العلاقات الصينية – الجزائرية : الواقع وآفاق المستقبل
اعداد : د . محمد الأمير أحمد عبدالعزيز – باحث فى التاريخ الحديث والمعاصر – مصر
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
العلاقات الصينية – الجزائرية علاقات متنوعة وليست وليدة اليوم بل امتدت لعقود من الزمن، وتعتبر العلاقات الصينية الجزائرية من أقوى وأرقى العلاقات على الإطلاق بين جميع العلاقات العربية مع الصين .
تشترك الصين والجزائر بروابط تاريخية نتيجة عوامل أساسية ميزت علاقتهما والتى من أهمها مساندة قضايا بعضهما البعض وتكاتفهما فى العديد من المواقف السياسية .
خلفيه تاريخية:
مرت مراحل تطور العلاقات بين البلدين بمحطات مهمة شكلت فى مجملها طريقاً لحالة صداقة قوية كانت بداية العلاقات الرسمية بين الصين الشعبية وجبهة التحرير الوطنية الجزائرية عقب اعتراف الصين الشعبية بالحكومة الجزائرية المؤقتة يوم 22 سبتمبر 1958، وبعدها أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والجزائر فى يوم 20 ديسمبر 1958م ، وبدأت الصين فى تقديم الدعم السياسى والمادى والعسكرى للجزائر منذ ذلك الوقت، وبعد الإعلان عن استقلال الجزائر 1962 كانت الصين من أولى الدول غير العربية التى قررت الاعتراف بالجمهورية الجزائرية .
واقع العلاقات الصينية الجزائرية:
يشمل التعاون بين البلدين المجالات السياسية الاقتصادية والعسكرية والثقافية، وقد أعطى التوقيع على إعلان الشراكة الإستراتيجية الشاملة فى مايو 2014 دفعاً قوياً للعلاقات بين البلدين.
وفى المجال السياسى تتطابق وجهات نظر البلدين بشأن العديد من المسائل الدولية الراهنة لاسيما مكافحة الإرهاب ورفض التدخل الخارجى فى شئون الدول، ومثال ذلك موقف الجزائر من الأزمة الليبية ومعارضتها للتدخل العسكرى للناتو لإسقاط نظام القذافى، مرورا بالمواقف الجزائرية المساندة للنظام السورى، ومعارضة التدخل الخارجى فى الأزمة السورية باعتبارها شأناً داخلياً، وكذلك رفضها المشاركة فى التحالف العربى بقيادة المملكة العربية السعودية لشن عمليات عسكرية فى اليمن ضد الحوثيين ومواقف الجزائر تلك جاءت متوافقة مع سياسة الصين الخارجية .
ويعتبر الجانب الاقتصادي فى العلاقات الصينية الجزائرية أحد أهم مرتكزات التعاون الجزائرى الصينى وأبرزها خلال القرن الحادى والعشرين، وتعد الصين بالنسبة للجزائر شريكاً اقتصادياً مهماً، وصارت الجزائر بمثابة السوق الأكبر للصين فى شمال إفريقيا .
وتصنف الصين كأول مستثمر فى الجزائر متجاوزة العديد من الدول الأوربية وعلى رأسها فرنسا التى كانت قبل سنة 2013 تعتبر المسيطرة إلى حد بعيد على الاستثمار والاقتصاد الجزائـــرى، وصنفت الصين فى المركز الأول كأهم مصدر للجزائر فى العام 2017 بحسب تقريـــر صادر عن المركز الجزائرى للإعلام والإحصاء التابع للجمارك الجزائرية، وذكر التقرير أن الصين صدرت للجزائر ما قيمته 8.31 مليار دولار أمريكى من السلع أى 18.1 % من إجمالى واردات الجزائر التى بلغت 45.95 مليار دولار [1] .
كما أضحت الجزائر منذ عام 2014 ثانى أكبر سوق للاستثمارات الصينية فى مجال البنية التحتية فى إفريقيا بعد نيجيريا، وتمكنت الشركات الصينية من الحصول على عقود بقيمة نحو 22 مليار دولار بين العامين 2005 و 2016 .
وقد انضمت الجزائر رسميا فى سبتمبر 2018 إلى مبادرة ” طريق الحرير الصينية الجديدة ” وما يمثله ذلك من تداعيات ايجابية على الاقتصاد الجزائرى مستقبلاً .
وفى مجال العلاقات العسكرية تمكنت الصين من اختراق السوق الجزائرية بالعديد من أنواع الأسلحة ففى شهر مايو 2017 عرض الجيش الجزائرى صوراً لمدافع هاوتز ذاتية الدفع صينية الصنع من طراز LZ 45155، كما تعاقدت الجزائر مع الصين من أجل تزويدها ب 50 صاروخاً مضاداً للسفن من طرازCC – 802 ، وأيضاً صواريخ أرض جو من طراز FM 90 ، وفى شهر يوليو 2017 تسلمت البحرية الجزائرية ثالث وأخر طراد من طراز C28A والتى تم التعاقد عليها منذ شهر مارس 2012، ولم يتوقف التعاون الصينى الجزائرى عند حد الصفقات العسكرية ليمتد إلى الفضاء فقد أطلقت الجزائر عام 2017 أول قمر صناعى موجه للاتصالات السلكية واللاسلكية والبث الاذاعى والتلفزيون والانترنت من قاعدة فضائية فى الصين، ويحمل القمر إسم “ألكوم سات”[2] .
وفى مجال العلاقات الثقافية ترتبط االصين والجزائر بعلاقات ثقافية وطيدة أصبحت تميز المشهد الثقافى الصينى – الجزائرى، ترجمها جملة الاتفاقيات بين البلدين فى هذا المجال وأقدمها اتفاقية التعاون الثقافى بين الجزائر والصين الموقة فى 14 سبتمبر 1963، ونجد الصين بدت حريصة على أن تسجل حضورها فى مختلف المحافل التى تنظمها الجزائر على غرار إرسالها لفرق موسيقية سيمفونية سنوياً، ولزيادة التعاون الثقافى بين البلدين لجأتا إلى تعليم لغتيهما العربية والصينية معاً لأبنائهما فى المدارس، وتعزيز تبادل وفود الطلبة فيما يخص الرحلات اللغوية التى تعتبر من أقدم الوسائل التى تساهم فى ترقية تعليم اللغة الصينية فى الجزائر ، وتسعى الجهات المختصة فى الجزائر للترويج للمدن الجزائرية كوجهة سياحية لدى الصينيين، خاصة بعد توقيع مذكرة تفاهم بين الجانب الجزائرى والجانب الصينى فى مجال تسهيل سفر أفواج السياح الصينيين إلى الجزائر .
مستقبل العلاقات الصينية – الجزائرية:
العلاقات الصينية – الجزائرية أمامها مستقبل واعد، وذلك فى إطار خصوصية العلاقات بين البلدين ما بين الماضى والحاضر، ولوجود مصالح مشتركة بين الطرفين، ومن أجل تحقيق تعاون متبادل المنفعة وتنمية مشتركة بين البلدين.
ومن المتوقع أن يرتفع حجم الاستثمارات الثنائية بين الجانبين فى السنوات القادمة خاصة فى ظل سياسة الدولة الجزائرية الحالية التى بدأت تدير ظهرها أكثر فأكثر للأوربيين.
وهناك إمكانية كبيره لزيادة المصالح المشتركة بين الطرفين فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية خاصة فى ظل تطابق وجهات النظر بين الجانبين فى العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وفى ظل سعى الصين للتوسع أكثر فأكثر فى السوق الجزائرية الواعدة واتخاذ الجزائر بوابة العبور إلى دول إفريقية أخرى، وتطوير التبادل الثقافى وتقديم المنح الدراسية من الجانبين فى مختلف التخصصات .
وعلى الجزائر التركيز على ضرورة الاستفادة من التجربة الصينية فى مجال التنمية والتكنولوجيا وذلك بتوسيع التعاون العلمى والتكنولوجى مع الصين .
خاتمة:
من العرض السابق يتضح مدى متانة العلاقات الصينية – الجزائرية على مختلف الأصعدة ، وهناك عوامل كثيرة تشير إلى أن العلاقات الصينية – الجزائرية مقبلة على مرحلة جديدة تتيح للطرفين تحقيق المزيد من التعاون والشراكة فى كافة المجالات .
[1]عبد القادر بن مسعود ، أصبحت حليفتها الإستراتيجية .. لماذا تنزعج أوربا من تقارب الجزائر مع الصين ؟، على الرابط الالكتروني:http:// www.sasapost.com/algerian-chinese-relation-upset-e/amp
[2] جون كلابريسى : العلاقات الصينية الجزائرية .. هل يسير البلدان فى طريق تجسيد قدراتهما الكاملة ترجمة وتحرير جلال خشيب، على الرابط الالكتروني:http://www.Idraksy.net/Sino-Algerian-relation-path-realizing-their-full-potentia