البرامج والمنظومات الديمقراطيةالدراسات البحثيةالنظم السياسي
الدبلوماسية المصرية والدعوة إلي تعزيز نظام عقوبات الأمم المتحدة
اعداد: السفير بلال المصري – ســفيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر
– المركز الديمقراطي العربي
نظمت بعثة مصر الدائمة بمجلس الأمن إجتماعاً نقاشياً موضوعه – وفقاً لعنوان البيان الصادر عن البعثة بتاريخ 5 يوليو 2017 – هو ” تعزيز تصميم عملية عقوبات الأمم المُتحدة : وجهات نظر أصحاب المصلحة” , وحددت البعثة في بيانها نقاط هذه المناقشة في أنها :
(1) عملية تطبيق العقوبات والدروس المُستفادة من البلاد المُطبقة عليها .
(2) تخفيف الآثار السلبية لعقوبات الأمم المتحدة علي المدنيين بالبلاد المُستهدف فرض العقوبات عليها والأثر العملي الإجتماعي والإقتصادي الأوسع مدي علي دول الجوار .
(3) تعزيز تصميم عقوبات الأمم المتحدة علي أساس من الدروس المُستفادة .
(4) دور المنظمات الإقليمية في فرض عقوبات الأمم المتحدة .
(5) إقتران عقوبات الأمم المتحدة بأدوات السلام والأمن الإقليمي من أجل دعم أفضل للأولويات الإقليمية .
بالإضافة إلي كلمة مندوب مصر فقد أدلي كل من Ignace Gata Mavita wa Lufuta سفير الكونجو الديموقراطية وممثلها الدائم بمجلس الأمن والسفير Lewis G. Brown بالبعثة الدائمة لليبيريا لدي المجلس , والسفير Amadu Koroma نائب الممثل الدائم لسيراليون بكلمة ذلك تضمنت تجارب كل من هذه الدول الأفريقية الثلاث فيما يتعلق بدور العقوبات في تسوية النزاعات وإعادة الاستقرار , كما أدلي السيد Kelvin Ong رئيس الهيئات الفرعية لمجلس الأمن الدولي بكلمة حول موضوع النقاش , وحضر الإجتماع بعض الأكاديميين , ولإن الهدف الرئيسي من تقريري هذا هو بيان الخط الذي تنتهجه الدبلوماسية المصرية حالياً في شأن تعزيز (تشديد) العقوبات الأممية , فمن الأهمية إذن الإشارة إلي أهم النقاط التي تضمنتها كلمة مندوب مصر ورئيس مجلس الأمن حالياً وذلك كما يلي :
– إن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة قد منح مجلس الأمن الولاية لاتخاذ التدابير المختلفة المنصوص عليها فى الفقرة 41، بهدف التصدى للمخاطر التى تهدد السلم والأمن الدوليين دون اللجوء إلى استخدام القوة ، وعلى عكس التسمية الشائعة لتلك التدابير بالعقوبات ، فإن الميثاق لم يرد فيه هذا المصطلح والذى أضحى مستخدمًا فى قرارات المجلس التى تفرض مثل تلك التدابير ” .
– ” أن المجلس عليه مسؤولية كبيرة فى تصحيح المفهوم وليس فقط تعديل المصطلح الشائع ومدلوله العقابى ، فالتدابير المنصوص عليها فى الميثاق تهدف نصًا لـ”حفظ السلم والأمن الدولى أو إعادته إلى نصابه” وليس لمعاقبة أى طرف ، ففرضها يرمى بالأساس إلى التصدى إلى تهديدات السلم والأمن والدولى ، وحماية الأطراف التى يمكن أن تتأثر من تلك التهديدات ، والحيلولة دون تدهور الأوضاع ، والسعى لإعادة الأمور إلى نصابها ” .
– “بناء علي ذلك فإن المفهوم السلبى للعقوبات يجب أن يحل محله تصورًا أكثر اتساعًا يقوم على فكرة الشراكة بين المجتمع الدولى ، الذى أُوكل لمجلس الأمن وفقًا لولايته المنصوص عليها فى الميثاق ، فرض التدابير المناسبة وفقًا للحاجة ، وبين الدول الأعضاء بالأمم المتحدة التى تعمل على تنفيذ تلك التدابير ، بما فى ذلك تلك المستهدفة بالعقوبات الموجهة ” .
– ” إن خصوصية التهديدات المختلفة للسلم والأمن الدوليين تستلزم أن تكون لكل منظومة عقوبات مصممة بصورة تتناسب مع طبيعة تلك التهديدات وتتعامل معها وفقًا لمعطياتها ، ولكن من المؤكد أن خصوصية كل تجربة لا تعنى إغفال سبل الاستعانة بالخبرات والدروس المستفادة من تطبيقها ، فالمضى قدمًا على النحو الحالى فى التعامل مع العقوبات بمنظور ضيق يقصر الأمر على كل حالة على حدة ، لن يؤتى ثمار التطوير المرجوة ، إلا بتكامله مع آليات أخرى أكثر اتساعا وشمولية تستهدف دراسة سبل إحداث تطوير نوعى وموضوعى لتلك الأداة المهمة ” .
– ” يتعين مساعدة الدول على مزيد من فهم التنوع فى طبيعة منظومات العقوبات ، والعمل على تعزيز قدراتها الفنية لتطبيق إجراءات العقوبات على النحو المطلوب ، وهو جهد أود تأكيد استعداد مصر المساهمة فيه , وأن مصر تتطلع خلال رئاستها للمجلس ، للتعاون مع الدول الأعضاء ومواصلة الجهود المشتركة لترجمة المواقف والكلمات الإيجابية التى استمعنا إليها الى إرادة سياسية وخطوات تنفيذية ، والاستعانة بعناصر تلك المواقف وروح تلك الإرادة فى التوافق على أسلوب عملى وآليات فعالة، من شأنها الإسهام فى تمكين المجلس من مزيد من تطوير منظومة العقوبات ، لتحقيق الهدف منها كأداة لاستعادة الأمن والسلم “.
إتصالاً بذلك فقد سبق أن أوضح ممثل مصر لدي مجلس الأمن الدولي ورئيس دورته الحالية عن شهر أغسطس 2017 في إجتماع لمجلس الأمن عُقد في 3 أغسطس خُصص لمناقشة موضوع تعزيز العقوبات , بقوله أن الفصل السابع من ميثاق الأمم المُتحدة منح مجلس الأمن صلاحية إتخاذ تدابير مختلفة لمواجهة أية تهديدات للسلم والأمن العالميين بدون إستخدام القوة , وأنه وبالرغم من إستخدام كلمة ” عقوبات ” لوصف هذه التدابير , إلا أن الميثاق لم ترد به إشارة لهذا الإصطلاح , ولذلك فعلي مجلس الأمن أن يُصحح إستخدام هذا الإًصطلاح الشائع إستخدامه وتدابيره العقابية , فالمجلس قد حقق تقدماً ملموساً في تطوير مفهوم العقوبات ناقلاً إياه من خانة التدابير الشاملة إلي خانة التدابير الذكية والأكثر فاعلية مُستفيداً من المعرفة المُكتسبة من التجارب الماضية , وكنتيجة فإن المجتمع الدولي كان قادراً علي التخفيف من الآثار السلبية لهذه العقوبات علي المدنيين (لم يحدث ولا دليل علي ذلك) أو علي الدول التي لم تكن طرفاً في الصراعات , وقد كان من الضروري أن تجعل الطبيعة الواحدة للتهديدات للسلام والأمن العالميين من الضروري إقرار نظم عقوبات ” علي المقاس ” وتتسق مع طبيعة الموقف , لكن الإبقاء علي نفس النهج والنظر إلي العقوبات من منظور ضيق سوف لا يساعد علي تحقيق النتائج المرجُوة , ومن ثم فإن تحديد آليات مناسبة للحوار ورصد الدروس المُستفادة أخذاً في الإعتبار أن وجهة نظر كل طرف إنما هي مجهودات علي المجلس ألا يقلل من شأنها أو يتجاهلها , مُوضحاً أن المفهوم السلبي للعقوبات يجب أن يُستبدل بمفهوم أوسع مدي يقوم علي الشراكة العالمية , و علي مجلس الأمن الدولي أن يُحدث من مفهوم العقوبات بتحويلها من التدابير الشاملة إلي تدابير أكثر فاعلية .
من جهة أخري أدلي Tayé-Brook Zerihoun مساعد الأمين العام للأمم المتحدة وممثلي بعض الدول بكلمات في هذا الإجتماع تعكس مواقف دولهم إزاء مسألة تعزيز العقوبات , ونبدأ بالسيد Zerihoun الذي أشار إلي ما يلي نصه :
* ” إن التطبيق الفعال للعقوبات يتطلب تأييداً من كل الدول الأعضاء , وإنها عندما تُطبق بفاعلية فإنها تؤدي إلي إستراتيجيات سياسية شاملة لمنع وحل الصراعات سلمياً ” .
* ” إن العقوبات ليست النهاية في ذاتها , فحتي أفضل قرارات العقوبات المُصممة من قبل الأمم المتحدة ليست بالتي تُطبق من تلقاء نفسها , فهي تُقرر في نيويورك لتطبق بصفة رئيسية عبر الحدود والموانئ والمطارات كما تُطبق في القطاع المصرفي والمؤسسات المالية وكل ما هو مطلوب دعم من شركاء كُثر وأن تظل مرنة وخاضعة لمراجعة منتظمة وتعديلات وآجال إنتهاء ” .
ومن بين مداخلات ممثلي الدول لدي مجلس الأمن في هذا الإجتماع أشارت ممثلة الولايات المتحدة بقولها “عندما تفتقد العقوبات تأييداً واسعاً , فإنها تظل بلا معني وتهبط بمصداقية مجلس الأمن , وعندما تفشل الدول الأعضاء في عملية الإمتثال للعقوبات المُتكافئة ضد المُعتدي , فإن المجلس يفقد مصداقيته , ولكن إذا ما توفر تأييد واسع المدي للأسلوب الذي تتم به العقوبات الصحيحة فإن الطريقة التي تُوضع بها بشكل خاطئ تنكشف أمامنا ” , كما أشارت إلي أن الولايات المتحدة وروسيا الفيدرالية عملا معاً في صياغة العقوبات ضد القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والمشرق وهذه العقوبات وجدت سبيلها إلي نتائج حقيقية علي الأرض , لكنها أومأت بإشارة ذات مغزي لروسيا عندما قالت ” أن الولايات المتحدة تتصرف للدفاع عن حقوق الإنسان العالمية من فينزويلا حتي زيمبابوي ومن القرم حتي سوريا ” , فيما أكد الممثل الروسي علي ” أن العقوبات يجب توجيهها لهؤلاء الذين سببوا الأزمات وليس أبداً ضد المدنيين (وهو ما لم يفعلوه في أفغانستان حتي خروجهم منها عام 1989 ولا في سوريا حالياً) وأكثر من ذلك فإن تدابير مُقيدة لا يجب لأسباب إقتصادية إستخدامها لإسقاط نظم ” مُشيراً إلي ” أن القيود التي تُوضع بصفة إنفرادية تتعارض والتعاون الدولي وتنتهك سيادة الدولة , وليس سراً أن بعض الناس يريدون رؤية نتائج بعينها ” , أما الصين فقد أشار ممثلها إلي ” أنه وبموجب أحكام ميثاق الأمم المتحدة فإن العقوبات عبارة عن وسائل سلمية لحل الصراعات وأنها لعبت دوراً إيجابياً في حفظ السلام والأمن العالميين , لكن بعض من نظم هذه العقوبات إستنفذت الغرض منها ورُفعت , وبالرغم من ذلك وفي نفس الوقت هناك ثمة إدراك أن بعضها واجه مشاكل يجب أن تكون موضع إعتبار من قبل مجلس الأمن . من جهة أخري فإن إستخدام العقوبات يجب أن يكون في إطار الحفاظ الكامل علي أحكام ميثاق الأمم المتحدة , الأمر الذي يُوجب إجراء مداولات تتسم بالحكمة عند تقرير فرضها , وعليه فإن فرضها أمر جدير بالتبؤ به مع إستنفاذ الوسائل غير القسرية , كما أن قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالعقوبات يجب أن تكون جزءاً من صفقة تسوية سياسية فمثل هذه التدابير ليست بالنهاية في حد ذاتها , كما أن تطبيق القرارات (في شأن العقوبات) يجب ألا يكون إنتقائياً ويجب علي مجلس الأمن أن يعزز الصلة بمسألة العقوبات تجنباً للآثار العملية السلبية وأن يُركز علي القضية الرئيسية التي بيده ” , وشدد الممثل الصيني علي ” أن لا تُؤثر العقوبات علي العلاقات التجارية والقانونية الطبيعية وأن لا تُفاقم من الموقف الإنساني علي الأرض ” , أما ممثل فرنسا فقد إختار حالة الكونجو الديموقراطية مُشيراً إلي ” أن نظام العقوبة وحظر السلاح المفروض علي هذه الدولة تقرر بصفة مُستمرة ليعكس تطورالموقف في هذا البلد منذ 2003 ومن الأهمية بشكل حاسم تحسين وظيفة وشفافية نظم العقوبات , علي حين أنه من الأهمية بمكان إحترام جميع الأطراف المعنية للعقوبات وأنواع الحظر المفروضة وتنفذها كاملةً ” .
حذر ممثل إثيوبيا من تسيس العقوبات (فرضت الأمم المُتحدة في الفترة من 1966 وحتي 2016 ست وعشرون نظاماً عقابياً رُفعت منها خمسة عشر , وفي عام 2016 وحده رُفعت العقوبات المفروضة علي كل من إيران وساحل العاج وليبيريا) وتطبيق المعايير المُزدوجة في عملية وضع تصميماتها وكذا تطبيقاتها داعياً مجلس الأمن إلي أن يظل مُنتظماً مُستقيماً في تناوله لكل الحالات وألا يخجل من تشديد العقوبات في الحالات التي تتطلب ذلك , وهو نفس ما كرره أعضاء آخرون بمجلس الأمن في هذا الإجتماع فقد دعوا إلي تطوير العقوبات التي يجب – وفقاً لهؤلاء – أن تنتقل من الأسلوب العام العريض الذي هي عليه إلي إتخاذ تدابير مُحددة أكثر , مع تشديدهم علي تطبيق هذه العقوبات مع توخي التخفيف من التداعيات الإنسانية غير المقصودة , لكن ممثل السنغال أشار إلي أن نظم العقوبات تُفرض غالباً علي الدول النامية خاصة الأفريقية منها وأنها تستهدف بصفة مُتزايدة الإستغلال غير المشروع للموارد الطبيعية , ونوه إلي أن لجان العقوبات أثرت علي حكومات لتأمين إتخاذ هذه التدابير , ومن جانبه أعلن ممثل بوليفيا رفض بلاده للعقوبات التي تُتخذ بصفة أحادية مثلما هي الإقدام علي أفعال قانونية تمتد حتي تصل إلي التشريعات الداخلية للدول , فالعقوبات كما تراها بوليفيا يجب أن تكون الملاذ الأخير وأن تُطبق عندما يكون من الواضح أن هناك ثمة تهديد للسلام والأمن العالميين أو عندما يكون هناك عمل عدواني واضح للعيان , وأشار إلي أن تصميم العقوبات يجب أن يتسم بالإنصاف والشفافية ومُتضمناً إجراءات تحدد بوضوح ظروف الدول ويجب أن يحد كل مجهود يُبذل في هذا الشأن من الأثر الإنساني للعقوبات , أما ممثل أوكرانيا فقد حدد نوعين رئيسيين من التحديات تواجه فعالية وكفاءة العقوبات هما إفتقاد الإرادة والعرقلة الصريحة للعقوبات القائمة أو التهرب منها , فيما أشار ممثل الأوروجواي إلي الحاجة إلي تعزيز التعاون بين الأمم المُتحدة والمُؤسسات الأخري مثل الشرطة الجنائية الدولية , كذلك حذر ممثل السويد من أن العقوبات سوف لا يمكن أبداً أن تكون ناجحة في ظروف من الإنعزالية فلابد وأن تكون دائماً جزءاً من إستراتيجية سياسية أعرض من عناصرها حفظ السلام وصنع السلام وبناء السلام , مُنوهاً بأن الإلتزام المُشترك لدي تطبيق قرارات مجلس الأمن تقترن بالإلتزامات المُتعلقة بإحترام الحقوق الأساسية للإنسان وأنه بالمزيد من التحسين للإجراءات المُنصفة والواضحة يمكن لمجلس الأمن أن يقدم أداة عقوبات أكثر فاعلية وقانونية يمكن بها تعزيز سلطة مجلس الأمن والأمم المتحدة بصفة عامة , وأوضح ممثل اليابان أن العقوبات لا يجب أبداً أن تكون أدوات عقابية فهي وعلي أي حال يجب أن تكون لأهداف واضحة وإستراتيجية قائمة , ونوه إلي أن كل نظام للعقوبات بصفة عامة له بنود أو آليات داخلية للإعفاء للحد من الآثار السلبيىة غير المرغوب فيها , وفي إشارة ذات مغزي أكد ممثل اليابان أن العقوبات يجب أن تُطبق كاملة من قبل كل دولة عضو قبل أن يناقش المجلس فاعليتها , كذلك فقد أشار ممثل ليبيريا إلي ” أن فرض العقوبات ليس له بالضرورة أن يُظهر القوة الضخمة التي لدي الأمم المتحدة , لكن الأفضل أن أن تساعد الدولة العضو علي إيجاد سبيل يردها إلي الأسرة الدولية , وقال أنه مع التقليل من شأن العقوبات , إلا أنها يجب أن تستخدم مع الحد الأدني من المخاطر علي المصالح طويلة الأجل للبلد أو الشعب اللذين تسعي هذه العقوبات في النهاية إلي خدمتها ” .
ملاحظات علي الموقف المصري من تعزيز العقوبات الأممية :
– هناك ملاحظات شكلية وأخري موضوعية علي الموقف المصري من مسألة العقوبات الأممية , وذلك علي النحو التالي :
ملاحظات شكلية :
– أن مصر العضو غير الدائم بمجلس الأمن هي التي تقود الدعوة إلي تعزيز نظام العقوبات الأممية وليست أي من الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن والتي إن لم تصوت بالإيجاب علي فرض عقوبة ما فإنها تصير بلا فاعلية هذا إن أجازها مجلس الأمن من الأساس ومن بين أهم القوي الدولية التي تصنع نظام العقوبات في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الولايات المتحدة فهي التي تدخل غالباً قاسماً مُشتركاً في كل القرارات ذات الصلة بفرض عقوبات من مجلس الأمن الدولي بحكم عضويتها الدائمة بمجلس الأمن وحيازتها لحق الرفض فيه Veto , والتي إن واجهت رفضاً من الأعضاء الأربع الدائمين بالمجلس لاذت بالتشريع الأمريكي لتفرض بواسطته عقوبات أو حصاراً علي هذه الدولة أو تلك بموجب قوانين يصدرها الكونجرس والأمثلة علي ذلك مختلفة من أهمها قانون العقوبات علي ليبيا وإيران أو قانون داماتو الصادر عام 1996 وقانون إصلاح الجزاءات التجارية وتعزيز الصادرات الصادر عام 2000والمُطبق علي كوبا و قانون حرية إيران ودعمها الصادر عام 2006 وقانون السلام في السودان في ديسمبر 2004 وقانون العقوبات الشاملة والمُساءلة وسحب الإستثمارات الصادر عام 2010 ألخ .
– كانت رئاسة مصر لمجلس الأمن في شهر أغسطس 2017 – وهي المرة الثانية التي تتولي فيها رئاسة المجلس منذ إنتخابها في يناير 2016عضواً غير دائم لعامين ينتهيا في 31 ديسمبر 2017 عاملاً مُساعداً لها لإثارة مسألة تعزيز نظام العقوبات الأممية , إذ أن أياً من أعضاء مجلس الأمن الدائمين أو غير الدائمين لم يثر هذه المسألة داخل مجلس الأمن علي هذا النحو لا في أثناء رئاسة مصر حالياً ولا قبلها , وذلك بالرغم من أن النظام الداخلي المُؤقت للمجلس (الفصل الأول مادة 2 منه) يتيح ذلك لأي منها ومنها مصر خلال عضويتها لعامين بالمجلس , ورغم أن هذه هي المرة الثانية التي تتولي فيها مصر رئاسة المجلس خلال عضويتها الحالية إلا أنها لسبب أو لأكثر سيأتي بيانه لاحقاً , مارست حق الرئاسة هذه المرة في الدعوة لمناقشة الموضوع بمبادرة منها إذ لم تثر مصرهذه المسألة في المرة السابقة التي تولت فيها رئاسة المجلس مع أن لها الحق في أن تفعل ذلك بموجب المادة الأولي من النظام الداخلي المُؤقت للمجلس ونصها ” عقد اجتماعات مجلس الأمن باستثناء الاجتماعات الدورية المشار إليها في المادة 4 ، بناء على دعوة من الرئيس في أي وقت يرى فيه ذلك ضروريا ، على ألا تتجاوز الفترة التي تتخلل الاجتماعات أربعة عشر يوما ” .
– تأتي إثارة مصر لمسألة تعزيز(تشديد) العقوبات الأممية لاحقة مباشرة لما يُسمي بالأزمة الخليجية التي نشأت عن فرض السعودية ومصر والبحرين ومصر لإجراءات حصار ومقاطعة دبلوماسية وسياسية وإقتصادية فورية بدأت يوم 5 يونيو 2017 خارج نظام الجامعة العربية التي أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً عام 1998 بلا تصويت عليه بشأن التعاون وإجراء حوار معها كل عامين والتي عُقد إجتماع تشاوري بين وفود الدول الأعضاء بها ووفد مجلس الأمن برئاسة ممثل مصر ورئيسه بالقاهرة في 21 مايو2016 نُوقشت فيه تطورات القضية الفلسطينية وعملية السلام بالشرق الأوسط والموقف في ليبيا والصومال , وربما أدي تزامن إثارة مصر لمسألة تشديد العقوبات الأممية مع إستمرار الأزمة الخليجية التي إنتسبت إليها مصر , ربما أدي ذلك إلي تشكيل وصياغة موقف مصر من مسألة العقوبات من نفس المادة التي يتشكل منها موقفها كطرف من أطراف رباعي الحصار علي قطر أي أن إثارة مصر لقضية تشديد العقوبات الأممية صار – من حيث الشكل علي الأقل – مُنبثقاً ولو جزئياً من دورها في الأزمة الخليجية , وقد أستغلت قطر ذلك التداخل الذي أظهر الدبلوماسية المصرية وكأنها تستغل وضعيتها الرئاسية لمجلس الأمن حالياً للنيل دبلوماسياً وسياسياً من قطر خدمة للأهداف التي يتوخاها رباعي الحصار لقطر ومصر أحد أضلاعه , مما دعي قطر إلي تكليف مندوبتها لدي الأمم المتحدة لإرسال شكوي رسمية ضد مصر لأمين عام الأمم المتحدة ولرئيس مجلس الأمن في 3 أغسطس 2017 أُشير فيها إلي استخدام مصر عضويتها في مجلس الأمن لتحقيق أهداف سياسية , وهو ما رد عليه مندوب مصر بالأمم المتحدة ولدي مجلس الأمن بقوله ” من الطبيعي ألا تتفهم الدوحة ، التي تتخذ من دعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول سياسة لها ، التزام كافة الدول أعضاء الأمم المتحدة ومن بينها مصر ، وفقا لأحكام الاتفاقيات الدولية وقرارات مجلس الأمن الملزمة بمكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وصوره ” مُؤكداً أن الالتزام بالأحكام والقرارات يفرض على مصر كشف ممارسات وأنشطة قطر ، التي تقدم الدعم المالي والأيديولوجي للجماعات الإرهابية ، مشيرا إلى أن نشاطها لم يقتصر على دول منطقة الشرق الأوسط ، وإنما طال دولا أخرى في العالم , وفي الواقع فإن شكوي قطر ورد مصر عليها كاف للإشارة إلي أن إثارة مسألة تشديد العقوبات تتحرك بطاقة بخار أزمة الخليج الساخنة أكثر من طاقة الغضب الناتج عن العجز البين في حسم معركة دول الشرق الأوسط مع ما تُوصف بقوي الإرهاب سواء إنطبق عليها وصف المعارضة المسلحة لأنظمة حكم قائمة بالقوة أو إنطبق عليها وصف الإرهاب الصرف , فلا أحد يمكنه أن يحسم أي من الصفتين تنطبق علي هذه القوي لأنه وللآن لم يُوضع مفهوم مُحدد وحاد وموضوعي للإرهاب , الحكومات تتكلم عنه وحده في إعلامها المُدجن لكنك لن تري قبولاً عاماً جامعاً لتعريف ما للإرهاب حتي اللحظة .
علي أية حال وقبل التعرض بابداء بعض الملاحظات علي التحمس المصري لتعزيز نظم العقوبات الأممية تجب الإشارة إلي أن هناك خلافات أو إختلافات بين الدول أعضاء مجلس الأمن بشأن هذه التعزيز ومثال علي ذلك الإجتماع الذي عُقد 11 فبراير 2016 والذي عكست الآراء التي أدلي بها هؤلاء قدراً من الإختلاف فيما بينهم , بل إن بعضهم أشار إلي أن الطريقة الحالية التي يتم بواستطها إختيار رؤساء لجان عقوبات مجلس الأمن ليست مُتوازنة ولا شفافة ولا تتسم بالشمولية وأنها عملية تستغرق وقتاً طويلاً ومن ثم فلا يبقي أمام رؤساء هذه اللجان وقتاً مناسباً للإعداد لأداء أدوارهم الجديدة , كما أن بعضهم أشار إلي أن هناك حاجة لحوار أكبر مع الدول غير الأعضاء بمجلس الأمن والدول المُتأثرة بالعقوبات والمنظمات الإقليمية , فيما نوه البعض الآخر إلي مسألة نشر التقارير الصادرة عن لجان العقوبات بإنتظام , وهو ما نفس ما أوصت به لجنة الأمم المتحدة رفيعة المستوي لمراجعة العقوبات ” , والتي أُسست في مايو عام 2014 وهي اللجنة التي ترعاها خمس دول منها السويد .
ملاحظات موضوعية :
– عند تناول موضوع العقوبات الأممية بالتقييم بهدف البحث عن منفذ لتشديدها أو مخرج لتخفيفها , فإن علينا مبدئياً الشروع في تقييم يتضمن في مصفوفة واحدة أنظمة العقوبات أو الجزاءات الأممية والوسائل الأخري التي تتضافر – وفقاً لميثاق الأمم المتحدة نفسه – مع أنظمة العقوبات لحمل هذه الدولة أو تلك للعودة إلي الأسرة الدولية , ومن الوسائل الأخري الوسائل غير القسرية , ففي الواقع أن تناول مسألة تشديد العقوبات بمعزل عن تقييم أداء قوات حفظ السلام الأممية مثلاً وهي التي تعد من الوسائل المُستخدمة بموجب قرارات يصدرها مجلس الأمن سيكون تناولاً مُضللاً والحالة هذه , ولنأخذ – علي سبيل المثال – ما أشارت إليه مجلة Foreign Affairs في عدد مارس / أبريل 2000 في مقال السيد Max Boot تحت عنوان ” تمهيد الطريق إلي الجحيم : فشل حفظ السلام التابع للأمم المتحدة ” , أشار الكاتب فيه إلي أن الأمم المتحدة نفسها أصدرت تقارير توثق أثنتان من أسوأ عثراتها , ووفقاً لهذه الإعترافات أشارت الأمم المُتحدة إلي أن قوة حفظ السلام الأممية في رواندا وقفت بلا حراك فيما أتباع قبيلةHutu يقترفون مذابح أتت علي حياة 800,000 من أتباع قبيلة Tutsi , وفي البوسنة أعلنت الأمم المُتحدة عن مناطق آمنة للمسلمين لكنها لم تفعل شيئاً لتأمينهم تاركة الصرب يذبحون الآلاف منهم في Srebrenica بل إن قوات الأمم المتحدة أستخدمها الصرب رهائن لديهم لردع الإستجابة العسكرية الغربية , وبالرغم من تسابق بعض الدول ومنها مصر نحو المزيد من المشاركة في قوات حفظ السلام الأممية لأسباب داخلية بحتة , إلا أن بعض الدول كاليابان وجدت بالتجربة العملية أن مشاركتها تعرض مواطنيها العسكريين للخطر ولذلك قررت الحكومة اليابانية سحب قوتها وهي عبارة عن كتيبة مشاة قوامها 350 فرد كانت مُتمركزة في جوبا عاصمة جنوب السودان كجزء من UNMISS أو بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان الذي يخوض حرباً أهلية منذ ديسمبر 2013 وحتي الآن , وبالفعل بدأ ذلك في 17 أبريل 2017 ( كان رئيس الوزراء الياباني قد أعلن في 20 مارس 2017 أن الإنسحاب سيكون في مايو 2017) وبالرغم من أن مسئولاً كبيراً بمجلس الوزراء الياباني نفي أن يكون هذا الإنسحاب له علاقة بتصاعد تردي الموقف الأمني بجنوب السودان وتبريره بإعتبارات شاملة لم يوضحها , إلا أن الواقع يشير إلي ذلك فهناك تقارير أممية تؤكد تزايد ضحايا من عناصر بعثات حفظ السلام , إذن فالسبب الرئيسي لسحب اليابان لكتيبتها هو تردي الموقف الأمني بعد الهجوم من قبل قوات حكومية علي معسكر للاجئين الجنوبيين تابع للأمم المتحدة في جوبا في يوليو 2016 مما دفع بالولايات المتحدة إلي التقدم بمشروع قرار أممي لدعم قوة حفظ السلام في الجنوب رفضته حكومة جوبا , كما رفضته روسيا والصين ومصر إلا أنه وبعد إتصالات وتسويات بين الدول دائمة العضوية أتخذ المجلس قراراً أممياً بالدعم بنحو 4,000 عسكري منهم الكتيبة اليابانية التي إنسحبت , وعلي كل حال فقد عوضت الصين العجز في الأفراد أو الفجوة الموجودة في الموارد البشرية لقوات حفظ السلام , إذ أعلن صرح Herve Ladsous نائب مساعد السكرتاير العام للأمم المتحدة لوكالة الأنباء الصينية في 5 أكتوبر 2015 أن الصين تعهدت بالمساهمة بنحو 8,000 فرد لقوات حفظ السلام .
– لا يمكن وبعد أن إستعاد النظام الدولي مستوي جديد من الإستقطاب مع ثورة الإتصالات أن نطرح مسألة العقوبات الأممية بهذا القدر من الإنفتاح , فالعقوبات شئنا أم أبينا مُصطلح قانوني ذا طبيعة عقابية إن إستخدم فكل ما يترتب عليه من نتائج سيكون سلبياً ولا مجال هنا لحديث عن التخفيف إلا إذا كنا نريد زخرفة وطلاء قنبلة ستُلقي علي مدينة بها مقر حكم لحاكم خرج عن جادة السلم والأمن الدوليين , فقنبلة العقوبات ستُلقي علي مقره ولا أمل في حصر أو تضييق المجال الإنفجاري الذي من المعروف علمياً محيطه الذي في الغالب يتواجد فيه شعب هذا الحاكم الذي يتعامل مع الشعب علي أنه رهينة ومن هؤلاء الحكام الضالين من حظي بفترة حضانة لدي أي من الدول الكبري تعييناً , وبالتالي فإن طرح مسألة تعزيز العقوبات بمنطق يكاد وأن يكون مُطلقاً علي نحو يرسخها أمر قد يدعو إلي الإستهجان خاصة ونحن نري الإنتقائية الفجة للقوي الكبري بالمجلس في فرضها علي نظم بعينها لا لشيئ إلا لتطويع مواقف بعض هذه الدول لتفي وتؤمن مصالح القوي الكبري كل بنسبة قوة علاقاته مع الدولة المُعاقبة , وهو منطق مُستهجن حتي وإن إستخدم المندوب المصري في الترويج لهذا الإتجاه ألفاظاً مثل ” تخفيف الآثار السلبية لعقوبات الأمم المتحدة علي المدنيين ” و” الأثر العملي الإجتماعي والإقتصادي الأوسع مدي علي دول الجوار و ” دعم أفضل للأولويات الإقليمية ” , فيكفي وزيادة أن تترك الدبلوماسية المصرية كل مساحات القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعلمية التي تذخر بها ساحات ووكالات الأمم المُتحدة المُتخصصة لتدخل في أضيق قناة من قنوات العمل الأممي وأكثرها مدعاة للنفور من قبل دول العالمن الثالث والرابع : قناة العقوبات , فأنت إن إخترت الدخول في حيز ضيق فسوف تقترف خطأ ما بسبب ضيق هذا الحيز علي الأقل إن لم يكن بسبب ضيق الإدراك لمغبة ومعني العقوبات , كما أنه من المثير للدهشة أن يأتي طرح مسألة العقوبات من إحدي دول العالم الثالث وأعني بذلك مصر فدول هذا العالم غالباً ما تكون الحقل الذي يتم في ساحته إصطياد دولة ما لتطبيق هذه العقوبات الأممية عليها , وقد تكون مصر التي تتحمس الآن لتعزيز العقوبات وجعلها شراكة عالمية في زمن ما أحد هذه الدول لا قدر الله , فلا الصين ولا روسيا يمكن أن تصدر في شأنهما عقوبات أممية , فالعقوبات عليهما تأتي من الولايات المتحدة وهي عقوبات في تقديري تأثيرها ونتائجها كتأثير ونتائج المباريات الودية بين الفرق القوية ذات الصيت العالمي أي أنك يمكنك أن تصفها بالعقوبات الودية أو التي لا تعرقل تقدم الخصوم بإتجاه خصومهم , ففي مجلس الأمن أمواج مُتلاطمة من المصالح المُتعارضة للدول الأعضاء الكبري دائمة العضوية بالمجلس والتي لا يمكن توقع إتفاقها علي قرارات بعينها , وقد يحدث أن تتفق في فرض العقوبات لكنها حالات لا يُقاس عليها , وقد يحدث أن تتفق فيما بينها علي فرضها لكن ذلك يتم بعد تسويات أو صفقات Deals مُعقدة بعيدة عن إرادة الدول غير دائمة العضوية بالمجلس والتي وفقاً للهندسة التصويتية به لا تعتبر أصواتها مُتغيراً مُستقلاً بل تابعاً وأحياناً ما تعتبر تحصيل حاصل , والحالات المُؤكدة لذلك عديدة منها ما تعلق بمصر نفسها عندما أعطت 14 دولة صوتها للدكتور بطرس غالي من أجل ولاية ثانية تبدأ بنهاية 1996في منصبه كأمين عام للأمم المتحدة وأعترضت الولايات المتحدة وحدها بإستخدام حق VETO فذهب دكتور غالي مع الريح وتوجته فرنسا أميناً للفرانكفونية .
– أشار المندوب المصري إلي أن ” المضى قدمًا على النحو الحالى فى التعامل مع العقوبات بمنظور ضيق يقصر الأمر على كل حالة على حدة ، لن يؤتى ثمار التطوير المرجوة ” , لكنه لم يبرر أو يشر بشكل واضح صريح مُسببات إثارة موضوع تعزيز العقوبات ” بل ساق منطقاً عاماً دون أن يثبته بتقرير أممي أو حالة أو حالات عقابية معينة إذ أنه لم يضع أيادينا علي حالة دولة بعينها فُرضت عليها العقوبات ونتج عنها ما يستلزم طرح هذه المسألة , بل قال وكأنها قضية مُسلم بها وتم الإتفاق عليها بين كل أعضاء الأمم المتحدة ” أن المجلس عليه مسؤولية كبيرة فى تصحيح المفهوم وليس فقط تعديل المصطلح الشائع ومدلوله العقابى ” مع علمه كما أشار هو بنفسه أن ” الميثاق لم يرد فيه هذا المصطلح والذى أضحى مستخدمًا فى قرارات المجلس التى تفرض مثل تلك التدابير ” , ولذلك علينا أن نذكره بأن الأمم المتحدة رفضت التجاوب مع مصر بإرسال قوة حفظ سلام بموجب توقيعها وإسرائيل بضمانات أمريكية علي معاهدة السلام في 26 مارس 1979 ولا تجاوبت مع الرغبة الأمريكية في غزو العراق في أبريل 2003 , فهل يمكن لأعضاء الأمم المتحدة أن يتفقوا علي موضوع إنزال العقوبات ببلادهم طواعية ؟ ألم يُكتفي بعد من الفوضي التي يسببها الصراع بين القوي الكبري بالعالم وفي مقدمتهم الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن التي يستحثها المندوب المصري علي الدخول في شراكة لتعزيز العقوبات ؟ .
– يبدو أن المندوب المصري غفل عمداً أو إتفاقاً عن تذكر المبدأ الإقتصادي القائل بأن لكل خطة نفقة يجب تحملها لإنجازها , وبإستنزال هذا المبدأ علي حالة تعزيز العقوبات , فإننا لابد وأن نتوقع نفقة أو تكلفة ما تتحملها وبدرجات متفاوتة الدول التي تُفرض عليها العقوبات وتلك القوي الكبري أو المتوسطة أو الصغري التي ستطبقها تحت مظلة الأمم المتحدة , وهذه التكلفة ليست مالية صرفة بالضرورة لكن لها ترجمة مالية/ إقتصادية , إذ أن هناك تكلفة ما حتي في حالة العقوبات علي حالها الحالي وهي قابلة للزيادة بالقطع حال تعزيزها كما تدعو مصر ودول أخري أعضاء بالمجلس وخارجه أي بالجمعية العامة للأمم المتحدة إلي ذلك , فتكلفة تعزيز العقوبات ستكون مختلفة عن التكلفة الحالية قبل تعزيزها وهذه التكلفة قد لا تشعر بها الدول المُشاركة في فرض العقوبات وتعتمد علي المعونات الخارجية خاصة الأمريكية والأوروبية ومصر من بين هذه الدول كما هو معروف , والسؤال المبدئي من سيتحمل الفرق في هذه التكلفة بين العقوبات علي وضعها الحالي والعقوبات وهي مُعززة ؟ , إن من وضعوا الميثاق كانوا أرحم بالعالم من المندوب المصري إذ إنهم فطنوا عند وضعهم للمادة 41 التي تتناول إستخدام وسائل غير عسكرية لتفعيل قرارات مجلس الأمن فوضعوا المادة 50 في متن الميثاق وهي التي يشير نصها إلي أنه ” إذا اتخذ مجلس الأمن ضد أية دولة تدابير منع أو قمع فإن لكل دولة أخرى – سواء أكانت من أعضاء ” الأمم المتحدة ” أم لم تكن – تواجه مشاكل اقتصادية خاصة تنشأ عن تنفيذ هذه التدابير، الحق في أن تتذاكر مع مجلس الأمن بصدد حل هذه المشاكل ” .
– لم يتفق المجتمع الدولي حتي يومنا هذا سواء داخل أروقة الأمم المتحدة أو خارجها علي مفهوم واحد أو مُشترك للإرهاب الذي يُتخذ حتي علي هذه الحالة الحالية السائلة لمفهومه ذريعة لفرض عقوبات علي هذه الدولة أو تلك , ولهذا فمن المثير للتأمل طرح الدبلوماسية المصرية لمسألة تعزيز العقوبات علي دول بعضها يُعاقب لتبنيه الإرهاب أو تمويله فيما مفهوم الإرهاب نفسه مازال بعد غير مُتفق عليه عالمياً وأستمر هذا الوضع حتي عندما وضعت اللجنة المُخصصة للإرهاب الدولي بالأمم المتحدة تقريرها حول الإرهاب الدولي بتاريخ 17 أبريل 1979والذي تضمن توصية للتعاون لمحاربة الإرهاب وصدور عدة قرارات عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن الإرهاب منها القرار الصادر في 17 فبراير 1995 بعنوان ” تدابير لمحو الإرهاب الدولي والقرار الصادر في 20 سبتمبر 2006 تحت عنوان ” الأمم المتحدة والإستراتيجية العالمية لمواجهة الإرهاب , كذلك أصدر مجلس الأمن قرارات أخري ذات صلة بمكافحة الإرهاب منها القرار 1269 في 19 أكتوبر 1999 والقرار 1373 في 28 سبتمبر 2001 والقرار 1377 في 12 نوفمبر 2002 بشأن الإعلان المُتعلق بالجهد العالمي لمكافحة الإرهاب والقرار 1452 في 20 ديسمبر 2002 و1540 في 28 أبريل 2004 والقرار2140 لعام 2014 بشأن فرض عقوبات (تجميد الأصول / أو حظر سفر) علي الأفراد والكيانات الذين حددتهم اللجنة الأممية المعنية حتي 26 فبراير 2015 والقرار 2266 ألخ , فكل هذه القرارات صدرت والمجتمع الدولي لم يتفق بعد علي تعريف جامع مانع للإرهاب إذ أن لكل دولة أو مجموعة دول مفهومها الخاص عنه بما يتفق مع مصالحها / مخاوفها وطموحاتها , فكيف إذن والحالة هذه يُوضع تصميم ما لنظام عقابي علي مفهوم غير ثابت / مُتحرك وسائل عن الإرهاب ؟ , صحيح أن هناك إتفاقيات تتعلق بالإرهاب إلا أنها تتعامل مع قضايا إرهابية جزئية ومن أمثلتها إتفاقية 1979 لمناهضة خطف الرهائن والإتفاقية الدولية لعام 1997 لقمع الهجمات الإرهابية بالقنابل والإتفاقية الدولية لعام 1999لقمع تمويل الإهاب والتي إعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1999وفُتحت للتوقيع في نيويورك في 10 يناير 2000 والإتفاقية الدولية لعام 2005 لقمع أعمال الإرهاب النووي .
– هناك علاقة عكسية إلي حد ما بين المستوي الحالي للعقوبات الأممية وبين إنتشار القواعد العسكرية للقوي الكبري حول العالم التي تتم علي أسس الجغرافيا الإقتصادية أي بالدول التي إنطلاقاً منها تستطيع هذه القوة الكبري أو تلك – وغالباً ما تكون القاعدة العسكرية لأحد الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن – قريبة من مناطق توطن مصالحها في هذه الدولة التي بها قاعدة عسكرية لها ودول جوارها , والمعني هنا جدير بالتوضيح إذ أنه في تقديري أن هناك إتجاه لتنازل عدد من الدول عن سيادته بفتح الطريق أمام القوي الدولية و / ألإقليمية لإستئجار قاعدة عسكرية , هذا الإتجاه دشنته القوي الكبري ويعني ببساطة أنه تمد ذراعها العسكري من أجل الحصول علي مصالح تطمح إليها عن طريق الإقتراب من أماكن تواجد هذه المصالح , والسؤال هنا : إلا يعتبر ذلك تهديداً لدول أخري ؟ ثم ألأ يعتبر ذلك إستفزازاً لأي من دول الجوار يمكن لو واجهته أن ينزل عليها المجتمع الدولي بعقوبة ما ؟ , كذلك فبعد إقامة الولايات المتحدة في فبراير 2007 لقيادتها العسكرية لأفريقيا وهي القيادة السادسة للولايات المتحدة وبإقامتها تكون العسكرية الأمريكية قد غطت عالمنا عسكرياً , بعد ذلك إنخفضت حاجة الولايات المتحدة لتهديدات مصدرها مجلس الأمن لأنها هي نفسها أصبحت مصدراً لإنبعاث التهديدات للعالم خاصة للعالم الثالث الذي تنتمي إليه مصر .
– هناك حاجة لبذل جهد للعصف الذهني للعثور علي نقطة ثابتة للدبلوماسية المصرية لفهم موقفها من قضايا عدة أختار منها قضيتي جنوب وشمال السودان , فمصر التي تدعو إلي تعديل أو تغيير مفهوم العقوبات وتعزيزها هي نفسها التي عارضت الجهود الدبلوماسية الأمريكية في مجلس الأمن لإنهاء الحرب الأهلية في جنوب السودان فرفضت أو إمتنعت عن التصويت علي مشروع القرار الأمريكي لحظر السلاح علي طرفي الحرب الأهلية بجنوب السودان , ذلك أن الولايات المتحدة طرحت مشروع قرار لفرض الحظر علي السلاح علي جنوب السودان مُجدداً في 23 ديسمبر 2016 وكان مرناً هذه المرة إذ نص علي حظر لمدة عام علي توريد وبيع ونقل الأسلحة والذخائر ومركبات النقل العسكرية والمعدات لجنوب السودان ووضع عدد من القادة العسكريين منهم ريك مشار خصم الرئيس سلفا كير في هذه الحرب ووزير إعلام جنوب السودان ميشيل ماكوي ورئيس الأركان بول مالونج علي اللائحة السودان وتجميد أصولهم وحظر سفرهم , إلا أن هذا المشروع والبريطاني ووجه بتحفظات من قبل كل من مصر وأنجولا (التي عادت وقبلته) والسنغال كما رفضته روسيا والصين واليابان وماليزيا وفنزويلا , فيما أيده الوفدان الفرنسي والبريطاني , وبالتالي لم يحظ المشروع بموافقة إجماعية , وذلك بالرغم من التقارير الرسمية الصادرة عن الأمم المتحدة التي تشير وبعضها يؤكد أن ثمة عمليات تطهير عرقي تحدث في جنوب السودان جراء إستمرار تصاعد وتيرة القتال المُتبادل هذا بالإضافة إلي تدفق اللاجئين من جنوب السودان بأعداد مُضطردة إلي دول الجوار ونشوء أزمة إنسانية تتسع , ولهذا أعلن أمين عام الأمم المتحدة Ban ki- Moon عن دعمه لمشروع القرار الأمريكي بإعتباره للحظر أداة تؤدي إلي تناقص قدرة أطراف الحرب الأهلية علي مواصلة الحرب , فأين مصر إذن والحالة هذه من مفهوم تعزيز العقوبات ؟ إذ أنها ترفض التجاوب مع قرار بفرض حظر علي دولة غارقة في أدران وخطايا حرب أهلية أبادت الآف الأرواح وبعثرت شعب الجنوب كشظايا ديموجرافية تناثرت علي أراضي دول الجوار , لا لشيئ إلا لأنها تدعم نظام سلفاكير المُوغل في نزعته القبلية وتقوم علي مده بصفقات أسلحة ومعها دول أخري مُستفيدة من تردي الوضع هناك إلي حد أصبح جنوب السودان سوق للسلاح الآتي من مصادر إسرائيلية ومصرية وصينية وروسية وبلغارية وقد وردت إشارات واضحة عن ذلك بتقرير لجنة الخبراء الأممية قُدم إلي مجلس الأمن في حينه , أما السودان الذي من المُفترض أنه العمود الوحيد الباقي لأمن مصر القومي فإننا نُفاجئ بإشارة وزير خارجية السودان في تصريح له نشرته صحيفة Sudan Tribune في 13 أبريل 2007 بأن دبلوماسي مصري بالأمم المتحدة شارك في إجتماع تشاوري غير رسمي عُقد في 7 أبريل 2017 لمتابعة القرار الصادر عن مجلس الأمن تحت رقم 1591 لعام 2005 بشأن العقوبات علي السودان أشار إلي الإبقاء علي حظر السلاح علي دارفور والعقوبات الأخري المُتعلقة بالقرار 1591, وفي الواقع فإن هذا الموقف المصري إزاء السودان الذي يشكل الركن الركين لأمن مصر القومي لم يكن خارجاً عن سياق مختلف كلية للسلوك التصويتي المصري في مجلس الأمن والذي يعكس واقع سياسي جديد بسمات وخواص وأهداف جديدة لا تستند بالضرورة إلي ثوابت الأمن القومي المصري بقدر ما ترتبط بتكتيكات سياسية قصيرة الأمد , ففي قضية أخري لا تقل أهمية عن قضيتي شمال وجنوب السودان قامت مصر – وبدون الحصول علي أي مكاسب إفتراضية من الكيان الإسرائيلي – بسحب مشروع كان من المُقرر أن تطرحه علي مجلس الأمن للتصويت عليه ويتضمن إدانة ومطالبة إسرائيل ” بتعليق الأنشطة الإستيطانية في الضفة الغربية من أجل إنقاذ حل الدولتين” , وكان الوفد المصري قد وزع مسودته في مساء 21 ديسمبرعلي أعضاء مجلس الأمن الدولي ثم سحبه وأرجئ التصويت عليه مُبلغاً أعضاء المجلس بذلك يوم التصويت عليه , وهو تصرف أشادت به إسرائيل وأشارت الأنباء إلي أن مصر قررت سحب المشروع بعد إتصال هاتفي بين الرئيس الأمريكي المُنتخب Donald Trump والرئيس المصري , لكن ما حدث وأضر أبلغ الضرر بالموقع الفريد والتاريخي لمصر تجاه القضية الفلسطينية أن المشروع بعد سحب مصر له تقدمت به دول أخري غير عربية هي فينزويلا وماليزيا والسنغال ونيوزيلاند (التي لها تاريخ غير إيجابي في التصويت علي قرارات تخص القضية الفلسطينية) وحازعلي إجماع أعضاء مجلس الأمن فيما إمتنعت الولايات المتحدة عن التصويت مما يعتبر موافقة ضمنية منها عليه في أول سابقة من نوعها في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية , فالقرار إعتبر المستوطنات الإسرائيلية انتهاكا للقانون الدولي وعقبة أمام تنفيذ حل الدولتين , وبالنظر إلي أهمية هذا القرار في دعم الموقف العربي من قضية فلسطين فإن سحب مصر له ينطوي علي دلالات في منتهي السوء منها أن مصر أعلنت إنحيازها لمجمل الرؤية الإسرائيلية للقضية الفلسطينية التي لم تعد مركزية والحالة هذه للسياسة المصرية , نخلص من ذلك إلي القول بأن الدواعي التي أملت علي الدبلوماسية المصرية التنكر للثوابت التي كانت توجه تصويتها في القضايا ذات الإرتباط المباشر والدائم بأمنها القومي هي نفسها التي شكلت دافعها أو دوافعها الأولية للدعوة إلي تعزيز نظم العقوبات الأممية من خلال تصحيح المفهوم وليس فقط تعديل المصطلح الشائع ومدلوله العقابىبدعوي أن المفهوم السلبى للعقوبات يجب أن يحل محله تصورًا أكثر اتساعًا يقوم على فكرة الشراكة بين المجتمع الدولى .
– إن الدعوة المصرية لتعزيز (تشديد) العقوبات الأممية فيها من التنظير أكثر مما فيها من الواقعية وبعيدة نسبياً عن قراءة بعض مجريات الأحداث المُتعلقة بالموضوعات ذات الصلة المباشرة بنهوض الأمم المتحدة وإداراتها النوعية ووكالاتها المُتخصصة بالمهام المُحددة لكل منها , ففي الوقت الذي تثير مصر موضوع تشديد العقوبات أشارت شبكة Bloomberg الإخبارية في 3 فبراير 2017 بالإحالة علي مصدرين دبلوماسيين بمجلس الأمن الدولي قولهما أن السفيرة Nikki Haley سفيرة الولايات المتحدة لدي الأمم المتحدة تخطط لمتابعة موضوع عمليات حفظ السلام الأممية عن كثب وذلك كجزء من هدف تسعي إدارة الرئيس الأمريكي Trump لتحقيقه وهو خفض المساهمات الأمريكية في المنظمات الدولية , وأشارت الشبكة إلي أن السفيرة Nikki Haley وفي الأسبوع الأول من بدء عملها بعد حصولها علي موافقة مجلس النواب الأمريكي علي تعيينها ركزت النظر إلي العمليات الست عشر لحفظ السلام الأممية ومنها 9 عمليات بأفريقيا ويبلغ قوامها وفقاً لأرقام عام 2016 119,000 فرد بما فيهم 100,000 من القوات العسكرية والشرطية وهي العمليات التي وُجهت إلي بعثاتها إنتقادات تتعلق بالتحرش الجنسي والفساد وعدم الكفاءة , فوفقاً للشبكة فإن الولايات المتحدة تساهم بنسبة 30% من مجمل تكاليف عمليات حفظ السلام البالغة 7,9 بليون دولار وتأتي أكبر المساهمات بعدها من الصين واليابان وألمانيا , وأشارت الشبكة كذلك إلي أن جهود السفيرة Nikki Haley ربما تحظي بدعم أمين عام الأمم المتحدة الذي نُقل عنه قوله أنه يريد إصلاح عمليات حفظ السلام , كما أشارت إلي ما قاله Antonio Guterres أمين عام الأمم المتحدة نفسه للجمعية العامة في ديسمبر 2016 من ” أنه غالباً ما تتمركز القوات الأممية في مناطق ليس بها سلام لتحافظ عليه ” , فالولايت المتحدة لديها قناعة بأن العقوبات وعمليات حفظ السلام معاً لا يمكن الحصول من خلالهما علي نتائج حاسمة مهما بذلت هي نفسها من الجهود ما يعززهما أو يشددهما فإرادة الدول الأربع الأخري دائمة العضوية خاصة الصين وروسيا وظيفتها الرئيسية أن تحول دون ذلك والعكس صحيح .
– تأسس نظام العقوبات بمجلس الأمن وفقاً للمادة 41 بالفصل السابع ومن بين الأدوات التي أنشأها المجلس عام 2006 للعناية بموضوع العقوبات مجموعة العمل غير الرسمية المعنية بالمسائل العامة للعقوبات والتي تسلم توصياتها عن كيفية تحسين كفاءة عقوبات الأمم المتحدة , ويري كثيرون كما تري مصر أن العقوبات أداة ضغط سياسي لكها غير كافية ولا كُفئة لمواجهة التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي , وأنه بالرغم من أن الصراعات الحالية بالعالم صراعات داخلية في معظمها إلا أنها تحمل في طياتها تهديدات للأمن الإقليمي (مشاكل الهجرة – الأزمات الغذائية – ألخ) , كما يرون أن إجراء إصلاحات علي نظم العقوبات أمر ممكن في نظر البعض وأن ميثاق الأمم المتحدة نفسه أنشأ آلية يمكن بها الشروع في ذلك وفقاً لما ورد بالفصل 18 بالمادة 108 التي نصها “التعديلات التي تدخل على هذا الميثاق تسري على جميع أعضاء “الأمم المتحدة” إذا صدرت بموافقة ثلثي أعضاء الجمعية العامة وصدَّق عليها ثلثا أعضاء “الأمم المتحدة” ومن بينهم جميع أعضاء مجلس الأمن الدائمين، وفقاً للأوضاع الدستورية في كل دولة ” وهو ما قد أشار إليه ممثل مصر ورئيس مجلس الأمن وإن بصفة غير مباشرة عندما قال ” أن المجلس عليه مسؤولية كبيرة فى تصحيح المفهوم وليس فقط تعديل المصطلح الشائع ومدلوله العقابى ” …… وعندما قال ” بناء علي ذلك فإن المفهوم السلبى للعقوبات يجب أن يحل محله تصورًا أكثر اتساعًا يقوم على فكرة الشراكة بين المجتمع الدولى ” , لكن تقديري المبدئي أنه ليس من المتوقع أن تتحقق مقترحات تعزيز أو تشديد عقوبات الأمم المتحدة , فثلثي الدول أعضاء الجمعية العامة هم في نفس الوقت من المُرشحين دائماً لتطبيق العقوبات علي بعضهم , وهي عقوبات قد تكون عمياء في أحيان وغاشمة في أحيان أخري وفي الحالتين هناك مخاطرة تصيب هذه الدول , ولذلك من الصعوبة بمكان تصور إستطاعة الأمم المتحدة تمرير قرار يستهدف تعديلاً أو تغييراً للمفهوم الحالي للعقوبات , فيكفي ما تعانيه بعض النظم الدولية كروسيا والصين وغيرهما من القوي الكبري بل وبعض دول العالم الثالث ومنها السودان وإيران وكوبا من جراء إستخدام الإدارات الأمريكية والكونجرس الأمريكي لسلطاتهم الدستورية من أجل فرض عقوبات أمريكية علي أسس إنتقائية بحتة فالعقوبات الأمريكية يمكن أن تُطبق في كل دول العالم ما عدا إسرائيل إذن لا منجي منها , كما أن العقوبات الأمريكية لها نظام تُصمم بناء عليه نجده مختلفاً في تفاصيله وأهدافه عن العقوبات الصادرة عن عقوبات الأمم المتحدة وحتي هذه تتدخل في وضعها الولايات المتحدة بالحذف والإضافة – ولو جزئياً – لتحقيق هدف أو أهداف أمريكية , لكن ما يجب التأكيد عليه أن العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة مُرتبطة بقوة بمقتضيات الأمن القومي الأمريكي وليس بالقيم والمثل المُتعارف عليها دولياً مالم يقترن فرض العقوبة الأمريكية علي دولة ما بالصدفة البحتة تهديدها للمصالح العليا الأمريكية وللمثل والقيم الدولية كحالة سوريا وهي حالات محدودة .
– إذا طرحت مصر أو مجموعة من الدول مسألة تعديل مفهوم العقوبات بميثاق الأمم المتحدة علي نحو يؤدي إلي تعزيز العقوبات , فمن المتوقع أن يلقي هذا الطرح مقاومة كتلك التي واجهتها عامي 2005 و2006 مصر ومعها مجموعة من الدول الطامحة إلي توسيع مجلس الأمن الدولي بتغيير تكوينه الحالي الذي يقوم علي أساس 5 دول دائمة وعشر غير دائمة العضوية وكانت دول منها مصر والهند والبرازيل وايطاليا ونيجيريا وجنوب افريقيا وأنجولا واليابان وغيرهم يتنافسون علي المقاعد الدائمة حال تمرير مسألة توسيع مجلس الأمن , وهو باب أغلق وأنتهي الحديث بشأنه , فالمتغيرات التي حدثت في العالم بموجب أحداث تاريخية مؤثرة كإنهيار الإتحاد السوفيتي ومعه منظومة حلف وارسوعام 1991وإنهيار برجي التجارة في نيويورك في 11 سبتمبر 2001 وغزو العراق في ابريل 2003 وإقامة الولايات المتحدة لقيادتها العسكرية لأفريقيا AFRICOM في فبراير 2007 وبزوغ الصين كقوي دولية في مواجهة الولايات المتحدة و التغيرات الحالية بالشرق الأوسط التي أنشأت مناخاً تنافسياً مُستعراً بين القوي الكبري لدرجة أدت إلي إتساع مدي تعريف الشرق الأوسط بعد أن إمتد بفعل الإستراتيجيات العسكرية الإقليمية والدولية حتي إندمج مع القرن الأفريقي في مسرح واحد ممتد ألخ , كل هذه المُتغيرات وغيرها كثير ومُؤثر فرضت مدي أوسع للرؤية بقدر ما أعادت ثانية وبقوة أشد وجذور أعمق الإستقطاب الدولي والإقليمي لعالم اليوم مما لا يتيح فرصة لتغيير موضوعي للعقوبات الأممية , وربما هذا هو السبب الذي دفع بالولايات المتحدة للإستعاضة عن العقوبات الدولية بالعقوبات الأمريكية , ثم أننا لا يجب أن ننسي أن تاريخ العقوبات الأممية لا يجعل عاقل يعول عليها لأنها حتي وبعد أن تُفرض يتم العبث بها ممن وضعوها داخل نظام الأمم المتحدة فعلي سبيل المثال وليس الحصر كانت العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة علي رودسيا بموجب القرار رقم 277 لعام 1970عرضة للتلاعب بها إذ أن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا واليابان إستمروا في دعم حكومتي جنوب أفريقيا والبرتغال الداعمين الرئيسيين لنظام روديسيا العنصري ومن ثم أدي ذلك إلي خفض فاعلية العقوبات الأممية وشهد الإقتصاد الروديسي نمواً حتي بعد قرار العقوبات لأن دول عدة أبقت علي علاقاتها الإقتصادية بل وكثفتها بعد إنزال العقوبة علي روديسيا , أما في أيامنا هذه فأشير إلي أن أفريقيا الوسطي التي جرت فيها عملية إبادة جماعية لمسلميها بسبب تولي رئيس مسلم من حركة Silka رئاسة الجمهورية مما أثار مسيحيو هذا البلد المنهوب بأياد طغاة حكموه وفرنسا , فكونوا جبهة تُدعي Anti Balaka أعملت القتل في مسلمي أفريقيا الوسطي وانهت حكم الرئيس القادم من حركة Silka وذلك بحراسة القوة الفرنسية العسكرية في بانجي , ومن الصعب علي غير المُتخصص في الشأن الأفريقية رؤية الحقيقة في بانجي لأن الإعلام الفرنسي كالعسكرية الفرنسية مازال يتدثر بأثمال الفكر الإستعماري فلا فائدة تُرجي من الفرنسيين إلا من رحمهم الله تعالي من سفاهة وسقم الفكر الإستعماري ونحن في الألفية الثالثة علي كوكب الأرض , ففي أفريقيا الوسطي وكما أشارت مجلة EUNE AFRIQUE في 7 أغسطس يجد المرء السلاح يباع علي مرأي ومسمع العالم علي قارعة الطريق بالأسواق رغم أن هناك قرار صادر عن مجلس الأمن بالإجماع برقم 2339 عام 2017 يتضمن فرض حظر علي السلاح وعقوبات أخري علي جمهورية أفريقيا الوسطي , وأنا نفسي إلتقيت عام 1989 أثناء عملي بالسفارة المصرية في النيجر برجل أعمال يمني له مكتب لإدارة أعماله في سويسرا أعترف لي في سياق حديث عن العراق وحظر السلاح الذي فرضه مجلس الأمن عليه , بأن الدبابات الألمانية تصل كأجزاء للعراق من الموانئ الإيطالية وفي خط تجميع بالعراق يتم تركيب هذه الأجزاء ونوه إلي أن أسعار التوريد تكون بالضعف علي الأقل , ووبالإضافة إلي ما تقدم فهناك ثمة موضع للإشارة لوجهة النظر التآمرية عند النظر لموضوع العقوبات التي منها حظر السلاح , إذ أن مصر – كما أشرت – رفضت الموافقة علي مشروع القرار الأمريكي بمجلس الأمن والمُتضمن حظر السلاح علي جنوب السودان رغم أن الأمريكيين يعلمون أن مصر وإسرائيل وقوي دولية تورد السلاح إلي حكومة جوبا , فهل لا تستطيع الولايات المتحدة حتي بدون قرار مجلس الأمن حمل القاهرة وتل أبيب علي الإستجابة لرغبتها في فرض هذا الحظر علي توريد السلاح لجنوب السودان أم أن مصر وإسرائيل يطبقان مبدأ ” إن لم يصل مني السلاح إلي جوبا فسيصل إليها من غيري ؟ … هناك ثمة شك قد يرقي لمستوي الحقيقة وهو أن مجلس الأمن منصة دبلوماسية تتحقق بها أهداف ذاتية تتعلق حصرياً بالأمن القومي للدول الخمس دائمة العضو , فلماذا إذن تريدها مصر عقوبات مُعززة أو أشد وهي ككثير من الدول دورها عند تطبيق العقوبات ينحصر في أن تشارك فيها لكنها إن لم تشارك فلن تؤثر تأثيراً ضاراً يُذكر وهي في ذلك شأنها شأن دول كثيرة فالتأثير وقف علي القوي الكبري ذات الإقتصاد القوي المُستقل والتي لا تتلقي معونات .
تعلم القوي الدولية خاصة الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي أن هناك حديث متواتر عن تعزيز العقوبات الأممية وتعلم أن هناك ثمة إمكانية لتحقيق ذلك , إلا أن هذه القوي تترك حيزاً للحركة بين العقوبات بوضعها الحالي وما تطمح مصر وبعض الدول أعضاء الأمم المتحدة إليه في شأن تعزيزها وتعديل مفهومها , ولكن كل ما في الامر أن القوي الكبري من مصلحتها لأسباب تتعلق بإجراء الصفقات الدبلوماسية المُقفلة مع بعضها البعض بمجلس الأمن ترك هذا الحيز بين ما هو قائم وما هو مأمول لممارسة المناورة , وهو نفس ما حدث عندما طرحت مصر وبعض الدول ذات القوة الإقليمية مُقترح توسيع مجلس الأمن بزيادة عدد أعضاءه الدائمين وغير الدائمين , فقد تُرك باب النقاش مُشرعاً إلي أن أُغلق تدريجيا ليعود هذا الإقتراح إلي أدراج من تقدموا به فالدول دائمة العضوية بدرجة أو بأخري خاصة الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا قاموا بجهود تحتية لإحباط هذا التحرك منها التلاعب بالعواطف سياسية النزعة والأحقاد التاريخية بين الدول وبعضها البعض وحفز دول لا وزن لها للتقدم بمطالبة للإنضمام – في إطار مُقترح التوسيع – للدول دائمة العضوية أو غير دئمة العضوية , هذا بالإضافة إلي أن الدول التي قادت هذا التحرك في إتجاه التوسيع إنتابتها الأثرة والأنانية السياسية مما أعاد مُقترح التوسيع لنقطة الصفر , وهو- في تقديري – المصير المُنتظر لمقترح تعزيز العقوبات الأممية وتعديل مفهومها , من الغريب أن تجد أحدهم يطلب منك جعل السكين الذي سيذبحك به أمضي ليمعن في قتلك به .
القاهرة . تحريراً في 10 أغسطس 2017