هل تُنهي إستراتيجية الإمارات في الحديدة المرحلة الأولى من حرب اليمن ؟
-المركز الديمقراطي العربي
يسيطر الحوثيون على حوالى ٥٦٠ كيلومتراً من خط البحر الأحمر الساحلي بين الخوخة وميدي، بما في ذلك العديد من الجزر. وترسي “سفينة أُم” إيرانية (“سافيز”) على أرخبيل دهلك وميناء الحديدة والصليف ومحطة لتحميل النفط في رأس عيسى. وانطلاقاً من هذه القواعد، شنّ الحوثيون عشرات الهجمات على قواعد التحالف في البحر الأحمر، وخطوط الشحن التابعة للتحالف، والممرات البحرية الدولية على البحر الأحمر، والنقطة المفصلية لباب المندب – وهو مزود حيوي لسوق الطاقة الأوروبي. ويمرّ عبر المضيق قرابة أربعة ملايين برميل من النفط يومياً، ويعتبر الأكثر أهمية بعد مضيقي هرمز وملقا.
حذّر الحوثيون من أنّ أي محاولة لتحرير كل من الحديدة والصليف – الميناءان الوحيدان للحمولات الثقيلة الواقعان تحت سيطرتهما حالياً – قد تولّد رداً قاسياً. ومن المرجح أن تشمل هذه التدابير زيادةً في الهجمات الصاروخية على المملكة العربية السعودية وربما على الإمارات العربية المتحدة أيضاً، مصحوبة بجهود لتعطيل ممرات الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب. والأحداث السابقة توضح السياق:
- في ١٢ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠١٧، عندما أوقف تحالف الخليج جميع حركة المرور إلى موانئ الحوثيين لفترة وجيزة، هدد المتمردون بمهاجمة الناقلات السعودية التي تعبر مضيق باب المندب. وأشارت قناة “المسيرة” المروّجة لدعاية الحوثيين إلى أنّ “البوارج وناقلات النفط التابعة للعدوان وتحركاته (في إشارة إلى التحالف العربي وعملياته) لن تكون في مأمن [القوات البحرية الحوثية] إذا ما أصدرت القيادة العليا التوجيهات [بشن هجوم]”.
- في ٩ كانون الثاني/يناير ٢٠١٨، هدد رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين صالح الصماد، الذي قُتل لاحقاً في غارة جوية في ١٩ نيسان/أبريل، بقطع ممرات الشحن في البحر الأحمر إذا واصل التحالف تقدّمه نحو الحديدة. ونُقل عن الصماد قوله على قناة “المسيرة”: “إذا استمر المعتدون في التقدّم نحو الحديدة وإذا وصل الحل السياسي إلى حائط مسدود فستكون هناك بعض الخيارات الاستراتيجية التي سيتم اتخاذها كنقطة لا عودة تشمل منع الملاحة الدولية في البحر الاحمر”.
شهد هذا الأسبوع بدء المعركة النهائية لتحرير الحديدة، أكبر ميناء في اليمن. وإذ يبلغ عدد سكان المدينة 700 ألف نسمة، تعتبر الحديدة “بوابة العبور” إلى تلك البلاد. ووفقاً لـ “مركز إسناد العمليات الانسانية الشاملة في اليمن“ استوردت البلاد 47 في المائة من المواد الغذائية التي دخلت اليمن في الربع الأول من عام 2018.
وتعدّ الحديدة أيضاً المصدر الرئيسي لدخل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، الذين يفرضون رسماً يناهز 100 ألف دولار على الشاحنين للسماح لكل سفينة بأن ترسو وتفرغ حمولتها من المواد الغذائية أو الوقود.
وحول الخطوة الإستراتيجية لدولة الإمارات في الحديدة في حرب اليمن يقول “مايكل نايتس” وهو زميل أقدم في معهد واشنطن، كان قد سافر إلى معظم جبهات القتال في اليمن خلال ثلاث رحلات قام بها هذا العام. وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع “ذي ناشيونال”.
تتجه أنظار العالم الآن نحو الحديدة، على الرغم من أن معظم الناس لم يسمعوا بها قبل هذا الأسبوع. فسكان الحديدة يريدون أن يتحرروا من الحوثيين، الذين ليسوا من أبناء المنطقة، لكن السكان المحليين يخشون من اندلاع معركة طويلة ومدمرة. ويبدو أن المساعي الدبلوماسية لإقناع الحوثيين بمغادرة الميناء طواعية قد فشلت.
وفي الوقت الذي تقف فيه القوات اليمنية المدعومة من الإمارات على مسافة ثمانية كيلومترات خارج الحديدة، تسببت المعركة الوشيكة بامتناع شركات الشحن التجارية عن تسليم المواد الغذائية إلى المدينة، على الرغم من أن وكالات الإغاثة تواصل عمليات التسليم.
لكن الوقت بدأ ينفذ. وإذا تراجعت واردات المواد الغذائية عبر الميناء لفترة طويلة، فقد تغرق الأراضي اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين في مجاعة مهلكة تحذّر منها الأمم المتحدة ووكالات المعونة الأخرى.
ومن وجهة نظر العالم، اختار التحالف الذي تقوده السعودية وضع ميناء الحديدة “خارج الخدمة” لبعض الوقت، وهي مخاطرة كبيرة للغاية. فالإمارات هي المسؤولة عموماً بشكل مباشر عن نجاح حملة الحديدة واستئناف التدفقات الإنسانية عبر الحديدة وسليف، الميناء القريب الآخر.
وتتمتع الإمارات “بخبرة واسعة في هذا المجال”. فهناك حوالي 1500 جندي إماراتي فضلاً عن قوات جوية ومدفعية إماراتية بشكل رئيسي تدعم القوات اليمنية التي يصل عدد أفرادها إلى 25 ألف جندي والتي تتحرك لتحرير الميناء. وفي 13 حزيران/يونيو، قُتل أربعة جنود إماراتيين في هجوم نفذه الحوثيون ضد سفينة بحرية.
وما يعجز معظم المراقبين عن فهمه، بعد توجيه الأنظار حديثاً نحو الحديدة، هو أن الإمارات وشركاءها اليمنيين كانوا يستعدون لتحرير الميناء منذ عام 2016 من أجل إضعاف الحوثيين، ومنح المفاوضين ميزةً، والحدّ من قدرة المتمردين على استيراد أسلحة إيرانية، وإعادة الميناء إلى طاقته الاستيعابية الكاملة كمركز استيراد إنساني.
ولكن لسوء الحظ، حالت الاحتجاجات المتتالية من قبل الولايات المتحدة والأمم المتحدة ووكالات الإغاثة دون تحرير الحديدة، مما ترك شمالي اليمن يعاني نقصاً حاداً في المواد الغذائية. وفي حين كانت العملية أساساً غزواً برمائياً، فقد كان من الضروري الحصول على المساعدة الأمريكية للحماية من الصواريخ المضادة للسفن، والألغام، والمراكب الموجهة عن بعد. والآن، مع تقدّم القوات نحو الحديدة من الجنوب، لم يعد الدعم الأمريكي ضرورياً. فقد بدأت العملية تحرز تقدماً أخيراً.
وتتمتع القوات اليمنية المدعومة من الإمارات بالقدرات العسكرية اللازمة لتحرير الحديدة والموانئ القريبة. فهناك حوالي 2,000 مقاتل حوثي في المدينة، محاطين بما يصل إلى700,000 مواطن يمني و25,000 عنصر من القوات اليمنية المتقدمة.
وتُعتبر المعارضة الداخلية للحوثيين قويةً، لا سيما بعد أن قتلوا الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في كانون الأول/ديسمبر 2017. وكان أمام الإمارات أكثر من عامين للتخطيط والاستعداد لهذه اللحظة.
ويمكن أن يكون للمعركة نتيجة واحدة فقط وهي: تحرير الحديدة وسكانها. وعوضاً عن ذلك، يركز عدم اليقين على سرعة المعركة، سواء كانت الموانئ والقنوات البحرية مفخخة أو تعرضت لأضرار أخرى، وما إذا كانت خطط التحالف للمساعدات الإنسانية جيدة بما يكفي لإنقاذ اليمن من المجاعة. إنه اختبار دولي مهم، لكن يجب على أي من المتشككين أن يتذكروا أن القوات المسلحة الإماراتية قد فاجأت العالم مراراً وتكراراً حين حررت عدن والمكلا في عمليات قالت الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى إنه لا يمكن القيام بها.
ومع ذلك، ففي حالة الحديدة، لا تعتبر السيطرة العسكرية على الموانئ نهاية القصة. فبعد أن شرعت دولة الإمارات في هذه العملية، يجب عليها الآن أن تُظهر أنها مستعدة لتحدي إعادة واردات المواد الغذائية والوقود إلى مستوى أكبر مما كانت عليه قبل المعركة.
وقد استغرق التفكير في كيفية استعادة الميناء من دون أن يصاب بضرر واستئناف العمل في منشآته وتدفق المساعدات إلى الحديدة أكثر من عامين. ويتمثل أحد التحديات الرئيسية لإعادة استئناف العمل في الميناء في إزالة كل من الألغام المزروعة تحت سطح البحر والشراك الخداعية الموضوعة في منشآت الميناء. أما التحدي الثاني، فسيكون إقناع شركات الشحن التجارية بالعودة إلى الميناء حتى وسط إطلاق الحوثيين صواريخ عرضية من منصات الإطلاق البعيدة داخل البلاد.
ولا يزال جزء كبير من ساحل البحر الأحمر الذي يسيطر عليه الحوثيون بين الحديدة والمعبر الحدودي السعودي في محافظة الطوال يعيق استخدام الموانئ السعودية الكبيرة مثل جازان، للتعويض عن أي نقص في حال تعذّر تشغيل ميناءي الحديدة وسليف بشكل مؤقت.
ونتيجةً لذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يجب القيام به لتذليل هذه التحديات في الحديدة. ولا بدّ من أن تكون عملية إزالة المتفجرات بعد التحرير في كل من الميناء وقنوات الشحن سريعةً وعاجلة. يجب استبدال الرافعات والصوامع وخزانات الوقود أو إصلاحها على الفور. ويتعيّن أيضاً إرسال فِرق عمل تُعنى بتشغيل الميناء وعمال الأرصفة إلى الحديدة وسليف من أجل سدّ نقص الموظفين المحليين.
على الائتلاف دعم شركات الشحن التجارية من خلال تأمين سفنهم – أو حتى استئجارها – لتحفيزهم على العودة إلى موانئ البحر الأحمر. (وتشتهر الإمارات بهذا النوع من الخطوات الجريئة؛ تماماً كما فعل الإماراتيون حين سارعوا إلى شراء سفينة الهبوط البرمائية الخاصة بهم بعد أن رفضت الولايات المتحدة إقراضهم واحدة في عام 2015).
يجب إظهار كل ذلك إلى العالم بأسره – وليس عبر تغطية إخبارية مضللة فحسب، ولكن من خلال إحاطات إعلامية يومية مفصلة متعددة اللغات حول الخطط الإنسانية، على غرار المؤتمرات الصحفية التي ينظمها الجيش الأمريكي أو البريطاني. ويحتاج الائتلاف أيضاً إلى إظهار أن تحرير الحديدة قد أفسح مجالاً جديداً أمام وقف إطلاق النار والحوار بين الفصائل المتباينة.
وفي هذا السياق، كانت انطلاقة المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، صعبةً، حيث حاول إرساء التوازن بين احتياجات الحوثيين والقوات اليمنية المدعومة من الإمارات في الحديدة، في الوقت نفسه الذي كان يحاول فيه إعادة جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات.
وبعد تحرير الحديدة، على الائتلاف أن يكون واقعياً. فخسارة الحديدة ستحدّ من المبالغ التي يمكن للحوثيين الحصول عليها، لكنهم مع ذلك سيستمرون في فرض ضرائب على المواد الغذائية والوقود حيثما اجتازت الخطوط التي يسيطرون عليها. كما أن خسارة الحديدة، الواقعة خارج محافظتي صعدة وعمران – موطن الحوثيين – لن تردعهم عن المحاربة من أجل السيطرة على العاصمة صنعاء.
وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون النتيجة الاستراتيجية من تحرير الحديدة طيّ المرحلة الأولى، والأمل بأن تكون الأخيرة، من حرب اليمن. يُذكر أن الحديدة هي آخر المدن الكبيرة التي يسيطر عليها الحوثيون خارج المناطق الجبلية في اليمن، والتي سيدافعون عنها بشراسة أكبر.
ومن شأن تحرير الحديدة وسليف وكامل ساحل البحر الأحمر أن يُطمئن السعودية والإمارات إلى حدّ كبير بشأن عدم إمكانية الحوثيين من تهريب أعداد كبيرة من الصواريخ القادرة على ضرب الرياض أو غيرها، وعدم تحوّلهم إلى “حزب الله جنوبي” جديد، على غرار وكيل إيران في لبنان.
وتشير هذه العوامل إلى ضرورة الالتزام الكامل بعملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بعد تحرير الحديدة وسليف.
ويوم الثلاثاء أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن القوات العسكرية الأمريكية تزود القوات اليمنية المتقدمة “بمعلومات استخبارية من أجل ضبط قائمة أهدافها المستهدفة بالغارات الجوية…”. وأفاد أحد المسؤولين في الجيش الأمريكي بأن “الهدف هو تقليل عدد الإصابات في صفوف المدنيين وتقليص الضرر اللاحق بالبنية التحتية الأساسية”.
فما هو حجم الكارثة الممكن وقوعها؟ نقلت صحيفة “الغارديان” اللندنية عن مسؤولين في الأمم المتحدة قولهم إنّه “في أسوأ الحالات… سيُقتل ما يقرب من 250 ألف مدني نتيجة الهجوم”. ووفقاً لمصادر مختلفة أن 300 ألف آخرين أو أكثر سيُرغمون على الفرار.