، فإن إتخاذ الدعاية سببا وحيدا لتبرير الهجوم العسكري على وسائل الإعلام أمر غير مقبول، فلا يمكن إعتبار وسائل الإعلام هدفا مشروعا لمجرد أنها تبث دعاية رغم أن هذا النشاط يشكل دعما لجهود الحرب، كما أن منظمة العفو الدولية ترى أنه رغم الإستفادة التي قد تنتج عن خلق الإضطرابات في الدعاية الرسمية التي تساعد في تقويض معنويات السكان والقوات المسلحة ولكنها تجد أن ذلك ليس مبررا للهجوم على الأعيان المدنية الذي قد يؤدي إلى توسيع مفهوم المساهمة الفعالة في العمل العسكري بحسب المادة 52 في فقرتها 2.[14]

الفرع الرابع: حماية الصحفيين ووسائل الإعلام في الحروب

إن حماية الصحفيين ووسائل الإعلام إبان الحروب تعد من الأمور التي نص عليها القانون الدولي وأكد على حمايتها لذلك تم تقسيم هذه المسؤولية إلى صنفين: مسؤولية الدول أثناء النزاعات المسلحة عن خروقات قواتها المسلحة ضد الصحفيين ووسائل الإعلام٬ والصنف الثاني يدور حول تحديد مسؤولية الأفراد الجنائية عن جرائمهم الحربية ضد الصحفيين ووسائل الإعلام.

الفقرة الأولى: مسؤولية الدولة عن خروقات قواتها المسلحة ضد الصحفيين ووسائل الإعلام

تتحمل الدولة المسؤولية الكاملة عن أفعال قواتها المسلحة بحسب ما جاء في المادة 7 من مشروع المواد المتعلقة بمسؤولية الدولة عن الأفعال الدولية غير الشرعية التي أقرتها لجنة القانون الدولي؛ حيث نصت على أنه «سلوك أي جهاز لدولة ما يمكن اعتباره عملا من أعمال الدولة بموجب القانون الدولي إذا تجاوز سلطته وخالف التعليمات».

وقد نصت اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1949 من المادة 3 في الفقرة 3 على «يكون الطرف المتحارب مسؤولا عن جميع الأعمال التي يرتكبها أشخاص ينتمون إلى قواته المسلحة». إضافة إلى المواد الواردة في اتفاقيات جنيف الثالثة والرابعة لعام 1949 في المواد 57 و59، إضافة إلى بعض المواد المشتركة بين الاتفاقيات الأربعة وهي:51/52/131/148 التي تنص على أنه لا يمكن لأي طرف سام متعاقد أن يعفي نفسه أو يعفي طرفا متعاقدا من المسؤولية التي يتحملها طرف آخر بسبب الإنتهاكات الخطيرة التي نصت عليها الإتفاقية.[15] كما تبين المادة 91 من البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 على «يسأل طرف النزاع الذي ينتهك أحكام الاتفاقيات وهذا الملحق البرتوكول عن دفع تعويض إذا اقتضت الحال ويكون مسؤولا عن كافة الأعمال التي يقترفها الأشخاص الذين يشكلون جزءا من قواته المسلحة».

ويندرج ضمن مسؤولية الدولة عن أفعال قواتها العسكرية الهجمات الموجهة ضد السكان المدنيين أو الأعيان المدنية٬ والهجوم على المواقع المجردة من وسائل الدفاع أو المناطق المنزوعة السلاح والهجوم العشوائي الذي يصيب السكان المدنيين٬ أو الأعيان المدنية…[16]

الفقرة الثانية: مسؤولية الأفراد الجنائية عن جرائمهم الحربية ضد الصحفيين ووسائل الإعلام

إن الأفراد الذين يرتكبون جرائم ضد الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة مهما كانت الأسباب فهذه الجرائم تعتبر جرائم حرب لكون الصحفيين أشخاص مدنيين بحسب مضمون إتفاقيات جنيف الرابعة لسنة 1949 والبرتوكول الإضافي لسنة 1977، ولا يؤخذ بأي إقرار من الأفراد بكون أوامر قد صدرت لهم من سلطات أعلى لتنفيذ تلك الأفعال الإجرامية لدفع المسؤولية عنهم، حيث أكدت القرارات الدولية على مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي تلك الأفعال٬ وكذلك نصت المادة 4 من اتفاقية منع جريمة إبادة الجنس البشري والمعاقبة عليها لسنة 1948 على أنه «يعاقب الأشخاص الذين يرتكبون جريمة إبادة الجنس أو أي من الأفعال المنصوص عليها في المادة 3 سواء كانوا حكاما مسؤولين أو موظفين عموميين أو أفرادا عاديين».[17]

ورغم وجود هذه المواد والنصوص القانونية الدولية تبقى حرية الصحفيين إبان الثورات أو النزاعات المسلحة في خطر دائم، لكون هذه الدول لا تحترم هذه النصوص وتتحايل عليها في غالب الأحيان٬ بل تعمل بقانون الطوارئ الذي يساوي بين الإعلامي والصحفي وبين الإرهابي، وخير مثال على ذلك الحكم الصادر ضد صحفيي قناة الجزيرة في قضية الماريوت في مصر؛ حيث تم الحكم عليهما بالسجن لمدة 3 سنوات رغم تدخل المنظمات الدولية الحقوقية والصحفية لذا الحكومة المصرية.[18]

لائحة المراجع

_ الصحافة في المناطق الساخنة تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا المنشور على موقعها في 3 أيار 2014، الموقع الالكتروني: www.aohr.org.uk.

_ أحمد أبو ألوفا: النظرية العامة للقانون الإنساني، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة لسنة 2013،

_ هافز بيتر جاسر: حماية الصحفيين المكلفين بمهام معينة خطرة، مقتطفات من المجلة الدولية للصليب الأحمر، يناير/فبراير 1983

_ الكسندر بالجي جالوا: حماية الصحفيين ووسائل الإعلام في أوقات النزاع المسلح، مختارات من المجلة الدولية للصليب الأحمر 2004

القانون الدولي الإنساني وحماية الإعلاميين الذين يغطون النزاعات المسلحة: كونت دورمان، الموقع الالكتروني للجنة الدولية للصليب الأحمر: www.icrc.org/ara/resource/document..

_ جميل حسين الضامن: المسؤولية الدولية عن انتهاك حماية الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة في ضوء أحكام القانون الدولي٬ ماجستير في القانون الدولي، دار الكتب القانونية، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر-الامارت٬ طبعة 2012

[1]_ جميل حسين الضامن: المسؤولية الدولية عن انتهاك حماية الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة في ضوء أحكام القانون الدولي٬ ماجستير في القانون الدولي، دار الكتب القانونية، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر-الامارت٬ طبعة 2012 ص: 27 و28.

[2]_ حماية الصحفيين ووسائل الإعلام في أوقات النزاع المسلح: الكسندر بالجي جالوا، مختارات من المجلة الدولية للصليب الأحمر 2004، ص غير متوفرة.

[3]_ جميل حسين الضامن: مرجع سابق، ص: 28.

[4]_ جميل حسين الضامن: مرجع سابق، ص: 38.

[5]_ الكسندر بالجي جالوا: مرجع سابق، ص: 4.

[6]_ جمال حسين الضامن: مرجع سابق، ص: 38 و39.

[7]_ القانون الدولي الإنساني وحماية الإعلاميين الذين يغطون النزاعات المسلحة: كونت دورمان، الموقع الالكتروني للجنة الدولية للصليب الأحمر: www.icrc.org/ara/resource/document..

*_ اتفاقية لاهاي لسنة 1907 المتعلقة بأعراف الحرب البرية هي الوثيقة المدونة الأولى التي تنص على حماية الصحفيين المراسلين وقد انبثقت هذه الاتفاقية عن مؤتمر لاهاي الثاني للسلام الذي انعقد بناءا على دعوة قيصر روسيا وقد خلص هذا المؤتمر إلى وضع خمسة عشرة اتفاقية وإعلان.

[8]_ نص المادة 13 من اتفاقية لاهاي لسنة 1907: “الأشخاص الذين يرافقون الجيش دون أن ينتموا له بشكل مباشر كمراسلي الصحف والأخبار والمقاولين الذين يقعون في قبضة العدو والذين يعتقد العدو بضرورة احتجازهم يجب أن يعاملوا كأسرى حرب بشرط أن يقدموا شهادة من السلطات العسكرية التي يتبع لها الجيش المرافقين له”.

*_ اتفاقية جنيف 1929: أصل هذه الاتفاقية هو اتفاقية جنيف الاولى لسنة 1864 المتعلقة بتحسين حالة الجرحى من الجيوش في الميدان، ولم تشر هذه الاتفاقية إلى الصحفيين وتمت أول مراجعة لاتفاقية عام 1906، والمراجعة الثانية في 1929 حيث انبثق عن هذه المراجعة اتفاقيتين الاولى خاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان والتي تضمنت 39 مادة، والثانية خاصة بمعاملة أسرى الحرب وقد بلغ مجموع موادها 97 مادة.

[9]_ الكسندر بالجي جالوا: مرجع سابق الصفحة غير متوفرة

*_ اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949: صدرت عن المؤتمر الدبلوماسي لوضع اتفاقيات دولية لحماية ضحايا الحروب في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لقد أبقت هذه الاتفاقية المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب على نفس الحماية لمقرر للمراسل الحربي حيث نصت في المادة 4/أ4 على: “أ_أسرى الحرب بالمعنى المقصود في الاتفاقية هم الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات التالية:

4_ الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءا منها كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية والمراسلين الحربيين ومتعهدي التموين وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن السكريين شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها”.

[10]_ نص الفقرة الثانية من المادة 5: “لا تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص المشار إليهم في المادة 4 ابتدءا من وقوعهم في يد العدو إلى أن يتم الإفراج عنهم وإعادتهم إلى الوطن بصورة نهائية…وفي حالة وجود أي شك بشان انتماء أشخاص قاموا بعمل حربي وسقطوا في يد العدو إلى أحد الفئات المبينة في المادة 4 فان هؤلاء الأشخاص يتمتعون بالحماية التي تكفلها هذه الاتفاقية لحين البث في وضعهم بواسطة محكمة مختصة “.

[11]_ حماية الصحفيين المكلفين بمهام معينة خطرة: هافز بيتر جاسر، مقتطفات من المجلة الدولية للصليب الأحمر، يناير/فبراير 1983، ص: 6.

[12]_ جميل حسين الضامن: مرجع سابق، ص: 64 و65.

*_ الأعيان المدنية: نجد تعريفا لها في البرتوكول الأول في المادة 52 في فقرتها 1 أن الأعيان المدنية هي كل الأعيان التي ليست أهدافا عسكرية تعتبر أعيانا مدنية، وتورد المادة 52 ثلاثة أمثلة على الأكثر للأعيان المدنية وهي مكان العبادة والمنزل والمدرسة.

[13]_ الكسندر بالجي جالوا: مرجع سابق، ص: 6.

[14] _ الكسندر بالجي جالوا: مرجع سابق، ص: 9 و10 و11.

[15]_ أحمد أبو ألوفا: النظرية العامة للقانون الإنساني، دار النهضة العربية، الطبعة الثالثة لسنة 2013، ص: 155.

[16]_ جميل حسين الضامن: مرجع سابق، ص: 139 و140.

[17]_ أحمد أبو الوفا: مرجع سابق، ص: 155.

[18]_ الصحافة في المناطق الساخنة تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا المنشور على موقعها في 3 أيار 2014، الموقع الالكتروني: www.aohr.org.uk.

تحريرا في 19-6-2017

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى