الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

ثورة النفط الصخري: بين طموح الاستمرار وذريعة التراجع

اعداد : انور حامد الدليمي – 

ماجستير في العلوم السياسية/ جامعة النهرين – باحث في العلاقات الاقتصادية الدولية وشؤون الطاقة

  • المركز الديمقراطي العربي

 

الخلاصة:

شهد العالم خلال الاعوام الخمسة والعشرين الماضية تغيرات تدريجية, لكنها مؤثره في انماط الانتاج والاستهلاك للطاقة الهيدروكربونية, متمثلة في انتاج النفط والغاز الصخري الامر الذي ساعد على تحسن مزيج الطاقة وتعزيز الاقتصاد العالمي ولا سيما في الولايات المتحدة, ومن ذلك سيتم التركيز على المصادر المبتكرة للطاقة الهيدروكربونية وعلى راسها (النفط الصخري) التي اسهمت فيه التقنية المستحدثة في جعله ذا جدوى اقتصادية في الانتاج والاستهلاك, ومن ناحيه اخرى سيتم التركيز, على ان استمرار وتراجع النفط الصخري سيكون بين المعجزة الاقتصادية والكارثة البيئية:

ماهي الطاقة الهيدروكربونية المبتكرة ( زيت النفط الصخري):

ان زيت النفط الصخري, هو نوع من الزيت الخفيف, ينتج من الصخور التي تحتوي على رواسب الكيروجين التي يتم تحويلها بدرجة حرارة عالية الى هيدروكربون سائل, وهو بديل للنفط الخام, زيت الصخر الزيتي, هو مركب صلب للظهور العضوي الذي يتكون في ظروف مائية, يعرفها الجيولوجيون على انها صخور رسوبيه, تتكون اساسا من مواد عضوية ( حيوانات احفوريه ومخلوقات بحريه ونهريه) تجعلها مشابه للنفط الخام, وعادة ما يتكون النفط الصخري من لزوجه رقيقيه, أي عندما يتم تسخين الزيت الصخري في غياب الاوكسجين, من خلال توفر هيدروكربونات سائلة او غازية, والمواد الجديدة التي يتم تكوينها بسبب التدفئة التي لا تمثل سوى 20 ــــ 70% من الحجم الاولي.

وبذلك ان الطاقة الهيدروكربونية المبتكرة المتمثلة بالنفط الصخري حققت تقدم غير مسبوق في السنوات الخمسة والعشرين الماضية, بدئت بتقدم وسيطرة الولايات المتحدة على الابتكارات في قطاع التقنية الفائقة الذي تتزايد اهميته بصورة متسارعة في تحرك العالم نحو النظام العالمي الجديد, بالإضافة الى ذلك ان قدرات الاقتصاد الامريكي على الابتكار تظهر ليس في الابتكارات التي ترتبط بالمشتقات المالية  Financial Derivativesبل الى ابتكارات وتقنيات جديده في مجال الطاقة, مثل تقنية التكسير الهيدروليكي, Hydraulic Fracturing التي ادت الى طفرة ملموسه في انتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة, بما يشير الى حدوث تغير ملموس في طبيعة عمل اسواق الطاقة التقليدية, مما يكون له انعكاسات سياسيه وامنيه واقتصادية شديدة الاهمية على مستوى العالم.

وعلى الرغم من تطور التقنيات المستخدمة في استخراجها وانتاجه, فان تكلفة الاستخراج لا تزال اعلى من تكلفة النفط الخام التقليدي, التي يتم حسبها في طبقات صخريه عميقه.

الجدوى الاقتصادية من إنتاج النفط الصخري

لايزال النفط الصخري في بداياتها لإنتاجية ولاتزال الشكوك تدور حوله من الناحية البيئية أو من ناحية جدواه على المدى المستدام, كما أن عددًا من الجهات الأميركية والأوروبية المستقلّة تلمّح إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية متحمّسة بخصوص هذه الثورة الحديثة ولذلك أسباب عديدة من اهما، مبالغة الشركات الأميركية الكبيرة في تقديراتها من أجل الحصول على الدعم والتسهيلات اللازمة من الحكومة.

فعلى الرغم من الدور الهام للنفط الصخري, الا انه لايزال الغموض يحيط بهده الصناعة الوليدة, فصحيح أن هذا النوع من النفط يشكّل ثورة في عالم الطاقة، ولكن يصحّ القول أيضًا أنه يظل ثورة تحتاج إلى المزيد من الوقت والنضج والإمكانات، لتصبح جزءً الايتجزّأ من قوة دفع الطاقة بشكلٍ عام.

النفط الصخري الامريكي بين المعجزة الاقتصادية والكارثة البيئية

يرى البعض في النفط الصخري معجزة اقتصادية وبينما يرى البعض الآخر فيه كارثة بيئية, فهل من الممكن تقريب وجهتي نظر هذين الطرفين حول طاقة النفط الصخري؟

لقدغيّرت طفرة النفط الصخري الأميركي توقّعات أسعار الطاقة في خلال العقد الماضي، إذ أنهت تراجعًا في إنتاج النفط استمرّ عقودًا من الزمن في الولايات المتحدة وخفّضت أسعار الغاز الطبيعي بقيمة الثلثين من أعلى مستوياتها في عام 2008, وأدّى الدخل  وفرص العمل وإيرادات الضرائب التي أوجدتها ثورة النفط الصخري إلى إنعاش المناطق الصناعية والزراعية المتحضّرة وإلى تشجيع الآمال في انتعاش طويلا لأمد في مجال التصنيع في الولايات المتحدة على أساس الطاقة الرخيصة, وفي الوقت نفسه، تم التحوّل في توليد الطاقة عن طريق الفحم إلى توليدها عن طريق الغاز، ماأدّى إلى تخفيض انبعاثات الغازات السامة وغيرها من الملوّثات.

ومن ناحية اخرى تؤمن طفرة النفط الصخري للولايات المتحدة نفوذًا في جميع أنحاء العالم, حيث يقل اعتمادها على إمدادات الطاقة من الخارج، وهو ماسيمنحها قدرًا أكبر من الحرية في رسم استراتيجيتها الكبرى, فالاكتشافات النفطية الجديدة ستطلق يد الولايات المتحدة على الصعيد العالمي في ما يتعلق ببعض القضايا، لاسيما فرض العقوبات الاقتصادية على بعض الدول، فعلى سبيل المثال لم يكن ممكنًا للولايات المتحدة إقناع المجتمع الدولي بفرض عقوبات على إيران دون تقديم ضمانات بأن إزالة النفط الإيراني من السوق الدولية لن يتسبب في ارتفاع الأسعار, كما يُعطي الولايات المتحدة وسيلة جديدة لتعزيز تحالفاتها، ويفتح لها أفقًا للتعاون مع دول مستهلكة للطاقة مثل الصين و أوكرانيا، وإذا تحسنت علاقات واشنطن مع تلك الدول، يمكن أن يعمل الجميع على تعزيز أمن الطاقة.

وعلى الرغم من ان إنتاج النفط الصخري قد ولّد فوائد واضحة، إلّا أنّه لايزال يلقى معارضة شديدة من منظّمي الحملات البيئية, إذ كثرت المخاوف بشأن التلوّث المحتمل لإمدادات المياه من المواد الكيماوية المستخدمة في التّكسير، الأمر الذي أدّى إلى تعزيز الانتقادات في بعض الأماكن، بما فيها فرنسا وبلغاريا وولاية نيويورك، وأثارت تلك المخاوف أيضًا احتجاجات في أماكن أخرى ومن ضمنها بريطانيا, اذ تم توثيق تلوث اكثر من 236 بئراً لإنتاج النفط الصخري في ولاية بنسلفانيا, وان هذا التلوث ناتج بالحقيقة عن عمليات الحفر والتكسير الذي تقوم به شركات النفط الصخري الامريكية, وامام تزايد الحديث عن خطرها المباشر على الصحة العامة زادت حدة الاحتجاجات الشعبية التي تدعو الى وقف انتاج النفط الصخري بشكل كامل وهوما تحقق في مدينة دينتون في ولاية تكساس شمال شرق الولايات المتحدة الامريكية, والى جانب الاحساس الشعبي بمدى تلك الخطورة قامت جماعات حماية الارض والمنظمات البيئية والحقوقية بمحاربة عمليات الحفر والتكسير وان اغلب عمليات الحفر والتكسير تتم في مواقع قريبة من الجامعات الحكومية والتجمعات السكانية والساحات العامة والمدارس, وفي نيويورك قامت منظمة ” بيئة نيويورك” بتوعية العموم من مخاوف النفط الصخري والتحرك من اجل حظر عمليات الحفر والتكسير, وبالفعل تمت نشاطات شعبية في بعض المدن والمناطق التي تشهد عمليات حفر وتنقيب عن النفط الصخري.

اضافة الى ذلك ان الحقيقة العلمية الموجعة للولايات المتحدة هي ان ابار النفط الصخري لاتعمر طويلاً, اذ سرعان ما ينتقل انتاج البئر الواحد من 1000 برميل يومي الى 10 برميل فقط في اليوم الواحد بعد سنوات معدودة مقارنة مع ابار انتاج النفط الخام التقليدي التي يمتد انتاجها الى عشرات السنين.

وتشير لغة الارقام الى ان الاحتياطات الاجمالية للنفط الصخري الامريكي تقدر بحوالي 58 مليار برميل, فضلا عن الى 665 مليار قدم مكعب من الغاز الصخري, وهو ما يعني عملياً مدة استهلاك تمتد من لــ 8 سنوات متواصلة على اساسا ستهلاك الولايات المتحدة الامريكية 19 مليون برميل يوميا, يضاف اليها ايضا 21 مليار برميل من النفط الاحفوري التقليدي, وهو ما يشير الى ان احتياطات الولايات المتحدة من النفط بجميع انواعه تقل بنحو 6 مرات عن احتياطات 3 دول خليجية هي (المملكة العربية السعودية والامارات والكويت) التي تقدر احتياطاتها بأكثر من 467 مليار برميل من النفط الخام, مما يجعل هذه الدول خاصة وبعض دول الشرق الاوسط المنتجة للنفط عامة, بحسب توقعات وكالة الطاقة الدولية عصر الاساسي للطاقة في العالم على المدى الطويل.

وتختتم الدراسة بالتأكيد على أنه بالرغ ممن تغير خارطة الطاقة العالمية فإن المصالح الأمريكية لم تتغير، فالاكتشافات الجديدة في النفط والغاز لن تدفع واشنطن إلى الانسحاب من الساحة العالمية, حيث ستظل الولايات المتحدة مرتبطة بقوة بأسواق الطاقة المعولمة، فأي خلل كبير في إمدادات النفط العالمية يؤثر على الأسعار في محطات البنزين يالولايات المتحدة، لذا على واشنطن الحفاظ على استقرار الأسواق العالمية بما يسمح لها بمواصلة حماية مصالحها الحيوية في مختل فأنحاء العالم، فضلا عن الحاجة إلى مراقبة الممرات البحرية الكبرى التي تمر من خلالها تجارة الطاقة والسلع الأخرى, لذا ستبقى واشنطن ضالعة في الشئون الخارجية، لاسيما بمنطقة الشرق الأوسط نظرًا لحيوية مصالحها في هذه المنطقة، واضطرارها للخروج من أفغانستان والعراق.

  • خاص المركز الديمقراطي العربي
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى