نظرة تحليلية : العقوبات الاقتصادية التى تفرضها الولايات المتحدة على الصين – روسيا – إيران – تركيا
الحرب الإقتصادية العالمية
بقلم :أ. محمود محمد المصرى – المركز الديمقراطي العربي
مقدمة
تتعرض الدول للضغوط الإقتصادية كإحدى الوسائل والأدوات فى إدارة الصراع الدولى ، و هذه الضغوط تأخذ طابع التأديب الإقتصادى ، التى تسعى الدولة التى إتخذت قرار شن حرب إقتصادية على دولة أخرى لتمنعها من تنفيذ سياستها الإقتصادية أو الحصول على مزايا إقتصاية دولية.
و من هذا المنطلق تتخذ الدولة الضاغطة عدة اجراءات بهدف ارغام هذه الدولة المعنية بفرض العقوبة عليها ، على تعديل موقفها السياسى و حصول الدولة الضاغطة على أهدافها السياسية و الدبلوماسية. عموما كى تكون العقوبات الاقتصادية أكثر فاعلية ، يجب أن تسعى العقوبات إلى هدف محدد.
و لكن نحن بصدد حرب ضارية تطلقها الولايات المتحدة الامريكية على إقتصادات الدول و لا يهم اذا كانت هذه الدول صديقة أو غير مرغوب فيها.
ينص ميثاق الأمم المتحدة ، في المادة 41 منه، على استخدام العقوبات الاقتصادية : “لمجلس الأمن أن يقرِر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استعمال القوة المسلحة ، وله أن يدعو أعضاء الأمم المتحدة إلى تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها قطع العلاقات الاقتصادية قطعا كليا أو جزئيا”. ينبغي، كلما أمكن ذلك، إيثار العقوبات المالية على العقوبات التجارية. فالعقوبات التجارية تمس السكان المدنيين مباشرة، لأنها تقوم أساسا على تقييد الصادرات إلى البلد المستهدف والواردات من منتجات ذلك البلد ؛ أما العقوباتُ المالية فتمس الطبقات الحاكمةَ مساسا أكثر مباشرة: تجميد حسابات مصرفية ، تعليق المساعدات المالية كلها، رفض إعادة جدولة الدين الخارجي للبلد المستهدف، رفض أيِ استثمار في هذا البلد.
دوافع الحرب التجارية
قبل ذى بدء ، يجب طرح سؤال هام ما هى الحرب التجارية ؟ عندما تهاجم الدول تجارة بعضهم البعض من خلال فرض الضرائب على السلع المستوردة ، سوف ترفع الدول التعريفة الجمركية ، و هو نوع من الضرائب ، مما يجعل الآخر يستجيب ، فى تصعيد أحادى متبادل. و هذا يمكن أن يضر بإقتصادات الدول و تؤدى إلى تصاعد التوترات السياسية.
وفى سياق أخر ، عرضت إدارة ترامب قضيتها فى تقرير مؤلف من 35 صفحة بعنوان ” كيف يهدد العدوان الاقتصادى الصينى التكنولوجيا و الملكية الفكرية للولايات المتحدة” ، ويتضمن تفاصيل عن الخطوات التى يتخذها المسؤولون الصينيون لحماية و تعزيز حقوقهم التجارية.
يقول العديد من الخبراء الإقتصاديين الأمريكيين إن تلك الخطوات غير كافية – و ربما تأتى بنتائج عكسية – لوضع الشركات الأمريكية للمنافسة فى الصناعات الناشئة ذات التقنية العالية .
وقد وجد الخبراء أن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى إسترتيجية إستباقية لتعزيز الابتكار و التكنولوجيا الأمريكية ، و يشمل ذلك الاستثمار الإنفاق على الأبحاث و التطوير العلمى، رفع مهارات العاملين ، و اجتذاب المزيد من الطلاب الوافدين من ذوى الكفاءات العالية الى برامج الدراسات العليا الأمريكية ، و تعزيز الصناعات المتقدمة مثل الصناعات البيولوجية و الذكاء الإصطناعى.
قالت آن هاريسون ، و هى خبيرة اقتصادية بجامعة بنسلفانيا ، إن الإدارة الأمريكية دعمت حماية الشركات للتنافس فى الأسواق العالمية ، مما أدى الى اغلاق الشركات غير القادرة على التنافسية العالمية.
كما يقول خبراء عن الذكاء الاصطناعى ” على الادارة الامريكية ان تدفع الى المزيد من الاستثمارات فى الابحاث الأكاديمية و الميدانية ، بدلا من تقليص الأبحاث العلمية و التى تخدم الصناعات ولآسيما التكنولوجية منها”.
الحرب التجارية ضد الصين :
تبدأ الحرب التجارية من وجه ترامب و التى تسعى إلى تحسين وضع العجز فى الميزان التجارى بين البلدين و الذى وصل 800 مليار دولار.
فى إتهام صريح للصين للسطو على الملكية الفكرية من قبل طلابها و شركاتها التى تقلد المنتج الأمريكى مما يضر بالصناعات الامريكية و الذى يمثل عجزا تجاريا بقيمة 300 مليار دولار ، و كذلك ان حجم صادرات الصين الى الولايات المتحدة أكبر بكثير من حجم صادرات الولايات المتحدة إلى الصين مما أدى إلى ظهور عجز تجارى يصل إلى 500 مليار دولار .
وبحسب تقارير أمريكية فإن البيت الأبيض سيفرض رسوما جمركية ستطبق 25% من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بقيمة 50 مليار دولار .
ويعود نهج العقوبات الأمريكية ضد بكين إلى عام 1989، إذ فرضت ردا على أحداث ميدان تيانانمن. وحاولت واشنطن عزل الصين بشكل شامل عن طريق التجميد الكامل للعلاقات وعقوبات اقتصادية ضارة. لكن في عام 1993 تراجعت الولايات المتحدة عن هذه السياسة وبدأت العمل على تطبيع العلاقات مع بكين.
الحرب التجارية ضد روسيا:
لقد فشل بوتين فى اقناع الغرب او الضغط عليه لرفع موجات متتالية من العقوبات الاقتصادية و الامريكية و الاوروبية المفروضة على روسيا منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014. الاتحاد الاوروبى ، الذى أشار بعض أعضائة خلال السنوات القليلة الماضية الى أنهم كانوا مستعدين للنظر فى منح موسكو هدنه إقتصادية ، و شدد بشكل مماثل على العقوبات ، خاصة فى أعقاب إكتشاف الحكومة البريطانية ان روسيا كانت مسؤولة عن محاولة اغتيال على الأرض البريطانية العقيد السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية سيرغي سكريبال وابنته يوليا بإستخدام غاز الاعصاب .
ان الفشل فى إحراز تقدم فى تحرير الإقتصاد الروسى من العقوبات يشكل نكسة للاقتصاد الروسى من الداخل و الخارج.
الحرب التجارية ضد إيران :
قالت الولايات المتحدة الأمريكية يوم الاثنين الموافق 6 أغسطس 2018 أنها تعيد فرض عقوبات إقتصادية على ايران رفعت بموجب الاتفاق النووى فى عام 2015 مما زاد الضغوط على طهران لكنه زاد من سوء العلاقات مع الحلفاء الاوروبيين.
العقوبات هى نتيجة لقرار ترامب للانسحاب من صفقة دولية تسعى للحد من برنامج إيران النووى مقابل تخفيف الضغط على الإقتصاد المتردى فى إيران.
قال وزراء خارجية كل من بريطانيا و فرنسا و المانيا و الاتحاد الاوروبى فى بيان مشترك ” اننا عازمون على حماية الشركات الاقتصادية و الاوروبية التى تعمل فى مجال الاعمال المشروعة مع ايران وقعت روسيا و الصين على الاتفاقية 2015 .
و بإعادة فرض العقوبات ، فإن الولايات المتحدة ترغم حلفائها فعليا على الالتزام بالعقوبات ، مع الضغط على الشركات الاوروبية الكبرى للاختيار بين السوق الايرانية الصغيرة أو السوق الأمريكية الضخمة.
الحرب التجارية ضد تركيا :
تفاقمت حدة الخلافات يوم الجمعة الموافق 10أغسطس 2018 ، بين كلا من الولايات المتحدة الأمريكية و تركيا من خلال الاقتصاد العالمى ، و ذلك بسبب استمرار احتجاز القس الامريكى “اندرو برونسون” ، الذى تم سجنة قبل 21 شهر فى جملة قمع واسعة النطاق بعد فشل الإنقلاب فى تركيا.
اثارت المواجهه العميقة تساؤلات حول ما اذا كان الزعيمان القويان سيخوضان المزيد من الفوضى على نطاق أوسع بينما يتنافسان على نزاع دبلوماسى اخذ فى الاتساع بركز بشكل كبير على شخصيات فردية.
يقول الرئيس التركى طيب رجب اردوغان ان الانقلاب تم تنسيقه من الولايات المتحدة ، و على وجه التحديد من قبل فتح الله غولن ، و طالبت السلطات التركية بتسليمة ، و هو ما رفضه المسؤلون الامريكيون.
لكن التأثير الضخم عكس مخاوف عميقة بشأن الإدارة الإقتصادية لتركيا من قبل الرئيس التركى رجب طيب أوردغان ، الذى اعيد انتخابة فى يونيو 2018
كما انها زادت من خطر ان المشاكل فى تركيا التى تقع على الحدود مع ايران و العراق وسوريا ، يمكن أن تزعزع استقرار اقتصادات الدول المجاورة .
ان اقتصاد تركيا هو السابع عشر فقط فى العالم ، ولكن مشاكله تزداد سوءا حيث أن حرب تجارة ترامب تزعج التجارة العالمية ، و تدمر التحالفات الطويلة التى تهدد النمو الإقتصادى فى جميع أنحاء العالم.
لقد انخفضت العملة التركية الليرة التى تداولت بسعر 4.7 دولار قبل شهر ، الى 6.4 دولار يوم الجمعة 10 / 8 / 2018 و هى المرة الاولى على الاطلاق التى تحتاج فيها الى اكثر من 6 ليرة لشراء الدولار . فقد فقدت الليرة أكثر من 30 فى المائة من قيمتها هذا الشهر.
فقد اعلن ترامب عن فرض عقوبات اقتصادية إضافية مضاعفة التعريفات الجمركية على الصلب التركى المستورد الى 50% و على الالومنيوم إلى 20% بعد ان قام ترامب بمعاقبة اثنين من وزراء الحكومة التركية الاسبوع الماضى.
كما قال ترامب فى تغريدة له “لقد سمحت اليوم بمضاعفة التعريفة الجمركية على الصلب و الالمنيوم فيما يتعلق بالعملة التركية ، العملة التركية التى تنزلق سريعا نحو الانخفاض مقابل الدولار القوى جدا ، سيكون الالومنيوم الان 20% و الصلب 50% . علاقتنا مع تركيا ليست جيدة فى هذا الوقت”.
ادى انخفاض الليرة الى ارتجف الاسواق المالية لانه اثار الشكوك حول الاستثمار فى الاوراق المالية التركية . ارتفع العائد من السندات التركية ، و هو ما يعنى ان التجار يطالبون بعائدات أعلى بكثير لما يعتبرونه استثمارا ينطوى على المخاطر المتوقعة .
كيف تتصدي الدول للحرب التجارية :
تختلف ردود أفعال الدول المفروض عليها العقوبات الإقتصادية تبعا لحجم إقتصاداتها فى مواجهه فرض العقوبات ، و هناك عدة طرق لمواجه العقوبات المفروضة على إقتصاداتها كالتالى :
المعاملة بالمثل
شنغهاى : بفضل تعريفة ترامب ، سيدفع الأمريكيون قريبا المزيد من المال مقابل مجموعة واسعة من السلع الصينية الصنع ، وينتهى الأمر ببعض العملاء الامريكين بشراء منتجات من بلدان أخرى .
يعد الاقتصاد الصينى من أكبر اقتصادات العالم ، إذ تمثل الرسوم الجمركية عبئا ضئيلا على اقتصاد الصين الذى يبلغ حجمه 13 ترليون دولار.
و تتخذ الصين طريق الرد بمبدأ “المعاملة بالمثل” ، فقد قررت الصين زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية 60 مليار دولار الغاز المسال و الصلب و بعض أنواع الطائرات .
كما أعلنت وزارة المالية الصينية عن فرض رسوم جمركية بأكثر من 5200 سلعة مستوردة من الولايات المتحدة بنسبة تصل بين 5% الى 25% .
و لكن السؤال الذى يطرح نفسة من الذى يرضخ أولا لسياسة عض الاصابع الصين ام الولايات المتحدة الأمريكية ؟
بدائل شراكة تجارية جديدة
إنضمت كلا من أوروبا و اليابان و كندا للولايات المتحدة الأمريكية بشأن فرض المزيد من العقوبات الإقتصادية على موسكو ، و قد تنحصر العقوبات فى حظر التعاملات الاقتصادية مع الشركات و البنوك و المسؤلين الروس ، و منع شراء السندات و الاسهم من بنوك تابعة لحكومات روسية ، و منع دخول سياسيين و دبلوماسيين روس للدول التى فرضت تلك العقوبات ، كذلك منع تصدير مجموعة من السلع و المعدات المستهدفة فى قطاع الطاقة الى روسيا ، تجميد عضوية روسيا فى مجموعة قمة الثمانى ، و تجميد المحادثات العسكرية مع موسكو ، و منع تصدير السلاح الى روسيا.
إلا أن روسيا وجدت الحل فى التضامن الإقتصادى مع الصين و اليونان و دول البريكس (الصين و البرازيل و الهند و جنوب أفريقيا و روسيا ) ، لتتمكن من تخطى الأزمة.
فك العملة المحلية بالدولار
و كالة الأناضول : قال الرئيس التركى رجب طيب أوردغان ، يوم السبت الموافق 11 أغسطس 2018 إن بلاده تستعد لإستخدام العملات المحلية فى التبادلات التجارية البينية الخارجية.
و أضاف الرئيس التركى : نستعد لإستخدام العملات المحلية فى تجارتنا مع الصين و روسيا و إيران و أوكرانيا و غيرها من الدول التى نملك التبادل التجارى الأكبر معها.و أكد أن ” الرد على المؤامرة هى الانتاج و التصدير و التوظيف و النمو و تخفيض الفائدة التى هى أداة إستغلالية تجعل الأغنياء أكثر غنى و الفقراء أكثر فقرا”.
الخاتمة
تتغير خريطة العالم بإستمرار ، ما بين حربين عالميتين أولى و ثانية و يعقبهما الحرب الباردة بين قوتين عظمتين إلى إرساء مبادىء العولمة ، و اليوم نحن بصدد أحد أبرز أهم الحروب اللاعسكرية التى تشنها أقوى إقتصاد فى العالم فى الولايات المتحدة الأمريكية لإرغام الدول الحليفة أو الغير مرغوب التعامل معها للخضوع و الخنوع نحو إرادة الولايات المتحدة و تغيير سياساتها و قد يعقب الحرب الإقتصادية الحرب العسكرية بعد تدمير البنى التحيتية من صحة و تعليم و أغذية إلى تدمير الصناعات المحلية ، و ما يستتبعة من هجرات جماعية كما حدث فى العراق عام1990 ، حينما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية على العراق عقوبة إقتصادية لإرغامه على سحب العراق قواتها من الكويت . إن حجم الآثار السلبية التى تؤثر على الاقتصادات الدول بل أن الشعوب هى التى تدفع ثمن التعنت فى اصدار العقوبات على صادراتها أو منع الدول من التصدير اليها خشية أن يطولها عقوبات أخرى . نحن أمام سياسة عالمية إقتصادية جديدة و هى بداية الحرب الإقتصادية العالمية.