الاقتصاديةالدراسات البحثية

قراءة في حروب “ترامب” الإقتصادية

اعداد : أحمد بوخريص ،باحث في العلاقات الدولية – المغرب

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمــــــة:

تثير شخصية “ترامب” الكثير من التساؤلات والإنتقادات على الصعيدين الداخلي والخارجي، ففي الداخل تشتد الإنتقادات “لترامب” بسبب شخصيته المثيرة للجدل، وبسبب تغريداته وتصريحاته ،التي لم يعرف الجمهور الأميركي مثيلا لها في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة، وكذلك  بسبب التحقيق الذي تجريه السلطات حول تدخل روسيا المزعوم في الإنتخابات الأميركية والتي أوصلت “ترامب” إلى السلطة.
أما على الصعيد الخارجي، فتتباين نظرة العالم إلى ترامب؛ فمن ناحية هو يتجه بسرعة وتهوّر كبيرين إلى الحروب الإقتصادية – يفرض العقوبات الاقتصادية على العالم، ويهدد بالحمائية وفرض التعريفات الجمركية ،ويخلّ بأسس الإقتصاد والتجارة العالميتين- ومن ناحية ثانية هو غير معني بالحروب العسكرية، ولا يريد التدخل العسكري في أي بلد، وغير معني بتغيير الأنظمة بالقوة، ولكنه في الوقت نفسه يبني جيشاً أميركياً هائل القدرات ويسلحه بأحدث التجهيزات، ويكرّس للدفاع أكبر ميزانية وأكثرها طموحاً في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.
نعم، قد يكون “ترامب” غير معني بالحروب العسكرية كونه يأتي من خلفية رجال الأعمال، وليس من الصقور المؤمنة بقدرة القوة العسكرية على تحقيق هيمنة أميركية على العالم، بالإضافة الى أن تجربة الأميركيين مع الاستخدام المفرط للقوة الصلبة قد أدّى إلى عكس ما يحلمون به من هيمنة إمبراطورية أميركية على العالم، نظّر لها المحافظون الجدد على عهد “بوش” ولكنها أتت بنتيجة معاكسة، حيث أدّت إلى تراجع النفوذ الأميركي في العالم، وازداد إلهام الشعوب وثقتها بقدرتها على تحدي الهيمنة الأميركية على دولها.
لكن، في المقابل يقوم “ترامب” اليوم بحرب فعلية وحقيقية، فهو يفرض عقوبات على روسيا وتركيا وإيران وغيرها من الدول، والتي تؤثر بشكل كبير على اقتصادها وعلى عملتها، كما يقوم بفرض التعريفات الجمركية ويعتمد الأساليب الحمائية التي تضرّ بالإقتصاد الأوروبي والصيني، وتزعزع أسس وقواعد التجارة العالمية التي أقرّت مع منظمة التجارة العالمية.[1]

  • إذن ما الداعي لهذه الحروب ؟ وماهي نتائجها ؟

توطئـــــــــة:

أ-  تعريف الحرب الإقتصادية:

الحرب الإقتصادية من أقدم أنواع الحروب التي عرفتها البشرية، وهي الحرب التي تقوم كنوع من الصراع على الموارد الإقتصادية وتملك الأسواق الدولية ومصادر الطاقة والماء، وهي ذاتها الأسباب الأساسية للحربين العالميتين الأولى والثانية، وحتى منتصف القرن العشرين كان يتم تنفيذ تلك الحروب، وقد كانت الحروب الإقتصادية في القرون الماضية غير واضحة، باستخدام القوة العسكرية والإستعمار الذي انتشر في جميع أنحاء العالم في بداية القرن التاسع عشر، إلا أن تلك الصورة تبدلت وتغيرت في النصف الثاني من ذلك القرن، وحلت صور الإحتلال الإقتصادي والسيطرة على الأسواق، من خلال حركة الواردات ورؤوس الأموال محل القوة العسكرية… وتجلت أعظم صور ذلك الاحتلال وآلياته فيما عرف مؤخرًا بالعولمة والنظام العالمي الجديد ،وهو ما كان له آثاره المدمرة ونتائجه الخطيرة خاصة على الدول النامية، وتتمثل نتائج وآثار الحرب الاقتصادية في البطالة والهجرة وتغير معاني الثقافة ،وزيادة أعداد ما تحت خط الفقر.[2]

ب –الأسلحة المستخدمة في الحرب الإقتصادية:

    1 -المقاطعة الإقتصادية هي السلاح الأول:

تعتبر المقاطعة الإقتصادية من أهم أسلحة الحرب الإقتصادية وذلك من خلال مقاطعة كاملة لسلع إحدى الدول، وعدم الإستيراد منها أو التصدير إليها على الإطلاق، وذلك باستخدام المنتجات المنافسة لمنتجات تلك الدولة وعدم إعطائها أي فرصة لترويج سلعها التصديرية.

وتعد مقاطعة السلع الغذائية أكثر تأثيرًا؛ لأنها أكثر سرعة في التلف تليها بعد ذلك السلع المصنعة.

    2 -الحصار الإقتصادي والعسكري:

و يمكن للمقاطعة الاقتصادية أن تدخل نطاقًا أوسع من ذلك لتشمل الحصار الاقتصادي، ومنع دخول وخروج السلع للمنطقة الواقعة داخل الحصار الاقتصادي، وذلك من خلال فرض حصار بحري وجوي وبري مثلما حدث مع العراق وليبيا وكوبا.

والحصار الاقتصادي أكثر أسلحة الحرب الاقتصادية فتكًا؛ لأنه يترتب عليه نقص في الأدوية والغذاء ومحدودية الاحتكاك بالعالم الخارجي، مما يترتب عليه نتائج اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى مثل المجاعات والأمراض.

    3 -اختراق الأسواق والاحتكار والإغراق:

يعتبر اختراق الأسواق الداخلية من الدول الكبرى القادرة على شن حرب اقتصادية، من أهم الأسلحة المستخدمة في تلك الحرب، حيث يتم الاختراق للأسواق وعمل الإغراق في بعض السلع والمنتجات؛ وذلك لضرب الجهاز الإنتاجي الداخلي للدولة وإضعافه، وعدم قدرته على المنافسة والمقاومة وذلك باستغلال الاتفاقيات الدولية التي تتيح حرية التجارة العالمية.

ومن زاوية أخرى يتم اختراق الأسواق عن طريق الاحتكار وتملك خطوط الإنتاج، والصناعات الحيوية في الدول المراد تدميرها اقتصاديًّا.

والدليل على ذلك علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بأوروبا من خلال تجارة الصويا، حيث تمتلك الولايات المتحدة الاحتكار العالمي لتجارة الصويا، وتصدر منها كل عام عشرة ملايين طن ؛ لتغذية الحيوانات التي يعتمد غذاء أوروبا من اللحوم بشدة عليها.

والولايات المتحدة شديدة اليقظة لحماية هذا الاحتكار، حيث نجحت في إغلاق مصنع Lavera في فرنسا ومنشأة Sardaigne في إيطاليا؛ وذلك لمنع المنتجين الصناعيين من استخدام ابتكار جديد لعالم فرنسي يؤدي إلى إنتاج بديل أفضل للكسب الأمريكي.

وربما كان الشيء الوحيد الذي تستورده الولايات المتحدة من العالم هو العقول البشرية، حيث تعمل على استقطاب تلك العقول ورعايتها وتوفير كل مقومات النجاح لها، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤثر تأثيرًا شديدًا عليها.

    4 -صنع الأزمات الإقتصادية:

تمتلك الدول المتقدمة أجهزة لصنع الأزمات الاقتصادية في الدول الأخرى، سواء الأزمات المالية أو الأزمات الخاصة بالبنوك وانهيار البورصات، وكذلك الأزمات التي تأخذ صبغة الدورة الاقتصادية مثل الركود.

وتمتلك تلك الأجهزة الخاصة بصنع الأزمات الاقتصادية، من الأدوات التي تمكنها من تلك الوظيفة مثل التقنية الفائقة السرعة، والتي تمكنها من العبث في مؤشرات البورصات العالمية أو الإقليمية، وكذلك نشر الإشاعات التي تهدف لأشياء معينة، إلى غير ذلك من الأساليب التكتيكية، ولقد كان لهذه الأجهزة الدور الأكبر في صنع الأزمات المالية العالمية والانهيارات الاقتصادية الدولية، لما تحققه الدول صاحبة تلك الأجهزة من مصالح اقتصادية وسياسية على السواء، وليس أدل على ذلك من أزمة النمور الآسيوية التي وقعت في عام 1997.[3]

  • العقوبات الإقتصادية الأمريكية:

       أ- ضد روسيــــــا:

شنت الولايات المتحدة حرب العقوبات الاقتصادية باتجاه روسيا ، وأصدر الكونجرس مشروع قانون تفعيل أوسع لهذه العقوبات ، وسيكون من الصعب على الرئيس “ترامب” استخدام حق الفيتو لوقف تنفيذه، حتى لا يزيد من قوة الحملة التي تتهمه بالتعاون مع روسيا في التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي جاءت به إلى المقعد البيضاوي.

الغضب الروسي جاء مدويا، فقد وصف الرئيس بوتين العقوبات بأنها خطوة وقحة، ودليل على مضي الولايات المتحدة في سياستها العدوانية، التي لا تحترم القوانين والإتفاقيات الدولية، وتعهدت موسكو باتخاذ تدابير عقابية مماثلة في مواجهة العقوبات، ووصف بوتين إصرار أمريكا على اتهاماتها لروسيا بالتدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية بأنها «هيستريا»، وقال إنها ناجمة عن الصراعات داخل الدوائر الأمريكية، لكن السؤال الذي يشغل الجميع هو: هل يمكن لواشنطن أن تحقق بالعقوبات ما عجزت عن تحقيقه بالتلويح بالقوة العسكرية، وأن تؤتي ثمارها بتغيير سلوك الدول ، وتعيد لأمريكا هيبتها؟

العقوبات الأمريكية تتضمن وضع قائمة سوداء بشخصيات وشركات، تمنع الشركات والبنوك والسلطات الأمريكية من التعامل معها، وتضغط على حلفائها لاتخاذ قرارات مماثلة، لتضفي على قراراتها صفة الدولية، لزيادة تأثيرها وقوتها.

استهدفت دوائر صناعة القرار الأمريكي تحقيق هدفين من إصدار الكونجرس قانون العقوبات ضد روسيا ، الأول هو الضغط على روسيا أو معاقبتها على الوقوف ضد المصالح الأمريكية في سوريا وأوكرانيا، بالإضافة إلى دفع “ترامب” إلى الصدام مع بوتين، وتخريب العلاقة التي كان “ترامب” قد وعد بإصلاحها بين واشنطن وموسكو أثناء حملته الإنتخابية، وإحلال التعاون بدلا من الصدام في مجال مكافحة الإرهاب والأزمة السورية.[4]

ب: ضد تركيــــــا:

بعد صداقة وشراكة طويلتين امتدت لعقود بين الولايات المتحدة والجمهورية التركية، فرضت أمريكا بقيادة الرئيس دونالد “ترامب” ذو الشخصية الرأسمالية المادية، الذي سبق أن وصف رئيس الجمهورية التركية “رجب طيب أردوغان” بـ(القوي)، عقوبات اقتصادية وتجارية مختلفة هي الأولى من نوعها -بحسب مراقبين- منذ أزمة قبرص التي كانت رداً على تدخل القوات التركية في الجزيرة القبرصية عام 1974، من خلال (عملية السلام في قبرص) فرضت الولايات المتحدة حظراً على بيع وتصدير السلاح لها أستمر حتى عام 1978، بعد كل هذه الفترة فرضت الإدارة الجمهورية في البيت الأبيض بصقورها الجدد بقيادة رجل المال “ترامب” عقوبات وصفت بالنوعية على تركيا، الدولة العضو في حلف الشمال الأطلسي، بدأها الكونغرس بقرار منع بيع مقاتلات من طراز (F – 35) لتركيا، وقبلها فرض عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين، وهددت أيضا بإلغاء الإعفاء الجمركي الذي تتمتع به تركيا، وبدأ فعلا بسلسلة العقوبات التي وصلت إلى وضع تعريفة جمركية مرتفعة على الألمونيوم والفولاذ، مستهدفاً قطاع البناء، الذي كان النمو الاقتصادي السابق في تركيا معتمدا عليه كثيرا، فإذا تضرر هذا القطاع تضرر الإقتصاد في استيراد هذه المواد، ما أدى إلى انخفاض قيمة الليرة، حيث تراجعت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، وفقدت أكثر من 27% من قيمتها، بل أن تركيا وفق ذلك تجاوزت الأرجنتين وأصبح سوق سنداتها المقومة بالعملة المحلية في تراجع ملحوظ، ويتبع ضعف الليرة وفقا لخبراء إلى مجموعة متنوعة من العوامل، هناك عجز الحساب الجاري المتراكم في البلاد البالغ 57.4 مليار دولار، بارتفاع حاد من 33.1 مليار دولار عام 2013، ويرجع جزء كبير من ذلك إلى ارتفاع سعر النفط، وتعتبر تركيا مستورداً صافياً للنفط ،وواحدة من أهم وجهات التصدير الإيرانية، الأمر الذي يزيد من تأزم اقتصادها في ضوء الاستئناف الوشيك للعقوبات الإيرانية.[5]

ج- ضد إيـــــران:

اتجهت الإدارة الأمريكية إلى ممارسة أقصى الضغوط اتجاه إيران بعد الإنسحاب من الإتفاق النووي، وإعادة العقوبات السابقة وفرض عقوبات جديدة مشددة تطال عصب الإقتصاد الإيراني، خاصة قطاعي الطاقة، من النفط والغاز، والبنوك وفرض عقوبات على الدول والشركات التي تستثمر أو تشتري النفط الإيراني.

باتت نتائج هذه العقوبات تظهر بشكل ملحوظ، في ظل هروب الإستثمارات الأجنبية خاصة الأوروبية من السوق الإيرانية ،مثل شركات “توتال” و”بريتش” “بترليوم” وغيرها، وإعلان الدول الرئيسية المستوردة للنفط الإيراني، اليابان والهند والصين، تقليل وارداتها النفطية من إيران، وهو ما زاد من الضغوط على النظام الإيراني، خاصة في ظل الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها في الداخل، مع اندلاع المظاهرات أكثر من مرة وفى كل المدن الإيرانية، احتجاجا على تدهور الأوضاع الإقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة والإنخفاض الكبير في قيمة العملة، نتيجة لإنفاق النظام الإيراني الأموال التي تدفقت عقب إبرام الإتفاق النووي على توسيع الدور الإقليمي لإيران في المنطقة، ودعم وتمويل أذرعها العسكرية في لبنان و اليمن و العراق وسوريا، وذلك تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني وذراعه الخارجية فيلق القدس، والذي زادت ميزانيته العسكرية إلى أكثر من 20%، بما أثر سلبا على فرص تحقيق التنمية وتحسين معيشة الشعب الإيراني.

إن زيادة الضغوط الإقتصادية الأمريكية وحرمان النظام الإيراني من أهم موارده، تشكل ضغطا كبيرا عليه، وهو ما اعترف به المسئولون الإيرانيون، من تزايد التأثيرات السلبية للعقوبات الأمريكية، ما دفع النظام إلى تصعيد خطابه وتهديداته للولايات المتحدة، وتحميلها مسؤولية تلك المشكلات باعتبارها مؤامرة خارجية.[6]

2: – الرسوم الجمركية الأمريكية:

أ – الرسوم الجمركية الأمريكية على البضائع الصينية :

  • بداية فرض الرسوم:

انطلقت شرارة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فور إعلان الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، فرض رسوم وضرائب بقيمة 25 % على واردات الفولاذ، و 10 % على الألمونيوم، اللذان تستوردهما أمريكا، وفور إعلان القرار الذي يطبق على كل دول العالم – عدا المكسيك وكندا اللذان استثناهما “ترامب” من قراره – بدأت الحرب التجارية بين الصين وأمريكا في الإشتعال.

وبحسب وزير التجارة الأميركي “ويلبور روس”، فإن الولايات المتحدة هي أكبر مستورد للفولاذ في العالم، فالواردات الأمريكية تبلغ أربعة أضعاف ما تصدره واشنطن.

لم تمر سوى أسابيع معدودات، حتى جاء الرد الصيني، فقد قامت بكين بفرض رسوم على سلع أمريكية بقيمة 3 مليارات دولار، وأعلنت وزارة المالية الصينية فرض 15% على الفواكه والمنتجات ذات الصلة، و25% على منتجات أخرى من بينها لحم الخنزير، وفقا لوكالة أنباء الصين «شينخوا»، ستتأثر 128 سلعة أمريكية بهذه التعريفات الجمركية.

وفي 22 مارس الماضي، زادت الحرب التجارية بين الصين وأمريكا اشتعالا وضراوة، وأعلن البيت الأبيض فرض رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة  50 مليار دولار، ردا على ما تصفها أمريكا بـ «سرقات حقوق الملكية الأمريكية»، وحددت واشنطن 1300 منتج صيني يمكن فرض رسوم عليها بنسبة 25 % عليها، وصرح المستشار الإقتصادي البارز في البيت الأبيض “إيفريت اينشنستات”، أن الرسوم الجديدة على الواردات ستستهدف قطاعات صناعية «سعت فيها الصين إلى الحصول على ميزة من خلال الإستحواذ غير المنصف، أو نقل التكنولوجيا بالقوة من الشركات الأمريكية».

لم تنتظر بكين كثيرا، وجاء الرد الصيني بالمثل، وذلك بفرض رسوم إضافية على سلع أمريكية بقيمة 50 مليار دولار، وأعلنت وزارة المالية الصينية فرض رسوم إضافية نسبتها 25 % على 106 منتجات أمريكية، من بينها: فول الصويا والسيارات والكيماويات وبعض أنواع الطائرات والذرة، بالإضافة إلى منتجات زراعية أخرى، وأفادت وزارة التجارة الصينية أن حجم المنتجات المستهدفة بالرسوم الجمركية بلغ 50 مليار دولار في 2017 ، كما قدمت بكين شكوى لمنظمة التجارة العالمية ضد خطة واشنطن، بفرض رسوم جمركية على صادرات بقيمة 50 مليارا.

الرد الصيني على الرسوم الأمريكية، لم ينزل بردا وسلاما على الرئيس “ترامب”، الذي وصف الرد الصيني بأنه «غير عادل»، مقترحا فرض 100 مليار دولار كرسوم إضافية على الصين، فهو يرى أن سياسة الصين، تؤدي إلى «سرقة حقوق الملكية الفكرية»، مضيفا أن  واشنطن تجاهلت لسنوات «الممارسات التجارية الصينية غير المشروعة»، التي أدت إلى تدمير آلاف المصانع وفقدان ملايين فرص العمل، على حسب قوله.

واستقبلت الصين قرار ترامب بنيته فرض 100 مليار دولار كرسوم إضافية على منتجاتها ، بإعلانها أنها على  أتم استعداد للرد على الرسوم الأمريكية الجديدة ، وبالشكل الملائم .

أثار إعلان ترامب، فرض رسوم على الواردات الصينية، ردود فعل غير ودية من رفاقه في الحزب الجمهوري، وحذروا أن هذه الإجراءات ستؤذي الأمريكيين وتكلفهم فرص عمل، وطالبت سلاسل متاجر كبرى مثل “وولمارت” و”تارجت”، “ترامب” بالتفكير بعناية بتأثير فرض الرسوم على أسعار السلع والعائلات الأمريكية.

فبالأرقام، تستورد أمريكا منتجات من الصين أكثر من أي بلد آخر في العالم ، وقدرت قيمة ما استوردته أمريكا في عام 2017 من الصين بـ 505 مليارات دولار، وفقا لبيانات أمريكية حكومية، في حين أن الولايات المتحدة تصدر فقط بما تبلغ قمته 130 مليار دولار للصين من تلك المنتجات ، ما خلق عجزا أو فارقا بـ 375 مليار دولار ، وهذا ما خلق جزءً كبيرا من العجز التجاري مع الصين[7].

  • أهداف الحرب التجارية الأمريكية على الصين:
  • تهدف الولايات المتحدة من حربها التجارية على الصين تحقيق نوعين من الأهداف:

1 ـ الأوّل مرحلي:

وهذا الهدف المرحلي هو ما يبرره الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في حربه الحالية على الصين، ويتمثل بتحقيق الأمور الآتية:

أ ـ الحد من العجز التجاري بين أمريكا والصين: فالميزان التجاري الأمريكي يعاني من العجز مع الصين، ففي عام 2017م كانت قيمة العجز مع الصين 375 مليار دولار؛ لهذا طلب وزير الخزانة الأمريكي من نائب الرئيس الصيني، خفض هذا العجز من خلال زيادة مشتريات الصين من أمريكا في قطاع الزراعة والطاقة، وعلى هذا الأساس وافقت الصين على شراء منتجات زراعية، ومنتجات طاقة أمريكية بقيمة نحو 70 مليار دولار، لكنّ هذا لا يكفي لسدّ ذلك العجز؛ بل لابدّ من فتح الصين لأسواقها أمام الخدمات الأمريكية، وهذا أمر حساس سياسياً وإيديولوجياً بالنسبة للصين.

ب ـ الحد من سرقة الصين لحقوق الملكية الفكرية في مجال التكنولوجيا: وقد تعهد نائب الرئيس الصيني لأمريكا بتعزيز حقوق الملكية الفكرية، من خلال تعديل قانون براءة الاختراع، لكن تطبيق هذه القانون صعب في الصين، وكذلك لم تذكر الصين في استراتيجيتها الصناعية “صنع في الصين 2025” مشكلة الملكية الفكرية، وذلك لتنافس الصين وأمريكا على مسألة التفوق التكنولوجي.

ج ـ الحد من الدين الخارجي مع الصين: يهدف “ترامب” إلى تخفيض الدين الخارجي الأمريكي، من خلال تخفيض النفقات العسكرية الخارجية، وتقليل العجز التجاري، والصين هي أكبر بلد يملك سندات خزينة أمريكية، حيث بلغت قيمة السندات الأمريكية التي تملكها الصين 1.261 تريليون دولار، وهي تمثل 20% من قيمة الدين الخارجي الأمريكي، والحد من هذا الدين هو وسيلة هامة من أجل تجريد الصين من سلاح اقتصادي قوي قد تستخدمه ضدّ أمريكا.

قال الباحث الاقتصادي الأمريكي “ماكس كايزر”: “الصين تبيع ديونها لمدّة عشر سنوات بسعر أقل من السعر الحقيقي من أجل ضرب الإقتصاد الأمريكي… ولذلك من خلال تقليل حجم الديون، ستصبح أمريكا هدفاً أصغر للصين، ويتقلص ضعفها الاقتصادي مقابل الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة، الناتجة عن إغراق سندات الدين الأمريكية التي تبلغ قيمتها عدة تريليونات”،ويضيف: “السندات قنبلة نووية اقتصادية، فإذا سحبت المفتاح وقررت التخلص من السندات، سيكون لذلك تأثير كبير على سوق المال في أمريكا، وسيؤدي إلى صدمة تؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي”.

د ـ السياسة الصناعية في الصين: هذه السياسة تهدف إلى نمو القطاع الصناعي الصيني بعيداً عن المعايير الدولية والقانونية، ومسألة صناعة الصين المقلّدة للصناعات الأخرى تدل على ذلك بوضوح؛ لذا لا بدّ من التأثير على سياسة الصين الصناعية..

هـ ـ جلب الاستثمارات الأجنبية إلى أمريكا:

ذكر ترامب في تغريدة أن: “التعريفات الجمركية التي فرضها تعمل بشكل جيد.. وأنّ كلّ دول العالم تريد أن تأخذ الثروات إلى خارج الولايات المتحدة على حساب مصالحنا، فلنفرض عليهم الضرائب، إذا كانوا لا يريدون أن يخضعوا للضرائب الأمريكية، فليصنعوا منتجاتهم في الولايات المتحدة، ما يعني المزيد من الوظائف والثروات لنا”.

تلك هي الأمور المرحلية التي جعلت ترامب يبدأ الحرب التجارية على الصين.

ـ الثاني استراتيجي:

وهذا الهدف الاستراتيجي هو محور السياسة الأمريكية، ولا يرتبط بترامب أو غيره؛ لأنّه أمر استراتيجي يسير على ضوؤه السّاسة الأمريكيون من مختلف الأحزاب، وهذا الهدف الاستراتيجي هو: إزاحة أية قوة صاعدة تهدّد هيمنة الأمريكان على قيادة العالم واستغلاله، وهو منبثق من “مصيدة توكيديدس”.

وبالنسبة لأمريكا فقد اختزل “بول وولفوتيز” – نائب وزير دفاع سابق، ورئيس البنك الدولي – سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الاستراتيجية، لضمان بسط نفوذها وسيطرتها بقوله: “هدفنا الأول هو منع ظهور منافس جديد لنا، وهذا تفكير سائد بسبب استراتيجية الدفاع الإقليمية الجديدة، وهي ما يتطلب منا أن نمنع أي سلطة عدائية من السيطرة على منطقة موارد، تكون كافية لتوليد سلطة عالمية.. تشمل هذه المناطق، أوروبا الغربية وشرق آسيا، ودول الاتحاد السوفييتي السابق، وجنوب غرب آسيا”.[8]

  • ردة الفعل الصينية:

هل تريد الصين حربا تجارية؟ من خلال تحليل سلوك الصين في الفترة الأخيرة، ردا على الاستفزازات الأمريكية، يمكن القول إن بكين تسعى بكل السبل إلى تفادي الوصول إلى صراع تجاري مفتوح مع واشنطن، التي تصر من جانبها على السير في هذا الطريق، ليس مع الصين فقط، وإنما أيضا مع قوى تجارية كبرى في العالم، مثل الاتحاد الأوروبي واليابان، غير أن الصين لن تسمح بأن تدفع ثمن سياسات أمريكية خاطئة، من وجهة النظر الصينية، ومخالفة لقواعد منظمة التجارة العالمية، ولهذا، لن تكون الصين البادئة بإطلاق الرصاصة الأولى في هذه الحرب، ولكن ذلك لا يعني أن بكين لن ترد على أي إجحاف أو ضرر يلحق بمصالحها الاقتصادية، وقد تجلى ذلك في سلسلة القرارات التي اتخذتها بكين، التي ربما لديها المزيد من الأوراق في هذا الصراع، لعل إدارة “ترامب” تدرك أن تكلفة قراراتها ستكون باهظة على الشعب الأمريكي.[9]

ب- الرسوم الجمركية الأمريكية ضد أوروبا:

إن ما تشهده العلاقات الأمريكية – الأوروبية من تبادل رفع الرسوم التجارية، هو بمثابة الإنطلاقة نحو حرب تجارية شعواء تؤثر على الإقتصاد العالمي، كما حذر عدد من الخبراء،          من المعروف أن التجارة بين الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، تعد هي الأكبر على مستوى   العالم، إذ تقدر بمئات المليارات من الدولارات، وهناك ارتباط تجاري وثيق بين واشنطن  وحلفائها الأوروبيين ، ومن هنا فإن حرب الرسوم التجارية والتي بدأتها إدارة “ترامب” لن ترضي الجانب الأوروبي، خاصة دول الاتحاد الأوروبي والتي أعلنت عن رفضها للخطوة الأمريكية ، سوف تفرض رسوما مضادة وبنفس النسبة على بعض المنتجات الأمريكية التي تستوردها من أمريكا.

الخطوة الأمريكية تأتي في إطار سياسات “ترامب”، والتي ترى أن كل الإتفاقيات السياسية والتجارية التي أبرمتها الولايات المتحدة مع العالم ، تضر بمصالحها ، وأنه لابد من الإنسحاب منها وفرض اتفاقيات جديدة ، تتماشى والمزاج الجديد لإدارة “ترامب” التي لا يهمها تداعيات ذلك على الاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم .
إن الخطوة الأمريكية ببدء فرض رسوم عالية تصل إلى 25 في المائة على منتجات الصلب والألمنيوم القادمة من أوروبا، تفتح المجال نحو حرب تجارية قاسية ليس فقط بين ضفتي الأطلسي ، ولكن مع العملاق الصيني الذي أعلن بدوره عن فرض رسوم تجارية على عدد من المنتجات الأمريكية وبنفس النسبة ، كما أن تداعيات تلك الحرب التجارية سوف تمتد إلى دول الشرق الأوسط، ومن هنا فإن هناك صداما تجاريا قادما إذا لم تتوصل الأطراف المعنية إلى حلول موضوعية،[10] تجنب الاقتصاد الدولي المزيد من المتاعب، خاصة مسالة إمكانية حدوث ركود اقتصادي .

3: تعليق صندوق النقد الدولي:

في اجتماعه الأخير، أقر صندوق النقد الدولي بأن الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس الأمريكي، “دونالد ترامب”، ستلحق بالاقتصاد العالمي خسائر تصل لـ1.52 تريليون دولار، وستتضرر الولايات المتحدة على المدى البعيد.
قدر الصندوق الدولي أسوء السيناريوهات لهذه الحرب، حيث ستتقلص السوق العالمية بنسبة 17 في المئة، إلى جانب انخفاض الإنتاج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 1.9 في المئة.

وبالتالي فإن الاقتصاد العالمي معرض لانتكاسات اقتصادية أكبر من تلك التي حدثت في عامي 2008-2009، بحسب ما نشرت صحيفة “أي بي سي” الإسبانية.

ومن المتوقع أن يبلغ النمو في التجارة العالمية 3.9 في المئة، وهو أقل بنصف في المائة عن العام الماضي، ويتوقع الخبراء أن ينخفض هذا الرقم بنسبة 0.2 في المئة.

ووفقا لخبراء الصندوق الدولي، فإنه في حال لم ينه قطبا التجارة العالمية الصين وأمريكا حربهما الاقتصادية، فإن الاقتصاد العالمي سيخسر حوالي 1.52 تريليون دولار، بالإضافة للخسائر غير المتوقعة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويتوقع الخبراء أن تتضرر الصين من هذه الحرب على المدى القريب، ولكن الضرر سيعود على الولايات المتحدة الأمريكية على المدى البعيد ،نظرا لارتباطها بعقوبات انتقامية من الصين، وستعاني أكثر من غيرها.[11]

كما حذر صندوق النقد الدولي من تنامي احتمالات اندلاع صراعات تجارية متصاعدة ومستدامة، مما يهدد بإخراج التعافي الاقتصادي عن مساره، وكبح فرص النمو في المدى المتوسط.

وحسب صندوق النقد في تحديث لتقرير توقعات نمو الاقتصاد العالمي، إن الولايات المتحدة منكشفة بشكل خاص على مخاطر حدوث تباطؤ في صادراتها، في ضوء الرسوم الانتقامية التي سيفرضها شركاؤها التجاريون.

وأضاف الصندوق أن تصاعد الرسوم الجمركية إلى المستويات التي تهدد بها الولايات المتحدة والصين ودول أخرى، لن يؤثر تأثيرا مباشرا على الطلب فحسب، بل سيؤجج أيضا عدم التيقن ويضر بالاستثمار.

وقال “موريس أوبستفيلد” كبير اقتصاديي الصندوق في بيان له “نموذجنا ينبئ بأنه في حالة تحقق تهديدات السياسة التجارية الحالية، وتراجع ثقة الشركات نتيجة لذلك، فإن الناتج العالمي قد ينخفض نحو 0.5 بالمائة عن توقعاتنا الحالية بحلول 2020.”

وأضاف “أوبستفيلد “باعتبارها في بؤرة الإجراءات الانتقامية العالمية، فإن الولايات المتحدة ستواجه رسوما على حصة كبيرة نسبيا من صادراتها في الأسواق العالمية، في حالة اندلاع مثل هذا الصراع التجاري الواسع النطاق، وهي بالتالي منكشفة على نحو خاص.”

وأبقى صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو العالمي دون تغيير عند 3.9 بالمئة لكل من 2018 و2019، مقارنة مع توقعاته السابقة الصادرة في أبريل.

وظلت التوقعات الخاصة بالولايات المتحدة والصين كما هي حيث يتوقع الصندوق نمو الاقتصاد الأمريكي ب 2.9 بالمئة في 2018 و2.7 بالمائة في 2019، واقتصاد الصين ب 6.6  بالمائة في 2018 و ب6.4 بالمائة في 2019.

لكن الصندوق قلص توقعاته لنمو 2018 في منطقة اليورو واليابان وبريطانيا، متعللا بأداء أضعف من المتوقع للربع الأول من السنة، وتشديد الأوضاع المالية لأسباب منها عدم التيقن السياسي.

وخفض الصندوق توقعه لنمو منطقة اليورو في 2018 إلى 2.2 بالمائة من 2.4 بالمائة، ولنمو بريطانيا إلى 1.4 بالمائة من 1.6 بالمئة، وقلص توقعه لنمو الاقتصاد الياباني إلى واحد بالمائة من 1.2 بالمئة.[12]

4: نتائج الحرب التجارية الأمريكية:

مشهد دراماتيكي متصاعد يلف العالم على وقع نذر الحرب التجارية بين الولايـــــات المتحدة الأمريكية والصين، إثر فرض الرئيس دونالد ترامب رسوما جمركية على واردات صينية، وتهديد بكين بإجراءات مماثلة بكل ما يعنيه ذلك من وطأة وتحديات كبيـــــرة، وشائكة تلف أجواء الاقتصادات العالمية.
تطرح أجواء هذه  الحرب تساؤلات كبيرة، عقب إصدار الرئيس ترامب في مـــــــارس الماضي قرارا بزيادة التعرفة الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم 25 و 10 في المائة على التوالي، الذي لاقى اعتراضا شديدا من الإتحاد الأوروبي والصين وكندا ودول عدة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أصدرت عدة دول قرارات وإجراءات مضادة بشأن رفع التعرفة الجمركية على سلع أمريكية، عملا بمبدأ المعاملة بالمثل لحماية منتجاتها من القرار الأمريكي، باعتباره يلحق ضررا بالاقتصاد العالمي وانسيابية الحركة التجارية.
وتحولت المسألة من قرارات أميركية عامة شملت جميع الدول، إلى قرارات استهدفــــــت خصوصا سلعا صينية، لتفرض عليها رسوما جمركية بقيمة 50 مليار دولار، لترد بكين على الفور بإخضاع أكثر من 100 سلعة أمريكية وبنفس القيمة، لرسوم جمركية فرضتها واشنطن عليها، لترد الأخيرة مرة ثانية بالتوجه لرفع رسوم سلع صينية بقيمة 200 مليار دولار.
وبررت الصين ما قامت به من خطوات بأنه خيارها الوحيد، معتبرة أن قرارات الولايات المتحدة مضرة بالإمدادات العالمية، وتحدث اضطرابات في السوق، في حين رأت واشنطن أن سياستها تهدف إلى مواجهة العجز الكبير في ميزانها التجاري، خصوصا مع الصين البالغ نحو 375 مليار دولار، وتعمد بكين إلى خفض قيمة عملتها :”اليوان” لتحقيق ميزة تنافسية للسلع الصينية على حساب الأمريكية.
ووصلت القضية إلى حد اتهام الولايات المتحدة الصين بالاعتداء على حقوق الملكية الفكرية للمنتجات الأمريكية، بشكل أدى إلى تعرض تلك المنتجات لخسائر بلغت مئات الملايين من الدولارات سنويا وهو ما نفته الصين.
ولأهمية هذه المواجهات التجارية فقد حذر صندوق النقد الدولي “من نتائج الحرب التجارية التي ستؤدي إلى تقويض نظام التجارة العالمي، وإلى خسارة الجانبين” مؤكدا “أن الإجراءات التجارية الأحادية مدمرة لعمل الاقتصاد العالمي”.
في هذا السياق رأى عدد من الإقتصاديين أن هذا المشهد اذا تصاعد في المرحـــلة المقبلة، فإنه سيؤثر على الإقتصاد العالمي ككل لا على الدول المعنية.
وأكد الاقتصاديون أن هذه المواجهة يمكن ان تتحول إلى حرب تجارية “لا رابح فيها”، موضحين أن الخسارة ستمس الجميع مما سيؤثر على نمو الاقتصاد العالمي، ويسبب ضررا على مختلف دول العالم، ومنها دول مجلس التعاون الخليجي التي قد تتأثر نتيجة انخفاض أسعار النفط بسبب تراجع الطلب عليه.
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت الدكتور أحمد النجار: “إن الإجراءات الحمائية التي تعمل بها الولايات المتحدة، يمكن أن تستفيد منها على المدى القصير لكنها ستتضرر على المدى الطويل، ولن يخدم اقتصادها لأن الأطراف الأخرى ستعاملها بالمثل”.
وأوضح النجار “أن الميزان التجاري الأمريكي يعاني عجزا دائما منذ سنوات طويلة”، لافتا إلى أن الضرر في هذه المواجهة سيكون على الجميع، وإن كانت بنسب متفاوتة حسب التركيب الهيكلي للصادرات والواردات بين الولايات المتحدة وبقية الدول.
وأضاف أن قرار رفع الرسوم الجمركية لم يكن الأول من نوعه ،فقد كان عام 2003 خلال فترة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، الذي فرض زيادة في الرسوم على الصلب والألمنيوم، نتج عنها انخفاض في فرص العمل لنحو 200 ألف وظيفة، مع انخفاض رواتب بقيمة 4 مليارات دولار.
وأوضح أن هذا القرار حمى صناعة الصلب وإنتاج الألمنيوم الأمريكي مباشرة حينها،  لكنه أضر بقطاعات أخرى مرتبطة به مثل صناعة السيارات وصناعات أخرى بسبب ارتفاع تكلفة تلك المواد، مما خفض من حجم الإنتاج ونتج عنه تقليل فرص العمل في السوق الأمريكي.

من جانبه أكد أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت الدكتور عباس المجرن:” أن أي حرب تجارية ستكون لها تداعيات سلبية لا على الأطراف المتنازعة فحسب، إنما ستمتد إلى أطراف أخرى بشكل ينعكس سلبا على الاقتصاد العالمي ككل”.
وقال المجرن: “إن الرسوم الجمركية العالية والقيود الكمية على الواردات، ستؤدي إلى تراجع في حجم التجارة الدولية، وفي مستوى النشاط الاقتصادي، مما يؤدي إلى انخفاض معدل النمو الاقتصادي العالمي”.
وأضاف أن: “المواجهة التجارية على الرغم من أنها ما زالت محدودة النطاق وفي بداياتها، فإن التوقعات المتحفظة للنمو من جانب المؤسسات الدولية، تظهر التداعيات المحتملة لمثل هذه المواجهة”.
وأوضح أنه:” على سبيل المثال، عدل صندوق النقد الدولي من توقعاته أخيرا لمعدل النمو الاقتصادي في منطقة دول الاتحاد الأوروبي، من 2ر4 في المائة إلى 2ر2 في المائة للعام المقبل” موضحا “أن مثل هذا التراجع في النمو سينعكس سلبا على الطلب على سلع رئيسية مثل النفط”.
وأكد أنه :”في هذه المواجهة التجارية لا يوجد طرف رابح فجميع الأطراف خاسرة، موضحا أن توجه الولايات المتحدة إلى فرض رسوم عالية على واردات من الصين والدول الأوروبية، كان ناتجا عن العجز الكبير في ميزانها التجاري خصوصا مع الصين الذي بلغ 375 مليار دولارا عام 2017، أي ما يعادل 65 في المائة من إجمالي العجز التجاري الأمريكي”.
وأوضح أن:” الحل الأفضل لمواجهة مثل هذا الوضع هو: “الحوار والتفاوض” بين هذه الأطراف، في إطار منظمة التجارة العالمية، للتوصل إلى توافقات مرضية للجميع، ليس عبر قرارات أحادية، وإجراءات انتقامية متبادلة بين الدول والمجموعات الاقتصادية المختلفة”.
ووصف المجرن اقتصادات الولايات المتحدة والصين وأوروبا بالأقوى على المستوى العالمي، إذ تشكل تجارتها العالمية مجتمعة مع الدول الأخرى نحو نصف التجارة العالمية، وتبلغ حصة الصين من التجارة العالمية نحو 17 في المائة، في حين تبلغ حصة الإتحاد الأوروبي 16 في المائة وحصة الولايات المتحدة 15 في المائة.
وأضاف أن تأثيرات هذا الصراع ستظهر بصورة تدريجية في المستقبل، بتصاعد المواجهة التجارية و حدتها، ما يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم وتراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي، وسيتبع ذلك انخفاض الطلب على الموارد وفي مقدمتها النفط الذي قد تعود أسعاره إلى الانخفاض، وما يتبع ذلك من تدهور حجم الإيرادات للدول البترولية.
ولفت من جانب آخر إلى أن رفع الرسوم الجمركية والإجراءات الحمائية، سيؤدي بشكل تلقائي إلى رفع أسعار السلع والمنتجات على المستوى العالمي، وتزايد معدلات التضخم في أسعار السلع بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجها.[13]

   وقالت غرفة التجارة الأوروبية في الصين: أن تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تضر بالشركات الأوروبية، وتؤدي إلى اضطراب عمل شبكة إمداداتها العالمية، وبحسب المسح الذي أجرته الغرفة، قال 54% من الشركات الأوروبية التي شملها المسح، إنها تنظر بشكل سلبي إلى الرسوم الأمريكية على السلع الصينية، في حين قال 43% من الشركات إنها تنظر بنفس الطريقة إلى الرسوم الصينية على السلع الأمريكية.

وذكر التقرير الصادر عن الغرفة أن الرسوم المتبادلة بين أكبر اقتصادين في العالم، تؤدي إلى تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي، وتقلص عدد الوظائف وتؤخر تحديث المنتجات، وقال 17% من الشركات أجلت زيادة استثماراتها أو توسعاتها بسبب التوترات التجارية.

وقال “ماتس هاربورن”: رئيس الغرفة: “إن تأثيرات الحرب التجارية الأمريكية الصينية على الشركات الأوروبية في الصين كبيرة وسلبية بصورة كاسحة”.

وقال “ماتس هاربورن”: “إن الشركات الأوروبية تشاطر الولايات المتحدة مخاوفها من الممارسات التجارية والاستثمارية للصين، لكن المضي قدما على طريق تصعيد الرسوم خطير للغاية”.

يُذكر أن غرفة التجارة الأوروبية في الصين، هي أحدث الأصوات التي تحذر من تداعيات استمرار تبادل فرض الرسوم العقابية على حركة التجارة بين واشنطن وبكين.[14]

خاتمــــــة:

بالرغم من الإمتعاض من سياسات “ترامب” فيما يخص الحروب التجارية، والعقوبات الإقتصادية داخليا وخارجيا، لما لها من آثار سلبية على حرية التجارة، لكن واشنطن من خلال عملتها العالمية: “الدولار” لازالت تملك الأسواق وتتحكم بالإقتصاد العالمي، وأتضح أن العالم يحتاجها كثيرا، وتبين أن الولايات المتحدة لازالت تمسك بخيوط النظام الدولي وتتحكم بوضع قواعده، مما يؤكد أنها قوة عظمى مهيمنة في مطلع القرن الحادي والعشرين، وأن النظريات التي قالت أن العالم أصبح متعدد الأقطاب، وبدأ أفول القوة الأمريكية الذي ظهر بعد التعثر الأمريكي في أفغانستان والعراق والآن في سوريا، وعودة الدب الروسي وصعود الإتحاد الأوروبي والصين، وكذلك الهند والبرازيل وبروز النمور الآسيوية، لم تتبلور حتى الآن ولا تزال مجرد تكهنات وحديث سياسة وإعلام، و يبدو أن أميركا ستبقى لفترة طويلة، القوة التي يدور حولها العالم، إذ تريد أميركا تمرير التغييرات والصيغ التي تريدها على النظام الدولي الحالي، وتبقى فيه أميركا زعيمة العالم، ولكن أميركا إذا أستمرت بالتعامل مع  دول العالم بهذه الكيفية، وتجاوز القواعد الاقتصادية والقانونية المتفق عليها وتجاهلها، سيؤدي إلى اندلاع الصراعات والإرتباكات، ويدفع دول العالم للبحث عن نظام جديد تعمل فيه وفقاً لقواعد متعددة، وتتجاهل أميركا التي تتبنى مبدأ الأحادية.[15]

المصادر:

  – ليلى نقولى: أستاذة العلاقات الدولية بجامعة اللبنانية “حروب “ترامب” التجارية: هل تشعل حربا عالمية ؟”:- موقع :الميادين : www.almayadeen.net بتاريخ: 27 شتنبر2018.

– محمد كمال:”الحروب الإقتصادية …المفهوم والأدوات”– الموقع. http://mohamadkamal.unblog.fr/6/.9 أكتوبر2018 .

– مصطفى السعيد: “العقوبات الأمريكية ضد روسيا وإيران-: جريدة الأهرام-: الأحد7 من ذي القعدة 1438 هــ / 30يوليوز 2017 السنة 141  العدد 47718- الموقع: الأهرام- www.ahram.org.eg

-: د أسعد كاظم شبيب :”العقوبات الأمريكية على تركيا …أردوغان بمواجهة ترامب“- مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية..

  – بتاريخ-21/08/ 2018http://mcsr.net/news419الموقع:

: د: أحمد سيد احمد:” أمريكا وإيران وسياسة حافة الهاوية”

جريدة الأهرام :الأربعاء 12 من ذي القعدة 1439 هــ 25 يوليو 2018 السنة 142 العدد 48078: – www.ahram.org.eg.

“الحرب التجارية بين الصين وأمريكا…القصة الكاملة” 

www.akhbarelyom.comجريدة: أخبار اليوم:9 أبريل 2018  

19/08/2018.-www.eqtsad.net– أحمد الراغب :” الحرب التجارية الأمريكية الصينية”…” مصيدة توكيديس”

– حسين إسماعيل- خبير في الشؤون الصينية-“هل هي حرب تجارية صينية- أمريكية؟”  جريدة الأهرام:

      بتاريخ :السبت 1 من ذي القعدة 1439 هــ 14 يوليو 2018 السنة 142 العدد 48067

– عوض بن سعيد باقور“حتى لا تتفاقم الحرب التجارية بين الحلفاء

– جريدة: “عمان”:الأربعاء17 أكتوبر2018″www.omandaily.com—

– “خريف اقتصادي مقبل “..”.صندوق النقد الدولي يحصي خسائر حرب ترامب التجارية

الثلاثاء 16 أكتوبر2018/www.akhbaralyawm.com/87805_الموقع : أخبار اليوم

-” صندوق النقد الدولي : الحرب التجارية أشد خطرا على الولايات المتحدة “ جريدة اليوم السابع:

الإثنين 16 يونيو2018

– محمد العنزي: “نذر الحرب التجارية..تحد كبير وشائك يلف أجواء الاقتصادات العالمية” وكالة الأنباء الكويتية”كونا”

بتاريخ: 28/07/2018..www.kuna.net.kw

– جريدة الشروق :”الشركات الأوروبية تأكد تضررها من الحرب التجارية بين الصين وأمريا

www.shorouknews.com    الموقع:

[1]– ليلى نقولى: أستاذة العلاقات الدولية بجامعة اللبنانية “حروب “ترامب” التجارية: هل تشعل حربا عالمية ؟”:- موقع :الميادين :

www.almayadeen.net بتاريخ: 27 شتنبر2018.

[2]-محمد كمال:”الحروب الإقتصادية …المفهوم والأدوات”– الموقع. http://mohamadkamal.unblog.fr/6/.9 أكتوبر2018 .

[3]  – محمد كمال:”الحروب الإقتصادية …المفهوم والأدوات”– الموقع. http://mohamadkamal.unblog.fr/6/.9 أكتوبر2018.

[4] – مصطفى السعيد: “العقوبات الأمريكية ضد روسيا وإيران-: جريدة الأهرام-: الأحد7 من ذي القعدة 1438 هــ 30 يوليو 2017 السنة 141  العدد 47718- الموقع: الأهرام- www.ahram.org.eg.

-: د أسعد كاظم شبيب :”العقوبات الأمريكية على تركيا …أردوغان بمواجهة ترامب“- مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية..[5]

– بتاريخ-21/08/2018http://mcsr.net/news419الموقع:

  : د: أحمد سيد احمد:” أمريكا وإيران وسياسة حافة الهاوية”– [6]

جريدة الأهرام :الأربعاء 12 من ذي القعدة 1439 هــ 25 يوليو 2018 السنة 142 العدد 48078: – www.ahram.org.eg.

www.akhbarelyom.comجريدة: أخبار اليوم:9 أبريل 2018    “الحرب التجارية بين الصين وأمريكا…القصة الكاملة” -[7]

19/08/2018.-www.eqtsad.net- أحمد الراغب :” الحرب التجارية الأمريكية الصينية”…” مصيدة توكيديس”-[8]

– حسين إسماعيل- خبير في الشؤون الصينية-“هل هي حرب تجارية صينية- أمريكية؟”  جريدة الأهرام:[9]

بتاريخ :السبت 1 من ذي القعدة 1439 هــ 14 يوليو 2018 السنة 142 العدد 48067

عوض بن سعيد باقور“حتى لا تتفاقم الحرب التجارية بين الحلفاء“[10]

– جريدة: “عمان”:الأربعاء17 أكتوبر2018″www.omandaily.com—

– “خريف اقتصادي مقبل “..”.صندوق النقد الدولي يحصي خسائر حرب ترامب التجارية” [11]

الثلاثاء 16 أكتوبر2018/www.akhbaralyawm.com/87805_الموقع : أخبار اليوم

-” صندوق النقد الدولي : الحرب التجارية أشد خطرا على الولايات المتحدة “ جريدة اليوم السابع: الإثنين 16 يونيو2018″[12]

– محمد العنزي: “نذر الحرب التجارية..تحد كبير وشائك يلف أجواء الاقتصادات العالمية” وكالة الأنباء الكويتية”كونا”[13]

بتاريخ: 28/07/2018..www.kuna.net.kw

– جريدة الشروق :”الشركات الأوروبية تأكد تضررها من الحرب التجارية بين الصين وأمريا” -[14]

www.shorouknews.com    الموقع:

– د أحمد عدنان الميالي“الحروب التجارية كأداة للسياسة الخارجية الأمريكية” مركز المستقبل للدراسات الإستراتيجية.”[15]

– بتاريخ-14/08/2018http://mcsr.net/news419الموقع:

  • خاص – المركز الديمقراطي العربي
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى