الاجتماعية والثقافيةالدراسات البحثية

علاقة اللغة بالمجتمع – واشكالية التواصل اللغوي في المجتمع

اعداد الباحثة: : صبرينة مزياني – الجامعة – المدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية – دراسات استراتيجية
 
  • المركز الديمقراطي العربي

 

الملخص:

نعالج من خلال دراستنا هذه العلاقة بين اللغة و المجتمع، كون اللغة هي العنصر الاساسي التي تعمل اما على الحفاظ على وحدة و تماسك المجتمع من خلال اداء دورها كأداة رابطة بين جيل و جيل، و الكاشف عن عادات المجتمع و مستوياته الثقافية، اما تؤدي الى انهياره جراء وجود اشكالية في التواصل اللغوي داخل المجتمع باعتباره الركيزة الاساسية  في عملية التواصل و التفاعل.

لذلك فالهدف الاساسي من هذه الدراسة هو محاولة التوصل الى توصيف دقيق للعلاقة بين اللغة و المجتمع، فضلا عن التطرق الى معالجة نقطة اساسية في التحليل تتمحور حول اشكالية التواصل اللغوي في المجتمع، التي كانت نتيجة حتمية لتأثيرات السلبية التي خلفتها ظاهرة العولة على البنى الاجتماعية جراء الانفتاح و الانكشاف المفرط على ثقافات و اللغات الاخرى دون حدود او ضوابط.

الكلمات المفتاحية: اللغة، المجتمع،علم اللغة الاجتماعي، علم اللغة السياسي.

مقدمة:

يعتبر الانسان مخلوق اجتماعي بطبعة لا يستطيع العيش بشكل مفرد، كونه في حالة تفاعل مستمرة و دائمة مع اقرانه، هذا التفاعل الذي يكون دائما مبني على ضرورة توفر وسيلة و ألية واحدة و مهمة و هي اللغة، التي لا يمكن فصلها عن الانسان كونها ظاهرة فكرية مرتبطة به دون غيره من الكائنات الحية.

على اثر ذلك باتت اللغة واحدة من اشد الظواهر الانسانية تشعبا و تعقدا باعتبارها نظاما معقدا من الرموز التي تحمل في طياتها معاني مختلفة، فهي من اهم المنافذ المستخدمة من اجل الولوج الى عمق الثقافة و البنية الاجتماعية  للناس بل و صياغتها و توريثها لتكون بذلك واحدة من اهم العوامل الاساسية في تكوين و بناء المجتمع، لتشارك و بشكل اساسي و فعال في تحديد الهوية الجماعية للمجموعة البشرية التي تتحدث بها، هذا الذي يؤكد على وجود علاقة بين كل من اللغة و المجتمع، فهما وجهان لعملة واحدة لا يوجد مجتمع دون لغة و لا لغة دون مجتمع.

الا ان هذه العلاقة قد تغيرت نوعا ما في ظل التطور العلمي و التكنولوجي الهائل الذي نعيش فيه اليوم، ما ساهم و بشكل كبير في تحول منحى اللغة و انحرافها عن مسارها و سياقها الصحيح، بالشكل الذي طرح اشكالية التواصل اللغوي في المجتمع و صعوبة تحديد العلاقة بين اللغة كوسيلة اتصال و تواصل، و المجتمع باعتباره الوحدة الاساسية للتفاعل .

و على هذا الاساس يعتبر موضوع اللغة و علاقتها بالمجتمع من القضايا المهمة و الشيقة في الدراسة و البحث، خاصة في الوقت الحالي اين اصبح المجتمع يعاني من معضلة مهمة، الا و هي صعوبة التواصل اللغوي داخل المجتمع الواحد، هذا ما دفعنا الى البحث في هذا الموضوع من خلال طرحنالتساؤل التالي.

  • ماهي علاقة اللغة بالمجتمع؟
  • فيما تتمثل اشكالية التواصل اللغوي فيه ؟

و قد تم معالجة هذا الموضوع من خلال الفرضية التالية:

اذا كانت اللغة هي المكون الرئيسي في تشكيل هويات الشعوب،  فان المجتمع هو الوعاء الذي تصب فيه كل الثقافات و الهويات، الذي اذا تصدع اعيد جبره من خلال اللغة.

منهجية الدراسة:

يستلزم لدراسة موضوع علاقة اللغة بالمجتمع و اشكالية التواصل اللغوي فيه حسب رأينا، التطرق إلى ثلاثة مستويات تحليلية بغية توضيح المعالم الأساسية للموضوع، حيث تشكل هذه المستويات البناء العضوي للدراسة، كون كل مستوى هو إطار أساسي في عملية البحث يساعدنا على الربط بين مختلف عناصر الموضوع بطريقة منطقية، تتمثل هذه المستويات فيما يلي:

المستوى الأول: يرتبط المستوى الأول من التحليل بتحديد الإطار المفاهيمي للدراسة،اذ سنتوقف عند  البحث في مفهوم اللغة و محاولة ضبطه، فضلا عن تحديد بعض المصطلحات المرتبطة بها، و التي تتداخل معها، ثم نصل الي تحديد  المقصود من مفهوم المجتمع باعتباره عنصر اساسي و مهم في دراستنا هذه.

المستوى الثاني: يرتبط هذا المستوى من التحليلبمحاولة وصف علاقة اللغة بالمجتمع، من خلال التطرق الى مجموعة من النقاط الجوهرية التي تمس كل من اللغة و المجتمع في علاقاتهما، و تتمثل في دراسة وظائف اللغة في المجتمع، فضلا عن التطرق الى علاقة اللغة بكل من الهوية و الثقافة احد عناصر اي مجتمع بشري، بالإضافة الى تحديد طبيعة هذه العلاقة من وجهة نظر علم اللغة الاجتماعي و علم اللغة السياسي.

المستوى الثالث: يقوم هذا المستوى من التحليل على دراسة اشكالية التواصل اللغوي في زمن العولمة و التطور التكنولوجي في وسائل الاتصال.

المستوى التحليلي الاول: الاطار المفاهيمي للدراسة

  • مفهوم اللغة:

من المعروف على مستوى العلوم الاجتماعيةان اعطاء تعريف لمفهوم معين يكون من ثنايا خصائصه المشتركية، مما يعطينامن الناحية النظرية اطارا منهجيا و معرفيا لرصد حدود الظاهرة و معالجتها، الا اننا في الواقع نصطدم بتعدد و اختلاف التعاريف، و هذا الاختلاف و التمايز راجع الى اختلاف المفكرين و مرجعتيهم الفكرية حول المفهوم الواحدة، كما هو الحال بالنسبة لمفهوم اللغة الامر الذي يعكس مدى تعقيد المصطلح، و لعل سبب الاختلاف و التمايز بين تعريف و اخر يعود الى ديناميكية المفهوم في حد ذاته.

هذا ما ادى الى تنوع المقاربات التعريفية لهذا المفهوم بين ما هو متقارب و متباين، و منها ما هو قديم و حديث، و فيما يلي رصد لاهم التعاريف المقدمة لمفهوم اللغة:

لغة:

اشتق مفهوم اللغة من لغا، يلغو، لغوا اي قال باطلا ، و اللغا بمعنى الصوت، اما ابن منظور فيقول اللغة هي فعلت، من لغوت اي تكلمت و اصلها هو لغوة.

و من هذا المنطلق فرق العرب بين اللغة باعتبارها كل الكلام الذي يحمل معنى ايجابي و مفيد، و بين اللغو الذي يقصد منه الكلام المهمل الذي لا فائدة منه([1]).

اصطلاحا:

  • تعريف ابن جني: يعرف ابن جني اللغة على انها الأصوات التي يعبر بها كل قوم عن اغراضهم، و يشير من خلال تعريفه هذا الذي يعتبر من اقدم التعاريف المقدمة للغة([2])،الىجانبين اساسيين في اللغة: الجانب الاجتماعية المرتبط بلغة افراد مجتمع واحد، اما الجانب الاخر فهو المتعلق بصلة اللغة بالتفكير.
  • تعريف فرديناند دي سوسير: يعرف السويسري سوسير اللغة في اطار مقارنتها بالكلام فيعتبر اللغة la langue مرتبط بالمجتمع و العرف الاجتماعي، بينما الكلام la parole فهو يرتبط بالأفراد و الحدث الكلامي، فبالنسبة له اللغة هي ظاهرة اجتماعية كونها نظام من الاشارات و الرموز التي يستخدمها الانسان للتعبير عن مجمل افكاره([3]).
  • تعريف المدرسة الفرنسية: تنظر المدرسة الفرنسية للغة على انها نظام اجتماعي و موروث مشترك، و استعمال اللغة في عملية التواصل هو من يحدد وظيفتها الادراكية في التمييز بين المعاني و تعبير عنها([4]).
  • كما يمكن ان نعرف اللغة على انها نظام يتواصل به الافراد داخل المجتمع، و فقا لاتفاق عرفي اصطلاحي يسهل من عملية الاتصال و التواصل بين افراد المجتمع الواحد.
  • و تعرف اللغة كذلك على انها مجموعة من التقاليد الصوتية التي ورثتها الجماعة اللغوية عن اسلافها و التزمت بها([5]).

و في الاخير نستنتج ان اللغة هي وسيلة الاتصال الوحيدة التي لديها القدرة على التعامل مع مطالب المجتمع([6])، كما يمكن القول بانه  تشارك و بشكل اساسي في عملية تحديد عناصر الهوية الجماعية لمن يتحدث بها، لأنها تشكل رفقة الجنس و الثقافة اهم المقومات التي تحدد هوية المجتمعات الانسانية.

من هذا المنطلق نلاحظ و على الرغم من اختلاف التعاريف المقدمة للمفهوم، الا ان كلها بلورة تعريفها للغة من منطلق ضرورة توفر ثلاثة عناصر اساسية، تتمثل فيما يلي:

  • الطبيعة الصوتية للغة.
  • اللغة كظاهرة اجتماعية.
  • الوظيفة التعبيرية للغة.
  • خصائص اللغة:

فضلا عما سبق، و بعد تعرضنا لتحديد اهم التعريفات المقدمة للغة من خلال التعرفعلى وجهات نظر متعددة و مختلفة، نحاول من خلال هذه النقطة التحليلية التطرق الى تحديد خصائص اللغة، التي و رغم الاختلاف في تعريفها، الا انه هناك اتفاق بين الدارسين على مجمل خصائصها المتمثلة فيما يلي:

  • اللغة ذات طبيعة بشرية انسانية.
  • تعتبر اللغة نظام من الرموز الصوتية و العلامات التي تستخدم للدلالة على مفاهيم معينة، و بالتالي فهي وسيلة تواصل و اتصال بين المرسل و المستقبل، و هذا يدل على ان للغة مكونات متكاملة و مترابطة في علاقاتها([7]).
  • من بين مجمل خصائص اللغة انها مكتسبة، بمعنى اننا نحصل عليها من المجتمع الذي ننشأ و نتربى فيه، و يتم اكتسابها من خلال جملة من الخبرات التي يمر بها الانسان سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة، لان اللغة ليست وراثية، فمثلا: نشأة طفل جزائري من ابوين جزائريين في مجتمع فرنسي حتما ولابد من اكتسابه للغة الفرنسية و تحدثه بها بطلاقة و كأنه احد ابناء هذا المجتمع.
  • من خصائص اللغة كذلك انها اعتباطية، بمعنى انه ليس هناك علاقة طبيعية بين الالفاظ و دلالاتها في جميع اللغات، بمعنى اخر العلاقة بين الدال و المدلول ليست طبيعية لأنها لو كانت هكذا لكان للمدلول الواحد دال واحد في جميع اللغات، و هذا يدل على انها ما استقر في مجتمع معين وما اتفقت الجماعة اللغوية عليه.

بالإضافة الى هذا يمكن ادراج ثلاثة خصائص اخرىتتميز بها اللغة و هي:

  • تمثيلها في نظم يشترك في اتباعها المجتمع و يتخذها افراده اساسا لتنظيم حياتهم الجماعية و تنسيق علاقاتهم([8])، لان بواسطة اللغة يتواصل الناس فيما بينهم و يتعارفون، كما ان المجتمعات تبنى و تقوم على اساس اللغة.
  • اللغة هي نتاج عقلي جمعي، باعتبارها اسلوب تفكير و نمط بناء و تثقيف الشخصية الانسانية.
  • عدم قدرة الافراد الخروج عن اللغة و نظامها، باعتبارها اساس الثروة الفكرية، فإنسان اذ لم يستخدم اللغة لتعبير عن افكاره تموت هذه الاخيرة و هي حبيسة داخل عقله([9]).
  • المفاهيم المرتبطة باللغة:

من بين ما يستدعيه الحديث عن المفهوم اللغة و أهميته في تحليل العلاقة بينها و بين المجتمع،  هو ضرورة تحديد بعض المصطلحات المرتبطة بها، و التي تتداخل معها و التي يجب التوقف عندها و التعرف عليها، و هي كالتالي:

  • الثنائية اللغوية(Bilingualism): و نعني بها ان يتكلم الناس داخل مجتمع واحد لغتين، الاولى تستخدم في المجالات الرسمية كالتعليم و كتابة القوانين و في الاعلام، و الثانية هي عبارة عن لغة محلية تستخدم من قبل مجموعة من الافراد في اطار التواصل فيما بينهم([10])، بمعنى اخر الثنائية اللغوية تعني استخدام لغتين مختلفتين في انماط الحياة المختلفة، مثل: استخدام اللغة الفرنسية و الانجليزية في كندا.
  • الازدواجية اللغوية (Linguistic Diglossia):يعتبر من اكثر المفاهيم التي لم يتم الاتفاق بعد على المعنى المراد منها، و يرجع الاستعمال الاول لهذا المصطلح الى عالم اللسانيات الامريكي شارل فرغيسون عام 1959 و هو مأخوذ من اللغة الاغريقية، و المقصود منه في المعاجم هو زوج لغات([11]).

و يرى فيشمان ان الازدواجية اللغوية قائمة على اساس و جود اختلاف وظيفي بين اللغتين،و هناك من ينظر اليه على اساس انه يعني وجود مستويين لغويين في بيئة واحدة، اما البعض الاخر فيرى ان هذا المفهوم يعني وجود لغتين مختلفتين قومية و اجنبية.و لفك هذا الالتباس يمكن القول بان المقصود بالازدواجية اللغوية هو وجود لغتين مختلفتين، عند الفرد او جماعة ما في ان واحد([12]).

  • التعددية اللغوية(Multilinguisme):يقصد بها استخدام عدة لغات مختلفة استخداما رسميا في انماط حياة مختلفة، مثل ما هو الحال في كندا و جنوب افريقيا.
  • مفهوم المجتمع:

يتفق الجميع على وجود اختلافات في الدلالات المفاهمية لأغلب مجالات المعرفة الانسانية، و هذا راجع الى تعدد المسالك النظرية التي يعتمد عليها كل باحث في دراسته لمفهوم معين، و يعتبر مفهوم المجتمع هو الاخر من اكثر المفاهيم التي لم يتم الاتفاق حول معناها بعد بين جمهور الدارسين و الباحثين، بالطريفة التي تؤدي الى صياغة تعريف يكون جامع و مانع.

و بعد تحليلينا لمفهوم اللغة باعتبارها الوحدة الاولى في موضوع الدراسة، ارتأينا كذلك ضرورة التطرق الى مفهوم المجتمع  كونه يشكل الحلقة الثانية في دراستنا لعلاقة اللغة بالمجتمع، و قد قدمت تعاريف مختلفة متنوعة حول المقصود بالمجتمع، يبرز بعضها فيما يلي:

التعريفات الكلاسيكية:

  • تعريفروبرت ما كيفر: عرف هذا الاخير المجتمع على انه وحدة تجمع بين اعضائها مجموعة من المصالح المشتركة، و تسود بينهم قيم عامة و شعور بالانتماء، من خلال هذا التعريف يتضح لنا بان المجتمع هو عبارة عن مجموعة من الناس التي تترابط فيما بينها من اجل تحقيق اغراض معينة([13]).
  • تعريف لويس ويرث: عرف لويس المجتمع على اعتبار توفر مجموعة من العناصر، فاكد على ان المجتمع هو مكان اقليمي يتوزع من خلاله الافراد و الجماعات و الانشطة، و بما يسوده من معيشة مشتركة تقوم على اساس الاعتماد المتبادل بين افراد المكان الواحد، خاصة فيما يتعلق بتبادل المصلحة.

من خلال التعاريف الكلاسيكية المقدمة لمفهوم المجتمع نستنتج بانها ركزت على تعريف المجتمع من خلال الحيز الجغرافي، و القيم المشتركة، في اطار تبادل المنفعة، هذا ما ادى الى انتقادها و بروز تعاريف اكثر حداثة.

التعريفات الحديثة:

بالنظر الى تعدد هذه التعاريف، حاولنا اختيار تعريف يكون هو النموذج الامثل في دراسة و تحليل المجتمع، ليكون اختيارنا منصب على ما قدمهرونالد وارن في تعريفه للمجتمع، الذي يعتبر من احدث التعريفات المقدمة لهذا المفهوم، فقد قام بتعريفه من خلال ثلاثة ابعاد رئيسية تتمثل في ما يلي:

  • البعد السيكولوجي: يتضمن المصالح المشتركة والخصائص المميزة للأفراد، والروابط المشتركة بينهم كماهو الحال بالنسبة لمجتمع المصلحة.
  • البعد الجغرافي: يشير إلى منطقة بعينها يقطن فيها جماعات من الإفراد.
  • البعد السوسيولوجي: و يرتبط بالبعدين الاولين معا ليشير المصطلح الى المصالح المشتركة و الى انماط متميز من السلوك، يختص بها جماعات بعينها نظرا لاشتراكهم في نفس المنطق([14]).
  • ابعاد المجتمع الستة:

يتكون المجتمع من ستة ابعاد اساسية لا يمكن الاستغناء عن واحد منها، فهي اجزاء مكونة لوحدة واحدة ، فغياب جزء يجعل الوحدة عبارة عن  بناء ناقصا، و هذه الابعاد هي:

  • البعد التقني: هو كل ما يمتلكه المجتمع من ادوات و اساليب و مهارات يتعامل من خلالها مع باقي افراد المجتمع، و تعتبر اللغة احد ادوات البعد التقني للمجتمع التي يتم التواصل من خلالها.
  • البعد الاقتصادي: ما يملكه المجتمع من ادوات و طرق مختلفة لإنتاج و توزيع السلع.
  • البعد السياسي: يشمل البعد السياسي للمجتمع نظام اتخاذ القرار، و القوى السياسية المؤثرة في افراده و جماعاته و تنظيماته.
  • البعد الاجتماعي: يشمل هذا البعد طرق تصرف الافراد مع بعضهم البعض في اطار عملية التفاعل الاجتماعي.
  • القيم: هي جملة الافكار التي يستخدمها الافراد لشرح افكارهم و افعالهم المختلفة.
  • المعتقدات: مجموعة من الافكار المنسجمة و المتناقضة احيانا، التي يختلف او يتفق عليها افراد المجتمع الواحد([15]).

مستوى التحليل الثاني: علاقة اللغة بالمجتمع

انطلاقا من تحليل تشومسكي للغة على اعتبار انها واحدة من خصائص النوع الانساني في مكوناته الاساسية، فاللغة تدخل بطريقة جوهرية و سلسة في كل من الفكر و الفعل، و العلاقات الاجتماعية، على ضوء هذا سنقوم بتحليل علاقة اللغة بالمجتمع من خلال التطرق الى مجموعة من النقاط الجوهرية التي تمس كل من اللغة و المجتمع في علاقاتهما، و تتمثل هذه النقاط فيما يلي:

1 –وظائف اللغة في المجتمع:

نتعرف من خلال هذه النقطة التحليلية على اهم الوظائف المنوطة باللغة بهدف تحديد العلاقة بين متغير اللغة و متغير المجتمع من منطلق تحديدالوظائف ، و قد حدد الباحثين الكثير و الكثير من هذه الوظائف التي اختلفت باختلاف التعاريف المقدمة لمفهوم اللغة في حد ذاته، و فيما يلي نوضح اهم الوظائف التي تقوم بها اللغة و هي:

  • الوظيفية التعبيرية:تشمل هذه الوظيفة التعبير عن افكار و سائر العمليات العقلية البسيطة، و المركبة التي يريد الانسان التعبير عنها.
  • الوظيفة التواصلية و الاتصالية:و تتمثل هذه الوظيفة في دور اللغة في التبليغ عن المعلومات و تعبير عنها و تبادلها بين الافراد([16])، فبالنسبة لعلماء النفس و الفلسفة لا تعدو اللغة ان تكون مرأة ينعكس عليها الفكر فهي الوسيلة لتجميع الافكار و التعبير عنها، و لهذا اكد جقونز على ان اللغة في نشأتها الاولى كانت تستعمل في غرض الاتصال و التواصل على وجه الخصوص([17])، هذا الذي جعله يحدد وظائف اللغة في ثلاثة امور اساسية و هي:
  • اللغة كوسيلة تفاهم.
  • اللغة كأداة صناعية تساعد على التفكير.
  • اداة تساهم و بشكل فعال في تسجيل الافكار و الرجوع اليها، و هذا يعود الى كون وظيفة اللغة هي نقل الافكار و التعبير عنها.

اما ألربت فيذهب بحديثه عن اللغة و وظائفها الاجتماعية، في اعتبارها وسيلة تجعل للمعارف و الافكار قيمة اجتماعية، من خلال دورها في الاحتفاظ بالتراث الثقافي و التقاليد الاجتماعية، و نقل ثقافة المجتمع من جيل الى اخر، فهي تزود الفرد بأدوات التفكير فهي وسيلة التعلم الاساسية التي تساعد الفرد على تكيف و ضبط سلوكه مع المجتمع.

و من خلال ما سبق نستنتج بان وظائف اللغة في اي مجتمع تتمحور حول الوظيفة النفعية: او كما يطلق عليها بوظيفة انا اريد، التي تسمح للفرد بإشباع حاجاته الاساسية داخل المجتمع الموجود فيه، و الوظيفة التنظيمية: من خلال اللغة يستطيع الفرد التحكم في سلوكه و سلوك الاخرين.

هذا الذي يؤكد على ان العلاقة بين اللغة و المجتمع من منطلق وظائف اللغة هي علاقة متجذرة يصعب الغائها لأنه و بدون اللغة لما استطاع الانسان التعايش في مجتمعه و تأقلم مع افراده.

  • علاقة اللغة بالهوية و الثقافة:
  • علافة اللغة بالهوية:

في اطار دراستنا لعلاقة اللغة بالمجتمع في المستوى الثاني من التحليل في هذه الورقة البحثية، كان لابد من التطرق الى تحديد العلاقة التي تجمع بين اللغة و الهوية باعتبارها عنصر فعال و مكون للمجتمع، حيث يعتبر موضوع الهوية من اهم القضايا المطروحة على الساحة الدولية بعد التغيرات و التحولات التي  مست هيكلة النظام الدولي، و اثرت على متغير الهوية  و تأثيرها على البنية المجتمعية.

و هذا ما يدفعنا الى البحث عن مراكز الالتقاء بين الهوية و اللغة، على اعتبار ان اللغة هي اول ثابت من ثوابت الهوية المجتمعية، فهي العنصر المركزي الذي يجعل من جماعة معينة تمتلك خصائص و مميزات تختلف عن باقي الجماعات، هذا لان اللغة ترتبط بشكل قوي بهوية الانسان فهي الوعاء الحافظ لتاريخه و تراثه([18]).

بالإضافة الى هذا تعتبر اللغة هي من ولدت الهوية على حد تعبير سماتس([19])، هذا في اطار اعتبار الهوية مسـألة لغوية في جذورها، و على هذا الاساس تفهم ظاهرة الهوية بوصفها ظاهرة لغوية، وفقا لهذا يتم النظر الى اللغة بوصفها وسيلة للمحافظة على الهوية المكون الاساسي لها ماكدة على الصلة الوثيقة بين الهوية و اللغة فهي المنظم لطريقة حياة الافراد و الجماعات([20]).

و في الاخير يمكن القول بان العلاقة بين اللغة و الهوية احدى اهم ركائز المجتمع تتجلى بشكل واضح في الوظائف التي تقوم بها اللغة في اطار التعبير عن الهوية، و المتمثلة في كونها:

  • وعاء الفكر و اداة للتفكير.
  • وسيلة للتفاهم و التواصل الاجتماعي.
  • عنوان هوية الفرد و المجتمع.

و  في ختام هذا التحليل نستنتج إن العلاقة بين اللغة والهوية هي علاقة الخاص بالعام، فالهوية أعم من اللغة؛ لأن الهوية لها تجليات عديدة غير “اللغة” إذ إنها (الهوية) ببساطة متناهية ليست سوى تلك القواسم المشتركة أو القدر المتفق عليه بين مجموعة من الناس، ذلك الذي يميزهم ويوحدهم، وليست اللغة وحدها التي تقوم بهذه المهمة، وهذا يعيدنا إلى المقومات الأخرى للهوية، الاانه لا يمكن ان يكون بينهما اي انفصال، لأنه بدون اللغة لا تستطيع المجتمعات التعبير عن هويتها، فاللغة هي من تعطي الرونق و البريق لهوية و تحدد مجال اختلافها عن باقي الهويات المجودة.

  • علاقة اللغة بالثقافة:

بعد تحديدنا للعلاقة التي تجمع بين اللغة و الهوية، قادنا الحديث الى ضرورة تحديد العلاقة بين اللغة و الثقافة، من منطلق ان هذه الاخيرة تمثل روح الامة و عنوان هويتها فهي ركيزة من ركائز بناء الامم و نهوضها.

تعتبر الثقافة المعرفة التي نتعلمها من خلال الاخرين سواء كان تعلمنا لها بطريقة مباشرة، و هنا تدخل اللغة باعتبارها الاداة الاساسية التي نستطيع من خلالها تعلم المعرفة لأنها هي من تنقل الثقافة عبر الاجيال، او بطريقة غير مباشرة من خلال مراقبتنا للسلوك الاخرين،كما ان الثقافة تعني عندما تؤسس جماعة  بشرية معينة طريقة لحياتها، و تكون هذه الطريقة مقبولة و معترف بها بصورة عامة من ملبس و أدأب السلوك و المعتقدات، توصف هذه بانها ثقافتهم([21]).

تختلف الثقافة مثلها مثل اللغة من مجتمع الى اخر، فلكل مجتمع ثقافة خاصة به،  تحمل صفات  و مميزات ليست موجودة في مجتمع اخر([22])، هذا ما يجعل الثقافة اساس بناء المجتمعات، و بالتالي فهناك علاقة وثيقة بين اللغة و الثقافة تظهر من خلال:

  • يتم التمييز بين الثقافات على اساس اللغة، فوجود جماعات تتحدث لغات مختلفة هذا دليل على و جود ثقافات متنوعة.
  • تختلف اللغة و اساليب و طرق استخدامها باختلاف ثقافة الافراد، خاصة و ان اللغة هي لسان الثقافة و عنوان الحضارة فمن خلالها نستطيع نقل العلوم بين الامم.
  • تؤكد النظرية الانثروبولوجية على لسان احد روادها فرانز بواس، على ان اللغة المشتركة بين المجتمعات هي الناقل الاساسي لثقافتهم، و حسب هذا الطرح لا يمكن دراسة ثقافة الشعوب من دون التعرف على لغتهم الخاصة، لان اللغة فعالة في فهم طبائع المجتمعات الانسانية، هذا ما جعل الانثروبولوجية اللغوية تهتم بدراسة اللغة و علاقتها بالبيئة الثقافية التي تنشأ فيها، فضلا عن الدور المتميز التي تقوم به اللغة كوعاء لثقافة.
  • تؤكد نظرية الانعكاس على العلاقة بين اللغة و الثقافة، باعتبار ان اللغة هي انعكاس للثقافة التي يصنعها و يستعملها الناس في المجتمع، و وفق هذه النظرية الثقافة لا تحدد بنى اللغة و انما تؤثر في طريقة استعمالها.
  • علاقة اللغة بالمجتمع من وجهة نظر علم اللغة الاجتماعي و علم اللغة السياسي:
  • علم اللغة الاجتماعي:

تعتبر علاقة اللغة بالمجتمع من المواضيع و القضايا الشيقة في بحث و التحليل، حتى ان هذه العلاقة كانت وراء بلورة ما يعرف بعلم اللغة الاجتماعي الذي يهدف الى دراسة علاقة اللغة بالمجتمع، و اعتبارها علاقة تأثير و تأثر، بمعنى اخر هو البحث في كيفية تأثير اللغة في المجتمع و كيف يوثر هو فيها، على هذا الاساس يعرف علم اللغة الاجتماعي على انه دراسة للغة في علاقاتها بالمجتمع([23]).

كما انه يدرس الطرائق التي تتفاعل بها اللغة مع المجتمع، و الطرائق التي تتغير بها البنية اللغوية استجابة لوظائفها الاجتماعية، من خلال تحديد القوانين العامة التي تتحكم في الاستعمال الفعلي للغة في مجتمع معين او في جميع المجتمعات([24]).

و لتوضيح اكثر نقدم مجموعة من الامثلة لتحديد كيف تؤثر اللغة في تحديد طبيعة المجتمع الموجودة فيه:

  • تفسير مميزات الفلسفة الالمانية على اساس الطبيعة الخاصة لبنية اللغة الالمانية، هذا الذي يوضح العلاقة بين اللغة و حضارة المجتمع.
  • اكد الدراسون لعلاقة اللغة بالمجتمع من منطلق علم اللغة الاجتماعي، ان اللغة التي تتبع فيها الصفة الموصوف كما هو موجود في اللغة العربية و الفرنسية تدل على ان المجتمعات التي تتحدث بهذا النوع من اللغة تستخدم الطريقة الاستنتاجية في التفكير، بينما اللغة التي تسبق فيها الصفة اسم الموصوف كاللغة الانجليزية تدل على ان المجتمع يستخدم الطريقة الاستقرائية في التفكير([25]).

و نصل من خلال هذا الطرح الى انعلم اللغة الاجتماعي يهدف الى شرح لماذا نتكلم بشكل مختلف في سياق اجتماعي مرتبط، و بشكل كبير بتأثير عوامل مختلفة، مثل: الطبقة والعرق والعمر والجنس، بالإضافة الى ذلك يدرس هذا العلم اللهجات واللغات في الاتصال والتعليم.

و قيمة علم اللغة الاجتماعي تكمن في قدرته على ايضاح طبيعة اللغة بصفة عامة، و ايضاح الخصائص و الحقائق المحدد للغة بعينها، لان ادراك هذه الاخيرة يزيد من القدرة على فهم المجتمع بطريقة صحيحة و دقيقة.

  • علم اللغة السياسي:

فضلا عما سبق ذكره في دراستنا لعلاقة اللغة بالمجتمع حاولنا كذلك التطرق الى علم اللغة السياسي، باعتباره يشمل جزء من تخصصنا الاكاديمي كمحاولة منا لإبراز كيف يمكن ان تؤثر اللغة الخطاب السياسي على المجتمع المتلقي.

يعتبر علم اللغة السياسي احد فروع علم اللغة الاجتماعي، الذي يهتم بتحليل عناصر و مكونات الخطاب السياسي خاصة عنصر اللغة و دوره في المجتمع، من خلال دراسة دور و اهمية الخطاب السياسي و كيف يؤثر على الفرد و منه  على المجتمع، من منطلق طبيعة اللغة المستخدمة في تحرير الخطاب فعلى سبيل المثال: تؤثر استخدام لغة العنف و تحريض في الخطب السياسية بشكل يعكس صورة  سلبية عن المجتمعات و علاقاتها، هذا ما نجده في الخطب السياسية الدينية المتطرفة التي استطاعت جذب انتباه الكثير من الشباب العربي و غيره ناقص الوعي و الخبرة، للالتحاق بجماعات ارهابية تحت مسمى الدفاع عن الدين الاسلامي، و احسن مثال على ذلك هو ما يعرف بداعش التي تمكنت من خلال خطابتها استقطاب العديد من الشباب و النساء من مختلف دول العام.

هذا ما يؤكد على دور هذا النوع من الخطابات في السياسة العالمية في اطار التفاعلات داخل البنى الاجتماعية، التي تؤثر فيها الافكار التي يحملها افراد المجتمع على تشكل هذه البنى و الوحدات، و تحديد العلاقات بين الدول مثلا: استخدام الدول الاوروبية في خطاباتها حول محاربة الهجرة غير الشرعية لغة تشدد على خطورة الظاهرة على الامن الاوروبي و ضرورة محاربتها و التصدي لموجات الهجرة القادمة من الجنوب، و بالتالي لغة هذا الخطاب اكسبت موضوع الهجرة غير الشرعية طابع الأمننة و حددت علاقة الدول الاوروبية مع دول الجنوب في هذا الصدد.

  • استنتاجات عامة حول علاقة اللغة بالمجتمع:

في اخر هذا المستوى التحليلي، و بعد دراسة علاقة اللغة بالمجتمع من منطلق عدة نقاط نقاشية، نصل الى وضع جملة من الاستنتاجات حول هذه العلاقة، و التي تتمثل فيما يلي:

  • وجود علاقة قوية بين اللغة و الفاعل الاجتماعي( الانسان)، حيث لولا وجود اللغة ما وجد المتكلمون، فالإنسان يقع تحت رحمة اللغة التي اصبحت وسطا للتعبير عن المجتمع الذي يعيش فيه.
  • تؤثر البنية الاجتماعية على البنية اللغوية، و تظهر هذه العلاقة من خلال ان اختلاف الفئة العمرية يؤثر في اسلوب اللغة المستخدمة، هذا اسلوب الذي دائما ما يكون متأثر بالأصل الاجتماعي و كل مكوناته من جنس و عرق و نوع، هذا يعني ان استخدام اللغة يتأثر بالعوامل الاجتماعية([26]).
  • تأثير اللغة على البنية الاجتماعية، و احسن مثال على ذلك هو ان اللغة يمكن ان تمنح للمتحدث بها امتيازا داخل المجتمع، كما هو حال اللغات الاجنبية في دول العالم الثالث([27]).
  • يؤكد ابن خلدون على العلاقة بين اللغة و المجتمع و اعتبارها علاقة وثيقة و مترابطة، بحيث تتغير اللغة بتغير المجتمع، كونها شديدة الصلة بالممارسة و الاستخدام داخل المجتمع، فهي نتاج اجتماعي انساني، لذلك تتطور من خلال استعمالها و تختلف باختلاف المجتمعات، اذن هي ملكة تكتسب من خلال التنشئة الاجتماعية([28])، و هذا يعني ان اللغة عبارة عن كائن حي تنمو و تترعرع اذا ما توفرت لها عوامل الاستمرار و الديمومة، فعندما يتطور المجتمع حضريا و انتاجيا تتطور اللغة و العكس صحيح.

من خلال هذا تتضح بانه هناك علاقة تأثير و تأثر متبادلة بين اللغة و المجتمع، فهي اهم  مميزات الانسان الاجتماعية، فكلهما يؤثر في الاخر و يتأثر به، فهناك نوع من التفاعل و التداخل الذي قد يصل الى مرحلة التطابق بين سلوك الكلام و الممارسة الاجتماعية، فاللغة هي العنصر الرئيسي الذي يميز المجتمعات البشرية فهي اساس بناء و بقاء المجتمع، كما انه ليس هناك وجود للغة خارج نطاق المجتمع لأنها هي حصيلة اجتماعية ناتجة عن تراكمات تاريخية.

المستوى التحليلي الثالث: اشكالية التواصل اللغوي داخل المجتمع

يشهد العالم اليوم تطورا و تقدم في جميع المجالات العلمية و التقنية، حتى انه انعكس على الوضع اللغوي في الدول خاصة العربية منها، و خلق ما يعرف بالصراع اللغوي الذي جاء كنتيجة للانفتاح الحضاري الذي شهده العالم في الآونة الاخيرة، ما ادى الى سيطرة لغة على باقي لغات العالم بالشكل الذي مس و بدرجة كبيرة مسألة الهوية الوطنية و الثقافية،فخلف من وراءه فجوة و هوة في التواصل اللغوي داخل المجتمع الواحد، و تظهر اشكالية التواصل اللغوي في التأثيرات التي خلفتها العولمة على اللغة، و هذا ما سنفصل فيه من خلال ما يلي:

  • العولمة و تأثيرها على اللغة:

تعتبر العولمة استعمار ثقافي جديد، يهدف الى احداث خلل في بنية لغات الشعوب و ثقافاتها المتنوعة، في اطار اقصاء الخصوصية اللغوية التي يتميز بها كل مجتمع عن غيره، ما يخلق مجتمع بدون لغة و ثقافة و هوية، و بالتالي حدوث ازمة اتصال و تواصل داخل المجتمع.

و بما ان اللغة هي المقوم الاساسي لأي أمة باعتبارها اداة التفكير التي تبين و تحدد المفاهيم و القيم و المعاني، لهذا ترفض العولمة الاعتراف بالتعدد اللغوي حيث تعتبر اللغة الانجليزية هي الاساس خاصة و انها لغة الحاسوب و الانترنت، ما جعلها ترى في اللغة العربية العدو الاول لها، و هذا الذي يؤكد على هيمنة اللغة الانجليزية([29]) على مختلف مناحي الحياة و احيانا الفرنسية مثل ما هو موجود في الجزائر، ما يؤدي الى خلق عجز في التواصل اللغوي الاجتماعي، فكيف سوف يتم التواصل بين شاب يجيد اللغة الانجليزية مثلا و يتفاخر بها، و بين الاب الذي لا يحسن سواء اللغة العربية فهي لغته الام و هنا يحدث الانشراخ اللغوي و الاجتماعي داخل الاسرة باعتبارها النواة الاولى للمجتمع.

و فيما يلي مظاهر تأثير العولمة على اللغة:

  • ظهور ما يعرف بالتعدد اللغوي كأحد متطلبات المنافسة العالمية، اين اصبح قضية مركزية تحظى بالاهتمام الكبير بين الباحثين بالنظر الى النتائج المترتبة عليها خاصة السلبية منها،التي طالت الهوية و الثقافة الوطنية،فكانت نقمة كبيرة  مثلا على الدول العربية و مجتمعاتها،  التي ازدادت تدهورا بسب عدم قدرتهم في التعامل و فهم التعدد اللغوي.

يؤكد هذاعلى وجود حرب بين اللغات لان العالم متعدد، و لان التعدد اللغوي هو الاصل لكن على الرغم من ذلك فان اللغة بالنظر تعددها و تنوعها تبقى صلة الوصل داخل المجتمع لا يمكن الاستغناء عنها و لا عيش بدونها([30]).

  • اثرت العولمة على الواقع اللغوي بشكل كبير من خلال دورها في نشر ثقافة واحدة بقالب واحد جعل العالم يدخل في متاهة الصراع اللغوي، الذي بني على رفض التنوع اللغوي الذي خلق لنا اشكالية التواصل اللغوي داخل المجتمعات خاصة العربية منها، التي تعيش وضعا لغويا متأزما في درجة التفاعلات الاتصالية الاسرية و الاجتماعية، ما ادى الى وجود حالة من الانفصام اللغوي([31]).
  • من مظاهر تأثير العولمة في اللغة، و هو تأثير سلبي اخر يظهر من خلال تغير المفاهيم، و اصطناع مفاهيم و مصطلحات جديدة وضعت اساسا لخدمة مصالح معينة، مثل: وصف القضية الفلسطينية بالإرهاب.
  • الاعتراف باللغات الاجنبية كلغات اساسية و توسيع الحجم الساعي لتدريسها، و يعتبر هذا الخطوة الاولى نحو المسح الثقافي و هوياتي([32])، يتجلى هذا المظهر من خلال انتشار المدارس و الجامعات الدولية، تدريس بعض المقررات العلمية كطب و الهندسة بلغة اجنبية و ليس اللغة الأم .
  • اضافة الى هذا نجذ ما يعرف بانتشار اللغة الهابطة و العامية، التي تزايدت بفعل العولمة من خلال تداخل اللغات و اللهجات(*)، و بروز لغة جديدة تجمع بين كلمات من عدة لغات، و هذا ما يعرف بانتشار ظاهرة التحول اللغوي، التي يتم فيها دمج عدة لغات و التحدث بها دون مبرر.
  • تكنولوجيا الاتصال الجديدة و اشكالية التواصل اللغوي:

احدثت التطورات التكنولوجية الحديثة نقلة نوعية و ثورة حقيقية في مجال الاتصال، الامر الذي جعل افراد المجتمع تعيش في ظل عالم تقني و مجتمع افتراضي تحت شعار ثقافة الأنترنت، ما اثار حفيظة المجتمعات بسبب الاخطار الناجمة عنهانظرا لابتعاد الشباب عن الحيز الواقعي و التفاعل الحقيقي الى حيز افتراضي يهدد الثقافات الحقيقية([33])، بسبب تنوع و اختلاف وسائل الاتصال و التواصل بين الافراد و تطورها بشكل لافت للأنظار، مثل: المواقع التواصل الاجتماعي التي هي في حقيقة الامر ما هي الا وسائل للانفصال الاجتماعي، فقد ادت الى حالة الصمت الرهيب الذي اصبح يسود الاسرة خاصة العربية منها، يرجع هذا الى طبيعة اللغة المستخدمة التي لا يفها الا جيل الانترنت و يصعب على الاجيال السابقة فهمها و حتى المشاركة فيها، ما ادى الى قطيعة التواصل بين الاجيال.

و في الاخير نستنتج على الرغم من ان اللغة هي جزء لا يتجزأ من الهوية الاجتماعية، الا انها في زمن العولمة لم تستطيع مقامة اساليب الاقصاء، و هنا اتحدث عن اللغة العربية بالتحديد التي لم تستطع مقاومة التدفق اللغوي القادم من الخارج، ما هدد بقائها كلغة قومية و لغة مجتمعات و حضارة بأكملها.

و هذا هو ناقوس الخطر الذي دق في ظهر اللغة العربية و في دورها في تحقيق التواصل بين ابناء المجتمع فيما بينهم، و للمحاولة حماية هذه اللغة و اي لغة مهدد بالاندثار جراء موجات اللغات الاجنبية التي عادت للاستعمار من جديدبصورة مختلفة بعيد كل البعد عن استخدام السلاح، فلابد منتحقيق التفاعل بين اللغة الام و باقي اللغات الاجنبية الخارجية، في اطار ما يسمى بعالمية الثقافة القائمة على مبدأ الاعتراف بالتعدد اللغوي دون انصهار لغة في قالب لغة اخرى و محاولة طمسها، و هذا في اطار الحفاظ على العلاقة  القائمة بين اللغة و المجتمع في تحقيق التواصل الاجتماعي.

الخاتمة

في ختام هذه الدراسة و بالنظر الى ما تم تقديمه سابقا من معلومات حول موضع  علاقة اللغة بالمجتمع،و اشكالية التواصل اللغوي،نستنتج بان العلاقة بين اللغة و المجتمع هي علاقة تكاملية مترابطة و متلاصقة لا يمكن ان يحدث اي انفصال بينهما، فهي علاقة تأثير و تأثر كون اللغة هي اكثر الوسائل الاجتماعية اهمية التي يستطيع الانسان من خلالها التعبير عن مكنوناته، و خباياه الداخلية و يخرجها الى البيئة و الوسط الاجتماعي المتواجد فيه.

الا ان هذه العلاقة بالرغم من متانتها و صلابتها الا انها تعرضت في زمن العولمة الى هزة طفيفة، خلقت ما يعرف بإشكالية التواصل اللغوي داخل المجتمع، بسب الاستعمال المفرط للأنترنت الذي ادى الى حدوث انعكاسات سلبية على مجتمع، سواء كانت انعكاسات ثقافية او اخلاقية هددت مسارات الهوية و اللغة الام بتحطيم الخصوصيات الثقافية التقليدية و انصهارها في ثقافة عالمية واحدة، جعلت الافراد تبتعد عن احداث المحيط الاجتماعي.

[1]– حاتم علو الطائي، “نشأة اللغة و اهميتها”، دراسات تربوية،ع6، (نيسان2009)، ص196-220.

[2]– علي صالح صفوت ، محاضرات في علم اللغة العام، محاضرات مقدمة لطلبة الفرقة الاولى في علم اللغة(2014)،ص8.

[3]– كريم زكي حسام الدين، اللغة و الثقافة دراسة انثرولغويةلألفاظ و علاقات القرابة في الثقافة العربية،( الكتب العربية، دون سنة النشر)، ص46.

[4]المرجع نفسه، ص48.

[5]– الطائي، مرجع سابق، ص 199.

[6]– مصطفى ناصف، اللغة و التفسير و التواصل ،( الكويت: سلسلة عالم المعرفة، ،1995)،ص7.

[7]– صفوت، مرجع سابق، ص23.

[8]– عز الدين صحراوي، “اللغة العربية في الجزائر: التاريخ و الهوية”، مجلة كلية الآداب و العلوم الانسانية و الاجتماعية،ع5، (جوان 2009)،ص ص3-33.

[9]– عبد الحميد بوترعة، “واقع الصحافة الجزائرية المكتوبة في ظل التعددية اللغوية “الخبر اليومي” و “الشروق اليومي” و “الجديد اليومي” نموذجا“، مجلة الدراسات و البحوث الاجتماعية، ع8، (سبتمبر 2014)، ص ص199-214.

[10]–  بوزيد ساسي هادف، الازدواجية اللغوية في الجزائر المستقلة (دراسة سوسيو- لسانية)،( الجزائر: جامعة 8 ماي 1945، دون سنة النشر)، ص4.

[11]-لويس جان كفالي، حرب اللغات و السياسات اللغوية، ترجمة: حسن حمز،( لبنان: المنظمة العربية للترجمة، ط1 ،2008)ص78.

[12]– هادف، مرجع سابق.

[13]– “اللغة و المجتمع”، في:http://www.uobabylon.edu.iq/uobColeges/lecture.aspx?fid=8&lcid=36171،(25/04/2013).

[14]–  رحيمة شرقي، محاضرات في أنثربولوجيا التنمية، الجزائر: جامعة ورقلة، كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية،(2012/2013).

[15]–  منظمة الصحة العالمية، المجتمع و مقوماته الاساسية، 1989، ص2.

[16]– عبد القادر شرشال، ” اهمية اللغة و وظائفها في عمليات التواصل  قراة في كتاب مدخل الى التحليل اللساني: اللفظ، الدلالة، السياق،” انسانيات، ع17-18، (2002)، ص ص59-68.

[17]– محمود السعران، اللغة و المجتمع رأى و منهج،( الاسكندرية، ط2، 1963)، ص14.

[18]– نور الدين صدار، دور اللغة العربية في الحفاظ على مقومات الهوية القومية و كسب رهانات و تحديات العولمة، (الجزائر: كلية الآداب و اللغات و العلوم الاجتماعية و الانسانية، دون سنة النشر)، ص7.

[19]– جون جوزيف، اللغة و الهوية- قومية، اثنية، دينية-، ترجمة: عبد النور خراقي،( الكويت:عالم المعرفة، ع342، 2007)، ص17.

[20]– الياس بلكا، محمد حراز، اشكالية الهوية و التعدد اللغوي في المغرب العربي -المغرب نموذجا-،(  الامارات:مركز الامارات للدراسات و البحوث الاستراتيجية، ط1، 2014)، ص23.

[21]– عادل شهيب، “الثقافة و الهوية اشكالية العلاقة و المفاهيم”، في:http://www.aranthropos.com/%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%80%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%8F%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A5%D8%B4%D9%83%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85/(16/03/2017).

[22]– عبد العزيز بن عثمان التويجري، الثقافة العربية و الثقافات الاخرى،( المنظمة الاسلامية للتربية و العلوم و الثقافة- ايسيسكو-، ط2،2015) ص11.

[23]–  د. هدسون، علم اللغة الاجتماعي، ترجمة: محمود عياد،( مصر: عالم الكتب، ط2 ،1990)،ص 17.

[24]– نايف خرما، اضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة،(  الكويت:عالم المعرفة، ع9، 1978)، ص 170.

[25]المرجع نفسه، ص180.

[26]– Raymond Hickey , Language and Society , p2

[27]– خالد كاظم ابو دوح، “اللغة، المجتمع، علو الاجتماع”،( حوار المتمدن، ع3912 ،2012 )،في:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=332424

[28]– فتيحة حداد، ابن خلدون و آراؤه اللغوية و التعليمية،( الجزائر: مخبر الممارسات اللغوية، 2011)، ص90.

[29]– عبد الجواد توفيق محمود،” الواقع اللغوي في العالم العربي في ضوء هيمنة اللهجات المحلية و اللغة الانجليزية،” رؤى استراتيجية، (جانفي2014)، ص ص120-139.

[30]– كفالي،مرجع سابق، ص 19.

[31]– نورة قنيفة، الاشكال الهوياتي اللغوي الجزائري… او اشكالية ازمة الانتماء، (الجزائر:جامعة ام البواقي، دون سنة النشر)، ص4.

[32]– محمد زغود، “اثر العولمة على الهوية الثقافية للأفراد و الشعوب،” الأكاديمية للدراسات الاجتماعية و الانسانية،ع4، (2010)، ص ص93-101.

*– اللهجة هي عبارة عن لغة خاصة و التي لا يستعملها الى جماعة من الافراد و التي تختلف باختلاف الناس و طبقتهم الاجتماعية.

[33]– حنان المزوغي،” العالم الافتراضي و اثره على تشكل الهوية الاجتماعية للمراهقين،” مجلة كلية الفنون و الاعلام، ع1، (2015)، ص ص151-171.

  • تحريرا في 14-7-2017
3.6/5 - (7 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى