تقدير موقف لعملية واجادوجو وتداعياتها
اعداد: السفير بلال المصري
ســفيـر مصر السابق لدي أنجولا وساوتومي والنيجر – مدير المركز الديمقراطي العربي
- المركز الديمقراطي العربي
إستيقظت Ouagadougou عاصمة بوركينا فاسو التي لها حدود مع 6 دول أفريقيىة بالساحل والتي تعد أحد خمسة دول أفريقية تتكون منها قوة الساحل الخماسيةG5 Sahel لمواجهة الإرهاب بالمنطقة بدعم فرنسي وأوروبي , إستيقظت قبل الساعة العاشرة بقليل من صباح الثاني من مارس 2018 علي دوي إنفجارين بوسط العاصمة نتجا عن هجومين مُنسقين أولهما إستهدف مقر السفارة الفرنسية والمركز الثقافي الفرنسي ونفذه حوالي 7 (وفي تقدير آخر 4) مُهاجمين يرتدون زي القوات البرية لبوركينافاسو حسب شهود عيان , والآخر علي معسكر Guillaume حيث مقر قيادة أركان الجيش البوركينابي والذي يبعد بنحو كيلو متر واحد فقط عن السفارة الفرنسية وقد دخله هؤلاء المُهاجمون المُقنعون من مدخله الجنوبي مع مركبة مُفخخة , وقد سمع علي نطاق واسه بالعاصمة دوي إنفجاران أحدهما أكثر عنفاً من الآخر , وكان ممثلي الدول الخمس التي تتألف منها قوة الساحل الخماسية G5 Sahel (تشاد / النيجر/ مالي / موريتانيا /بوركينافاسو ) وقت التفجير في إجتماع داخل مبني هيئة قيادة الأركان , وربما كان من الممكن أن تكون الخسائر البشرية جراء هذين الهجومين أكبر في حالة الهجوم علي السفارة لولا وصول طائرة هليوكوبتر تقل عناصر القوة الخاصة الفرنسية لبعثة Sabre (أي سيف المبارزة) المتُمركزة في بوركينافاسو , لكن أرقام هذه الخسائر لُوحظ تضاربها , فقد أشارت صحيفة The Guardian في 3 مارس 2018 بالإحالة علي Clement Sawadogoوزير الأمن البوركينابي قوله ” أن 8 من عناصر القوات المُسلحة قُتلوا في التفجير الإنتحاري ضد مقر قيادة الأركان , أما الهجوم الموازي علي السفارة الفرنسية فقد أسفر عن 80 إصابة , وأن ثمانية من المُهاجمين قُتلوا , ونوهت الصحيفة نفسها بهذا التضارب بشكل غير مباشر عندما قالت إن مصدران أمنيان أحدهما في فرنسا والآخر في غربي أفريقيا أفادا وكالة الأنباء الفرنسية AFP بأن ما لايقل عن 28 شخص قُتلوا في الهجوم علي مقر قيادة أركان الجيش وحده , فيما أحالت الصحيفة علي مصادر أمنية وعلي وزير الخارجية الفرنسي Jean-Yves Le Drian تأكيدهم بأن لا ضحايا فرنسيين واصفين الموقف في Ouagadougou بأنه “تحت السيطرة” , فيما أشارت الإذاعة الدولية لفرنسا RFI في 3 مارس 2018 بالإحالة علي مصدر أمني فرنسي قوله أن 8 جنود قُتلوا فيما أصيب 12آخرين إصابات خطيرة , لكن RFI كررت ما أوردته صحيفة The Guardian البريطانية عن المعلومات التي إحالتها لمصدرين فرنسي وغرب أفريقي , لكنها أحالت نفس المعلومات علي ثلاث مصادر وليس مصدرين منهما مصدران فرنسيان والأخير بغرب أفريقيا , وهو بالضبط ما ذهبت إليه صحيفة Le Figaro الفرنسية في نفس يوم الهجومين , إذ أشارت إلي أن القتلي لا يقلون عن 30 ضحية من العسكريين وما يزيد عن 80 مُصاب , لكن محطة CNN في تغطيتها يوم 2 مارس 2018 ذكرت بالإحالة علي Rémi Dandjinou وزير الإتصالات البوركينابي قوله أن ما لا يقل عن 7 أشخاص قُتلوا كما قُتل 6 من المُهاجمين , ثم عادت الإذاعة الدولية لفرنسا RFI فأشارت في 3 مارس 2018 إلي أن آخر قائمة بالخسائر تشير إلي مقتل ثمانية وإصابة 80 ما بين مدنيين وعسكريين من القوات البوركينابية ومقتل ثمانية من المهاجمين , أما إذاعة BBC البريطانية فأشارت في تقرير خبري في 4 مارس 2018 أن الخسائر بلغت 16 قتيل منهم 8 من الجيش البوركينابي و8 من المهاجين وإصابة ما لا يقل عن 80 فرد , بل إن البيان الذي أصدرته الخارجية المصرية في 3 مارس 2018وأدان الهجومين بأقوي العبارات أشار إلي أن خسائر الهجومين البشرية بلغت 35 قتيل و90 مُصاب , لكن علي كل حال فإن معظم التقديرات الأولية إلتقت عند تقدير مفاده أن الهجوم الذي تعرضت له السفارة الفرنسية ومقر قيادة أركان القوات المُسلحة لبوركينافاسو في وسط العاصمة Ouagadougouأسفر وبصفة أولية عن مقتل ما لا يقل عن 30 وفقاً لمصدر أمني فرنسي , وقد أشار موقع TV5MONDE في تغطيته تحت عنوان “بوركينافاسو: هجوم في قلب واجادوجو” , إلي أن هناك إرتباك سائد في الموقف .
أضاف إلي هذا الإرتباك إرتباكاً آخر نجم عن تضارب في المعلومات بشأن ما تردد عن هجوم آخر وقع بعد 48 ساعة من الهجومين السابقين يوم 2 مارس , فقد أصدر رئيس أركان الرئاسة الخاص في بوركينافاسو بياناً في 5 مارس عن ما يُشاع عن هذا الهجوم المزعوم فأشار إلي أن كل ما حدث هو أنه في 4 مارس أوقف الحرس الرئاسي المسلحين في الثانية بعد منتصف ليل 3/4 مارس في موضع غير بعيد عن سفارة الفاتيكان وقصر الرئاسة قريباً من شارع مُعمر القذافي أحد الأشخاص وكان لا يحمل بطاقة هوية فألقوا القبض عليه وأردوه قتيلاً عندما حاول الهروب منهم والإستيلاء علي سلاح أحدهم , وأشار البيان إلي أن التجوال ممنوع في المنطقة التي بها تواجد أمني مُكثف من الساعة 18 وحتي الساعة السادسة صباحاً , لكن خلافاً لما تضمنه هذا البيان فقد تداولت عدة مواقع إخبارية منها موقع lanouvelletribune.info وموقع صحيفة Liberation الفرنسية في 4 مارس وموقع VO news ومواقع أخري خبراً عن محاولة هجوم بعد أقل من 48 ساعة من هجومي 2 مارس , وأحالت هذه المواقع علي مصدر مُقرب من الحكومة البوركينابية قوله أن ثلاثة أشخاص هاجموا أحد الحرس الرئاسي في مكان غير بعيد عن شارع القذافي بالعاصمة وحاولوا بالإحتيال إنتزاع سلاح أحدهم والهروب ولما أُلقي القبض عليهم حاول أحدهم الهروب فصوب السلاح عليه وأردي قتيلاً فيما أستطاع الآخران الهرب .
فيما يتعلق بالمواضع المُحددة التي تعرضت للهجوم فإن السفارة الفرنسية من جانبها نشرت علي موقعها في Facebook بأنه ” لا يقين في هذه المرحلة على الأماكن المستهدفة ” , أما وزير الأمن البوركينابي Clement Sawadogo فبدوره قال ” أنه كان من المُفترض أن يُعقد إجتماع ممثلي قوة الساحل الخماسية G5 Sahel في مقر قيادة أركان الجيش لكنه تغير لحجرة أخري ” , وفي الواقع فإن مبني السفارة الفرنسية وقيادة الأركان البوركينابية هما الموقعان اللذان إستهدفهما بكل تأكيد المهاجمين وليس هناك أي حيز للصدفة في ذلك الإستهداف , فالسفارة الفرنسية تعلم أنه لا موضع أكثر ولا أهم منها يمكن إستهدافه رغم إحكام الأمن حول محيطها وكذلك الأأمر مع معظم سفاراتها بأفريقيا , كل ما في الأمر أن السفارة في بيانها علي Facebook تحاول طرد الأرواح الشريرة وطائر الشؤم الذي بدأ يحوم مجدداً حول التواجد الفرنسي عسكري أو دبلوماسي بأفريقيا خاصة الفرانكفونية .
أشار موقع MaliActu في 3 مارس أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين GSIM أعلنت في 3 مارس 2018عن مسئوليتها عن هجمات Ouagadougou مُوضحة أنها تريد تثبيط بوركينافاسو والدول الأربع الأخري المُنضمة لقوة الساحل الخماسية في قتالهم باسم فرنسا , كما بررت الجماعة ضربتها في Ouagadougou في صباح 2 مارس 2018 بأنها إنتقام للضربة الجوية التي نفذها الفرنسيون في إطار عملية Barkhane (تحت مسمي قوة Sabreالمُتمركزة في Ouagadougou وذلك في ليلة 13/14 فبراير 2018 علي معسكر لمجموعة أياد أج غالي في بلدة Inaghalawass التي تبعد بحوالي 900 متر عن الحدود الجزائرية مع مالي شمال شرقي مالي والتي لقي بسببها 23 رجل منهم 6من قادتها “الجهاديين” منهم حسن الأنصاري ومالك أج واناسنات أحد المقربين من زعيم الجماعة أياد أج غالي , وكانت هذه الضربة بمثابة إستفزاز فرنسي في وقت كانت فيه باريس تستعد لشن عملية عسكرية في وسط مالي يستعجل نتائجها الرئيس الفرنسي Macron وذلك بإسناد من المجموعة الخماسية للساحلG5-Sahel , هذا وأشار موقع MaliActu في 3 مارس 2018 أيضاً إلي أن تنظيم نصرة الأإسلام والمسلمين سبق وأعلن في 23 فبراير 2018 عن مسئوليته عن الهجوم الذي وقع بشمال مالي وأسفر عن مقتل عسكريان فرنسيان مُشاركان في عمليةBarkhane العسكرية الفرنسية , إذ أن هذا التنظيم وكل الجهاديين في الصحراء الكبري يعتبرون فرنسا عدوهم الرئيسي ويهمونها بأنها تريد إستدامة إستعمارها للمنطقة والتي أصبحت الآن تحت الحكم الفرنسي منذ منتصف العقد الخامس من القرن الماضي .
صدرت ردود فعل تستحق المتابعة أهمها تلك التي كانت من جهة الرئيس البوركينابي Roch Marc Christian Kaboré الذي قال في بيان رسمي في 2 مارس” إن بلدنا أصبحت مُجدداً هدفاً للقوة الظلامية” Obscurantistes” ” , أما رئيس النيجرMohamadou Issoufou والرئيس الحالي لمجموعة الساحل الخماسية فقال أن هجوم الجمعة في بوركينافاسو ” فقط سيقوي من عزم مجموعة الساحل الخماسية وحلفاءها في الحرب علي الإرهاب ” فيما قام الرئيس Issoufou وبصحبته Faure Gnassingbéالرئيس التوجولي والرئيس الحالي للتجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا Cedeao ( أكبر داعم لإسرائيل بأفريقيا) بزيارة لبوركينافاسو في 5 مارس 2018 للإعراب عن تضامنهما مع بوركينافاسو ورئيسها Roch Marc Kaboré الذي صحبهما لرؤية موقعي الهجومين , أما الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron فقد هاتف مُعزياً رئيس بوركينافاسو , وقال أن هذا الهجوم ” يوضح مرة أخرى التهديد الثقيل علي منطقة الساحل بأسرها ” كذلك قال Remis Fulgance Dandjinouوزير الإتصالات البوركينابي إن هذا الهجوم له “دلالات قوية على الإرهاب ” .
تناول الإعلام الفرنسي وغيره هجومي 2 مارس 2018 فقد أشارت إذاعة فرنسا الدولية RFI علي موقعها في 3 مارس 2018 إلي أن بوركينافاسو تعتبر قاعدة خلفية للإئتلاف الدولي للحرب علي المنظمات الجهادية بمنطقتي الساحل والصحراء , ويشير الخبراء وفقاً لما أشار إليه موقع LA AFRIQUE TRIBUNE في 4 مارس 2018 إلي أن مالي ومعها بوركينافاسو أصبحا هدفاً للجماعات الإرهابية التي أظهرت عملياتها مدي الهشاشة الأمنية في عواصم الدول الأفريقية خاصة تلك التي علي صلة تعاون أمني مُضاد للإرهاب مع فرنسا , كما أن حدود هذه الدول من الصعب السيطرة عليها , وأشار الموقع – دون توضيح مصدر معلوماته – أن بوركينافاسو تعرضت في الفترة بين 2015 حتي 2018 إلي ما لا يقل عن 80 هجوم إرهابي أسفر عن سقوط 133 ضحية منهم عناصر أمن سيُضاف إليهم ضحايا هجومي 2 مارس 2018 , كما أن Didier François الإعلامي الفرنسي الذي يذيع برنامجاً يومياً علي شاشة Europe 1 يتناول فيه حدثاً دولياً , أشار في برنامجه صباح الإثنين 5 مارس إلي هجومي الجمعة 2 مارس علي السفارة الفرنسية في Ouagadougou ومما قاله أن أياد أج غالي القائد الإسلامي منذ وقت طويل يختبئ في الجزائر ويرسل صغار الفدائيين ليزرعوا الألغام علي الطرق التي تسير عليها القوافل العسكرية الفرنسية أو يدير عمليات إنتحارية بالعواصم الأفريقية ليثير الفوضي قدر ما يمكنه ذلك , وأشار مراسل BBC في أفريقيا بإنه ومهما كانت الذريعة فإن هذا الهجوم ” فاق ما يمكن أن تتوقعه السلطات” ، وبأن الشائعات كانت تتداول “لبعض الوقت” في العاصمة Ouagadougou بأنه ستكون هناك ضربات تُوجه للمناطق العسكرية وداخل قلب جهاز الأمن في بوركينا فاسو وضد السفارة الفرنسية من حيث المبدأ , رغم أن السفارة الفرنسية تُعد واحدة من أكثر الأماكن أمانا بالعاصمة , كذلك قال الأمين ولد سالم الصحفي الموريتاني المُتخصص في شئون الإرهاب ” أنه ومنذ سقوط نظام الرئيس البوركينابي Blaise Campaoré لم تعد أجهزة الأمن بقادرة علي تجنيب بلادها هجمات الجهاديين , إذ كان لتفكيكها بعد سقوط هذا النظام أثر علي كفاءة هذه الأجهزة ” , وهو تفسير رد عليه خبراء آخرون بقولهم ” إن تردي السياسات الأمنية في بوركينافاسو بلا شك يعد عاملاً هاماً لشرح ما حدث لكنه ليس بالعامل الوحيد فنيامي ونواكشوط لم تضربهما عمليات كتلك , ووفقاً للكثير من المراقبين لا يعد ذلك من قبيل المصادفات ” , ووفقاً لإذاعة فرنسا الدولية RFI علي موقعها في 3 مارس 2018 فإن التقرير الذي وضعه فريق الخبراء الأممين بشأن مالي أو ” Panel des experts de l’ONU sur le Mali ” أشار فيما أشار إليه إلي أن تهديد الخطر الإرهابي يتكثف في منطقة إلتقاء حدود ثلاث دول هي مالي والنيجر وبوركينافاسو حيث تتمركز القوة الخماسية للساحل G5 Sahel الوليدة , ويشير هذا التقرير إلي أن بوركينافاسو والنيجر كلاهما علي نحو خاص يعدان الأكثر إستهدافاً من قبل الجماعات الجهادية التي تريد أن تجعلهما (النيجر وبوركينافاسو) يدفعان ثمن مشاركتهما في القوة الخماسية للساحل وكذلك في قوة الأمم المتحدة متعددة الجنسيات للإستقرار في مالي MINUSMA , والأكثر أهمية من ذلك إشارة تقرير الخبراء الأممين إلي أن الهجمات التي ستكون ليست وقفاً علي الجماعات الواقعة في نطاق “القاعدة” أو تنظيم الدولة الإسلامية فحسب والذين يتعاونون جميعاً لشن هجمات ضد قوة الساحل الخماسية أو G5-Sahel , بل إنهم (أي هؤلاء الخبراء) يُشيرون أيضاً إلي أن هناك مجموعات مُوقعة علي إتفاق مالي للسلام سيقومون بهجمات مُشتركة مع القاعدة , كما أن أعضاء بمنصة التنسيق لحركة أزواد الطوارقية Plateforme et de la Coordination du mouvement de l’Azawad (الناشطة بشمال مالي) وهي أحد من وقعوا علي إتفاق السلام ذاك , هؤلاء أكدوا أنهم فقدوا نفوذهم في المناطق التي يسيطرون عليهاتقليدياً بصفة مباشرة أو غير مباشرة , ووفقاً للخبراء الأممين فهذا الوضع يمثل أحد المُهددات الرئيسية أمام تطبيق هذا الإتفاق نفسه إذا لم تكن عملية السلام شاملة وكلية .
أما صحيفة Liberation الفرنسية فقد ذهبت إلي إتجاه أبعد عندما أشارت في 4 مارس إلي أن هناك ثمة من يعتقدون في وجود صلة بين المهاجمين وبين نظام الرئيس السابق لبوركينافاسو Blaise Compaoré الذي طُرد من علي رأس السلطة عام 2014 والذي كان قبل إزاحته علي علاقة وثيقة مع الجهاديين خاصة مع أياد أج غالي الذي جعل من Ouagadougou إبان عهد Compaoré قاعدة خلفية له وكان يُقيم في جناح بفندق Laico الذي كان يرتاده أيضاً الجنرال Gilbert Diendéré قائد القوات المُسلحة المحكوم عليه لمشاركته في محاولة إنقلابية في سبتمبر 2015 , وأشارت الصحيفة إلي أنه من المستحيل الجزم بنشوء هذه العلاقة فسقوط Compaoré زعزع شبكة مُتسعة من العلاقات التي أنشأها والتي جعلت منه وسيطاً لا غني عنهIntermédiaire incontournable في مواجهة الجهاديين , وأذكر إتصالاً بذلك أن صحيفة LA SOURCE الصادرة في نيامي في 28يونيو 2012 أشارت إلي ” أن اللبس أوالغموض الذي يعتري إدارة هذه الأزمة (أزمة مالي) ناتج عن أن رئيس بوركينافاسو Blaise Campaoré وسيط التجمع الإقتصادي لغرب أفريقيا CEDEAO (إبان بداية الأزمة ) طالب جماعة أنصار الدين بتغيير مطالبها والإنخراط في إطار مطالب الطوارق ” , وعلي أي حال ففي تقديري أن العمليات “الإرهابية” في بوركينافاسو إضطردت منذ سقوط Compaoré , وهذا مؤشر يدل علي الأقل بأن علاقته بمجموعات “الجهاديين” لم تكن عدائية لكنها أيضاً لم ترق لعلاقة تحالف بأي صورة من الصور لأن Blaise Campaoré ببساطة كان مثل أدريس دبي وعمر بونجو وMohamed Issoufou تروس في خدمة ألة الإستراتيجية الفرنسية في أفريقيا وهم لا يخجلون من ذلك وهي ميزة و لم تكن لتتوفر في قادة أفارقة واجهوا فرنسا وطالبوا بالتوازن فيما بين مصالح فرنسا ومصالح بلادهم لكن فرنسا التي إخترقت العسكريات الأفريقية أطاحت بأمثال هؤلاء وآخرهم رئيس النيجر Mamadou Tandja بإنقلاب عسكري قام به ضابط مغمور بقوات النيجر المُسلحة في 18 فبراير 2010 وكان السبب الرئيسي أن الرئيس Tandja أراد تعديل تعاقدات اليورانيوم الجديدة مع مجموعةAreva المملوك معظمها للدولة الفرنسية , وكذلك إسراع هذه المجموعة في بدء تدفقاتها الإستثمارية في منجم Imoraren بشمال النيجر وهو ثاني أكبر منجم يورانيوم بالعالم , وهو ما لم تكن مجموعة Areva ولا الإستراتيجية الإقتصادية الفرنسية تريدانه إلا في التوقيت المناسب لهما .
إستبدل المدعي العام البوركينابي الرئيس السابق Compaoré من نظرية المؤامرة وأخرجه ليستبدل به عناصر من الجيش إذ أعلنت السلطات البوركينابية ونشر موقع oust france في 6 مارس عن فتح تحقيق بشأن الهجومين بمشاركة من عناصر بقوات الدرك والشرطة يدعمهما محققين وقضاة “فرنسيين” , وكان أهم ما أعلنه المدعي العام البوركيني : وجود مُتواطئين داخل الجيش مما يسر وصول المُهاجمين إلي موقع رئاسة الأركان , كما أكد أن أيا من المُهاجمين الثمانية لم يكن مُرتدياً للزي العسكري كما أُشيع وكشف عن وجود ثمانية مواطنين من بوركينافاسو قيد الإحتجاز مدنيون وجندي سابق وجنديان عاملان .
الذي إرتعدت له فرائص فرنسا هو أن هؤلاء ” الجهاديون ” أو الإرهابيون” طوروا من منهجهم الهجومي فبعد أن كانت هجماتهم في السابق ضد قهوة أو فندق كانت هذه المرة ضد السفارة الفرنسية وقيادة أركان الجيش البوركينابي الذي يمكن القول في شأنه أن العسكرية الفرنسية توجهه عن بعد لعمق نفاذها في مختلف الإدارات والمصالح والوزارات بمستعمراتها السابقة , وفي الحقيقة فرغم أن غالبية قادة الجيوش والصف الثاني والثالث والرابع بالدول الفرانكفونية ومنها بوركينافاسو يتلقون علومهم وتدريباتهم العسكرية في فرنسا إلا أن ذلك لم يمنع مصدر عسكري فرنسي من إفادة مجموعة الأزمات الدولية بالولايات المتحدة وفقاً لموقع Monde Afrique في 6 مارس من القول بأن” القوات البوركينابية سُحقت في بداية الهجومين إلي أن ساعدناها ” , ويبررRinaldo Depagne مدير برنامج غرب أفريقيا بمجموعة الأزمات الدولية ضعف القدرة علي المواجهة من قبل عناصر الأمن والجيش البوركينابي بقوله ” أنه ومنذ سقوط نظام الرئيس Blaise Compaoré في أكتوبر 2014 أصبح الجيش أقل تنظيماً وأن وحدة القوات الخاصة المعروفة باسم فوج الأمن الرئاسي RSP التي كان يُشرف عليها Gilbert Diendéré رئيس ديوان الرئاسة تفككت بعد سقوطه ولم يحل محلها تنظيم آخر وبالتالي أصبح جمع المعلومات أضعف من ذي قبل , كما أن العلاقة بين الحكومة البوركينابية مع مختلف الجماعات المسلحة بالساحل تغيرت إذ أن الرئيس Compaoré فيما بين عام 2000 إلي عام 2012 توصل لإتفاقيات مع الجماعات المُسلحة ووفر لها دعماً لوجيستياً مقابل حيادها وهو ما بدا في دوره في الأزمة المالية 2012/2013 , لكن وتحت وطأة ضغوط تدفق اللاجئين الماليين بإتجاه الحدود المالية /البوركينابية غير Compaoré من إستراتيجيته خشية من إتساع مدي الحرب في مالي لتشمل بلاده مما أدي به إلي تفضيل التدخل العسكري الفرنسي في مالي (عمليةServal) شأنه شأن رئيس النيجر Issoufou , لذلك قرر نشر ما يزيد عن ألف جندي علي الحدود مع مالي بعد يناير 2013وأرسل 650 جندي للمشاركة في القوة الأممية لإعادة الإستقرار في مالي MINUSMA وربما يكون هذا الإتجاه هو ما جعل بوركينافاسو علي خط المواجهة مع “الجهاديين , وأنه لو صحت المعلومات القائلة بوجود تواطؤ من داخل الجيش مع المهاجمين فسيزيد ذلك من إنقسام وإختلال الجيش الضعيف أصلاً ويزعزع ثقة الشعب في الحكومة والجيش معاً خاصة مع إنخفاض الثقة ما بين الحكومة الحالية والنخبة المحيطة بنظام الرئيس السابق Compaoré ” , وفي الواقع فهذا ما كان بالفعل , إذ أعلن الناطق باسم جماعة التوحيد والجهاد MUJAO (أحد الجماعات التي تسيطر علي شمال مالي) في فبراير 2013 أن ” Bamako وOuagadougou و Niameyأهداف لإنتحاريينا ” .
أكد الرئيس الفرنسي Emmanuel Macron ” عزم بلاده وإلتزامها القوي بالوقوف إلي جانب شركاؤها بمجموعة الساحل الخماسية في المعركة ضد كل الحركات الإرهابية” , وبطبيعة الموقف فإن الألتين العسكرية والدبلوماسية تحركتا في إتجاهOuagadougou بعد أن ظلتا مشغولتين طيلة الأشهر الماضية بمعضلة تمويل القوة الخماسية للساحل التي تشارك فيها بوركينا فاسو , إلي أن نجحت فرنسا في إستكمال معظم تمويل إنشاء هذه القوة بمبلغ 414 مليون يورو ( من مجموع 480 مليون يورو) في المؤتمر الدولي عن الساحل الذي عُقد في بروكسل في 23 فبراير , ومتابعة من فرنسا لهذا الموقف الحرج في أُعلن في باريس في 6 مارس عن أن وزير الخارجية الفرنسي Jean-Yves Le Drian سيزور Ouagadougou خلال الأسبوع القادم .
هذه هي الصورة العامة لعملية Ouagadougou , وحتي يمكن تقدير الموقف المُتعلق بإستهداف “الجهاديين” أو ” الإرهابيين ” لبوركينافاسو علينا بداءة أن نضع في الإعتبار من أجل الإقتراب من الواقع وبالتالي التوصل إلي تقدير موقف عملي , ثلاث حقائق أساسية أوردها بإختصار وهي :
(1) أن فرنسا هي القوة الأجنبية المُهيمنة المُسيطرة علي الأمور في هذا البلد الفقير الواقع كغيره تحت وطأة الإستغلال الإقتصادي الفرنسي كنتيجة أولية لهذه الهيمنة بالتضافر مع السيطرة العسكرية الفرنسية , وتكفي الإشارة هنا لبيان دور فرنسا الرئيسي في عدم الإستقرار السياسي وبالتالي الإقتصادي ليس فقط في بوركينا فاسو بل في كل مستعمراتها السابقة بأفريقيا فيما عدا السنغال , فمثلاً بعد أن تولي Gabriel Léon M’ba السلطة في الجابون كأول رئيس لهذا البلد بعد إستقلاله عن فرنسا في 17 إغسطس 1960 أطاح به إنقلاب عسكري في فبراير1964 تولي إثره Jean-Hilaire Aubameالرئاسة لفترة قصيرة ثم تدخلت فرنسا عسكرياً لإعادة الهدوء للبلاد إلي أن أُجريت إنتخابات رئاسية في مارس 1967أتت بالرئيس Gabriel Léon M’ba مرة أخري للسلطة , وخلال الأربع والعشرين شهراً التي أعقبت التدخل الفرنسي في الجابون وقعت إنقلابات عسكرية ناجحة في بنين(داهومي سابقاً) وفولتا العليا(بوركينافاسو حالياً) وأفريقيا الوسطي و توجو وبوروندي والجزائر والكونجو كينشاسا .
(2) أن هذا البلد كغيره من دول العالم الثالث وأفريقيا علي نحو خاص حطم خطط تنميته – إن كانت هناك خطط جادة مدروسة بالإنفصال عن الأهداف الإقتصادية الفرنسية – عدم الإستقرار السياسي وبالتالي الإقتصادي نتيجة للدور الفرنسي ذو الطبيعة الإستعمارية والإنقلابات العسكرية التي تعاملت معها فرنسا بسلاسة وواقعية , فقد كانت السلطة تنتقل في بوركينافاسو من رئيس لآخر بإنقلابا عسكري فبعد أن تولي Maurice Yaméogo السلطة كأول رئيس لجمهورية فولتا العُليا (بوركينافاسو لاحقاً) بعد إستقلالها عن فرنسا في 5 أغسطس 1960أطاح به إنقلاب عسكري في عام 1966 قاده العقيد Sangoulé Lamizana وظلت فولتا العُليا في قبضة العسكر وظل Lamizana علي رأس السلطة طيلة عقد السبعينات من القرن الماضي إلي أن أطاح به في 25 نوفمبر 1980 إنقلاب عسكري قاده العقيدSaye Zerbo الذي بعد عامين من إنقلابه أطاح به أيضاً إنقلاب عسكري قاده ماجور طبيب Jean-Baptiste Ouédraogo , وبعد صراع بين اليمينيين واليساريين في مجلس الخلاص الشعبي وهو التنظيم الحزبي الحاكم إبان عهد Ouédraogo , إنتهي هذا الصراع بإنقلاب عسكري في 4 أغسطس 1983 قاده Thomas Isidore Noël Sankara الذي قام عام 1983 بتغيير أسم البلاد من فولتا العُليا Upper Volta إلي Burkina Faso وكان ثورياً إصلاحياً لكنه أُغتيل في 15 أكتوبر 1987علي يد قوة إنقلابية قادها Blaise Compaoré , وعلي إثر ذلك تولي Blaise Compaoré السلطة بعد الإطاحة بالرئيس Sankara قتلاً وظل Compaoré يحكم بعمليات إنتخابية صورية إلي أن إستقال من منصبه في 31 أكتوبر 2014مُجبراً نتيجة التظاهرات الإحتجاجية ضده والتي بدأت في 28 أكتوبر 2014 (هناك تأثير ما للربيع العربي) , إذ قام الجيش بحل الحكومة وحظر التجول مما إضطر Compaoré للهرب إلي ساحل العاج , بعد ذلك أعلن العقيدIsaac Zida عام 2015 أنه سيقود البلاد خلال فترة إنتقالية , لكن الأحزاب المعارضة والقوي المدنية إتفقتا في نوفمبر 2014 علي خطة لإعادة الحياة النيابية والحكم المدني فتولي Michel Kafando رئاسة الدولة بصفة إنتقالية وتولي العقيد Isaac Zida منصب ووزير الدفاع ورئيس الوزراء بالإنابة , ثم وقع إنقلاب عسكري في سبتمبر 2015 قاده فوج الأمن الرئاسي وألقي القبض علي الرئيس Kafando و Zida وفي 22 سبتمبر 2015 قدم Gilbert Diendéré زعيم هذا الإنقلاب إعتذاراً “للشعب” واعداً بإستعادة الحكم المدني وفي 23 سبتمبر إستعاد الرئيس Kafandoورئيس وزراءه Zida السلطة ثم جرت إنتخابات رئاسية عامة في 29 نوفمبر 2015 فاز فيها Roch Marc Christian Kaboré بمنصب الرئاسة من أول جولة بنسبة 53,5% وتولي السلطة دستورياً في 29 ديسمبر 2015 , وكان Kaboré قبل ذلك رئيساً للوزراء في الفترة من 1994 وحتي1996ثم رئيساً للجمعية الوطنية أو البرلمان من 2002 وحتي 2012 , أي أن عمله وذهنيته السياسية ومناصبه السياسية كلها كانت في عهد Compaoré أطول الديكتاتوريات عمراً في بلاده .
(3) أن هناك تمييزاً دينياً يُمارس ضد مسلمي بوركينا فاسو وهي قضية يعلمها المهتمين بسلوك السياسة الفرنسية في أفريقيا أو ما يُعرف بـ Françafrique ووفقاً لمتابعتي للسياسة الفرنسية في بعض دول الفرانكفون وجدت أن الإستعمار الفرنسي حاول ونجح في معظم هذه الدول في تهميش المسلمين عن الحياة الإقتصادية والسياسية في بلادهم بل إنه عندما وضع حدود تشاد والنيجر ومالي وبهم كتلة ديموجرافية ضخمة من المسلمين يمثلون الأغلبية شبه المُطلقة بهذه الدول الثلاث وضعها بحيث لا يجعل لأي من هذه الدول مُنفذاً بحرياً علي المحيط الأطلنطي ونشط وشجع الإرساليات الكاثوليكية علي نحو خاص لتحويل عقيدة مسلمي مستعمراته الفرانكفونية ومنع عنهم الوظائف مالم يحصلوا علي شهادة دراسية من المدارس التي كانت وقفاً علي هذه الأرساليات (نفس السلوك تبناه الرئيس الأسبق لمالاوي Hastings Kamuzu Banda مع مسلمي بلاده) , ومع ذلك ولكي نستبين العامل الغامض الذي له صلة ما غير مباشرة بالهجومين اللذين شُنا علي السفارة الفرنسية وقيادة أركان جيش بوركينافاسو , علينا أن نتأمل الوضع الديموجرافي في بوركينافاسو فهذا البلد كان كل حكامه منذ إستقلاله عن فرنسا في 5 أغسطس 1960 وحتي اليوم – كما سبقت الإشارة – من مسيحيي بوركينافاسو رغم أن عدد سكان هذا البلد يبلغ 17,3 مليون نسمة * ( Institut National de la statistique et de la démographie . الأول من سبتمبر 2014) 60 % منهم – علي الأقل – وفقاً للأرقام الرسمية من المسلمين الذين ينتمون إلي مختلف القبائل التي تعيش داخل أراضي جمهورية بوركينافاسو البالغ مساحتها 274,200 كم مربع , فهناك مسلمون من قبيلة Mossi التي تشكل وحدها 47,9% من مجموع السكان والتي وفقاً للأرقام الرسمية ينتمي 65% منها إلي الدين الإسلامي , وفي قبيلة Fula وتشكل 10,3% من مجموع السكان نجد كل أفرادها من المسلمين , وقبيلة Lobi أفرادها ما بين مسلمون أو مسيحيون وتشكل هذه القبيلة 6,9% من مجمل السكان , وقبيلة Bobo 6,9% من السكان يتبع كل أفرادها المعتقدات الأفريقية , أما قبيلة Mandé وتمثل 6,7% من مجمل السكان وفعظمها من المسلمين , وقبيلة Senufoالتي تشكل نسبة 5,3% من السكان بها أقلية من المسلمين , وقبيلة Gurunsi وتشكل 5% من السكان من ينتمون إليها إما مسلمون سنة أو من ذوي المعتقدات الأفريقية وأقلية صغيرة من المسيحيين , وقبيلة Gurma 4,8% من السكان كلهم مسلمين وأخيراً نجد الطوارق الذين يمثلون نسبة 3,1% من مجموع السكان كلهم مسلمين , وأري أن السياسة الفرنسية لا يتوقف إستخدامها للعامل الديني للإقصاء أو الإقتراب من أجل التعامل , بل إنها أيضاً إضافة لذلك تستخدم العامل العرقي أو الإثني لإدارة الصراعات والنزاعات القبيلة داخل مستعمراتها السابقة حتي وقتنا هذا وما صراع قبيلتي Hutu و Totsi في رواندا في الفترة من 7 أبريل 1994وحتي إنتهاءه في يوليو 1994وعلاقة فرنسا به ببعيد , لكن العامل الذي يعوق مجري السياسة الفرنسية في مستعمراتها السابقة وفي أفريقيا بصفة أعم هو الإسلام فالمستعمرون علي إختلافهم في أفريقيا إعتبروه الخطر الداهم علي قدرتهم علي إستمرار إستعمارهم لسببين رئيسيين هما (1) الروح الثورية والأبية في الدين الإسلامي وعدم القبول بالظلم كما تشير النصوص القرآنية بذاتها وفي الشريعة الإسلامية بوجه خاص , و (2) أن الإسلام كان بمثابة المُذيب للنزعات والتقسيمات القبلية والعامل المُشترك ما بين القبائل الأفريقية وبوركينافاسو تعد أحد هذه النماذج ففي معظم قبائلها تجد مسلمون , ومن هنا كان الإسلام عامل تهدئة بل وماحي للصراعات العرقية المُحتملة , ولهذا كان تركيز الإستعمار الفرنسي مُنصباً علي محاربة الإسلام في كتلته الديموجرافية علي إتساعها بغرب أفريقيا , ومع ذلك نجد سطوة الإختراق الفرنسي لمجتمع بوركينافاسو بلغت مبلغاً عظيماً لدرجة تكوين النخبة السياسية وربما الإقتصادية كذلك من مسيحييها الذين يشكلون أقل من 30% من مجمل عدد السكان , فهل يمكن لعاقل أن يتصور أن العمليات الديموقراطية يمكن العمل بنتائجها في بلد مثل بوركينافاسو والتي بلا شك ستكون في صالح الأغلبية المسلمة لو أنها طُبقت وفقاً للمعايير الفنية الدولية ؟ , وهذا مما قد يفسر جزئياً تفضيل الفرنسيين للإنقلابات العسكرية بهذا البلد الفقير , وطالما كانت دولة كبوركينافاسو يهيمن فيها الفرنسيون علي كل مفاصل وتروس الدولة والحكومة وقطاع عريض من المجتمعين الرسمي والمدني , فإنه سيكون من الصعوبة بمكان نجاح أي ديموقراطية تمثيلية حقيقية , وبالتالي فماذا تتوقع من بلد فيها أكثر من 60% من شعبها مُهمش سياسياً إلا أن يتحول إما إلي أن يكون قطاعاً محايداً غير مُتفاعل مع المخاطر المُحدقة بدولة إحتكرتها نخبة مُنتقاة بأيدي فرنسية أو يتحول قلة من أفراد هذه الأغلبية المسلمة إلي مُتعاطفين علي الأقل مع من يهددون أولئك المحتكرين والقوة التي تديرها بإحكام من باريس ؟ .
تأتي مشاركة بوركينافاسو في القوة الخماسية للساحل إستجابة أولية للمتطلبات الأمنية الفرنسية في منطقتي الساحل والصحراء لتنظيف هاتين المنطقتين من أي خطر يُحدق بالمصالح الفرنسية وهو مُحدق بالفعل , ولذلك لم يكن إنشاء قوة الساحل الخماسية G5 Sahel من حيث المبدأ إحتياج أمني وطني لأي من الدول المنضوية فيها بل هو جذرياً تنظيم إرتأت العسكرية الفرنسية إبتكاره وتطبيقه علي أرض معركة بين فرنسا وبين “إرهابيين” أو “جهاديين” أو مُسلحين مُتمردين” يعارضون الوجود الفرنسي بكافة أشكاله ومساراته وهم لا يعارضون الدول التي يعيشون علي أرضها وبها مؤسساتها ومنها القوات المُسلحة لهذه الدول , لكنهم يرون أن تماهي رؤساء هذه الدولي مع متطلبات الأمن القومي الفرنسي لابد وأن يجعل منهم تلقائياً هدفاً مشروعاً , ولذلك نري من هذا التماهي صوراً عديدة لا حصر لها في دول قوة الساحل الخماسية , لكني هنا سأقتصر علي الإشارة إلي حالة بوركينافاسو التي بالرغم من أنها مرت منذ أكتوبر 2014 بفترة إستثنائية من عدم الإستقرار السياسي إلا أن فرنسا قفزت فوق هذه الظروف المحلية والتي عاني منها شعب بوركينافاسو لتنفرد في حجرة مع بعض الموظفين من النخبة البوركينابية التابعة لها والتي تصدع بما تأمر بها باريس دائماً للتظاهر بالتفاوض في يوليو من عام 2013علي إتفاق دفاع جديد يُضاف لإتفاقيات سابقة , وكان هذا الإتفاق الجديد مُركزاً علي خدمة قوة الساحل الخماسية بعد تدبير تمويل إنشاؤها , وكان هذا الإتفاق عينه مدعاة لإستياء قادة الرأي والعاملين بالمجتمع المدني البوركينابي , لذلك إلتقت Rita Bogoré الوزيرة البوركينابية المُكلفة بالتعاون الإقليمي والبوركينابيين في الخارج بنواب الجمعية الوطنية (البرلمان) في 22 أبريل 2016 لتشرح وتفسر لهم ما يتعلق بإتفاق الدفاع المُوقع بين بلادها وفرنسا في 9 يناير 2015 فقالت أن ” إتفاق الدفاع يتعلق بإرسال عسكريين فرنسيين للعمل علي أرض البلاد بهدف تعميق التعاون المُتبادلبين البلدين في شؤون الدفاع بإقامة شراكة تتأسس علي مبادئ الإحترام المُتبادل لسيادة وإستقلال وتكامل الأراضي لكلا البلدين , وأن التوقيع علي هذا الإتفاق كان من قبل النظام الإنتقالي الذي تولي حكم البلاد بعد سقوط نظام Compaoré وكانت هناك حاجة ماسة لتعزيز قدرات قوات الدفاع والأمن , وكان التوقيع عليه تتويجاً لمفاوضات بدأت في يوليو عام 2013 ( أي أن الإتفاق كانت حاجة لدي نظام Compaoré وليس لغيره) وكان مُتسقاً مع التحرك الذي بدأ آنئذ لإقامة قوة الساحل الخماسية G5 Sahel , وينص الإتفاق في مادته “4” علي : ” خلال فترة وجودهم يستفيد الأفراد العسكريين الفرنسيين من الجانب البوركينابي بحصانات ومزايا مُطابقة لتلك التي للخبراء الذين في بعثة وفقاً لمعاهدة المزايا والحصانات الصادرة عن الأمم المتحدة بتاريخ 13 فبراير 1946, وأن الفقرة “باء” من المادة “12” من الإتفاق ونصها “يتنازل كل طرف عن أي طعن قد يكون ينشأ ضد الطرف الآخر أو القوات أو أحد أفراد موظفي ذلك الطرف عن الأضرار التي لحقت بممتلكاته أو أفراده بما في ذلك تلك التي أدت إلى الوفاة ، وذلك بسبب أو الإهمال في أداء الواجبات الرسمية بموجب هذا الاتفاق , وعندما يقوم الطرف الثالث بإجراءات قانونية ، يحل الجانب البوركيني محل الجانب الفرنسي أمام السلطات المختصة في بوركينا فاسو بحصانات الدول المعترف بها فيه , وفي حالة الإدانة النهائية يحدد الطرفان تقسيم التكاليف بينهما ” .
كان هذا الإتفاق الواقع في 8 صفحات إذن خطوة مُبكرة إتخذتها فرنسا لإعداد المسرح كاملاً وفي مساحة تشمل دول القوة الخماسية للساحل لقتال من يعارضونها , وذلك بالتوازي مع تشديد تمركزها في Ouagadougou التي وبموجب هذا الإتفاق ستكون عقدة لوجيستيكية وضابط الإتصال Liaison Officer للقوة الخماسية , فالعلاقات العسكرية بين بوركينافاسو وفرنسا مؤسسة علي معاهدة وإتفاقين المعاهدة تتعلق بالدعم اللوجيستي للقوات المُسلحة وُقعت في 14 يوليو 1965 والإتفاقين أولهما بشأن التعاون العسكري الفني ووُقع في 24 مارس 1961 والثاني إتفاق خاص وُقع في 7 أكتوبر 1969ويتعلق بالمسابقات التي تُجري للأفراد العسكريين من أجل التنظيم والتدريب والتوظف بمعرفة السرب البورندي , وكان ذلك كافياً لولا أن فرنسا تستطيع بإستخدام مختلف أدواتها الضاغطة علي تطوير إتفاقاتها الدفاعية سواء بالحذف أو الإضافة لإدارة أكفأ لإستراتيجيتها وتحقيق أمثل ما أمكنها ذلك لمنصالحها العُليا , وهذا ما رأت فيه المعارضة البوركينابية أنه إتفاق إنتحاري ومهين لبلدها خاصة المادة”4″ من هذا الإتفاق فالحصانة تريدها فرنسا لحماية جنودها الذين عاثوا في ساحل العاج فساداً وقتلاً وإغتصاباً لفتياتها ومنهم قُصر إبان الأزمة التي نشبت بين الخصمين الحسن واتارا وجباجبو .
بناء علي ما تقدم ففي تقديري ما يلي :
1- أوضح هجومي 2 مارس 2018 علي السفارة الفرنسية وقيادة أركان الجيش البوركينابي أن الخطر بدأ يقترب بل إنه طال فعلاً Ouagadougou أبعد نقطة ميدانية جغرافياً لقوة الساحل الخماسية G5 Sahel والتي إعتقدت العسكرية الفرنسية أنها لبعدها النسبي عن ميدان معركتها مع أعداءها “الجهاديين” أو “الإرهابيين” فإنها آمنة نسبياً قياساً علي تمركزها بعملية Barkhane المُتمركزة في Gao بشمال مالي , ولذلك ونظراً لأهمية Ouagadougou كمحطة لوجيستيكية وتموين سواء للتواجد العسكري الفرنسي في شمال مالي أو لتمركز قوة الساحل الخماسية المُحتمل بوسط مالي في بلدة Sévaré بمنطقة Mopti Region بوسط مالي بين منطقتي الشمال وبها معظم طوارق وعرب مالي وبين منطقة جنوب مالي التي تعيش بها معظم القبائل الأفريقية , والهجومين قد أثبتا أن الجغرافيا مازالت تلعب لصالح التنظيمات الجهاديىة أو الإرهابية , وأن مسالة البعد والقرب الجغرافي لا تعني شيئاً بالمرة عند عقائديين ففرنسا تبحث عن مصالحها المادية ومن يدورون في فلكها كحكام قوة الساحل الخماسية يبحثون عن ثبات الكرسي أم من شنوا هجمات Ouagadougou فأصحاب قضية تتعلق بالقيم والهوية وهو ما لا يتوفر لدي الفرنسيين ومن تحت أقدامهم .
2- أشارت تحليلات للبعض والأخرين أن Ouagadougou تعد الحلقة الضعيفة Maillon Faible في سلسة حلفاء الأمن القومي الفرنسي في دول منطقتي الساحل والصحراء لكن علينا أن نتذكر أنه لا النيجر ولا مالي ولا تشاد ولا موريتانيا خارج الإستثناء من هذا الوصف , فكل هذه الدول المعوزة يمكن إطلاق نفس هذا الوصف عليها لمبلغ ضعف مؤسساتها العسكرية بل وكل مؤسساتها الأخري التي ينخر الفساد في أسسها , ولئلا ننسي فليس بعيد زمنياً تعرض قوة من العمليات الخاصة التابعة للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا لهجوم من هؤلاء الإرهابيين غير الأسوياء , فقد أعلن العقيد Mark Cheadle المُتحدث باسم القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM في مؤتمر صحفي عُقد في 4 أكتوبر2017 عن مصرع أربعة عسكريين أمريكان من القوات الخاصة الأمريكية التابعة للقيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM وإصابة إثنان فيما أصيب ثمانية من جنود القوة النيجرية المٌرافقة , وكانت هذه القوة مُكونة 40 فرد منهم 12 فرد من قوات العمليات الخاصة الأمريكية ذوي القبعات الخضراء والآخرين من قوات النيجر المُسلحة جميعهم تعرضوا لكمين أثناء قيامهم بهذه المهمة المُشتركة قريباً من قرية Tongo Tongo الواقعة علي بعد 190 كم تقريباً شمال العاصمة نيامي بشمال محافظة Tillabéri بجنوب غربي جمهورية النيجر بعد قتال لم يستغرق سوي نصف الساعة (بالنيجر قاعدتين أمريكيتين واحدة بالعاصمة نيامي والأخري بشمال النيجر في Agadez) , أما الجيش المالي فلا أقل من الإشارة إلي فراره من القتال ضد عناصر الحركة الوطنية لتحرير أزواد MNLA (حركة طوارقية) عندما أعلنت هذه الحركة عن إنفصال منطقة شمال مالي كلها عن مالي في 6 أبريل2012 فيما إستطاعت جماعة أنصار الدين إحراز النصر بعد قتال عنيف ضد العناصر المُسلحة للحركة الوطنية لتحرير أزواد (حلفاءهم القدامي) فواجهتها وقاتلتها في 26 و28 يونيو 2012بعد أن أعلنوا إنفصالهم عن مالي وبعد قتال عنيف بمدينة Tomboictou وفي مدينة Gao بشمال مالي إستطاع أنصار الدين طرد عناصر والحفاظ علي التكاملي السيادي لدولة مالي …. لكنها مع ذلك تظل موصومة هناك بالإرهاب , أما النيجر فحوادث إختطاف وقتل الرهائن من الفرنسيين العاملين في إستغلال اليورانيوم تكررت كثيراً ولم تفلح لا القوات المسلحة ولا القوات والإستطلاع الجوي الفرنسي ملاحقة الخاطفين والمهاجمين علي حد سواء , أما جيش تشاد فهو ناجح بمقاييس المشاركة في قوات حفظ السلام الأممية والأفريقية لكنه جيش ليس ولاءه لوطن وإنما ولاءه لشخص واحد هو إدريس ديبي أحد أهم الديكتاتوريين الأفارقة الذين ينعمون بالحماية الفرنسية التي وفلرت له عام 2009 بقاء أطول علي كرسي الرئاسة بعد أن إقتربت قوات المعارضة من قصره الرئاسي فتدخل الطيران الفرنسي ولا يمكن إستثناء موريتانيا فالجيش هناك مخزن للإنقلابات العسكرية قصيرة وطويلة التيلة لا فرق كبير , هذه هي نوعية القوات المُشاركة في قوة الساحل الخماسية التي تريد العسكرية الفرنسية إستخدامها كحائط صد ورتقاً للثغرات التي تعتقد أنها قابلة للعد في حدود دول القوة الخماسية .
3- بعد أن شعرت الدبلوماسية علي مدي أسبوعين تقريباً بنشوة النصر عندما إستطاعت بحملة ديبلوماسية مُنسقة علي المستويات الثنائية وفي اللأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي وأخيراً في داخل الإتحاد الأاوروبي إستطاعت تجاوز معضلة تمويل إقامة قوة الساحل الخماسية بالظفر بتعهدات تمويلية في المؤتمر الدولي عن الساحل الذي عُقد بالتعاون مع الإتحاد الأوروبي في بروكسل في 23 فبراير 2018 , لكن هذه النشوة لم تدم فقد قض هجومي 2 مارس في Ouagadougou مضجع العسكرية الفرنسية ليفهمها أن قوة الساحل التي تعد بوركينافاسو أهم أعضاءها من الوجهة الوظيفية العسكرية وليس لجيشها ليست حلاً حاسماً لإدارة المعركة الخشنة الملأي بكل مشاعر الرغبة في الإنتقام المُتبادل بين فرنسا قبلة حقوق الإنسان المزيفة والأنوار المظلمة وخصومها الذين لا يعبأون إن كنت أنت أو أنا أو غيرنا سيصفهم بأنهم “إرهابيين” أو “جهاديين” , فهجومي Ouagadougou من الممكن لو تعقلت العسكرية والدبلوماسية الفرنسية أن يكونا ضوء أحمر ينذر فرنسا بالتوقف والإمتناع عن الصلف فهذه ليست أرضهم ولا من يعتبرونه إرهاباً يعترف به من يهاجمونها هنا أو هناك , فبدون الدخول في معركة خلافية علي المفاهيم فقد أصبج جلياً أن هناك مفاهيم مختلفة عن الإرهاب لن تعثر علي الحق بينها .
4- لا يمكن أن تكون الرسالة التي وجهها “الجهاديين” أو ” الإرهابيين ” أو ” المُتطرفين” سواء لفرنسا أو لحلفاءها الذين إنضووا تحت لواء قوة الساحل الخماسية أوضح من ذلك رغم مضمونها شديد الإختصار والذي مفاده : ” أغربوا كلكم عن وجوههنا ولا نريدكم هنا أو هناك في بلادنا ” , وقد أثبت الأمريكان أنهم واقعيين بدرجة ما عندما حاول الفرنسيين الضغط عليهم للتمويل المباشر لإنشاء القوة الخماسية للساحل فقد النهاية أعلن وزير الخارجية الأمريكي Rex Tillerson في 30 أكتوبر 2017 عن تقديم عون مالي يمكن أن يبلغ نحو 51 مليون يورو يُوجه بصفة ثنائية للدول أعضاء قوة الساحل الخماسية , وتعد هذه المساهمة الأمريكية تنازل أمريكي كبير في ضوء القرار الأمريكي بخفض مساهمات الولايات المتحدة في ميزانية عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في يوليو 2017 , وقد ترك الوزير Tillerson لمندوبة الولايات المتحدة لدي الأمم المتحدة Nikki Haley مسألة توضيحيه تتعلق بهذه المُساهمة الأمريكية , إذ كان عليها بيان أن هذه المُساهمة لن تُوجه للأمم المتحدة لتمويل القوة الخماسية , وقد برر Andrew Lebovich الباحث المُتخصص في شؤون الساحل بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ذلك الموقف الأمريكي بقوله أن ” إدارة الرئيس Trump قالت وبوضوح أن ثقتها في الأمم المتحدة محدودة جداً …. وأنها لشديدة الحذر من منح تفويض كبير جداً للقوة الخماسية ” .
5- هجمات Ouagadougou وسعت من ميدان معركة الفرنسيين في الصحراء الكبري إذ أن المعركة بوصولها إلي Ouagadougou فإنها تكون قد أنذرت بالإقتراب من مسرح عمليات إضافي أو مُلحق بمسرح دول الصحراء , هذا المسرح هو الدول الفرانكفونيةالمُشاطئة للمحيط الأطلنطي والتي ترتبط بفرنسا بمعاهدات وإتفاقيات دفاع وأمن مختلفة لا تقل عن تلك التي مع بوركينافاسو والدول الأربع الداخلة في عضوية قوة الساحل الخماسية G5 Sahel المصنوعة داخل بعض مكاتب وأروقة وزارتي الخارجية والدفاع الفرنسيتين والمُعبأة في عواصم دول هذه القوة المكشوفة والمُعرضة .
ستكون لعملية Ouagadougou تداعيات مختلفة علي كل من :
فرنسا :
– ستبدأ العسكرية الفرنسية مراجعة دقيقة لمدي فاعلية إعتماد العسكرية الفرنسية علي القوة الخماسية للساحل كحل يخفف عبء ثقيل علي كاهلها يتمثل في عملية Barkhane بشمال مالي التي بدأت في الأول من أغسطس 2014, وتكلفت – وفقاً لبيانات صحيفةLe Point Afrique في 23 فبراير 2018 – نحو أربعة آلاف مليار فرنك , وذلك كما يُقال لمحاربة ” الجهاديين ” بشمال مالي بصفة رئيسية ولها نقاط تمركز مُوزعة علي طول الحدود من تشاد شرقاً حتي حدود موريتانيا غرباً , وهناك مخاوف من أن لا يكون الضوء الذي يلقيه هذين الهجومين المُتزامنين بدقة كافياً لتري العسكرية الفرنسية أن وضع قووة الساحل الخماسية يختلف الان وبعد 2 مارس , فدقة أداء المهاجمين أثناء هجومي 2 مارس ودقة وضع وتنفيذ توقيتات الهجوم وحرية حركتهم في مدينةOuagadougou بشكل ينم عن معرفتهم الكاملة بدروب العاصمة بما قد يشير إلي من بينهم من هم من أهل البلد , مما يؤكد قدر التراخي الأمني والعسكري لقوات بوركينافاسو .
– يأتي هذا الحدث الموجه للعسكرية الفرنسية ويثير دخان كثيف علي صورتها مماثلاً للحادث الذي تعرضت له العسكرية الأمريكية التي تلقت ضربة مُوجعة من جماعة “جهادية” أو “إرهابية” في النيجر في 4كمين نُصب لها في 4 أكتوبر 2017 قرب قريةTongo-Tongo الواقعة علي بعد 80 كم شمال غرب بلدة Ouallam جنوب غربي النيجر , مما يعني أن هناك إمكانية لتنسيق جاد بين العسكريتين لتدارس سبل تحقيق أقصي أمن ممكن لتواجدهما العسكري بمنطقة الصحراء الكبري فللولايات المتحدة في النيجر وحدها قاعدتين يعمل إنطلاقاً منهما 800 عسكري أمريكي , أما فرنسا فبالإضافة إلي بعثاتها ومهامتها العسكرية في دول الساحل والصحراء هناك ما لا يقل عن 4000 جندي مُنرط في قتال بعملية Barkhane , فتكرار الهجمات علي التواجد العسكري الأمريكي والفرنسي يؤكد لشعوب منطقتي الساحل والصحراء أن من يهاجمهما ليس إرهابيا بقدر ما هو علي الأقل مُعارض للوجود العسكري الأاجني علي أراضي بلاده وإن لم تكن هذه هي الوطنية فما الوطنية إذن ؟ .
– سيكلف هجوم Ouagadougou الخزانة الفرنسية تبعات وتكاليف مالية إضافية مُحتملة لإحكام الأمن بالنسبة للجالية الفرنسية الضخمة بدول الساحل والصحراء وكذا المصالح الإقتصادية والبعثات العسكرية بعواصم المدن .
– ستبدأ فرنسا في ممارسة ضغوط إضافية علي الجزائر من أجل مزيد من التعاون في حصار القوي الجهادية أو الإرهابية المسلحة التي يُعتقد أن لها إتصالات مع أجهزة الأمن الجزائرية بالتوازي مع ضغوط أخري في إتجاه إجبار الجزائر للإنخراط علي مدي أكثر إتساعاً في الترتيبات العسكرية بمنطقة الصحراء تعييناً وربما تسخدم فرنسا وسائل “قذرة” من بينها التخطيط لإثارة القلق والخوف في الشارع الجزائري بإفتعال موجات إرهابية داخل الجزائر من أجل تحقيق ذلك .
دول القوة الخماسية :
– ليس هناك حيزاً مناسباً مُتبقياً أمام رؤساء دول القوة الخماسية للساحل للتراجع , فتقدمهم نحو إقامة وتفعيل هذه القوة أصبح مسألة مصيرية بإعتبارهم حلفاء صادقين كل الصدق لفرنسا , لكن الهجومين في Ouagadougou أكدا لقطاع ليس بالهين في أوساط عسكريات الدول الخمس أن المضي في الإنخراط عسكرياً في هذه القوة عبء أمني يُضاف علي كاهل كل دولة من الدول الخمس كانت في غني عنه لولا أمانة عملاء فرنسا وخدم مصالحها العُليا .
– من غير المُستبعد ان ترتبط هجمات Ouagadougou بتغييرات مُقبلة يقوم بها رؤساء الدول الخمس المُشاركة في قوة الساحل تشمل المناصب العسكرية الرفيعة والقيادية وكذلك قادة المناطق العسكرية مُقبلة , فانخراط قادة الدول الخمس المشاركة في القوة الخماسية للساحل الموضوعة لخدمة الأمن القومي الفرنسي كان قراراً سلطوياً فوقياً أكثر منه قرار عسكري صر\ف فالكل يعلم أن ما يُسمي إرهاب مُوجه لفرنسا ومصالحها وليس لشعوب ولا لمؤسسات هذه الدول ولا لشعوبها فهؤلاء الإرهابيون إنما جاءوا من رحم هذه الشعوب التي أفقرتها فرنسا لتغني شعبها .
– هناك إحتمالات تقوي يوماً بعد يوم لإنقلاب عسكري في أحد دول القوة الخماسية للساحل G5 Sahel , فهجمات Ouagadougou ستلقي بظل كثيف علي العلاقات بين قادة دول القوة الخماسية والقادة العسكريين الذين يري بعضهم أنهم يحاربون في صفوف الجيش الفرنسي وأنه قد آن أوان بدء مرحلة جديدة في العلاقات العسكرية بين فرنسا والدول الأفريقية خاصة دول قوة الساحل الخماسية , هذا ربما ما قد تخشاه فرنسا أو يجب أن تخشاه .
بقيت الإشارة إلي أن هجومي Ouagadougou لهما دلالة رمزية شديدة الوضوح فهناك تعادل في التعامل العدائي ضد المصالح الفرنسية ممثلة في السفارة الفرنسية هناك وبنفس القدر ضد قيادة أركان جيش بوركينافاسو فكلاهما أصبحا في حالة من الوحدة الإندماجية إذ أن جيوش أفريقيا أصبحت أداة دفاع يذود أفرادها عن مصالح من يستغلون أفريقيا .
خاص – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة تحريراً في 7 مارس 2018