الأفريقية وحوض النيلالدراسات البحثيةالشرق الأوسط
التسلل الإسرائيلي المُتنامي في أفريقيا وتداعياته على الأمن القومي العربي
اعداد السفير: بلال المصري – سـفـيـر مصر السابق لدي ألأنجولا وساوتومي والنيجر
- المركز الديمقراطي العربي
عقد مجلس الجامعة العربية بمقرها بالقاهرة في 12 يونيو 2017 وبطلب من فلسطين وموافقة عدد من الدول العربية الأعضاء إجتماعاً غير إعتيادي علي مستوي الممثلين الدائمين للدول العربية لمناقشة كيفية مواجهة “التسلل” الإسرائيلي المُتنامي بأفريقيا وتداعيات ذلك علي الأمن القومي العربي , وأوضحت صحيفة الشرق الأوسط (السعودية) بعددها في 11 يونيو أن المُشاركين سوف يركزون علي الترويج للتعاون مع الإتحاد الأفريقي لتجديد القضية الفلسطينية بأفريقيا , وسوف يحثون أيضاً البلاد الأفريقية علي عدم المُشاركة في المؤتمر المُزمع عقده بين إسرائيل والدول الأفريقية في Lome عاصمة توجو في أكتوبر 2017 .
أحالت الصحيفة علي مصادر دبلوماسية – لم تُحددها – قولها أن أمين عام الجامعة العربية أجري سلسلة من المحادثات مع عدد من الدول العربية والأفريقية مُحذراً إياها من “التسلل الإسرائيلي بأفريقيا ” , وأشارت إلي أن إسرائيل تحاول تأمين التصويت الأفريقي لصالح عضويتها بمجلس الأمن الدولي , وأحالت كذلك علي مصادر دبلوماسية عربية وصفها لذلك الأمر بأنه تهديد للأمن القومي العربي ووصفت إسرائيل بأنها ” كيان مارق ” أو ” Apostat ” مُؤسس علي إحتلال أراضي الدول الأخري وأنها تنتهك بصفة مُستمرة قرارات الأمم المُتحدة وأحكام القانون الدولي , وأن ترشيح إسرائيل لهذه العضوية لا يمكن لعاقل أن يدعي أنها تتسق مع المادة 23 من ميثاق الأمم المتحدة , بل إن إسرائيل يجب أن يُطبق بشأنها مُقتضي المادة 66 من الميثاق والتي تقضي بإمكانية طرد الدولة التي تنتهك بصفة مُستمرة مبادئ ميثاق الأمم المتحدة من المنظمة الدولية عن طريق الجمعية العالمة للأمم المُتحدة بتوصية من مجلس الأمن , وأنهت الصحيفة تغطيتها بالقول بأن مصدر قريب من هذه المسألة أفادها بأن الجامعة العربية ستناقش عدة مسائل مهمة تتعلق بالعلاقات الأفريقية / الإسرائيلية والجهود الرامية إلي عدم حيازة إسرائيل لأصوات يؤهلها لعضوية المجلس .
أوضح السفير جمال الشوبكى مندوب فلسطين الدائم لدي الجامعة وكأنه يلقي كلمته علي مندوبي الدول الأفريقية التي تتحرك إسرائيل بإتجاهها : ” أننا نشهد فى هذه الفترة محاولات إسرائيلية محمومة للقفز على هذه القيم العربية والروابط التاريخية ، حيث تحاول إسرائيل تسويق نفسها كدولة طبيعية مقبولة فى محيطها الجغرافى ، دولة تقدم الحلول لمشاكل الجيران ، بل تدّعى أنها المُنقذ والمُخلّص للدول فى محيطها القريب والبعيد ، وكأن إسرائيل تريد من العالم أن ينسى أنها تسببت بنكبة الشعب الفلسطينى ، وأنها قوة احتلال وكأنها تريد من العالم أن يتعايش مع احتلالها للأراضى الفلسطينية والعربية ويقبله “, وأضاف ” كيف لإسرائيل أن تقدم حلولاً لأفريقيا والشرق الأوسط ، واحتلالها لفلسطين هو أكبر وأعقد المشاكل فى العالم؟ كيف لدولة تُصر على الاستيطان والاستعمار، أن تكون صديقة وحليفة لدول عانت من الاستعمار طويلاً ؟ كيف لدولة تطبق نظام فصل عنصرى فى فلسطين ، أن تكون مُنقذة لشعوب عانت من الاضطهاد والتمييز العنصري ؟ كيف لدولة تمارس الإرهاب بشكل يومى على الشعب الفلسطينى ، بل وتصنع الإرهاب فى محيطها أن تكون حليفاً فى الحرب على الإرهاب ؟ ” , و طالب الدول العربية بأن تتحرك للدفاع عن أمنها القومي العربي في مقابل ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي , ومع ذلك ففي تقديري أن كلمة المندوب الفلسطيني الدائم بالجامعة وبالرغم من أنها جاءت خلواً من طرح حلول وبدائل للتحرك , وبالرغم من أنه تغافل عن حقيقة مُحزنة وهي أن الأمن القومي العربي بفضل كثير من الحكام العرب تداخل إما إرتباطاً أو إنهياراً مع أمن إسرائيل القومي , ومع ذلك فكلمة المندوب الفلسطيني أكدت ضيق حيز التحرك السياسي الفلسطيني في أفريقيا , ففلسطين وبالإضافة إلي الجوانب الموضوعية السلبية في بناء نظامها السياسي المُنقسم بين أبناء أوسلو أي المنتمين للسلطة الفلسطينية و أبناء المقاومة المُسلحة “حماس ” , فهي قد إشتدت عليها الضغوط أثر تولي Donald Trumpللرئاسة الأمريكية الذي ضرب صفحاً عن حل الدولتين الذي يسعي إليه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس , وفي نفس الوقت فقد سعي Trump في زيارته الأخيرة للسعودية في 20 مايو 2017 إلي الشروع مع السعودية والإمارات ومصر ومن خلفهم دعم إسرائيلي في تصفية حماس أو الحد من قوتها السياسية بعدة وسائل منها عزل ومقاطعة الدول التي تقوي ساعد حماس وعلي رأسها قطر فكان قرار قطع العلاقات السعودية والإماراتية واليمنية والبحرينية والمصرية مع قطر ومقاطعتها وحصارها ( ماذا عن مكتب مقاطعة إسرائيل ؟) , وبالتالي أصبح جل إهتمام هذه الدول واقع داخل خطوط الدفاع عن النفس وليس لتحقيق سياسة خارجية , وعلي ذلك فلم تعد أفريقيا تمثل نطاق إهتمام عربي بعد أن أصبح المجال الوحيد المُتاح للحكام العرب هو الدفاع عن مراكز السلطة داخل كل بلد عربي ودونها أي مجال آخر .
في الواقع فإن الدعوة الفلسطينية لعقد هذا الإجتماع غير الإعتيادي منطقية ومُتوقعة فهي تأتي من جانب السلطة الفلسطينية وكأنها إبراء ذمة وربما في قول آخر ذراً للرماد في العيون لكن السلطة ربما نسيت أن قادة العرب لا يبصرون , وعموماً فإن تحرك فلسطين يأتي في النهاية وكأنه أضعف الإيمان في وضع عربي شديد السيولة والتشرذم , لكنها دعوة يجب إن كان الأمر أمر تقييم لفاعليتها بل وجديتها النظر إليها من الوجهتين الشكلية والموضوعية .
من الوجهة الشكلية يُلاحظ ما يلي :
1- سلم Robert Dussey وزير خارجية توجو الدعوة رسمياً إلي Benjamin Netanyahu رئيس وزراء الكيان الصهيوني خلال زيارته للكيان الصهيوني في 23 يناير 2017 , لعقد مؤتمر إسرائيل – أفريقيا , ووفقاً للمادة (11) من ميثاق جامعة الدول العربية فإن مجلس الجامعة ينعقد إنعقاداً عادياً في كل من شهري مارس وسبتمبر من كل عام , وبالتالي فكان من الممكن مناقشة مجلس الجامعة موضوع ” التسلل الإسرائيلي” بعد علمه مباشرة بدعوة توجو لإسرائيل لعقد هذه القمة أي في دور إنعقاد شهر مارس 2017 خاصة وأن الموضوع يعد تطوراً له تداعياته السلبية المختلفة علي قضية فلسطين ذاتها في القارة التي بها أكبر كتلة تصويتية كانت داعمة للقضية علي نحو خاص علي صعيدي الأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي , ومن ثم فإن الدعوة لمناقشتها في إجتماع غير عادي يعني أن الطلب الفلسطيني لإدراجها في إجتماع مارس العادي وُوجه إما بالتسويف أو المقاومة , وعلي كل حال فإن توقيت الدعوة الفلسطينية جاء مُتأخراً , ففي ختام زيارة الرئيس التوجوليFaure Gnassingbé الرسمية لإسرائيل في الفترة من 7 إلي 11 أغسطس 2016 أصدرت الخارجية التوجولية بياناً ختامياً بشأنها تضمن ” أن الجانبان إتفقا علي عقد قمة ” إسرائيل – أفريقيا في العاصمة التوجولية Lomé تحت عنوان الأمن والتنمية ” وذلك علي غرار قمة ” الصين أفريقيا ” , و” فرنسا أفريقيا ” , و “الهند وأفريقيا ” , أي أن الإعلان عن ” التسلل الإسرائيلي ” لأفريقيا صدر منذ نحو عشرة أشهر مضت , وطيلة هذه الفترة كانت إسرائيل تبدأ في إستخدام كل أدواتها الحاضرة والفعالة لتؤمن أقصي مُشاركة أفريقية ممكنة في هذه القمة التي توقع وزير خارجية توجو Robert Dussey في تصريح أدلي به أثناء زيارته لإسرائيل 23 يناير 2017 لتوجيه الدعوة الرسمية لرئيس وزراء الكيان الصهيوني لحضور هذه القمة مُشاركة ما بين 20 إلي 25 دولة أفريقية , ومن بين وسائل إسرائيل لتأمين أكبر مشاركة أفريقية ممكنة تنظيمها بمدينة القدس في 5 ديسمبر 2016 منتدي أو Seminar زراعي نظمته وكالة التنمية الدولية الإسرائيلية للتعاون Mashav والتجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا ECOWAS , وذلك علي مدار ثلاثة أيام بمركز تدريبMASHAV في منطقة Kibbutz Shefayim قرب المنطقة الساحلية الوسطي تحت عنوان ” تقوية الإنتاجية الزراعية المستديمة بالمناطق الجافة وشبه الجافة , وتضمن فيما تضمنه تزويد المشاركين بالمعلومات في مجالات ذات صلة بالزراعة كأنظمة الري وتقنيات إدارة الأراضي والألبان والتوسع الزراعي بحضور باحثين زراعيين وممثلي شركات تقنيات زراعية إسرائيلية , وشارك في هذا المؤتمر (الندوة) 7 وزراء خارجية نيجيريا وتوجو وليبيريا وغينيا والرأس الأخضر وجامبيا وسيراليون ووفود يرأسها كبار المسئوليين من بنين وبوركينافاسو وساحل العاج وغانا وغينيا بيساو والسنغال , وقد أشار المتحدث باسم وزارة الزراعة الإسرائيلية Uri Ariel إلي ” إن المؤتمر (الندوة) تُعقد علي خلفية العلاقات الدافئة بين غرب أفريقيا وإسرائيل والتي تشكل أرضاً خصبة لمزيد من التطور في العلاقات علي المستويين الإقتصادي والسياسي ” , ولقد كان عقد هذه الندوة الزراعية في وقت سابق علي عقد القمة المُرتقبة في لومي في أكتوبر 2017 منطقياً بل وذكياً فهي بيان أولي للعدد المتوقع حضوره في قمة أكتوبر القادم , وبالرغم من أن التمثيل الوزاري بها لم يتعد 7 وزراء , إلا أن هذا العدد المحدود يجعل الجهات الإسرائيلية المعنية أكثر إدراكاً لضرورة العمل المكثف وبوسائل مُركبة لجعل التمثيل الأفريقي في قمة أكتوبر بتوجو أكثر من ذلك وعلي المستوي الرئاسي ومحاولة جعل حده الأدني 25 رئيس أفريقي , ومن جهة أخري كانت تلك الندوة الزراعية فرصة لإرساء صلات مع جزء مهم من الحكومات الأفريقية ممُثلاً في وزارات الزراعة , فوزارات الزراعة بالدول الأفريقية من الوزارات المهمة خاصة فيما يتعلق بمواجهة الأزمات الغذائية التي تنهك متخذ القرار السياسي الأفريقي , أخيراً فهذه الندوة الزراعية أتاحت لإسرائيل فرصة لعرض مهاراتها في إستزراع وإستصلاح الأراضي وإستخدامها لتقنيات ري وهو ما تحتاجه دول الساحل والصحراء التي تتعرض لموجات جفاف وتصحر متتالية وتعاني من أزمات غذائية تُعرض إستقرار أنظمة الحكم لموجات مُقابلة من عدم الإستقرار , وستضيف قمة إسرائيل / أفريقيا في أكتوبر 2017 بُعداً آخر إذ ستعرض إسرائيل لجوانب أخري مُتعلقة بعلوم التكنولوجيا والأمن وتنمية المجتمع والحماية الإجتماعية .
2- لم تكن الدعوة لعقد الإجتماع غير الإعتيادي بمبادرة من أمين عام الجامعة العربية إدراكاً منه بخطورة موضوع التحرك الإسرائيلي في أفريقيا (وليس التسلل فإسرائيل تتحرك نهاراً جهاراً وتتصرف كدولة بالرغم من أنها كيان مُغتصب) بالرغم من أن لديه الحق في أن يدعو هو قبل أن تدعو أي دولة عضو بالجامعة لهذا الإجتماع , فبموجب المادة 15 من ميثاق الجامعة العربية مُنح أمين عام الجامعة الحق في دعوة مجلس الجامعة العربية , لكنه يعلم مُسبقاً أن دولاً مهمة مُؤثرة بالجامعة العربية تقترب من إسرائيل علي محورين أولهما تكوين التحالف ” الإسلامي ” علي غرار أو ربما المُرتبط بحلف شمال الأطلنطي NATO ولإسرائيل حيز ما فيه , وثانيهما محور تطبيع العلاقات الثنائية التي أصبحت وتيرة الحديث عنها مُتكررة وتفصيلية بشكل يجعلها في مدي الرؤية الواضحة , إذا نشرت صحيفة THE TIMES OF ISRAEL في 17 يونيو 2017 بالإحالة علي صحيفة TIMES اللندنية إشارتها من واقع مصدر لم يشأ أن يُسمي قوله أن خطوات تدريجية Incremental تتُخذ بشأن التعاون المالي بين السعودية وإسرائيل وهو ما أنكره رسميون سعوديون أشاروا إلي أنها مجرد تمنيات طيبة من جانب إدارة الرئيس الأمريكي Trump , لكن مصادر إعلامية متعددة أشارت إلي أن مباحثات بين عسكريين سعوديين (وإماراتيين) وإسرائيل زاروها مُؤخراً وألتقوا برسميين وسياسيين للنظر في إمكانية أن تصبح إسرائيل حليفاً ضد من يعتبرونه الخطر الأكبر وهو إيران والإسلامين المُتطرفين (بإعتبار أن هؤلاء الحكم هم السلطة المعيارية) , ويعلم أمين عام الجامعة كذلك أن الجامعة العربية غير مأذون لها أو لنقل ليس لها ظل ممتد إلي التجمعات العربية التي نشأت خارج رحمها كمجلس التعاون الخليجي ومن ثم فلا شبهة سلطة ولو معنوية للجامعة العربية للتدخل في النزاع الناشئ بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين الذين قرروا ومعهم اليمن ومصر قطع العلاقات وحصار قطر جواً وبحراً وأرضاً وقبل ذلك وأثناءه إعلامياً بترويج إدعاءات عن دعم قطر للإرهاب وإمتلاك منصة إعلامية هي الجزيرة التي مع بعض التحفظ الجزئي علي بعض تغطياتها , إلا أنها في المجمل أداة وصول كفء للحقيقة وتقديم خدمة الوعي للجمهور العربي ما قض مضاجع هؤلاء الحكام السادرين في نوم طويل كأهل الكهف شكلاً لكنهم موضوعياً بلا قضية فأهل الكهف شرفوا أهل الأرض والسماء بتمسكهم بقضية الإيمان الحق , أما هؤلاء فنسوا أو أغفلهم الله تعالي ليقاطعوا دولة مسلمة في شهر رمضان ونسوا حرمة الدين وشرف الإنسانية , أفهؤلاء يمكن أن يمثل تحالفهم أي خطر ولو هين لغيرهم …. إنه تحالف الضعفاء ؟ , وقد أكد عدم تدخل الجامعة في قضية قطر محمود عفيفي الناطق باسم الجامعة العربية ذلك في 12 يونيو 2017 عندما قال بمناسبة عقد الإجتماع الغير إعتيادي لمناقشة موضوع ” التسلل الإسرائيلي لأفريقيا ” لا يوجد ثمة بند علي أجندة هذا الإجتماع بشأن تحرك بعض الدول العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر” , ولذلك فالسؤال مُوجه للداعي لهذا الإجتماع أي للمندوب الفلسطيني الدائم بالجامعة العربية : ألا يعلم أن أمين عام الجامعة العربية ليست لديه لا إمكانية ولا سطوة التدخل في أي نزاعات عربية سواء بالمناقشة في إجتماع بالجامعة أو بالوساطة , ومن ثم فليس له أن يتدخل في خطر داخل البيت العربي وله فيه حيز , فأني له إذن أن يتحرك بإتجاه خطر خارج البيت العربي وتحديداً في أفريقيا التي تراجعت فيها أدوار الدول العربية فرادي وجماعة بعد نقوص العمل العربي الجماعي المُشترك علي عقبيه بعد فشل القمة العربية / الأفريقية الرابعة في Malabo عاصمة غينيا الإستوائية في نوفمبر 20166 بسبب إنتقال جزء من الخلافات العربية إليها .
3- أن الدعوة لجلسة تتعرض إلي مسألة كهذه يُفترض أنها علي درجة عالية من الخطورة كانت علي مستوي المندوبين الدائمين للدول أعضاء الجامعة العربية , وليس مثلاً علي مستوي ملوك وامراء ورؤساء الدول العربية المنهمك بعضهم في تشكيل تحلف إسلامي يُنعته البعض – ربما تفاؤلاً وربما رجماً بالغيب – بأنه تحالف سني يغطي ما يُوصف بشيئ من بلاغة سياسية في غير أوانها بالهلال السني لمواجهة الهلال الشيعي بإعتبار أن المسلمين بادروا في ذروة ضعفهم وإنقسامهم بتفسير الآية الكريمة ” إقتربت الساعة وأنشق القمر” علي هذا النحو , …. ليكن … فقد يُصبح إنقسامهم نهاية حكامهم … , كما أن هذه الدعوة لم تكن علي مستوي وزراء الخارجية العرب الذين يعملون بغير حاجة للإبتكار الذي يعد هو الوسيلة الوحيدة لكسر قضبان القرارات السياسية التي يمليها عليهم هؤلاء الحكام والتي تعبر في أقصي تقدير لدرجة فاعليتها وتماسكها المُتدنيتين عن مزاج أو حالة نفسية إعترت هذا الملك أو ذاك الرئيس وكلاهما لا يعتد بأي مخاطر أو خسائر تنشأ عن قراراته السياسية فلا محاسبة ولا خشية من شعب فطالما أن كلاهما جاء ليحكم بالصدفة أو بالقوة القاهرة فلا حيز للخشية , فتكفيه الشجاعة الزائفة أمام من هم فوق المُحاسبة , إذن فالدعوة كانت لإجتماع علي مستوي المندوبين الدائمين بإعتبار أن التسلل الإسرائيلي لأفريقيا ” خطر مكتبي ” أو Bureaucratic وليس مُتعلقاً بالأمن القومي العربي الذي يشهد تناقصاً مُضطرداً ورهيباً منذ الثورات الخلوية المضادة لثورات الربيع العربي الشعبية .
من الوجهة الموضوعية ففي التقدير أن :
1- الدعوة الفلسطينية لهذا الإجتماع غير الإعتيادي تقفز من فوق وقائع عربية متعددة وواضحة كل الوضوح في تجاوزها وإضعافها للقضية العربية إلي درجة أن المرء لا يمكنه أن يدعي كما كان يدعي من قبل أن هناك ثمة موقف عربي مُوحد إزاء القضية الفلسطينية بل إن القضية نفسها لا الموقف العربي منها , تعرضت للتجزئة والتفتيت المُتعمد ليس فقط بفعل الإتفاقات الإنفرادية أو المُنفصلة عن تسوية القضية الفلسطينية برمتها , وكان أول تلك المعاهدات الإنفرادية معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل في 26 مارس 1979 , وبعدها توقيع منظمة التحرير الفلسطينية التي تعتبر بموجب قرارات القمم العربية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني علي إعلان المبادئ بشأن ترتيبات الحكم الذاتي الفلسطيني في واشنطن مع حكومة الكيان الصهيوني في 13 سبتمبر 1993 وقبلها الخطابات المُتبادلة بينهما في 9 سبتمبر 1993بشأن الإعتراف المُتبادل , وأخيراً إتفاق وادي عربة الذي وقعه الأردن مع الكيان الصهيوني في 26 أكتوبر 1994, لكن أيضاً بفعل سلوك ونهج قيادات الجيوش العربية خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي بدأت في ديسمبر 2010 التي يممت وجوهها شطر إتجاه جديد تدعمه نخب سياسية عربية بائسة تُوصف بالليبرالية أحياناً – لكنها في الواقع بلا هوية – هذا الإتجاه هو الإعتراف بالأمر الواقع ومن ثم إستبدال العدو الإسرائيلي بالإرهاب كخطر يواجه الأمن القومي العربي – وليس النظم القائمة – فبعد أن ظلت النظم العربية – ومعظمها عسكرية – تستخدم قضية فلسطين كغطاء سياسي لها إستعملته لإنكار أولوية قضية الديموقراطية وإعطاء الشعوب العربية نصيبها المشروع منها – مع أن لا تعارض بينهما بل إنهما مُتكاملتان فإسرائيل تأخذ بالنظام الديموقراطي منذ نشأتها وخاضت حروبها الظافرة مع العرب بإعتبارها دولة ديموقراطية – إلا أنه ومع ذلك فمازالت حالة الإنكار تلك مزمنة إذ أن حكام دول الشرق الأوسط الآن يشاركون الولايات المتحدة في صياغة وتطبيق مفهوم مرن للإرهاب يتسع ليشمل حماية المصالح الأمريكية أولاً , وربما لا يُلاحظ البعض أن مفهوم الإرهاب لدي الولايات المتحدة ليس مفهوماً مُقفلاً بل مفتوحاً بمعني أنه يتسع ويضيق طبقاً للإقليم الذي تطبقه فيه الولايات المتحدة فهو واسع شديد المرونة في الشرق الأوسط , ضيق ومحدود في الهند وبورما والقارة الأوروبية ويضيق أكثر داخل الولايات المتحدة نفسها , أما من الوجهة الموضوعية فموضوع الإرهاب – وفقاً لهذا المفهوم – تنصرف تطبيقاته في الغالب الأعم إلي الإسلام والمسلمين بالتالي وبشكل فج , لكن طالما تبني معظم حكام دول الشرق الأوسط ومعظم سكانها مُسلمون المفهوم الأمريكي للإرهاب فلا تثريب إذن علي الولايات المتحدة , ولا يعني كل ذلك إلا تراجعاً وتآكلاً في بنيان القضية الفلسطينية التي أُختزلت حجماً وخطورة عندما سُلمت للجنة رباعية يترأسها توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق الذي صرح في 14 سبتمبر 2002 بدعمه لعملية السلام في الشرق الأوسط التي تستهدف تحقيق إقامة دولة فلسطينية وفقاً لرؤية الرئيس الأمريكي الأسبق Bush التي أعلنها في 24 يونيو 20011 والتي تضمنت قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وتقديم مساعدات كبيرة ودعم للفلسطينيين في مسيرتهم نحو بناء دولة بالإرتباط بشرط إجراء إصلاح شامل في السلطة الفلسطينية يتضمن تغييراً في القيادة , وهو مالم يتحقق للآن بل بالعكس إستمر ضعف السلطة الفلسطينية مُضطرداً وظلت قيادتها علي ماهي عليه من تمزق وتنازلات متتالية , ولم تكن القيادات العربية الأخري بأقل ضعفاً من ضعف القيادة الفلسطينية فنحن فمنذ بداية ثورات الربيع العربي نشهد إستبعاداً وإنكاراً عربيا لوجود قضية فلسطينية وإلا فما هو تفسير ما نشرته صحيفة The Times البريطانية في 17 يونيو 2017التي أحالت علي مصادر أمريكية وعربية قولها السعودية وإسرائيل شرعا في التفاوض لإرساء علاقات إقتصادية بينهما وأن الخطوات الأولي بإتجاه إقامة علاقات بين أقوي أعداء إيران ستبدأ علي مستوي محدود وهو ما نفته السعودية , فيما أشارت صحيفة HAARETZ في 8 يونيو 2017 إلي أن التقرير الذي نشرته The Times أشار إلي أن Jared Kushner مستشار الرئيس الأمريكي Trump ناقش مع ولي ولي العهد السعودي تحسين العلاقات مع إسرائيل كخطوة ذات صلة بعملية السلام الإسرائيلية / الفلسطينية .
2- القادة ووزارات الخارجية والدفاع بالدول الأفريقية لاشك يتابعون ويعون مغزي ومآلات تكوين ما يُسمي بالتحالف العربي أو الناتو العربي Arab NATO – وهي الفكرة التي طرحتها مصر في 22 فبراير 2015 لمواجهة ما تعتقد بإنه الإرهاب وليس إسرائيل بالطبع , ولقد أعادت القمة العربية السادسة والعشرين التأكيد علي مُقترح مصر لتكوين هذا التحالف في نص البيان الختامي الصادر عنها في 29 مارس 2015 – وما يعنيه ذلك بصفة مُجردة للأفارقة أن القضية الفلسطينية تراجعت تراجعاً غير مسبوق لدي الدول العربية بل يمكن لهم تصور أنها آلت إلي التصفية , وهو الأمر الذي يؤكد لهم وللآخرين أن إستراتيجية أنظمة الحكم العربية التي سيتشكل منها هذا التحالف – إن تشكل – تتجه بقوة نحو التوحد خلف الإستراتيجية الامريكية / الإسرائيلية سواء تم تشكيل هذا التحالف أم لم يتم ( أشار البيان الختامي الصادر في 26 أغسطس 2015 في نهاية إجتماعات بشأن موافقة وزراء الدفاع والخارجية العرب بصفة نهائية علي بروتوكول القوة العربية المُشتركة إلي تأجيله لأجل غير مُسمي بطلب من السعودية والإمارات والكويت وقطر) , والولايات المتحدة من جانبها أملت أو قل جعلت الأهداف الرئيسية لهذا التحالف هي محاربة الإرهاب والتطرف وإيران , وقد أشارت صحيفة Wall Street Journal في 8 مارس 2017 إلي أن إدارة الرئيس الأمريكي Donald Trump تُجري محادثات مع الحلفاء العرب لتشكيل تحالف عسكري سيتبادل المعلومات الإستخباراتية مع إسرائيل من أجل مواجهة التطرف وإيران وأن هذا التحالف الذي سيكون علي غرارNATO ستقدم إليه الولايات المتحدة دعماً عسكرياً ومعلوماتياً لكن لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل ستكونان جزءاً من معاهدة الدفاع المُشترك (التحالف) تلك أي أن أي هجوم علي الولايات المتحدة و إسرائيل لا يتطلب تدخلاً عربياً والعكس صحيح , وهو ما أكده Avigdor Liberman وزير خارجية الكيان عندما قال ” إن الدول السنية تفهم أن التهديد الأكبر لها ليس إسرائيل لكنه إيران ووكلاءها ” (أي حزب الله في لبنان والجهاد الأإسلامي في غزة والميليشيات الحوثية في اليمن) مُضيفاً قوله ” إننا بحاجة لنشرح لحلفاءنا أن إيران هي التهديد الأكبر بالمنطقة , وإني لمندهش أن أري تفهماً في العالم لذلك ” والإشارة الأخطر في هذا الصدد جاءت عند أوضح Avigdor Liberman ما نصه ” في مؤتمر Munich للأمن الشهر الماضي – مارس 2017 – كانت إيران هي الموضوع الأكبر فقد تكلم الكل عنها ولم يتكلموا عن فلسطين , فكلمة عادل الجبير وزير الخارجية السعودي كانت مثيرة للغاية إذ أنني رأيت للمرة الاولي مسئول سعودي رفيع المستوي يتكلم عن هذا الموضوع ” , وأستطرد Liberman فقال ” أنه لإنهاء لعبة إيران في اليمن فإن هناك حاجة لتنسيق ما بين السعودية وإسرائيل مع الأمريكيين والدول السنية المُعتدلة في المنطقة , وهم يعرفون أن إسرائيل حليف قوي جداً ويعتمد عليه ومن مصلحتهم العمل معنا , ونحن منفتحون علي كل أنواع الحوار مع كل الدول المُعتدلة ” .
3- مصر تتكلم الآن عن سلام دافئ مع إسرائيل وعن ضرورة الدفاع عن وحماية جيرانها ومنهم إسرائيل وذلك صراحة , فيما أكدت إسرائيل علي لسان وزير خارجيتها Avigdor Liberman أنهم ينسقون مع مصر لمواجهة الإرهاب وتنظيم الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء منذ 2013 وللآن , ومع ذلك ففي إشارة قارن فيها وضع إسرائيل بالدول المحيطة قال Liberman ” إن المنطقة مُعقدة وقابلة للإنفجار ونحن البلد الوحيد الذي في حالة طيبة ” *( صحيفةTHE JERUSALEM POST الإسرائيلية في 28 أبريل 2017) , ولقد كان وسيظل هذا التنسيق في تقديري تخففاً تاماً من ماضي مواجهات مصر مع إسرائيل إذ أن مصر آثرت إبداء حسن النية بصفة مستديمة مع العدو السابق والصديق الصدوق الحالي – إسرائيل – فقررت طواعية الإستجابة لرغبة أمريكية قديمة أبدتها الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس Dwight David Eisenhower الذي أرسل خطاباً في للملك عبد العزيز آل سعود مُؤرخاً في 14 فبراير 1957 تناول فيه موضوع جزيرة تيران وحث السعودية علي إبداء مطالبة بها وكذلك موضوع غزة ثم أعادت الولايات المتحدة هذا الطلب علي الملك فيصل إذ تضمن خطاب مُؤرخ في 17 يناير 1968من وزير الخارجية الأمريكي Dean Rusk للسفارة الأمريكية في إسرائيل لإبلاغ محتواه المُتعلق بأزمة مضيق تيران لوزير خارجية الكيان الصهيوني آبا إيبان تضمن هذه الفقرة ” وحيث أن تبادل وجهات النظر في هذا الشأن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي Levi Eshkol كان مُشجعاً فقد وجهت سفير الولايات المتحدة لدي المملكة العربية السعودية بإستكشاف أكثر لهذه المسألة مع الملك فيصل , وبالفعل أجري سفيرنا نقاشاً صريحاً عن هذا الموضوع مع جلالته في 13 يناير (1968) , وكان تعليق الملك علي ذلك أن قال بوضوح أنه ينظر إلي جزيرة تيران علي أنها (1) جزء من المملكة العربية السعودية , وأن حكومته منحت إمتياز يغطي الجزيرة ” (لم تشر الوثيقة لمن أعطي هذا الإمتياز) , ويُلاحظ أن الإدارات الأمريكية المُتعاقبة تربط بين غزة وتيران معاً مما يعني أنهما معاً الخطوة النهائية في تصفية لا تسوية القضية الفلسطينية وحصرها في نطاق الرؤية الأمريكية / الإسرائيلية الضيقة بإعتبارها قضية لاجئين لا أكثر ولا أقل وهي نظرة أكدتها تصريحات رسمية أمريكية مختلفة منها ما ورد بنص خطاب هارولد سوندرز مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدني وجنوب آسيا في مجلس الشئون العالمية في 6 نوفمبر 1979 تحت عنوان ” تحديات صنع السلام ” أشار فيه إلي أن للولايات المتحدة خمسة إهتمامات في الشرق الأوسط خامسها الإهتمام الإنساني ” فنحن دولة لا تزال مُهتمة بشعب المنطقة , وقد قدمنا علي مدي سنوات مساعدة إلي اللاجئين ونحن نحاول الآن المساعدة علي إنهاء دورة العنف في لبنان , ….. ولدينا أمل واقعي بحدوث تقدم في حل المشكلة الفلسطينية من جميع نواحيها , وفي إستطاعتنا أن نتطلع إلي اليوم الذي لا يكون علي اللاجئين أن يحددوا فيه مستقبلهم في يأس المخيمات … إن هذه مشكلة مُعقدة , ولكنها أيضاً مشكلة إنسانية حيوية ” , وكان هارولد سوندرز قد أشار قبل ذلك إلي أمن ورفاهية إسرائيل بإعتباره الأولوية الثانية وقال أن كل رئيس أمريكي منذ إنشاء إسرائيل عام 1948 أعلن إلتزام الولايات المتحدة الراسخ بتحقيق ذلك الهدف , كما يُلاحظ من متابعة موضوع جزيرة تيران أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها توجه لجعل التسوية (التصفية) النهائية مجرد مبادلة أراضي وقد يكون هناك – في تقديري – دور للمملكة العربية السعودية في هذه الخطة التي أوضحها الرئيس الأمريكي Obama عندما طرح في خطاب ألقاه بمقر وزارة الخارجية الأمريكية في 20 مايو 2011 موضوع مبادلة الأراضي قائلاً ” إن أي إتفاق لإقامة الدولة الفلسطينية يجب أن يعتمد علي حدود 1967 مع مبادلات يُتفق عليها الطرفان ” مُردفاً قوله ” إن الإلتزام الأمريكي بأمن إسرائيل لا يهتز , وأن جهود تجريد إسرائيل من الشرعية ستنتهي إلي الفشل والتحركات الرمزية لعزلها في الأمم المتحدة في سبتمبر 2011 لن تُوجد دولة مُستقلة ” , وبناء علي توفر تنسيق مُعلن بين مصر وإسرائيل في الموضوع السيناوي إضافة للتطابق في وجهات نظريهما بشأن القضايا الإقليمية ومنها مثلاً تطابق الموقف الإسرائيلي مع الموقف المصري في دعم نظام رئيس جنوب السودان Salva Kiirوتوجيه إتهامات لهما بإمداده بالسلاح والذخيرة وكذلك الأمر في حالة دارفور مما يؤكد تطابق الرؤية .
بناء علي الإقتراب السعودي من أمن إسرائيل من خلال تنازل مصر الطوعي عن جزيرة تيران وهو الإقتراب الذي إقتضي إتصالات علي مستوي ما بين إسرائيل والسعودية في المرحلة التمهيدية السابقة لتوقيع مصر والسعودية في أبريل 2016 علي إتفاق ترسيم حدودهما البحرية في خليج العقبة وهو ما أعلنته إسرائيل , يُضاف إلي ذلك روابط تتوثق بين الأردن وإسرائيل منها مثلاً توقيع شركة Noble Energy الأمريكية وهي طرف في كونسورتايوم لديه حقوق إنتاج الغاز الطبيعي من حقل Leviathan الإسرائيلي بشرق المتوسط عقداً مع شركة القوي الكهربائية الأردنية في 26 سبتمبر 2016 يقضي بتوريد 3 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً للأردن بدءاً من عام 2019 , وكذلك مشروع البحر الميت الذي نشأ عندما وقعت إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية إتفاقاً في ديسمبر 2013 للمشاركة في المياه من خلال شق قناة من خليج العقبة تصل إلي البحر الميت لملأه ومن شأن هذا المشروع الذي يتكلف 1,1 بليون دولار أن يمد الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية (التي بررت موافقتها علي المشروع بأنه سيجعل من البحر الميت منطقة تراث تاريخي دولي بإنقاذه من التناقص كبحيرة تشاد) بإحتياجاتهم المائية , بناء علي ذلك وغيره كثير فلا مجال للحديث عن مخاوف ستعتري القادة العرب من ” تسلل إسرائيلي لأفريقيا ” , فالأردن والسلطة الفلسطينية لديهما الآن مصالح دائمة وحيوية مع إسرائيل , كما أن السعودية بعد إقتناصها لجزيرة تيران من السيادة المصرية ستمارس دوراً فعالاً في تجمع دول خليج العقبة الأربع وهو تجمع أتوقع إقامته يوماً ما ليضم بجانب إسرائيل ثلاث دول عربية تطل علي هذا الخليج كانت متهادنة مع إسرائيل في الفترة من 26 مارس 1979 تاريخ توقيع معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية للآن وهو تجمع يُماثل بوجه أو بآخر إمارات الساحل المُتصالح أو المُتهادن وكان يضم سبع مشيخيات تكون منها فيما بعد دولة الإمارات العربية , وربما سنسمع في المستقبل القريب عن تكوين هذا التجمع الذي سيُوضع له اسم جذاب مُوحي لحلف أو تجمع أو منظمة تضم مصر والسعودية والأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية بناء علي إطلالهم معاً علي خليج العقبة وقد تُوضع له أهداف بيئية في المرحلة الأولي من إنشاءه لتكون نواة تتطور لتتحول إلي حلف عسكري أو سياسي أو كلاهما …. فتطور الأمور وتنامي قوة إسرائيل وتناقص قوة الدول العربية التي تمحو وزارات التعليم بها هوية أجيالها الجديدة كل ما يتعلق بالجهاد في الدين الإسلامي وتاريخ العرب والمسلمين بإعتبار أنه إرهاب لتتحول الدول العربية إلي مجرد شكل نموذجي أو Maquette تفعل به إسرائيل ما تشاء حذفاً أو إضافةً , وقد يكون هذا التحالف ” تحالف العقبة ” بديلاً لمشروع إدارة الأمريكي Trump بإقامة ما يُسمي ختلاً بالتحالف الإسلامي أو العربي سمه ما شئت إذ أن المشاركين المرتقبين فيه لا تعنيهم التسميات بقدر ما تعنيهم الحماية والبركة الأمريكية / الإسرائيلية فالتحالف آت منهما إذن فهذا يكفي وأكثر لجل حكام العرب , ومع ذلك فلن يفلح التحالف الأمني الشرق أوسطي الذي قيل أنه علي غرار NATO أومُرتبط به فهذا التحالف الذي سيعمل علي إدماج إسرائيل في جغرافيا الشرق الأوسط بعد أن زُيف تاريخه من أجلها , فهو تحالف يضم نظم عربية ضعيفة أدمنت الخلافات فيما بينها وهي مُهترأة لا تعترف بالمؤسسية ولا بأدني منسوب للديموقراطية , فهي نظم ما يُعرف بالخلية الأحادية Unicellular , لكن الذي يلفت الإنتباه هو المعني فالولايات المتحدة ترغب في إدماج إسرائيل في منظومة الشرق الأوسط لتقوده , فمثلما كانت هناك محاولة إسرائيلية ناجحة في إلحاق إسرائيل بجغرافيا البحر المتوسط كما فعلت فرنسا ذلك بإنشاءها ” للإتحاد من أجل المتوسط ” Union pour la Méditerranée وهو ما قبلته مصر والأردن ورفضته الجزائر وليبيا , فإن المحاولة الأمريكية لإقامة تحالف الشرق الأوسط لمواجهة إيران والإرهاب ستعمل بحكم إلحاق إسرائيل فيه علي إدماج أكثر لإسرائيل في الترتيبات العسكرية والأمنية مع دول عربية بدون ربط ذلك مع التسوية لما يعتقد البعض أنه تبقي من التسوية السلمية للقضية الفلسطينية , بل وعلي حسابها , ولا يمكن إفتراض إن هذا التحالف سوف يكون بعيداً عن التطبيقات الإستراتيجية لحلف شمال الأطلنطي فمنذ سقوط الأتحاد السوفيتي عام 1991 وإنحلال حلف وارسو تعرضت المصطلحات الجيوسياسية للتعديل والتطوير بل والإستزراع التعسفي , ومثال علي ذلك ما قاله Maurizio Massari المبعوث الإيطالي الخاص للشرق الأوسط في تصريح للصحافة الإماراتية بمناسبة جولته التي شملت دول الخليج العربي العربية المتحدة بدأت في 10 أبريل 2012 وأستغرقت 6 أيام , عندما أشار إلي أن مفهوم البحر المتوسط لا يشمل فقط الدول الواقعة إلي الجنوب منه أي دول شمال أفريقيا بل أيضاً دول الصحراء الكبري ليكون البحر المتوسط الأكبر Greater Mediterranean Region , وبالتالي فإن دخول دول عربية في هذا التحالف ينطوي علي قضاء مبرم – وإن بصفة غير مباشرة – علي أية ترتبات أو إتفاقات عسكرية وأمنية داخل الجامعة العربية وهي ما يعتبر حدوثها في المناخ العربي الراهن محض مستحيل .
4- الملوك والقادة العرب يحضرون ويشاركون بسعادة وفخر في منتديات دافوس سنوياً …. يشاركون في مؤتمرات دولية عن البيئة ….. وبعضهم شاركوا هم أو من ينوبهم في 13 يناير 2015 في جنازة رسامي الكاريكاتور الأربع بمجلة Charlie Hebdoالساخرة وهم في غاية الحزن والأسي وهم الذين دأبوا علي الإساءة في رسوماتهم الكاريكاتورية للرسول الكريم ” محمد صلي الله علي وسلم ” تحت ذريعة الحرية المُطلقة التي لا تقترب مثلاً من السامية , لكن هؤلاء القادة أنفسهم لم يلقوا بالاً لتحركات إسرائيل في أفريقيا والتي تُوجت بعقد مؤتمر قمة إسرائيل – أفريقيا في أكتوبر 2017 وتأكيداً وربما تطميناً لإسرائيل علي تخليهم حتي عن غيرتهم السياسية من هذا التقدم الإسرائيلي غير المسبوق فقد تركوا أهمية القضية تتناقص إلي حد أن موضوع ” التسلل الإسرائيلي في أفريقيا ” يُناقش في مجلس الجامعة العربية علي هذا المستوي الأدني , ولا شك أن في ذلك التصرف إقرار عربي بإنعدام خطورة التحرك الإسرائيلي في أفريقيا وهو ما يشير إلي التبويب الواقعي للأولويات الحقيقية في سلم المخاطر العربية , فإسرائيل لم تعد خطراً علي نظم دول الشرق الأوسط كيف لا وهي تنسق معهم جميعاً بما فيهم السلطة الفلسطينية ويرون فيمن يقاوم إسرائيل عدواً لهم أو إرهابياً , ولنا في واقعة قطر مع ثلاث دول عربية بمجلس التعاون الخليجي هي السعودية والإمارات والبحرينمثالاً علي إختلالات الرؤية رؤية البصر والبصيرة معاً , فقطر وداعيها الإعلامي الجزيرة التي تُوصف بأنها Herald المُعبر عن الوعي العربي هما الخطر المُحدق بهذه النظم تري هذه الدول الثلاث فيها خطراً علي دعاياتهم التي تنقلها وسائل إعلامهم الجدباء لشعوبهم والتي يقومون عبرها بتضليل هذه الشعوب يومياً عبرها ولا يفلت من هذا التضليل إلا الراشدين يمكن التخلص منهم بالنفي أو التجميد أو الإعتقال , إلا أن الجزيرة كسرت بحرفيتها دائرة التضليل تلك لذلك وجب التخلص من قطر للتقدم نحو التطبيع التام الناجز مع العدو الإسرائيلي الذي أمسي وأصبح صديقاً حميماً لهذه النظم التي لا تجدها إلا في الحفريات والتي أصابتها ثورات الربيع العربي بالرعب , ولهذا فإن هذه النظم المُضطربة تري – بعد هذه الثورات وإتقاء لموجتها الثانية – في إسرائيل ساتراً وربما داعماً لها في البقاء بأي ثمن في مواجهة أي موجة ثورية شعبية مُرتقبة , ولذلك تجد في مصنفات التحالف الإسلامي مُصنف ” تبادل المعلومات الإستخبارية ” فيبدو أنه آن للشين بيت (الأمن الداخلي الإسرائيلي) أن يعمل في داخل الدول العربية بإعتبارها بيته , وعلاوة علي ذلك فقد حققت إسرائيل من المكاسب الكثير في الفترة من ديسمبر 2010 أي منذ ثورة الشعب التونسي وحتي الثورة السورية التي تزاوجت فيها المصالح الروسية / الأمريكية في حالة إستثنائية لا تتكرر كثيراً في مسير علاقات هاتين القوتين , ومن بين أهم هذه المكاسب وهي متنوعة عديدة :
– تأمين مياهها الإقليمية في خليج العقبة بإزاحة الخطر العسكري المصري المُحتمل لإغلاق مضيق تيران للمرة الثالثة وذلك بسبب توقيع إتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بالقاهرة في 9 أبريل 2016 والتي نجم عنها تنازل مصر طواعية عن جزيرتى تيران وصنافير وبالتالي فقد أصبح تحول مضيق تيران من مضيق إستراتيجي للعسكرية المصرية تسيطر من خلاله علي كل خليج العقبة وموانئه خاصة ميناء الدولة العدو إلي خليج بممر بحري دولي مفتوح هو مضيق تيران , وكانت إسرائيل طرفاً في المباحثات (وليست المفاوضات) السابقة علي توقيع هذه الإتفاقية .
– أصبحت إسرائيل قاب قوسين أو أدني من تطبيع علاقاتها مع السعودية ودول الخليج العربي إذ أنها أدركت ومعها النظم العربية الهشة غير المُؤهلة بالشرقين الأوسط والأدني أنهما أصحاب مصلحة مُشتركة لمحاربة ما يصفونه بالإرهاب وهو في الغالب الأعم مُصطلح يُطلق عمن يرفض وجود إسرائيل ووجود هؤلاء الحكام الورقيين في دست الحكم , إذ أنه ليس في مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي وبنفس الدرجة وربما أكبر ليس في مصلحة النظم العربية البائسة الهشة الحاكمة أن تنتظر موجة ثانية للربيع العربي , فإسرائيل كالحكام العرب تكره – لكن أقل منهم – الديموقراطية العربية وتخشي بأسها فيما لا تخشي بأس العسكريات العربية بالشرق الأوسط علي نحو خاص , ومن هنا كانت التحركات الأمريكية / الإسرائيلية مع النظم العربية المُنكسرة لتكوين ما يُسمي بالتحالف الإسلامي – وهو علي أية حال مُتعثر حالياً – وهو في الواقع تحالف أمني بإمتياز وليس عسكري كما يُشاع عنه , فالمهمة الأولي لهذه التحالف الذي أوضح أكثر من مصدر أمريكي وإسرائيلي رسمي غير مُسم أنه لمحاربة الإرهاب وإيران , فبطبيعة النشأة تحت نظم مُستبدة مٌقيد للحريات العامة خاصة السياسية كان أن إنبثقت قوي مُعارضة داخل فضاءات هذه الدول الكرتونية التي تُدار من مكاتب الأمن الضيقة المستورة عن الحرية وليس من داخل المؤسسات الإقتصادية والإجتماعية والعلمية , ولم يكن من المناسب أن يُطلق علي هذه القوي أنها ” قوي معارضة ” فالمعارضة لقب يُطلق علي القوي السياسية في مجتمع ديموقراطي , ولما لم يكن من الممكن إيجاد ديموقراطية والمناخ السياسي مُتعفن ومُسمم بفضل النخب الحاكمة ذات الصلة بحفريات ما قبل التاريخ , لذا كان من الضروري إصطناع نسب لهذه المعارضة وهي في أغلبها وأقوي كتلها إسلامية لأن هذه هي الهوية الوحيدة المُعبرة عن هذه الشعوب كونها مُتأصلة مُتجذرة , وكان أن نسب هؤلاء المعارضة إلي الإرهاب وهو إصطلاح مفتوح غير مُتفق عليه لكنه مرعب مخيف وأحيانا يمكن لحكام هذه الدول الكرتونية البائسة إستخدام الإرهاب لأغراض التسول بنوعيه السياسي والمالي وإستدرار تعاطف القوي الدولية التي تعلم تماماً أنها معارضة مجردة وليست في الغالب قوي إرهابية , لكن ولإن المسافة بين القوي الدولية والإسلام هي نفس المسافة البعيدة التي بينه وبين حكام هذه الدول , إلا أنها مسافة تتباعد بإضطراد خاصة بعد تفكك الإتحاد السوفيتي عام 1991 وزوال الخطر الشيوعي كتحدي أمني حمله حلف شمال الأطلنطي NATO علي عاتقه منذ 1954 حتي 19911 والذي إستبدال الخطر الشيوعي البائد بالخطر الإسلامي ووضعه في مساحة ضيقة يعبر عنها مصطلح ” الإرهاب ” , وإذا ما كانت الروح الصليبية هي الوازع من وراء العداء الغربي للإسلام والقوي السياسية المُنتمية إليه , فما هو وازع الحكام الكرتونيين ؟ الإجابة ببساطة الخشية من الحرية التي نجد آيات القرآن الكريم وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام مفعمة بالإشارة إليها والأخذ بها أمام أنفسنا وأمام الله تعالي .
5- مخاوف تجدد موجة الربيع العربي جعل دول المنطقة وليس التسلل الإسرائيلي لأفريقيا ولا مجمل القضية الفلسطينية , في حالة دفاع غير شرعي عن النفس وهو ما أشار إليه Avigdor Lieberman وزير الدفاع الإسرائيلي في تصريح نشرته صحيفةHAARETZ في 18 يونيو 2017 إذ قال ” إن الدول العربية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية بقطر لم تفعل ذلك بسبب إسرائيل ولا بسبب المسألة الفلسطينية , لكن بسبب خوفها من إرهاب الإسلام الراديكالي , فأي محاولة للربط ما بين القضية الفلسطينية وعلاقات إسرائيل الثنائية مع الدول العربية المُعتدلة هي ببساطة مدخل خاطئ , فحقيقة اننا وقعنا إتفاقات سلام مع مصر والأردن لا صلة لها بالمسألة الفلسطينية , أيضاً هنا علينا القول بأنه لا يجوز إشتراط تطور العلاقات مع الدول العربية المُعتدلة بحل المسألة الفلسطينية ” , ولهذا ولأسباب أخري لا صلة لها بالقضية الفلسطينية تناقص الجهد السياسي العربي في أفريقيا بل إن محاولة أخيرة للتحرك العربي الجماعي في أفريقيا أتت بعكس ما إستهدفته تماماً فكشفت عن مبلغ الضعف والإختلال السياسي في مجتمع الحكام العرب إذ أن القمة العربية / الأفريقية الرابعة التي عُقدت في Malabo عاصمة غينيا الإستوائية في الفترة من 17 إلي 23 نوفمبر 2016 تحت شعار ” معا من أجل التنمية الاقتصادية المستدامة ” فشلت فشلاً ذريعاً بسبب الخلافات العربية التي دائماً ما تتأسس علي تصرفات قطرية تسبق الصالح العربي الجماعي فقد تسببت دعوة وفد عن ما يُسمي بالجمهورية الصحراوية للمشاركة في هذه القمة في إنسحاب وفود المغرب، السعودية ، الإمارات ، البحرين ، قطر ، الأردن ، اليمن ، والصومال من المشاركة في أعمال القمة بسبب إصرار سكرتارية الإتحاد الأفريقي علي مشاركة وفد للجمهورية العربية الصحراوية RASD (البوليساريو) التي يعترف الإتحاد بها كدولة عضو به , ومن ثم فقد أدرك الأفارقة من واقع تكرار الخلافات والإنقسامات العربية أن تعاوناً أفريقيا / عربياً سوف لا يكون مُثمراً بل إنهم سيكونون عرضة لحمل جزء من هذه الخلافات غير المُبررة في كثير من الأحيان , من جهة أخري فإن التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في أفريقيا محدود وضعيف ويحتاج إلي إعادة تقويم فهناك بعض السفراء مثل سفير السلطة في مالي مُستقر بدولة الإعتماد لمدة طويلة مثل سفير السلطة بباماكو ويمكث هناك منذ 30 عاماً مما جعل إهتماماته كلها مُسخرة لأعماله الخاصة , هذا بالإضافة إلي علاقة بعضهم الحميمة بالسفراء الإسرائيليين ببعض الدول التي بها تمثيل فلسطيني .
6- ما الذي يمكن أن يقوله المندوبين الدائمين للسعودية أو للبحرين أو للإمارات أو لمصر عند مناقشة موضوع التسلل الإسرائيلي في أفريقيا , فمصر ذاتها أكبر دول المواجهة العربية – سابقاً- لإسرائيل قامت – وبدون الحصول علي أي مكاسب إفتراضية من الكيان الإسرائيلي – بسحب مشروع كان من المُقرر أن تطرحه علي مجلس الأمن للتصويت عليه يتضمن إدانة ومطالبة إسرائيل ” بتعليق الأنشطة الإستيطانية في الضفة الغربية من أجل إنقاذ حل الدولتين” , كان الوفد المصري قد وزع مسودته في مساء 21 ديسمبر علي أعضاء مجلس الأمن الدولي ثم سحبه فجأة وأرجئ التصويت عليه مُبلغاً أعضاء المجلس بذلك يوم التصويت عليه , وهو تصرف أشادت به إسرائيل وأشارت الأنباء وقتذاك إلي أن مصر قررت سحب المشروع بعد إتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي المُنتخب Donald Trump والرئيس المصري , لكن ما حدث وأضر أبلغ الضرر بالموقع الفريد والتاريخي لمصر تجاه القضية الفلسطينية أن المشروع بعد سحب مصر له تقدمت به دول أخري غير عربية هي فينزويلا وماليزيا والسنغال ونيوزيلاند (التي لها تاريخ غير إيجابي في التصويت علي قرارات تخص القضية الفلسطينية) وحازعلي إجماع أعضاء مجلس الأمن فيما إمتنعت الولايات المتحدة عن التصويت مما يعتبر موافقة ضمنية منها عليه في أول سابقة من نوعها في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية , فالقرار إعتبر المستوطنات الإسرائيلية انتهاكا للقانون الدولي وعقبة أمام تنفيذ حل الدولتين , وبالنظر إلي أهمية هذا القرار في دعم الموقف العربي من قضية فلسطين فإن سحب مصر له ينطوي علي دلالات في منتهي السوء منها أن مصر أعلنت إنحيازها لمجمل الرؤية الإسرائيلية للقضية الفلسطينية التي لم تعد مركزية والحالة هذه للسياسة المصرية , كما أن النقطة التي إنتهي عندها النزاع المصري السعودي بشأن قضية تيران والتي كانت من الوجهة العسكرية المصرية تعتبر سلاحاً بحرياً مُستقلاً بذاته بقدر ما هي مفتاح مدخل خليج العقبة حيازة مصر له مكنتها من خنق ميناء إيلات المُطل علي هذا الخليج , مما يعني أن هناك ثمة هضم مصري للرؤية الإسرائيلية أدت إلي توقيع إتفاق الحدود البحرية بين مصر والسعودية في إبريل الماضي ومن ثم التنازل عن جزيرة تيران للمملكة السعودية , وكانت تلك – في تقديري – المقدمة المنطقية لسحب مصر لمشروع إدانة الإستيطان الإسرائيلي الذي تقدمت به نيابة عن المجموعة العربية بالأمم المتحدة , كذلك فازت إسرائيل في إقتراع سري أجري بالأمم المتحدة في يونيو 2016 لرئاسة اللجنة القانونية بها، وفازت بها إسرائيل وهي المرة الأولى التي تتولى فيها رئاسة واحدة من اللجان الدائمة الست للمنظمة الدولية منذ انضمامها لها عام 1949 , وأشارت وكالة قدس برس إنترناشيونال للأنباء في 15 يونيو 2016 أن مصادر دبلوماسية عربية بالقاهرة أكدت أن هناك أربع دول عربية كانت من ضمن الدول الـ 109 التي صوتت لصالح إسرائيل (من بين 193 دولة) وذلك بالرغم من أنه لا يمكن التيقن من هوية المصوتين ولا معرفة أسماء الدول لأن الاقتراع كان سريا , وقد أدي النجاح النسبي لإسرائيل في تحركه نحو أفريقيا بناء علي تخطيط إستراتيجي والذي أدي إلي – حتي الآن – إلي نتيجتين مؤثرتين حتي الآن في سبيلها للمُضي نحو تحقيق مجمل الإستراتيجية الإسرائيلية متعددة الأبعاد لأفريقيا والنتيجتين هما (1) إعلان توجو في يناير 2017 عن إستضافتها في أكتوبر 2017 لقمة إسرائيل – أفريقيا , و (2) مشاركة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي Benyamin Netanyahu في 4 يونيو 2017 في القمة 51 للتجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا ECWAS ما أدي لإنسحاب الملك محمد الخامس من المشاركة فيها , وكانت القوة الدافعة لمشاركة إسرائيل في هذه القمة Marcel Alain de Souza رئيس هذا التجمع الآن , وبالرغم من النكسة التي واجهت السياسة الإسرائيلية إثر إصدار المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو Unesco التي تضم 58 دولة عضو لقرار ينكر وجود رابطة تاريخية ألفية بين اليهود والقدس إلا أن الدبلوماسية الإسرائيلية (وتشاركها توجو في هذا الجهد ) تعمل بمختلف الوسائل علي إحباط مشروع القرار الفلسطيني المطروح علي Unesco وينكر أي علاقة بين اليهود وجبل الهيكل وقد أعلن الرئيس التنفيذي لليونسكو Michael Worbs في 18 يونيو 2017 ” أن هذا القرار علي كل حال لم يُطرح بعد علي التصويت الرسمي في جلسة مُوسعة يوم الثلاثاء 19 يونيو كما كان مُقرراً وأنه تم تأجيله حتي الربيع لإتاحة الفرصة للتحاور بشأنه ” .
7- القمة العربية / الأفريقية في مالابو (غينيا الاستوائية) في نوفمبر 2016 بالرغم من فشلها بسبب التنازع المغربي / الجزائري بشأن مشاركة الجمهورية الصحراوية في هذه القمة إلا أن إسرائيل أصرت علي المضي في تنفيذ إستراتيجيتها الأفريقية فأرسلت وفداً إلي مالابو لمتابعة أعمال هذه القمة بصفة مراقب ، لكن هذا الوفد ووُجه تواجده بالرفض من قِبَل رئيس الدولة الموريتانيّة محمد ولد عبد العزيز ، ثمّ من رئيس الاتحاد الأفريقي نفسه ووفوداً من دول أعضاء طالب جميعهم بخروج الوفد الإسرائيلي , لكن هذا المسلك الإسرائيلي كان إمتداداً لجهد سبقه قام به وزير الخارجية الإسرائيلي السابق Avigdor Lieberman في بداية يونيو 2014 عندما قام بزيارة إستغرقت عشرة أيام قادته إلي رواندا وساحل العاج وغانا وإثيوبيا وكينيا بهدف الترويج لمسعي إسرائيلي للحصول علي صفة ” مراقب ” بالإتحاد الأفريقي , وفي يوليو2016 وقبل عقد إنعقاد قمة الإتحااد الأفريقي في كيجالي في الفترة من 10 إلي 18 يوليو 2016 قام رئيس وزراء الكيان الصهيوني في يوليو2016 بزيارة لبعض دول شرق أفريقيا تدشيناً لهذه الإستراتيجية الإسرائلية الراسخة بشأن أفريقيا والتي بدأتها إسرائيل في خمسينات القرن الماضي وأستأنفها Netanyahu والهادفة إلي وضع أفريقيا بمواردها وحاجاتها المُلحة للتنمية علي خريطة الإقتصاد الإسرائيلي وهي الزيارة التي أعقبها زيارة قام بهاDore Gold مدير عام الخارجية الإسرائيلية لغينيا (أحد أهم الدول الأفريقية في نظر إسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة) إلتقي فيها الرئيس الغيني Alpha Conde في إطار الإعلان عن إستعادة العلاقات الغينية / الإسرائيلية في 20 يوليو 2016 وتوقفه خلال توجهه إلي كوناكري في ندجامينا حيث إلتقي هناك بالرئيس التشادي إدريس دبي ولم يمنع عدم وجود علاقات دبلوماسية معها (قُطعت عام 1972) قيام Dore Gold بهذه الزيارة التي أشارت صحيفة The Jerusalem Post في يوليو 2016 بشأنها أن العلاقات الإسرائيلية / التشادية من المتوقع إستئنافها .
كان فشل القمة العربية / الأفريقية الرابعة مُضافاً إليه التأثيرات السلبية للأزمة الناشئة بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر تعميقاً لرؤية لدي قطاع من الساسة الأفارقة بأن العلاقات الأفريقية / العربية غير مُنتجة بل ربما تكون ذات أثر سلبي علي مستوي العلاقات الأفريقية / الأفريقية , فها نحن نري أرتريا التي كانت علاقاتها مع قطر ممتازة تصدر بياناً في 12 يونيو 2017 يدعم موقف السعودية وحلفاؤها مقابل قطر التي يتهمونها بدعم الإرهاب والتطرف , وفي الواقع فإن الموقف الذي إتخذته دول بشرق أفريقيا مثل جيبوتي وأرتريا والصومال بدعم الموقف السعودي لم يتأسس علي مبدأ الحق أو الباطل بل علي مصالح وصفها البعض بأنها ترقي لمستوي الإغراءات لهذه الدول الثلاث , ولكن الموقف الأرتري علي نحو خاص درجة التربص فيه واضحة كل الوضوح إذ تدخل في تكوينه العلاقات الأرترية المصرية الإيجابية المُتبادلة للطرفين اللذين يعضد من علاقاتهما الثنائية خصومتهما للنظام الإثيوبي والسوداني معاً , ومن ثم فإن هذا الإستقطاب العربي في نطاق العلاقات الأفريقية العربية , لا يستطيع المرء أن يتصور وجوده في حالة العلاقات الأفريقية / الإسرائيلية وإن وُجد فبقدر عال من الحرفية الدبلوماسية التي لا تمكن المراقب من رؤيته مادياً , ومن ثم فعلاقات الأفارقة مع إسرائيل مع تدني سمعة السياسات العربية في أفريقيا وما وصلت إليه من تردي وإهمال الآن , لن تكون عنصر تكلفة علي الأفارقة بل إنها رقم إيجابي والحالة هذه خاصة وأن العرب أصبحت أهدافهم محدودة ومتواضعة في أفريقيا فهم الآن وصلوا في تدني علاقاتهم بين بعضهم البعض إلي درجة إشتراط أو إغراء هذه الدولة الأفريقية أو تلك علي قطع علاقاتها مع قطر وليس مع إسرائيل للحصول من السعودية علي مكاسب , فالسعودية ليس تحت يدها غير المال لتقدمه وهو الذي إشترت به وكذلك الأغعمارات قواعد عسكرية لهما في الصومال وأرتريا وجيبوتي مما أدي إلي توسيع مدي المفهوم الجيوبوليتيكي لإصطلاح ” الشرق الأوسط ” بحيث يغطي جزء مهم من القرن الأفريقي أي ليصبح القرن الأفريقي إمتداداً جيوسياسي للشرق الأوسط مع ما لذلك من نتائج ومخاطر مُرتقبة .
التـــقـــديـــر :
إن طلب السلطة الفلسطينية عبر مندوبها الدائم في جامعة الدول العربية لعقد إجتماع غير إعتيادي لمجلس الجامعة لمناقشة موضوع ” التسلل ” الإسرائيلي في أفريقيا وهي المناقشة التي لن يتعرف أحد علي نتائجها إذ أن النظام الداخلي لمجلس الجامعة يوجب إعتبار القرارات التي يتخذها بأنها ” سرية ” بنص المادة 12 بند 7 التي تقول” لا يجوز إعلان أو نشر نصوص القرارات التي يتخذها المجلس أو لجانه إلا بموافقة أغلبية الدول الأعضاء ” , هذا الطلب بالرغم من إستبعادي لقدرة الدول أعضاء مجلس الجامعة العربية علي الخروج بقرار عملي يوقف التقدم الإسرائيلي في أفريقيا , إلا أنه قُصد من التقدم به إحراج الجامعة العربية أولاً وإحراج بعض الدول العربية وإحراج السلطة الفلسطينية لنفسها , ومع ذلك فلا شك أن المندوب الفلسطيني الدائم بالجامعة العربية يعلم يقيناً أن القادة العرب لا يُؤمل منهم خيراً إذ أن بعضهم معنيون بالتشبث بالسلطة والقبض عليها بقسوة وفقاً لآليات مركزية أو وبعضهم الآخر ممن ينتظر يتطلع للإستيلاء عليها وفقاً لخبرات الإنقلابات العسكرية وهي خبرات متراكمة ومُتعارف عليها وتفضلها القوي الغربية الديموقراطية للتعامل معها فالنظم العربية الحالية في معظمها ضعيفة هشة ومتهالكة كأنها كما قال الله تعالي في سورة ” المُنافقون “كأنهم خشب مسندة ” فهي لا تقوم قائمتها إلا بدعم ومساندة من قوي خارجية هي الولايات المتحدة علي وجه التعيين فهي التي تضع لهم الآن صيغة تحالفاتهم وتعمل قيادتيها العسكريتين سواء المركزية ومقرها البحرين أو الأفريقية ومقرها حتي الآن في شتوتجارت بألمانيا بحرية في أراضي العرب وتنسق لهم جهودهم في محاربة الإرهاب أي محاربة معارضيهما بوسائل عدة منها التحالف العربي أو الإسلامي المشكوك في تكوينه حالياً والذي وضعته لهم إدارة Trump والذي من المتوقع حال تشكيله أن يتبع القيادة العسكرية المركزية الأمريكية , وكذلك Trans-Sahara Counter Terrorism Partnership والهادفة وفقاً للعسكرية الأمريكية إلي محاربة التطرف العنيف وإلحاق الهزيمة بالمنظمات الإرهابية العاملة في المغرب والساحل وقد أُلحقت هذه المبادرة بنطاق مسئوليات القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا في نهاية عام 20088 , فكيف يتأتي لدول يقودها أمثال هؤلاء أن يواجهوا إسرائيل وهم قد وضعوا أياديهم في يدها الملوثة بالأرض المُغتصبة ودماء شهداؤنا الذين أهدر هؤلاء دماؤهم وهم يرتضون بتكوين الأحلاف مع كيان قائم علي تاريخ زائف وأساطير تمييزية , وإسرائيل تعلم علم اليقين أن هؤلاء الحكام لا تريدهم شعوبهم ولا يملكون أي رغبة في إحترام تاريخهم الذي لن تتضمن سطوره الآتية عنهم إلا كلمة مجرد كلمة واحدة عنهم وهي كلمة ” الخيانة ” , إنك لتجدهم يستقبلون بعضهم البعض وهم في غاية من الزهو والفخار لا يستطعون مواجهة إسرائيل بل ويقدمون التنازل تلو التنازل لها للبقاء في السلطة وما تبعيتهم للولايات المتحدة المسئولة الأولي عن أمن ورفاهية إسرائيل إلا كذلك , وما كانت زيارة الرئيس الأمريكي Trump الأخيرة للسعودية وإستدعاء باقي حكام الخليج ومصر للحضور إلا بياناً عملياً علي التبعية والإملاء وآخرها ما أملاه Trump علي هؤلاء الأموات : أن دمروا قطر , التي ما أرتكبت ذنباً واحداً سوي تقديمها الوعي لجماهير العرب عبر ” الجزيرة ” , وأن امنعوا عنها الطعام والخروج والحركة حتي إشعار آخر , فهؤلاء الحكام الأموات الذين مات فيهم ضميرهم قبل كرامتهم ووعيهم هم أنفسهم من يصدق عليهم قوله سبحانه وتعالي في سورة الكهف آية 18 ” وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ” , صدق الله العظيم .
السفير بلال المصري – سـفـيـر مصر السابق لدي ألأنجولا وساوتومي والنيجر – المركز الديمقراطي العربي
القاهرة . تحريراً في 21 يونيو 2017