اتفاق المصالحة الفلسطينية : الدوافع وفرص النجاح
اعداد الباحثة : اكرام محمد زيادة – المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
توصلت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وحركة “فتح” إلى توقيع اتفاق في القاهرة تتسلم بموجبه حكومة التوافق الوطني الفلسطينية التي يرأسها رامي الحمد الله السلطة في قطاع غزة.[1] وكانت حركة حماس قد أعلنت أواخر سبتمبر 2017 حلّ اللجنة الإدارية في غزة، واستعدادها للتخلي عن السلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الفصائل الفلسطينية كافة وفق اتفاق القاهرة الموقّع في مايو 2011 وملحقاته[2]، وإجراء انتخابات عامة. بهذا بدأ فصل جديد من اختبار العلاقة بين الحركتين أوّله فترة انتقالية هي المدة المقرّرة لتطبيق جميع بنود الاتّفاق . يقف هذا الاتّفاق الجديد أمام تحدي تحقيق الوحدة الوطنية أو الانهيار مجدّداً وتكريس ثنائية السلطة الضعيفة في الضفّة الغربية ودولة حماس في قطاع غزّة، وما يتبعه من خيارات شعبية محتملة ستحدّد مستقبل القضية الفلسطينية، كما تبرز أسئلة بخصوص دوافع حماس إلى قبول شروط لم تقبلها سابقًا لإنهاء حالة الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة في هذا الوقت تحديدًا، وحقيقة الأوضاع الإقليمية والدولية التي حرّكت ملف المصالحة، واحتمالات نجاحها.
الطريق الى القاهرة:
لم يكن الاتفاق الذي وُقّع في12 اكتوبر 2017 في القاهرة، أول محاولة لإنهاء الانقسام الذي عصف بحركة التحرر الوطني الفلسطيني منذ اثني عشر عام، فمنذ إعلان القاهرة في سنة 2005 ، مروراً بإجراء الانتخابات التشريعية في يناير2006 ، ووقوع الانقسام السياسي والجغرافي في يونيو 2007 ، حتى الآن، شهدت الساحة الفلسطينية سلسلة من الحوارات والمبادرات والاتفاقات الفلسطينية والعربية والدولية، كان أبرزها : “وثيقة الأسرى2005″، “اتفاق مكة2006″، “إعلان صنعاء2008″، الحوار الوطني الثنائي الشامل برعاية مصرية، والذي استمر فترة طويلة وانتهى بالورقة المصرية” اتفاق القاهرة 2011 ” الذي لم يقدم أي جديد، ولاحقاً توقيع “اتفاق الدوحة “2012 ، الذي لم يتمكن رئيس السلطة برغم حرصه على توقيعه بنفسه على توقيعه بنفسه مع خالد مشعل رئيس حركة حماس برعاية قطر من تطبيق ما ورد فيه، والفشل في تفعيل “اتفاق القاهر الثاني 2012”. ليتجه الفلسطينيين إلى توقيع “اتفاق الشاطئ” في غزة في ابريل 2014، دون رعاية أحد، فيما اعتبر اختراقاً مهماً بإعادة حكومة غزة الى السلطة وتخلى حماس عنها ووضعها بتصرف رئيس السلطة لتشكيل حكومة التوافق الوطني والذي لم يتمكن أيضاً من الإقلاع بالمصالحة الفلسطينية. لتعلن حماس في مارس 2017 إعلان لجنة إدارية بديلاً عن حكومة الوفاق لإدارة القطاع، والتي طالب الرئيس محمود عباس حركة حماس بحلها، ولم يتم الاستجابة للطلب، لترد السلطة بإجراءات عقابية وخطوات غير مسبوقة تجاه حركة حماس، ومما عقد الأمور والأوضاع في قطاع غزة، لتبقى المصالحة بعيدة المنال.
إن توقيع الاتفاقات وانهيارها بعد الشروع في تطبيقها كاتفاق مكة، أو قبل أن يجف حبر توقيعها كـ”إعلان صنعاء” الذي انهار بعد ساعات، أو الاستمرار في الحوار بشأنها طويلاً مثل الورقة المصرية، أو تعليقها حتى إ شعار آخر مثل مصير “اتفاق القاهرة”، و”الدوحة” و”الشاطئ ” أمور كلها أوجدت مخاوف متزايدة من أن المصالحة أصبحت ”عملية” مصالحة من دون مصالحة”، مثلما حدث مع عملية السلام المستمرة منذ ” مؤتمر مدريد” في سنة 1991 كـ ”عملية” من دون سلام.[3] كما دلت تجارب اتفاقات المصالحة السابقة على أنها تأثَّرت دومًا بعاملين أساسيين، وهما: التباين في حسابات الأطراف الفلسطينية الداخلية وانحيازاتها السياسية والأيديولوجية؛ وتضارب مصالح القوى الإقليمية المؤثِّرة على الأطراف الفلسطينية وطابع علاقتها بإسرائيل.
لماذا المصالحة الآن:
تلاقت مصالح داخلية فلسطينية وإقليمية في دفع فتح وحماس إلى الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية يعقبها عدد من الانتخابات. وكانت حظوظ نجاح هذا الاتفاق أوفر هذه المرة؛ لأن مصالح القوى التي دفعت إليه أقوى من التباينات بينها.
- أولاً: عوامل داخلية
جاء اتفاق المصالحة الأخير تجسيدًا لالتقاء المصالح بين حركة حماس من جهة، وحركة فتح والسلطة الفلسطينية من الجهة الثانية. اذ بشكل مفاجئ وبتفاهمات مع مصر، غيرت حركة حماس نهجها وأعلنت عن حل ” اللجنة الادارية ” . فما الذي دفع حماس لفعل ذلك؟ وللإجابة على هذا التساؤل سوف نرصد عده دوافع لذلك:
1- إن تحقيق المصالحة سيُعفي الحركة من تبعات إدارة حكم قطاع غزة الباهظة، سيما بفعل الحصار الذي أضرَ بشكل كبير بالأوضاع الاقتصادية ويوشك على شل قطاع الخدمات بشكل نهائي. وقد فاقم الأوضاع سوءًا جملة العقوبات التي قررها الرئيس في ابريل 2017، ضد القطاع لإرجاعه لحضن شرعية السلطة الفلسطينية، الذي يعاني أوضاعاً مأساوية جراء ارتفاع نسب الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي وسوى ذلك من الأزمات، ومن بين إجراءات قيام السلطة بخصومات على رواتب موظفيها في القطاع، وقطع بعضها، وإحالة آلاف الموظفين إلى التقاعد المبكر، وتقليص الكهرباء المقدمة لقطاع غزة ، وتقليصات في التحويلات الطبية، والتهديد بإجراءات وعقوبات أخرى لاحقة ، إلى جانب دعوات “إسرائيل” إلى حل الأونروا، ما زاد من معانة القطاع.
2-كانت حماس قد حاولت الالتفاف على اجراءات السلطة العقابية من خلال لجوئها للاتفاق مع التيار الثاني في “حركة فتح” وندّ الرئيس عباس السيد “محمد دحلان”، والمدعوم من مصر ودول خليجية، خاصة وقد بدأ بالفعل إجراء تفاهمات مع الطرفين، ولقاءات مستمرة بين وفد من قطاع غزة ووفد من “تيار دحلان” ، وبرعاية مصرية غير رسمية، بالترافق مع إجراءات تسهيل دخول وقود من معبر رفح، والحديث عن فتحه بشكل مستمر مطلع شهر سبتمبر، واستثمارات إمارتية بالملايين في قطاع غزة، بيد أنه تبين لقيادة حماس أن التفاهمات مع دحلان لا تضمن بالمطلق احتواء مفاعيل الحصار وتقليص الآثار الناجمة عن العقوبات التي اتخذها عباس. ف اختارت حماس في النهاية التوافق مع عباس، على اعتبار أن الدخول في مواجهة مع إسرائيل في ظل الظروف الإقليمية والدولية والداخلية السائدة حاليًّا سيُفضي فقط إلى المس بمكانتها السياسية ويلحق ضررًا كبيرًا ببنيتها العسكرية، علاوة على أنه سيفاقم تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في القطاع.
3- من جهة اخرى حدوث تغير في إستراتيجية رؤية حركة حماس، فمن الممكن أن تكون حركة حماس قد توصلت إلى قناعات أن الخارطة السياسية الاقليمية قد تغيرت، وأنها بصدد تغيير منظومة التحالفات لديها. فكانت وثيقتها السياسية في أول مايو 2017 بمثابة برنامج سياسي، كما وانتخبت قيادة جديدة إنعكاساً لرؤيتها المستجدة، ، وهما عاملان مهمان يشيران إلى التغيير والتكيف المطلوبين من قبل حماس حتى تواصل الحياة وهذا يُسجل لها لا عليها، وقد تم ذلك قبل المصالحة، اذ كانت وثيقتها وقيادتها بمثابة المقدمة، بل والأرضية التي تمت على أساسها سلسلة التفاهمات في القاهرة ورعايتها مع تيار دحلان فوصولاً إلى المصالحة مع الرئيس عباس وحركة فتح؛ ما يعكس دينامية قيادتها وسرعة التكيف لديهم.
4- تواجه الحركة ردود فعل شعبية سلبية متزايدة حيث انخفضت شعبيتها في القطاع حسب الاستطلاعات. وتشكّل المصالحة طوق نجاة لها للتخلّص من أعباء الحكم المنفرد في ظلّ الحصار، واستعادة مكانتها بوصفها حركة مقاومة. كما أنّ توقيع المصالحة يُنهي الضّغوط الأمنية التي تمارسها أجهزة السلطة في الضفّة على عناصر “حماس”، وتؤكّد جديّة الحركة وحرصها على استعادة وحدة الضفّة والقطاع.
5- بعد عقد على سيطرة حماس على مقاليد الحكم في قطاع غزة، تعقدت الأمور وتغيرت قواعد اللعبة مع الأزمة الخليجية المتفاقمة بعد وضع الولايات المتحدة الأمريكية “حركة حماس” في قائمة الإرهاب مع “تنظيم داعش” و”القاعدة” والإخوان المسلمين”. مصحوبة بالإفصاح عن مظاهر شراكة استراتيجية بين “إسرائيل” وأطراف عربية. ما استدعا رغبة “حركة حماس” دخول اللعبة السياسية، خاصة بعد أن كثر الحديث مؤخراً عن وجود ما يسمي “صفقة القرن”، والتي يمكن رصدها من خلال التحرك الأمريكي الروسي الصيني دولياً، والمصري التركي السعودي إقليميا. لذا تحاول حركة حماس أن تكون جزءاً من هذه اللعبة السياسية خشية من توصل السلطة الفلسطينية برئاسة عباس مع الكيان الصهيوني إلى صفقة القرن بعيداً عن حركة حماس، لتجد الحركة نفسها وفي المنظور الدولي والاقليمي بأنها حجر العثرة الواجب ازالته.
6- رغبة حماس بالتودد من النظام المصري بعد قطيعة وتوتر لأربع سنوات، من خلال اقتناعها أخيراً أن حجر الزاوية في المسألة الفلسطينية هي مصر، وهي القادرة فقط أن تؤثر على مسألة حصار غزة. خاصة بعد فشل حلفائها السابقين على مدار الـحد عشر عاماً السابقين سواء حلف (سوريا ايران) السابق، أو (حلف تركيا قطر) الحالي من اختراق الحصار على قطاع غزة وتخفيف حدته.
بالمقابل فإن للسطلة الفلسطينية والرئيس عباس و”حركة فتح ” دوافع عديدة لاجراء مصالحة مع حركة حماس، وتوقيع اتفاق القاهرة الجديد، منها:
1- سعي قيادات من الصف الأول والثاني في “حركة فتح” إلى تنشيط القواعد الشعبية للحركة، التي تآكلت بشكل كبير في السّنوات الماضية، لاستمرار تعطل العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين والتي تتبناها حركة “فتح”، مما أوقع قيادة “فتح” وسلطتها في رام الله في حرج شديد بعد التزامها بكافة واجباتها نحو الحفاظ على أمن دولة الاحتلال في المقابل تنصل “اسرائيل” من كافة التزاماتها مما خلق حالة من السخط لدي المواطن في الشارع الفلسطيني على السلطة الفلسطينية في رام الله وتشبيهها بذراع أمني للاحتلال لا أكثر؛ لذا تسعي السلطة لتغيير هذه الصورة الذهنية والعمل نحو إتمام المصالحة الفلسطينية.،
2- تستفيد السّلطة من المصالحة أيضاً كونها قد تخفّف من وطأة الفشل الذريع في المفاوضات مع إسرائيل. لذا ربما تسعي السلطة الفلسطينية استخدام ورقة المصالحة مع حركة حماس كورقة ضغط على الاحتلال الاسرائيلي والادارة الامريكية؛ مفادها بأنه في حال فشلت الادارة الامريكية في إحياء العملية السلمية؛ فإن السلطة الفلسطينية سوف تتجه إلى مصالحة مع حركة حماس كما أنّ عباس يحتاج إلى المصالحة لدعم مشروع الدولة الفلسطينية الموحّدة في الضفة الغربية وقطاع غزة أمام الأمم المتحدة والعالم.
3- خشية السلطة الفلسطينية من إغلاق كافة أبواب المصالحة أمام حركة حماس، من ذهاب الأخيرة إلى الاستفراد الكامل بقطاع غزة مما يؤدي إلى فصل كامل ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ، ولجوء حماس لتطبيق خطة الجناح العسكري لحماس “كتائب القسام” المسربة في أغسطس 2017، والتي تتلخص في إحداث حالة فراغ سياسي وأمني بغزة، ما قد يفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات بما في ذلك حدوث مواجهة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي. مما سيضعف من سلطات الرئيس الفلسطيني داخليا وخارجيا
4- رغبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مواجهة تيار محمد دحلان المتصاعد والمدعوم سياسياً ومادياً من قوى عربية وخليجية مؤثرة، والذي بدأ يعمل مؤخراً للعودة إلى دائرة الضوء مجدداً بعد ـأن تم الإعلان عن وصول محمد دحلان وحركة “حماس” إلى جملة من التفاهمات مؤخراً ، بالتالي فإن عباس محتاج للاتفاق مع حماس، سيما بعد قبول حماس لشروطه، لكي يضمن تجفيف البيئة السياسية التي يمكن أن تساعد دحلان على تحسين مكانته الداخلية بدعم من القوى الإقليمية.
5- رغبة السلطة الفلسطينية في التماشي مع الجهود المصرية، في ظل قناعات السلطة أن الاشكاليات مع حركة حماس في التفاصيل وليست في العناوين العامة، وبالتالي لا ضرر من توقيع الاتفاق، وكسب الطرف المصري، طالما ان التفاصيل ستفشله لاحقاً.
6- تنامي القناعات لدي حركة “فتح” وقيادات السلطة الفلسطينية وبعض الأطراف الإقليمية والدولية بأنه لا يمكن القضاء على حركة “حماس”، فعلى الرغم من مرور عشر أعوام على وقوع الانقسام، لم تستطع حركة ”فتح ” أن تهزم حركة ”حماس”، أو أن تفرض شروطها عليها، بل إن سلطة ”حماس” صمدت على الرغم من الثمن الغالي الذي تكبدته جراء الحصار والعدوان والمقاطعة العربية والدولية، كما أنها استغلت أعوام الانقسام لتعميق سيطرتها، وإيجاد مؤسسات و أوضاع ومصالح على مختلف المستويات والصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والقضائية، تجعل خسارتها السلطة بالقوة عبر تحركات شعبية أو أحداث أمنية أو جراء العدوان الإسرائيلي أكثر ، وبالتالي الاقتناع بأن الحل الوحيد للتعامل مع “حماس” هو التصالح فقط.
مع الاشارة الى ان هذه العوامل الداخلية كانت قائمة، وقد دفعت الطرفين إلى التفاوض عدة مرات، ولكنها لم تتفق . ولكن هذه المرة المتغير الخارجي أجبرها على الانتقال من التحاور إلى الاتفاق، فقد تغيّر الوسيط ذاته.
- ثانياً: العوامل خارجية
تبذل مصر جهوداً كبيرة في ملف المصالحة الفلسطينية مؤخراً، وهو موقف مغاير نوعاً ما عن مواقف مصر في السنوات الأخيرة. لتثار العديد من التفسيرات حول أسباب الاهتمام المصري بملف المصالحة الفلسطينية، فمن ناحية يسعى النظام المصري إلى تعزيز مكانته الاقليمية واعادة الدور المصري المؤثر بالمنطقة بعد أن خطفته منه قطر وتركيا وايران في السنوات السابقة، لذا يسعي لإثبات نفسه كلاعب اقليمي هام من خلال تواجده المؤثر على الساحة الفلسطينية، خاصة بعد تراجع دور تركيا بسبب أزماتها الداخلي والاقليمية، وانحصار دور قطر بعد الأزمة الخليجية وفرض حصار خليجي عربي عليها، مما يجعل مصر تخترق أهم ملفين على الساحة الفلسطينية حاليا، الأول “صفقة القرن”؛ الثاني “صفقة تبادل أسري ” قد تكون مصر هي الوسيط فيه ما بين المقاومة الفلسطينية و”اسرائيل”. من جهة اخرى وربما باتت مصر على قناعة أن تقارب حماس مع مصر سيعزز من قدرة الجيش المصري في مواجهة المجموعات المسلحة. في حال تم تفعيل التعاون الاستخباراتي والأمني فيما بينهم. وكانت الترتيبات الأمنية أهم مرتكزات التفاهمات بين حركة حماس والنظام المصري؛ وقد شملت إقامة منطقة عازلة يبلغ طولها نحو 12 كيلومترًا وعمقها نحو 100 متر على امتداد الشريط الحدودي بين غزة ومصر، ونشر منظومة مراقبة بالكاميرات، تهدف إلى “السيطرة التامة على الحدود الجنوبية ومنع التسلل والتهريب بشكل كامل[4]، وتعهّدت حماس بالتضييق على الجماعات المتشددة وضبط الحدود ومنع تسلل أيّ عنصر من قطاع غزة وإليه. وقد أبدت حماس جدية في تنفيذ مسؤولياتها؛ إذ تعرضت قوة من جهاز الضبط الميداني المختص بضبط الحدود في قطاع غزة على إثر ذلك لتفجير انتحاري بعد اعتراضها خلية أثناء محاولة تسللها إلى الأراضي المصرية وقد يعد العامل الاقتصادي دافعاً كبيراً لمصر من أجل تحقيق مصالحة فلسطينية، تنجح فيه مصر من الانفتاح على قطاع غزة.
في المقابل قد يشكل الدور الأميركي دافعا للتحرك المصري ، لإنجاح رؤية استراتيجية يمتلكانها وهي ما اعلن عنها ترامب والسيسي بإسم “صفقة القرن”[5]، وفسر وزير الخارجية المصري، سامح شكري، ما قصده الرئيس السيسي بـ “قضية القرن” بالقول: إن الحديث متصل عن أولويات الدول العربية بشأن قضية السلام وتحقيق الاستقرار في المنطقة وإزالة الصراع وتأثيره على المنطقة، ومرتبط أيضا بإزالة التهديدات المرتبطة بالإرهاب؛ لأن هناك ارتباطا بين الأمرين، وهناك مصلحة بأن يتم التعامل بإيجابية معهما[6]. لذا قد يكون البدء بتوحيد الموقف الفلسطيني كمقدمة لإنجاح مبادرة ترامب للسلام، وهو ما يفسر رفع الفيتو الامريكي عن اتفاق المصالحة برعاية مصرية وترحيب اللجنة الرباعية والولايات المتحدة به.
فيما تشير توقعات وتحليلات قرب مواجهة عسكرية بين اسرائيل وحوب الله خاصة بعد فشل الرهان الإسرائيلي على تقسيم سورية، وتحقيق محور الممانعة لنصر تكتيكي على المجموعات المسلحة في سوريا، ما يعني بأن المصالحة جاءت بمباركة اسرائيلية وامريكية بهدف لتحييد حماس عسكريًا من الحرب التي ستشنها “إسرائيل” عاجلاً أم آجلاً في الجبهة الشمالية.
خاتمة وسيناريوهات:
تغاضى الاتّفاق الفلسطيني الجديد والمبنى على ورقة التفاهم 2011 عن أبرز قضيّتين خلافيّتين، وأرْجأَهما “فنياً” إلى المرحلة الانتقالية التي تستغرق عاما كاملاً، فلم تُحسم قضايا الملفّ الأمني الأساسية وهي: أولاً، طريقة استيعاب العناصر التابعة لـ “فتح” و”حماس” في الأجهزة الأمنية وما يعنيه من مواصلة دور هذه الأجهزة في التّنسيق مع إسرائيل، ثانياً، الحقّ في الإبقاء على سلاح المقاومة بوصفه حقًّا مشروعاً طالما بقي الاحتلال قائماً ، كما تغاضى الاتّفاق عن موضوع تحديد الموقف من المفاوضات.
ولكن لا يمكن الحكم نهائياًّ على فرص نجاح الاتّفاق بين ” فتح” و”حماس” على ضوء فشل تجارب سابقة. إذ أنّ هناك عوامل داخلية وخارجية تتقاطع في تغليب النجاح والفشل في ذات الوقت. والمتغير في المصالحة الجديدة أنها جاءت نتيجة التحوّلات العميقة في الوطن العربي والاقليم.. بناءً عليه يقف اتّفاق المصالحة الجديد أمام عدة مفترقات رئيسة وسيناريوهات:
– السيناريو الأول، تنفيذ اتفاق المصالحة بشكل جزئي، عبر السماح لحكومة التوافق برئاسة “الحمد الله” لممارسة مهامها في غزة، أو الاتفاق على حكومة وفاق جديدة برئاسة شخصية توافقية جديدة، والوصول لحلول جزئية في مشكلة الطاقة الكهربائية، والمعبر من خلال تسلم الحرس الرئاسي التابع للرئاسة الفلسطينية معبر رفح البري من أجل إتاحة الحركة أمام الراغبين في السفر، مع الإبقاء على بعض المشاكل الخاصة المتعلقة بحركة حماس وأبناؤها الموظفين والبالغ عددهم 47 ألف موظف عالقة و.دون تنفيذ باقي النقاط المتفق عليها من توحيد المؤسسات الأمنية والتمهيد لانتخابات تشريعية ورئاسية ورفع الحصار بالكامل عن قطاع غزة، واصلاح (م. ت. ف) . وبالتالي بقاء المصالحة صورية فلا تنهار ولا تُطبق، لأن هناك فوائد ملموسة لطرفي النزاع الداخلي من إبقاء المصالحة على وضعها الحال. وهذا السيناريو هو الأكثر احتمالية لتحققه لتوافقه مع مصالح “حماس” بالتهرب من التزاماتها تجاه القطاع، والتخفيف من حدة الإجراءات العقابية من الرئيس عباس، وكذلك توافقه مع مصالح حركة فتح، والرئيس عباس. وهو ما سيرافقه عودة التجاذبات السياسية والتراشق الاعلامي بين الطرفين.
– السيناريو الثاني، أن ينتهي الاتّفاق إلى الفشل، إذا كان محوره الانتخابات، وليس اصلاح بنية النظام السياسي الفلسطيني واعادة هيكل المؤسسات الوطنية واصلاح ما افسده الانقسام، ففي هذه الحالة قد يفشل اتفاق المصالحة.
– إمّا قبل الوصول إلى الانتخابات، نتيجة لفشل حكومة التوافق برفع الحصار عن غزة واستمرار إغلاق المعبر؛ وتنصل الحكومة عن استحقاقات قطاع غزة المختلفة بشكل متعمد. مما قد يجعل المصالحة لا قيمة لها، خصوصا وأن الشيء الأساسي المرجو من المصالحة هو رفع الحصار عن غزة، وكذلك اتباع ومواصلة أبو مازن سياسة الانفراد بالقرار واستخدام مصطلحات توتيريه مع حركة حماس، ومماطلته في عقد الإطار القيادي لمنظمة التحرير بعد ان تقرر دخول حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” فيه كما حصل مسبق، أو قد تخضع السّلطة إلى ضغوط ماليّة تمارسها “إسرائيل” وواشنطن لإجهاض الاتّفاق وإعاقة إنجاز بنوده، دون تحقيق أيّ اختراق سياسي على صعيد المفاوضات، ما يتسبّب في دفع “حماس” للسّيطرة على قطاع غزّة مرةً أخرى. إذ من المستبعد أن تتخلى الحركة عن تفوّقها الأمني في القطاع من دون إنجاز تقدّم ملموس يُفضي إلى دولة فلسطينية على حدود 1967 تقرّها “حماس”. او استمرار السلطة للحديث عن نزع سلاح المقامة او تداول موضوع انفاق المقاومة كما صرح ناطقين باسم فتح عن جولة تحت الارض لحماس، وهو ما سيرفضه الجناح العسكري لحركة حماس ” كتائب عز الدين القسام “، والذي قد يضطر لاعادة الاشتباك مع القوى الامنية فرض سيطرته على القطاع ، أو من خلال إعلان “اسرائيل” الحرب على غزة، بهدف خلط الأوراق وبالتالي “في حالة أي حرب جديدة على غزة ” من المتوقع العودة إلى تراشق الاتهامات بين فتح وحماس، فمن المتوقع أن تتهم حركة فتح حركة “”حماس بأنها تجر الشعب للدماء، وكذلك تتهم “حماس” حركة فتح بأنها متعاونة مع الاحتلال.
– أو مع إجراء الانتخابات نفسها. حيث أنّ أيّ عملية انتخابيّة في ظلّ سلطة تحت الاحتلال لن تكون نتائجها مقبولة من الطّرف المهزوم سواء كان “فتح” أو “حماس”، وقد جرّب الفلسطينيون الانتخابات قبل تحقيق السّيادة والاستقلال و خبروا نتائجها.
– السيناريو الثالث، اقتناع القوى المتنازعة سواء تحت وطأة التهديدات الإسرائيلية المستمرة للأراضي والمقدسات الفلسطينية، أو تحت وطأة ضغط وانفجار شعبي نتيجة لتدهور أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، لتدارك الأمر وتطبيق اتفاق المصالحة بكل بنودة بشكل جدي ومتتابع أو متوازٍ، بحيث يكون شكلاً من أشكال التعايش بين سلطتين وبرنامجين، والتمهيد فعلياً لأجراء انتخابات تشريعية، ورئاسية مع غطاء وحدوي يمكن أن يساعد على عدم تعميق الانقسام وجعله ينتهي إلى غير رجعة.
– السيناريو الرابع : شروع الفلسطينيين في شق مسار سياسي جديد، والدخول في حوار وطني وشامل جديد، يتجاوز أخطاء الحوارات والمبادرات السابقة من اتفاقات لمحاصصة وتقاسم سلطة، إلى اتفاقات لاعتماد إستراتيجية وطنية شاملة تجمع بين المقاومة الشاملة والمقاطعة والتحرك السياسي الدولي، وتبدأ بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس برنامج وطني وشراكة حقيقية وأسس ديمقراطية. وهو ما نراه مستبعد في الوقت الحالي، يبقى هدفاً استراتيجياً لجميع القوى الفلسطينية، إلا أن أغلبية المؤشرات العملية تدل على أن الانقسام مرشح للاستمرار بأشكال اخري، وبالتالي هذا السيناريو مستبعد بالوقت الحالي.
مما لا شك فيه أن الحوار الوطني وتحقيق المصالحة يعوقه الكثير من العقبات، إلا انه يبقى أداة إستراتيجية لتصويب مسار الحركة الفلسطينية، فالشعب الفلسطيني وقواه وفصائله أحوج ما تكون من أيّ وقتٍ مضى لمصالحة وطنية تنهي الانقسام وتعزز الوحدة من أجل مواجهة تحديات المشروع الصهيوني الذي يسعى لسلب ما بقي من الأرض، وتهويد القدس والاستيلاء على المقدسات، بل وإنهاء القضية الفلسطينية. وليست المسألة هنا مسألة محاصصة أو تقسيم سلطة أو توزيع مكاسب، بل هي مسؤولية وطنية لحماية ثوابت وحقوق شعبنا، وإنهاء الاحتلال وتقرير المصير كشعب حر مستقل صاحب سيادة على أرضه وفي وطنه.
نظرا للصورة المعقدة في المشهد الفلسطيني والاقليمي والدولي، يبقي من الصعب ترجيح سيناريو عن آخر، إلا أن تقدير الموقف الحالي يرى أن السيناريو الأول هو الأقرب على المنظور القريب، وفي نفس السياق تأتي أهمية الإشارة إلى أنه من الوهم الاعتقاد بأن المكتب السياسي الجديد لحركة “حماس” في غزة (السنوار والعاروري) قادر على أن يحقق ما لم يُحققه الآخرون. لأن ملف المصالحة مرتبط بتغيرات إقليمية ودولية في المقام الاول، ولمشكلات بنيوية وجئرية بالنظام السياسي الفلسطيني، ولعل المسار الأفضل لاختبار نوايا حقيقية لعلاج المأزق الفلسطيني البدء بملف منظمة التحرير الفلسطينية، والبدء بترتيب البيت الفلسطيني نفسه، والاتفاق على برنامجه الوطني، وتحديد أولوياته الوطنية. وعند ذلك يكون موضوع حكومة السلطة وانتخاباتها هو أحد تجليات وتطبيقات البرنامج الوطني، وتكون السلطة الفلسطينية نفسها هي إحدى أدوات تطبيق هذا البرنامج، بعيداً عن الهيمنة والإملاءات الإسرائيلية والأميركية.
[1] تم الإعلان في 12 اكتوبر 2017 عن البيان الرسمي لاتفاق المصالحة في مؤتمر صحافي لكل من عضو المجلس الثوري في حركة فتح عزام الأحمد وعضو المكتب السياسي لحركة حمس صالح العروري، ، الذي نصّ على أنّ “الحركتان اتفقتا على إجراءات تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة كما في الضفة الغربية، بحد أقصى يوم 1/12/2017 مع العمل على إزالة كافة المشاكل الناجمة عن ذلك”.
[2] شمل الاتّفاق تفاهماتٍ على إنجاز النقاط التالية:1-توقيع ورقة المصالحة المصريّة وتفاهمات دمشق. 2- تشكيل محكمة انتخابية يتمّ التوافق على اختيار أعضائها الـ 12 .3- إجراء انتخابات رئاسيّة وتشريعية وانتخابات المجلس الوطني خلال فترة لا تزيد على عام واحد من تاريخ توقيع الاتّفاق. 4- تشكيل لجنة مشتركة لمناقشة إعادة هيكلة منظّمة التحرير برئاسة عبّاس. 5- تشكيل مجلس أعلى للأمن، حيث تنازلت “حماس” عن شرط استبدال المهنية بالوطنية في تشكيل الأجهزة الأمنيّة، وتنازلت “فتح” عن شرط إعادة بناء الأجهزة الأمنية في غزّة، وقبلت بأن تبقى المنظومة الأمنية كما هي مع تدعيمها بثلاثة آلاف عنصر من السّلطة. 6- تشكيل حكومة مؤقّتة مكوّنة من مرشّحين مستقلّين يتّفق عليها الطّرفان. مهمتها تهيئة الظروف لانتخابات رئاسية وتشريعية وانتخابات مجلس وطني، و الإشراف على تنفيذ بنود الورقة المصرية، والتعامل مع القضايا الأمنية والإدارية النّاجمة عن الانقسام الفلسطيني. ومواصلة بذل الجهود التي تهدف لإنهاء حصار إسرائيل لغزّة وإعادة إعمار القطاع.
[3] المصري، هاني: آفاق عملية المصالحة، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 88، 2011، ص13.
[4] الداخلية تشرع بتنفيذ مرحلة جديدة على الحدود الجنوبية”، موقع وزارة الداخلية والأمن والوطني، دولة فلسطين، 28 يونيو 2017، على الرابط التالي: http://bit.ly/2kAaNEM
[5] خلال زيارة الرئيس السيسسي للببت الأبيض في 2 ابريل 2017، أفصح الرئيس ترامب في مقابلة مع الرئيس المصري لوسائل الاعلام ، عن نيته عقد مؤتمر موسع في واشنطن في صيف هذا العام تحضره عدة دول عربية وطرفي الصراع، إسرائيل والفلسطينيين، لبدء المفاوضات وانجاز تسوية مرضية للطرفين، بحيث سيتولى الرئيس ترامب مهمة الضغط على إسرائيل فيما ستتولى الدول العربية مهمة الضغط على الفلسطينيين لإنجاز الصفقة المأمولة.
[6] موقع الوفد، فيديو.. الخارجية تكشف ما قصده السيسي لـ”ترامب” من “قضية القرن” 3، أبريل 2017، متاح على الرابط التالي:
https://m.alwafd.org/%D9%85%D9%8A%D9%80%D8%AF%D9%8A%D8%A7/1487597-%D9%81%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%83%D8%B4%D9%81-%D9%85%D8%A7-%D9%82%D8%B5%D8%AF%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D9%84%D9%80-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%85%D9%86-%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%86