تداعيات الأزمة اليمنية على دول مجلس التعاون الخليجي منذ “2011 “
اعداد : عمرو صبحي – باحث في العلاقات الدولية
- المركز الديمقراطي العربي
تُشكل الجمهورية اليمنية بالإضافة لدول مجلس التعاون الخليجي الست ما يُعرف ب”شبه الجزيرة العربية”. وتعد اليمن بمثابة البوابة الجنوبية الغربية لهذا الإقليم الممتد، في حُين تُعد دول مجلس التعاون الخليجي بمثابة العمق الإستراتيجي لليمن والضامن للاستقرار والاستمرار الاقتصادي. حيث تباينت رؤية كلا الطرفين لبعضهما البعض، ففي الوقت الذي ينظر فيه الخليجيون لليمن منذ ستينيات القرن الماضي على أنَ هذا البلد يمثل تهديد استراتيجي ينبغي الحذر منه والتصدي لمخاطره المباشرة وغير المباشرة، فإنَ اليمنيين يرون في دول مجلس التعاون الخليجي ضامن للبقاء والاستمرار الاقتصادي للبلاد من خلال فتح أسواق العمل الخليجية لليمنيين، أو من خلال تقديم المساعدات والقروض الميسرة.
يرجع تعرقل مسيرة التحول الديمقراطي في اليمن إلي البنية الاجتماعية القبائلية والسياسية التسلطية من جانب، وغياب الثقافة الديمقراطية من جانب آخر، وتردي الأوضاع التنموية والسياسية والاقتصادية وأجواء الاضطراب الداخلي واحتمالية انتقال هذه الإضطرابات إلي دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية ثالثة، هو الأمر الذي جعل منه مصدر تهديد جوهري لدول مجلس التعاون الخليجي مما جعلها تتدخل لحل الأزمة اليمنية واعتمادها على استخدام الأداة العسكرية، من خلال التحالف الذي بادرت به المملكة العربية السعودية. ومن ثم شن عاصفة الحزم، على غرار عاصفة الصحراء، ضد المليشيات الحوثية المدعومة من إيران ومن أتباع نظام المخلوع على صالح من جهة، والمُضى في استخدام أدوات دبلوماسية من خلال تحالفها الأخير مع الرئيس المخلوع على صالح من جهة آخرى. ثم مقتل على صالح في الرابع من ديسمبر لسنة 2017، لتأخذ الأزمة اليمنية منعطف جديد.
تسعى الدراسة لتناول جذور وأسباب وتطورات الأزمة اليمنية، كما تركز على الموقف الخليجي من الأزمة، بالإضافة إلى تداعيات الأزمة اليمنية على دول مجلس التعاون الخليجي. ثم طرح الرؤى والمآلات للوصول إلى يمن آمن.
أولاً: الأزمة اليمنية: الجذور والأسباب والتطورات
تنقسم أسباب الأزمة اليمنية إلى أسباب داخلية، من عدم الرضا على ممارسات النظام السياسية، وتردى الأوضاع الإقتصادية، والطبيعة القبلية والسكانية للمجتمع اليمن. كما تنقسم إلى أسباب إقليمية، حيث تقع اليمن على طرف النظام الإقليمي الخليجي. فموقع اليمن الإستراتيجي الحيوي جداً لليمن من جهة، وتجاوره مع منطقة الخليج العربي من جهة ثانية، وتدهور الأوضاع الداخلية من جهة ثالثة، يجعل الأزمات والنزاعات اليمنية الداخلية تؤثر مباشرة في الأوضاع في الجوار الخليجي، والعكس صحيح. فقد أثرت حربي الخليج، الأولى والثانية، على الأوضاع الأمنية والإقتصادية في اليمن .
1 – الأسباب الداخلية للأزمة اليمنية
لقد تفاقمت في اليمن مرحلة جديدة من الأزمة لم تقتصر على طرفي النظام السياسي المتمثل في (السلطة والمعارضة) بل أصبحت أزمة مجتمعية شاملة ومركبة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية، أنتجتها تراكمات سلبية أظهرت افتقار النظام السياسي بطرفيه (السلطة والمعارضة) إلى عدم القدرة على الأخذ بجوهر مبادئ وأهداف النموذج الديموقراطي، وانتشار ظاهرة الفساد، وارتفاع معدلات البطالة، واتساع رقعة الفقر، وتدني مستوى الدخل القومي، وانخفاض معدلات التنمية، وتفاقم وتيرة الكراهية والخصام بين مكونات البناء الاجتماعي اليمني الواحد. وتركز الدراسة على أهم الأسباب الداخلية للأزمة كالتالى:
أ – الأسباب السياسية
انطلقت ثورة الشباب اليمني في الحادي عشر من فبراير لعام 2011. فلقد كرَس هذا اليوم خطًّا فاصلًا بين منظومتين للقوى السياسية والقبلية والعسكرية والمالية في اليمن؛ تمثلت الأولى في المجموعة التابعة للسلطة تحت قيادة الرئيس على عبدالله صالح، في حين مثلت المنظومة الثانية مجموعة القوى التي كانت خارج مظلة السلطة. حيث كان الصراع سياسياً وليس طائفياً، بين شرعيتين، الأولى منتخبة والتى تمثل السلطة الحاكمة في هذا التوقيت، والأخرى الشرعية الشعبية الثورية، والتي سرعان ما تبلورت لشرعية سياسية. تموضع الانقسام السياسي في العاصمة صنعاء بثقل كبير عن باقي محافظات اليمن، حيث تجمعت المعارضة في شارع الستين وأطلقت على هذه الساحة بــــــ “ساحة التغيير”، في الوقت الذي احتشد التيار المؤيد للسلطة في “ميدان السبعين” والقريب من دار الرئاسة اليمنية.
لقد انبثقت أحداث جديدة بعد المبادرة الخليجية التي وُقعَت في 23 نوفمبر 2011، لتؤسس للمرحلة الإنتقالية وتنسيق الحوار الوطني، حيث لم تكن سوى مهدأ للانقسامات في الشارع اليمني والتي وصل تأثيرها للمؤسسة العسكرية اليمنية. هذا وقد انتقلت السلطة رسمياً في الخامس والعشرين من فبراير 2012 للرئيس عبد ربه منصور هادي، لينتهي بذلك حكم على عبد الله صالح رسمياً. وبعد أن خرجت البلاد من مرحلة الحوار الوطني بالتوافق على مجموعة من الأُطر النظرية التي من المفترض أن تؤسّس للبناء السياسي والدستوري في البلاد، أخذ الانقسام في الظهور بطريقة أكثر خطورة.
اقتحم الحوثيون مدينة دماج بمحافظة صعدة شمال اليمن، في الأول من أغسطس لعام 2013، مما أسفر عن سقوط عشرات القتلى في مواجهات عنيفة. توالت المعارك العنيفة حتي سيطر الحوثيون على محافظة عمران شمال اليمن، في التاسع من يوليو لعام 2014، بعد قتال أدى لنزوح آلاف اليمنيين. وفي عشرين سبتمبر 2014، سيطر الحوثيون على معظم أجزاء العاصمة صنعاء، كما سيطروا على مقر رئاسة الوزراء ووزارة الإعلام والتلفيزون الرسمي. مما جعل السلطات اليمنية تقوم بفرض حظر التجوال شمالي صنعاء في ظل تصاعد وتيرة الاشتباكات بين المسلحين الحوثيين وقوات الجيش والشرطة اليمنية. ووقع اتفاق مصالحة بين الحكومة والحوثيين لإنهاء الاعتصامات وتشكيل حكومة وفاق وطني وخفض أسعار الوقود. ولكن ظل الصراع قائم، وتظاهر عشرات الآلاف من الحوثيين في العاصمة صنعاء، في26 سبتمبر2014، فيما سموه جمعة النصر، وتوج ذلك بسقوط العاصمة صنعاء.
ب – الأسباب الاقتصادية
يُعد ضعف الأداء الاقتصادي، وانتشار الفساد الإداري والسياسي، وتضخم عدد السكان مع قلة الموارد والفرص المتاحة للعمل، وانخفاض مستوى التنمية، والخلل في توزيع الثروة، من المسببات التي جعلت الأوضاع الداخلية في اليمن على حافة الهاوية وكانت بوادر أزمات اقتصادية. حيث رأى البعض أن تزايد عدد السكان، مع وجود خلل في التوزيع الهرمي للسكان، كان مرتبط بضعف مستوى الأداء الإقتصادي العام، مع وجود نسبة بطالة تتجاوز 35 بالمئة من إجمالى القوة البشرية في اليمن. فارتفاع معدل النمو السكاني بصورة تؤدي لتزايد نسبة من هم في سن العمل، مع عدم توافر فرص توظيف وعمالة لهم سيؤدي لحدوث خلل توازني، ينبثق عنه معوقات اقتصادية تعوق عملية التنمية والاستقرار.
لم تكن الأزمة الاقتصادية في اليمن وليدة للتدهور الأمني والاضطرابات السياسية بعد ثورة الحادي عشر من فبراير لعام 2011، بل ترجع جذورها للقرن الماضي وبالتحديد في العقد الأخير من القرن العشرين، وذلك بسبب حرب الخليج، وتداعيتها التي لم تجد حلول حتي الآن، ربما حصل انفراج بسيط بين الأعوام 2000 و2004، بسبب تحويلات المغتربين بالإضافة لأسعار النفط، ولكن تداعيات الأزمة ما زالت تتضاعف عاماً بعد عام بسبب التضخم والبطالة. حيث ترتفع نسبة البطالة بدرجة كبيرة لعدة أسباب منها: انخفاض معدل النمو في القطاع الحكومي والقطاع الخاص، واعتمادالاقتصاد على النفط، في الوقت الذي لا يرتبط فيه الخريجيين باحتياجات سوق العمل.
ج – الأسباب الاجتماعية
إنَ المتأمل في البنيان المجتمعي لليمن، يرى أن المجتمع اليمني يتسم بالطبيعة الخشنة، والنمط القبلي المحافظ، بصورة تكون فيها القبيلة مصدراً للتوعية ومركزاً لإصدار وتلقي الأوامر، وبالتالي مصدراً للحراك الاجتماعي والفعل الجمعي المشترك، بدلاً من مؤسسات الدولة أو القانون. فالقبائل في اليمن مصدر رئيسي للسلطة والنفوذ. كذلك تتمثل أهم سمات المجتمع اليمني في تضخم عدد السكان مع قلة الموارد والفرص المتاحة للعمل، وهو ما يجعل الدولة تعاني مشاكل اجتماعية_سياسية تعوق عملية التنمية والتكامل القومي. حيث تُعد نسبة الشباب التي تتراوح بين (15-45 سنة) من إجمالي عدد السكان، بحسب تعداد للسكان في عام 2006، تزيد على 20 بالمئة من إجمالي عدد سكان اليمن، وانعكس ذلك في ثورة الشباب اليمني 11 فبراير 2011.
كذلك أصبحت السلفية، المدعومة سعودياً، قوة محلية داخل المجتمع اليمني من خلال تبني الشيخ الوادعي للنهج السلفي ونشره، والشيخ الوادعي هو زيدي اعتنق السلفية وأسس مدرسة لها أطلق عليها “دار الحديث” في قرية دمج. في الوقت نفسه، اعتبر الزيديون أن نشر المذهب السلفي ما هو إلا محاولة لإضعاف التأثير الزيدي الاجتماعي والسياسي، فقاموا بتأسيس جمعية “الشباب المؤمن“. حيث أدى ارتفاع التوتر بين الطائفتين الدينيتين، بالإضافة لعوامل محلية وإقليمية، إلى صراع عسكري عام 2004 بين القوات الحكومية وبين مجموعة من الزيدين تحت قيادة حسين الحوثي والذي قُتل وخلفه أخوه عبد الملك الحوثي. ثم نمى التمرد الحوثي، إلا أن تدخلت قطر في 2007 ولكن باءت محاولتها بالفشل، حتى وسع الحوثيون تمردهم داخل الأراضي السعودية في 2009. حيث ساعدت كلاً من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكة المملكة العربية السعودية، وزودتها بأقمار صناعية في مواجهة متمردي الحوثي، حيث توسطت قطر مرة ثانية لوقف اطلاق النار في 2010، وتوالت الأحداث حتي تم الإنقلاب الحوثي على الرئيس هادي وتفاقمت الأزمة منذ نهاية سبتمبر 2014.
2 – الأسباب الإقليمية للأزمة اليمنية
تقع اليمن بين قوتين كبيرتين لكل منهما تأثيرات كبيرة ونفوذ ممتد، فمن ناحية نجد المملكة العربية السعودية، والتي تتزعم العالم الإسلامي السُني بحكم خصائصها الدينية، حيث تشترك مع اليمن بخط حدودي يصل طوله 2000 كم2، وعلى الجهة الأخري إيران متزعمة المذهب الشيعي، حيث لا تشترك مع اليمن في حدود جغرافية إلا أنَ لها نفوذ واضح في منطقة الخليج، وبالتالي فإنَ ذلك يُعد سبباً لطائفية الصراع اليمني. لذا فإنَ طرفي الصراع في اليمن، الحوثيون ونظام عبد ربه منصور هادي بالرغم أن الصراع قد دار بينهم في الأساس على مكاسب سياسية، إلا أنَه وبطبيعة البنيان السُكانَي حيث تتكون اليمن من 30% من الشيعة الزيدية، يقابلهم 70% سنة، ومحاولة اجتذاب كل طرف منهم أنصار له على اختلاف طائفي، ساهم في ترسيخ الطائفية على الصراع في اليمن. وتوضح الدراسة محورين هامين كأسباب إقليمية للأزمة اليمنية كالتالي:
أ – الجذور الإقليمية لأزمات اليمن
تتمحور جذور الصراع الإقليمي حول محورين هامين في الإطار الإقليمي لليمن: المحور الأول يتمثل في صراع الحدود بين اليمن والمملكة العربية السعودية من ناحية، وما يدور حوله من اتهامات متبادلة بين الطرفين، في صورة انتهاك إحدى الدولتين للسيادة الوطنية للدولة الأخرى. بينما يتمثل المحور الثاني في الصراع اليمني_ الإريتري على جزر حنيش الكبرى، هذا بالإضافة إلى جانب بعض المشاكل الأخرى المتنوعة، كالتهديد الديمغرافي الذي يمثله اليمن للملكة العربية السعودية، واتهام المملكة لليمن باحتوائها للجماعات الإرهابية وتسهيل عبور بعض هذه الجماعات إلى داخل دول مجلس التعاون الخليجي عبر دول الجوار الحدوي كالمملكة العربية السعودية وعُمان، بالإضافة لمواقف وتوجهات السياسة الخارجية للرئيس علي عبد الله صالح، التي ينظر إليها أعضاء مجلس التعاون الخليجي على أنها سلوكاً عدائياً تجاهها، بما يهدد من مصالحها وقيمها المجتمعية، بصورة تؤدي إلى توتر العلاقات مع اليمن، مثلما حدث خلال حرب الخليج الثانية (1990/1991).
ب – الربيع العربي والنفوذ الخارجي في اليمن
تُعد ثورات الربيع العربي والتي بدأت من تونس ومصر ثم تأثرت بها بعض الدول العربية الأخرى، من الظواهر المؤثرة في الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة. وقد تغيرت على إثرها توازن القوى، وظهرت أشكال أخرى للصراع في الشرق الأوسط. حيث تمت بسلمية في بعض الدول كمصر وتونس، في الوقت التي تحولت فيه لثورات عنيفة كما في ليبيا وسوريا، كذلك تأثرت منطقة شبه الجزيرة العربية بانتفاضة الربيع العربي، فتم قمعها في البحرين، في الوقت الذي ساندت فيه دول مجلس التعاون الخليج انتفاضة الشباب اليمني، وتنحي على عبد الله صالح، وإسناد الأمر إلى نائبه عبد ربه منصور هادي.
تطور المشهد اليمني، فاعتبار الدعم السعودي لنظام الرئيس عبد ربه منصور هادي كمعطى سياسي في الأساس، حيث أنَ الرئيس عبد ربه هادي وصل إلى الرئاسة بناءاً على مبادرة مجلس التعاون الخليجي ، كما أنَ احتلال الحوثيين للعاصمة صنعاء وفرض اتفاق السلم والشراكة الوطنية بمثابة انهيار لمبادرة مجلس التعاون الخليجي بشأن الأزمة اليمنية، إلا أن ظهور إيران في المشهد اليمني جعل المشهد اليمني يكتسب صبغة دينية طائفية. على الرغم من ذلك، ينفى الحوثيون أي علاقة بينهم وبين إيران. إلا أن سلطات الطيران الإيرانية وقَعت في 28 فبراير 2015 مذكرة تفاهم مع الحوثيين يتم بموجبها تسهيل النقل الجوي بين البلدين.
إنَ النظر إلى الصراع باعتباره صراعاً سنياً شيعياً لا يخلو من التوظيف السياسي والاقتصادي لصالح القوتين الإقليميتين اللتان تتنازعان على النفوذ على المنطقة إيران والمملكة العربية السعودية، يجعل فرصة اليمنيين ضعيفة في ترسيخ نظام سياسي واقتصادي جديد مستقل ولا يقوم على المنح والمساعدات والقروض الخارجية التى تجعله تابع لإحدى القوتيين.
ثانياً: تطور الموقف الخليجي من الأزمة اليمنية وأبعاده
لقد لعبت دول مجلس التعاون الخليجي على الإمساك بورقة المبادرة بين النظام اليمني والثورة منذ اليوم الأول لها، وذلك بحكم الرابطة التاريخية والسياسية والجغرافية، وبحكم كون اليمن خاصرة الجزيرة العربية، ومن شأن أي اضطراب أو قلق فيه أن ينتقل أثره إلى دول المجلس، أو علي الأقل يترك تداعياته الخطيرة عليها. لذلك، حرصت القوى الكبرى على التأكيد على دور مجلس التعاون الخليجي في التعامل مع المجريات الثورة وتسوية الأزمة اليمنية، فقد سمح ذلك لدول المجلس بتسجيل نقاط إيجابية بإطالة الفعل الثوري وتبطئته، والاستفادة لأقصي مدي من الحالة اليمنية في تأكيد استقرار شرعيتها في الداخل، وفي محاولة توازن واستقرار التفاعلات اليمنية الداخلية علي نحو يضمن حفظ التوازنات في أي تغيير مقبل، ولا يؤدي إلي تغييرات جذرية تحدث اضطرابات بمنطقة الخليج.
كانت التطورات على نحو سريع بعد سقوط صنعاء في أيدي الحوثيين في 21 سبتمبر 2014، فاجتمع الفرقاء السياسيون في صنعاء بحضور الرئيس عبد ربه منصور هادي والمبعوث الدولي جمال بن عُمر، ووقعوا “اتفاق السلم والشراكة الوطنية“. وقد بارك مجلس التعاون الخليجي هذا الاتفاق، والتوقيع على هذا الإتفاق يوحي إما بالخديعة من المجلس أو بالإقرار بواقع سيطرة الحوثيين على مفاصل اليمن، وبذلك دفن المبادرة الخليجية. ولكن بعد تطور الأمر تباينت وجهات نظر بعض دول المجلس، وخاصة المملكة العربية السعودية، وتراجعت في رضاها على الاتفاق إلى التعبير عن رفض تغيير الواقع السياسي عن طريق تغيير الوقائع على الأرض.
جاء الإعلان الدستوري الذي أصدره الحوثيون في فبراير 2015، والذي جعلهم مناط السلطة، ليؤكد اكتمال الإنقلاب الحوثي على إنتفاضة الشباب في 2011. ولقد تضمّن الإعلان حل مجلس النواب، وتشكيل مجلس وطني بديل من 551 عضواً ينتخب مجلساً رئاسياً من خمسة أعضاء لإدارة البلاد وذلك تحت رقابة “اللجنة الثورية العليا” لمدة عامين انتقاليين، يتنفذ خلالهما ما أسفر عنه مؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية. ولكن في الحادي والعشرين من نفس الشهر، نجح عبد ربه منصور هادي، والذي كان قد تقدم باستقالته، في كسر طوق الإقامة الجبرية التي فرضها عليه الحوثيون، ووصل إلى عدن ليُعلن عن إلغاء كل ما أقدم عليه الحوثيون. ولاقت قراراته قبول عربي ودولى ودعاه الرئيس المصري لحضور قمة شرم الشيخ، وحضر هادي القمة واستنجد بمجلس التعاون الخليجي من التدخل عسكريا لحماية بلاده من بطش الحوثيين، وكانت عاصفة الحزم هي الرد.
أعلنت المملكة العربية السعودية فجر يوم 26 مارس 2015، انطلاق عمليات “عاصفة الحزم” ضد معاقل الحوثيين في اليمن، من قِبَل تحالف عربي يضم دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء عُمان، بالإضافة لمصر والسودان والمغرب والأردن؛ وذلك لإجبار الحوثيين على الإنسحاب من المدن التي سيطروا عليها، وتسليم الأسلحة التي استولوا عليها من مخازن الجيش اليمني، في الوقت التي أيدت فيه الولايات المتحدة الأمريكة “عاصفة الحزم”. حيث اكتسبت شرعية دولية بالقرار رقم 2216 الصادر من مجلس الأمن في 14 أبريل 2015. وفي الحادي والعشرين من أبريل لعام 2015، أعلنت قيادة قوات التحالف عن إيقاف عاصفة الحزم بعد تحقيقها للأهداف التي انطلقت من أجلها. وتوقف العمليات لم يكن يعني السكوت على أي تحركات حوثية تؤدي لتغيير ميزان القوى أو تعديله، بدليل استمرار الضربات الجوية لأهداف حوثية بعد إعلان وقف العملية. ثم استكملت الضربات الجوية ثانية، مع المُضى قدما فى تحالفات جديدة أبرزها تحالفها مع الرئيس المخلوع على عبد الله صالح ودعمها له فى تضييق الخناق على الحوثيين إلى أن لقى مصرعه في الرابع من ديسمبر لسنه 2017 على أيدى مليشيات الحوثى.
ثالثا: تداعيات الأزمة اليمنية على دول الخليج العربي
جاءت الأزمة اليمنية لتمثل عبء على دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك في ظل تحولات إقليمية ودولية جعلت للأزمة اليمنية تداعيات خطيرة على دول الخليج العربي. ففشل السياسية الأمريكية في المنطقة منذ 2003، مع تطور الملف النووي الإيراني في ظل التفاهم الأمريكي_ الإيراني، ومع فشل الأوضاع الداخلية في اليمن، وفي ظل تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية للجماعات الإرهابية، وأيضا التقدم الحوثي المسلح في اليمن وتمكنّه من أغلب مفاصل الدولة اليمنية، كل هذا زاد من مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي من خطورة تعقد الأزمة اليمنية وتداعيتها على دول مجلس التعاون الخليجي. في الوقت الذي تباينت فيه رؤية دول المجلس للتعامل مع اليمن من الردع أم الإحتواء، حيث تُعد اليمن شريكاً أساسياً في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، كما أنَّ تكامل دول مجلس التعاون الخليجي أمنياً ودفاعياً سيعزز من قدرات المجلس العسكرية، ويكون على وضع الإستعداد للتعامل مع التداعيات الخطيرة.
1 – التداعيات السياسية والأمنية
تُعد الانعكاسات السياسية للأزمة اليمنية مختلفة من دوله لأخرى في دول مجلس التعاون الخليجي، وفي ظل إدراك بعض دول المجلس لخطورة تطور الأحداث في اليمن خاصة بعد سقوط صنعاء وما تمثلة من شوكة في ظهر دول المجلس، سيجعل قادة الدول تقوم بمحاولة امتصاص الموجات الثورية بها، وتتفادي الاضرابات العمالية والحركات الاحتجاجية من خلال التنمية الاقتصادية، والتنازل عن تعقيد بعض الملفات، حيث عملت معظم دول المجلس على القيام بإصلاحات سياسية محدودة، وبذلت جهود في مكافحة الفساد الإدارى والتأكيد على سيادة القانون. ففي اللإمارات العربية المتحدة، أُجريت انتخابات غير مباشرة للمجلس الوطني الاتحادي الإماراتي، حيث شهدت توسيعاً نسبياً لقاعدة المصوتين، في سبتمبر 2011. كما قامت عُمان ببعض الإصلاحات السياسية استجابةً للاحتجاجات الشعبية عامي 2011 و2012، وتدل على رغبة الحكومة في التحول تدريجياً من ملكية مطلقة إلى ملكية دستورية، على الرغم من أنّ هذا الأمر يحتاجإلى فترة طويلة. بل إنّ بعض الدول الأكثر محافظةً، مثل المملكة العربية السعودية، بادرت بمنح المرأة حق التصويت في الانتخابات البلدية والتي قررت إجرائها في 2015. كما أنَ الفجوة الجيلية أو السياسية داخل الأسر الحاكمة وتطلّع الجيل الآتي إلى السلطة، وغياب هيكل رسمي للخلافة السياسية أو عدم اختباره، ومركزة السلطة المفرطة، علاوة على عدم وجود دور للمواطنين في هيكل الخلافة الملكية السياسية، كل هذا في إطار النمط التسلطي مع الإحباط في ضيق الأفق السياسي قد يدفع بشكل فردي أو جماعي إلى تكوين حركات احتجاجية.
يعكس الفراغ الأمني في اليمن، مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي من فقد السيطرة على مضيق هرمز وخليج عدن ومضيق باب المندب وتحولهم لمخاطر العمليات الإرهابية من القرصنة البحرية. وقد ظهر ذلك جلياً، حينما هاجمت مجموعة من القراصنة ناقلة نفط كويتية في خليج عدن في فبراير 2015، حيث زادت المخاوف من عودة ظاهرة القرصنة البحرية في هذه المنطقة الحيوية من العالم. ففي غياب الدولة اليمنية وسيطرة الحوثيين، يرى البعض أنَّ هذا الوضع سيهدد حركة التجارة العالمية والمصالح الإقليمية الخليجية. حيث يمر نحو 16 ألف سفينة تجارية كل سنة من خلال مضيق باب المندب. كذلك فعودة القرصنة ستؤدي إلى ارتفاع تكاليف التأمين بالنسبة لشركات الشحن، مما قد يجعل الشركات تحول طريقها نحو طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما سيضر أيضاً بإيرادات قناة السويس بالنسبة لمصر، ولكن بعض المحللين يشيروا إلي صعوبة عودة القرصنة البحرية في ظل الاهتمام الإقليمي والدولي بتأمين حركة التجارة الدولية، مع تواجد قوات فرنسة وأمريكية وإيرانية وتركية في إطار تحالف دولي لمحاربة عمليات القرصنة.
2 – التداعيات الاقتصادية
كانت للحرب على اليمن والإنفاق العسكري لشنها، بقيادة المملكة العربية السعودية، الأثر الأكبر على اقتصاد المملكة العربية السعودية بشكل خاص، واقتصاد دول مجلس التعاون الخمس الأخرى. فلا يستطيع أحد تقديم أرقام دقيقة عن تكلفة الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية على اليمن تحت اسم “عاصفة الحزم”. يرجع السبب إلى رفض القائمين عليها تقديم معلومات يمكن الاعتماد عليها بهذا الخصوص. إلا أنَّ التقديرات الأولية المبنية على تكاليف حروب أخرى مشابهة ترجح بأنَّ التكلفة وصلت بحلول أبريل 2015 إلى نحو 30 مليار دولار تتضمن تكاليف تشغيل نحو 175 طائرة مقاتلة وتزويدها بالذخائر، وتكلفة وضع 150 ألف جندي سعودي في حالة استنفاز تحسباً لاحتمالات توسيع نطاق الحرب. يدخل كذلك في تكاليف الحرب الاقتصادية، المساعدات والتعويضات التي تقدمها دول الخليج لمصر ودول أخرى نظير مشاركتها في العمليات والتي تقدر بمليارات الدولارات. ففي مؤتمر شرم الشيخ في مارس 2015، تعهدت المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة بتقديم 12.5 مليار دولار للقاهرة على شكل استثمارات ومساعدات وودائع في البنك المركزي المصري. أما المساعدات المقدمة إلى الأردن والمغرب والسودان فتقدر بنحو 5.5 مليار دولار. كما زادت المملكة العربية السعودية من حجم انفاقها العسكري حتي وصل إلى أكثر من 81 مليار دولار خلال 2015 ليشكل ثالث أكبر ميزانية عسكرية في العالم بعد ميزانتي الولايات المتحدة والصين.
الخاتمة:
مع انطلاق ثورات الربيع العربي ، وعلى الرغم من سرعة الحدث الثوري والتداعيات التي لم تترك للأنظمة فسحة من الوقت، وأصابت مؤسسات صناعة القرار العربية بما يشبه الشلل في المركز، فقد أثبتت دول المجلس أنها الوحيدة التي تجنبت هذه الحالة، ووقفت مؤسسات صناعة القرار بها تتصدي للعواصف دون أن تفقد الرؤية، وعلي الأقل فإنها طرحت مبادرات حاولت وما زالت تحاول من خلالها تسوية بعض أزمات المنطقة وخاصة الأزمة اليمنية، بداية من المبادرة الخليجية في أبريل 2011، مروراً بالمفاوضات التى أقيمت بالكويت منذ أبريل 2016 انتهاءاً إلى تحالف قوى التحالف مع على عبد الله صالح قبل مقتله. إذا كانت الأزمة في اليمن تشير إلى شئ، فهي لا تشير لقضية بقدر أهمية دول مجلس التعاون الخليج لانتشال اليمن من أزمته ودعم وحدته للوقوف في وجه التيارات التي تسعي لتصدعه. فالبنظر لخبرة دول المجلس في التعامل مع أزمات اليمن في القرن العشرين وأبرزها وحدة اليمن، نجد أنَّ التعامل السياسي والدبلوماسي مع الأزمة اليمنية الراهنة يُعد البديل الأمثل والأيسر، ولكن عدم حُسن النية لدي الحوثيين في القبول بالتفاوض، والدعم الإيراني لهم يعيق من الأداة الدبلوماسية.
في ضوء ما تقدم، وبعد اغتيال على عبد الله صالح ، يحمل مستقبل الأزمة اليمنية عدة مآلات محتملة سوف يكون عليها الوضع في اليمن كالتالي:
الاحتمال الأول: هو أن تسير الأوضاع وفق عملية سياسية شكليه وضعيفة، يكون للحوثيين اليد العُليا في صياغة ملامحها، مع وجود سُلطة صورية للرئيس عبد ربه منصور هادي. وبذلك يحتوى مجلس التعاون الخليجى أرواح اليمنيين ويقبل بالحوثيين في توافق مع الحكومة وبهذا يكون الحوثيين بمثابة “حزب الله” ثانى مما يجعلهم شوكة في ظهر المملكة العربية السعودية، المتنازلة على مضض، لوقف نزيف الدماء.
الاحتمال الثاني: أن ينتقم أنصار على عبد الله صالح لاغتياله وتكون اليمن على ما وصلت عليه الصومال، من حيث الانفصال والانشطار والانقسام الفعلى على الأرض، وذلك مع شكل من أشكال الحرب الأهلية. غير أننى أرى طبيعة اليمن الإنتماء القبلى له السمه العليا عن الإنتماء والصراع الطائفى ولكن الدور السعودى الإيرانى يبرز الصراع الطائفى.
الاحتمال الثالث: تدخل القوى الدولية، وممارستها لضغط دولى، سياسيا واقتصاديا، على جميع القوى السياسية والاجتماعية في اليمن، حتى تلتزم مجددا بعملية التحول السلمى للسلطة في البلاد، وحفاظ القوى الدولية على حركة التجارة العالمية من القرصنة البحرية وتأمين مضيق هرمز وباب المندب. وحتى نتجنب سوريا جديدة.
وأخيراً ، حيث يشهد الواقع الدولي الحالي ظهور الدولة الفاشلة حيث الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، أؤكد رؤية روبرت جاكسون في كتابه شبه الدولة بأن الدولة الفاشلة هي التحدي الأساسي لتطور المجتمع الدولي لافتقارها للسيادة بالمعنى الإيجابى وهي القدرة على الحكم وتلبيىة الحاجات الضرورية. ويجب الآن على المجتمع الدولى انتشال اليمن بعد تقرير ال BBC Arabic بأن عدد المصابين بوباء الكوليرا في اليمن بلغ مليون مصاب حسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتاريخ 21 ديسمبر لسنة 2017 وهي أسوأ أزمة إنسانية بالعالم حسب ما قالت الأمم المتحدة.
المراجع:
- عبدالله الفقيه، “علاقات اليمن مع دول مجلس التعاون وتطورات ما بعد الانتفاضة العربية“، (الكويت: مركز الخليج لسياسات التنمية، 2015)، متاح على الرابط التالي:
http://www.gulfpolicies.com/index.php?option=com_content&view=article&id=2124<emid=565
- أحمد محمد أبو زيد، “مُعضلة الأمن اليمني_ الخليجي: دراسة في المسببات والانعكاسات والمآلات“، (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية: مجلة المستقبل العربي، العدد 414، أب، أغسطس 2013).
- د.فارس بريزات، “الجذور الاجتماعية لنضوب الشرعية السياسية في اليمن“، (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أكتوبر، 2011).
- موقع التغيير اليمني، “تفاصيل الأزمة اليمنية ومساراتها”، متاح على الرابط التالي: http://www.al-tagheer.com/art33242.html
- Mohammed Jamih, “Yemen After the Fall of Sanaa”, (Doha: Arab Center for Research and Policy Studies,2014).
- عبد الكريم العواضي، “قراءة في الأزمة الاقتصادية في اليمن .. الأسباب والحلول“، جريدة أخبار الساعة، متاح على الرابط التالي: http://m.hournews.net/news-32836.htm
- Ginny Hill, Gerd Nonneman, “Yemen, Saudi Arabia and the Gulf States: Elite Politics, Street Protests and Regional Diplomacy”,( Middle East and North Africa Programme, May 2011).
- على أحمد الديلمي، “علاقات التكامل بين اليمن ومجلس التعاون الخليجي وأثرها على الأمن الإقليمي: دراسة في ضوء الإقليمية الجديدة“، رسالة دكتوراه، (جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 2011).
- أحمد يوسف أحمد، “أزمة اليمن: حلقة في مسلسل انكشاف الدولة الوطنية العربية”، (دبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، مجلة آفاق المستقبل: العدد 27، أغسطس 2015).
- إبراهيم منشاوي، “النفوذ الناعم: البُعد الديني في السياسة الخارجية الإيرانية والحركة الحوثية في اليمن“، المركز العربي للبحوث والدراسات، متاح على الرابط التالي: http://www.acrseg.org/39871
- اللواء. حسام سويلم، “المواجهة القائمة والمحتملة بين إيران ودول الخليج تقدير موقف سياسي/ إستراتيجي/ عسكري“، البوابة نيوز، متاح على الرابط التالي: http://www.albawabhnews.com/18443
- – Jeremy M. Sharp, “Yemen: Civil War and Regional Intervention”, Congressional Research Service, October 2015.
- – Anthony H. Cordesman, Robert M. Shelala II, and Omar Mohamed, “Gulf Military Balance Volume III: The Gulf and Arabian Peninsula”, Center for Strategic & International Studies, September2013.
- تقرير دولي يكشف عن مستقبل الأزمة اليمنية بعد مقتل ”صالح“ وكيف سيؤثر مقتله على مختلف أطراف النزاع المحليين والدوليين، موقع أخبار اليمن الآن، متاح على الرابط: https://www.yemenakhbar.com/1198276
- تقريرBBC Arabic عن عدد المصابين بالكوليرا في اليمن، متاح على الرابط التالي: bbc.com/arabic/amp/middleeast-42439728.
- المصدر : مجلة اتجاهات سياسية احدى اصدارات المركز الديمقراطي العربي – ألمانيا – برلين
عمرو صبحي